فصل: كتاب النَّذر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.كتاب النَّذر:

كتاب النَّذر:
ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث عشْرين حَدِيثا:

.الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من نذر أَن يطع الله فليطعه، وَمن نذر أَن يعْص الله فَلَا يَعْصِهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه كَذَلِك من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. زَاد الطَّحَاوِيّ: «وليكفر عَن يَمِينه» قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذِه الزِّيَادَة عِنْدِي مَشْكُوك فِي رَفعهَا.

.الحديث الثَّانِي:

أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل ذَكرْنَاهُ بِطُولِهِ فِي بَاب الْأمان.

.الحديث الثَّالِث:

أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أوف بِنَذْرِك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا وَقد سلف فِي كتاب الِاعْتِكَاف.

.الحديث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَا نذر إِلَّا فِيمَا يبتغى بِهِ وَجه الله تَعَالَى وَلَا يَمِين فِي قطيعة رحم» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نظر إِلَى أَعْرَابِي قَائِم فِي الشَّمْس وَهُوَ يخْطب فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: نذرت يَا رَسُول الله أَن لَا أَزَال فِي الشَّمْس حَتَّى تفرغ فَقَالَ رَسُول الله: لَيْسَ هَذَا نذرا، إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله!» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا نذر إِلَّا فِيمَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أدْرك رجلَيْنِ وهما مقترنان يمشيان إِلَى الْبَيْت، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بَال الْقرَان؟ قَالَا: يَا رَسُول الله، نذرنا أَن نمشي إِلَى الْبَيْت مقترنين. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ هَذَا نذرا- فَقطع قرانهما- إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله» وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ «أَن امْرَأَة أبي ذَر جَاءَت عَلَى الْقَصْوَاء- رَاحِلَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أناخت عِنْد الْمَسْجِد، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، نذرت لَئِن نجاني الله عَلَيْهَا لآكلن من كَبِدهَا وسنامها. قَالَ: بئس مَا جزيتيها، لَيْسَ هَذَا نذرا إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله».

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا نذر فِي مَعْصِيّة، وكفارته كَفَّارَة يَمِين».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا- وَهُوَ أمثلها- من طَرِيق عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مَرْفُوعا، رَوَاهُ كَذَلِك النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن الزبير بن الْحسن عَن عمرَان، وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى بن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه، عَن عمرَان قَالَ: وَقد أعضله معمر عَن يَحْيَى بن أبي كثير، قَالَ: حَدثنِي رجل من بني حنيفَة عَن عمرَان. قَالَ: وَهَذَا الرجل هُوَ مُحَمَّد بن الزبير بِلَا شكّ، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول من بني حَنْظَلَة فَقَالَ: من بني حنيفَة، فَأَما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله» فقد اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، ومدار الحَدِيث عَلَى مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، وَلَيْسَ يَصح. هَذَا آخر كَلَام الْحَاكِم، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم يَحْيَى بن أبي كثير وَالثَّوْري وَأَبُو بكر النَّهْشَلِي وَغَيرهم، فَقَالُوا: عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَن أَبِيه، عَن عمرَان، وَلم يذكرُوا السماع كَمَا ذكره جرير بن حَازِم، عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَن أَبِيه، سَمِعت عمرَان بن حُصَيْن... الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الْوَارِث، عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَمَّن سمع من عمرَان مَرْفُوعا. قَالَ: وَحَدِيث عبد الْوَارِث هَذَا أشبه؛ لِأَنَّهُ قد بَين عَورَة الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه، عَن عمرَان. ثمَّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن رجل من بني حَنْظَلَة، عَن عمرَان بن عدي. هَذَا الحَدِيث مَشْهُور بِمُحَمد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه عَن عمرَان، وَاخْتلف عَلَيْهِ فِي إِسْنَاده وَمَتنه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُنْقَطع، الزبير لم يسمع من عمرَان. قَالَ يَحْيَى بن معِين: قيل لمُحَمد بن الزبير: أسمع أَبوك من عمرَان؟ قَالَ: لَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالَّذِي يدل عَلَى هَذَا أَن ابْن الْمُبَارك رَوَاهُ عَن عبد الْوَارِث بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه أَن رجلا حَدثهُ «أَنه سَأَلَ عمرَان بن الْحصين...» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقيل: عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن رجل صَحبه، عَن عمرَان. وَقيل: عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَن الْحسن، عَن عمرَان قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطع؛ فَلَا يَصح عَن الْحسن عَن عمرَان سَماع من وَجه صَحِيح يثبت مثله، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لم يَصح عَن الْحسن عَن عمرَان سَماع من وَجه صَحِيح يثبت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمُحَمّد بن الزبير الْحَنْظَلِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث.
وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: إِن الْحسن لم يسمع من عمرَان. وَقَالَ هُوَ وجماعات: إِن الْحسن سمع من عمرَان. فَجزم ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِأَنَّهُ سمع مِنْهُ، ذُكِرَ ذَلِك فِي حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة «كَانَت لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سكتتان» وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ إِيرَاد شَيْخه ابْن خُزَيْمَة أَيْضا؛ فَإِن الْحَاكِم أخرج لَهُ حَدِيثا «فِي طيب الرِّجَال: ريح لَا لون لَهُ، وَطيب النِّسَاء لون لَا ريح لَهُ» وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ؛ فَإِن مَشَايِخنَا- وَإِن اخْتلفُوا فِي سَماع الْحسن عَن عمرَان فَإِن- أَكْثَرهم عَلَى أَنه سمع مِنْهُ. وَقَالَ الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه فِي أواخره فِي أَوَائِل بَاب الْأَهْوَال: لم يخرج البُخَارِيّ وَمُسلم هَذِه التَّرْجَمَة وَهِي الْحسن عَن عمرَان. قَالَ: وَذكر أَن الْحسن لم يسمع مِنْهُ. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن الْحسن قد سمع من عمرَان بن حُصَيْن. وَجزم بِهِ فِي أَوَائِل الْمُسْتَدْرك فِي كتاب الْإِيمَان، وَكَذَا صَاحب والكمال وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: قلت ليحيى بن معِين: الْحسن لَقِي عمرَان بن الْحصين؟ قَالَ: أما حَدِيث الْبَصرِيين فَلَا، وَأما حَدِيث الْكُوفِيّين فَنعم. وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب لَا تَفْرِيط عَلَى من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا، حَدِيثا مُصَرحًا فِيهِ بِأَن الْحسن سمع مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيث «التَّعْرِيس آخر اللَّيْل»، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَقَالَ صَاحب الإِمام: رِجَاله ثِقَات.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَهُوَ مُنْقَطع وَإِن ذكره ابْن السكن فِي صحاحه لِأَن الزُّهْرِيّ لم يسمع هَذَا الحَدِيث من أبي سَلمَة. كَذَا قَالَه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن أبي بكر بن أبي أويس، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق ومُوسَى بن عقبَة، كِلَاهُمَا عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة. قَالَ أَحْمد بن شبويه: قَالَ ابْن الْمُبَارك فِي هَذَا الحَدِيث: حدث أَبُو سَلمَة فَدلَّ عَلَى أَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من أبي سَلمَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ: وَهُوَ أصح من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: سُلَيْمَان بن أَرقم مَتْرُوك الحَدِيث، خَالفه غير وَاحِد من أَصْحَاب يَحْيَى فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا حَدِيث مقلوب الْإِسْنَاد. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: حدث أَبُو سَلمَة. وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث لم يسمعهُ الزُّهْرِيّ من أبي سَلمَة؛ فقد جَاءَ من طَرِيق آخر عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أَبَا سَلمَة قَالَ: رُبمَا يدل عَلَى أَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من أبي سَلمَة؛ وَإِنَّمَا سَمعه من سُلَيْمَان بن أَرقم مَا أَنبأَنَا بِهِ شَيخنَا وَذكر بِإِسْنَادِهِ عَن الزُّهْرِيّ، عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، وَهَذَا وهم من سُلَيْمَان؛ فيحيى بن أبي كثير إِنَّمَا رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي عَن أَبِيه عَن عمرَان مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث غَالب بن عبيد الله الْعقيلِيّ الْجَزرِي، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «من جعل عَلَيْهِ نذر فِي مَعْصِيّة، فكفارته كَفَّارَة يَمِين».
وغالب هَذَا ضَعِيف بِمرَّة، قَالَ الْأَزْدِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
فتلخص ضعف هَذِه الطّرق بالانقطاع وَغَيره، وَمِمَّنْ ضعفه من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدرقطني من رِوَايَة عَائِشَة وَعمْرَان. وَضعفهمَا فَقَالَ: وَاتفقَ الْحفاظ عَلَى ذَلِك. وَقَالَ فِي الرَّوْضَة: حَدِيث «لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة يَمِين» ضَعِيف بِاتِّفَاق الْمُحدثين.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث كريب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من نذر نذرا فِي مَعْصِيّة فكفارته كَفَّارَة يَمِين». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه طول، وَذكر أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس وَإِسْنَاده جيد، وَأعله ابْن حزم فِي محلاه فَقَالَ: فِيهِ طَلْحَة بن يَحْيَى، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف جدًّا.
قلت: قد قَالَ يَحْيَى بن معِين: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا بَأْس بِهِ. وَاحْتج بِهِ الشَّيْخَانِ؛ نعم قَول ابْن حزم فِيهِ هُوَ قَول يَعْقُوب بن شيبَة، وَقَالَ أَحْمد: مقارب الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي. قَالَ ابْن حزم: وَرُوِيَ مثله عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَبِيه، وَأَبُو أويس ضَعِيف. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ مَرْفُوعا وَهُوَ مُرْسل، قَالَ عبد الْحق: وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد مُرْسل ومنقطع عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن رجل من بني حنيفَة وَأبي سَلمَة، كِلَاهُمَا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم... الحَدِيث.

.الحديث السَّادِس:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْقصر: إِن الله تصدق عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث يعْلى بن أُميَّة، عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي بَاب الْوضُوء وَبَاب صَلَاة الْمُسَافِر.

.الحديث السَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: رغب فِي عِيَادَة الْمَرْضَى وَفِي إفشاء السَّلَام عَلَى الْمُسلمين وَفِي زِيَارَة القادمين.
هُوَ كَمَا قَالَ، أما الأول: فصح فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «من أَتَى أَخَاهُ الْمُسلم عَائِدًا مشي فِي خرفة الْجنَّة حَتَّى يجلس؛ فَإِذا جلس غمرته الرَّحْمَة، فَإِن كَانَ غدْوَة صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك حَتَّى يُمْسِي، وَإِن كَانَ مسَاء صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك حَتَّى يصبح» رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِنَحْوِهِ، وبيَّن بِذكر أَوله وَزَاد: «وَكَانَ لَهُ خريف فِي الْجنَّة» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب.
وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من عَاد مَرِيضا نَادَى مُنَاد من السَّمَاء: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الْجنَّة منزلا» روياه أَيْضا.
وَمِنْهَا حَدِيث ثَوْبَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الْمُؤمن إِذا عَاد أَخَاهُ الْمُسلم لم يزل فِي خرفة الْجنَّة» رَوَاهُ مُسلم.
وَمِنْهَا حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «من عَاد مَرِيضا لم يزل يَخُوض فِي الرَّحْمَة حَتَّى يجلس؛ فَإِذا جلس اغتمس فِيهَا» رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده.
وَأما الثَّانِي: وَهُوَ ترغيبه فِي إفشاء السَّلَام عَلَى الْمُسلمين، فَصَحِيح عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، وَقد تقدم جملَة مِمَّا ورد فِي ذَلِك فِي أَوَائِل كتاب السّير وَاضحا.
وَأما الثَّالِث: فَالَّذِي يحضرني مِنْهُ فِي اسْتِحْبَاب الزِّيَارَة مُطلقًا حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي مُسلم عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَن رجلا زار أَخا لَهُ فِي قَرْيَة أُخْرَى، فأرصد الله لَهُ عَلَى مدرجته ملكا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيد أَخا لي فِي هَذِه الْقرْيَة. قَالَ لَهُ: هَل لَك من نعْمَة ترُبُها؟ قَالَ: لَا؛ غير أَنِّي أحببته فِيهِ». وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من عَاد مَرِيضا أَو زار أَخا لَهُ فِي الله ناداه مناديان: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الْجنَّة منزلا» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَلَا يحضرني الْآن شَيْء من الْأَحَادِيث عَلَى طبق مَا ذكره المُصَنّف لَهُ.

.الحديث العَاشِر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب إِذا هُوَ بِرَجُل قَائِم فِي الشَّمْس فَسَأَلَ عَنهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيل، نذر أَن يقوم وَلَا يقْعد، وَلَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم، ويصوم. فَقَالَ: مروه فَلْيَتَكَلَّمْ وليستظل، وليقعد وليتم صَوْمه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَلَيْسَ فِيهَا «فِي الشَّمْس» نعم هُوَ فِي صَحِيح ابْن حبَان وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه كَذَلِك، وَكلهمْ من رِوَايَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَالَ البُخَارِيّ: رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب، عَن عِكْرِمَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي: مُرْسلا. وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن حميد بن قيس وثور بن يزِيد مُرْسلا «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى رجلا قَائِما فِي الشَّمْس...» وَذكر الحَدِيث، وَزَاد قَالَ: «مَالك فَأمره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بإتمام مَا كَانَ لله طَاعَة وَترك مَا كَانَ مَعْصِيّة» وَلم يبلغنِي أَنه أمره بكفارة. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج أَخْبرنِي ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن أبي إِسْرَائِيل قَالَ: «دخل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد وَأَبُو إِسْرَائِيل يُصَلِّي، فَقيل لرَسُول الله: هُوَ ذَا يَا رَسُول الله لَا يقْعد وَلَا يكلم النَّاس، وَلَا يستظل وَهُوَ يُرِيد الصّيام. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليقعد وليكلم النَّاس وليستظل وليصم».
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن طَاوس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِأبي إِسْرَائِيل وَهُوَ قَائِم فِي الشَّمْس...» الحَدِيث، وَفِي آخِره: «وَلم يَأْمر بكفارة». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل جيد. قَالَ: وَفِيه وَفِيمَا قبله دلَالَة عَلَى أَنه لم يَأْمُرهُ بكفارة. قَالَ: وَرَوَاهُ الْحسن بن عمَارَة عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس بِمثلِهِ، وَفِي آخِره: «وَلم يَأْمُرهُ بِالْكَفَّارَةِ». وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن كريب عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، وَفِيه الْأَمر بِالْكَفَّارَةِ، وَمُحَمّد بن كريب ضَعِيف. ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ، وَفِي آخِره: «فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقعد واستظل وَتكلم وَكفر». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدته: «وَكفر» وَعِنْدِي أَن ذَلِك خطأ وتصحيف، وَإِنَّمَا هُوَ «وصم» كَمَا فِي سَائِر الرِّوَايَات.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي، نَا عبد الله بن عمر، عَن أَخِيه عبيد الله بن عمر، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِرَجُل قَائِم فِي الشَّمْس، فَقَالَ: مَا هَذَا...» الحَدِيث، عبد الله- المكبر فِيهِ- ضَعِيف، وَرَوَى لَهُ مُسلم مَقْرُونا، وَقَالَ ابْن معِين: صُوَيْلِح. وَتكلم فِيهِ غَيره، والاعتماد فِي طرق هَذَا الحَدِيث عَلَى مَا تقدم.
فَائِدَة أَبُو إِسْرَائِيل الْمَذْكُور فِي الحَدِيث قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي المبهمات: هُوَ أَبُو إِسْرَائِيل العامري، قيل: اسْمه: قَيْصر.
قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْبَصْرِيّ: لَيْسَ فِي أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من كنيته أَبُو إِسْرَائِيل غير هَذَا، وَلَا من اسْمه: قَيْصر. غَيره، وَلَا يعرف إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.
قلت: وَقيل اسْمه قُشَيْر، قَالَه المنيعي، وَلَعَلَّه الشَّيْخ زكي الدَّين فِي حَوَاشِي السّنَن عَن أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، وَابْن معن فِي التنقيب عَن أبي نعيم، وَقَالَهُ أَيْضا الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي معرفَة الصَّحَابَة وَهَذَا نَصه: قُشَيْر أَبُو إِسْرَائِيل الَّذِي نذر أَن يَصُوم وَلَا يتَكَلَّم وَيقوم فِي الشَّمْس. ذكره الْبَغَوِيّ وَسَماهُ قشيرًا، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نذر أَبُو إِسْرَائِيل قُشَيْر» رَوَاهُ كريب عَنهُ، وَوَقع فِي بعض نسخ الْمُهَذّب: ابْن إِسْرَائِيل، وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب أَبُو إِسْرَائِيل، كَمَا وَقع فِي بعض نسخه، نبه عَلَى ذَلِك النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب وَغَيره.

.الحديث الحَادِي عشر:

«أَن الْمُشْركين استاقوا سرح الْمَدِينَة وَفِيه العضباء نَاقَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وأسروا امْرَأَة من الْأَنْصَار، فَلَمَّا نَامُوا قَامَت وَركبت العضباء، ونذرت لَئِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها، فَلَمَّا أَتَت الْمَدِينَة أخْبرت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، فَأخذ النَّاقة وَقَالَ: لَا نذر فِيمَا لَا يملك ابْن آدم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي بَاب الْأمان.

.الحديث الثَّانِي عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حج رَاكِبًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح متكرر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة، وَمِنْهَا حَدِيث أنس فِي صَحِيح البُخَارِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حج عَلَى رَحل وَكَانَ زاملته».

.الحديث الثَّالِث عشر:

اشْتهر عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه قَالَ لعَائِشَة: أجرك عَلَى قدر نصبك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَنهُ وَقد رَوَاهُ كَذَلِك البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا وَفِي رِوَايَة «عَلَى قدر عنائك ونصبك» وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه رَوَى عَنْهَا «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا فِي عمرتها: إِن لَك من الْأجر عَلَى قدر نصبك ونفقتك» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد صَحِيح... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: إِنَّمَا أجرك فِي عمرتك عَلَى قدر نَفَقَتك».

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أَن أُخْت عقبَة نذرت أَن تحج مَاشِيَة، فَسئلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل: إِنَّهَا لَا تطِيق ذَلِك، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فلتركب ولتهد هَديا». وَفِي رِوَايَة «بَدَنَة».
هَذَا الحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيق أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نذرت أختى أَن تمشي إِلَى بَيت الله، وأمرتني أَن أستفتي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لتمش ولتركب».
وَمَعْنَاهُ- وَالله أعلم-: لتمش إِذا قدرت وتركب إِذا عجزت أَو شقّ عَلَيْهَا الْمَشْي. وَكَذَا ترْجم لَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَله طَرِيق آخر أوضحتها فِي شرحي للعمدة فَرَاجعهَا مِنْهُ تَجِد مَا يشفي العليل.
فَائِدَة: أُخْت عقبَة هِيَ أم حبَان- بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ ألف ثمَّ نون- بنت عَامر أسلمت وبايعت، أغفلها ابْن عبد الْبر فِي استيعابه واستدركته عَلَيْهِ، أَفَادَهُ الْمُنْذِرِيّ وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أُخْت عقبَة بن عَامر، وَقد نذرت أَن تمشي بِحَجّ أَو عمْرَة» وَهَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة لَا يحضرني من خرجها بعد الْبَحْث عَنْهَا.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: الْمَسْجِد الْحَرَام، ومسجدي هَذَا، وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى».
هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِنَّمَا يُسَافر إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: مَسْجِد الْكَعْبَة، ومسجدي، وَمَسْجِد إيلياء».
فَائِدَة: أَكثر الرِّوَايَات: «لَا تشد الرّحال» بِضَم التَّاء، عَلَى مَا لم يسم فَاعله. وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن أبي سعيد: «لَا تشدوا» فَسَمَّى الْفَاعِل.

.الحديث السَّادِس عشر:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت إِن فتح الله عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ: صل هَا هُنَا. فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: صل هَا هُنَا- ثَلَاثًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَجزم بِكَوْنِهِ عَلَى شَرط مُسلم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي آخر الاقتراح وَاللَّفْظ الْمَذْكُور للبيهقي إِلَّا أَنه قَالَ فِي آخِره: «فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فشأنك إِذا» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «قَالَ ذَلِك مرّة وَاحِدَة» زَاد أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: «فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، لَو صليت هَا هُنَا لأجزأ عَنْك صَلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس». وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَلَفظه: عَن إِبْرَاهِيم بن عمر قَالَ: سَمِعت عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: «جَاءَ الشريد إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت إِن الله- عَزَّ وَجَلَّ- فتح عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَا هُنَا أفضل ثَلَاث مَرَّات».
فَائِدَة: قَوْله: «شَأْنك» هُوَ مَنْصُوب، أَي: الزم شَأْنك؛ أَي: إِن أَن تَفْعَلهُ فافعله.
فَائِدَة أُخْرَى: هَذَا الرجل اسْمه: الشريد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ، كَذَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ السالفة، وَكَذَا قَالَه الْخَطِيب فِي مبهماته وَالنَّوَوِيّ فِي مختصرها وَابْن معن فِي تنقيبه عَلَى الْمُهَذّب قَالَ: وَهُوَ الَّذِي أردفه النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه، واستنشده فِي شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت فَأَنْشد مائَة قافية.

.الحديث السَّابِع عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: ورد النَّهْي عَن طروق الْمَسَاجِد إِلَّا لحَاجَة.
هُوَ كَمَا قَالَ، وَله طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خِصَال لَا تنبغي فِي الْمَسْجِد: لَا يتَّخذ طَرِيقا، وَلَا يشهر فِيهِ سلَاح، وَلَا ينتثر فِيهِ بقوس، وَلَا ينشر فِيهِ بنبل، وَلَا يمر بِلَحْم فِيهِ، وَلَا يضْرب فِيهِ حد، وَلَا يقْتَصّ فِيهِ من أحد».
قَالَ عبد الْحق فِي علله إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَله طَرِيق آخر من حَدِيث ابْن عمر: «أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا، أَو تُقَام فِيهَا الْحَد، أَو تنشد فِيهَا الْأَشْعَار، أَو ترفع فِيهِ الْأَصْوَات». ذكره ابْن عدي وَأعله عبد الْحق بفرات بن السَّائِب، وَقَالَ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث ضعيفه. هُوَ كَمَا قَالَ. وَفِي صَحِيح الْحَاكِم وسنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد.
ثَانِيهَا: من طَرِيق أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «من أَمَارَات السَّاعَة أَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا، وَأَن يظْهر موت الْفُجَاءَة». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: يرويهِ الشّعبِيّ مُرْسلا.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَفِيه مَعَ ذَلِك انْقِطَاع.
ثَالِثهَا: من طَرِيق خَارِجَة بن الصَّلْت قَالَ: «دَخَلنَا مَعَ عبد الله فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام رَاكِع، فَرَكَعَ عبد الله فَرَكَعْنَا مَعَه، وَجعل يمشي إِلَى الصَّفّ وَنحن رُكُوع، فَمر رجل فَسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ: صدق الله وَرَسُوله. فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: كَانَ يُقَال: من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يسلم الرجل عَلَى الرجل بالمعرفة، وَأَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا، وَأَن يتجر الرجل وَامْرَأَته، وَأَن تغلوا الْخَيل وَالنِّسَاء ثمَّ يرخصن ثمَّ لَا تغلوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب مَا يجوز من قِرَاءَة الْقُرْآن وَالذكر فِي الصَّلَاة يُرِيد بِهِ جَوَابا، من حَدِيث عبد الْأَعْلَى بن الحكم عَن خَارِجَة بِهِ.