فصل: الحديث التَّاسِع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع:

عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَتَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن أُمِّي مَاتَت وَلم تحج. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: حجي عَن أمك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه، وَكَذَا التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَاقْتصر ابْن الْأَثِير فِي جامعه عَلَى عَزْوِه إِلَى التِّرْمِذِيّ فَقَط وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ.

.الحديث العَاشِر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن امْرَأَة من خثعم قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن فَرِيضَة الله عَلَى عباده أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يسْتَمْسك عَلَى الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: «لَا يثبت عَلَى الرَّاحِلَة» بدل «يسْتَمْسك» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «يَسْتَوِي» قَالَا: وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع. وَفِي رِوَايَة للبيهقي «يسْتَمْسك» كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَمن الروَاة من جعل هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس، عَن أَخِيه الْفضل، فَجعله من مُسْند الْفضل. وَفِي رِوَايَة للنسائي «أَن امْرَأَة من خثعم سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة جَمْعٍ...» الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَنْدَه فِي كتاب الإرداف لَهُ فِي آخر الحَدِيث: «فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن هَذَا يَوْم من ملك فِيهِ سَمعه وبصره وَلسَانه غفر لَهُ».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «كَمَا لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين فقضيته».
قلت: رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ «أَن رجلا قَالَ: يَا نَبِي الله، إِن ابي مَاتَ وَلم يحجّ أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فدين الله أَحَق بِالْوَفَاءِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ نَحْو هَذِه، وَقَالَ فِيهَا: «وَهُوَ شيخ كَبِير لَا يثبت عَلَى الرَّاحِلَة، وَإِن شددته خشيت أَن يَمُوت» وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْفضل وَجعل عوض الْمَرْأَة رجلا، وَأَنه استفتى عَن أمه. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أَخِيه الْفضل «أَنه كَانَ رِدْف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة النَّحْر فَأَتَتْهُ امْرَأَة من خثعم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن فَرِيضَة الله فِي الْحَج عَلَى عباده أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يركب أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم فَإِنَّهُ لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين قَضيته». وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا بِلَفْظ «فَقَالَت: يَا رَسُول الله، فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك؟ قَالَ: نعم، كَمَا لَو كَانَ عَلَيْهِ دين فقضيته نَفعه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الرِّوَايَة لم يذكر فِيهَا أَبُو بكر وَأَبُو زَكَرِيَّا ابْن عَبَّاس وَذكره غَيرهمَا. قَالَ ابْن حزم: وَأما رِوَايَة «حجي عَنهُ وَلَيْسَ لأحد بعده» فَفِيهَا مَجْهُولَانِ.
فَائِدَة: رَوَى ابْن مَاجَه فِي سنَنه «أَن أَبَا الْغَوْث- رجل من الْفَرْع- استفتى أَيْضا فِي الْحَج عَن أَبِيه، فَقَالَ: لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: حج عَن أَبِيك. قَالَ: وَكَذَلِكَ الصّيام فِي النّذر يُقْضَى عَنهُ». وَرَوَاهُ الدولابي فِي كناه وَقَالَ: رجل من خثعم: بدل «من الْفَرْع» وَفِيه: «يتَصَدَّق عَن الرجل ويصام عَنهُ وَلَده إِن كَانَ لَهُ، وَأَخُوهُ وَذُو قرَابَته مِنْهُ، وَالصَّدَََقَة أفضل» وَرَوَاهُ أطول من هَذَا أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن ذكر أَن الْإِنْسَان إِذا مَاتَ وَلم يجب عَلَيْهِ الْحَج لعدم الِاسْتِطَاعَة هَل يجوز أَن يحجّ عَنهُ، وَذكر أَنه قَالَ فِي الْوَسِيط بِالْجَوَازِ، وَاحْتج بِمَا رُوِيَ «أَن امْرَأَة قَالَت لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فَرِيضَة الْحَج عَلَى الْعباد أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ هَذَا الِاحْتِجَاج بِقَوي؛ لِأَن الحَدِيث هُوَ حَدِيث الخثعمية، وَاللَّفْظ الْمَشْهُور فِي حَدِيثهَا: «لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت عَلَى الرَّاحِلَة» وَذَلِكَ يدل عَلَى أَن اللَّفْظَة الَّتِي نقلهَا «أَن يثبت»
مَحْمُول عَلَى نفي استطاعته الْمُبَاشرَة، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي وجوب الْحَج وَالْمَسْأَلَة فِيمَن لَا وجوب عَلَيْهِ. قَالَ: وَيجوز أَن يحْتَج لَهُ بِحَدِيث بُرَيْدَة فَإِن الْمَرْأَة قَالَت: «إِن أُمِّي مَاتَت وَلم تحج» وَلم يفصل الْجَواب انْتَهَى.
قلت: فِي الْبَيْهَقِيّ نَحْو لفظ الْوَسِيط فَإِنَّهُ رَوَى من حَدِيث زيد بن عَلّي بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه، عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَلّي «أَن امْرَأَة من خثعم شَابة قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أبي شيخ كَبِير أَدْرَكته فَرِيضَة الله عَلَى عباده فِي الْحَج لَا يَسْتَطِيع أداءها، فَيُجزئ عني أَن أؤديها عَنهُ؟ قَالَ: نعم». وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب «مَا جَاءَ أَن عَرَفَة كلهَا موقف» من هَذَا الْوَجْه فِي أثْنَاء حَدِيث طَوِيل «فَقَالَت: إِن أبي شيخ كَبِير وَقد أَدْرَكته فَرِيضَة الله فِي الْحَج، أفيجزئ أَن أحج عَنهُ؟ قَالَ: حجي عَن أَبِيك» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه من حَدِيث عَلّي إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث مُجَاهِد عَن مولَى لِابْنِ الزبير، عَن ابْن الزبير عَن سَوْدَة قَالَت: «جَاءَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أبي شيخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ. قَالَ: أرأيتك لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين فَقضيت عَنهُ قبل مِنْك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَالله أرْحم، حج عَن أَبِيك».

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج وَمَاتَتْ قبل أَن تحج. فَقَالَ: لَو كَانَ عَلَى أختك دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فاقضوا الله فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه كَمَا سلف فِي الزَّكَاة فِي بَاب: «لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول». وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، عَن يزِيد الْأَصَم، عَن ابْن عَبَّاس، وَفِيه ذِكْر «الْأَب» بدل «الْأُخْت» وَفِيه «نعم حج عَن أَبِيك، فَإِن لم يزده خيرا لم يزده شرًّا». وَقَالَ ابْن عبد الْبر: تفرد بِهِ عبد الرَّزَّاق، وَلَا يُوجد فِي الدُّنْيَا عِنْد أحد غَيره، وخطؤه فِيهِ لانفراده بِهِ وَإِن كَانَ ثِقَة، وَهُوَ لفظ مُنكر لَا يشبه لفظ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلمهُ رَوَاهُ إِلَّا الثَّوْريّ من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة؛ فَجعل الْمُنْفَرد بِهِ هُوَ الثَّوْريّ.

.الحديث الثَّانِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت». وَهُوَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن سعيد الْعَطَّار، عَن مُحَمَّد بن كثير الْكُوفِي، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن زيد بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، مُحَمَّد بن كثير لم يَرْضَهُ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ: خرقنا حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَإِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ المَخْزُومِي الْمَكِّيّ، وَقد ضَعَّفُوهُ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مَوْقُوفا عَلَى زيد بن ثَابت، رَوَاهُ من حَدِيث هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين «أَن زيد بن ثَابت سُئِلَ: الْعمرَة قبل الْحَج؟ قَالَ: صلاتان لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت» ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن سَالم، عَن ابْن سِيرِين مَرْفُوعا، وَالصَّحِيح مَوْقُوف.
قلت: كَذَا وَقع فِي الْبَيْهَقِيّ إِسْمَاعِيل بن سَالم، وَالْمَعْرُوف ابْن مُسلم كَمَا قَدمته، وَكَذَا صحّح الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقفه عَلَى زيد بن ثَابت، وَعبد الْحق فِي أَحْكَامه أَيْضا صحّح وَقفه، وَله طَرِيق ثَان من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن عَطاء، عَن جَابر مَرْفُوعا: «الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان واجبتان». رَوَاهُ ابْن عدي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من جِهَته ثمَّ قَالَ: ابْن لَهِيعَة غير مُحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: غير مَحْفُوظ عَن عَطاء. قَالَ عبد الْحق: وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب- يَعْنِي: فِي إِيجَاب الْعمرَة- إِلَّا حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ. وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أعلم فِي إِيجَاب الْعمرَة حَدِيثا أَجود مِنْهُ وَلَا أصح مِنْهُ. وَقد ذكرته فِي تحفة دَلَائِل الْمِنْهَاج مَعَ عدَّة أَحَادِيث أخر فِي ذَلِك، فَرَاجعهَا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات.

.الحَدِيث الثَّالِث عشر:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْعمرَة: أَوَاجِبَة؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا فَهُوَ أولَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ إِلَّا أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ: «فَهُوَ أفضل» بدل «فَهُوَ أولَى». وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: «وَأَن تعتمر خير لَك». وَكَذَا لفظ أَحْمد إِلَّا أَنه قَالَ فِي أَوله: «أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي عَن الْعمرَة، أَوَاجِبَة هِيَ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَن تعتمر خير لَك». وَذكره ابْن حزم فِي محلاه بِلَفْظ: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعمرَة: أفريضة هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَأَن تعتمر فَهُوَ خير لَك». ومداره عَلَى الْحجَّاج بن أَرْطَاة أَبُو أَرْطَاة النَّخعِيّ الْكُوفِي وَقد عرفت حَاله فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين من بَاب الْأَذَان، وَمِمَّا لم أقدمه هُنَاكَ أَن مُسلما أخرج لَهُ مَقْرُونا وَرَوَى لَهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَوَصفه الْخَطِيب بِأَنَّهُ أحد الْحفاظ، وَقَالَ الْعجلِيّ: كَانَ فَقِيها أحد مُفِْتيّ أهل الْكُوفَة، وَكَانَ فِيهِ تيه وَكَانَ يَقُول: أهلكني حبُّ الشَّرَف. وَولي قَضَاء الْبَصْرَة، وَكَانَ جَائِز الحَدِيث إِلَّا أَنه صَاحب إرْسَال، وَإِنَّمَا يعيب النَّاس مِنْهُ التَّدْلِيس. وَقَالَ ابْن حبَان: تَركه ابْن الْمُبَارك وَيَحْيَى الْقطَّان وَابْن مهْدي وَيَحْيَى بن معِين وَأحمد بن حَنْبَل، وَكَانَ زَائِدَة يَأْمر بترك حَدِيثه، وَقَالَ أَحْمد: يزِيد فِي الْأَحَادِيث ويروي عَمَّن لم يلقهُ لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو طَالب عَن أَحْمد: كَانَ من الْحفاظ. قيل لَهُ: فلِمَ لَيْسَ هُوَ عِنْد النَّاس بِذَاكَ؟ قَالَ: لِأَن فِي حَدِيثه زِيَادَة عَلَى أَحَادِيث النَّاس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: يُدَلس عَن الضُّعَفَاء فَإِذا قَالَ: نَا فلَان فَلَا يرتاب. وَقَالَ ابْن عدي: عابوا عَلَيْهِ تدليسه عَن الزُّهْرِيّ وَغَيره، وَرُبمَا أَخطَأ، فَأَما أَن يتَعَمَّد الْكَذِب فَلَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: رَأَيْته فِي مَسْجِد الْكُوفَة يُحَدِّثهُمْ بِأَحَادِيث الْعَرْزَمِي ويدلسها عَلَى شُيُوخ الْعَرْزَمِي، والعرزمي قَائِم يُصَلِّي لَا يعرفهُ أحد وَالنَّاس عَلَى حجاج. وَقَالَ ابْن حزم: هُوَ سَاقِط. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: ناهيك فِيهِ أَي: فِي الضعْف. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: كَانَ لَا يُصَلِّي مَعَ الْمُسلمين فِي الْمَسْجِد، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: أكره مزاحمة البقالين لَا ينبل الْإِنْسَان حَتَّى يدع الصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة. وَأَنه أنكر السَّلَام عَلَى الْمَسَاكِين وَقَالَ: عَلَى مثل هَؤُلَاءِ يسلم!. فَهَذِهِ أَقْوَال الْحفاظ فِي الْحجَّاج مصرحة بضعفه وبتدليسه، وَقدمنَا توثيقه فِي بَاب الْأَذَان عَن الثَّوْريّ وَشعْبَة وَغَيرهمَا. وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَنهُ، أحدهم: عمر بن عَلّي الْمقدمِي، أخرجه التِّرْمِذِيّ من جِهَته، ومعتمر بن سُلَيْمَان وَأَبُو مُعَاوِيَة، وَعبد الله بن الْمُبَارك، أخرجه عَنْهُم الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي جمعه لأحاديث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقب إِخْرَاجه لَهُ من الْوَجْه الْمَذْكُور: هَذَا حَدِيث حسن. وَوَقع فِي رِوَايَة الْكَرْخِي دون غَيره كَمَا أَفَادَهُ صَاحب الإِمام عَنهُ زِيَادَة الصِّحَّة أَيْضا وَهُوَ مَا نَقله صَاحب الْأَحْكَام عَنهُ، وَفِي تَصْحِيحه نظر كَبِير، قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه: هَذَا حَدِيث بَاطِل حجاج سَاقِط. وَقَالَ الشَّافِعِي- فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ-: الْعمرَة سنة، لَا نعلم أحدا رخص فِي تَركهَا، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء ثَابت أَنَّهَا وَاجِبَة، قَالَ الشَّافِعِي: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَاد وَهُوَ ضَعِيف لَا تقوم بِمثلِهِ الْحجَّة، وَقد بلغنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يُوجِبهَا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ حجاج بن أَرْطَاة مَرْفُوعا، وَالْمَحْفُوظ إِنَّمَا هُوَ عَن جَابر مَوْقُوف عَلَيْهِ غير مَرْفُوع. قَالَ: وَرُوِيَ عَن جَابر مَرْفُوعا خلاف ذَلِك. قَالَ: وَكِلَاهُمَا ضَعِيف. ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من رِوَايَة غير الْحجَّاج بن أَرْطَاة، رَوَاهُ من طَرِيق سعيد بن عُفَيْر الْأنْصَارِيّ، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب عَن عبيد الله عَن أبي الزبير عَن جَابر أَنه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، الْعمرَة فَرِيضَة كَالْحَجِّ؟ قَالَ: لَا، وَأَن تعتمر فَهُوَ خير لَك» كَذَا قَالَ: عَن عبيد الله، وَهُوَ عبيد الله بن الْمُغيرَة تفرد بِهِ عَن أبي الزبير، ذكره يَعْقُوب بن سُفْيَان وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم البرقي وَغَيرهمَا، عَن ابْن عفير، عَن يَحْيَى عَن عبيد الله بن الْمُغيرَة. وَرَوَاهُ الباغندي، عَن جَعْفَر بن مُسَافر، عَن ابْن عفير وَقَالَ عَن يَحْيَى عَن عبيد الله بن عمر. وَهَذَا وهم من الباغندي، وَقد رَوَاهُ ابْن أبي دَاوُد، عَن جَعْفَر كَمَا رَوَاهُ النَّاس، وَإِنَّمَا يعرف هَذَا الْمَتْن بالحجاج بن أَرْطَاة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الْعمرَة تطوع» وَكِلَاهُمَا ضَعِيف. وَكَذَا قَالَ الطَّبَرَانِيّ لما أخرجه من حَدِيث سعيد بن عفير: عبيد الله هَذَا هُوَ ابْن أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ، وَلم يرو هَذَا الحَدِيث عَن أبي الزبير إِلَّا هُوَ، تفرد بِهِ يَحْيَى بن أَيُّوب، وَالْمَشْهُور: حَدِيث الْحجَّاج، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت، وحجاج بن أَرْطَاة يتفرد بِسَنَدِهِ، وَرَفعه إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا الْوَجْه، وَخَالفهُ عبد الْملك بن جريج وَغَيره، فَرَوَوْه عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر من قَوْله، وَهُوَ الصَّوَاب، وحجاج لَيْسَ يقبل مِنْهُ مَا ينْفَرد بِهِ من الرِّوَايَات لسوء حفظه، وَقلة مراعاته لما يحدث بِهِ، وَكَثْرَة تدليسه، فَكيف إِذا خَالف الثِّقَات وَرفع الْمَوْقُوفَات والمعضلات؟! وَقَالَ فِي الْمعرفَة: رَفعه ضَعِيف. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: هَذَا حَدِيث ضَعِيف. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: فِي تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث نظر، فَإِن الْحجَّاج بن أَرْطَاة لم يحْتَج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَقد ضعفه الْأَئِمَّة.
وَقَالَ صَاحب الإِمام: صحّح التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث وَاعْترض عَلَيْهِ بالْكلَام فِي الْحجَّاج بن أَرْطَاة رافعه، وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا من قَول جَابر. وَقَالَ الإِمَام الظَّاهِرِيّ: اعْترض عَلَى هَذَا الحَدِيث بِأَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: قَول التِّرْمِذِيّ: إِن هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غير مَقْبُول، وَلَا تغتر بِكَلَامِهِ؛
فقد اتّفق الْحفاظ عَلَى أَنه حَدِيث ضَعِيف، وَدَلِيل ضعفه أَن مَدَاره عَلَى الْحجَّاج بن أَرْطَاة لَا يعرف إِلَّا من جِهَته، وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا رَوَاهُ من جِهَته، وَالْحجاج ضَعِيف ومدلس بِاتِّفَاق الْحفاظ، وَقد قَالَ فِي حَدِيثه عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر والمدلس إِذا قَالَ فِي رِوَايَته عَن فَلَا يحْتَج بهَا بِلَا خلاف، كَمَا هُوَ مُقَرر فِي كتب أهل الحَدِيث وَأهل الْأُصُول وَلِأَن جُمْهُور الْعلمَاء عَلَى تَضْعِيف الْحجَّاج بِسَبَب آخر غير التَّدْلِيس فَإِذا كَانَ فِيهِ سببان يمْنَع كل وَاحِد مِنْهُمَا الِاحْتِجَاج بِهِ- وهما الضعْف والتدليس- فَكيف يكون حَدِيثا صَحِيحا، أَو حسنا! وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيمَا تقدم عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي الْعمرَة شَيْء ثَابت أَنَّهَا تطوع. فَالْحَاصِل من هَذَا كُله أَنه حَدِيث ضَعِيف، وَوَقع فِي الْمُهَذّب أَن هَذَا الحَدِيث رَفعه ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف فِيمَا يتفرد بِهِ، وَصَوَابه رَفعه الْحجَّاج بن أَرْطَاة كَمَا أوضحته فِي تخريجي لأحاديثه فَرَاجعه مِنْهُ، وَاعْترض عَلَى هَذِه الْعبارَة من وَجْهَيْن آخَرين كَمَا ذكرته فِيهِ.
تَنْبِيهَانِ:
أَحدهمَا: هَذَا الحَدِيث قد أسلفناه من حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَاعْترض عَلَيْهِ بِتَضْعِيف عبيد الله الْعمريّ المصغر. ورُويَ من طرق أُخْرَى: إِحْدَاهَا: من حَدِيث أبي صَالح الْحَنَفِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْحَج جِهَاد، وَالْعمْرَة تطوع» رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد بن سَالم، عَن الثَّوْريّ، عَن مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح بِهِ ثمَّ قَالَ: قلت لَهُ- يَعْنِي بعض المشرقيين- أيثبت مثل هَذَا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: هُوَ مُنْقَطع. وَكَذَا قَالَ ابْن حزم أَيْضا: إِنَّه مُرْسل. قَالَ: وَأَبُو صَالح ماهان ضَعِيف كُوفِي قد رَوَى عَنهُ جمَاعَة مشاهير، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ من حَدِيث شُعْبَة، عَن مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْصُولا وَالطَّرِيق فِيهِ إِلَى شُعْبَة طَرِيق ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حزم: رَوَاهُ عبد الْبَاقِي مُسْندًا بِزِيَادَة أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ كذب بحت من بلايا عبد الْبَاقِي. وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام، فَقَالَ: عبد الْبَاقِي من كبار الْحفاظ. قلت: لَكِن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يُخطئ كثيرا ويُصِرّ.
ثَانِيهَا:
من حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله مَرْفُوعا رَوَاهُ ابْن قَانِع أَيْضا وتَورَّكَ ابْن حزم عَلَيْهِ، فَقَالَ: اتّفق أَصْحَاب الحَدِيث عَلَى تَركه، وَهُوَ رَاوِي كل بلية وكذبة. وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين أَيْضا فَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء فَلم ينْفَرد بِهِ. فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه عَمَّن رَوَى عَنهُ عبد الْبَاقِي.
ثَالِثهَا:
من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة، عَن سَالم الْأَفْطَس، عَن ابْن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَمُحَمّد هَذَا مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حزم: رُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِيه عبد الْبَاقِي وَيَكْفِي ثمَّ هُوَ عَن ثَلَاثَة مجهولين فِي نَسَقٍ لَا يُدْرى من هم. ثمَّ أَطَالَ ابْن حزم فِي ذَلِك بأَشْيَاء أُخَر.
التَّنْبِيه الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أحد الْقَوْلَيْنِ أَن الْعمرَة سنة، قَالَ الْأَصْحَاب: وَلَو صَحَّ لم يلْزم مِنْهُ عدم وجوب الْعمرَة عَلَى النَّاس كلهم؛ لاحْتِمَال أَن المُرَاد لَيست وَاجِبَة فِي حق السَّائِل لعدم استطاعته. انْتَهَى الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَذكر فِيهِ اسْتِطْرَادًا حَدِيث «واشترطي الْخِيَار ثَلَاثًا» وسنتكلم عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ أليق بِهِ.

.وَذكر فِيهِ من الْآثَار:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله- تَعَالَى».
وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا فَقَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله}». وأسنده الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «وَالله إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله}». ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن جريج قَالَ: أخْبرت عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «الْعمرَة وَاجِبَة كوجوب الْحَج من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قَالَ الْحَاكِم: وَإِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبد الله بن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «الْحَج وَالْعمْرَة واجبتان» وَعَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي الْعمرَة وَالْحج: «إِنَّمَا أُمِرَ بهما فِي كتاب الله تَعَالَى». وَرَوَاهُ ابْن حزم من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي الْعمرَة وَالْحج: «إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا عَن ابْن عَبَّاس من طرق فِي غَايَة الصِّحَّة أَنَّهَا وَاجِبَة كوجوب الْحَج.

.باب الْمَوَاقِيت:

ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث سِتَّة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ: «قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لامْرَأَة من الْأَنْصَار- سَمَّاهَا ابْن عَبَّاس-: مَا مَنعك أَن تَحُجِّي مَعنا؟ قَالَت: لم يكن لنا إِلَّا ناضحان فحج أَبُو وَلَدهَا وَابْنهَا عَلَى ناضحٍ، وَترك لنا ناضحًا ننضح عَلَيْهِ. فَقَالَ: إِذا جَاءَ رَمَضَان فاعتمري فَإِن عمْرَة فِيهِ تعدل حجَّة» هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ: «فَإِن عمْرَة فِي رَمَضَان حجَّة» أَو نَحوا مِمَّا قَالَ، قَالَ عبد الْحق: وَخرج أَيْضا- أَعنِي فِي هَذَا الحَدِيث- من حَدِيث جَابر تَعْلِيقا، وَلمُسلم فِي طَرِيق أُخْرَى من حَدِيث ابْن عَبَّاس «تقضي حجَّة أَو حجَّة معي» وَسَمَّى الْمَرْأَة: أم سِنَان. قَالَ عبد الْحق: وَأخرج البُخَارِيّ هَذِه الطَّرِيقَة، وَقَالَ: أم سِنَان الْأَنْصَارِيَّة. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه، وللإسماعيلي فِي مُعْجَمه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: حج أَبُو طَلْحَة وَابْنه وتركاني. فَقَالَ لي: يَا أم سليم، عمْرَة فِي رَمَضَان تجزئك من حجَّة» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة معي» روياها من حَدِيث مُسَدّد، وعَن عبد الْوَارِث بن سعيد، عَن عَامر الْأَحول، عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
قلت: وعامر هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَرَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ، ثمَّ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه من حَدِيث أنس أَيْضا «عمْرَة فِي رَمَضَان حجَّة معي» ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: الرِّوَايَة فِي هَذَا ثَابِتَة من غير هَذَا الْوَجْه. وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أبي طليق «أَن امْرَأَته أم طليق قَالَت: يَا نَبِي الله، مَا يعدل الْحَج مَعَك؟ قَالَ: عمْرَة فِي رَمَضَان» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة أم معقل الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: هَذَا الحَدِيث ثَابت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب- يَعْنِي: عمْرَة رَمَضَان- عَن ابْن عَبَّاس، وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة وَأنس، ووهب بن خنبش. وَيُقَال: هرم بن خنبش، قَالَ الْخَطِيب فِي الموضح: ونقلته من خطه: وهب هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وهرم وهم. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ إِسْحَاق: مَعْنَى هَذَا الحَدِيث مثل مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «من قَرَأَ: {قل هُوَ الله أحد} فقد قَرَأَ ثلث الْقُرْآن».
فَائِدَة: قد ذكرت لَك أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة»
لجَماعَة: أم سِنَان، وَأم سليم، وَأم طليق، وَأم معقل، زَاد الْمُحب فِي أَحْكَامه: وَأم الْهَيْثَم.

.الحديث الثَّانِي:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْمَرَ عَائِشَة من التَّنْعِيم لَيْلَة المحصّب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيثهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أرْدف أختك- يَعْنِي: عَائِشَة- فَأَعْمِرْها من التَّنْعِيم؛ فَإِذا هَبَطت بهَا إِلَى الأَكَمَةِ فمُرْهَا فلتُحْرِم؛ فإنَّهَا عمْرَة متقبَّلَة». وَرَوَى هَذِه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا.
فَائِدَة: التَّنْعِيم- بِفَتْح التَّاء- من الحِلِّ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة عَلَى ثَلَاثَة أميالٍ من مَكَّة، وَقيل: أَرْبَعَة. حَكَاهُ النَّوَوِيّ، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّه عَلَى فَرسَخ من مَكَّة. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: عَلَى فرسخين مِنْهَا.
وعبارةُ المنذريِّ وَصَاحب الإِمام: هُوَ بَين مَكَّة وسرف عَلَى فرسخين من مَكَّة. وَقيل: عَلَى أَرْبَعَة أَمْيَال، سُمِّي بذلك؛ لِأَن عَن يَمِينه جبلا يُقَال لَهُ: نعيم، وَعَن شِمَاله جبل يُقَال لَهُ: ناعم، والوادي: نعْمَان. قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: وَتَبعهُ النوويُّ، ثمَّ المنذريُّ، ثمَّ صَاحب الإِمام.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعمر عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي سنة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ مطولا ومختصرًا «أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَحرمت بِعُمْرَة عَام حجَّة الْوَدَاع فَحَاضَت فَأمرهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تحرم بِحَجّ فَفعلت، وَصَارَت قارنة ونسكت الْمَنَاسِك كلهَا، فَلَمَّا طهرت طافت وسعت فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَام: قد حللت من حجك وعمرتك، فطلبت من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعمرها عمْرَة أُخْرَى، فَأذن لَهَا فَاعْتَمَرَتْ من التَّنْعِيم عُمرة أُخْرَى» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: كَانَت عمرتها فِي ذِي الْحجَّة ثمَّ سَأَلته أَن يعمرها فأعمرها فِي ذِي الْحجَّة، فَكَانَت هَذِه عمرتان فِي شهر. وَفِي سنَن سعيد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان، عَن صَدَقَة بن يسَار، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد «أنَّ عائشةَ اعتمرتْ فِي سنة ثلاثَ مراتٍ، فَقلت: تعيب ذَلِك عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: أَعلَى أم الْمُؤمنِينَ؟!» نَا سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عَائِشَة اعْتَمَرت من الْجحْفَة وَذي الحليفة فِي سنة» وَهَؤُلَاء ثِقَات مشاهير.

.الحديث الرَّابِع:

يُرْوَى أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن أفضل الْحَج أَن يحرم من دويرة أَهله».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ من حَدِيث جَابر بن نوح، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «فِي قَوْله- عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} قَالَ: من تَمام الْحَج أَن تُحْرِم من دُوَيْرة أهلك» ثمَّ قَالَ: وَفِي رَفعه نظر. وَذكره الْغَزالِيّ فِي وسيطه بِلَفْظ «من تَمام الْحَج وَالْعمْرَة أَن تحرم بهما من دُوَيْرة أهلك». قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ يُرْوَى بِإِسْنَاد ضَعِيف.
قلت: وَصَحَّ مَوْقُوفا عَلَى عَلِيٍّ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب.

.الحديث الخَامِس:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة، وَلأَهل نجد قرن الْمنَازل، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَمَ وَقَالَ: هن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن مِمَّن أَرَادَ الْحَج وَالْعمْرَة، وَمن كَانَ دون ذَلِك فَمن حَيْثُ أنشأ حَتَّى أهل مَكَّة يهلون مِنْهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِهَذَا اللَّفْظ وَفِي رِوَايَة لَهما «فَمن كَانَ دُونهن فمِنْ أَهْلِه، وَكَذَلِكَ حَتَّى أهل مَكَّة يُهلون مِنْهَا» وَأَخْرَجَا قَرِيبا مِنْهُ من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب قطعا مِنْهُ، فَذكر مِنْهُ مرّة «هن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غَيْرهنَّ» وَمرَّة «فَمن كَانَ يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة» وَمرَّة «فَمن كَانَ دونهن فمهلُّه من أَهله».
فَائِدَة: هَذِه الْمَوَاضِع قد بينتها وَاضِحَة فِي شرح الْمِنْهَاج وتَخْرِيج أَحَادِيث المهذّب فَرَاجعه مِنْهُمَا. وَوَقع من الرَّافعي أَن بَين الْمَدِينَة وَذي الحليفة ميل وَهُوَ غَرِيب وَالْمَعْرُوف أَن بَينهمَا سِتَّة وقيل: سَبْعَة. نعم لم ينْفَرد بذلك؛ فقد سبقه إِلَى ذَلِك صَاحب الشَّامِل والْبَحْر والبندنيجي فِي تَعْلِيقه، وَقد حَكَى فِي الشَّرْح الصَّغِير الْخلاف فِيهِ فَقَالَ: إِنَّه عَلَى ميل من الْمَدِينَة، وَقيل: عَلَى سِتَّة أَمْيَال، أَو سَبْعَة. وَفِي الْبَسِيط أَنه عَلَى فَرْسَخَيْن مِنْهَا وَفِي مَنَاسِك ابْن الْحَاج: أَنه عَلَى خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة مِنْهَا. قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: والحِسُّ يَرُدُّ مَا قَالُوهُ؛ بل هِيَ فَرسَخ أَو يزِيد قَلِيلا.
قلت: وَأما من جِهَة مَكَّة فَهِيَ عَلَى عشر مراحِل مِنْهَا. قَالَه ابْن الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ، قَالَ الرَّافِعِيّ، والنَّوَوِيّ: وَهُوَ أبعد الْمَوَاقِيت من مَكَّة، وَفِي حَدِيث رَافع بن خديج: «كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة من تهَامَة». قَالَ الرَّازِيّ: ذُو الحليفة هَذِه لَيست الْمهل الَّتِي بِقرب الْمَدِينَة.
أُخْرَى: قَالَ الرَّافِعِيّ: السماع الْمُعْتَمد عَن المتقنين فِي قرن هُوَ التسكين، ورأيته مَنْقُولًا عَن أبي عُبَيْدَة وَغَيره، وَرَوَاهُ صَاحب الصِّحَاح بِالتَّحْرِيكِ، وَادَّعَى أَن أويسًا مَنْسُوب إِلَيْهِ.
قلت: قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: اتّفق الْعلمَاء عَلَى تغليط الْجَوْهَرِي فِي فتح الرَّاء، وَفِي نِسْبَة أويس إِلَيْهِ. قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَى «قرن» قَبيلَة من مُرَاد بِلَا خلاف بَين أهل الْمعرفَة، وَقد ثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «أويس بن عَامر من مُرَاد ثمَّ من مُرَاد إِلَى قَرَنٍ».