فصل: الْأَثر الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الْأَثر الثَّانِي عشر:

يرْوَى عَن الزُّهْرِيّ أَيْضا أَنه قَالَ: «مَضَت السّنة بِأَنَّهُ تجوز شَهَادَة النِّسَاء فِي كل شي لَا يَلِيهِ غَيْرهنَّ».
وَهَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: نَا عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «مَضَت السّنة أَن تجوز شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ غَيْرهنَّ».

.الْأَثر الثَّالِث عشر:

«أَن عَائِشَة وَسَائِر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ كن يروين من وَرَاء السّتْر ويروي السامعون عَنْهُن» وَهَذَا مَعْرُوف لَا يحْتَاج إِلَى عزوه.

.كتاب الدَّعْوَى والبينات:

كتاب الدَّعْوَى والبينات:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث عَشرَة:

.أَحدهَا:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَلّي بن أَحْمد بن عَبْدَانِ، عَن الطَّبَرَانِيّ، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن كثير الصُّورِي، نَا الْفرْيَابِيّ، نَا سُفْيَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا سَوَاء، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من طَرِيق ابْن عَبَّاس أَيْضا «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته: «الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ». ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده مقَال، وَمُحَمّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي يضعف فِي الحَدِيث من قبل حفظه؛ ضعفه ابْن الْمُبَارك وَغَيره. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حجاج عَن عَمْرو، وحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة وَلم يسمعهُ من عَمْرو إِنَّمَا حدث عَن الْعَرْزَمِي عَنهُ، وَهَذَا الطَّرِيق وَالَّذِي قبله؛ حَدِيث ابْن عَبَّاس مغنى عَنْهُمَا، وَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عمر فِي حَدِيث طَوِيل فِيهِ: «فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا نبى الله، إِنِّي وَقعت عَلّي جَارِيَة بني فلَان وَإِنَّهَا ولدت مني، فَأمر بولدي أَن يرد إِلَيّ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ بولدك، لَا يجوز هَذَا فِي الْإِسْلَام، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أولَى بِالْيَمِينِ إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة...». ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث.

.الحديث الثَّانِي:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَو يُعْطي النَّاس بدعواهم لَا دعى نَاس دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «الْيَمين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ»، وَأخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب التَّفْسِير من صَحِيحه بِلَفْظ: «لَو يُعْطَى النَّاس بدعواهم لذهب دِمَاء قوم وَأَمْوَالهمْ» وَفِي آخِره «الْيَمين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» وَذكر البُخَارِيّ فِيهِ قصَّة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ». هَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قَالَ الْأصيلِيّ: لَا يَصح مَرْفُوعا إِنَّمَا هُوَ من قَول ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَو يُعْطَى النَّاس بدعواهم لَا دعى رجال دِمَاء قوم وَأَمْوَالهمْ، لَكِن الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى من أنكر». وَوَقع فِي كِفَايَة ابْن الرّفْعَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قبل قَوْله: «وَالْيَمِين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ»: «لَكِن الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي» فِيهِ، وَعَزاهَا إِلَى مُسلم وَهُوَ وهم، فَلَيْسَ لفظ «الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي» فِيهِ. وَهَذَا الحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة من قَوَاعِد أَحْكَام الشَّرْع أَنه لَا يقبل قَول الْإِنْسَان فِيمَا يَدعِيهِ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ؛ بل يحْتَاج إِلَى الْبَيِّنَة أَو تَصْدِيق الْمُدعَى عَلَيْهِ، فَإِن طلب يَمِين الْمُدعَى عَلَيْهِ فَلهُ ذَلِك.

.الحديث الثَّالِث:

«أَن رجلا من حَضرمَوْت وَآخر من كِنْدَة أَتَيَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ: يَا رَسُول الله، إِن هَذَا قد غلبني عَلَى أَرض كَانَت لأبي. فَقَالَ الْكِنْدِيّ: هِيَ أرضي فِي يَدي أزرعها فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حق! فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للحضرمي: أَلَك بَيِّنَة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فلك يَمِينه. قَالَ: يَا رَسُول الله، الرجل فَاجر لَا يُبَالِي عَلَى مَا حلف عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يتورع من شَيْء. فَقَالَ: لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَّا ذَلِك. فَانْطَلق ليحلف فَقَالَ رَسُول الله لما أدبر الرجل: لَئِن حلف عَلَى مَاله ليأكله ظلما ليلقين الله وَهُوَ عَنهُ معرض».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من رِوَايَة وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ عبد الْحق: وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن وَائِل فِي كِتَابه شَيْئا. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِنَّه فَاجر لَيْسَ يتورع من شَيْء» لَيْسَ فِيهَا إِلَّا سماك بن حَرْب وَهِي فِي سَنَد مُسلم، وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ أخرج الحَدِيث بطرِيق مُسلم من طَرِيق ابْن وضاح وَالنَّسَائِيّ، ثمَّ ذكر أَن لَفْظَة «انْطلق» من رِوَايَة سماك بن حَرْب وَهُوَ يقبل التَّلْقِين.
فَائِدَتَانِ: أَحدهمَا: حَضرمَوْت بِفَتْح الْحَاء وَإِسْكَان الضَّاد الْمُعْجَمَة. قَالَ أهل اللُّغَة: حَضرمَوْت اسْم لبلد بِالْيمن وَهُوَ أَيْضا اسْم لقبيلة، وَاخْتلف المتكلمون عَلَى الحَدِيث وألفاظ الْمُهَذّب فِي المُرَاد بحضرموت فِي هَذَا الحَدِيث؛ فَقيل: الْبَلدة. وَقيل: الْقَبِيلَة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر.
الثَّانِيَة: هَذَا المخاصم للحضرمي اسْمه: امْرُؤ الْقَيْس بن عَابس- بِالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّين الْمُهْملَة- الْكِنْدِيّ، كَذَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره، قَالَ الْخَطِيب فِي المبهمات: وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يُسمى امْرُؤ الْقَيْس غَيره.
قلت: وَقد ذكر ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب ابْن عَابس هَذَا وَذكر بعده امْرأ الْقَيْس بن الْأَصْبَغ الْكَلْبِيّ وَقَالَ: بَعثه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاملا عَلَى كلب وَذكر أَنه خَال أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
وَاسم الْحَضْرَمِيّ: ربيعَة بِفَتْح الْعين وبالمثناة تحتهَا قَالَ الشَّيْخ زكي: لَهُ صُحْبَة وَشهد الْفَتْح بِمصْر وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة وليستدرك عَلَيْهِ.

.الحديث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لهِنْد: «خذي من مَال أبي سُفْيَان مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ».
هَذَا حَدِيث صَحِيح وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب النَّفَقَات.

.الحديث الخَامِس:

حَدِيث ركَانَة وَقد سبق بِطُولِهِ فِي كتاب الطَّلَاق قَالَ الرَّافِعِيّ: «قيل كَانَت امْرَأَته تَدعِي أَنه أَرَادَ أَكثر من طلقه، وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يحلف، فَلم يعْتد بِيَمِينِهِ قبل التَّحْلِيف فَأَعَادَ عَلَيْهِ».

.الحديث السَّادِس:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أكره رجلا بَعْدَمَا حلف بِالْخرُوجِ عَن حق صَاحبه كَأَنَّهُ عرف كذبه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن أسود بن عَامر عَن شريك، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي يَحْيَى الْأَعْرَج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «اخْتصم رجلَانِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَقَعت الْيَمين عَلَى أَحدهمَا فَحلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَاله عِنْدِي شَيْء فَنزل جِبْرِيل عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه كَاذِب إِن لَهُ عِنْده حَقه. فَأمره أَن يُعْطِيهِ حَقه وَكَفَّارَة يَمِينه مَعْرفَته أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أَو شَهَادَته». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي يَحْيَى الْأَعْرَج، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجلَانِ يختصمان فِي شَيْء إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ للْمُدَّعِي: أقِم الْبَيِّنَة فَلم يقمها، قَالَ للْآخر: احْلِف. فَحلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ادْفَعْ حَقه وستكفر عَنْك لَا إِلَه إِلَّا الله مَا صنعت». وَأخرجه أَيْضا أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي الْأَحْوَص: ثَنَا عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي يَحْيَى، عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لرجل أحلفه: احْلِف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا الله مَا لَهُ عِنْدِي شَيْء». وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق والإسناد بِلَفْظ: «جَاءَ خصمان إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَادَّعَى أَحدهمَا عَلَى الآخر، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُدَّعِي: أقِم. بينتك فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ لي بَيِّنَة. فَقَالَ للْآخر: احْلِف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَاله عَلَيْك أَو عنْدك شَيْء...» بِنَحْوِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث حَمَّاد عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي يَحْيَى، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّالِب الْبَيِّنَة فَلم يكن لَهُ بَيِّنَة، فاستحلف الْمَطْلُوب فَحلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى قد فعلت، وَلَكِن غفر لَك بإخلاص قَول لَا إِلَه إِلَّا الله». وَرَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرك بِسَنَد النَّسَائِيّ وَأبي دَاوُد عَن أبي يَحْيَى عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا ادَّعَى عِنْد رجل حقًّا، فاختصما إِلَى نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ الْبَيِّنَة فَقَالَ: مَا عِنْدِي بَيِّنَة فَقَالَ للْآخر: احْلِف فَحلف فَقَالَ: وَالله مَاله عِنْدِي شَيْء. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل هُوَ عنْدك، ادْفَعْ إِلَيْهِ حَقه. ثمَّ قَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: شهادتك أَن لَا إِلَه إِلَّا الله كَفَّارَة يَمِينك». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله بِيَحْيَى الرَّاوِي عَن عَطاء وَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. وَفِيه نظر فَأَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه: زِيَاد، كَذَا سَمَّاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهم. وَقَالَ عبد الْحق: اسْمه: «مصدع» وَكَذَا قَالَه ابْن عَسَاكِر فِي الْأَطْرَاف قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: وَهُوَ وهم إِنَّمَا هُوَ زِيَاد قَالَ: وَذكر لَهُ البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ هَذَا الحَدِيث.
قَالَ عبد الْحق: وَأَبُو يَحْيَى هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: كَانَ عَالما بِابْن عَبَّاس. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: كَانَ زائغًا حائدًا عَن الْحق. وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ ذكره فِي محلاه من طَرِيق أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث سَاقِط لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه عَن أبي يَحْيَى وَهُوَ مصدع الْأَعْرَج مجرح، قطعت عرقوباه فِي التَّشَيُّع. وَالثَّانِي: أَن أَبَا الْأَحْوَص لم يسمع من عَطاء بن السَّائِب إِلَّا بعد اخْتِلَاط عَطاء، وَإِنَّمَا سمع من عَطاء قبل الِاخْتِلَاط: سُفْيَان، وَشعْبَة، وَحَمَّاد بن زيد، والأكابر المعروفون. ثمَّ قَالَ: ورويناه من طَرِيق وَكِيع عَن الثَّوْريّ عَن عَطاء... فَذكره، ثمَّ قَالَ: فسفيان الَّذِي صَحَّ سَمَاعه من عَطاء ذكر أَن الرجل حلف بذلك لَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بِأَن يحلف لذَلِك. قَالَ: وَعَلَى كل حَال فَأَبُو يَحْيَى لَا شَيْء.
قلت: قد عرفت أَنْت رِوَايَة حَمَّاد عَن عَطاء الَّذِي قَالَ أَن سَمَاعه مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط، وَقد عرفت حَال أبي يَحْيَى؛ فَبَطل مَا قَالَه أجمع. وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي قدامَة الْحَارِث بن عبيد، عَن ثَابت، عَن أنس «أَن رجلا حلف بِلَا إِلَه إِلَّا الله كَاذِبًا فَقَالَ رَسُول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: غفر لَهُ كذبه بتصديقه أَن لَا إِلَه إِلَّا الله». فَقَالَ: حَمَّاد بن سَلمَة يُخَالِفهُ بقوله عَن ثَابت عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَهُوَ أشبه من حَدِيث أبي قدامَة. وَقَالَ بعده بأسطر: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ شُعْبَة، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي البخْترِي، عَن عبيد، عَن ابْن الزبير، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَن رجلا حلف بِاللَّه كَاذِبًا فغفر لَهُ». قَالَ أبي: رَوَاهُ عبد الْوَارِث وَجَرِير عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أبي يَحْيَى الْأَعْرَج عَن ابْن عَبَّاس... فَذكره، قلت لأبي: أَيهمَا أصح؟ قَالَ: شُعْبَة أقدم سَمَاعا من هَؤُلَاءِ، وَعَطَاء تغير بِأخرَة.

.الحديث السَّابِع:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رد الْيَمين عَلَى طَالب الْحق».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة الْأَنْطَاكِي مُحَمَّد بن عَلّي بن حَمْزَة بن صَالح، نَا يزِيد بن مُحَمَّد، نَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، ثَنَا مُحَمَّد بن مَسْرُوق، عَن إِسْحَاق بن الْفُرَات، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رد الْيَمين عَلَى صَاحب الْحق».
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ: فِي إِسْنَاده جمَاعَة مَجَاهِيل. وَلم يسمهم رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان فِي علله: سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن هُوَ بن بنت شُرَحْبِيل الدِّمَشْقِي وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ إِلَّا أَنه كَانَ أروى النَّاس عَن المجاهيل وَكَانَت فِيهِ غَفلَة فِي حد لَو أَن رجلا وضع لَهُ حَدِيثا لم يفهم وَكَانَ لَا يميزه. قَالَ: وَمُحَمّد بن مَسْرُوق لَا يعرف لَهُ حَال، رَوَى عَنهُ هِشَام بن عمار ومُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقي. وَأعله عبد الْحق فِي الْأَحْكَام بِإسْحَاق بن الْفُرَات وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. وَأنكر عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان وَقَالَ: طوي ذكر من دون إِسْحَاق، وَإِسْحَاق خير مِمَّن دونه، فَإِنَّهُ- أَعنِي إِسْحَاق ابْن الْفُرَات بن الْجَعْد بن سليم مولَى مُعَاوِيَة بن حديج- فَقِيه ولي الْقَضَاء بِمصْر خَليفَة لمُحَمد بن مَسْرُوق الْكِنْدِيّ، يكنى أَبَا نعيم، يروي عَن مَالك وَاللَّيْث وَيَحْيَى بن أَيُّوب والمفضل بن فضَالة وَحميد بن هَانِئ، وَلم يعرفهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ؛ وَذَلِكَ أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: شيخ لَيْسَ بالمشهور. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم: مَا رَأَيْت قَاضِيا أفضل مِنْهُ وَكَانَ عَالما. قَالَ بَحر بن نصر: سَمِعت ابْن علية يَقُول: مَا رَأَيْت ببلدكم أحدا يحسن الْعلم إِلَّا ابْن الْفُرَات قَالَ ابْن الْوَزير: كَانَ من أكَابِر أَصْحَاب مَالك وَكَانَ لَقِي القَاضِي أَبَا يُوسُف بِالْبَصْرَةِ وَأخذ عَنهُ وَولي الْقَضَاء، وَكَانَ موفقًا سديدًا. انْتَهَى. وَفِي الْمِيزَان لِلْحَافِظِ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ قَالَ: هُوَ قَاضِي مصر فَقِيه صَدُوق. قَالَ: وَمَا ذكرته إِلَّا لِأَن غَيْرِي ذكره متشبثًا بِشَيْء لَا يدل وَهُوَ قَول أبي حَاتِم: شيخ لَيْسَ بالمشهور. نعم قَالَ ابْن يُونُس فِي تَارِيخه: فِي أَحَادِيثه أَحَادِيث كَأَنَّهَا مَقْلُوبَة. وَقَالَ السُّلَيْمَانِي: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ فِي تذهيبه: وَثَّقَهُ أَبُو عوَانَة الْحَافِظ وَأخرج هَذَا الحَدِيث الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسلمة الْعَنزي، ثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، نَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادًا ومتنًا إِلَّا أَنه قَالَ: «عَلَى طَالب الْحق». كَمَا أوردهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي ذَلِك نظر كَبِير لما تقدم، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك وَقَالَ: تفرد بِهِ. لَا جرم أَن الْحَافِظ أَبَا عبد الله الذَّهَبِيّ أنكر عَلَيْهِ فَقَالَ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك عقب تَصْحِيحه لَهُ: لَا أعرف مُحَمَّد بن مَسْرُوق هَذَا وأخشى أَن يكون الحَدِيث بَاطِلا. قلت: وَأخرجه تَمام الرَّازِيّ فِي فَوَائده بِإِسْنَادِهِ، عَن اللَّيْث، عَن الثَّوْريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرد الْيَمين عَلَى طَالب الْحق» وَهَذَا قد يرد مَا تقدم تعليلاً؛ لِأَنَّهُ أَدخل بَين اللَّيْث وَنَافِع: الثَّوْريّ وَقد يُجَاب عَن ذَلِك.

.الحديث الثَّامِن:

عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعير فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنه لَهُ، فَجعله النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا».
الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي بردة، عَن أبي بردة، عَن أَبِيه «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَابَّة لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة فَجَعلهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة همام عَن قَتَادَة بِمَعْنى إِسْنَاده الأول، كَذَا قَالَه أَبُو دَاوُد وَالْأول رَوَاهُ عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي بردة، عَن أَبِيه، عَن جده أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين، فَقَسمهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا نِصْفَيْنِ» وَرِجَاله كلهم ثِقَات، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن كثير، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا دَابَّة وجداها عِنْد رجل فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته، فَقَضَى بهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا نِصْفَيْنِ». قَالَ عبد الْحق: قَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا خطأ. قَالَ: وَمُحَمّد بن كثير هَذَا هُوَ المصِّيصِي، وَهُوَ صَدُوق إِلَّا أَنه كَانَ يُخطئ فِي حَدِيثه؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَط فِي آخر عمره. قَالَ: خطأه فِي هَذَا الحَدِيث؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يروي عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة. كَمَا سَيَأْتِي، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَلَى وَجه آخر، وَرَوَوْهُ عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي بردة، عَن جده أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا أَو دَابَّة عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة، فَجَعلهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا». قَالَ عبد الْحق قَالَ النَّسَائِيّ: إِسْنَاده جيد وَأخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من هَذِه الطَّرِيق، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَقد خَالف همام بن يَحْيَى سعيد بن أبي عرُوبَة فِي متن هَذَا الحَدِيث فَرَوَاهُ قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه، فَذكر الطَّرِيق الأول، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بعد أَن سَاق الحَدِيث: وَفِيه «فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين» كَذَلِك رَوَاهُ حجاج بن منهال عَن همام. قَالَ: وَهُوَ من حَدِيث همام بن يَحْيَى عَن قَتَادَة بِهَذَا اللَّفْظ مَحْفُوظ. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة بِمثل إِسْنَاده وَمَتنه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ عَن شُعْبَة. قَالَ: وَقد روينَا عَن ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة مَوْصُولا، وَعَن شُعْبَة عَن قَتَادَة مُرْسلا مخالفان همامًا، وَهَذِه الرِّوَايَة عَن شُعْبَة فِي لَفظه فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة وَفِي رِوَايَة همام وَهَذِه الرِّوَايَة عَن شُعْبَة فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين وَيحْتَمل عَلَى الْبعد أَن يَكُونَا قصتين، وَيحْتَمل أَن تكون قصَّة وَاحِدَة، والبينتان حِين تَعَارَضَتَا سقطتا فَقيل لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة، وَقسم الشَّيْء بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِحكم الْيَد. قَالَ: والْحَدِيث مَعْلُول عِنْد أهل الحَدِيث مَعَ الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده عَلَى قَتَادَة حَيْثُ رَوَاهُ الضَّحَّاك بن حَمْزَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي مجلز، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى «أَن رجلَيْنِ...» الحَدِيث، وَفِيه: «وَجَاء مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدَانِ» وَحَيْثُ رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، عَن بشير بن نهيك، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا دَابَّة فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين، فَجعله النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا نِصْفَيْنِ». وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من هَذَا الطَّرِيق وباللفظ أَيْضا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى وَفِيه «فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِيمَا بَلغنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن حَمَّاد مُتَّصِلا، فَعَاد الحَدِيث إِلَى حَدِيث أبي بردة إِلَّا أَنه عَن قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس غَرِيب. وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد، عَن حَمَّاد بن سَلمَة فَأرْسلهُ فَقَالَ: عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، وَهُوَ فِيمَا ذكره ابْن خُزَيْمَة، عَن أبي مُوسَى، عَن أبي الْوَلِيد، وَلَفظه: «ادّعَيَا دَابَّة أَنَّهُمَا وجداها فِي يَد رجل». وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو عوَانَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن تَمِيم بن طرفَة قَالَ: «أنبئت أَن رجلَيْنِ...» الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل. قَالَ: وَقد بَلغنِي عَن أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ أَنه سَأَلَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ عَن حَدِيث سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَ: يرجع هَذَا الحَدِيث إِلَى حَدِيث سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة. قَالَ البُخَارِيّ: وَقد رَوَى حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ: قَالَ سماك بن حَرْب: أَنا حدثت أَبَا بردة بِهَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وإرسال شُعْبَة هَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه فِي رِوَايَة غنْدر عَنهُ كالدلالة عَلَى ذَلِك. وَقَالَ فِي خلافياته-
أَعنِي الْبَيْهَقِيّ- أَيْضا: حَدِيث سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى مَعْلُول من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَتنه مُخْتَلف فِيهِ والْحَدِيث وَاحِد. وَالثَّانِي: أَن فِيهِ إرْسَالًا، يُقَال: إِن أَبَا بردة لم يسمع هَذَا الحَدِيث. قَالَ: ولهذه الْعلَّة لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيح. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث، وَذكر الِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى قَتَادَة، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو كَامِل مظفر بن مدرك عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، عَن أبي بردة مُرْسلا. وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ حَمَّاد: فَحدث بِهِ سماك بن حَرْب، فَقَالَ سماك: أَنا حدثت بِهِ أَبَا بردة. ثمَّ ذكر الِاخْتِلَاف عَلَى سماك، فَقَالَ: مدَار الحَدِيث يرجع عَلَى سماك، وَالصَّحِيح عَن سماك مُرْسلا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَذَا قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: الصَّحِيح أَنه عَلَى سماك مُرْسلا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ عبد الْحق: وَقَالَ غير الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا لَا يضر الحَدِيث وَقد أسْندهُ ثقتان عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى، وهما سعيد بن أبي عرُوبَة وَهَمَّام بن يَحْيَى، وَلَعَلَّ سعيد بن أبي بردة سَمعه من سماك، وسَمعه من أَبِيه عَن أبي مُوسَى.

.الحديث التَّاسِع:

«أَن رجلَيْنِ تداعيا دَابَّة وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنَّهُمَا دَابَّته، فَقَضَى بهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّتِي هِيَ فِي يَده».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف أخرجه الشَّافِعِي وَهُوَ فِي مُسْنده عَن ابْن أبي يَحْيَى، عَن إِسْحَاق بن أَبَى فَرْوَة، عَن عمر بن الحكم، عَن جَابر بن عبد الله: «أَن رجلَيْنِ تداعيا دَابَّة فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته أنتجها، فَقَضَى بهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّتِي هِيَ فِي يَده» ابْن أبي يَحْيَى وَإِسْحَاق قد عرفت حَالهمَا، قَالَ الشَّافِعِي: هَذِه رِوَايَة صَالِحَة لَيست بالقوية وَلَا الساقطة. وَلم نجد أحدا من أهل الْعلم يُخَالِفهُ فِي القَوْل بِهَذَا مَعَ أَنَّهَا قد رويت من غير هَذَا الْوَجْه، وَإِن لم تكن قَوِيَّة انْتَهَى. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث زيد بن نعيم، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن أبي حنيفَة- عَن هَيْثَم الصَّيْرَفِي وَهُوَ ثِقَة- عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَاقَة فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا: نتجت هَذِه النَّاقة عِنْدِي. وَأَقَامَا بَيِّنَة، فَقَضَى بهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّذي هِيَ فِي يَده». وزيد بن نعيم الرَّاوِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن لَا يعرف فِي غير هَذَا الحَدِيث، قَالَه الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب الْوَهم والإِيهام: هُوَ رجل لَا يعرف حَاله.

.الحديث العَاشِر:

«أَن خصمين أَتَيَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي كل وَاحِد مِنْهُمَا بالشهود، فَأَسْهم بَينهمَا، وَقَضَى لمن خرج لَهُ السهْم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث، عَن بكير بن عبد الله أَنه سمع سعيد بن الْمسيب يَقُول: «اخْتصم رجلَانِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمر، فجَاء كل وَاحِد مِنْهُمَا بشهداء عدُول عَلَى عدَّة وَاحِدَة، فَأَسْهم بَينهمَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت تقضي بَينهمَا. فَقَضَى للَّذي خرج لَهُ السهْم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل، وَله شَاهد من وَجه آخر، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الْأسود، عَن عُرْوَة وَسليمَان بن يسَار «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَى كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشُهُود وَكَانُوا سَوَاء، فَأَسْهم بَينهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: رَوَى تَمِيم بن طرفَة «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعير، فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين فَقَضَى بَينهمَا نِصْفَيْنِ». قَالَ الشَّافِعِي: وَتَمِيم رجل مَجْهُول، والمجهول لَو لم يُعَارضهُ أحد لم تكن رِوَايَته حجَّة، وَسَعِيد بن الْمسيب يروي عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا وَصفنَا وَسَعِيد سعيد، وَقد زَعمنَا أَن الْحَدِيثين إِذا اخْتلفَا فالحجة فِي أصح الْحَدِيثين، وَلَا أعلم عَالما يشكل عَلَيْهِ أَن حديثنا أصح، وَأَن سعيدًا من أصح النَّاس مُرْسلا، وَهُوَ بالسنن فِي الْقرعَة أشبه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَحَدِيث تَمِيم بن طرفَة مُنْقَطع، وَتَمِيم طائي كُوفِي يروي عَن عدي بن حَاتِم وَجَابِر بن سَمُرَة، وَهُوَ من متأخري التَّابِعين وَمَتى يدْرك دَرَجَة سعيد بن الْمسيب.
قلت: ويروي عَنهُ عبد الْعَزِيز بن رفيع وَسماك وَغَيرهمَا، وَأخرج لَهُ مُسلم وَالْحَاكِم وَابْن حبَان، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته فِي التَّابِعين؛ فَفِي قَوْله إِنَّه مَجْهُول إِذن نظر. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثر عمر فِي تَحْويل الْيَمين إِلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا ذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر فَقَالَ أَولا ترَى أَن عمر جعل الْأَيْمَان عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِم فَلَمَّا لم يحلفوا ردهَا عَلَى المدعيين وكل هَذَا تَحْويل يَمِين.
وَذكر فِيهِ أَيْضا الْأَثر الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ: هَذَا قَول حكام المكيين ومفتيهم- يَعْنِي التَّغْلِيظ بِالْمَكَانِ- وَمن حجتهم فِيهِ مَعَ إِجْمَاعهم أَن مُسلما والقداح أخبراني عَن ابْن جريج عَن عِكْرِمَة بن «خَالِد أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَأَى قوما يحلفُونَ بَين الْمقَام وَالْبَيْت، فَقَالَ: أَعلَى دم؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فعلَى عَظِيم من الْأَمْوَال؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: خشيت أَن يبهأ النَّاس بِهَذَا الْمقَام». قَالَ الشَّافِعِي: فَذَهَبُوا إِلَى أَن الْعَظِيم من الْأَمْوَال مَا وصفت من عشْرين دِينَارا فَصَاعِدا. قَالَ: وَقَالَ مَالك يحلف عَلَى الْمِنْبَر عَلَى ربع دِينَار. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله «يبهأ النَّاس» يَعْنِي يأنسوا بِهِ فتذهب هيبته من قُلُوبهم. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال بهأت بالشَّيْء إِذا آنست بِهِ. وأعل هَذَا الْأَثر أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ فِي محلاه: الرِّوَايَة عَن عبد الرَّحْمَن سَاقِطَة لَا يُدْرَى لَهَا أصل وَلَا مخرج، ثمَّ لَو صحت لم يحد عبد الرَّحْمَن فِي كثير المَال مَا حد مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَمَا نعلم أحدا سبقهما إِلَى ذَلِك. وَوَقع بدل يبهأ يتهاون وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فِي كِتَابيه وَلم أَقف عَلَى شَيْء عَلَى من خرجها بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ فسره الرَّافِعِيّ بِمَا فسر بِهِ الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ قبل إِيرَاده لَهُ: وَأما الْأَمْوَال يتَحَرَّى التَّغْلِيظ فِي كثيرها دون قليلها عَلَى مَا ورد فِي الْآثَار.