فصل: مسألة أوصى بعتق عبد له قيمته اثنا عشر دينارا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أوصى بعتق عبد له قيمته اثنا عشر دينارا:

ومن كتاب الرهون:
مسألة قال: وقال ابن القاسم في رجل توفى، وأوصى بعتق عبد له قيمته اثنا عشر دينارا، وأوصى لامرأته باثني عشر دينارا دينا له عليها، ولا مال له غير ذلك، وامرأته معدمة، وترك ابنه وامرأته. قال ابن القاسم: يعتق من العبد ثلثه قبل كل شيء؛ لأن العتق يبدأ على ما كان معه من الوصايا، ويبقى ثلثاه، وهي ثمانية أسهم، فللمرأة من ذلك الثمن وهو واحد، فيؤخذ هذا الواحد منها فيما عليها من الدين، فيعتق من العبد أيضا ثلث هذا السهم، ويبقى ثلثا السهم ميراثا بين المرأة والابن، فللمرأة من ذلك الثمن، ثمن ثلثي ذلك السهم، وللابن ما بقي، ويؤخذ أيضا من المرأة ثمن ثلثي السهم الذي صار لها من ثمنها فيما عليها من الدين، فيتحاصون فيه، العبد والوارث بقدر حقوقهما التي بقيت لهما على المرأة، وينقطع حق المرأة منه هاهنا؛ لأنها قد أخذت ثمنها مرة، وإنما هذا شيء أخذ منها فيما عليها من الدين.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة دقيقة، من أجل أن الدين الذي على المرأة لها منه ثمنه بالميراث، وما يجب لها من ثلثي العبد إذا أعتق ثلثه، وهو ثمنه نصف سدس جميعه على ما ذكر من أن قيمته اثني عشر، تؤخذ منها في الدين، فيعتق ثلثه، ويكون لها من ثلثه الثمن بالميراث، فيؤخذ منها ذلك الثمن، فيكون بين العبد والابن على قدر ما بقي لهما من حقوقهما على المرأة، والذي بقي للعبد على المرأة من حقه ثلث وسبعة أثمان، وثلثا ثمن.
والذي بقي للابن عليها ستة وثلث ثمن، وذلك أن العبد يقول: وجب لي أن يعتق مني الثلثان بثمانية؛ لأن جملة المال أربعة وعشرون، ولم يعتق مني السدسان، وربع السدس بأربعة، وثلث الثمن، فيبقى لي من حقي ثلثه وسبعة أثمان وثلثا ثمن، والابن يقول: وجب لي أربعة عشر؛ لأن جميع المال أربعة وعشرون، يعتق منه ثلثا العبد بثمانية، يبقى ستة عشر، يجب للزوجة منها اثنان، ولي أربعة عشر، يبدأ منها فيما بقي لي من العبد سبعة، وسبعة أثمان وثلث ثمن، فيبقى لي من حقي ستة وثلث ثمن، فعلى هذه التجربة يقتسم العبد والابن ذلك الثمن، فما ناب العبد منه عتق زائدا إلى ما كان أعتق منه، وما ناب الابن منه بقي له رقيقا، وكذلك يقتسمان على هذه التجربة، كلما أفادت المرأة من مال، فما ناب العبد من ذلك عتق منه على الابن بقدره، حتى يستوفيا حقوقهما، فيكون قد عتق من العبد ثلثاه، وبقي للابن ثلثه، وصار إليه مما على الزوجة عشرة دنانير، وبقي لها مما عليها ديناران، وهما الواجبان لها، وإنما قال: إنه يعتق من العبد ثلثه معجلا، من أجل أن المرأة عديمة لا يرجى لها مال، ولو كان يرجى لها مال؛ لوجب أن يوقف، ولا يعجل عتق شيء منه حتى يستوفى الدين منها، فيعتق منه ثلث الجميع على ما قاله في المدونة في الذي يوصي بعتق عبد، وله مال حاضر، ومال غائب: إنه يوقف، ولا يعتق منه شيء حتى يستوفى المال الغائب، إلا أن يطول الأمر، فيدخل في ذلك ضرر على الموصي والموصى له، وعلى ما يأتي أيضا في رسم الجواب بعد هذا، وفي العشرة لابن القاسم وأشهب، يرى أنه يعتق منه كما حمل المال الحاضر معجلا، ولا ينتظر المال الغائب، وإن قرب أمره، فكلما حضر منه شيء زيد في عتقه بقدر ثلثه. والقول بالتوفيق حتى يجتمع المال أقيس؛ لأنه إذا أعتق ثلثه ومبلغ ثلث المال الحاضر، فقد أخذ أكثر من ثلثه؛ لأنه أخذ ثلث المال الحاضر، وصار باقي العبد موقفا على الورثة، وبالله التوفيق.

.مسألة توفي وأوصى لرجل بخمسين دينارا له عليه وترك مالا ناضا والثلث ثلاثون:

قال ابن القاسم في رجل توفي وأوصى لرجل بخمسين دينارا له عليه، وترك مالا ناضا، والثلث ثلاثون، فقال الورثة: نحن نقطع له بالثلث فيما عليه من الدين. قال ابن القاسم: ذلك لهم، إلا أن يكون على الموصى له دين، فإن كان عليه دين، خير الورثة بين أن يجيزوا ما أوصى له به، فإن فعلوا فليس للموصى له إلا ذلك، وإن أبوا قطعوا له بالثلث، مما عليه، وثلث الناض؛ لأن الغرماء يدخلون فيه يحاصونه، ويدخل معهم الورثة فيما بقي لهم عليه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة: إن للورثة أن يعطوا للموصى له بالخمسين، التي عليه بالثلاثين، التي عن الثلث، إلا أن يكون عليه دين، ظاهره وإن كان معدما بالخمسين إذا لم يكن عليه دين، وذلك معارض لقوله في أول مسألة من الرسم في الذي أوصى لرجل باثني عشر دينارا له عليه، وهو معدم: إنه يحاص بقيمته لا بعدده، وعلى خلاف أصله فيها؛ لأنه حكم فيها للدين على المعدم، بحكم العرض، فالذي يأتي على قياس قوله هذا في هذه المسألة أن يكون الورثة بالخيار، بين أن يجيزوا له الوصية بالخمسين ويقطعوا له بالثلث.

.مسألة أوصى بعتق غلام لولد له صغار:

وعن رجل أوصى بعتق غلام لولد له صغار؛ أنه إن كان له مال جاز عتقه عنه بالقيمة في ثلثه، وأعطى ولده القيمة، فإن لم يكن له مال، لم يجز عتقه. قال ابن القاسم: وإنه إن سمى له ثمنا يشتري به من ولده، لم يجز من ذلك إلا القيمة أيضا، ولم يكن ينظر إلى ما سمى.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم الكبش من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات؛ أن الوالد إذا أوصى بعتاقة عبد ابنه الصغير، أو بتل عتقه؛ جاز ذلك على الابن، إذا كان للأب مال، وأعطى الولد قيمة عبده، ولا أحفظه في هذا اختلافا من قول ابن القاسم؛ لأن الوصية بعتق عبد ابنه الصغير كعتقه سواء، إن حمله الثلث جاز، وكانت له قيمته في مال الأب، وكذلك ما حمل الثلث منه، وإن لم يحمل جميعه.
وقوله: إنه إن سمى له ثمنا يشترى له به من ولده، لم يجز من ذلك إلا القيمة أيضا صحيح بين؛ لأنه إذا سمى أكثر من قيمته كان الزائد على قيمته وصية له، والوصية للوارث لا تجوز، وإن سمى أقل من قيمته، لم يكن ذلك له؛ إذ ليس للأب أن يأخذ مال ابنه الصغير. وقد مضى في رسم استأذن، من سماع عيسى، من كتاب الصدقات والهبات حكم صنيع الأب في مال ابنه الصغير من عتق أو هبة أو صدقة أو تزويج مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة تحضره الوفاة فيقول خذ من عبدي فلانا مائة دينار ثم هو حر:

وعن الرجل تحضره الوفاة فيقول للرجل: خذ من عبدي فلانا مائة دينار، ثم هو حر، أتنجم عليه؟ قال: لا أرى أن تنجم عليه، ولكن تؤخذ منه جميعا، إلا أن يكون أمر أن تنجم عليه.
قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إذا قال خذوا من عبدي كذا وكذا وهو حر؛ أنها لا تنجم عليه، وفي العتق الثاني من المدونة إذا قال لأمته: أدي إلى ورثتي ألف دينار وأنت حرة؛ أنها تنجم عليها، كما تنجم الكتابة، فقيل: إن ذلك اختلاف من القول، وقيل: إنه فرق بين اللفظين وهو الأولى من التأويلين، وإنما ينفذ ذلك من وصيته إذا حمل العبد الثلث، فإن لم يحمله الثلث، فالورثة مخيرون، بين أن يجيزوا له الوصية، أو يعتقوا منه ما حمل الثلث بتلا، ويقر ماله بيده، ولم يتكلم في الرواية هل يلزم العبد ذلك ويجبر عليه إن أباه أم لا؟ ويتخرج ذلك على الاختلاف في هل للسيد أن يجبر عبده على الكتابة أم لا؟ والقولان قائمان من المدونة ولو أوصى أن يؤخذ مال عبده ويعتق، لزمه ذلك إن حمله الثلث دون ماله، وبالله التوفيق.

.مسألة قال أعتقوا عبدي في ثلثي أو ما حمل الثلث منهما:

ومن كتاب أوله يدير ماله:
قال: ومن قال: أعتقوا عبدي في ثلثي، أو ما حمل الثلث منهما، فذلك كله سواء، يسهم بينهما، فيبدأ من خرج سهمه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه إذا أوصى بعتق عبده، فلا فرق بين أن يقول أو ما حمل الثلث منهما، أو يسكت عن ذلك؛ لأنه المعلوم من قصده وإرادته؛ إذ ليس له سواه لو قال: أعتقوهما، حملهما الثلث، أو لم يحملهما لم ينفذ له ذلك له على الورثة، إلا أن يشاءوا، فإذا لم حملهما الثلث، فإنه يعتق منهما ما حمله الثلث بالقرعة، كان أحدهما كاملا أو أحدهما وبعض الآخر، أو بعض أحدهما.
وابن كنانة يقول: إنما يسهم بينهما إذا لم يقل: أو ما حمل الثلث منهما، وأما إذا قال: أعتقوهما في ثلثي أو ما حمل الثلث منهما، فقد أراد بقوله: أو ما حمل الثلث منهما لا يحيطهما جميعا العتق، فهما يتحاصان في ثلث ماله. ولقوله وجه. وقول ابن القاسم أظهر.

.مسألة رجل يموت عن الزرع حين ينبت وقد أوصى بوصايا:

ومن كتاب الجواب:
وسألته عن رجل يموت عن الزرع حين ينبت، وقد أوصى بوصايا، وضاق الثلث عنها، هل لأهل الوصايا في الزرع شيء؟ وكيف إن كان لهم في الزرع شيء؟ هل يوقف الرقيق إلى استحصاد الزرع؟ قال ابن القاسم: نعم، وصاياهم في الزرع، وفي كل ما ترك الميت من ثمرة صغيرة أو زرع صغير، فإن كانت الوصايا، إنما هي وصايا مال لم يوقف الرقيق ويبعث، وكان لأهل الوصايا ثلث ما نص، واستوفي بالزرع حتى يصلح، فيباع، فيكون لهم ثلثه، وإن كان في الوصايا عتق، أو أوصى ببعض الرقيق لأحد لم يبع الدين أوصى فيهم، ووفقوا حتى يحل بيع الزرع، فيباع، ولم يقسم شيء من المال، لا ثلث ولا غيره، حتى يستحصد الزرع فيباع، إلا أن يخير الورثة الوصايا بذلك، فيقتسمون بقية المال، ويوقفون الزرع حتى يحل بيعه فيبيعونه، وإن أوصى بعتق الرقيق كلهم لم يعتق منهم أحد حتى يحل بيع الزرع ويباع ويعتق منهم ما حمل الثلث، ويرق ما بقي فيباع. وفي سماع أصبغ، من كتاب الوصايا، عن ابن القاسم مثله. وقاله أصبغ، إلا أن يطول أمر الزرع، ويكون ذلك في أول بذره، وازدراعه، ويتأخر حصاده وبلوغه الأشهر الكثيرة، وفي ذلك عطب الحيوان، والضرر على العبيد، فأرى أن يترك الزرع كالمال الغائب الذي لا يجمع بفور ذلك، فأرى أن يعتق منه ما حمل الثلث معجلا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الوصايا في الزرع في كل ما ترك الميت من ثمرة صغيرة أو زرع صغير، وإن الوصايا إن كانت وصايا ما لم يوقف الرقيق وبيعت، وكان لأهل الوصايا ثلث ما نص، واستوفي بالزرع حتى يصلح فيباع، فيكون لهم ثلثه، بين لا إشكال فيه.
وأما قوله: وإن كان في الوصايا عتق، وأوصى ببعض الرقيق لأحد، لم يبع الذين أوصى فيهم، ووقفوا حتى يحل بيع الزرع فيباع؛ فمعناه في الذي أوصى ببعض الرقيق لأحد، إذا دعاه الذي أوصى له بهم إلى توقيفهم حتى يصلح الزرع فيباع.
وأما إن دعا إلى بيعهم، وأخذ ما حمل ثلث المال الحاضر منهم، فلا اختلاف في أن ذلك له، بخلاف الوصية بعتق الرقيق، فقال في هذه الرواية: إنهم يوقفون حتى يحل بيع الزرع، ولا اختلاف في ذلك عندي، وإن دعا العبيد إلى أن يعتق منهم ما حمل الحاضر، ويوقف الباقي إلى أن يحضر، ورضي بذلك الورثة من أجل الغرر في تكرير القرعة فيهم مرة بعد أخرى، وإن كان عبدا واحدا، فمذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه يوقف ولا يعتق منه شيء حتى يحضر المال الغائب، قال ابن القاسم: وإن دعا العبد إلى أن يعتق منه ما حمل الثلث منه من المال الحاضر مخافة أن يتلف، فإن جاء المال الغائب استتم عتقه فيه، أو زيد في عتقه بمقدار ما بلغ ثلثه، لم يكن ذلك له، يريد: إلا برضا الورثة؛ لأن الميت يكون إذا فعل ذلك، قد أخذ أكثر من ثلث المال الحاضر؛ لأنه يعتق ثلثه فيه، ويوقف باقيه، وأشهب يرى أن يعتق منه مبلغ الحاضر، يوقف باقي العبد، فكلما حضر شيء من الغائب زيد في عتقه، ولو لم يكن إلا العبد وحده عتق ثلثه ووقف باقيه.
وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الحجة في ذلك للورثة بينة. وقول أصبغ: إلا أن يكون ذلك في أول ازدراع الزرع، فيطول الأمر، ويخاف في ذلك الضرر على العبيد بعطب الحيوان وما أشبه ذلك؛ مفسر لقول ابن القاسم؛ إذ هو نص قوله في المدونة: إلا أن يكون في ذلك ضرر على الموصي والموصى له، ومثله أيضا في التفسير لابن القاسم؛ أنه إن كانت الديون بعيدة الآجال، والمال الغائب في بلد بعيد، لا يصل إلا بعد طول زمان، فإنه يعتق منه ثلث ما فضل، فإذا جاء المال الغائب، أو حل أجل المؤجل فاقتضى، أعتق منه مبلغ ثلث جميع ذلك. وقد وقع في رسم جاع فباع امرأته، من سماع عيسى، من كتاب المدبر؛ أن الدين إذا كان إلى الأجل البعيد؛ العشرة الأعوام ونحوها، أنه يباع بعرض إن كان عينا، أو بعين إن كان عرضا، ويعتق المدبر في ثلثه أو ما حمل الثلث منه، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عز وجل.

.مسألة يعتق عند الموت أو يكون له مدبرون فيموت:

وسألته عن الرجل يعتق عند الموت، أو يكون له مدبرون فيموت، فيقول الورثة: قوموا علينا ما ترك الميت من عقار أو غير ذلك، ولا تبيعوا علينا، ويقول المدبرون وأهل الوصايا: بل نبيع، كأن البيع أزيد لنا في الثلث من القيمة. قال ابن القاسم: ذلك للمدبر وأهل الوصايا يباع لهم إذا طلبوا البيع وسخطوا القيمة، وإن دعا الورثة إلى البيع وكرهوا القيمة، فذلك لهم الذي لا شك فيه، ولا كلام فيمن دعا إلى البيع فهو أولى، أصحاب الثلث كانوا أو الورثة.
وأما الورثة فيما بينهم إذا ورثوا ميراثا، ثم طلب بعضهم البيع، وكره بعضهم، فإنهم إن كان فيما ورثوا ما ينقسم، قسم بينهم، وما كان مما لا ينقسم، بيع لمن طلب ذلك منهم، إلا أن يقاومه صاحبه، أو يأخذه بما يعطى به بمنزلة الشريك بالاشتراء سواء، ومن كتاب الوصايا من رواية أصبغ مثله عن ابن القاسم، وقاله أصبغ في التقويم يأباه المدبر وأهل الوصايا. قال: لا أرى ذلك، إذا أقاموا ذلك قيمة عدل على قيمة الاشتراء والبيع، فهو إنصاف، وليس على الموصي أن تبيع لهم الأسواق، ولا على الورثة الزيادة الخاصة، وأنهم يعرضون عرضا لا ينفذ ولا يتمم، فالقيمة في جميع ذلك عدل لهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم الوصايا، من سماع أشهب، وبينا أنه يتحصل فيها خمسة أقوال، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون له مدبرون ويعتق عند الموت:

وسألته عن الرجل يكون له مدبرون، ويعتق عند الموت، ويقول في جنان له، أو في شيء من ماله لورثته: امضوا هذا لابني فلان، أو لابنتي فلانة، وهما وارثان فيفعلون، والثلث يضيق عن العتق والوصايا، من أين يكون الجنان، والذي سمى للوارث، أمن سهام الذين أمضوا أم من رأس المال أم من الثلث؟ قال ابن القاسم: إن كانت الجنان، والذي سمى شيء زعم أنه لابنه عنده أو في يديه، أو دينا لهما عليه بدى به، وخرج من رأس المال، ثم كانت الوصايا في ثلث ما بقي بعده، ثم رد ذلك، بين الورثة جميعا ميراثا للتهمة في الوصية لوارث، إلا أن يجيزه له الورثة، أو يكونوا صغارا أو سفهاء غير جائزي الأمر، أو مثل الزوجات والبنات، ومن هو تحت يده وفي ولايته، فإن ذلك لا يجوز، وإن كانوا كبارا مالكين أنفسهم، فأجازوه في حياة الميت، فلا مرجوع لهم فيه إذا كانوا مالكين لأنفسهم باثنين عنه، والدين إذا أقر به في مرضه، فهو من رأس المال قبل كل شيء، كان لوارث أو لغير وارث؛ لأنه إنما أراد أن تكون الوصايا في ثلث ما بعده، وإن كان إنما هي وصية أوصى له بها في مسألتك، فهو من الثلث، والعتق مبدأ عليه وعلى غيره من الوصايا، ثم يتحاص هو وأهل الوصايا في بقية الثلث بعد العتق، فإن كان الورثة قد أجازوا ذلك كله، وأمضوه في حياة الموصي، كان عليهم تمامه من مواريثهم، كما أجازوا، وأسلم له كله إذا كانوا مالكين لأمورهم، ولم يكن الذين أجازوا بحال ما وصفت لك من الزوجات والبنات، ومن هو في ولايته وتحت يده، وإن لم يكونوا أجازوا ذلك له، ولا أمضوه في حياة الموصي ولا بعد ذلك، فما صار للوارث الموصى له في المحاصة من الثلث، فهو مردود عليهم على الفرائض، إلا أن يشاءوا أن يسلموا ذلك له، ومن شاء منهم أجازه، ومن شاء لم يجزه، ورواها أصبغ.
قال محمد بن رشد: سأله عن الذي يكون له مدبرون، ويعتق عند الموت، يريد على سبيل الوصية، ويقول في جنان أو في شيء من ماله لورثته: امضوا هذا لابني، فيفعلون، يريد في حياته، بأن يقولوا له: قد أمضيناه له، بدليل قوله: إنه لا يلزمهم إمضاء ذلك إن كانوا صغارا أو سفهاء، أو مثل الزوجات والبنات اللاتي لم يبن عنه؛ إذ لو أمضوا ذلك له بعد موته، للزمهم إذا كانوا مالكين لأمرهم، وإن كانوا بناته وزوجاته لم يبينوا عنه، فقال: إنه إن كان قال في الجنان وما أشبهه أن يمضوه لابنه على سبيل الإقرار له به؛ أنه حقه، أخرج ذلك من رأس المال، وكانت الوصايا والعتق في ثلث ما بقي بعده، ولم يتكلم على المدبرين، والحكم فيهم إن كانوا مدبرين في الصحة أن يخرجوا من رأس المال قبل الجنان الذي أوصى به في مرضه على سبيل الإقرار له به أنه حقه؛ إذ ليس له أن يرجع على المدبر، وكذلك روى عن ابن القاسم فيمن مرض، وله مدبر في الصحة، فقال في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي فلانا في صحتي لعبد له آخر؛ أنه يعتق المدبر في ثمن العبد وغيره، ولا يضر المدبر ما ذكر من عتق العبد في الصحة قال: وليس المدبر هنا بمنزلة الوصايا التي تكون في ثلث ما بقي بعد الغلام؛ لأنه يتهم على المدبر في انتقاصه، فلا يقبل قوله.
فكذلك، كل من يقدر يرجع فيه فهو مثل المدبر.
قال محمد بن رشد: والذي هو مثل المدبر في الصحة؛ أنه لا يجوز له أن يرجع فيه المدبر في المرض باتفاق، والمبتل في المرض على اختلاف؛ إذ قد نص في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس؛ أن للرجل أن يرجع في مرضه عما حبسه في مرضه، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك.
وقوله في الرواية: وإن كان إنما هي وصية أوصى له بها في مسألتك إلى آخر قوله، إشارة منه إلى قوله في الجنان وما أشبهه من ماله أمضوه لابني؛ أنه إن كان قال ذلك على سبيل الوصية، كان الحكم فيه ما ذكره من أنه يتحاص هو وأهل الوصايا في بقية الثلث بعد العتق، وأما قوله: فإن كان الورثة قد أجازوا ذلك كله وأمضوه في حياة الموصي، كان عليهم تمامه من مواريثهم كما أجازوا، وأسلم له كله.
فمعنى ذلك عندي، إذا كان قد أعلمهم بالوصايا، فقال لهم: إني قد أوصيت بكذا وكذا، وأوصيت بالجنان لابني، فأمضوه له، فقالوا له: قد أمضيناه له، وهم على تلك الحال من ملكهم لأمر أنفسهم، والبينونة بها، وأما إن لم يعلمهم بالوصايا، وإنما سألهم أن يمضوا الجنان لابنه على سبيل العطية والوصية، ففعلوا، فليس عليهم ضمان ما انتقصه منه أهل الوصايا؛ لأن ذلك كالاستحقاق لبعض ما أوصى له به، فلا يلزم الورثة ضمانه على ما قاله في كتاب الزكاة الثاني من المدونة، في الذي يوصي بزكاة زرعه، وهو أخضر؛ أن للمصدق أن يأخذ منه الزكاة إن كان فيه ما تجب فيه الزكاة، ولا يكون للمساكين الرجوع على الورثة بما أخذه المصدق؛ لأن ذلك كالاستحقاق لبعض ما أوصى لهم، وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي للرجل بعشرة ولآخر بعشرة ويوصي بعتق عبد له آخر:

ومن كتاب إن أمكنتني:
وسألت ابن القاسم عن الذي يوصي للرجل بعشرة، ولآخر بعشرة، ويوصي بعتق عبد له آخر، أو يوصي بالعبد لرجل، ويوصي لرجل ببقية الثلث، فيموت العبد قبل أن يعرف ثلث الميت، قال: ينظر كم ثلث الميت بقيمة العبد؟ فإن كان ثلثه مثل قيمة العبد، والعشرون وصيه للرجلين هو الثلث، لم تزد ولم تنقص، أخذ الرجلان وصيتهما العشرين، ولم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث شيء، وإن فضل من الثلث شيء بعد قيمة الغلام الهالك، وبعد العشرين، كان للذي أوصى له، ولم يكن ثلثه إلا قيمة العبد سواء رجع صاحبا العشرين إلى ثلث المال الذي بقي بعد قيمة العبد، فأخذا منه وصيتهما إن حملها الثلث، أو ما حمل منها، وكان العبد كشيء لم يكن له في مال، ولم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث شيء، فعلى هذا فقس ما يرد عليك من هذا الوجه، فليس تنظر في قيمة العبد الهالك للذي أوصى له ببقية الثلث، ليعلم بذلك مبلغ وصيته، كأن وصيته إنما كانت بعد العبد، ولو لم يوص ببقية الثلث؛ لكان العبد ملغى من جميع المال، وردت الوصايا في ثلث المال.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى على ما تقدم في رسم أسلم وغيره، فلا اختلاف فيها. وقد قال مالك في كتاب ابن المواز في وجه العمل فيها: أن يأخذ أهل التسمية ما سمي لهم من ثلث ما بقي بعد العبد، كأنه لم يكن، ثم يحيي العبد الميت بالذكر، فتضم قيمته إلى ما ترك الميت، ثم يخرج من ثلث الجميع العبد والوصايا، فإن بقي بعد ذلك من الثلث شيء، كان لصاحبه باقي الثلث، وإلا فلا شيء له، وهو صحيح على ما قاله ابن القاسم في الرواية، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى في أمة له أن تباع إن أحبت البيع:

ومن كتاب القطعان:
وسئل ابن القاسم عن رجل أوصى في أمة له أن تباع إن أحبت البيع، أو تعتق إن أحبت العتق، فاختارت البيع، فبيعت ثم ردت، فقالت: أنا أحب أن أعتق الآن. فقال: ليس ذلك لها، وإنما لها أن تعتق ما لم تبع. وقال ابن وهب: ذلك لها ينفذ.
قال أبو زيد: قلت لابن القاسم: فإن أرادت البيع، هل يوضع لمن أحبت أن يشتريها شيء من ثمنها إذا أرادت البيع؟ قال: لا، ولا درهم واحد.
قال محمد بن رشد: قوله: ثم ردت، معناه: ردت بعيب، فجواب ابن القاسم: إن الرد بالعيب ابتداء بيع، وجواب ابن وهب على أنه نقض بيع، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وأشهب، فالمشهور من قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أنه ابتداء بيع، وقد روي عنه أنه نقض بيع، فجوابه في هذه المسألة على المشهور عنه من أنه ابتداء بيع، وقد اختلف في ذلك قول أشهب، فجواب ابن وهب في هذه المسألة على المشهور من قول أشهب، وأحد قولي ابن القاسم، من أنه نقض بيع، ولو بدا لها قبل البيع فاختارت العتق؛ لكان ذلك عندهما جميعا، بدليل هذه الرواية، وهو نص قول ابن القاسم في أول سماع سحنون، وفي أول سماع أصبغ أيضا، وزاد فيه، وأرى ألا يعجل بيعها حتى يردد عليها مرة بعد مرة، فإن أبت بيعت، وإن قبلت بعد أن كرهت، فذلك لها، ما لم يمض فيها حكم بيع أو قسمة بعد أن ردد الأمر عليها ولم تقبل، ورضيت بالبيع فبيعت أو قسمت، وأما قوله في الرواية: إنه لا يوضع لمن أحب أن يشتريها شيء من ثمنها، فهو صحيح لا اختلاف فيه؛ إذ لم يوص أن تباع من رجل بعينه، فيكون ذلك وصية له، ولا ممن أحبت، فتكون وصية لمن أحبت أن تباع منه، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى عند موته فكلم في رجل فقال قد أوصيت له:

وسئل ابن القاسم عن رجل أوصى عند موته، فكلم في رجل، فقال: قد أوصيت له، أو قال: قد كنت أوصيت له كذا وكذا. هل يثبت ذلك له، وإن لم يقل: فأعطوه؟ قال: نعم؛ لأنها وصية.
قال محمد بن رشد: أما إذا قال: قد أوصيت له فبين أنها وصية، وإن لم يقل أعطوه؛ لأنه لو قال ذلك ابتداء من غير أن يكلم فيه؛ لكانت وصية، وإن لم يقل أعطوه؛ لأنه مفهوم من قوله، وإن لم يلفظ به، وأما إذا قال: كنت أوصيت له بكذا وكذا، فإنما رآها وصية له، لما دل عليه من تكليمهم إياه فيه؛ لأن المعنى فيه؛ أني قد كنت أوصيت له قبل أن تكلموني فيه، لاهتمامي بأمره، ولو قال ابتداء: قد كنت أوصيت لفلان بكذا وكذا لما كانت وصية له؛ لأن المفهوم من قوله ذلك ابتداء: قد كنت فعلته، وأنا اليوم لا أفعله، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول اشتروا عبد فلان بستين دينارا فأعتقوه:

ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها:
وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: اشتروا عبد فلان، بستين دينارا، فأعتقوه وأعطوا العبد عشرين دينارا، فلا يريد سيده أن يبعه بأدنى من ثمانين، فيقول العبد: اجعلوا العشرين التي أوصى لي بها سيدي في ثمني، واشتروني وأعتقوني، قال ابن القاسم: لا يعجبني ذلك أن يزاد العشرين؛ لأن سيده لم يرد أن يكون في ثمنه، ولعله إنما أراد أن يكفيه ويعالج بها، ولا يكون عديما يسأل الناس، ولكن لو أن العبد أداها من مال هو بيده، لم أر به بأسا قال: ولو وقع أمضيته، ولم أرده، ولم يكن للعبد حجة يرجع بها.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ماله من أن ذلك لا ينبغي أن يفعل ابتداء للعلة التي ذكرها مما يخشى أن يكون السيد أراده، فإذا وقع ذلك ونفذ العتق، لم يصح أن يرد؛ إذ لا يتحقق إرادة الموصي لذلك تحققا يصرح أن يجعل ذلك كالشرط، ولعل للعبد المال الكثير، أو إنما يعيش من صنعة له يحاولها بيده، ولو لم يقبل العبد العشرين، لوجب أن يرد إلى الورثة، ولم يكن ذلك مما يمنعه العتق، فكذلك إذا رضي أن يجعل في ثمنه، ففعل ذلك، ونفذ العتق له لم يصح رده، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول في وصيته رقيقي أحرار:

وعن الرجل يقول في وصيته: رقيقي أحرار، فيبيعهم ويشتري غيرهم، فيموت، والوصية كما هي، أو يقول: عبدي حر، ولا يسميه وليس له إلا عبد واحد، فيبيعه ويشتري غيره، أو يقول: عبدي النوبي حر، فيبيعه ويشتري نوبيا آخر، أو يقول: عبدي الصقلبي حر، فيبيعه ويشتري صقلبيا آخر، فيموت والوصية على حالها، هل يعتق من مات عنه في هذا كله؟ قال ابن القاسم: أما من قال: رقيقي أحرار فباعهم واشترى غيرهم، فإنهم يعتقون، ومن قال: عبدي النوبي أو الصقلبي، فباع في ذلك كله، واشترى عبدا غيره، أو اشترى عبدا نوبيا أو صقلبيا، لم يعتق منهم أحد، وما يبين ذلك لك في الذي قال رقيقي أحرار؛ أنهم يعتقون إذا باعهم واشترى غيرهم، أنه لو لم يبعهم واشترى غيرهم معهم عتقوا كلهم، وإن الذي قال: عبدي النوبي أو عبدي الصقلبي، أو عبدي ثم اشترى عبدا غير عبده، أو نوبيا أو صقلبيا لم يعتق إلا أولئك الذين أراد، وكذلك إذا باعهم، فإنما العتق فيهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في آخر رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.