فصل: والمُدَّعى عَلَيْهِ يَأْبى القَسَما *** وفي سِوى ذلِكَ خُلْفٌ عُلِما

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وفي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ لا يَطَّلِعُ *** إلاَّ النِّساءُ كالمَحِيضِ مَقْنَعُ

‏(‏وفي‏)‏ امرأتين ‏(‏اثنتين‏)‏ خبر عن قوله‏:‏ مقنع وفي بمعنى الباء ‏(‏حيث‏)‏ ظرف مكان متعلق بالاستقرار في الخبر ‏(‏لا يطلع‏)‏ بالبناء للفاعل ‏(‏إلا النساء‏)‏ فاعله، والجملة في محل جر بإضافة حيث ‏(‏كالمحيض‏)‏ خبر لمحذوف وهو من إطلاق المفعول على مصدره كما هو أيضاً في قوله‏:‏ ‏(‏مقنع‏)‏ أي قناعة كائنة بامرأتين في المحل الذي لا يطلع على المشهود به أحد غالباً إلا النساء، وذلك كالحيض والرضاع والاستهلال والولادة والحمل وإرخاء الستر وعيوب الفرج، فإن كان العيب في غير الفرج مما هو عورة ففي نفي الثوب عن محله لينظره الرجال أو يكتفي بالمرأتين‏؟‏ قولان‏.‏ واقتصر الباجي على الأول وهو ظاهر النظم فيفيد أنه المعتمد، وأفهم قوله‏:‏ بامرأتين أن الواحدة لا تكفي وهو كذلك إذ الواحدة لا تجوز شهادتها في شيء كما في المدونة إلا في الخلطة على القول باشتراطها في توجه اليمين، وظاهره لا تكفي الواحدة ولو أرسلها القاضي لتنظر العيب ونحوه وهو كذلك، وظاهره، بل صريحه أنه لا يمين معهما تيقن القائم بهما صدقهما كالبكارة والثيوبة أم لا، كالحيض والولادة، وقيل‏:‏ تلزم اليمين مع التيقن لأنها تحقق الدعوى بكذبه وهو المعتمد كما تتوجه عليه إذا قامت شهادتهما بأنه أرخى الستر عليهما، وأنكر هو ذلك فتحلف وتستحق الصداق وظاهر قوله‏:‏ حيث لا يطلع الخ أن المولود إذا مات ودفن تجوزشهادتهما بذكوريته أو أنوثيته إذ لا يطلع على ذلك غالباً إلا النساء ويورث ويرث بالجهة التي شهدتا بها وهو كذلك على قول ابن القاسم، لكن مع يمين، وقيل‏:‏ لا تجوز لأنه يصير نسباً قبل أن يصير مالاً ويورث على أنه أنثى إلا أن يكون لا يبقى أو أن أخر دفنه إلى شهود الرجال قاله أشهب وسحنون وأصبغ‏.‏ ورواه ابن القاسم أيضاً‏.‏ وقال أصبغ أيضاً‏:‏ إن فات بالدين والطول حتى تغير ذكره، فإن كان فضل المال يرجع إلى بيت المال أو إلى رجل بعيد جازت كما قال ابن القاسم، وإن كان يرجع إلى بعض الورثة دون بعض أخذت بقول أشهب‏.‏

وسبب الخلاف أنها شهادة بغير مال لكنها ترجع إلى المال فهل هي كالمال نفسه أم لا‏؟‏ فهذا حينئذ من إفراد قوله ثانية توجب حقاً مع القسم في المال الخ‏.‏

وظاهر ما مر جوازها في الولادة ولو كانت تؤول إلى العتق كما إذا قال الرجل لأمته‏:‏ أول ولد تلدينه فهو حر فتلد توأمين فشهد امرأتان على أولهما خروجاً أو شهدتا بولادة أمة أنكر السيد ولادتها وقد كان أقرّ بوطئها بعدلين فيعتق أول التوأمين كما في المنتخب وتصير الأمة أم ولد كما في المدونة ثُمَّ ما مرّ من جوازها في الاستهلال محله إذا لم يقطع بكذبهما لعدم تمام خلقته، وكذا إذا شهدتا بظهور الحمل، وأنه من شهرين أو من أقل من ثلاثة أشهر أو بتحركه وأنه من أقل من أربعة أشهر وعشر لا يشكان في ذلك فإن الأمة لا ترد لبائعها بشهادتهما لأن الحمل لا يظهر ظهوراً بيناً من غير تحرك أو مع تحرك في أقل مما ذكر والموجب لسقوطها جزمهما بأنه أقل مما ذكر إذ ذاك مما لا يمكن القطع به فقولهما لا يشكان في ذلك أو تحققناه كذباً وزوراً فإن قالتا في ظننا ونحوه أو لم تتعرضا لمدته صحت ونظر، فإن كانت مكثت عند المشتري ثلاثة فأكثر في الظهور أو أربعة وعشراً في التحرك لم ترد لإمكان حدوثه وإلاَّ ردت ولا ينتظر وضعها، فإن أنفش بعد ردها فلا ترد للمشتري إذ لعلها أسقطته فإن تعارضت شهادة النساء في الحمل وما معه فالمثبتة أولى من النافية إلا أن تقوى النافية قوة بينة فيما يظهر‏.‏

ولخامسها بقوله‏:‏

وواحِدٌ يُجْزِىءُ فِي بابِ الْخَبَرْ *** وَاثْنانِ أَوْلَى عِنْدَ كلِّ ذي نَظَرْ

‏(‏وواحد‏)‏ مبتدأ سوغه الوصف أي واحد عدل أو شخص واحد، وظاهره ولو أنثى وهو كذلك فيما تجوز فيه شهادة النساء كما إذا لم يجد من يترجم له مثلاً من الرجال غيرها في المال وما يؤول إليه أو فيما لا يظهر للرجال ‏(‏يجزىء‏)‏ خبر ‏(‏في باب الخبر‏)‏ يتعلق به، وتقديره شخص أولى ليشمل الرجل والمرأة كما مرّ وإدخال هذا النوع في أقسام الشهادة من حيث إنه يوجب الحق بغير يمين وإلاَّ فليس منها ‏(‏واثنان‏)‏ مبتدأ سوغه ما مر ‏(‏أولى‏)‏ خبر ‏(‏عند كل ذي نظر‏)‏ يتعلق به والخبر ما شأنه أن يشارك المخبر به غيره كذا قيل وفيه نظر فإن الشهادة كذلك لأن الخبر أعم‏.‏ قال في جمع الجوامع‏:‏ الإخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية أي الخبر وخلافه الشهادة، وقال ابن بشير‏:‏ الفرق الذي بين الخبر والشهادة أن ما خص المشهود عليه فبابه باب الشهادة وكل ما عم ولزم القائل منه ما يلزم المقول له فبابه باب الخبر اه‏.‏

والمقصود منه هنا ما اجتمعت فيه الشائبتان لأن الكلام فيما فيه النزع لا في غيره كنجاسة الماء والأعمال بالنيات، والظاهر أن ما اجتمع فيه ما ذكر محصور بالعد لا بالحد‏.‏ قال في الذخيرة‏:‏ المتردد بين الشهادة والخبر سبع‏:‏ القائف والترجمان والكاشف عن البنيان وقائس الجرح، والناظر في العيوب كالبيطار والطبيب والمستنكه للسكران، إذا أمر الحاكم بذلك، وأما الشهادة على الشرب فلا بد من اثنين كالتقويم للسلع والعيوب والرقبة والصيد في الحج‏.‏ واختلف في الحكمين فقيل‏:‏ اثنان وقيل واحد لأنه حاكم اه‏.‏

بنقل ‏(‏تت‏)‏ قال‏:‏ وأضفت إلى ذلك المزكي على أحد القولين وكاتب القاضي والمحلف‏.‏

قلت‏:‏ وذكر القرافي أول الفروق من قواعده أن من ذلك المفتي والمترجم عن الخطوط والقاسم والخارص، وكذا المخبر بنجاسة الماء وبرؤية هلال رمضان، وفي الباب الرابع عشر من التبصرة جملة وافرة من ذلك، ولما اجتمعت في هذه الأمور ونحوها شائبتا الخبر والشهادة كانت مترددة بينهما كما مرّ عن الذخيرة، فالقائف والترجمان مثلاً من حيث إن في قوليهما إلزاماً لمعين صارا كالشاهد، ومن حيث إنهما منتصبان انتصاباً عاماً لجميع الناس صارا كالراوي المخبر، وأيضاً فإنهما أشبها الحاكم من حيث إنه وجههما لذلك، وهكذا يقال في الخارص والقاسم وغيرهما من كل ما لا يباشره القاضي بنفسه، ولما كانت شبهة الشهادة أقوى في جل الأفراد أو كلها لأن الشاهد يشاركهم في الانتصاب المذكور، وإن لم يشاركهم في غيره كان الاثنان أولى كما قال الناظم‏:‏ وبقوة الشبهة وضعفها اختلف الترجيح في هذه الأفراد فالمخبر عن النجاسة أشبه الشاهد في كونه أخبر عن وقوع نجس معين في ماء معين‏.‏ ولما كانت حرمة استعماله لا تختص بمعين كان خبراً محضاً وكفى فيه الواحد قطعاً، ولما كان هلال رمضان فيه إلزام الصوم لمعينين موجودين في هذا الشهر دون الماضي والآتي من الشهور ترجح فيه جانب الشهادة فلا يكفي فيه غير عدلين على المشهور وهكذا‏.‏ وفي المعيار عن أبي محمد أن القرى بالبوادي إذا كانت عادتهم التنيير عند رؤية الهلال فمن أصبح صائماً لذلك التنيير فصيامه صحيح قياساً على قول ابن الماجشون في الرجل يأتي القوم فيخبرهم بأن الهلال قد رؤي اه‏.‏

وظاهر النظم أن الواحد المذكور لا بد فيه من العدالة لذكره له في سياق من تشترط فيه، وهو كذلك ما لم تتعذر في ناظر العيب والطبيب ونحوهما ‏(‏خ‏)‏ وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين فإن قصر ووجد لذلك من لا نعرف عدالته مع وجود العدل لم يجز له الحكم بقوله، وظاهره أيضاً أنه يقبل الواحد ولو لم يوجد لذلك من قبل الحاكم وهو كذلك في نحو المفتي ونجاسة الماء ورؤية الهلال عند من يكتفي فيه بالواحد لا في نحو الترجمان والقاسم ونحوهما فقول الذخيرة‏:‏ إذا أمر الحاكم بذلك راجع للسبع المتقدمة فقائس الجرح والناظر في العيب مثلاً إنما يقبلان إذا توجها بأمر الحاكم وإلاَّ فلا بد من اثنين كما إذا أديا بعد برء الجرح أو انهدام البنيان أو دفن الأب في القافة ‏(‏خ‏)‏ وإنما تعتمد القافة على أب لم يدفن الخ‏.‏

أو موت المعيب وتغيره أو غيبته أو عند حاكم آخر، وكذا بعد موت المترجم عنه أو المحلف بفتح اللام فيما يظهر‏.‏ وقولنا‏:‏ وتغيره احترازاً مما إذا مات ولم يتغير فإنه ملحق بالحي كما قال بعضهم‏.‏

قلت‏:‏ ويدل له ما مر عن ‏(‏خ‏)‏ في القافة وظاهر إطلاقاتهم في الترجمان والقاسم يقبلان، ولو بعد إنكار المترجم عنه والمقسوم عليه كالمحلف بالكسر وإلاَّ أدى للتسلسل هذا‏.‏ وفي ابن شاس ما نصه‏:‏ ويشترط التعدد في المزكي والمترجم اه‏.‏

قال ‏(‏ ز‏)‏ بناء على أنه أي المترجم شاهد وهو المشهور وحينئذ فقول من قال‏:‏ إن كلام ابن شاس فيما إذا أتى الخصم بمن يترجم عنه غير ظاهر بل كلامه مطلق كما ترى وفي ‏(‏ح‏)‏ عن العمدة أن الحكم إذا كان لا يتضمن مالاً فلا يجزىء إلا بترجمة اثنين على المذهب وإلاَّ فقولان اه‏.‏

فالترجمان مما ترجح فيه جانب الشهادة على هذا خلافاً لما في ‏(‏ خ‏)‏ حيث قال‏:‏ والمترجم مخبر هذا في ترجمان القاضي، ويشترط فيه على القولين أن لا يكون عدواً للمترجم عنه ولا قريباً لخصمه كما في التبصرة وانظر هل غيره من القاسم ونحوه كذلك وهو الظاهر أم لا‏؟‏ وعليه فإذا طلب المقسوم عليه ونحوه القدح بما ذكر أجيب وأجل له، وأما ترجمان الفتاوى والخطوط فالمراد به أن يقرأ الفتوى لمن لا يحسن الكتابة أو لا يفهم القلم الذي كتبت به أو يقول إنه خط فلان، والمراد بالمستنكه للسكران أي شام ريح فيه من نكهه كسمعه أي نشقه أي‏:‏ ويجد‏.‏ وقوله‏:‏ كالتقويم للسلع أي السلع المتلفات ولأروش الجنايات ونحو ذلك كتقويم العرض المسروق هل بلغت قيمته نصاباً فيقطع أم لا ‏(‏خ‏)‏ وكفى قاسم واحد أي فيما يخبر أنه صار لكل واحد منهم لا مقوم الخ‏.‏

أي‏:‏ فلا بد فيه من اثنين بل ذكر ناظم عمل فاس في شرحه له أن العمل بعدم الاكتفاء بالواحد في القاسم والمخبر عن قدم العيب وحدوثه فانظره‏.‏ وقوله‏:‏ والعيوب والرقبة أي مع الرقبة قالوا وبمعنى مع أي المقوم للعيب مع الرقبة وقوله‏:‏ واختلف في الحكمين أي في النشوز، والله أعلم‏.‏

تنبيه‏:‏

قال المكناسي في مجالسه‏:‏ إن القاضي يشترط على أرباب البصر بالمباني أن لا يحكموا بالحائط لأحد‏.‏ وحسبهم أن يصفوه فقط بوصف يزيل الإشكال ويرفع الاحتمال، ثُمَّ ينظر القاضي بعد أداء شهادتهم فيه ويحكم اه‏.‏

قلت‏:‏ وكذا الواقفون منهم على الحدود في الأرضين والأجنات ونحوها حسبهم أن يصفوا لأن أرباب البصر ممن لا علم عندهم في الغالب، فقد يستندون إلى دلائل ضعيفة لا تعتبر شرعاً أو معتبرة، لكنهم يأخذونها على غير وجهها، فلذا وجب أن يذكروا الدلائل التي استندوا إليها من كون العقد والقمط ونحوهما لناحية كذا، ومن كون الحاجز في الحدود هو كذا‏.‏ أما قبول قولهم‏:‏ ظهر لنا أن الحائط لفلان مطلقاً من غير بيان كما عندنا في هذا الزمان فمن الاستخفاف الذي لا يختلف فيه اثنان‏.‏

ولسادسها بقوله‏:‏

وبِشَهادةٍ من الصِّبْيانِ في *** جَرْحٍ وقَتْلٍ بَيْنَهُمْ قدِ اكْتُفِي

‏(‏وبشهادة‏)‏ يتعلق بقوله اكتفى ‏(‏من الصبيان‏)‏ يتعلق بمحذوف صفة ‏(‏في قتل‏)‏ يتعلق بالاستقرار الذي تعلق به الصفة ‏(‏وجرح‏)‏ معطوف على ما قبله ‏(‏بينهم‏)‏ في محل الصفة لقتل وجرح على وجه التنازع أو محذوف من الأول لدلالة الثاني عليه ‏(‏قد اكتفي‏)‏ مبني للمفعول، ونائبه محذوف لدلالة السياق أي عن العدول‏.‏ وظاهره أنه يكتفي بها من غير قسامة وهو كذلك وما ذكره من جوازها عليه أكثر أهل المدينة وهو المشهور في المذهب، وخالف ابن عباس والقاسم وسالم وقالوا بعدم جوازها وهو مذهب الشافعي وابن حنبل وأبي حنيفة رضي الله عنهم، وبه قال ابن عبد الحكم، واحتج المشهور بأنها لو كانت لم تجز لأدى ذلك إلى إهدار دمائهم مع أنهم يندبون إلى تعلم الرمي والصراع وحمل السلاح، والغالب أن الكبار لا يحضرون معهم، ولهذا لم تجز شهادة النساء وإن كن عدولاً فيما يقع بينهن من قتل وجرح في عرس وحمام ومأتم بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فمثناة فوقية أي حزن لعدم ندبهن لذلك أي‏:‏ فلا ضرورة تدعو إلى الاجتماع المذكور لأنه غير مشروع فاجتماعهن قادح في عدالتهن وإن شهدن بقتل الصبيان الذي يؤول للمال فأحرى بقتل بعضهن لأنه فيه القصاص في العمد‏.‏

ولما كانت شهادة الصبيان على خلاف الأصل لم تجز إلا بشروط أشار لأولها بقوله‏:‏

وشَرْطُها التَّمْيِيُ والذُّكورَه *** والاتّفَاقُ في وقُوعِ الصُّورَه

‏(‏وشرطها‏)‏ مبتدأ ‏(‏التمييز‏)‏ خبر لأن غير المميز لا يضبط ما يقول وحدّ سن المميز في المدونة لمن بلغ عشر سنين فأقل مما قاربها‏.‏ وعن عبد الوهاب أنه الذي يعقل الشهادة وهو أخص مما في المدونة ‏(‏و‏)‏ ثانيها ‏(‏الذكورة‏)‏ معطوف على الخبر فلا تقبل شهادة الإناث ‏(‏و‏)‏ ثالثها ‏(‏الاتفاق‏)‏ معطوف على الخبر أيضاً ‏(‏في وقوع الصورة‏)‏ يتعلق بالاتفاق، فإن اختلفوا وقت تلقيها منهم سقطت كما لو قال بعضهم‏:‏ قتله الصبي زيد وقال الآخر‏:‏ بل الصبي عمرو، ولا إشكال في هذه إن اتحد القائل من الجانبين لعدم تمام النصاب، وكذا لو شهد اثنان أن الذي قتله فلان وقال آخران بل ركضته دابة على الصحيح خلافاً لابن الماجشون في قوله تقدم الشهادة بالقتل على الشهادة بالركض لأنها أثبت حقاً، وكذا لو قال اثنان‏:‏ ضربه بعصا، والآخران بحديدة، أو قال اثنان‏:‏ قتله أو شجه زيد، وقال الآخران‏:‏ بل عمرو هذا ظاهره وعليه فلو لعب منهم ستة في بحر فغرق واحد منهم فقال ثلاثة من الخمسة الباقية‏:‏ إنما غرقه الاثنان وعكس الاثنان فقالا‏:‏ إنما غرقه الثلاثة سقطت شهادتهم لعدم الاتفاق وهو ظاهر نص ‏(‏خ‏)‏ الآتي أيضاً‏.‏ وقيل‏:‏ الدية على عاقلة الخمسة لاتفاقهم أن القتل لم يخرج عنهم، وبه صدر في الشامل ونسبه في التبصرة لمالك مقتصراً عليه في القسم الثاني وصدر في القسم الثالث بالسقوط، وبه صدر اللخمي أيضاً وقرر به ‏(‏تت‏)‏ وغيره كلام المختصر‏:‏

مِن قَبْل أنْ يَفْتَرِقُوا أو يَدْخُلا *** فِيهِمْ كَبِيرٌ خَوفَ أن يُبَدَّلا

‏(‏من قبل أن يفترقوا‏)‏ حال من الاتفاق، وهذا شرط رابع فإن تلقيت بعد التفرق لم تقبل ولو اتفقوا ‏(‏أو‏)‏ من قبل أن ‏(‏يدخلا فيهم‏)‏ وقت القتل أو الجرح ‏(‏كبير‏)‏ أي بالغ ذكراً كان أو أنثى عدلاً أو غيره، فإن حضر معهم لم تقبل، وهذا شرط خامس‏.‏ وأو بمعنى الواو ويدخل معطوف على يفترقوا، وفيهم يتعلق به وكبير فاعله وإنما اشترط عدم التفرق وعدم الدخول ‏(‏خوف أن يبدلا‏)‏ الكبير الكيفية ويعلمهم كيف يشهدون فهو مفعول لأجله تعليل للافتراق والدخول، ولو قال‏:‏ أو يحضرا معهم كبير خوف أن يغير السلم مما يوهمه لفظ الدخول من أنه دخل فيهم بعد الفراغ من الواقعة، لأن هذا إنما تسقط به شهادتهم إذا قضى ما يمكنه فيه التعليم ولا يمكن عدلاً، وإلا فلا كما في ‏(‏خ‏)‏ فلا يناسب إطلاقه وما مر من أن حضور الكبير يسقط الشهادة واضح إن كان الكبير غير عدل، وإلاَّ عمل على شهادته إن شهد بشيء للاستغناء بشهادته مع يمين المدعي وينتظر بلوغه إن كان صغيراً ولو كان الكبير العدل امرأتين فأكثر لأنهن يجزن في الخطأ وعمد الصبي خطأ قاله الباجي‏.‏ وإن لم يشهد بشيء وقال‏:‏ لا أدري عمل بشهادة الصبيان انظر ‏(‏ح‏)‏ وسادس الشروط الحرية والإسلام فلا تقبل شهادة الصبي العبد أو الكافر، وسابعها أن يتعدد فلا تقبل شهادة الواحد منهم والأول مفهوم من قوله‏:‏ وبشهادة لأن العبد الكبير إذا كانت شهادته لا تسمى شهادة وهي كالعدم فأحرى الصغير والثاني من الجمع في قوله‏:‏ الصبيان‏.‏ وثامنها‏:‏ أن لا يشهدوا على كبير أوله وهذا يفهم من قوله بينهم‏.‏ وتاسعها‏:‏ أن لا يكون الشاهد عدواً للمشهود عليه ولا قريباً للمشهود له ولا معروفاً بالكذب وسواء كانت العداوة بين الصبيان أو بين آبائهم وربما يفهم هذا من قوله شهادة على حسب ما مر في الشرط السادس‏.‏ وعاشرها‏:‏ أن يعاين البدن مقتولاً فلا تقبل شهادتهم مع فقده كما لو سقط في بحر ولم يخرج منه وربما يشعر به قوله في قتل إذ لا يتصف المقتول بالقتل على التحقيق إلا بمعاينته ميتاً ‏(‏ خ‏)‏ إلا الصبيان لا نساء في كعرس في جرح أو قتل والشاهد حر مميز ذكر تعدد ليس بعدو ولا قريب ولا خلاف بينهم وفرقة إلا أن يشهد عليهم قبلها ولم يحضر كبير ويشهد عليه أولاً‏.‏ ولا يقدح رجوعهم ولا تجريحهم الخ‏.‏

والمناسب للاختصار إسقاط قوله‏:‏ إلا أن يشهد عليهم قبلها لأن عدم الفرقة إنما اشترط لمظنة التعليم مع وجودها وهم إذا شهدوا عليهم قبلها انتفت المظنة وصدق عليهم أنهم مشهود عليهم قبل الفرقة فما استثناه مفهوم من قوله ولا فرقة‏.‏

تنبيهان الأول‏:‏

ما تقدم من أن الدية في مسألة الصبيان الذين يلعبون في البحر على عواقلهم هو مذهب الإمام نقله القرافي في شرح الجلاب‏.‏ ونقل ابن يونس عن رواية ابن وهب مثله ثُمَّ قال بعده قال محمد‏:‏ يعني ابن المواز هذا أي ما قاله الإمام غلط، بل لا تجوز يعني شهادتهم في تلك الصورة ولضعف ما للإمام صدر اللخمي بمقابله كابن فرحون في أول القسم الثالث من تبصرته قائلاً لأن الصبيان لا إقرار لهم قال‏:‏ فليسوا كالكبار الستة مثلاً يلعبون في البحر فيغرق واحد منهم فيشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما غرقاه، ويشهد الاثنان بعكس ذلك فإن الدية في أموالهم إن قالوا عمداً وعلى عاقلتهم إن قالوا خطأ لأنهم تقاروا أن موته كان من قبلهم وسببهم إلا أنهم تراموا به بخلاف الصغار فإنهم لا إقرار لهم فاستفيد من هذا ترجيح القول بعدم الجواز كما هو ظاهر النظم، وإن كان اللخمي حكى قولين في مسألة الكبار بالسقوط وعدمه واختار السقوط وهو الظاهر إذ لا إقرار هنا في الحقيقة ولا سيما إن لم يكونوا عدولاً فإن كانوا عدولاً فهو من إعمال شهادة كل فريق على الآخر ويجري هذا الخلاف فيما إذا قتلوا دابة أو كسروا آنية وتراموا ذلك‏.‏

الثاني‏:‏ لو شهد صبيان فأكثر بأن الصبي فلاناً قتل صبياً آخر وشهد عدلان أنه لم يقتله بل مات بسبب آخر فقولان‏.‏ بتقديم شهادة الصبيان لأنها أوجبت حقاً أو العدلين واختار اللخمي تقديم العدلين اه‏.‏

فصل ذكر فيه القسم الثاني من أقسام الشهادات فقال‏:‏

ثَانِيَةٌ تُوجِبُ حَقاً مَعْ قَسَمْ *** في المالِ أو ما آلَ لِلْمالِ تَؤَمْ

‏(‏ثانية‏)‏ مبتدأ سوغه الوصف أي شهادة ثانية ‏(‏توجب‏)‏ بضم التاء وكسر الجيم ‏(‏حقاً‏)‏ مفعول والجملة خبر ‏(‏مع قسم‏)‏ بسكون العين يتعلق بتوجب أي توجب هي أي الشهادة مع القسم من المدعي الحق المدعى به ‏(‏في المال‏)‏ يتعلق بتؤم ‏(‏أو ما آل للمال‏)‏ معطوف على ما قبله ‏(‏تؤم‏)‏ أي تقصد بضم التاء وفتح الهمزة مبني للمفعول حال من فاعل توجب وقوله‏:‏ أو ما آل للمال أي إليه أي كالأجل والكفالة والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ وجراحة وأداء كتابة وإيصاء بتصرف فيه أي المال، أو بأنه حكم له به قاله ‏(‏خ‏)‏‏.‏ ومعنى الأخير أن من حكم له القاضي بمال ثُمَّ أراد طلبه في غير محل الحكم وعنده شاهد واحد أو امرأتان على حكم القاضي فإنه يحلف ويستحق على المشهور ومقابله ضعيف، وإن شهره ابن الحاجب وفهم منه أن ما ليس بمال ولا يؤول إليه لا يثبت بشاهد أو امرأتين مع اليمين‏.‏ ويرد عليه ما فيه القصاص من جراح العمد فإنه يثبت بما ذكر‏.‏ وأجيب‏:‏ بأن هذا استحسان والقياس خلافه، وظاهر قوله في المال أنه يثبت بما ذكر، ولو أدى لغير المال وهو كذلك كشهادة من ذكر بأن الأمة قد أدت نجوم الكتابة أو أن ابنها أو زوجها قد اشتراها فتؤدي إلى العتق في الأولين وإلى الفراق في الثالث كما مرّ، وكذا لو شهد من ذكر باستحقاق حدّ قذف فإن الحد يسقط عن قاذفه وأحرى في الذي يؤول للمال كشهادة من ذكر بدين على رجل وقد أعتق عبداً لا يملك غيره، فإن العتق يرد ويرجع العبد إلى الملك، واختلف هل يحلف المشهود له مع شاهده قبل الإعذار أو حتى يعذر للمطلوب فيه لئلا تذهب يمينه باطلاً وهو الصحيح‏؟‏ قولان‏:‏ ما قاله أبو الحسن في كتاب الجنايات‏.‏ قال‏:‏ بذلك وقعت الفتوى بسؤال أتى من سبتة اه‏.‏

ونقله ابن رحال في شرحه وقال بعده‏:‏ وكذا يمين الاستحقاق فإن هذه العلة جارية فيه لأن المستحق من يده ربما يخرج ببينة المستحق فتذهب يمينه باطلاً اه‏.‏

وقوله‏:‏ بيمين الاستحقاق نحوه في المعيار عن بعضهم وعللوه بما مرّ وهو خلاف قول الناظم الآتي وفي سواها قبل الإعذار بحق الخ، وإذا فرعنا على الصحيح فإنما ذلك ابتداء فإذا وقع مضى فمن استحق دابة مثلاً وأتى بها إلى بلده وأثبتها وحلفه قاضي بلده يمين الاستحقاق فإنها تجزئه ويعذر للمستحق منه في البينة إن طلب ذلك فإن عجز أو لم يطلب القدح اكتفى بتلك اليمين، وكذا يقال في اليمين مع الشاهد والله أعلم‏.‏

ثُمَّ إن هذا القسم الذي يوجب الحق مع القسم تحته أربعة أنواع‏.‏ أشار لأولها بقوله‏:‏

شَهادَةُ العَدْلِ لمِنْ أقامَهْ *** وامْرَأتانِ قامَتا مَقَامَهْ

‏(‏شهادة العدل‏)‏ الواحد مبتدأ والخبر محذوف أي من ذلك شهادة العدل الخ‏.‏

أو وهي شهادة العدل ‏(‏لمن‏)‏ يتعلق بشهادة ‏(‏أقامه‏)‏ صلة من أي شهد له بمائة من سلف مثلاً أو إن البيع بينهما بخيار أو نحو ذلك فإنه يحلف معه ويستحق‏.‏ ولثانيها بقوله‏:‏ ‏(‏ وامرأتان‏)‏ عدلتان مبتدأ خبره ‏(‏قامتا مقامه‏)‏ بفتح الميم ظرف من قام الثلاثي وضميره يعود على العدل، وأما بضمها فهو من أقام الرباعي أي قامتا مقامه في ثبوت الحق بشهادتهما مع اليمين، ويجوز أن يكون قوله امرأتان بألف التثنية مبتدأ حذف خبره أو خبر لمبتدأ مضمر أي من ذلك أو هي امرأتان أي شهادتهما بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والجملة بعده صفة أي من صفتهما قامتا مقامه في الاتصاف بالعدالة فهو من عطف الجمل في هذه الوجوه، وإما على نسخة الياء إن صحت فواضح عطفه على العدل فهو من عطف المفردات‏.‏ وقوله‏:‏ وامرأتان أي فأكثر ولو كن مائة فهن بمنزلة العدل الواحد قال في الرسالة‏:‏ ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد الخ‏.‏

قال شراحها‏:‏ يريد أو أكثر من مائة وكان الغبريني يقول‏:‏ إذا بلغن هذا العدد خرجن من باب الشهادة إلى باب الانتشار المحصل للعلم وانظر ‏(‏ق‏)‏ عند قوله‏:‏ وبما ليس بمال الخ‏.‏ وظاهر قوله‏:‏ توجب الحق الخ‏.‏

أن صاحب الشاهد واليمين يحاصص مع ذي الشاهدين لأن كلاًّ من الحقين ثابت وهو كذلك، وظاهره أيضاً جوازها في المال وما يؤول إليه ولو شاركهما ما ليس بمال ولا آيل إليه كشهادة امرأتين مثلاً بدين وطلاق أو بوصية بمال وعتق فتبطل في الطلاق والعتق دون المال وهو كذلك على المشهور من أن الشهادة إذا جاز بعضها للسنة جاز منها ما أجازته دون غيره‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا نكل عن اليمين مع شاهده فوجد ثانياً لم يعلم به بعد تحليف خصمه أو قبله ضم إلى الأول وقضى له بغير يمين وليس نكوله تكذيباً لشهادة الأول، وكذا لو نكل مع شاهده في حق لم يمنعه نكوله أن يحلف معه إذا شهد له في حق آخر ولا يرث من أقام شاهداً أو امرأتين بموت فلان وأنه وارثه مع الثابت النسب بشاهدين‏.‏ نعم إن لم يكن له وارث ثابت النسب حلف من ذكر واستحق المال لا النسب، وكذا المرأة تقيم امرأتين أو شاهداً على النكاح بعد موته فإنها تحلف وتستحق على قول ابن القاسم خلافاً لما يوهمه كلام ابن فرحون في الباب الثالث من القسم الثاني من أنه لا بد من عدلين مطلقاً إلا في حصر الورثة فيكفي الشاهد واليمين، لأن ذلك لا يجري إلا على قول أشهب كما ذكره هو في المحل المذكور‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما بال الشراح تواطؤوا على اعتراض قول ‏(‏خ‏)‏ في الاستلحاق وعدل يحلف معه ويرث ولا نسب الخ‏.‏

تبعاً لاعتراض ابن عرفة وضيح على قول ابن الحاجب، وعدل يحلف معه ويشاركهما ولا نسب الخ‏.‏

وهلا حملوا كلامهما على ما إذا لم يكن للميت وارث ثابت النسب‏؟‏ قلت‏:‏ لما فرض ابن الحاجب المسألة في الولدين لزم مطلقاً حصول الوارث المعروف وهي متفق فيها على عدم الإرث، وبهذا أيضاً يتضح ما اعترض به الشراح قول ‏(‏خ‏)‏ في الاستلحاق، وبما جزم به في الشهادات من أن ما ليس بمال وهو آيل إلى المال يكفي فيه الشاهد والمرأتان أو أحدهما مع اليمين، ومثله بقوله‏:‏ ونكاح بعد موت أو سبقيته ولا زوجة ولا مدبر الخ‏.‏

ثُمَّ قال في العتق‏:‏ والولاء أن الشاهد بالقطع أو الشاهدين على السماع بالنسب يثبت بهما المال مع اليمين أي لتقييد ما في الشهادات والعتق والولاء بما إذا لم يكن للميت وارث ثابت النسب ولا يتأتى ذلك التقييد في كتاب الاستلحاق لفرض ابن الحاجب وقريب منه كلام ‏(‏خ‏)‏ المسألة مع وجود الوارث الثابت النسب، وقد علم من هذا أن الموت يثبت بالشاهد واليمين باعتبار الإرث كما مرّ عن ‏(‏خ‏)‏‏.‏ وقد صرح ابن رحال في حاشيته بأنه المذهب وأحرى مع حصر الورثة كما مرّ عن ابن فرحون، وتقدم في الفصل قبله عن اللخمي ومفهوم قوله بعد موت أنه في الحياة لا يثبت بذلك وهو كذلك‏.‏

فإن قلت‏:‏ هو في الحياة ليس بمال ولكنه يؤول للمال وهو الصداق، وحينئذ فالواجب أن يثبت بما ذكر‏.‏ قلنا‏:‏ هو يؤول للمال ولغيره من الزوجية ولواحقها من النسب وغيره لا للمال فقط، فلو أعملنا فيه الشاهد واليمين أدى إلى التناقض وهو الإعمال في المال وعدم الإعمال في الزوجية فتكون الشهادة عاملة غير عاملة قاله القلشاني‏.‏ وتأمله مع قولهم المعروف من المذهب أن الشهادة إذ رد بعضها للسنة صحت في غيره كمن شهد في وصية بعتق ومال لرجل تبطل في العتق، وتصح في المال للرجل نقله ابن عرفة‏.‏ ومثله قول ‏(‏خ‏)‏ والمال دون القطع في سرقة كقتل عبداً آخر الخ‏.‏

فلم لا يقال تصح في الصداق وتبطل في الزوجية ولواحقها إلا أن يقال الصداق فرع النكاح فلا يثبت إلا حيث يثبت أصله‏.‏

تنبيه‏:‏

الحكم بالشاهد واليمين مما خالف فيه أهل الأندلس مذهب الإمام مالك كما مرّ مع نظائره‏.‏ قال ابن لبابة‏:‏ اختلاف العلماء وما ذهب إليه مالك في الشاهد واليمين معروف وقضاتنا لا يرون ذلك‏.‏ وقال ابن القصار في اختصار مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب‏:‏ كل موضع قبل فيه شاهد وامرأتان قبل فيه الشاهد واليمين عندنا، وعند الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وهو قول أبي بكر وعلي والفقهاء السبعة وشريح، وقال اللخمي وابن أبي ليلى والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه‏:‏ لا يجوز الحكم بالشاهد يعني أو المرأتين مع اليمين وإن حكم قاض بذلك نقض حكمه وهو بدعة وبذلك قال الزهري قال‏:‏ والحكم به بدعة وأول من قضى به معاوية اه‏.‏

فأطلق كالناظم فظاهره كان مبرزاً أم لا، وهو كذلك على المعتمد كما أطلق في ذلك ‏(‏خ‏)‏ وغيره، خلافاً لابن عبد الحكم في أن ذلك إنما هو في المبين العدالة لا غير‏.‏

ولثالثها بقوله‏:‏

وهاهُنا عنَّ شاهِدٍ قد يُغْني *** إرْخَاءُ سِتْرٍ واحْتيازُ رَهْنِ

‏(‏وههنا عن شاهد‏)‏ يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏قد يغني‏)‏ وقد للتحقيق لكثرة ذلك ‏(‏إرخاء ستر‏)‏ فاعل يغني ‏(‏واحتياز رهن‏)‏ معطوف على ما يليه‏.‏

واليَدُ مَعْ مُجَرَّدِ الدَّعْوى أو أنْ *** تَكَافَأتْ بَيِّنَتان فاسْتَبِنْ

‏(‏واليد‏)‏ بالرفع معطوف على إرخاء ‏(‏مع مجرد الدعوى‏)‏ في محل نصب على الحال من اليد ‏(‏أو أن‏)‏ بفتح الهمزة ونقل حركتها للواو ‏(‏تكافأت بينتان‏)‏ الجملة في تأويل مصدر معطوف على مجرد أي اليد مع مجرد الدعوى أو تكافىء البينتين، وفي بعض النسخ وإن بكسر الهمزة والواو التي بمعنى أو فهي شرط معطوف على مع مدخول اليد، وفعله الجملة من الفعل والفاعل من تكافأت بينتان والجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه، إذ المعنى وإن تكافأت البينتان فاليد تغني‏.‏ ‏(‏فاستبن‏)‏ تتميم‏.‏

والمُدَّعى عَلَيْهِ يَأْبى القَسَما *** وفي سِوى ذلِكَ خُلْفٌ عُلِما

‏(‏والمدعى عليه‏)‏ معطوف على إرخاء ‏(‏يأبى القسما‏)‏ حال من المعطوف المذكور، فهذه أمثلة خمسة للشاهد العرفي وهو بيان لقوله فيما مر‏:‏

والمدعى عليه من قد عضدا *** مقاله عرف أو أصل شهدا

وكأنه عقد في هذه الأبيات قول المتيطي ما نصه‏:‏ وأما الشهادة التي توجب المشهود به مع اليمين فإنها أقسام أحدها‏:‏ شاهد عدل أو امرأتان في الأموال، ثُمَّ قال‏:‏ والثالث ما يقوم مقام الشاهد من الرهن وإرخاء الستر ونكول المدعى عليه ومعرفة العفاص والوكاء واليد مع مجرد الدعوى أو مع تكافىء البينتين وما أشبه ذلك اه‏.‏

فأسقط منه المصنف معرفة العفاص والوكاء لترجيح عدم اليمين فيهما وأدخلهما مع غيرهما في قوله‏:‏ ‏(‏وفي سوى ذلك‏)‏ يتعلق بعلما ‏(‏خلف‏)‏ مبتدأ ‏(‏علما‏)‏ خبره فأشار ‏(‏خ‏)‏ لأولها بقوله‏:‏ وصدقت في خلوة الاهتداء وإن بمانع شرعي الخ‏.‏

والمراد بإرخاء الستر مجرد الخلوة وإن لم يكن هناك ستر ولا غلق باب، ولذا كانت المغصوبة تحمل ببينة مصدقة كالزوجة في دعوى الوطء ولكل منهما الصداق كاملاً‏.‏ ويكفي في ثبوت خلوة الاهتداء والغصب شاهد أو امرأتان مع اليمين لأنها دعوى تؤول إلى المال، وأما باعتبار العدة والاستبراء وقد أنكرت الخلوة والوطء فلا بد من عدلين وباعتبار حد الغاصب لا بد من أربعة‏.‏ ولثانيها بقوله‏:‏ ولراهن بيده رهنه، وقوله‏:‏ هو كالشاهد في قدر الدين لأن معنى ما في النظم أن احتياز الرهن شاهد للراهن بدفع الدين وللمرتهن بقدر دينه، فإذا حازه الراهن بعد أن كان بيد المرتهن فهو شاهد بالدفع، وإن كان لا زال محوزاً بيد المرتهن فهو شاهد بقدر الدين، ولثالثها بقوله‏:‏ وبيد ان لم ترجح بينة مقابله، فقوله‏:‏ إن لم ترجح قضية سالبة لا تقتضي وجود الموضوع فتصدق بما إذا لم توجد بينة في مقابلة اليد أصلاً، وإنما هناك مجرد الدعوى أو وجدت وتكافأت مع بينة ذي اليد فيتساقطان كما أشار له بعد بقوله‏:‏ وإن تعذر الترجيح سقطتا‏.‏ وبقي بيد حائزه وهو المثال الرابع في النظم ولخامسها بقوله‏:‏ وإن نكل في مال وحقه استحق به بيمين إن حقق فضمير نكل للمطلوب وضميراستحق وحقق للطالب وضمير به للنكول، ومفهوم إن حقق أنه في دعوى الاتهام يستحق بمجرد النكول فقول الناظم‏:‏ يأبى القسما أعم من أن يكون في دعوى تحقيق أو اتهام إلا أن النكول في الاتهام كشاهدين لا كشاهد فقط، قال ابن شاس‏:‏ وإذا قال المدعى عليه لا أحلف أو أنا ناكل أو قال للمدعي‏:‏ احلف أنت وتمادى على الامتناع فقد تم نكوله فإذا قال بعد ذلك‏:‏ أنا أحلف لم يقبل منه اه وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ ولا يمكن منها ان نكل وقال قبله‏:‏ وليس للحاكم حكمه أي حكم النكول بأن يشرح للمطلوب ما يترتب عليه، وأنه إن نكل حلف الطالب واستحق وأنه لا يقبل منه الرجوع لليمين، وظاهره كعبارة المدونة الوجوب وعليه فهو شرط في صحة الحكم كالإعذار‏.‏ كما قال ابن رحال في شرحه‏:‏ وهو الحق ولعل محل الوجوب إذا كان المطلوب يجهل حكمه، وربما أشعر قول الناظم‏:‏ يأبى القسما أن الطالب إذا امتنع من الحلف مع شاهده فنكوله شاهد للمطلوب فيحلف ويبرأ لأن الطالب بشاهده صار في معنى المدعى عليه، ثُمَّ إن الإشارة في قول الناظم‏:‏ ذلك الخ‏.‏

راجعة لما مرّ من الأمثلة فيشمل العفاص والوكاء في اللقطة ‏(‏خ‏)‏ ورد بمعرفة مشدود فيه وبه وعدده بلا يمين، وقال في النكاح‏:‏ وقبل دعوى الأب فقط في إعارته لها في السنة بيمين وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين ما أمكن والغمط والعقد في الحيطان، ودعوى الشبه في البياعات كقوله في اختلاف المتبايعين وصدق مشتر ادعى الأشبه وإن اختلفا في انتهاء الأجل، فالقول لمنكر التقضي‏.‏ وفي قبض الثمن أو السلعة فالأصل بقاؤهما والقول لمدعي الصحة وقوله في العيوب، والقول للبائع في العيب أو قدمه إلا بشهادة عادة للمشتري وفي الوكالات، والقول له إن ادعى الإذن أو صفة له وصدق في الرد كالمودع، وفي الإجارات والقول للأجير أنه وصل كتاباً أو خولف في الصفة أو في الأجرة إن أشبه وحاز إلى غير ذلك، فالمغني عن الشاهد الحقيقي أحد أمرين الأصل أو العرف، وذلك شائع في أبواب الفقه كما ترى فقوله‏:‏ خلف أي في الراجح فالشاهد العرفي وإن اختلف فيه من أصله هل هو كشاهد أو شاهدين، لكن اختلف الراجح باختلاف أفراده فكأنه يقول هذه الأمثلة الراجح فيها أنها كشاهد وفي سواها اختلف الراجح باختلاف الأفراد ففي بعضها الراجح أنه كشاهدين فلا يمين كاللقطة وانقضاء العدة والنكول في التهمة وبعد القلب كما يأتي في البيت بعده ونحو ذلك وفي بعضها أنه كشاهد فقط كالأمثلة الباقية‏.‏ انظر شرح المنجور لمنهج الزقاق، ومن الأفراد التي الراجح فيها أنه كشاهدين نكول المدعي بعد نكول المدعى عليه كما قال‏:‏

ولا يَمِينَ مَعْ نُكُولِ المُدَّعي *** بَعْدُ ويُقْضى بِسُقُوطِ ما ادُّعِي

‏(‏ولا‏)‏ نافية للجنس ‏(‏يمين‏)‏ اسمها ولو فرعه بالفاء المفيدة لكونه من أفراد قوله خلف لكان أظهر ‏(‏مع نكول المدعي‏)‏ خبرها ‏(‏بعد‏)‏ ظرف مقطوع يتعلق بمحذوف حال من نكول أي‏:‏ لا يمين على المطلوب ثابتة مع نكول المدعي حال كونه كائناً بعد نكول المطلوب وعكس كلام الناظم، وهو أن ينكل المطلوب بعد نكول الطالب من الحلف مع شاهده كذلك، وهو معنى قولهم‏:‏ النكول بالنكول تصديق للناكل الأول، وظاهره أنه لا يمين على المطلوب سواء قلب اليمين المتوجبة عليه على الطالب فقال له‏:‏ احلف أنت ولك ما تدعيه أو لم يقلبها، ولكن قال‏:‏ أنا لا أحلف أو تمادى على الامتناع فنكل الطالب أيضاً وهو كذلك، ويتم نكول المدعي هنا بما يتم به نكول المطلوب في البيت قبله، وإذا تم نكوله بما مرّ فلا يمكن منها إن أقلع عن نكوله كما مر عن ‏(‏خ‏)‏ وابن شاس وهو معنى قوله‏:‏ ‏(‏ويقضي‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏بسقوط‏)‏ نائبه ‏(‏ما‏)‏ مصدرية أو موصولة ‏(‏ادعي‏)‏ صلتها أي دعواه أو الذي ادعاه اللهم إلا أن يجد بينة بعد نكوله فلا يسقط حقه حينئذ كما في التبصرة وظاهر قوله بعد أي بعد نكوله كان مع القلب أو بدونه أن له القلب ولو كان التزم حلفها كما أفاده ‏(‏ح‏)‏ بقوله بخلاف مدعى عليه التزمها، ثُمَّ رجع الخ‏.‏

وهذا قول أبي عمران، وعلله بأن التزامه لا يكون أشد من إلزام الله إياه فإن كان له أن يرد اليمين ابتداء مع إلزام الله له إياها فالتزامه هو تأكيد فقط لا يؤثر شيئاً‏.‏ ورده اللقاني في حواشي ضيح بأنا لا نسلم أن الله ألزمه اليمين بل خيره بينها وبين ردها على المدعي، ومن التزمها فقد أسقط حقه من ردها اه‏.‏

ونحوه لابن رحال في شرحه قائلاً لأن المذهب أن من التزم حقاً لغيره لزمه بالقول وهو قد التزم أن لا ينتقل عن اليمين إلى قلبها، والمدعي له حق في عدم القلب، فكيف يصح تعليل أبي عمران لمن أنصف، وإنما يجزم بقول ابن الكاتب القائل بأن الالتزام المذكور يسقط حقه من ردها‏.‏ قال‏:‏ وتعليل أبي عمران مأخوذ من لفظ البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وذلك غير مفيد لأن ذلك محمول على الخيار بلا خلاف، وأيضاً يلزم عليه أن المدعي يلزمه إقامة البينة مع أنه يجوز له تركها ويحلف المطلوب اه باختصار‏.‏

قلت‏:‏ والحاصل أن المدعى عليه التزم هنا الحلف والناكل فيما مرّ التزم عدمه، وبالالتزام المذكور في الصورتين يتعلق حق الخصم إذ من التزم شيئاً فقد أسقطه حقه من غيره، فابن الكاتب طرد الحكم فيهما وأبو عمران فصل بما ترى وهو محجوج بما مرّ، ولذا درج ناظم العمل على ما لابن الكاتب فقال‏:‏

والخصم يختار اليمين ونكل *** فما لقلبها سبيل أو محل

ويؤيده ما يأتي عن التبصرة عند قوله يسوغ قلبها وما إن تقلب الخ‏.‏

ومفهوم قول الناظم مع نكول المدعي الخ أنه إذا لم ينكل وإنما سكت سكوتاً لا يعد به ناكلاً عرفاً لم يسقط حقه ويمكن من اليمين ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن ردت على مدع وسكت زمناً فله الحلف الخ‏.‏

ولا مفهوم لقوله‏:‏ مدع، ولذا قيل لو قال ولو سكت من توجهت عليه زمناً الخ‏.‏

تنبيه‏:‏

تقدم أن من صور النكول أن يقول‏:‏ من توجهت عليه اليمين من طالب أو مطلوب احلف أنت وإنه إن أراد أن يقلع عن رضاه ويرجع إلى اليمين لا يمكن كما مرّ ويبقى النظر إذا أراد أن يقيم البينة على دعواه فأفتى ابن عتاب بأن له ذلك قال‏:‏ وليس قوله رضيت بيمينك إسقاطاً لبينته بل حتى يفصح ويصرح بإسقاطها، وبه قرر الشراح قول ‏(‏خ‏)‏ وإن استحلفه وله بينة حاضرة أو كالجمعة يعلمها لم تسمع أي وإن حلفه بالفعل وله بينة الخ‏.‏

وأفتى ابن رشيق بأن رضاه باليمين مع علمه بالبينة الحاضرة يوجب عدم رجوعه إليها وهو ظاهر إطلاقات الشراح عند قول ‏(‏خ‏)‏ في الإقرار كان حلف في غير الدعوى لأنهم قالوا‏:‏ إن قال له في الدعوى‏:‏ احلف وخذ فلا رجوح له، وقد ألم البرزلي في الحمالة بجميع ذلك‏.‏ قلت‏:‏ وهو الظاهر فما مر عن ابن الكاتب ينبغي اعتماده لأن رضاه التزام أي لأنه لما رضي باليمين أسقط حقه من البينة كما أن من قلب اليمين أسقط حقه منها كما مرّ فليس لكل منهما الرجوع إلى ما أسقط حقه منه، ولما ذكر ابن ناجي في شرح الرسالة قول المدونة إذا استحلفه وهو عالم ببينته تاركاً لها لم يكن له قيام بها قال ما نصه‏:‏ إلا أن قوله تاركاً لها‏.‏ قال أبو إبراهيم‏:‏ سقطت في بعض المواضع فقيل‏:‏ اختلاف‏.‏ قلت‏:‏ وعلى القول باشتراطه فهل المراد تصريحاً أو إعراضه كاف وعليه الأكثر في ذلك‏؟‏ تأويلان‏.‏ حكاهما عياض اه‏.‏

فنسب للأكثر مثل ما لابن رشيق، كذا وجدت بخط أبي العباس الملوي وهذا كله إذا رضي اليمين مع علمه بها، وأما إن حلفه بالفعل، وأراد القيام بالبينة بعد ذلك فالمشهور كما مرّ عن ‏(‏خ‏)‏ عدم القيام بها إلا إن كان لا يعلمها كما قال أيضاً‏:‏ فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان الخ‏.‏

والمشهور أيضاً أنه لا يعذر ولو مع النسيان كما مرّ قبل باب الشهادات‏.‏

ولرابع الأقسام التي توجب الحق بيمين بقوله‏:‏

وغالِبُ الظَّنَّ بِهِ الشَّهادَهْ *** بِحيْثُ لا يَصحُّ قَطْعُ عَادَهْ

‏(‏وغالب الظن‏)‏ معطوف على قوله شهادة العدل ‏(‏به الشهادة‏)‏ مبتدأ وخبر، والجملة في محل نصب حال من غالب ‏(‏بحيث‏)‏ ظرف مكان يتعلق بالاستقرار في الخبر ‏(‏لا يصح قطع‏)‏ فاعل يصح، والجملة في محل جر بإضافة حيث ‏(‏عادة‏)‏ منصوب على إسقاط الخافض والتقدير وهي شهادة العدل وشهادة غالب الظن في حال كون الشهادة كائنة به أي بسببه في المكان الذي لا يصح في العادة القطع فيه، ويجوز أن يكون غالب مبتدأ والظرف متعلق به، والشهادة مبتدأ ثان والمجرور خبره، والجملة خبر الأول والتقدير وغالب الظن في المكان الذي لا يصح القطع فيه الشهادة عاملة به كذلك أي مع القسم فيكون من عطف الجمل وليس فيه الفصل بأجنبي لأن الجملة خبر وهي معمولة للمبتدأ الذي تعلق به الظرف، ولك أن تجعل الظرف في هذا الوجه حالاً من المبتدأ الأول، وقوله‏:‏ بحيث لا يصح أي كشهادة عدلين باعتبار المديان وضرر الزوجين والرشد وضده واستحقاق الملك وحصر الورثة وكون الزوج غاب وتركها بغير نفقة والتعديل والتعريف بالخط ونحو ذلك‏.‏ قال في الفروق‏:‏ مدارك العلم التي لا يستند إليها الشاهد أربعة‏:‏ العقل وأحد الحواس الخمس والنقل المتواتر والاستدلال فتجوز الشهادة بما علم بأحد هذه الوجوه، ثُمَّ قال في الجواهر ما لا يثبت بالحس بل بقرائن الأحوال كالإعسار يدرك بالخبرة الباطنة بقرائن الصبر على الجوع والضرر يكفي فيه الظن القريب من اليقين ‏(‏خ‏)‏‏:‏ واعتمد في إعسار بصحبته وقرينة صبر كضرر الزوجين الخ‏.‏

وظاهر النظم أن هذه اليمين على البت لأنها الأصل لا على نفي العلم وهو كذلك، وإنما وجبت اليمين لأن الشهادة في ذلك إنما هي على نفي العلم فيقولون مثلاً‏:‏ لا يعلمون له مالاً ظاهراً ولا يعلمون أنه رجع عن الإضرار بها إذ لا تتم الشهادة بالضرر إلا بزيادة ذلك، وأنه لم يخرج عن ملكه في علمهم، وأنه لا يعلم له وارثاً سوى من ذكر وأنه لم يترك لها نفقة في علمهم وأنه عدل لا يعلمونه انتقل عنها إلى غيرها، وقد يكون المشهود به على خلاف ذلك، فاستظهر على الباطن باليمين لكن يستثنى من ذلك حصر الورثة والترشيد وضده واستحقاق العقار والتعديل والتعريف بالمشهود له أو عليه فإنه لا يمين في ذلك وكذا الأب إن أثبت العسر لينفق عليه ابنه فإن جزموا بالشهادة فقالوا‏:‏ لا مال له قطعاً أو لم يرجع عن الإضرار بها قطعاً أو لم يخرج عن ملكه قطعاً بطلت وإن أطلقوا ولم يقولوا قطعاً صحت من أهل العلم كما مرّ عند قوله‏:‏ ومن يزكِّ فليقل عدل رضا‏.‏ الخ‏.‏

وبطلت من غيرهم إن تعذر سؤالهم كما يأتي قريباً وقولي‏:‏ كشهادة عدلين احترازاً من شهادة عدل واحد بما ذكر فإنه لا يعمل به في العدم كما في ابن ناجي والترشيد وضده كما في ابن سلمون، وكذا في ضرر الزوجين لأنه يؤول إلى خيار الزوجة وكذا التعديل ويعمل به في الباقي لكن يحلف بيمينين إحداهما لتكميل النصاب والأخرى للاستظهار، ولا يجمعان وكلاهما على البت كما مرّ وظاهر قوله‏:‏ غالب الظن أنه يعتمد الشاهد عليه لا أنه يصرح به عند الأداء‏.‏ أو في الوثيقة‏:‏ وإلاَّ لم تقبل قاله ابن عرفة وانظره مع ما للقرافي في الفرق الحادي والثلاثين والمائة من أن الشاهد إذا صرح بمستند علمه في الشهادة بالسماع المفيد للعلم أو بالظن في الفلس أو حصر الورثة، فلا يكون تصريحه قادحاً على الصحيح قال‏:‏ وقول بعض الشافعية يقدح ليس له وجه فإن ما جوزه الشرع لا يكون النطق به منكراً اه‏.‏

وانظر شرحنا للشامل عند قوله‏:‏ واعتمد في إعسار الخ، وما ذكرناه من أن الشاهد يعتمد على ذلك فقط هو نظير ما مرّ في التعديل من أنه يعتمد فيه على طول عشرة الخ وهو صريح لفظ ‏(‏خ‏)‏ المتقدم أي‏:‏ ولا يتوقف قبول شهادته على بيان مستند علمه في ذلك من طول العشرة في الحضر والسفر في التعديل والصبر على الجوع والبرد في الإعسار ونحو ذلك، وهو واضح إن كان الشاهد بذلك من أهل العلم وإلاَّ فلا بد من سؤاله عن مستند علمه فإن تعذر سؤاله لموته أو غيبته سقطت‏.‏ قال أبو العباس الملوي‏:‏ وهو الذي جرت عليه الفتوى من فقهاء العصر حتى لا يستطاع صرفهم عنه، وهو الذي قال به اليزناسي كما في أحباس المعيار أنه المذهب معترضاً على ابن سهل بما يعلم بالوقوف عليه، وانظر ‏(‏ح‏)‏ عند نص ‏(‏خ‏)‏ المتقدم آنفاً، وانظر ما يأتي عن الوثائق المجموعة وغيرها عند قوله‏:‏ وحيثما العقد لقاض ولى، الخ‏.‏

وفي المسألة خلاف شهير فرجح الصباغ كما في أنكحة المعيار أن بيان مستند العلم إنما هو شرط كمال فقط، وهو مختار ابن سهل وعليه عول ‏(‏خ‏)‏ في الشركة حيث قال‏:‏ ولو لم يشهد بالإقرار بها على الأصح‏.‏ قلت‏:‏ وعندي أن هذا خلاف في حال، فابن سهل ومن معه تكلم على ما علم من عدول وقتهم، وغالبهم علماء عارفون وغيره تكلم على ما غلب في بلده ووقته من الجهل بما تصح به الشهادة، وإلاَّ فكيف يقول منصف بقبول شهادة الجاهل مرسلة، ولذا اقتصر ابن فرحون في فصل مراتب الشهود على أن غير العالم بما تصح به الشهادة لا بد من سؤاله عن مستند علمه ونحوه في الطرر والمعين والمتيطية، وكذا في الوكالات وبيع الوكيل من ابن سلمون ونقل ابن رحال في الارتفاق نحوه عن كثير، وذكر الفشتالي وابن سلمون صدر وثائقهما أن قول الموثق ممن يعرف الإيصاء لا يكفي حتى يقول بإشهاد من الموصى عليه إلا إذا كان من أهل العلم، وعلى أهل العلم يحمل قول ابن سلمون في الشهادات إذا قال الشاهد أشهدتني فلانة، ولم يقل أعرفها بالعين والاسم فهي شهادة تامة اه‏.‏

وفي ابن عرفة أن الشاهد إذا لم يذكر معرفة ولا تعريفاً وتعذر سؤاله سقطت شهادته إن لم يكن من أهل العلم، وذكر في كتاب المأذون من المتيطية ما نصه‏:‏ وليس لهم تلفيق الشهادة بأن يقولوا نشهد أنه مأذون له في التجارة ولا يفسرون الوجه الذي علموا به ذلك أي من أنه أذن له سيده بمحضرهم أو أقر بذلك لديهم قال‏:‏ ومن التلفيق أن يشهدوا أن لفلان على فلان كذا وكذا ديناراً ولا يبينون وجه ذلك، بل لا تقبل حتى يقولوا أسلفه لدينا أو أقر بمحضرنا وإن كان الدين من بيع فسروا ذلك أيضاً فيقولون‏:‏ باع منه بمحضرنا أو أقر بذلك لدينا‏.‏ قال‏:‏ وإنما لم تجز الشهادة إلا مع البيان لأن الشهود أكثرهم جهلة فقد يتوهمون أنه وجب من حيث لا يجب اه بخ‏.‏ ونقله الفشتالي في باب القضاء مقتصراً عليه قائلاً فيجب بيان مستند العلم في جميع الأشياء من دين أو غيره لأن أكثر الشهود لا يفهم ما تصح به الشهادة اه‏.‏

وقال اللخمي‏:‏ إن الأربعة إذا شهدوا بالزنا وغابوا أو بعضهم قبل أن يسألوا عن كيفية الشهادة فإن الحد يقام إن كان الغائب عالماً بما يوجب الحد وإلاَّ سقط، وفي البرزلي عن المازري إن الشاهد إذا كان من أهل العدالة والمعرفة فلا يستفسر، ففهم منه إذا لم يكن كذلك استفسر‏.‏ قال‏:‏ ولم يكن الموثقون يستفسرون إلا في الحدود والزنا للحرص على الستر، فأنت ترى تعليلهم بكثرة الجهر وبه يتضح لك أن قول ‏(‏خ‏)‏ ولو لم يشهد بالإقرار بها إنما هو في العالم، والله أعلم‏.‏

تنبيه‏:‏

علم مما مرّ أن الشاهد إذا شهد بإقرار شخص لديه بدين لغيره مثلاً فالشهادة تامة اتفاقاً لأنه قد بين فيها مستند علمه وهو الإقرار لديه، فما في المعين عن بعض المتأخرين حسبما في التبصرة والحطاب مسلماً من أنه لا يؤاخذ بإقراره حتى يشهدوا بإقراره بالسلف أو المعاملة وهم ظاهر لأن الخلاف كما علمت في إرسال الشاهد شهادته لا في إرسال المقر إقراره لأنه مؤاخذ به، وإن لم يبين سببه بل لو بينه بما يوجب رفعه لم يقبل منه ولو نسقاً ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولزم أن نوكر في ألف من ثمن خمر الخ‏.‏

وأيضاً لو كان الحكم كما قال لم تصح الشهادة بالإقرار بشيء مع أنها صحيحة ويجبره على تفسيره، والله أعلم‏.‏

فصل في التوقيف

وذكر أسبابه وكيفيته ويسمى العقلة والإيقاف‏.‏

ثالِثَةٌ لا تُوجِبُ الحَقِّ نَعَمْ *** تُوجِبُ تَوْقِيفاً بِهِ حُكْمُ الحَكَمْ

‏(‏ثالثة‏)‏ مبتدأ سوغ الابتداء به الوصف أيضاً وجملة ‏(‏لا توجب الحق‏)‏ خبره ‏(‏نعم‏)‏ حرف جواب في الأصل وهي هنا بمعنى لكن وليست على معناها اللغوي الذي أشار له عج بقوله‏:‏

نعم لتقرير الذي قبلها *** إثباتاً أو نفياً كذا حرروا

بلى جواب النفي لكنه *** يصير إثباتاً كذا قرروا

‏(‏توجب توقيفاً‏)‏ مفعول ‏(‏به‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏حكم الحكم‏)‏ والجملة صفة لتوقيف‏.‏ وحاصله‏:‏ أن الطالب إما أن يأتي بعدلين أو بعدل أو بمجهول مرجو تزكيته أو مجهولين كذلك، أو بلطخ أو بمجرد الدعوى، فالتوقيف في الأول ليس إلا للإعذار فيوقف ما لا خراج له من العقار بالغلق، وما له خراج يوقف خراجه وغير العقار من العروض والثمار والحبوب بالوضع تحت يد أمين وبيع ووضع ثمنه عنده في الثمار إن كان مما يفسد، وفي الثاني للإعذار فيه أو لإقامة ثانٍ إن لم يرد أن يحلف معه لرجائه شاهداً آخر، فالمنع من التفويت فقط في العقار ولا ينزع من يده لكن يوقف ما له خراج منه وفي غير العقار بالوضع تحت يد أمين وبيع ما يفسد أيضاً إلا أن يقول‏:‏ إن لم أجد ثانياً فلا أحلف مع هذا البتة فلا يباع حينئذ بل يترك للمطلوب، وفي الثالث للتزكية والإعذار بعدها وحكمه على ما لابن رشد وأبي الحسن وابن الحاجب حكم الذي قبله في سائر الوجوه، قال ابن رحال في شرحه‏:‏ هو كالعدل المقبول في وجوب الإيقاف به إلا أنه لا يحلف معه، وفي الرابع للتزكية والإعذار أيضاً، وحكمه كالذي قبله لا في بيع ما يفسد فيباع على كل حال‏.‏ وفي الخامس ولا يتأتى إلا في غير العقار بالوضع عند أمين ما لم يكن مما يفسد فيخلى بينه وبين حائزه فيما يظهر لأنه كالعدل الذي لا يريد صاحبه الحلف معه‏.‏ وفي السادس لا عقل أصلاً إذ لا يعقل على أحد بشيء بمجرد دعوى الغير فيه على المنصوص وجرى العمل بالإيقاف بمجرد الدعوى في غير العقار كما يأتي، فأشار الناظم إلى الأول بقوله‏:‏

وهْيَ شَهادَةٌ بقَطْعِ ارْتُضِي *** وبَقيَ الإعْذَارُ فيما تَقْتَضِي

‏(‏وهي شهادة‏)‏ مبتدأ وخبر ‏(‏بقطع‏)‏ يتعلق بشهادة ‏(‏ارتضي‏)‏ صفة لقطع والرابط الضمير النائب أي بقطع مرتضى لكونه بعدلين مقبولين، وتثبت الحيازة بهما أو بغيرهما في العقار أو بموافقة الخصمين على حدوده لأن التوقيف يستدعي تعيين الموقوف ولا يتعين إلا بذلك واحترز بقطع عن شهادة السماع فإنها لا توجب توقيفاً إذ لا ينزع بها من يد حائز‏.‏ نعم إن ادعى معها بينة قطع قريبة فتوجبه كما يأتي وبقوله‏:‏ ارتضي عن العدل أو المجهول أو المجهولين فإن التوقيف في ذلك للتزكية والإعذار لا للإعذار فقط، وبالمنع من التفويت فقط في العقار، فإذا شهد عدلان باستحقاق الدار مثلاً ‏(‏و‏)‏ قد ‏(‏بقي الإعذار فيما تقتضي‏)‏ شهادتهما لأن الحكم بدونه باطل، فهذه الشهادة لم توجب حقاً الآن بل توقيفاً فقوله‏:‏ وبقي الإعذار جملة حالية تقدر قد معها، وفاعل تقتضي ضمير يعود على الشهادة والعائد على ما محذوف أي فيما تقتضيه‏.‏

وحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنَ المطْلُوبِ *** فَلا غِنًى عن أجَلٍ مَضْرُوبِ

‏(‏وحيث‏)‏ ظرف مكان ضمن معنى الشرط ولذا دخلت الفاء في جوابه ‏(‏توقيف‏)‏ مبتدأ ‏(‏من‏)‏ بمعنى في متعلقة بمحذوف خبر أي حصل أو وجد في الشيء ‏(‏المطلوب‏)‏ والجملة في محل جر بإضافة حيث ‏(‏فلا‏)‏ نافية للجنس ‏(‏غنى‏)‏ اسمها ‏(‏من‏)‏ بمعنى عن ‏(‏أجل‏)‏ يتعلق بغنى ‏(‏مضروب‏)‏ صفة لأجل والخبر محذوف، وبه يتعلق بالظرف أي لا غنى عن أجل مضروب موجود حيث توقيف حصل في الشيء المطلوب كان التوقيف للإعذار أو للتزكية أو للإتيان ببينة أو بشاهد ثان وتقدم في فصل الآجال أن الأجل في هذا يختلف باختلاف المتنازع فيه وأن ذلك الحد لا ينقص منه ولا يزاد عليه لأن مستند الزيادة والنقصان هي القرائن وهي كما قال المازري‏:‏ لا يضبطها إلا المبرز في علم الحقائق فإن رخصنا في الاعتماد عليها لحاذق فيزعم الآخر أنه أحذق منه والزمان فاسد اه‏.‏

قال ابن رحال عقبه وصدق رحمه الله‏:‏ ولهذا ضبط الفقهاء الأمور وحدوها بتحديد حتى إذا تخطاه القاضي أنكر عليه‏.‏ ألا ترى أن اللفيف عندنا حد باثني عشر‏.‏ وقال بعض‏:‏ لا حد في ذلك بل هو موكول لاجتهاد القاضي فما حصل به غلبة الظن في الصدق اكتفى به انظر تمامه عند قول ‏(‏خ‏)‏ في الشهادات‏:‏ وحلف بشاهد الخ‏.‏

ثُمَّ إن انقضى الأجل ولم يأت بمطعن قضى به للطالب وإن أتى بمطعن كتجريح أو بينة تشهد أنه اشتراها من القائم ونحو ذلك وطلب القائم الإعذار فيما أتى به فيمكن منه ولا إشكال، وهل ينحل العقل على المطلوب ويخلي بينه وبين شيئه في مدة تأجيل الطالب، وهو الظاهر، وبه رأيت بعض القضاة يحكم أو يستمر العقل حتى يعجز الطالب انظر ذلك‏.‏ وعلى الأول إن أتى الطالب بمطعن أعيد العقل وهكذا حتى يعجز أحدهما والله أعلم‏.‏

ثُمَّ أشار إلى كيفية التوقيف في هذا الوجه فقال‏:‏

وَوَقْفُ ما كالدُّورِ غَلْقٌ مَعْ أَجَلْ *** لِنَقْلِ ما فِيهَا بِهِ صَحَّ العَمَلْ

‏(‏ووقف ما كالدور‏)‏ مبتدأ وأدخلت الكاف كل ما يراد للسكنى لا للغلة من أرض ونحوها ‏(‏غلق‏)‏ خبره‏.‏ فإن كانت في غير الحاضرة بعث أميناً يغلقها وتوضع مفاتحها عند أمين ‏(‏مع‏)‏ بسكون العين يتعلق بمحذوف صفة لغلق ‏(‏أجل‏)‏ يضرب ‏(‏لنقل ما‏)‏ أي الأمتعة التي ‏(‏فيها‏)‏ وإن سأل أن يترك ما يثقل عليه نقله أجيب كما في التبصرة وظاهر قوله‏:‏ مع أجل أن الغلق مصاحب للأجل وليس كذلك إلا أن يقال أنه مصاحب لانتهائه لا لابتدائه، وتقدم أن قدر الأجل في النقل ثلاثة أيام حيث قال‏:‏ وبثلاثة من الأيام إلى قوله‏:‏ وفي إخلاء ما كالربع في ذاك اقتفي‏.‏ ‏(‏به‏)‏ يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏صح العمل‏)‏ أي بهذا القول الذي هو وقف ما يراد للسكنى بالغلق مع قيام العدلين وما له خراج يوقف خراجه ويمنع الحرث في الأرض وبالمنع من الإحداث فقط مع قيام الشاهد العدل أو المرجو تزكيته في الأصول، إلى غير ذلك مما يأتي جرى عمل القضاة وهو قول مالك في الموطأ، وقول ابن القاسم في العتبية ومقابله مذهب المدونة‏:‏ أن الربع الذي لا يحول ولا يزول ولا يوقف بالحيلولة وقف الخراج، بل بالمنع من الإحداث فقط وهو المشهور الذي أفتى به ‏(‏خ‏)‏ حيث قال‏:‏ والغلة له للقضاء والنفقة على المقضى له به إذ الخراج بالضمان والنفقة على من له الخراج فقوله قبل‏:‏ وحيلت أمة مطلقاً كغيرها إن طلبت بعدل أو اثنين يزكيان الخ مراده بالغير العروض لا الأصول إذ لا حيلولة فيها عنده‏.‏

وَمَا لَهُ كالفُرْنِ خَرْجٌ والرَّحا *** فَفيه تَوْقيفُ الخَراجِ وَضَحا

‏(‏وما‏)‏ أي الأصل الذي ‏(‏له خرج‏)‏ بسكون الراء لغة في الخراج مبتدأ والمجرور خبره والجملة صلة ما‏.‏ ‏(‏كالفرن‏)‏ حال من خرج أو خبر عن محذوف ‏(‏والرحا‏)‏ والحانوت والفندق ونحو ذلك مما له غلة ‏(‏ففيه‏)‏ يتعلق بوضح ‏(‏توقيف الخراج‏)‏ مبتدأ ‏(‏وضحا‏)‏ خبره‏.‏ والجملة خبر الموصول ودخلت الفاء لشبهه أي الموصول بالشرط في العموم والإبهام أي يوقف خراجه فقط عند أمين ولا يغلق ولا تعطل منفعته‏.‏

وهَوَ في الأرْضِ المَنْعُ مِنْ أنْ تَعْمَرا *** والحَظُّ يُكْرَى ويُوَقَّفُ الكِرَا

‏(‏وهو‏)‏ أي التوقيف مبتدأ ‏(‏في الأرض‏)‏ حال منه ‏(‏المنع‏)‏ خبره ‏(‏من أن تعمرا‏)‏ بحراثة أو بناء أو نحوهما يتعلق بالمنع ‏(‏والحظ‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏يكرى‏)‏ أي وتوقيف الحظ إن كان النزاع فيه فقط كثلث من أرض أو حانوت مثلاً ففي الأرض يمنع من حرث كلها‏.‏ وفي الحانوت ونحوه مما له غلة يكرى جميعه أيضاً ‏(‏ويوقف الكرا‏)‏ جملة من فعل ونائب معطوفة على جملة يكري واختلف‏.‏

قيلَ جَميعاً أَوْ بِقَدْرِ ما يَجِبْ *** لِلْحَظِّ مِنْ ذاكَ والأوَّلُ انْتُخِبْ

‏(‏قيل‏)‏ يوقف ذلك الكراء حال كونه ‏(‏جميعاً‏)‏ ما ينوب المتنازع فيه وغيره ‏(‏أو‏)‏ أي وقيل يوقف ‏(‏بقدر ما يجب للحظ‏)‏ المتنازع فيه ‏(‏من ذاك‏)‏ الكراء فقط والمجروران يتعلقان بيجب ‏(‏والأول‏)‏ مبتدأ ‏(‏انتخب‏)‏ أي اختير خبره قال في التبصرة‏:‏ فإن كانت الدعوى في حصة فتعقل جميع الأرض والدار وجميع الخراج فيما له خراج، وقيل يعقل من الخراج ما ينوب الحصة المدعى فيها ويدفع باقية للمدعى عليه‏.‏ وفي المقرب والقول الأول أولى عندي بالصواب اه‏.‏

قلت‏:‏ لم يظهر لي وجه كونه أولى بالصواب فإن الذي يقتضيه النظر العكس لأن توقيف الجملة ضرر على المطلوب يمنعه من التصرف فيما لا نزاع فيه ولا يضر بأحد لينتفع غيره، بل لا نفع للطالب في وقف الجملة ولهذا والله أعلم قال الشارح‏:‏ توقيف الجملة لا يخلو من إشكال فتأمله اه‏.‏

وعليه فالذي تقتضيه القواعد هو القول الثاني فلا ينبغي أن يعدل عنه، ومفهوم قوله‏:‏ ووقف ما كالدور الخ‏.‏

أن غير الربع من العروض والحيوان يوقف بالوضع تحت يد أمين، وهو كذلك وللثاني بقوله‏:‏