فصل: مسألة أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به وأتوا السلطان فشهدوا عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة البنس يجعل فيه العسل هل تراه من الخليطين:

وسئل عن البنس يجعل فيه العسل هل تراه من الخليطين الذي كرهه أهل العلم؟ قال: لا بأس به، والبنس بمنزلة الماء.
قال محمد بن رشد: البنس والله أعلم هو شراب الفقع الذي كان يعمل في الأعراس، وهو شراب يصنع من العسل ويجعل فيه خمير القمح وأفاوه الطيب على ما قد ذكرناه في سماع أبي زيد من كتاب بيع الخيار، فسأله: هل هو من الخليطين من أجل ما يضاف إلى العسل من خمير القمح فخففه ولم ير به بأسا ليسارة ما فيه من العجين، فقال: إنما هو بمنزلة الماء الصرف، فجائز أن يضاف إليه العسل، وقوله في هذه الرواية هو على أحد قولي مالك في المدونة لأنه سأله فيها عن النبيذ يجعل فيه العجين أو الدقيق والسويق ليشتد به قليلا أو ليتعجل؛ فقال إنه سأل مالكا عنه فأرخص فيه ولم ير به بأسا، ثم سأله عنه فنهي عنه، وبالله التوفيق.

.مسألة اللبن يضرب بالعسل:

وسئل: وأنا أسمع عن اللبن يضرب بالعسل، قال: لا بأس به.
قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته.

.مسألة نصراني زنى بمسلمة:

وسئل: وأنا أسمع عن نصراني زنى بمسلمة فقال: إن كان طاوعته بذلك ضربت الحد وضرب النصراني ضربا يموت منه، وإن كان اغتصبها نفسها صلب.
قال محمد بن رشد: مضى الكلام على هذه المسألة في سماع سحنون مستوفى فلا معنى لإعادته.

.مسألة أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به وأتوا السلطان فشهدوا عليه:

من سماع أصبغ وسؤاله ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به وأتوا السلطان فشهدوا عليه، قال: لا أرى أن تجوز شهادتهم وأراهم قذفة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وقلنا فيها هناك: إنه إنما لم تجز شهادتهم عليه لأن ما فعلوه من أخذه وتعلقهم به ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم ولا يجب عليهم، بل هو مكروه لهم؛ لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أصاب من هذه القاذورة شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدي صفحته نقم عليه كتاب الله»، «وقال لهزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك» فلما فعلوا ذلك صاروا طالبين له ومدعين الزنا عليه وقذفة له، فوجب عليهم الحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء سواهم على معاينة الفعل كالمرود في المكحلة ولو كانوا أصحاب شرط موكلين بتغيير المنكر... أحدهم فأخذوه أو أخذه فجاءوا به وشهدوا عليه لقبلت شهادتهم لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم، وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا شهد أربعة بالزنا على رجل جازت شهادتهم وان كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضه من بعض، ووجه ذلك أنه لما كان ما فعلوه من قيامهم عليه مباحا لهم، وان كان الستر أفضل لم يكونوا خصماء إذ لم يقوموا لأنفسهم وإنما قاموا لله؛ فوجب أن تجوز شهادتهم، ولو كانت الشهادة فيما يستلزم فيه التحريم من حقوق الله كالطلاق والعتق لجازت شهادتهما في ذلك، وإن كانا هما القائمين بذلك؛ لأن القيام بذلك متعين عليهما، وقد قال بعض المتأخرين: إن ذلك لا يجوز على مذهب ابن القاسم، وقوله في هذه المسألة خلاف لمطرف وابن الماجشون وأصبغ، ووجه ذلك بأن كل من قام في حق يريد إتمامه فهو يتهم أن يزيد في شهادته ليتم ما قام فيه، وهو عندي بعيد، وبالله التوفيق.

.مسألة الاستنكاه هل يعمل به:

ومن كتاب الحدود:
قال أصبغ: وسألته عن الاستنكاه أيعمل به؟ قال: نعم، وذلك رأس الفقه، قال أصبغ: وهو رأيي فيمن استنكر سكره واستكره اختلاطه، وقد حضرت العمري القاضي أمر بالاستنكاه في مجلسه بمحضر جماعة من الناس فيهم أهل العلم والفقه وفيهم ابن وهب فختله المستنكه بالكلام والسؤال والمراجعة والمفاوهة ثم أدخل شق أنفه وشمه في شدقه ثم قطع عليه أنها خمر، قال أصبغ: والأحب إلي أن يكون اثنان كالشهادة، فإن لم يكن إلا واحد أمضي عليه الحد إذا كان الإمام هو الذي يأمر بالاستنكاه حين استرابه ووكله به، فإن كان إنما هو شاهد يؤدي علمه بالاستنكاه منه من قبل نفسه فلا يجوز إلا اثنان؛ لأنهما شهادة مؤداة كالشهادة على الشرب بعينه... الاستنكاه والشهادة به، وجوازه أن أبا هريرة قد شهد أنه قاءها ولم يشهد أنه شربها، ثم قال له عمر تجويزا لذلك: فلا وربك ما قاءها حتى شربها، قال أصبغ: سألت ابن القاسم فقلت له: أرأيت الموكل بالمسلحة يمر بالرجل أو يمر به الرجل يتهمه بالشراب أيأمر به فيستنكه؟ قال: إن رأى تخليطا واختلاطا فنعم، قال أصبغ: شبه السكران الذي يخلط في مشيه وكلامه وتكفيه بنفسه وميلانه وعبثه وشتمه، فإن كان كذلك أمر به ولا يسعه تركه؛ لأنه سلطانه، كحد انتهى إلى السلطان فلا يتركه، وإن كان على غير ذلك من الصفة ولم يكن كنحو ذلك تركه، ولم يتحسس عليه، وإن رأى مخرجه مخرج سوء تهمة نظر في مخرجه إن خرج من مخرج سوء فعاقبه على نحوه ولم يبلغ كشفه في الشرب ولا تفتيشه إذا لم يكن كنحو ما وصفنا وكان صاحيا متشكلا.
قال محمد بن رشد: العمري القاضي الذي حكى عنه ما حكاه من الحكم بالاستنكاه هو عبد الرحمن بن عبد الله بن المجير بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، ولاه هارون الرشيد قضاء مصر سنة خمس وثمانين ومائة، ثم شكي به إليه فقال: انظروا كم ولي القضاء من ولد عمر؟ فلم يوجد أحد، فقال: والله لا عزلته، فبقي قاضيا إلى أن عزله الأمين سنة أربع وتسعين، والمسألة كلها صحيحة بينة من قول ابن القاسم وأصبغ لا اختلاف فيها ولا إشكال في شيء من معانيها، وبالله التوفيق.

.مسألة المسلم يقول للنصراني يا ابن الفاعلة فيقول أخزى الله كل ابن فاعلة:

قال: وسألت ابن القاسم عن المسلم يقول للنصراني يا ابن الفاعلة، فيقول أخزى الله كل ابن فاعلة، فقال: إن النصراني يحلف بالله ما أراد قذفا، فإن لم يحلف سجن حتى يحلف، قال أصبغ: بل أرى أن يجلد الحد وأرى هذا جوابا في مشاتمة فهو رد عليه وتعريض له، كالذي يقول للمرأة يا زانية فتقول زنيت بك فيكون جوابا وردا لمثل ما قال، فيضرب له الحد، فالنصراني مثله غير أن المسلمين يحدان البادئ والراد عليه، والنصراني والمسلم كذلك يجب عليهما جميعا ويكونان قاذفين جميعا ومشاتمين له، غير أن النصراني لا حد له فيعاقب له قاذفه المسلم فيكون ذلك هو حده، وقد حرمته من الحد وهو يحد للمسلم الحد بعينه كاملا ثمانين سوطا.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب في أن الحد يجب بالتعريض البين كما يجب بالتصريح به، فرأى أصبغ قوله هذا في مجاوبته إياه من التعريض البين، ولم ير ذلك ابن القاسم، وقوله أظهر؛ لاحتمال أن يكون أراد بما قاله نفي ما رماه به عن نفسه من أن يكون ابن زانية لا قذفة، فرأى أن يحلف بهذا الاحتمال، وقال: إنه إن لم يحلف سجن حتى يحلف، ولم يقل ما يكون الحكم فيه إن طال الأمر ولم يحلف وذلك يتخرج على قولين، أحدهما أنه يطلق ولا يكون عليه شيء، والثاني أنه يحد إذا طال حبسه وأبى أن يحلف، والأصل في هذا اختلافهم في الكلام المحتمل أن يراد به القذف كقول الرجل للرجل يا خبيث أو يا ابن الخبيثة، فقال ابن القاسم: إنه ينكل إن طال حبسه فلم يحلف، وقال أشهب: إنه يحد إن طال حبسه ولم يحلف، فعلى أصل ابن القاسم في هذا أنه ينكل ولا يحد إذا طال حبسه فخلي سبيله في هذه المسألة؛ إذ لا موضع فيها للنكال، وكذلك إذا حلف ابتداء لا ينكل، ولو قال الشهود الذي شهدوا عليه بذلك تبين لنا من قصده أنه أراد بذلك القذف أو أنه لم يرد بذلك القذف لأعمل قولهم في ذلك وارتفع الخلاف في المسألة؛ لأن هذا مما قد يظهر بصورة الحال حتى يقع العلم به للشاهد، وبالله التوفيق.

.مسألة الذي يقوم عليه بشاهد واحد بالقذف فلا يحلف ويسجن حتى يحلف:

وقال في الذي يقوم عليه بشاهد واحد بالقذف فلا يحلف ويسجن حتى يحلف: إنه إذا طال حبسه جدا ولم يحلف فأرى أن يخلي سبيله، قلت: فيؤدب إذا طال ولم يحلف فخلي، أيؤدب له بهذا الشاهد الواحد؟ فقال: أما الأدب في هذا فلست أعرفه، قال أصبغ: وأنا أرى أن يؤدب له إذا كان معروفا بالأذى والفحش والمشارة للناس، وإلا فأدبه حبسه الذي حبس، ولا يؤدب المتساهل للأدب في هذا إلا بعد الإياس من حلفه أو ثباته عليه أو غير ثباته عليه وعند تخليته.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم والكلام عليها هناك فلا معنى لإعادته، وقوله: إنه لا يؤدب في المتساهل للأدب في هذا إلا بعد الإياس من حلفه أو ثباته عليه معناه بعد الإياس من حلفه وثباته عليه فأو هاهنا بمعنى الواو؛ لأنه إنما أراد أنه لا يؤدب إلا بعد الإياس من حلفه ومن ثبات ذلك عليه، وهو معنى قوله أو ثبات ذلك عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل يقول للرجل يا ولد الخبث:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول وسئل عن رجل يقول للرجل يا ولد الخبث، قال: يضرب الحد، ولا يعلم الخبث إلا الزنا، وقاله أصبغ، وذلك إنما مخرجه على القذف، وإنما ولد الخبث ولد الزنا، ليس الخبث بالحديث الذي يذكر إذا كثر الخبث أنه من أشراط الساعة، والخبث في ذلك أولاد الزنا، فإذا قال يا ولد الخبث كان قاذفا له بأنه ولد الزنا، وإنما حرف الناس بذلك الكلام فقالوا يا ولد الخبث وجرت مجرى الخبث في القذف في المشاتمة على اللسان، ومعنى ذلك بينهما الحد، ورواها عيسى بن دينار في كتاب العتق، قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول فيمن قال لرجل يا خبيث الفرج أو قال أنا أعف منك فرجا: إن ذلك كله يضرب فيه الحد تاما، وقاله أصبغ إذا كان في مشاتمة أو غضب ورواها عيسى أيضا في كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يقول للرجل يا ولد الخبث: إنه يضرب ثمانين، مثله في كتاب ابن المواز وغيره ولا أعرف فيه نص خلاف، وهو بين في المعنى؛ لأن الخبث اسم الفعل من خبث يخبث فنسبة الرجل إليه نفي له عن أبيه، إذ ليس هو بصفة فيقال: إنه إنما وصف أباه بذلك، ومخرجه عند الناس أيضا مخرج القذف على ما قاله أصبغ، فإيجاب الحد فيه ظاهر.
وقوله: ليس الخبث بالحديث الذي ذكر إذا كثر الخبث إنه من أشراط الساعة، والخبث في ذلك أولاد الزنا، معناه: ليس الخبث في قوله الرجل للرجل يا ولد الخبث من الخبث المذكور في الحديث وإن كان المراد به أيضا أولاد الزنا؛ لأنه الخبث بفتح الخاء لا الخبث بضمها، وقد قيل: تفسير الحديث «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث»: إنهم شرار الناس، ولو قال له يا خبيث أو يا ولد الخبيثة لم يجب عليه في ذلك حد، قال في المدونة: ويحلف ما أراد بذلك قذفا، فإن أبى أن يحلف ما أراد بذلك قذفا حبس حتى يحلف فإن طال حبسه نكل، وقال أشهب: إنه يحد إذا أبى أن يحلف، ولابن القاسم في المدونة مثل قول أشهب في نظير هذه المسألة: إنه يحد إذا أبى أن يحلف وهو أظهر، وإنما لم يحد في ذلك لأن الخبث قد يكون في الأخلاق والأفعال فيحلف أنه ما أراد إلا ذلك، وأما إذا قال له يا خبيث الفرج فلا إشكال في أنه يحد إذ قد بين أنه أراد بالخبث الزنا، وبالله التوفيق.

.مسألة قذف رجلا فأتى بشاهدين شهدا أنهما حضراه يضرب الحد في الزنا:

وسئل عن رجل قذف رجلا فأتى بشاهدين شهدا أنهما حضراه يضرب الحد في الزنا، قال: لا ينفعه، ويضرب الحد والشاهدان جميعا، قال: ولو جاء بأربعة شهداء أنه حد في الزنا سقط عنه الحد.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة يأتي على قياس قول سحنون في آخر نوازله من كتاب الشهادات في أنه لا يثبت كتاب القاضي إلى القاضي في الزنا إلا بأربعة شهداء على رواية مطرف عن مالك في أن الشهادة على الشهادة في الزنا لا تجوز فيها إلا أربعة على كل واحد من الأربعة اجتمعوا في الشهادة على جميعهم أو افترقوا مثل أن يشهد ثلاثة على الرؤية ويغيب واحد فلا تثبت شهادته إلا بأربعة، وابن القاسم يجوز أن يشهد على شهادته اثنان، وهو مذهب ابن الماجشون، فيأتي على قياس قولهما: إنه يجوز أن يشهد على كتاب القاضي في الزنا شاهدان، وإنه إذا جاء القاذف بشاهدين يشهدان أن المقذوف قد حد في الزنا سقط عنه حد القذف، وهو الذي يوجبه القياس والنظر؛ لأن الشهادة قد تمت على الزنا بأربعة شهداء، فلا يحتاج إلا إلى إثبات قول القاضي على كتابه أو على ضربه أنه إنما يضربه في الزنا، فينبغي أن يثبت ذلك من قوله في الزنا بما يثبت في غير الزنا، إذ لا فرق بين الموضعين فيما يلزم الشاهد في تحمل الشهادة، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل قال لرجل من الموالي يا ساقط:

وسئل مالك عن رجل قال لرجل من الموالي يا ساقط، قال: يضرب الحد، قيل لابن القاسم: فإن لجأ إلى أمر يريده؟ أما أنا فأرى أن يحلف ما أراد نفيه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة أظهر من قول مالك لاحتمال أن يريد يا ساقط المرتبة في النسب، إذ لست من العرب، وحمله مالك على أنه أراد يا ساقط النسب؛ كأنه قال له: لست من الموالي، ولو قال لرجل من العرب يا ساقط لحد على قولهما جميعا والله أعلم.

.مسألة شهد عليه شاهد بشرب الخمر وشهد عليه آخر بشرب النبيذ المسكر:

وسمعت ابن القاسم وسئل عمن شهد عليه شاهد بشرب الخمر وشهد عليه آخر بشرب النبيذ المسكر، فقال يضرب الحد ثمانين؛ لأن شهادتهما قد اجتمعت على المسكر.
قال محمد بن رشد: لفق ابن القاسم الشهادة في هذا وإن كان كل واحد من الشاهدين إنما شهد على غير الشرب الذي شهد عليه صاحبه إذ لو شهدا عليه بهذه الشهادة في موضع واحد لبطلت الشهادة وسقط عنه الحد على ما قاله بعد هذا في سماع أبي زيد، وهو مثل قوله في سماع أبي زيد بعد هذا ومثل روايته عن مالك في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الشهادات في أنه إذا شهد رجلان على رجل بطلاق أو فرية أو شرب الخمر في أيام مختلفة فقال هذا: أشهد أنه طلق امرأته أو رأيته يشرب الخمر أو قذف فلانا في شوال وشهد آخر على مثل ذلك إلا أنه قال في رمضان؛ فإنه يضرب في الفرية والخمر وتطلق عليه امرأته، وكذلك رأى ابن القاسم، وإذا لفق ابن القاسم الشهادة في الشرب وإن كان فعلا، ومن مذهبه أن الأفعال لا تلفق من أجل أن الشهادة في هذا على الفعل مسندة إلى القول، وهو المعبر فيها لأنه إنما يحد في الشرب حد القذف من أجل أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى كما قال علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هذا وجه قول ابن القاسم هذا وروايته عن مالك، والقياس ألا تلفق الشهادة في الشرب؛ لأنه فعل كما لا تلفق في سائر الأفعال، وهو قول محمد بن مسلمة وابن نافع وقد مضى بيان هذا كله في رسم أوصى ورسم العرية ورسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وبالله التوفيق.

.مسألة قولهما إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان:

من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجلين شهدا على رجل بالزنا فقالا: معنا شاهدان آخران فلان وفلان، وهما في البلد هل يمكنهما أن يأتيا بهما أم يحدا إذ لم يأتوا جميعا، قال: أرى أن يحدا وذلك لأن قولهما إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان، إنما يقولان سلوا فلانا وفلانا عن تصديق ما قلنا، فليس هذا بوجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في أول رسم من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وزاد فيها قد بلغني ذلك عن مالك، وعلل ابن القاسم تضعيف الشهادة وإيجاب الحد على الشاهدين في هذه المسألة بعلتين، إحداهما تفرق الشهود في الشهادة فقال: ليس وجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا، والثانية قول الشاهدين اللذين شهدا: معنا فلان وفلان لأنهما حصلا قولهما هذا في معنى من قام على رجل في الزنا وشهد عليه في ذلك فلا يجزئه أن يأتي بثلاثة شهود سواه ويحد إلا أن يأتي بأربعة شهداء، فكذلك هذان يحدان إن لم يأتيا على تصديق شهادتهما عليه إلا بشاهدين، وقوله: فإن قالا نعم ثبتت شهادتهما وإن قالا لا كانا قاذفين، هو من قول ابن القاسم على سبيل الإنكار بعد تمام ما حكى من معنى قولهما، كأنه قال تثبت شهادتهما إذا قالا نعم وإلا كانا قاذفين، هذا ما لا يصلح بل قاذفين على كل حال، وقد قيل: إن الشهادة على الزنا جائزة وإن تفرق الشهود ولم يأتوا معا، وعلى هذا القول يأتي ما وقع لابن القاسم في أول رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الشهادات وهو قول ابن الماجشون، واختلف أيضا، إن كان الشهود في الزنا هم القائمون على المشهود عليه به، فقال ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الشهادات: إن شهادتهم لا تجوز، وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أن شهادتهم جائزة وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضهم من بعض، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لرجل من مشاتمة ما أعرف أباك وهو يعرفه:

وقال من قال لرجل من مشاتمة ما أعرف أباك وهو يعرفه، قال: يضرب الحد ثمانين.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه قد نفى أن يكون أبوه هو الذي يعرفه، فقد قطع نسبه منه ونفاه عنه.

.مسألة قالت لابنها لست ابن أبيك:

وقال في امرأة قالت لابنها لست ابن أبيك، قال: عليها الحد.
قال محمد بن رشد: وهذا بين أيضا كالمسألة التي قبلها بل هي أبين منها في وجوب الحد إذا قالت ذلك له في مشاتمة؛ لأنها إذا قالت ذلك له في غير مشاتمة أشبه قول الرجل في ولده ما أنت لي بابن يريد في عصيانه إياه وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لجماعة من المسلمين والله ما ترون إلا أني ولد زنا وأنتم أولاد حلال:

ومن قال لجماعة من المسلمين: والله ما ترون إلا أني ولد زنا وأنتم أولاد حلال معرضا بأشباه هذا، قال: ينظر؛ فإن كانت بينهم عداوة حلف ما أراد حدا، وإن لم تكن عداوة كانت بينهم حلف أيضا، ولم يحد إذا قال ما أردت بذلك فاحشة.
قال محمد بن رشد: قوله ينظر فإن كانت بينهما عداوة يقتضي الفرق بين أن تكون بينهما عداوة أو لا تكون، وهو قد ساوى بين ذلك بقوله: إنه يحلف في الموضعين. فآخر كلامه يقضي على أوله، وإنما لم ير عليه الحد إذ ليس بتعريض بين لاحتمال أن يريد: والله ما ترون إلا أني لست ولد حلال كما أنتم، وفي قوله: حلف ولم يحد، ما يدل على أنه إن نكل عن اليمين حد، وفي هذا الأصل اختلاف، فالمشهور من قول ابن القاسم فيه أنه ينكل إذا أبى أن يحلف بعد أن يسجن، وله في بعض المسائل أنه يحد إذا لم يحلف، وهو مذهب أشهب، وقد مضى هذا المعنى في رسم الحدود من سماع أصبغ قبل هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته قد سرحتك من زنا:

وقال: من قال لامرأته قد سرحتك من زنا، قال: يحد ولا طلاق عليه.
قال محمد بن رشد: قوله يحد ولا طلاق عليه يريد إلا أن يلاعن على ما قاله في رسم سلف من سماع عيسى، وهذا على أحد قوليه في المدونة في إيجاب اللعان بالقذف، وفي قوله: إنه لا طلاق عليه نظر وكان القياس أن يحد وتطلق عليه امرأته لأن الظاهر من قوله قد سرحتك من زنا أي قد سرحتك من أجل أنك زانية، ومن قال لامرأته قد سرحتك فهي ثلاث في التي قد دخل بها إلا أن ينوي واحدة، وفي التي لم يدخل بها واحدة إلا أن ينوي ثلاثا، وقد قيل: إنها في التي لم يدخل بها ثلاث أيضا إلا أن ينوي واحدة كالتي قد دخل بها، وقد مضى هذا في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وإنما قال: إنه لا طلاق عليه لاحتمال أن يريد بقوله قد سرحتك من زنا، أي: قد سرحت لك بأنك زانية، وإذا قلنا: إن هذا معنى ما ذهب إليه؛ فيجب على أصولهم أن يحلف ما أراد إلا ذلك، وحينئذ يسقط عنه الطلاق فيجب أن يتأول قوله على ذلك والله الموفق.

.مسألة رجل قال لرجل يا ساقط:

وقال في رجل قال لرجل يا ساقط، قال يحلف بالله ما أراد قذفا فإن حلف لم يكن عليه شيء إلا الأدب إلا أن يقول يا ساقط يتتبع الولائم وما أشبهه.
قال محمد بن رشد: قد مضى في آخر رسم الحدود من سماع أصبغ من قول مالك: إنه يحد في قوله يا ساقط إذا قاله لرجل من الموالي، فأحرى أن يحد إذا قاله لرجل من العرب، وقال ابن القاسم في هذه الرواية: إنه يحلف، ولم يفرق بين أن يكون من الموالي أو من العرب، وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون من الموالي أو من العرب، والأظهر أن يفرق بينهما على ما حملنا عليه قوله في رسم الحدود المذكور، وقوله: إلا أن يقول يا ساقط يتتبع الولائم وما أشبهه، يريد: فلا يجب عليه يمين؛ لأنه يجب عليه الحد، وبالله التوفيق.

.مسألة شهدا على رجل أحدهما أنه سكر في رمضان والآخر أنه سكر في شعبان:

وقال في رجلين شهدا على رجل شهد أحدهما أنه شرب خمرا في رمضان وشهد الآخر أنه شرب المسكر في شعبان، قال: يضرب الحد، قيل له: أرأيت إن شهدا بهذه الشهادة في موضع واحد؟ قال: لا يحد.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في آخر رسم الحدود من سماع أصبغ فلا معنى لإعادته.

.مسألة قال لرجل يا محدود في الزنا:

وقال في من قال لرجل يا محدود في الزنا: فإن لم يأت بأربعة شهداء على أن الإمام جلده في زنا جلد الحد.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في آخر رسم من سماع أصبغ فلا معنى لإعادته.

.مسألة تقاذفا فأرادا أن يتعافيا قبل أن يبلغا السلطان:

وسئل عن رجلين تقاذفا فأرادا أن يتعافيا قبل أن يبلغا السلطان، قال: ذلك لهما، وإن لم يتعافيا إلا بعد أن يبلغا السلطان فليس ذلك لهما، فهو بمنزلة السرقة.
قال محمد بن رشد: هذا مثل أحد قولي مالك في المدونة أن للمقذوف أن يعفو عمن قذفه ما لم ينته الأمر إلى السلطان، فإذا انتهى إليه لم يجز عفوه عنه إلا أن يريد سترا، وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب الكلام على هذا المعنى مستوفى، وأنه يتحصل فيه ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا يتعلق بالقذف، حق الله تعالى، فللمقذوف أن يعفو عمن قذفه وإن بلغ إلى السلطان أراد سترا أو لم يرده، والثاني أنه يتعلق به حق الله تعالى فلا يجوز للمقذوف أن يعفو عمن قذفه بلغ السلطان أو لم يبلغ، والثالث قوله في هذه الرواية: إنه لا يتعلق به حق الله تعالى حتى يبلغ إلى السلطان فله أن يعفو إن لم يبلغ إلى السلطان، فإذا بلغ لم يجز له العفو عنه إلا أن يريد سترا، وبالله التوفيق.

.مسألة أربعة نفر شهدوا على رجل أنه زنى بامرأة فأخذ الرجل وهربت المرأة:

وسئل عن أربعة نفر شهدوا على رجل أنه زنى بامرأة فأخذ الرجل وهربت المرأة، قال شاهدان: رأيناه يزني بفلانة التي هربت، وقال الآخران: رأيناه يزني بامرأة، وشهادتهم معتدلة في موضع واحد على أمر واحد إلا أنهما لا يدريان أهي فلانة أو غيرها؟ ولا يعرفان المرأة، قال: يحد الشهود جميعا لأنهم قذفة للمرأة.
قال محمد بن رشد: قوله: يحد الشهود جميعا لأنهم قذفة للمرأة، معناه: يحد الشهود جميعا للرجل؛ لأن شهادتهم عليه بالزنا تسقط بقذفهم للمرأة التي شهدوا أنها زنى بها؛ إذ لم يعينها منهم إلا اثنان، ولو عينوها جميعا أو لم يعينها واحد منهم لجازت شهادتهم في الزنا وحد حد الزنا، وحدت المرأة أيضا إن عينوها جميعا، وإسقاط شهادتهم في الزنا بقذفهم المرأة خلاف المشهور في المذهب من أن شهادة القاذف لا تسقط إلا بعد إقامة الحد عليه، والذي يأتي في هذه المسألة على المشهور في المذهب من أن شهادة القاذف لا تسقط إلا بعد إقامة الحد عليه أن تجوز شهادتهم على الرجل في الزنا فيحد بها حد الزنا، وإن كان الاثنان منهم قاذفين للمرأة التي شهدا أنه زنى بها وعرفاها فهربت، وإن أتت فقامت بحدها عليهما حدا لها، وقد مضت شهادتهما قبل في الزنا على الرجل، وما ذهب إليه ابن القاسم في هذه المسألة من أن القاذف تسقط شهادته بالقذف قبل إقامة الحد عليه مثله لأصبغ في نوازله من كتاب الشهادات، ولابن الماجشون وسحنون وهو مذهب الشافعي قال: هو قبل الحد شر منه بعد الحد؛ لأن الحدود كفارات لأهلها فكيف تقبل شهادته في شر حاليه، وخالفه مالك وأكثر أصحابه وأبو حنيفة وأصحابه، وقد حمل بعض أهل النظر قوله: يحد الشهود لأنهم قذفة للمرأة على ظاهره، واعترض المسألة فقال: انظر قوله: يحد الشهود لأنهم قذفة فإن من أصله ألا يحد في القذف للغائب، وهم إذا لم يحدوا كيف يستجرحوا؟ فتدبر ذلك، والمعنى في المسألة إنما هو ما قد ذكرته، وبالله التوفيق.

.مسألة يؤخذ مع المرأة في بيت واحد وهما متهمان:

وسئل عن رجل يؤخذ مع المرأة في بيت واحد وهما متهمان، قال: يضربان ضربا جيدا وجيعا، قيل له: بثيابهما؟ قال: لا؛ بل على حال تضرب الحدود.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، وكذلك قال مالك في الذي يوجد مع قوم يشربون الخمر وهو لا يشرب: إنه يؤدب، وإن قال إني صائم ولا يلتفت إلى قوله.