فصل: كتاب حد شَارِب الْخمر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.كتاب حد شَارِب الْخمر:

كتاب حد شَارِب الْخمر:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فستة عشر حَدِيثا:

.أَحدهَا:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كل مُسكر خمر، وكل خمر حرَام».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك.
وَفِي رِوَايَة لَهُ «كل مُسكر حرَام، وكل مُسكر خمر، وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يدمنها لم يتب مِنْهَا، لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة».

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لعن الله الْخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، ومعتصرها وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الغافقي، وَسُئِلَ عَنهُ يَحْيَى بن معِين فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَذكره ابْن يُونُس فِي تَارِيخه وأوضح أَنه مَعْرُوف. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من الْوَجْه الْمَذْكُور، وَهَذَا لَفظه قَالَ: «لعنت الْخمر بِعَينهَا، وعاصرها، ومعتصرها...» بِمثل لفظ أبي دَاوُد، وَزَاد أَحْمد فِي مُسْنده أَيْضا بِهِ سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ: «لعنت الْخمر عَلَى عشرَة وُجُوه: لعنت الْخمْرَة بِعَينهَا...» إِلَى آخِره. وَفِي إسنادهما أَبُو طعمة مَوْلَاهُم، وَقد رَمَاه مَكْحُول الْهُذلِيّ بِالْكَذِبِ، وَوَقع فِي سنَن أبي دَاوُد من طَرِيق اللؤْلُؤِي «أَبُو عَلْقَمَة» بدل «طعمة» وَالَّذِي وَقع فِي رِوَايَة أبي الْحسن بن العَبْد، وَغير وَاحِد أبي طعمة قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي الْأَطْرَاف: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره، وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح بلفظين:
أَحدهمَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لعن الْخمر، وعاصرها وجالبها، وبائعها ومشتريها، وَحرم ثمنهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ «وشاربها».
ثَانِيهَا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن الله لعن الْخمر وعاصرها والمعتصر لَهُ، والجالب والمجلوب إِلَيْهِ، وَالْبَائِع وَالْمُشْتَرِي، والساقي، وَحرم ثمنهَا عَلَى الْمُسلمين».
وَله طَرِيق ثَانِي من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: «لعن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخمر عشرَة: عاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا والمشتراة لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَاللَّفْظ لَهُ، وَابْن مَاجَه بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِي إِسْنَاده شبيب بن بشر وَلم تثبت عَدَالَته، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: لين الحَدِيث.
قلت: لَكِن وَثَّقَهُ ابْن معِين فَيَنْبَغِي إِذن تَصْحِيحه. قَالَ: وَقد رُوِيَ نَحْو هَذَا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر.
قلت: أما حَدِيث ابْن عمر فقد سلف من أخرجه، وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَنهُ أَنه سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله لعن الْخمر وعاصرها، ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ، وبائعها ومبتاعها، وساقيها ومستقيها». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث فليح بن سُلَيْمَان، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن وَائِل، عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه أَن رَسُول قَالَ: «لعن الله الْخمْرَة، وَلعن سَاقيهَا وشاربها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ، وبائعها ومبتاعها، وآكل ثمنهَا».
قلت: وَرُوِيَ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَيْضا، ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي علله من حَدِيث عِيسَى بن أبي عِيسَى الحناط، عَن الشّعبِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه لعن عشرَة: الْخمر وعاصرها ومعتصرها» قَالَ أَبُو حَاتِم: رَوَاهُ حسن بن صَالح، عَن عِيسَى الحناط، عَن الشّعبِيّ، عَمَّن حَدثهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: لَا أبعد عِيسَى أَن يكون قَالَ مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا، هَذَا من عِيسَى.
قلت: وَهُوَ بِغَيْر ألف كَمَا سلف فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء.

.الحديث الثَّالِث:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا أسكر كَثِيره فَالْفرق مِنْهُ حرَام».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه لَكِن لَفظهمْ: «مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من حَدِيث جَابر انْتَهَى. وَفِي إِسْنَاده دَاوُد بن بكر بن أبي الْفُرَات الْأَشْجَعِيّ، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ، لَيْسَ بالمتين. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلِهَذَا السَّبَب لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ.
قلت: وَلم يتفرد بِهِ دَاوُد، فقد تَابعه مُوسَى بن عقبَة.
قلت: وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث زَكَرِيَّا بن مَنْظُور، عَن سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ، وَفِيه عِلَّتَانِ: ضعف ابْن مَنْظُور وانقطاعه، فَإِن سَلمَة لم يسمع من ابْن عمر، وَشَاهد آخر من حَدِيث عَائِشَة وَسَيَأْتِي، قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عَلّي ابْن أبي طَالب، وَسعد بن أبي وَقاص، وَعبد الله بن عمر، وَعَائِشَة، وخوات بن جُبَير، وَحَدِيث سعد بن أبي وَقاص أَجودهَا إِسْنَادًا؛ فَإِن النَّسَائِيّ رَوَاهُ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي- وَهُوَ أحد الثِّقَات- عَن الْوَلِيد بن كثير- وَقد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا- عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان- وَقد احْتج بِهِ مُسلم فِي صَحِيحه- عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص، وَقد احْتج بهما الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن سعد إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ عَن الضَّحَّاك، وأسنده جمَاعَة عَنهُ 233 مِنْهُم الدَّرَاورْدِي، والوليد بن كثير وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير الْمَدِينِيّ.
قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، فَقَالَ: أبنا عبد الله بن قَحْطَبَةَ، ثَنَا أَحْمد بن أبان الْقرشِي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، أَخْبرنِي الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج، عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن قَلِيل مَا أسكر كَثِيره».

.الحديث الرَّابِع:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا أسكر مِنْهُ الْفرق فملء الْكَفّ مِنْهُ حرَام».
هَذَا الحَدِيث وجدته فِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة من الرَّافِعِيّ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي كتاب الْأَشْرِبَة لَهُ وَلَفظه: «مَا أسكر الْفرق مِنْهُ فالوقية حرَام» قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَالْأَمر كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ فَإِن رُوَاته جَمِيعهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيحَيْنِ سُوَى أبي عُثْمَان عَمْرو- وَيُقَال: عمر- ابْن سَالم الْأنْصَارِيّ مَوْلَاهُم الْمدنِي ثمَّ الْخُرَاسَانِي، وَهُوَ مَشْهُور ولي الْقَضَاء بِمَكَّة، وَرَأَى عبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَسمع من الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وَعنهُ رَوَى هَذَا الحَدِيث، رَوَى عَنهُ غير وَاحِد، وَلم أر لأحد فِيهِ كلَاما.
قلت: وَكَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان: أَبُو عُثْمَان هَذَا لَا نَعْرِف حَاله، وَكَانَ قَاضِيا بمرو، وَلم أجد ذكره فِي مظان وجوده فِي مصنفات الرِّجَال الروَاة.
قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث بِصَحِيح. كَذَا قَالَ، وَأَبُو عُثْمَان هَذَا، قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: هُوَ مَعْرُوف بكنيته، وَلَا أَحَق فِي اسْمه وَاسم أَبِيه شَيْئا، وَقد أحسن مهْدي بن مَيْمُون الثَّنَاء عَلَى أبي عُثْمَان وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَة أبي عبيد الْآجُرِيّ عَنهُ، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَأخرج الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته، وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: رَفَعُوهُ وَخَالف خلف بن الْوَلِيد فَوَقفهُ عَلَى عَائِشَة وَالْقَوْل قَوْله.
قلت: وَرَوَاهُ الْخَطِيب من طَرِيق آخر إِلَى عَائِشَة بِلَفْظ: «مَا أسكر كَثِيره فالقطرة مِنْهُ حرَام» وَفِيه عمر بن صهْبَان الْمَتْرُوك كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر عَنْهَا مَرْفُوعا: «من شرب نبيذًا فاقشعر مِنْهُ مفرق رَأسه فالحسوة مِنْهُ حرَام» وَإِسْنَاده غير ثَابت والعمدة عَلَى مَا سلف.

.الحديث الخَامِس:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ فِي خطبَته: «نزل تَحْرِيم الْخمر، وَهِي من خَمْسَة أَشْيَاء: الْعِنَب، وَالتَّمْر، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالْعَسَل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عمر، عَن أَبِيه «أَنه قَالَ عَلَى مِنْبَر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما بعد أَيهَا النَّاس، إِنَّه نزل تَحْرِيم الْخمر، وَهِي من خَمْسَة: من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة وَالشعِير، وَالْخمر مَا خامر الْعقل».
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: فِيهِ دلَالَة عَلَى أَن قَوْله «وَالْخمر مَا خامر الْعقل» من قَول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من الْحِنْطَة خمر، وَمن الشّعير خمر، وَمن التَّمْر خمر، وَمن الزَّبِيب خمر، وَمن الْعَسَل خمر»، وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْخمر من هَاتين الشجرتين: النَّخْلَة وَالْعِنَب» وَفِي سنَن أبي دَاوُد ومُسْتَدْرك الْحَاكِم وصَحِيح ابْن حبَان بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيح عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: سَمِعت رَسُول يَقُول: «إِن الْخمر من الْعصير، وَالزَّبِيب، وَالتَّمْر، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير، والذرة، وَإِنِّي أنهاكم عَن كل مُسكر» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
تَنْبِيه: إِنَّمَا ذكرت حَدِيث عمر هَذَا فِي الْأَحَادِيث دون الْآثَار؛ لِأَن الظَّاهِر أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَا يَقُوله إِلَّا عَن تَوْقِيف، وَقد صرح بِرَفْعِهِ فِي مُسْند أَحْمد كَمَا أسلفناه عَنهُ.

.الحديث السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمَا لَا يسكر من الأنبذة لَا يحرم، لَكِن يكره شرب المنَصَّف والخليطين لوُرُود النَّهْي عَنْهُمَا فِي الحَدِيث.
كَمَا قَالَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن ينْبذ التَّمْر وَالزَّبِيب جَمِيعًا، وَنَهَى أَن ينْبذ الرطب والبسر جَمِيعًا» وَفِي لفظ «أَن يخلط الزَّبِيب وَالتَّمْر، والبسر، وَالتَّمْر» وَفِي مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَابْن عمر، وَأبي سعيد، وَابْن عَبَّاس مثله، وَفِي سنَن النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجمع شَيْئَيْنِ فينبذا يَبْغِي أَحدهمَا عَلَى صَاحبه، قَالَ: وَسَأَلته عَن الفضيخ فنهاني عَنهُ. قَالَ: وَكَانَ يكره المذنب من الْبُسْر مَخَافَة أَن يَكُونَا شيئيين فَكُنَّا نقطعه» وَرَوَى الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «نهَى عَن المُزَّاء- قَالَ: يَعْنِي: خلط الْبُسْر وَالتَّمْر» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الْقَيْس عَن المُزَّاء» رَوَاهُ بِإِسْنَاد صَحِيح وَفِيه زِيَادَة، قَالَ صَاحب الاقتراح: عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الخليطين».
قَالَ ابْن حزم فِي محلاه: لم يسمعهُ يَحْيَى بن أبي كثير من أبي سَلمَة عَن عَائِشَة إِنَّمَا سَمعه من أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة- أَي: كَمَا هُوَ فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره- وَقد رَوَاهُ أَحْمد بن شُعَيْب- يَعْنِي: النَّسَائِيّ- من بَينهمَا كلاب بن عَلّي، وَمرَّة ثُمَامَة بن كلاب، وَلَا يُدْرَى من مِنْهُمَا فَسقط. قَالَ ابْن حزم: وَلَو صَحَّ لما كَانَ فِيهِ حجَّة؛ لِأَن الخليطين هَكَذَا مُطلقًا لَا نَدْرِي مَا هما، أَهما الخليطان فِي الزَّكَاة أم فِي مَاذَا، وَأَيْضًا فَإِن ثريد اللَّحْم وَالْخبْز خليطان، وَاللَّبن وَالْمَاء خليطان، فلابد من بَيَان مُرَاده عَلَيْهِ السَّلَام بذلك، وَلَا يُؤْخَذ بَيَان مُرَاده إِلَّا من لَفظه، فَبَطل تعلقهم بِهَذَا الْأَثر.
قلت: قد رُوِيَ هَذَا أَولا من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الخليطين أَن يشربا، قُلْنَا: يَا رَسُول الله، وَمَا الخليطين؟ قَالَ: التَّمْر وَالزَّبِيب».
فَائِدَة: الفضيخ شراب يتَّخذ من التَّمْر وَحده من غير أَن تمسه النَّار، فَإِن كَانَ مَعَه زبيب فَهُوَ الخليط.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْمنصف مَا عمل من تمر وَرطب، وشراب الخليطين مَا عمل من نَبِيذ وَرطب، وَقيل: مَا عمل من التَّمْر وَالزَّبِيب، وَسبب النَّهْي أَن الشدَّة والإسكار تتسارع إِلَيْهِ بِسَبَب الْخَلْط قبل أَن يتَغَيَّر الطّعْم، فيظن الشَّارِب أَنه لَيْسَ بمسكر وَهُوَ مُسكر قَالَ: وَهَذَا كالنهي عَن الظروف الَّتِي كَانُوا ينتبذون فِيهَا كالدَّباء: وَهُوَ القرع، والحنتم: وَهُوَ الجرار الْخضر، والنقير: وَهُوَ أصل الْجذع ينقر ويتخذ مِنْهُ الْإِنَاء، والمزفت: وَهُوَ المطلي بالزفت وَهُوَ القار، وَيُقَال لَهُ: المُقَيّْر أَيْضا. قَالَ: هَذِه الظروف أَيْضا لَا تَعَلُّق وَلَا يضْربهَا الْهَوَاء، فقد يشْتَد مَا فِيهَا وَلَا يطلع عَلَيْهِ، بِخِلَاف الأسقية الَّتِي يضْربهَا الْهَوَاء، وَتعلق. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ، وَالنَّهْي الْمَذْكُور ثَابت، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُبَّاء والمزفَّت أَن ينْبذ فِيهِ» وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «لَا تنتبذوا فِيهَا» وَعنهُ عَلَيْهِ السَّلَام «نهَى عَن المزفت والحنتم والنقير». وَأخرجه البُخَارِيّ مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث ابْن أبي أَوْفَى «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجَرّ الْأَخْضَر» قلت: أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لوفد عبد الْقَيْس: أنهاكم عَن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمقيرَّ» وَأخرجه البُخَارِيّ بِمثلِهِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَله غير ذَلِك من الطّرق، فَادَّعَى ابْن حزم فِي محلاه فِي هَذَا الحَدِيث دَعْوَى فِيهَا وَقْفَة فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِن قَالُوا: قد صَحَّ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نسخ النَّهْي عَن نَبِيذ الْجَرّ قُلْنَا: النَّهْي وَالله عَن خليط الزَّبِيب وَالتَّمْر أصح عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسخ النَّهْي عَن نَبِيذ الْجَرّ فَكَانَ النَّهْي فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ بِحَدِيث بُرَيْدَة الثَّابِت فِي الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن الانتباذ فِي الأسقية أَلا فانتبذوا فِي كل وعَاء وَلَا تشْربُوا مُسكرا» قَالَ الجبائي: وَالْقَوْل بالنسخ هُوَ أصح الْأَقَاوِيل. قَالَ: وَقَالَ قوم: التَّحْرِيم بَاقٍ وكرهوا الانتباذ فِي هَذِه الأوعية وَإِلَيْهِ ذهب مَالك، وَأحمد، وَإِسْحَاق، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر، وَابْن عَبَّاس.
فَائِدَة: الدُبَّاء- بدال مُهْملَة مَضْمُومَة، وهمزة آخِره- مفرده دباءة، وَوزن الدُّبَّاء فُعَّال، ولامه همزَة لَازِمَة؛ لِأَنَّهُ لم يعرف هَل انقلبت همزته عَن وَاو أَو يَاء. كَذَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، وَأخرجه الْجَوْهَرِي فِي المعتل فَإِنَّهُ جعله من مَادَّة «دبي» فَيكون وَزنه فعالاً أَيْضا إِلَّا أَن همزته منقلبة، قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهَذَا أشبه. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: همزته زَائِدَة، ووزنه فعلا.

.الحديث السَّابِع:

حَدِيث «كل مُسكر حرَام».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة، وَابْن عمر، وَبُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَلَا يقبل مَا نقل عَن ابْن معِين فِيهِ.

.الحديث الثَّامِن:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن التَّدَاوِي بِالْخمرِ فَقَالَ: إِن الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم» وَيروَى أَنه قَالَ: «إِنَّمَا ذَلِك دَاء وَلَيْسَ بشفاء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِ اللَّفْظ الثَّانِي مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ من رِوَايَة وَائِل بن حجر «أَن طَارق بن سُوَيْد الْجعْفِيّ سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخمر فَنَهَاهُ عَنْهَا، أَو كره أَن يصنعها فَقَالَ: إِنَّمَا أصنعها للدواء فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بدواء، وَلكنه دَاء» وَرَوَاهُ بِهِ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه من حَدِيث طَارق أَيْضا قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِن بأرضنا أعنابًا نعتصرها فنشرب مِنْهَا؟ قَالَ: لَا. فراجعته فَقلت: إِنَّا نستشفي بِهِ للْمَرِيض. فَقَالَ: إِن ذَلِك لَيْسَ بشفاء، وَلكنه دَاء» قَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ أَيْضا فِي مُسْنده من حَدِيث سماك قَالَ: سَمِعت عَلْقَمَة بن وَائِل، يحدث عَن أَبِيه وَائِل «أَن سُوَيْد بن طَارق- وَهُوَ طَارق ابْن سُوَيْد- سَأَلَ رَسُول الله عَن الْخمر، فَنَهَاهُ عَنْهَا أَن يصنعها، فَقَالَ: إِنَّهَا دَوَاء. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنَّهَا لَيست دَوَاء، وَلكنهَا دَاء».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث وَائِل أَيْضا «أَن سُوَيْد بن طَارق سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخمر، وَقَالَ: إِنَّمَا نصنعها. فَنَهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا دَوَاء. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّهَا لَيست بدواء، وَلكنهَا دَاء» وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا من حَدِيث عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن طَارق بن سُوَيْد الْحَضْرَمِيّ قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِن بأرضنا أعنابًا نعتصرها، وَنَشْرَب مِنْهَا. فَقَالَ: لَا تشرب. قلت: أنشفي بهَا الْمَرْضَى؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّمَا ذَلِك دَاء، وَلَيْسَ بشفاء» وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «نبذت نبيذًا فِي كوز فَدخل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يغلي فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قلت: اشتكت ابْنة لي فنُعت لَهَا هَذَا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم» هَذَا لفظ الْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ ابْن حبَان: «اشتكت ابْنة لي فنبذت لَهَا فِي كوز، فَدخل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يغلي، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَت: أَن ابْنَتي اشتكت فنبذنا لَهَا هَذَا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لم يَجْعَل شفاءكم فِي حرامٍ» وَوهم ابْن حزم فِي إعلاله هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، وَهُوَ مَجْهُول. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَالَّذِي فِي إِسْنَاده إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، وَهُوَ أحد الثِّقَات التَّابِعين الْمجمع عَلَيْهِ عَلَى توثيقهم، أَكثر عَنهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَأخرجه البُخَارِيّ مَوْقُوفا عَلَى ابْن مَسْعُود، أخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «إِن الله أنزل الدَّاء، وَأنزل الشِّفَاء فَمن تداوى بحلال الله كَانَ لَهُ شِفَاء، وَمن تداوى بِحرَام الله لم يكن لَهُ فِيهِ شِفَاء» وَقد أوضحت هَذَا الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث التَّاسِع:

ورد فِي الْخَبَر «العينان تزنيان، وَالْيَدَانِ تزنيان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه فِي كتاب اللّعان.

.الحديث العَاشِر:

رَوَى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أُتِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بشارب فَقَالَ: اضْرِبُوهُ. فضربوه بِالْأَيْدِي وَالنعال وأطراف الثِّيَاب، وحثوا عَلَيْهِ التُّرَاب، ثمَّ قَالَ: بكّتُوه. فبكتوه، ثمَّ أرْسلهُ، فَلَمَّا كَانَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سَأَلَ من حضر ذَلِك الضَّرْب فقومه أَرْبَعِينَ- وَيروَى فقدره- فَضرب أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَرْبَعِينَ فِي الْخمر حقّا لله ثمَّ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثمَّ تتايع النَّاس فِي الْخمر فَاسْتَشَارَ فَضَربهُ ثَمَانِينَ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا ترَى، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي سنَنه. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِنَحْوِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر أَيْضا من طَرِيقين أَحدهمَا: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بشارب خمر وَهُوَ بحنين فَحَثَا فِي وَجهه التُّرَاب، ثمَّ أَمر أَصْحَابه فضربوه بنعالهم وَمَا كَانَ فِي أَيْديهم، حَتَّى قَالَ لَهُم: ارْفَعُوا فَرفعُوا، فَتوفي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جلد أَبُو بكر فِي الْخمر أَرْبَعِينَ، ثمَّ جلد عمر صَدرا من إمارته أَرْبَعِينَ، ثمَّ جلد ثَمَانِينَ فِي آخر خِلَافَته، وَجلد عُثْمَان الحدين كليهمَا ثَمَانِينَ وَأَرْبَعين، ثمَّ أثبت مُعَاوِيَة الْحَد ثَمَانِينَ».
الثَّانِي: «قَالَ ابْن أَزْهَر: كَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن وَهُوَ فِي الرّحال يلْتَمس رَحل خَالِد بن الْوَلِيد، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أُتِي بِرَجُل قد شرب الْخمر، فَقَالَ للنَّاس: أَلا اضْرِبُوهُ. فَمنهمْ من ضربه بالنعال، وَمِنْهُم من ضربه بالعصى، وَمِنْهُم من ضربه بالمَيْتَخَة- قَالَ ابْن وهب: الجريدة الرّطبَة- ثمَّ أَخذ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تُرَابا من الأَرْض فَرَمَى بِهِ وَجهه» وَأخرجه الْحَاكِم بِنَحْوِ من هَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ، وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لم يسمع الزُّهْرِيّ هَذَا الحَدِيث من عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر، إِنَّمَا هُوَ عَن عقيل بن خَالِد عَنهُ. وَأخرج الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَجلد أَبُو بكر أَرْبَعِينَ» وَفِي رِوَايَة لَهما «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أُتي بِرَجُل قد شرب الْخمر فجلده بجريد نَحْو أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَفعله أَبُو بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر اسْتَشَارَ النَّاس فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أخف الْحُدُود ثَمَانُون. فَأمر بِهِ عمر» وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ آخر عَن أنس قَالَ: «أَتَى رجل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد شرب الْخمر، فَأمر بِهِ فَضرب بنعلين أَرْبَعِينَ، ثمَّ أُتِي أَبُو بكر بِرَجُل قد شرب الْخمر فَصنعَ بِهِ مثل ذَلِك، ثمَّ أُتِي عمر بِرَجُل قد شرب الْخمر فَاسْتَشَارَ النَّاس، فَقَالَ ابْن عَوْف: أخف الْحَد ثَمَانِينَ. فَضرب عمر ثَمَانِينَ».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن عمر اسْتَشَارَ فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أرَى أَن يجلد ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ إِذا شرب سكر، وَإِذا سكر هذى، وَإِذا هذى افتَرَى- أَو كَمَا قَالَ- فجلده عمر ثَمَانِينَ».
قلت: رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور مَالك فِي الْمُوَطَّأ من رِوَايَة ثَوْر بن زيد الديلِي «أَن عمر اسْتَشَارَ...» فَذكر الحَدِيث، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك بِهِ، وَهُوَ مُرْسل ثَوْر بن زيد لم يدْرك عمر. قَالَه عبد الْعَزِيز النحشبي، وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه وهج الْجَمْر فِي تَحْرِيم الْخمر: لم يلْحق عمر، فروايته عَنهُ مُنْقَطِعَة. وَكَذَا جزم بِهِ الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من طَرِيقين ثمَّ قَالَ فِي كل مِنْهُمَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
فَائِدَة: قَوْله «بكتوه» وَهُوَ بباء مُوَحدَة ثمَّ كَاف مُشَدّدَة ثمَّ مثناة فَوق، قَالَ ابْن الْأَثِير: التبكيت: التقريع والتوبيخ، بِأَن يُقَال لَهُ: يَا فَاسق أما اتَّقَيْت الله أما استحيت مِنْهُ. قَالَ الْهَرَوِيّ: وَيكون أَيْضا بِالْيَدِ والعصى وَنَحْوهمَا. وَقد جزم المارودي فِي الْإِقْنَاع بحث التُّرَاب والتبكيت كَمَا ورد فِي الحَدِيث، وَاقْتَضَى كَلَامه وُجُوبه. وَقَوله: «ثمَّ تتايع» هُوَ بمثناة تَحت قبل الْعين، وَهُوَ عبارَة عَن أَن يفعل من أَفعَال الْقبْح مَا يفعل غَيره من غير فِكْرة وَلَا رَويَّة.
فَائِدَة ثَانِيَة: من الغرائب المهمة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جلد فِي الْخمر ثَمَانِينَ» حَكَاهُ ابْن الطلاع عَن مُصَنف عبد الرَّزَّاق لَكِن قَالَ ابْن حزم فِي رسَالَته فِي إبِْطَال الْقيَاس: إِن النَّص الْجَلِيّ صَحَّ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه جلد فِي الْخمر أَرْبَعِينَ» وَأَنه ورد من طَرِيق لَا يَصح «ثَمَانِينَ» وَوَقع فِي كِفَايَة ابْن الرّفْعَة أَنَّهَا مُرْسلَة، وَرَأَيْت بِخَط بعض الْحفاظ العصريين أَن ابْن دحْيَة رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لقد هَمَمْت أَن أكتب فِي الْمُصحف أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جلد فِي الْخمر ثَمَانِينَ» ثمَّ قَالَ- أَعنِي ابْن دحْيَة-: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَقد أغفل هَذَا الحَدِيث الْأَئِمَّة الْحفاظ كَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا. هَذَا آخِره فَليتبعْ.

.الحديث الحَادِي عشر:

رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بجلد الشَّارِب أَرْبَعِينَ».
هَذَا الحَدِيث هُوَ بِنَحْوِ من لفظ أبي دَاوُد الأول الْمَذْكُور قبل هَذَا.

.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بشارب، فَأمر عشْرين رجلا فَضَربهُ كل وَاحِد مِنْهُم ضربتين بِالْجَرِيدِ وَالنعال».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث قَتَادَة عَنهُ «أَن رجلا رفع إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سكر، فَأمر قَرِيبا من عشْرين رجلا فجلدوه بِالْجَرِيدِ وَالنعال» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون رفع إِلَيْهِ بَعْدَمَا ذهب سكره.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن الْأَصْحَاب من رَأَى أَن الضَّرْب بِالْيَدِ وَالنعال جَائِز لَا محَالة، وَذكروا وَجْهَيْن فِي أَنه هَل يتَعَيَّن ذَلِك أَو يجوز الْعُدُول إِلَى السِّيَاط؟ وَظَاهر الْمَذْهَب أَن كلا مِنْهُمَا جَائِز، أما الأول فَلِأَنَّهُ الأَصْل وَبِه وَردت الْأَخْبَار. وَأما الثَّانِي فبفعل الصَّحَابَة واستمرارهم عَلَيْهِ.
قلت: أما الأول فقد عرفت فِيهِ حَدِيث أنس وَغَيره، وَأما الثَّانِي فَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب فعله عَن عمر. وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- إِن شَاءَ الله.