فصل: الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل فِي صلَاته وَأحرم النَّاس خَلفه، ثمَّ ذكر أَنه جنب فَأَشَارَ إِلَيْهِم كَمَا أَنْتُم، ثمَّ خرج واغتسل وَرجع وَرَأسه يقطر مَاء».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أقربها إِلَى رِوَايَة المُصَنّف رِوَايَة أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «دخل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلاةٍ فَكبر وَكَبَّرْنَا مَعَه، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْم كَمَا أَنْتُم، فَلم نزل قيَاما حَتَّى أَتَى نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اغْتسل وَرَأسه يقطر مَاء».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عبد الله بن معَاذ، حَدثنَا أبي، نَا سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس بِهِ. ثمَّ قَالَ: خَالفه عبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف فَرَوَاهُ عَن سعيد، عَن قَتَادَة، عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل فِي صلَاته فَكبر وَكبر من خَلفه، فَانْصَرف فَأَشَارَ إِلَى أَصْحَابه أَن كَمَا أَنْتُم، فَلم يزَالُوا قيَاما حَتَّى جَاءَ وَرَأسه يقطر» قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَبِه نَأْخُذ.
ثَانِيهَا: عَن عبد الله بن زرير الغافقي، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَائِما يُصَلِّي بهم، إِذْ انْصَرف فَأَتَى وَرَأسه يقطر مَاء، فَقَالَ: إِنِّي قُمْت بكم ثمَّ ذكرت أَنِّي كنت جنبا وَلم أَغْتَسِل، فَانْصَرَفت وَاغْتَسَلت، فَمن أَصَابَهُ مِنْكُم مثل مَا أصابني أَو وجد فِي بَطْنه رزًّا فلينصرف فليغتسل أَو ليتوضأ».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِنَحْوِهِ.
قَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا الحَدِيث لَا يحفظ وَلَا يرْوَى عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قلت: وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن لَهِيعَة وحالته مَشْهُورَة وَقد عرفتها فِيمَا مَضَى، وَعبد الله ابْن زرير نسبه إِلَى الْجَهَالَة ابْن الْقطَّان، لَكِن وَثَّقَهُ ابْن سعد وَالْعجلِي، كَمَا أسلفته لَك فِي بَاب الْأَوَانِي.
ثَالِثهَا: عَن أبي بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل فِي صَلَاة الْفجْر فَأَوْمأ بِيَدِهِ أَن مَكَانكُمْ، ثمَّ جَاءَ وَرَأسه يقطر فَصَلى بهم».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث حَمَّاد- وَهُوَ ابْن سَلمَة- عَن زِيَاد الأعلم، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة بِهِ، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق حَمَّاد أَيْضا وَقَالَ: بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. قَالَ فِي أَوله: «فَكبر» وَقَالَ فِي آخِره: «فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنِّي كنت جنبا» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيُّوب وَابْن عون وَهِشَام، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فَكبر ثمَّ أَوْمَأ إِلَى الْقَوْم أَن اجلسوا فَذهب واغتسل».
وَرَوَاهُ مَالك، عَن إِسْمَاعِيل بن حَكِيم، عَن عَطاء بن يسَار «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر فِي صَلَاة» ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر كَذَلِك، وَكلهَا مُرْسلَة.
قلت: وَلَفظ رِوَايَة أبي حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه فِي الرِّوَايَة الأولَى الْمُتَّصِلَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر فِي صَلَاة الْفجْر يَوْمًا ثمَّ انْطلق فاغتسل فجَاء وَرَأسه يقطر فَصَلى بهم».
وَصَححهُ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فِي مَعْرفَته، وَقَالَ فِي خلافياته: رُوَاته ثِقَات لَكِن فِيهِ وَقْفَة مَعَ القَوْل فِي حَمَّاد بن سَلمَة، فَإِنَّهُ قد قيل: إِنَّه لم يسمع الْحسن من أبي بكرَة كَمَا سلف التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ من بَاب شُرُوط الصَّلَاة وبحثنا فِيهِ.
وَقَالَ البرديجي فِي كتاب الْمُتَّصِل والمرسل: والمقطوع الَّذِي صَحَّ عَن الْحسن سَمَاعا من الصَّحَابَة أنس وَعبد الله بن مُغفل وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وأَحْمَر بن جُزْء.
قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: وَقَول أبي بكرَة «فَصَلى بهم» أَرَادَ بَدَأَ بتكبير مُحدث؛ لَا أَنه رَجَعَ فَبَنَى عَلَى صلَاته؛ إِذْ محَال أَن يذهب عَلَيْهِ السَّلَام ليغتسل وَيبقى النَّاس كلهم قيَاما عَلَى حالتهم من غير إِمَام إِلَى أَن يرجع.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّلَاة وَكبر، ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم فَمَكَثُوا، ثمَّ انْطلق فاغتسل وَكَانَ رَأسه يقطر مَاء فَصَلى بهم، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنِّي خرجت إِلَيْكُم جنبا وَإِنِّي أنسيت حَتَّى قُمْت فِي الصَّلَاة».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أُسَامَة بن زيد، عَن عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى نمط آخر وَهَذَا إسنادهما عَنهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حضر وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة وَعدلت الصُّفُوف حَتَّى قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قبل أَن يكبر ذكر فَانْصَرف وَقَالَ: مَكَانكُمْ. فَلم نزل قيَاما حَتَّى خرج إِلَيْنَا وَقد اغْتسل ينطف رَأسه مَاء فَكبر فَصَلى بِنَا» وحملت عَلَى أَنَّهَا قَضِيَّة أُخْرَى فِي يَوْم آخر.
قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: هَذَانِ فعلان فِي موضِعين متباينين. خرج عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مرّة فَكبر ثمَّ ذكر أَنه جنب، فَانْصَرف فاغتسل، ثمَّ جَاءَ فاستأنف بهم الصَّلَاة، وَجَاء مرّة أُخْرَى فَلَمَّا وقف ليكبر ذكر أَنه جنب قبل أَن يكبر، فَذهب واغتسل ثمَّ رَجَعَ فَأَقَامَ بهم الصَّلَاة من غير أَن يكون بَين الْخَبَرَيْنِ تضَاد وَلَا تهاتر.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَن الإِمَام إِذا بَان كَونه جنبا أَو مُحدثا لَا إِعَادَة عَلَى الْمَأْمُوم، سَوَاء علم الإِمَام بحدثه أم لَا. وَقد علمت مِمَّا أوردناه لَك أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن عَالما بجنابته، فالدعوى إِذا عَامَّة وَالدَّلِيل خَاص، ثمَّ إِن الِاسْتِدْلَال بِهِ اسْتِدْلَال عَلَى غير مَحل النزاع، فَإِن الْمَسْأَلَة مُقَيّدَة بهَا إِذا أحرم مُنْفَردا، فَأَما إِذا افتتحها فِي جمَاعَة فَإِنَّهُ يجوز بِلَا خلاف.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا صَلَّى الإِمَام بِقوم وَهُوَ عَلَى غير وضوء أجزأتهم وَيُعِيد».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم، عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا إِمَام سَهَا فَصَلى بالقوم وَهُوَ جنب فقد مَضَت صلَاتهم، ثمَّ ليغتسل هُوَ، ثمَّ ليعد صلَاته، فَإِن صَلَّى بِغَيْر وضوء فَمثل ذَلِك».
وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لأوجه:
أَحدهَا: مَا قيل فِي بَقِيَّة، وَقد أسلفته وَاضحا فِي أَوَائِل الْكتاب فِي بَاب بَيَان النَّجَاسَات.
ثَانِيهَا: ضعف عِيسَى بن إِبْرَاهِيم.
ثَالِثهَا: ضعف جُوَيْبِر، وَهُوَ ابْن سعيد الْبَلْخِي، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث.
رَابِعهَا: أَنه مُنْقَطع؛ فَإِن الضَّحَّاك لم يلق الْبَراء، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه.
وَقَالَ ابْن حبَان: رواياته عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَجَمِيع من رَوَى عَنهُ فَفِي ذَلِك كُله نظر، وَإِنَّمَا اشْتهر بالتفسير.
وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: الضَّحَّاك عندنَا ضَعِيف. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: تساهلوا فِي أَخذ التَّفْسِير عَن قوم لَا يوثقوهم فِي الحَدِيث. ثمَّ ذكر لَيْث بن أبي سليم وجوبيرًا وَالضَّحَّاك وَمُحَمّد بن السَّائِب، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ لَا يحمد حَدِيثهمْ وَيكْتب التَّفْسِير عَنْهُم.
قلت: وَأما أَرْبَاب السّنَن فاحتجوا بِهِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو زرْعَة، وَلما أوردهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه قَالَ: هُوَ حَدِيث غير قوي. قَالَ: وَالَّذِي رُوِيَ فِي معارضته عَن أبي جَابر البياضي، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جنب، فَأَعَادَ وأعادوا» مُرْسل، وَأَبُو جَابر البياضي مَتْرُوك، كَانَ مَالك لَا يرتضيه، وَكَانَ ابْن معِين يَقُول:
إِنَّه كَذَّاب. قَالَ: والمروي مثله عَن عَلّي ضَعِيف أَيْضا، وَنقل فِي خلافياته عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: الرِّوَايَة عَن حرَام بن عَمْرو حرامٌ، وَمن رَوَى عَن أبي جَابر البياضي بيض الله عَيْنَيْهِ.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

«أَن عَمْرو بن سَلمَة كَانَ يؤم قومه عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن سبع سِنِين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنهُ قَالَ: «كُنَّا بِمَا ممر النَّاس وَكَانَ يمر بِنَا الركْبَان فنسألهم: مَا للنَّاس؟ مَا للنَّاس؟ مَا هَذَا الرجل؟ فَيَقُولُونَ: يزْعم أَن الله أرْسلهُ، أوحى إِلَيْهِ أوحى إِلَيْهِ كَذَا! فَكنت أحفظ ذَلِك الْكَلَام فَكَأَنَّمَا يغري فِي صَدْرِي، وَكَانَت الْعَرَب تلوم بإسلامها الْفَتْح، فَيَقُولُونَ: اتركوه وَقَومه، إِن ظهر عَلَيْهِم فَهُوَ نَبِي صَادِق. فَلَمَّا كَانَت وقْعَة الْفَتْح بَادر كل قوم بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ أبي قومِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قدم قَالَ: وَالله لقد جِئتُكُمْ وَالله من عِنْد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حقًّا، فَقَالَ: صلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، وصلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم، وليؤمكم أَكْثَرَكُم قُرْآنًا. فنظروا، فَلم يكن أحد أَكثر قُرْآنًا مني؛ لما كنت أتلقَّى من الركْبَان، فقدموني بَين أَيْديهم وَأَنا ابْن سِتّ أَو سبع سِنِين وَكَانَت عليَّ بردة كنت إِذا سجدت تقلصت عني فَقَالَت امْرَأَة من الْحَيّ: أَلا تغطون عَنَّا است قارئكم. فاشتروا، فَقطعُوا لي قَمِيصًا، فَمَا فرحت بِشَيْء فرحي بذلك الْقَمِيص».
تفرد بِهِ البُخَارِيّ وَلم يخرج عَن عَمرو بن سَلمَة غَيره، وَلَا أخرج لَهُ مُسلم فِي كِتَابه شَيْئا كَمَا نبه عَلَيْهِ عبد الْحق وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «وَكنت أؤمهم وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين» وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: «ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين» وَالطَّبَرَانِيّ وَقَالَ و«أَنا ابْن سِتّ سِنِين» وَفِي رِوَايَة «لأبي دَاوُد»: «فَمَا شهِدت مجمعا من جرم إِلَّا كنت إمَامهمْ، وَكنت أُصَلِّي عَلَى جنائزهم إِلَى يومي هَذَا» فرواية الرَّافِعِيّ أَنه ابْن سبع سِنِين عَلَى الْجَزْم غَرِيب إِذن.
فَائِدَة: وعَمْرو- بِفَتْح الْعين. وَسَلَمَة- بِكَسْر اللَّام كنيته أَبُو بريد- بِالْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ رَاء مُهْملَة وَقيل بمثناة وزاي، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور- وَسَلَمَة صَحَابِيّ. وَأما عَمْرو فَاخْتلف فِي سَمَاعه من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ورؤيته إِيَّاه، وَالْأَشْهر الْمَنْع فيهمَا، وَإِنَّمَا كَانَت الركْبَان تمر بِهِ فيحفظ عَنْهُم مَا سَمِعُوهُ من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قدمْنَاهُ- وَقيل: رَآهُ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: وَلَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ: هُوَ مَعْدُود فِيمَن نزل الْبَصْرَة وَلم يلق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يثبت لَهُ سَماع مِنْهُ، وَقد وَفد أَبوهُ عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد رُوِيَ من وَجه غَرِيب أَن عمرا أَيْضا قدم عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَ أَحْمد يضعف أَمر عَمْرو بن سَلمَة، وَقَالَ مرّة: دَعه لَيْسَ بِشَيْء.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قلت لَهُ: حَدِيث عَمْرو بن سَلمَة. قَالَ: لَا أَدْرِي أَي شَيْء هَذَا.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى صِحَة إِمَامَة الصَّبِي، وَوجه الدّلَالَة مِنْهُ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمرهم أَن يؤمهم أَكْثَرهم قُرْآنًا من غير فرق بَين الْبَالِغ وَالصَّبِيّ.
وَمنع ابْن الْجَوْزِيّ ذَلِك؛ لأجل مذْهبه وَقَالَ: هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، وَلم يعلمُوا بِجَمِيعِ الْوَاجِبَات، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أقرَّه عَلَى ذَلِك.

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اسمعوا وَأَطيعُوا وَلَو أَمر عَلَيْكُم عبد أجدع مَا أَقَامَ فِيكُم الصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى صِحَة الِاقْتِدَاء بِالْعَبدِ، وَتبع فِي إِيرَاده كَذَلِك ابْن الصّباغ وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا من الْفُقَهَاء، وَالَّذِي أعرفهُ بِلَفْظ: «اسمعوا وَأَطيعُوا وَلَو اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد حبشِي كَأَن رَأسه زبيبة مَا أَقَامَ فِيكُم كتاب الله» رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مُنْفَردا بِهِ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأبي ذَر: «اسْمَع وأطع وَلَو لحبشي كَأَن رَأسه زبيبة».
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أم الْحصين الأحمسية- مُنْفَردا بِهِ- «أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ يَقُول: وَلَو اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «عبدا حبشيًّا مجدعًا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بمنى أَو بِعَرَفَات»، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن أَمر عَلَيْكُم عبد مجدع- حسبتها قَالَت: أسود يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب اللبَاس من هَذَا الطَّرِيق- أَعنِي: من طَرِيق أم الْحصين- ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
وَيَنْبَغِي أَن يحمل كَلَامه عَلَى أَن مُرَاده أَنه عَلَى شَرط البُخَارِيّ إِن وجد فِيهِ شَرطه فَإِنَّهُ فِي مُسلم فَلَا يسْتَدرك عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي ذَر قَالَ: «إِن خليلي أَوْصَانِي أَن أسمع وَأطِيع وَإِن كَانَ عبدا مجدع الْأَطْرَاف». وَعند البُخَارِيّ:
«وَلَو لحبشي كَأَن رَأسه زبيبة» وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أم سَلمَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «سَيكون أُمَرَاء فتعرفون وتنكرون، فَمن عرف برِئ وَمن أنكر سلم، وَلَكِن من رَضِي وتابع، قَالُوا: أَفلا نقاتلهم؟ قَالَ: لَا مَا صلوا».

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتخْلف ابْن أم مكثوم فِي بعض عزواته يؤم النَّاس وَهُوَ أَعْمَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ، ذكره فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي سنَنه فِي بَاب فِي الضَّرِير يُولى عَن أنس أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الْمَدِينَة مرَّتَيْنِ» زَاد أَحْمد فِي مُسْنده «يُصَلِّي بهم وَهُوَ أَعْمَى» وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيقه ومدارهما عَلَى عمرَان بن دَاور- بالراء فِي آخِره- الْقطَّان، ضعفه يَحْيَى بن معِين وَالنَّسَائِيّ، وَوَثَّقَهُ عَفَّان بن مُسلم، وَمَشاهُ أَحْمد، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَانِي من حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه: أَنا الْحسن بن سُفْيَان، أَنا أُميَّة بن بسطَام، نَا يزِيد بن زُرَيْع، نَا حبيب بن الْمعلم، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الْمَدِينَة يُصَلِّي بِالنَّاسِ».
وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الصَّلَاة وَغَيرهَا من أَمر الْمَدِينَة» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، عَن عبيد الْعجلِيّ، نَا عبد الله بن عمر بن أبان، ثَنَا عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ.
وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث ابْن بُحَيْنَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سَافر اسْتخْلف عَلَى الْمَدِينَة أَن أم مَكْتُوم، فَكَانَ يُؤذن وَيُقِيم وَيُصلي بهم» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، نَا عثيم بن نسطاس، عَن عَطاء بن يسَار عَنهُ بِهِ.
الْوَاقِدِيّ: حَاله مَشْهُور، وعثيم وَثَّقَهُ ابْن حبَان.
فَوَائِد: الأولَى: ابْن ام مَكْتُوم اسْمه: عَمْرو عِنْد الْأَكْثَرين، وَقيل اسْمه عبد الله بن قيس بن مَالك الْأَشْعَرِيّ رِوَايَة استخلافه مرَّتَيْنِ رَوَاهَا قَتَادَة عَن أنس، وَلم يبلغهُ مَا بلغ غَيره.
الثَّانِيَة: حَكَى ابْن عبد الْبر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الْمَدِينَة ثَلَاث عشرَة مرّة، فِي غَزْوَة الْأَبْوَاء».
قلت: خَالفه ابْن سعد فَقَالَ: سعد بن معَاذ. وَذكر ابْن هِشَام أَنه اسْتخْلف فِيهَا السَّائِب بن عُثْمَان بن مَظْعُون، وبواط فِي بَاب من اسْمه عَمْرو وَقَالَ: ذكر ذَلِك جمَاعَة من أهل السّير وَالْعلم بِالنّسَبِ وَالْخَبَر.
قلت: خَالف ابْن سعد عبد الْملك بن هِشَام فَقَالَ: سعد بن عبَادَة. وَذي الْعَشِيرَة.
قلت: خَالفه ابْن إسحاق وَابْن سعد فَقَالَا بدله: أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد.
قلت: قَالَا: اسْتخْلف فِي طلب كرز زيد بن حَارِثَة، وَفِي غَزْوَة السويق أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر.
قلت: ذكر ابْن إِسْحَاق بدله أَبَا ذَر، وَذكر ابْن سعد عُثْمَان بن عَفَّان وغَطَفَان.
قلت: خَالفه ابْن سعد وَابْن هِشَام فَقَالَا: عُثْمَان بن عَفَّان وَأحد وحمراء الْأسد وبُحران- بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا رَاء مُهْملَة ثمَّ ألف ثمَّ نون، وَقَيده بَعضهم بِفَتْح الْبَاء، وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور- وَذَات الرّقاع، واستخلفه حِين سَار إِلَى بدر ثمَّ رد أَبَا لبَابَة واستخلفه عَلَيْهَا واستخلفه أَيْضا فِي حجَّة الْوَدَاع وَقتل شَهِيدا بالقادسية. وَقيل: رَجَعَ من الْقَادِسِيَّة فَمَاتَ وَلم يسمع لَهُ بِذكر بعد عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَعْملهُ يَوْم الخَنْدَق. وَقَالَ: ابْن سعد وَابْن هِشَام زادا وغزوة بني النَّضِير وَبني قُرَيْظَة وَبني حَيَّان، زَاد ابْن سعد: وغزوة قرقرة الكدر وَبني سليم والغابة وَالْحُدَيْبِيَة، وَذكر ابْن هِشَام غَزْوَة ذِي قرد زَاد ابْن سعد غَزْوَة الْفَتْح. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أَبَا رهم كُلْثُوم بن الْحصين الْغِفَارِيّ، فالجملة ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ تخلف.
الثَّالِثَة: نقل الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه عَن بَعضهم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا ولاه الصَّلَاة بِالْمَدِينَةِ دون القضايا وَالْأَحْكَام؛ فَإِن الضَّرِير لَا يجوز لَهُ أَن يقْضِي بَين النَّاس؛ لِأَنَّهُ لَا يدْرك الْأَشْخَاص وَلَا يثبت الْأَعْيَان وَلَا يدْرِي لمن يحكم وَعَلَى من يحكم، وَهُوَ مقلد فِي كل مَا يَلِيهِ، وَالْحكم بالتقليد غير جَائِز.
قلت: يُعَكر عَلَى هَذَا رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ السالفة من حَدِيث ابْن عَبَّاس «اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الصَّلَاة وَغَيرهَا من أَمر الْمَدِينَة» وَقيل: إِنَّمَا ولاه عَلَيْهِ السَّلَام الْإِمَامَة إِكْرَاما لَهُ وأخذًا بالأدب فِيمَا عاتبه الله فِي أمره فِي قَوْله تَعَالَى: {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} وَرُوِيَ أَن الْآيَة نزلت فِيهِ.
الْفَائِدَة الرَّابِعَة: الحَدِيث دالٌّ عَلَى أَن إِمَامَة الضَّرِير غير مَكْرُوهَة وَكَذَا أَذَانه عَلَى مَا سلف من رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ أَي فِي حَدِيث ابْن بُحَيْنَة.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إِمَامَة الْأَعْمَى، وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث مَحْمُود بن الرّبيع الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَن عتْبَان بن مَالك كَانَ يؤم قومه وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا تكون الظلمَة والسيل وَأَنا رجل ضَرِير الْبَصَر...» وسَاق الحَدِيث وَفِي رِوَايَة لَهما: «يَا رَسُول الله، إِنِّي قد أنْكرت بَصرِي وَأَنا أُصَلِّي لقومي...». وَذكر الحَدِيث.

.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله، فَإِن كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فأعلمهم بِالسنةِ، فَإِن كَانُوا فِي السّنة سَوَاء فأقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فأكبرهم سنًّا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أودعهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ: «فأقدمهم سلما» بدل: «فأكبرهم سنًّا» وَهُوَ من أَفْرَاده، وَزَاد فِي آخِره: «و لَا يَؤُمّنّ الرجلُ الرجلَ فِي سُلْطَانه، وَلَا يقْعد فِي بَيته عَلَى تكرمته إِلَّا بِإِذْنِهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قِرَاءَة، فَإِن كَانَت قراءتهم سَوَاء فليؤمهم أقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فليؤمهم أكبرهم سنًّا، وَلَا تؤمّنّ الرجل فِي أَهله ولَا فِي سُلْطَانه، وَلَا تجْلِس عَلَى تكرمته إِلَّا أَن يَأْذَن لَك- أَو بِإِذْنِهِ» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَلَا تؤمّنّ الرجل فِي بَيته وَلَا فِي سُلْطَانه»، وَفِي رِوَايَة لسَعِيد ابْن مَنْصُور: «لَا يؤم الرجل الرجل فِي سُلْطَانه إِلَّا بِإِذْنِهِ»، وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: «يؤم الْقَوْم أَكْثَرهم قُرْآنًا، فَإِن كَانُوا فِي الْقُرْآن وَاحِدًا فأقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة وَاحِدًا فأفقههم فقهًا، فَإِن كَانُوا فِي الْفِقْه وَاحِدًا فأكبرهم سنًّا» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم:
قد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث وَلم يذكر فِيهِ: «أفقههم فقهًا» وَهَذِه لَفْظَة غَرِيبَة عزيزة بِهَذَا الْإِسْنَاد، ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا.
فَائِدَة: اسْم أبي مَسْعُود: عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ سكن بَدْرًا وَلم يشهدها فِي قَول الْأَكْثَرين، وَقَالَ المحمدون- مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق- صَاحب الْمَغَازِي- وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ-: شَهِدَهَا، وَقَالَهُ مُسلم أَيْضا كَمَا نَقله الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب.
فَائِدَة أُخْرَى: التكرمة- بِفَتْح التَّاء وكسرهَا-: مَا يخْتَص بِهِ الْإِنْسَان من فرَاش ووسادة وَنَحْوهَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل هِيَ الْمَائِدَة حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب، وَقيل: السجادة حَكَاهُ صَاحب التنقيب، وَقَوله: «وَلَا يجلس» «وَلَا يُؤمن» رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ تَحت المضمومة عَلَى مَا لم يسم فَاعله، وبالمثناة فَوق الْمَفْتُوحَة عَلَى الْخطاب، نبه عَلَيْهِ فِي شرح الْمُهَذّب.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صلوا خلف كل بر وَفَاجِر».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق ضَعِيفَة أمثلها: رِوَايَة مَكْحُول عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْجِهَاد وَاجِب عَلَيْكُم مَعَ كل أَمِير برًّا كَانَ أَو فَاجِرًا، وَالصَّلَاة وَاجِبَة عَلَيْكُم خلف كل مُسلم برًّا كَانَ أَو فَاجِرًا وَإِن عمل الْكَبَائِر».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْجِهَاد من سنَنه فِي بَاب الْغَزْو مَعَ أَئِمَّة الْجور من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن الْعَلَاء بن الْحَارِث، عَن مَكْحُول بِهِ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من هَذَا الْوَجْه مُخْتَصرا بِلَفْظ: «صلوا خلف كل بر وَفَاجِر، وَجَاهدُوا مَعَ كل بر وَفَاجِر» ثمَّ قَالَ: مَكْحُول لم يسمع من أبي هُرَيْرَة، وَمن دونه ثِقَات. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: إِسْنَاده صَحِيح إِلَّا أَن فِيهِ إرْسَالًا بَين مَكْحُول وَأبي هُرَيْرَة. وَقَالَ فِي سنَنه فِي الْجَنَائِز: إِنَّه أصح مَا فِي الْبَاب إِلَّا أَن فِيهِ إرْسَالًا. وأعلّه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه «وَعلله» بِمُعَاوِيَة بن صَالح، وَنقل عَن أبي حَاتِم الرَّازِيّ أَنه لَا يحْتَج بِهِ، وَمُعَاوِيَة هَذَا من رجال مُسلم وَهُوَ صَدُوق وَإِن لينه يَحْيَى الْقطَّان أَيْضا، وأعلَّه بمكحول أَيْضا فَقَالَ: رَوَى مُحَمَّد بن سعد أَن جمَاعَة من الْعلمَاء ضعفوا رِوَايَة مَكْحُول. وَقد ذكرنَا فِي كتاب الصَّلَاة أَن جمَاعَة وثقوه، وَأَنه من رجال مُسلم، وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقين آخَرين إِلَى أبي هُرَيْرَة.
أَولهمَا: من حَدِيث بَقِيَّة، عَن الْأَشْعَث، عَن يزِيد بن يزِيد بن جَابر، عَن مَكْحُول، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ أبي دَاوُد السالف إِلَّا أَنه قَالَ: وَزَاد فِيهِ: «وَإِن عمل الْكَبَائِر فِي الْجِهَاد» وَبَقِيَّة حَاله مَعْرُوفَة سلفت، وَأَشْعَث هَذَا نسبه ابْن الْقطَّان إِلَى الْجَهَالَة فَقَالَ: بَقِيَّة مَعْرُوف الْحَال وَهُوَ أروى النَّاس عَن المجهولين، وَأَشْعَث هَذَا مُتَّهم.
وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي تَحْقِيقه: الْأَشْعَث مَجْرُوح، وَبَقِيَّة لَا يعول عَلَى رواياته.
قلت: وَأَشْعَث الْمَجْرُوح الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ ابْن سوار الْكُوفِي وَلَيْسَ هَذَا، فَالصَّوَاب مَعَ ابْن الْقطَّان.
ثَانِيهَا: من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عُرْوَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أبي صَالح السمان، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «سيليكم بعدِي وُلَاة، فيليكم الْبر ببره والفاجر بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُم وَأَطيعُوا فِيمَا وَافق الْحق، وصلوا وَرَاءَهُمْ، فَإِن أَحْسنُوا فلكم وَلَهُم، وَإِن أساءوا فلكم وَعَلَيْهِم» وَعبد الله هَذَا واه، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحل كتب حَدِيثه، يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَيَأْتِي عَن هِشَام بِمَا لم يروه قطّ.
الطَّرِيق الثَّانِي: من أصل طرق الحَدِيث عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «من أصل الدَّين الصَّلَاة خلف كل بر وَفَاجِر والْجِهَاد مَعَ كل أَمِير وَلَك أجره، وَالصَّلَاة عَلَى من مَاتَ من أهل الْقبْلَة» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث فرات بن سُلَيْمَان، عَن مُحَمَّد بن علوان، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي بِهِ. وَقَالَ فِيهِ: وَفِي طرق حَدِيث ابْن عمر الْآتِيَة لَيْسَ فِيهَا شَيْء يثبت.
قلت: وفرات هَذَا أعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بِهِ وَنقل عَن ابْن حبَان أَنه قَالَ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث جدًّا يَأْتِي بِمَا لَا يشك فِيهِ أَنه مَعْمُول. لكنه لم يذكرهُ فِي ضُعَفَائِهِ، وَذكر كَلَام ابْن حبَان هَذَا فِي فرات بن سليم وَقَالَ: إِنَّه يروي عَن عَمْرو بن عَاتِكَة، وَتَابعه الذَّهَبِيّ فِي الْمُغنِي، وراجعت الضُّعَفَاء لِابْنِ حبَان فَوَجَدته كَمَا ذكره فِي ضُعَفَائِهِ لَا كَمَا ذكره فِي تَحْقِيقه، وَفِي كتاب الصريفيني- وَمن خطه نقلت-: فرات بن سُلَيْمَان مولَى ابْن عقيل من أهل الرقة، رَوَى عَن مَيْمُون بن مهْرَان. ثمَّ نقل عَن خطّ ابْن حبَان أَنه قَالَ: لَيْسَ هَذَا بفرات بن السَّائِب الْجَزرِي، ذَاك واه ضَعِيف. وَمُحَمّد بن علوان قَالَ الْأَزْدِيّ: يروي عَن نَافِع، مَتْرُوك الحَدِيث. والْحَارث هُوَ الْأَعْوَر، كذبه ابْن الْمَدِينِيّ وَمِنْهُم من وَثَّقَهُ.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الله بن مَسْعُود رَفعه: «ثَلَاث من السّنة: الصَّلَاة خلف كل إِمَام، لَك صلَاته وَعَلِيهِ إثمه، والْجِهَاد مَعَ كل أَمِير لَك جهادك وَعَلِيهِ شَره، وَالصَّلَاة عَلَى كل ميت من أهل التَّوْحِيد وَإِن كَانَ قَاتل نَفسه» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عمر بن صبح عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة والْأسود، عَن عبد الله بِهِ. وَعمر هَذَا كَذَّاب اعْترف بِالْوَضْعِ، قَالَ عَن نَفسه أَنا وضعت خطْبَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله قَالَ الْأَزْدِيّ: كَذَّاب ذامر.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن ابْن عمر، وَسَيَأْتِي فِي الحَدِيث الْآتِي بعده بِطرقِهِ مُعَللا.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن وَاثِلَة رَفعه: «لَا تكفرُوا أهل قبلتكم وَإِن عمِلُوا الْكَبَائِر، وصلوا مَعَ كل إِمَام، وَجَاهدُوا مَعَ كل أَمِير، وصلوا عَلَى كل ميت».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة الْحَارِث بن نَبهَان، عَن عتبَة بن يقظان، عَن أبي سعيد، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، الْحَارِث هَذَا ضَعَّفُوهُ قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَعتبَة بن يقظان قَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَأَبُو سعيد هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه: إِنَّه مَجْهُول. وَمَكْحُول قد سلف مَا فِيهِ، لَا جرم قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه: هَذَا حَدِيث مُنكر. قَالَ: والْحَارث بن نَبهَان وَعتبَة بن يقظان وَأَبُو سعيد إِذا اجْتَمعُوا فَغير مستنكر مثل هَذَا فِيمَا بَينهم، وَالله يرحمهم جَمِيعًا.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن أبي الدَّرْدَاء رَفعه: «لَا تكفرُوا أحدا من أهل قِبْلَتِي بذنب وَإِن عمِلُوا الْكَبَائِر، وصلوا خلف كل إِمَام، وَجَاهدُوا- أَو قَالَ: وقاتلوا- مَعَ كل أَمِير، وَلَا تَقولُوا فِي أبي بكر الصّديق وَلَا فِي عمر وَلَا فِي عُثْمَان وَلَا فِي عَلّي إِلَّا خيرا، قُولُوا: {تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم}».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة عباد بن الْوَلِيد عَن الْوَلِيد بن الْفضل، أَخْبرنِي عبد الْجَبَّار بن الْحجَّاج الْخُرَاسَانِي، عَن مكرم بن حَكِيم الْخَثْعَمِي، عَن سيف بن مُنِير، عَن أبي الدَّرْدَاء بِهِ. ثمَّ قَالَ: لَا يثبت إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، مَا بَين عباد وَأبي الدَّرْدَاء ضعفاء. وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْحَاق بن وهب العلاف، عَن الْوَلِيد بن الْفضل الْعَنزي، عَن عبد الْجَبَّار بن الْحجَّاج بن مَيْمُون، عَن مكرم بِهِ بِلَفْظ: «صلوا خلف كل إِمَام، وقاتلوا مَعَ كل أَمِير» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده مَجْهُول غير مَحْفُوظ. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: سيف لَا يكْتب حَدِيثه، ومكرم لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء.
وَقَالَ ابْن حبَان: الْوَلِيد بن الْفضل الْعَنزي يروي الْمَنَاكِير الَّتِي لَا شكّ أَنَّهَا مَوْضُوعَة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول.
قلت: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الحَدِيث من كل طرقه ضَعِيف كَمَا قَدمته أَولا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوِيَ فِي «الصَّلَاة عَلَى كل بر وَفَاجِر، وَالصَّلَاة عَلَى من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله» أَحَادِيث كلهَا ضَعِيفَة غَايَة الضعْف. وَأَصَح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب حَدِيث مَكْحُول، عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه إِلَّا أَن فِيهِ إرْسَالًا كَمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْمَتْن إِسْنَاد يثبت.
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وعلله وأوضح ضعفه وَقَالَ فِي علله: كلهَا لَا تصح. وَنقل فيهمَا عَن الإِمَام أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث: «صلوا خلف كل بر وَفَاجِر» فَقَالَ: مَا سمعنَا بِهَذَا.