فصل: الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا وتران فِي لَيْلَة».
هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة قيس بن طلق بن عَلّي، عَن أَبِيه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ عبد الْحق: غَيره يُصَحِّحهُ.
قلت: قد نقلنا عَن ابْن حبَان تَصْحِيحه، لَكِن قد أسلفنا فِي آخر الحَدِيث الثَّالِث عشر، من بَاب الْأَحْدَاث أَن أَحْمد وَيَحْيَى ضعفا قيس بن طلق، وَأَن أَبَا حَاتِم وَأَبا زرْعَة قَالَا: لَا تقوم بِهِ حجَّة وَذكر الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: قد أَكثر النَّاس فِي قيس بن طلق، وَأَنه لَا تقوم بِهِ حجَّة وَأما ابْن أبي حَاتِم فَنَقَل عَنهُ توثيقه، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَأخرج لَهُ فِي صَحِيحه وَفِي إِسْنَاده أَيْضا ملازم بن عَمْرو قد وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو زرْعَة وَالْعجلِي وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ صَدُوق. وَقَالَ أَبُو بكر الضبعِي: فِيهِ نظر. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث أَيهمَا أصح قيس بن طلق، عَن أَبِيه، أَو قيس بن طلق، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: الأول أصح.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

الْخَبَر الْمَشْهُور «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يُوتر ثمَّ ينَام، ثمَّ يقوم يتهجد، وَأَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ ينَام قبل أَن يُوتر، ثمَّ يقوم وَيُصلي ويوتر فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر: أَنْت أخذت بالحزم. وَقَالَ لعمر: أَنْت أخذت بِالْقُوَّةِ».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَله طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: أوتر من أول اللَّيْل. وَقَالَ لعمر: مَتى توتر؟ قَالَ: من آخر اللَّيْل. فَقَالَ لأبي بكر: أَخذ هَذَا بالحزم. وَقَالَ لعمر: أَخذ هَذَا بِالْقُوَّةِ».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ ابْن الْقطَّان: رِجَاله كلهم ثِقَات.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: أوتر قبل أَن أَنَام. وَقَالَ لعمر: مَتى توتر؟ قَالَ: أَنَام ثمَّ أوتر. فَقَالَ لأبي بكر: أخذت بالحزم- أَو بالوثيقة- وَقَالَ لعمر: أخذت بِالْقُوَّةِ». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: أوتر ثمَّ أَنَام. قَالَ: بالحزم أخذت. وَسَأَلَ عمر: مَتى توتر؟ قَالَ: أَنَام ثمَّ أقوم من اللَّيْل فأوتر. قَالَ: فعل القَويِّ أخذت» رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ: «فعلت» بدل «أخذت» ذكره مستشهدًا بِهِ عَلَى حَدِيث أبي قَتَادَة السالف أَولا، وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي سنَنه وَالْبَزَّار فِي مُسْنده وَقَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر إِلَّا يَحْيَى بن سليم.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَيَحْيَى بن سليم وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَمن ضعفه لم يَأْتِ بِحجَّة، وَهُوَ صَدُوق عِنْد الْجَمِيع. قَالَ: فَهُوَ حَدِيث حسن. قَالَ: وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث سعيد بن سِنَان عَن أبي الزَّاهِرِيَّة عَن كثير بن مرّة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وَإِسْنَاده ضَعِيف؛ لِأَن سعيد بن سِنَان سيئ الْحِفْظ. قلت: بل هَالك.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر: «أَي حِين توتر؟ قَالَ: أول اللَّيْل بعد الْعَتَمَة. قَالَ: فَأَنت يَا عمر؟ قَالَ: آخر اللَّيْل. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما إِنَّك يَا أَبَا بكر فَأخذت بالوثقى، وَأما أَنْت يَا عمر فَأخذت بِالْقُوَّةِ».
رَوَاهُ كَذَلِك أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن مَاجَه فِي سنَنه وَإِسْنَاده حسن.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن سعيد بن الْمسيب: «أَن أَبَا بكر وَعمر تذاكرا الْوتر عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فأوتر فِي أول اللَّيْل. وَقَالَ عمر: أما أَنا فأوتر آخر اللَّيْل. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: حذر هَذَا وَقَوي هَذَا».
رَوَاهُ الْمُزنِيّ، عَن الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن سعيد بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: قبل أَن أَنَام- أَو قَالَ: أول اللَّيْل- وَقَالَ: يَا عمر، مَتى توتر؟ قَالَ: آخر اللَّيْل. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أضْرب لكم مثلا؟ أما أَنْت يَا أَبَا بكر فكالذي قَالَ: أحرزت نَهْبي وأبتغي النَّوَافِل، وَأما أَنْت يَا عمر فتعمل بِعَمَل الأقوياء».
قَالَ الطَّحَاوِيّ: نَهْبي- يَعْنِي سهمي.
وَرَوَاهُ بَقِي بن مخلد فِي مُسْنده كَمَا أَفَادَهُ ابْن الْقطَّان، عَن ابْن رمح، نَا اللَّيْث، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن أَبَا بكر وَعمر تذاكرا عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فأصلي ثمَّ أَنَام عَلَى وتر، فَإِذا استيقظت صليت شفعًا حَتَّى الصَّباح. قَالَ عمر: لكني أَنَام عَلَى شفع ثمَّ أوتر من السحر. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر: حذر هَذَا. وَقَالَ لعمر: قوي هَذَا».
وَهَكَذَا أَيْضا رَوَاهُ سُفْيَان فِي مُسْنده عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد قَالَ: «تَذكرُوا الْوتر عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فأوتر أول اللَّيْل. وَقَالَ عمر: أما أَنا فأوتر آخر اللَّيْل. قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: حذر هَذَا، وَقَوي هَذَا».
وَأعله عبد الْحق فِي أَحْكَامه فَقَالَ: ابْن الْمسيب لم يسمع من عمر إِلَّا نعيه النُّعْمَان بن مقرن.
لَكِن فِي تَهْذِيب الْكَمَال للمزي عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه رَآهُ وَسمع مِنْهُ. قَالَ: وَإِذا لم يقبل سعيد عَن عمر فَمن يقبل؟! وَقَالَ أَيْضا: مرسلاته صِحَاح لَا نرَى أصح مِنْهَا.
لَا جرم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: إِسْنَاده ثَابت جيد. قَالَ: وَقد عرف أَن مُرْسل سعيد حجَّة.
قلت: اعتضد بالمسند السالف.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر: كَيفَ توتر؟ قَالَ: أوتر أول اللَّيْل. قَالَ: حذر كيس. ثمَّ سَأَلَ عمر: كَيفَ توتر؟ قَالَ: من آخر اللَّيْل. قَالَ: قوي معَان».
رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث سُلَيْمَان بن دَاوُد اليمامي، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة. وَسليمَان هَذَا ضَعَّفُوهُ.
وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن أبي بكر وَعمر «أَن أَحدهمَا كَانَ يُوتر أول اللَّيْل، وَالْآخر يُوتر آخِره فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: حذر هَذَا، وَقَوي هَذَا» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث يرويهِ ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يَعْقُوب الزبيري عَن ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ فِيهِ: عَن أبي هُرَيْرَة، وَغَيره يرويهِ عَن ابْن عُيَيْنَة وَلَا يذكر أَبَا هُرَيْرَة يُرْسِلهُ عَن سعيد وَهُوَ الصَّوَاب، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزبيري عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد مُرْسلا.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن عقبَة بن عَامر بِمثلِهِ: «وَقَالَ لأبي بكر: حذر- مرَّتَيْنِ- وَقَالَ لعمر: مُؤمن قوي».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَفِيه ضعف، كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان، وَلم يُنكر عَلَيْهِ ولم يعزه لأحد.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اجعلوا آخر صَلَاتكُمْ بِاللَّيْلِ وترا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من هَذَا الْوَجْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من خَافَ مِنْكُم أَن لَا يَسْتَيْقِظ من آخر اللَّيْل فليوتر من أول اللَّيْل، وَمن طمع مِنْكُم أَن يَسْتَيْقِظ فليوتر آخر اللَّيْل؛ فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل مَشْهُودَة، وَذَلِكَ أفضل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ بلفظين أَحدهمَا: «من خَافَ أَن لَا يقوم من آخر اللَّيْل فليوتر أَوله، وَمن طمع أَن يقوم آخِره فليوتر آخر اللَّيْل؛ فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل مَشْهُودَة، وَذَلِكَ أفضل».
ثَانِيهمَا: «أَيّكُم خَافَ أَن لَا يقوم من آخر اللَّيْل فليوتر ثمَّ ليرقد، وَمن وثق بِقِيَام من اللَّيْل فليوتر من آخِره؛ فَإِن قِرَاءَة آخر اللَّيْل محضورة، وَذَلِكَ أفضل».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ: «من ظن مِنْكُم أَن لَا يَسْتَيْقِظ آخر اللَّيْل فليوتر أَوله، وَمن ظن أَنه يَسْتَيْقِظ آخِره فليوتر آخِره؛ فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل محضورة، وَذَلِكَ أفضل».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: وَرُوِيَ أَيْضا عَن جَابر، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَالصَّوَاب إِسْقَاط عَائِشَة من هَذَا الْإِسْنَاد.

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

عَن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قَالَت: «من كل اللَّيْل قد أوتر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من أول اللَّيْل وأوسطه وَآخره، وَانْتَهَى وتره إِلَى السحر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لمُسلم، قَالَ عبد الْحق: وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ.
وَلَفظ البُخَارِيّ: «كل اللَّيْل أوتر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَانْتَهَى وتره إِلَى السحر».
وَلَفظ أبي دَاوُد: «انْتَهَى وتره حِين مَاتَ إِلَى السحر».

.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كتب عليَّ الْوتر وَهُوَ لكم سنة، وَكتب عليّ رَكعَتَا الضُّحَى وهما لكم سنة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاث هن عليّ فَرَائض وَلكم تطوع: النَّحْر وَالْوتر وركعتا الضُّحَى».
هَذَا لفظ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ: «وركعتا الْفجْر» بدل «وركعتا الضُّحَى».
وَرَوَاهُ ابْن عدي بِلَفْظ: «ثَلَاث عَلّي فَرِيضَة وَلكم تطوع: الْوتر، وَالضُّحَى، وركعتا الْفجْر».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه مستشهدًا بِهِ بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، وَإِن ذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح لِأَن مَدَاره عَلَى أبي جناب الْكَلْبِيّ، واسْمه: يَحْيَى بن أبي حَيَّة وَاسم أبي حَيَّة: حَيّ، رَوَاهُ عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وَأَبُو جناب كَانَ يَحْيَى الْقطَّان يَقُول: لَا أستحل أَن أروي عَنهُ. وَقَالَ أَبُو نعيم: كَانَ يُدَلس أَحَادِيث مَنَاكِير. وَفِي «علل أَحْمد»: كَانَ ثِقَة يُدَلس، وَعِنْده أَحَادِيث مَنَاكِير. مَعَ أَنه أخرج لَهُ فِي مُسْنده وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: مَتْرُوك. وَقَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا: ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس إِلَّا أَنه كَانَ يُدَلس. وَقَالَ مرّة: صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يكْتب حَدِيثه، لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَاخْتلف كَلَام ابْن حبَان فِيهِ؛ فَذكره فِي ثقاته وَقَالَ: رَوَى عَن جمَاعَة من التَّابِعين، وَعنهُ أهل الْكُوفَة. وَذكره فِي الضُّعَفَاء، وَقَالَ: كَانَ يُدَلس عَلَى الثِّقَات مَا سمع من الضُّعَفَاء، فالتزقت بِهِ الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير، فَحمل عَلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل حملا شَدِيدا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: أَبُو جناب هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ فِي سنَنه: ضَعِيف، وَكَانَ يزِيد بن هَارُون يصدقهُ ويرميه بالتدليس. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث غير ثَابت، ضعفه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: أَبُو جناب هَذَا لَا يُؤْخَذ من حَدِيثه إِلَّا مَا قَالَ فِيهِ: ثَنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلس، وَهُوَ أَكثر مَا عيب بِهِ، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: نَا عِكْرِمَة. وَلَا ذكر مَا يدل عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: هَذَا حَدِيث ضَعِيف. ثمَّ نقل كَلَام يَحْيَى الْقطَّان وَالْفَلَّاس فِي تَضْعِيف أبي جناب. وَنقل النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة الْإِجْمَاع عَلَى أَن أَبَا جناب مُدَلّس وَقد عنعن فِي هَذَا الحَدِيث. فتلخص من كَلَامه هَذَا كُله أَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمن الْعَجَائِب أَن أَصْحَابنَا يثبتون كَون هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة من خَصَائِصه بِمثل هَذَا الحَدِيث، فَإِن قلت: لم ينْفَرد بِهِ؛ بل تَابعه عَلَيْهِ جَابر الْجعْفِيّ، رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث إِسْرَائِيل عَنهُ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «أمرت بركعتي الْفجْر وَالْوتر، وَلَيْسَ عَلَيْكُم» وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد أَيْضا وَقَالَ: «وَلم يكْتب» بدل: «وَلَيْسَ عَلَيْكُم» وَرَوَاهُ عبد بن حميد فِي مُسْنده بِزِيَادَة «عَلَيْكُم».
قلت: جَابر ضَعِيف كَمَا سلف.
وَرَوَاهُ وضاح بن يَحْيَى، عَن منْدَل، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «ثَلَاث عليّ فَرِيضَة وَهن لكم تطوع: الْوتر، وركعتا الْفجْر، وركعتا الضُّحَى» وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا.
الوضاح قَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ، كَانَ يروي عَن الثِّقَات الْأَحَادِيث الَّتِي كَأَنَّهَا معمولة. ومندل ضعفه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلم يتْرك. لَا جرم قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ فِي الْإِعْلَام: إِنَّه حَدِيث لَا يثبت. وَضَعفه فِي تَحْقِيقه أَيْضا.
عَلَى أَنه قد جَاءَ مَا يُعَارضهُ أَيْضا وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَرر، عَن قَتَادَة، عَن أنس رَفعه: «أمرت بالوتر والأضحى وَلم يعزم عليّ».
وَرَوَاهُ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه فَقَالَ: «وَلم يفْرض عليّ» لكنه حَدِيث ضَعِيف أَيْضا بِسَبَب عبد الله بن مُحَرر؛ فَإِنَّهُ مَتْرُوك بإجماعهم. قَالَ ابْن الْمُبَارك: لَو خيرت بَين أَن أَدخل الْجنَّة أَو أَلْقَاهُ لاخترت لقاءه ثمَّ أدخلها، فَلَمَّا رَأَيْته كَانَت بَعرَة أحب إليّ مِنْهُ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من خِيَار عباد الله إِلَّا أَنه كَانَ يكذب وَلَا يعلم، ويقلب الْأَخْبَار وَلَا يفهم.
وَأغْرب ابْن شاهين فَذكر فِي ناسخه ومنسوخه حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف من طَرِيق الوضاح، وَحَدِيث أنس هَذَا، ثمَّ قَالَ: الحَدِيث الأول أقرب إِلَى الصَّوَاب من الثَّانِي؛ لِأَن فِيهِ ابْن الْمُحَرر، وَلَيْسَ بمرضي عِنْدهم. قَالَ: وَلَا أعلم النَّاسِخ مِنْهُمَا لصَاحبه. قَالَ: وَلَكِن الَّذِي عِنْدِي يشبه أَن يكون حَدِيث عبد الله بن مُحَرر عَلَى مَا فِيهِ نَاسِخا للْأولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يثبت أَن هَذِه الصَّلَوَات فرض. انْتَهَى مَا ذكره وَلَا نَاسخ فِي ذَلِك وَلَا مَنْسُوخ؛ لِأَن النّسخ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة الصَّحِيحَة، وَأَيْنَ الصِّحَّة هُنَا فيهمَا؟!

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أوتر قنت فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عَمْرو بن شمر، عَن سَلام، عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: «سَمِعت أَبَا بكر وَعمر وعليًّا وَعُثْمَان يَقُولُونَ: قنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر الْوتر وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك» وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ عَمْرو بن شمر رَافِضِي مَتْرُوك، وَقَالَ السَّعْدِيّ: زائغ كَذَّاب. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، لَا يحل كتب حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

عَن أبيّ بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقنت قبل الرُّكُوع».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَلَفظ أبي دَاوُد: «كَانَ يقنت- يَعْنِي: فِي الْوتر- قبل الرُّكُوع» وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات ويقنت قبل الرُّكُوع» وَلَفظ ابْن مَاجَه «كَانَ يُوتر فيقنت قبل الرُّكُوع».
هُوَ حَدِيث ضَعِيف، ضعفه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فأطنب، وَابْن الْمُنْذر وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة؛ كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَلَا عِبْرَة بِذكر ابْن السكن لَهُ فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه- أَعنِي: الْقُنُوت فِي الْوتر- من غير رِوَايَة أبيّ، من رِوَايَة ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وضعفها كلهَا وَبَين سَبَب ضعفها.
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي مهذبه: هَذَا حَدِيث غير ثَابت عِنْد أهل النَّقْل.
وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله: أخْتَار الْقُنُوت بعد الرُّكُوع؛ لِأَن كل شَيْء يثبت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُنُوت إِنَّمَا هُوَ بعد الرُّكُوع، فَلم يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قنوت الْوتر قبل أَو بعد شَيْء.
وَقَالَ أَيْضا فِيمَا رَوَاهُ الْخلال عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن الْقُنُوت فِي الْوتر؟ فَقَالَ: لَيْسَ يرْوَى فِيهِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء، وَلَكِن عمر كَانَ يقنت السّنة إِلَى السّنة.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

حَدِيث قنوت الْحسن فِي الْوتر.
هَذَا الحَدِيث تقدم مَبْسُوطا فِي أثْنَاء بَاب صفة الصَّلَاة.

.الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولَى من الْوتر ب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَة ب قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَة ب قل هُوَ الله أحد والمعوذتين».
هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن جريج عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِي إِسْنَاده خصيف بن عبد الرَّحْمَن الْجَزرِي؛ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن عبد الْعَزِيز بن جريج قَالَ: «سَأَلنَا عَائِشَة...» الحَدِيث، وَحفظ خصيف رَدِيء. فقد زعم قوم أَنه لم يسمع مِنْهَا قَالَه أَحْمد بن عبد الله بن صَالح الْكُوفِي، وَلَو جَاءَ قَوْله: «سَأَلنَا عَائِشَة» عَن غير خصيف مِمَّن يوثق بِهِ صَحَّ سَمَاعه مِنْهَا فَأَنَّى لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ أَعنِي: عبد الْعَزِيز- لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه كَمَا قَالَ البُخَارِيّ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن عمْرَة عَن عَائِشَة مَرْفُوعا.
قلت: رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة سعيد بن عفير وَابْن أبي مَرْيَم، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء.
ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر الدَّال عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يفصل بالتسليمة بَين الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّالِثَة. ثمَّ أخرج من طَرِيق ابْن عفير إِلَيْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُوتر بعدهمَا ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و{قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَيقْرَأ فِي الْوتر ب {قل هُوَ الله أحد} و{قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و{قل أعوذ بِرَبّ النَّاس}».
وَلما أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث سعيد بن عفير، عَن يَحْيَى بِهِ، وَمن حَدِيث سعيد بن أبي مَرْيَم عَن يَحْيَى بِهِ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَسَعِيد بن عفير إِمَام أهل مصر بِلَا مدافعة، وَقد أَتَى بِالْحَدِيثِ مُفَسرًا دَالا عَلَى أَن الرَّكْعَة الَّتِي هِيَ الْوتر ثَانِيَة غير الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهَا هَذَا مَا ذكره الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي بَاب صَلَاة الْوتر، وَقَالَ فِي كتاب التَّفْسِير مِنْهُ فِي تَفْسِير سُورَة سبح بعد أَن أخرجه من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب أَيْضا بِاللَّفْظِ السالف-: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ هَكَذَا؛ إِنَّمَا أخرجه البُخَارِيّ وَحده عَن ابْن أبي مَرْيَم.
قلت: لم يُخرجهُ البُخَارِيّ من هَذِه الطَّرِيق وَلَا من غَيره.
وَقَالَ الْحَاكِم: وَإِنَّمَا تعرف هَذِه الزِّيَادَة من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب فَقَط. وَقَالَ: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر صَحِيح. فَذكره من حَدِيث ابْن جريج كَمَا سلف أَولا، ثمَّ قَالَ: قد أَتَى بهَا إِمَام أهل مصر فِي الحَدِيث وَالرِّوَايَة سعيد بن عفير، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب بِهَذَا الحَدِيث، وطلبته وَقت إملائي كتاب الْوتر فَلم أَجِدهُ، ثمَّ وجدته بعد. فَذكره بِإِسْنَادِهِ السالف.
قلت: قد وجده هُنَاكَ وَأخرجه كَمَا سقناه عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَالح. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِن حَدِيث أُبيّ وَابْن عَبَّاس- يَعْنِي: بِإِسْقَاط المعوذتين- أصح مِنْهُ وَأولَى. قَالَ: وَهُوَ شَبيه بالمرسل عَن عَائِشَة؛ للشَّكّ فِي لِقَائِه عَائِشَة- يَعْنِي: ابْن جريج.
وَتَبعهُ عبد الْحق فِي أَحْكَامه فَقَالَ: «حَدِيث أبيّ أصح إِسْنَادًا من حَدِيث عَائِشَة». قَالَ ابْن الْقطَّان وَهُوَ كَمَا ذكر. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ لما ذكره فِي تَحْقِيقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب أتبعه بِأَن قَالَ: وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة. قَالَ: والطريقان لَا يصحان؛ فَإِن يَحْيَى بن أَيُّوب لَا يحْتَج بِهِ قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: وَمُحَمّد بن سَلمَة ضَعِيف. وَقد أنكر يَحْيَى بن معِين وَأحمد زِيَادَة المعوذتين. هَذَا مَا ذكره، فَأَما تَضْعِيف الحَدِيث بِيَحْيَى فَهُوَ مَسْبُوق بِهِ، قَالَ الْأَثْرَم: سَمِعت أَبَا عبد الله يسْأَل عَن يَحْيَى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ، فَقَالَ: كَانَ يحدث من حفظه، وَكَانَ لَا بَأْس بِهِ، وَكَانَ كثير الْوَهم فِي حفظه. فَذكرت لَهُ من حَدِيثه هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَا من يحْتَمل هَذَا؟! وَقَالَ مرّة: كم قد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن عَائِشَة من النَّاس لَيْسَ فِيهِ هَذَا. وَأنكر حَدِيث يَحْيَى خَاصَّة.
قلت: لم ينْفَرد بِهِ عَنْهَا؛ فقد أخرجه هُوَ فِي مُسْنده من حَدِيث خصيف، عَن عبد الْعَزِيز عَنْهَا. ثمَّ يَحْيَى بن أَيُّوب من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَقد صحّح حَدِيثه هَذَا ابْن حبَان وَالْحَاكِم- كَمَا سلف.
وَأما قَول ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة فَلم أره فِي سنَنه. وَلَعَلَّه أَرَادَ التِّرْمِذِيّ، فَسبق الْقَلَم إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ، وَأما تَضْعِيف مُحَمَّد بن سَلمَة فغلط؛ فقد صدقه أَحْمد وَغَيره، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه كَمَا مَضَى، وَمِمَّا يتَبَيَّن بِهِ غلطه أَنه فِي كتاب الضُّعَفَاء ذكر مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَضْرَمِيّ والْبنانِيّ وَضعفهمَا، ثمَّ قَالَ: وَجُمْلَة من يَأْتِي فِي الحَدِيث من اسْمه مُحَمَّد بن سَلمَة أَرْبَعَة عشر رجلا لَا يعرف قدحًا فِي غير هذَيْن. انْتَهَى.
وَمُحَمّد بن سَلمَة هَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ فَتنبه لذَلِك.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث مَعَ شهرته أوردهُ الْغَزالِيّ فِي وسيطه بِعِبَارَة لَا تلِيق بِهِ؛ فَقَالَ فِي وسيطه: قيل إِن عَائِشَة رَوَت ذَلِك. وَعبارَة شَيْخه- إِمَام الْحَرَمَيْنِ-: رَأَيْت فِي كتاب مُعْتَمد أَن عَائِشَة رَوَت ذَلِكَ. وَلَا يخْفَى مَا فِيهَا من مثله.
ثَانِيهَا: أورد ابْن السكن فِي صحاحه من حَدِيث عبد الله بن سرجس مثل حَدِيث عَائِشَة، وَكَأَنَّهُ غَرِيب نعم هُوَ يُروى من حَدِيث أبيّ بن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، لَكِن بِدُونِ ذكر المعوذتين.
أما حَدِيث أبيّ فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وأَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظ أَحْمد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر: سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وقل هُوَ الله أحد فَإِذا سلم قَالَ: سُبْحَانَ الْملك القدوس- ثَلَاث مرار».
وَلَفظ البَاقِينَ خلا النَّسَائِيّ: كَانَ يُوتر ب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وقل للَّذين كفرُوا و«الله الْوَاحِد الصَّمد» زَاد ابْن حبَان مَا ذكره أَحْمد آخرا.
وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات، يقْرَأ فِي الأولَى ب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَة ب قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَة: قل هُوَ الله أحد ويقنت قبل الرُّكُوع» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يُوتر ب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وقل هُوَ الله أحد وكَانَ يَقُول: سُبْحَانَ الْملك القدوس- ثَلَاثًا- وَيرْفَع بالثالثة».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك، وَلم يذكر: «وَكَانَ يَقُول: سُبْحَانَ الْملك القدوس...» إِلَخ.
وَلما خرجه الْحَاكِم فِي كتاب التَّفْسِير من مُسْتَدْركه قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَفِيه نظر؛ فَفِي إِسْنَاده من طَرِيقه مُحَمَّد بن أنس الرَّازِيّ وَقد تفرد بمناكير، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و{قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و{قل هُوَ الله أحد} فِي رَكْعَة رَكْعَة».
وَلَفظ أَحْمد: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و{قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و{قل هُوَ الله أحد}».
وَأما حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه؛ فَرَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد بِلَفْظ: «كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و{قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و{قل هُوَ الله أحد}» زَاد أَحْمد: «وَإِذا أَرَادَ أَن ينْصَرف من الْوتر قَالَ: سُبْحَانَ الْملك القدوس- ثَلَاث مَرَّات- ثمَّ يرفع صَوته فِي الثَّالِثَة».
قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس: وَفِي الْبَاب عَن عليّ وَعَائِشَة وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن أبيّ بن كَعْب، وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ المعمري أَيْضا: وَرَوَاهُ أَيْضا عمرَان بن حُصَيْن وَابْن مَسْعُود وَأَبُو أُمَامَة وَجَابِر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.