فصل: مسألة الذي يطأ أهله في الحج ويكرهها ولا يجد ما يهدي عنها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة طاف قبل الفجر سبعا ففرغ منه بعد الفجر وخاف أن تقام الصلاة:

وسئل: عمن طاف قبل الفجر سبعا ففرغ منه بعد الفجر وخاف أن تقام الصلاة أيبدأ بركعتي الطواف أم ركعتي الفجر؟ قال: يبدأ بركعتي الطواف.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم اغتسل من سماع ابن القاسم.

.مسألة طاف بالبيت فأقيمت صلاة العصر قبل إتمامه طوافه:

وسئل: عمن طاف بالبيت فأقيمت صلاة العصر قبل إتمامه طوافه، فقال: يقطع الطواف ويدخل مع الناس في الصلاة، فإذا قضى صلاته قام فبنى على طوافه حتى يتم سبعا. قيل له: ويؤخر الركعتين حتى المغرب أو يركعهما من ساعته حتى يتم طوافه؟ قال: لا بل يؤخر ركعتي الطواف إلى المغرب ولا يركعهما حين يفرغ من طوافه.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف يدخل مع الإمام في الصلاة ثم يبني على طوافه، هو قول مالك في الموطأ والمدونة، وفي هذا الرسم قبل ذلك، فلا اختلاف أعلمه في ذلك. وقال: إنه يؤخر الركعتين بعد العصر إلى المغرب، فظاهر قوله إنه يبدأ بهما قبل صلاة المغرب، قال في الموطأ: فإن أخرهما حتى صلى المغرب فلا بأس بذلك، وخيره في ذلك في رسم أوله صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك هناك، وهذا أظهر.
تم سماع أشهب، والحمد لله وحده.

.مسألة دخل فحج فطاف وسعى ثم أحصر حتى فاته الحج:

من سماع عيسى بن دينار من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وقال ابن القاسم فيمن دخل فحج فطاف وسعى ثم أحصر حتى فاته الحج، قال: يطوف ويسعى مرة أخرى ولا يخرج إلى الحل.
قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يطوف ويسعى مرة أخرى؛ لأن طوافه الأول وسعيه إنما كان للحج قبل أن يحصر، فلابد له من طواف وسعي ليحل به من إحرامه إذ لا يتحلل منه إلا بعمرة، لقوله عز وجل:
{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، وإنما قال: إنه لا يخرج إلى الحل؛ لأن إحرامه الأول إنما كان من الحل فليس عليه أن يعود إلى الحل مرة أخرى.

.مسألة قالت له ائذن لي أحج معك وأنا أعطيك مهري الذي لي عليك:

وسئل: عن رجل قالت له امرأته وكان صرورة: ائذن لي أن أحج معك وأنا أعطيك مهري الذي لي عليك، فقبل وتركها تحج، قال: يلزمه المهر؛ لأنه كان يلزمه أن يأذن لها أن تحج، وقد بلغني ذلك عن ربيعة.
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر الدمياطي عنه: وذلك إذا لم تعلم أنه كان يلزمه أن يأذن لها. وأما إذا علمت فذلك لازم لها؛ لأنها أعطته مالها طيبة بذلك نفسها. وقوله هذا مفسر لهذه الرواية لأنها إذا علمت أنه يلزمه الإذن لها فإنها أعطته مالها على أن يأذن لها طيب النفس راضيا بذلك غير معاتب لها على ذلك. وقد قال في الحج الثالث من المدونة: إنها إذا أحرمت بغير إذن زوجها وهي صرورة فحللها زوجها من حجتها ثم أذن لها فحجت أجزأها ذلك عن حجة الفريضة وعن التي حللها منها زوجها، فإن ذلك على أنه لا يلزمه أن يأذن لها، إذ لو لزمه ذلك لما كان له أن يحللها، إلا أن معنى ذلك عندهم إذا أحرمت دون الميقات أو قبل أشهر الحج، فعلى هذا لو أعطته مهرها على أن يأذن لها في الخروج إلى الحج قبل أشهر الحج، أي قبل وقت خروج الحاج من هذا البلد للزمها ذلك، ولم يكن لها أن ترجع فيه، إذ لا يلزمه الإذن لها بالخروج في ذلك الوقت. ولو أعطته مهرها على أن يحجها لم يجز له لأنه فسخ دين في دين. قاله ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال، وفي سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات ما يعارض ذلك، فقف عليه وتدبره، وبالله التوفيق.

.مسألة يأتي عرفة وقد طلع الفجر من يوم النحر:

ومن كتاب أوله استأذن سيده:
وسئل ابن القاسم: عن الذي يأتي عرفة وقد طلع الفجر من يوم النحر، قال: يرجع على إحرامه إلى مكة وينوي بها عمرة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر ويحل ويرجع إلى بلاده ويحج قابلا ويهدي.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه. والأصل في ذلك ما ذكره الله عز وجل في كتابه من حكم المحصر في الحج، وما أمر به عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود، إذ قدما عليه يوم النحر بمنى، وقد فاتهما الوقوف بعرفة بإضلال أبي أيوب راحلته، وإخطاء هبار بن الأسود العدد، على ما وقع من ذلك في الموطأ.

.مسألة امرأة نصرانية بعثت بدينار إلى الكعبة:

وسأله ابن أبي حسان: عن امرأة نصرانية بعثت بدينار إلى الكعبة، هل يجعل في الكعبة؟ قال: بل يرد إليها. قال ابن أبي حسان: كذلك حدثني معن بن عيسى عن مالك أنه قاله.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح؛ لأنه ينبغي أن تنزه الكعبة وأهلها المسلمون عن أن ينفق فيها مال نصرانية إنما قصدت أن تنسب إليهم ما يغض منهم من الاستعانة بمالها فيما يلزمهم القيام به من أمر قبلتهم التي يأتمون بها ويحجون إليها، فلا تنعم بذلك عينا، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يقف بعرفة ثم يمضي على وجهه إلى بلاده أيرجع متجردا:

ومن كتاب العرية:
قال: وسألت: عن الرجل يقف بعرفة ثم يمضي على وجهه إلى بلاده، أيرجع متجردا أم يلبس الثياب؟ قال: بل يلبس الثياب، وكذلك يرجع؛ لأنه قد فاته الرمي. قلت: فكم من دم عليه إذا رجع؟ قال: لا أرى عليه إلا دما واحدا بدنة أو بقرة.
قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه لا يرجع متجردا وعليه الثياب؛ لأن رمي الجمرة من سنن الحج ومشاعره، وليست من فرائضه على المشهور في المذهب. فإذا ترك الجمرة حتى خرج وقت رميها جبر ذلك بالدم، وكان في حكم من رمى فحل له لبس الثياب والطيب، لقول عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يطوف بالبيت، يريد: والصيد. وقد روى الواقدي عن مالك فيمن ترك رمي جمرة العقبة حتى صدر من منى: إن كان قد رمى غيرها من الجمار في أيام منى- أن عليه حج قابل؛ لحديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: من رمى الجمرة فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب. وإنما قال: إنه يجزيه دم واحد لكل ما ترك من الوقوف بالمشعر الحرام والرمي بمنى والمبيت بها قياسا على من فاته الحج أنه يهدي هديا واحدا إذا أحل بعمرة لما فاته من الحج، وهو قد فاته عمل الحج كله، فأجزأ عنه هدي واحد. وقال أشهب: عليه ثلاث هدايا: هدي لترك مزدلفة، وهدي لترك رمي الجمار، وهدي لترك المبيت بمنى ليالي منى، وهو أقيس، والله أعلم بالصواب وبه التوفيق.

.مسألة دفع من عرفة بعدما غابت الشمس فمضى إلى بلاده كما هو:

ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
قال فيمن دفع من عرفة بعدما غابت الشمس فمضى إلى بلاده كما هو، قال: عليه أن يرجع حتى يفيض، وعليه هدي بدنة تجزيه من جميع الأشياء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، وقد مضى القول على هذا في المسألة التي في الرسم الذي قبل هذا. فلا وجه لإعادته هنا.

.مسألة تمتع فأفسد حجه:

وسئل عمن تمتع فأفسد حجه ذلك، قال: عليه هديان: هدي التمتع يهديه في عامه هذا، وهدي لما أفسد من حجه يهديه قابلا من البدن.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن إفساد الحج بالوطء لا يسقط عنه هدي التمتع، كما لا يسقط عنه هدي القران إن كان قارنا. واختلف إذا تمتع ثم فاته الحج، فقيل: إنه يسقط عنه دم المتعة، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه لا يسقط عنه ويكون عليه هديان مع القضاء. قال في كتاب ابن المواز: وهذا على الاختلاف في سقوط هدي القران عمن قرن، ففاته الحج، وفي سقوط هدي الفساد عمن جامع ثم فاته الحج، وقد مضى ذلك في رسم مرض وله أم ولد فحاضت من سماع ابن القاسم.

.مسألة يحرم ما بين لبتي المدينة:

قال: وأخذ مالك بالحديث يحرم ما بين لابتيها حرام، يعني لابتي المدينة. ولا يرى فيه جزاء ويراه ذنبا من الذنوب.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع أشهب فأغنى عن إعادته.

.مسألة الذي يطأ أهله في الحج ولا يجد هديا:

وقال مالك في الذي يطأ أهله في الحج ولا يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن المفسد لحجه إذا لم يجد هديا يصوم الثلاثة الأيام في الحج قياسا على المتمتع؛ لقول الله عز وجل فيه: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف في رسم حلف ليدفعن أمرا الأول من سماع ابن القاسم.

.مسألة الذي يطأ أهله في الحج ويكرهها ولا يجد ما يهدي عنها:

وقال ابن القاسم في الذي يطأ أهله في الحج ويكرهها ولا يجد ما يهدي عنها. قال: ليس عليها صيام ولا حج وإن كانت موسرة، وإنما ذلك على من أكرهها.
قال محمد بن رشد: أما قوله ليس عليها صيام فبين؛ لأن على من أكرهها أن يهدي عنها، إلا أن تشاء أن تصوم إذا لم يكن لها ولا لمن أكرهها مال، فيكون ذلك لها. ولو كان لها مال لكان لها أن تهدى عن نفسها وتتبع زوجها الذي أكرهها بالأقل مما اشترت به الهدي أو الأقل من قيمته. وأما قوله: إنه ليس عليها حج وإن كانت موسرة فإنما معنى ذلك إن كانت الحجة التي أكرهها فيها على الوطء تطوعا. وأما إن كانت فريضة ولم يكن له مال ولها هي مال فيلزمها أن تحج الفريضة بمالها إذ لا تجزيها الحجة التي أكرهت فيها على الوطء؛ لأن الحج يفسده الوطء على كل حال، ولا تعذر المرأة في ذلك بالإكراه كما لا تعذر بالنسيان والجهل، وتتبعه بما أنفقت على نفسها في حجها.

.مسألة من يجد سبيلا إلى الحج:

وقال مالك: إذا كان الرجل ممن يقوى على المشي وإن كان لا يجد ما يتكارى به فهو ممن يجد سبيلا إلى الحج فليحج.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في أول رسم أشهب، ومثله في كتاب ابن المواز، قال أصبغ: إذا وجد زادا، وليس النساء في المشي على ذلك وإن قوين؛ لأنهن عورة في مشيهن إلا المكان القريب مثل مكة وما قرب، وقد مضى القول على هذه المسألة في سماع أشهب مجودا فأغنى عن إعادته هنا.

.مسألة أوصى لرجل بعشرين دينارا يحج بها عنه وعشرين دينارا لرجل آخر وصية:

ومن كتاب أوله سلف دينار في ثوب إلى أجل:
وسئل: عن رجل أوصى لرجل بعشرين دينارا يحج بها عنه، وعشرين دينارا لرجل آخر وصية، قال: إن كان الحج عن الميت وكان صرورة بدئ بها على العشرين، وإن كان ليس بصرورة وأوصى بذلك لرجل أجنبي يحج بها عن نفسه فكان الثلث عشرين دينارا، قال: يتحاصان. قيل له: فإن لم يكن فيما صار للحج في المحاصة ما يحمله للحج ولم يأخذها، قال: يعطاها غيره ممن يحج بها عنه من أهل المدينة، فإن لم يجد فمكة. قلت: فإن لم يكن ذلك إلا الشيء اليسير الدينار وما أشبهه، قال: يرد إلى الورثة، قلت: فالأجنبي، قال: إن أحب الحج أعطيه ويتقوى بذلك في نفقته، وإن لم يرد الحج رد إلى الورثة.
قال محمد بن رشد: بدأ في هذه الرواية الوصية بحج الفريضة على الوصية بالمال، وقال في المدونة إنهما يتحاصان، والصحيح على مذهب مالك أن الوصية بالمال تُبَدَّأُ على الوصية بحجة الفريضة؛ لأنه لا يرى أن يحج أحد عن أحد، فلا قربة في ذلك عنده على أصل قوله، إلا أن الوصية به تنفذ مراعاة للاختلاف، ووجه تبدئة الوصية بالحج على الوصية بالمال أن الموصي لما أوصى بحجة الإسلام وبمال فكأنه أوصى بتبدئة الحج على المال، ووجه قوله في المدونة أنهما يتحاصان: أنه لما رأى تنفيذ الوصية بحجة الإسلام مراعاة للاختلاف جعلها وصية بمال، فوجب أن يحاص بها مع الوصية بالمال، وأما إذا أوصى أن يحج عنه تطوعا وأوصى بمال فقال في هذه الرواية إنهما يتحاصان، وفي المدنية: أن الوصية بالمال تُبَدَّأُ، ففي هذه المسألة قولان، وفي الأولى ثلاثة أقوال على ما ذكرناه. وظاهر قوله إن الموصى له بعشرين يأخذ العشرين كلها أو ما صار له منها بالمحاصة، وليس للورثة أن يكتموه الوصية ويستأجروه بأقل منها، وقيل ذلك لهم. والقولان قائمان من كتاب الحج الثالث من المدونة. وأما قوله إن لم يكن فيما صار للحج في المحاصة ما يحج بها عنه من بلده حج بها عنه من حيث يوجد، فسيأتي الاختلاف في ذلك في رسم الجواب.

.مسألة أفسد حجه بإصابة أهله فحج قابلا فأفسد حجه أيضا بإصابة أهله:

وقال ابن القاسم فيمن أفسد حجه بإصابة أهله فحج قابلا فأفسد حجه أيضا بإصابة أهله: فأرى عليه حجتين، قال مالك: والصيام كذلك إذا أفطر يوما من قضاء رمضان فقضاه فأفطر في قضائه فعليه يومان. قال ابن القاسم: فالحج مثله عندي. وقد قيل: ليس عليه إلا قضاء يوم واحد.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا أفطر يوما من صيامه في قضاء رمضان فقضاه فأفطر في قضائه فعليه يومان، يريد مع يوم رمضان الذي أفطره، وسكت عنه للعلم بوجوبه عليه، وتكلم على ما يختلف فيه من فطره في قضاء رمضان وفي قضاء قضائه. يبين ذلك تنظيره إياه بالحج؛ لأنه أوجب عليه في الحج إذا أفسده فقضاه فأفسد القضاء أن عليه حجتين، فلو أفسد قضاء القضاء أيضا لكان عليه ثلاث حجات كالصيام سواء. وقوله: وقد قيل ليس عليه إلا قضاء يوم واحد يريد اليوم الذي أفطره من رمضان، وليس عليه على هذا القول شيء لفطره في القضاء ولا في قضاء القضاء، وهو قول ابن القاسم في الحج الأول من المدونة. والاختلاف في هذه المسألة جار على اختلاف قول ابن القاسم وأشهب في كتاب الصيام من المدونة في الذي يصبح صائما في قضاء رمضان من رمضان فتذكر في بعض النهار أنه كان قد قضاه وأنه لا شيء عليه، هل يلزمه إتمام صوم ذلك اليوم أم لا يلزمه ويجوز له فطره؟ ولم يختلف قول ابن القاسم في مسألة الحج كما اختلف في مسألة الصيام، وعبد الملك بن الماجشون يقول: إنه ليس عليه إلا حجة واحدة، وهو قول ابن وهب في سماع سحنون من كتاب الصيام. وقد زدنا هذه المسألة بيانا في سماع يحيى وسحنون من كتاب الصيام، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هنالك وبالله التوفيق، والحمد لله على نعمه.

.مسألة المحرم يقتل الظبي الداجن:

ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته:
قال: وسألت ابن القاسم عن المحرم يقتل الظبي الداجن، قال مالك: عليه قيمته لصاحبه، وعليه الجزاء سوى القيمة. قلت: فإن كسر رجله؟ قال: إن برئ وانجبر فلا جزاء عليه، وعليه ما نقصه الكسر إن نقصه.
قال محمد بن رشد: قوله: وعليه ما نقصه الكسر إن نقصه- هو مثل ما في كتاب ابن المواز: لا شيء على المحرم يجرح الصيد إذا برئ على غير نقص، خلاف ظاهر ما في كتاب الحج من المدونة: أنه لا شيء فيه إذا سلم من الجرح. والذي يوجبه النظر أنه لا شيء فيه، وإن برئ على عتل ونقص، إلا أن يكون النقص مما يسهل اصطياده على من أراد صيده فيكون عليه جزاؤه كاملا. كما يكون على من طرد صيدا من الحرم إلى الحل لأنه عرضه بذلك للاصطياد.

.مسألة اشترى من رجل صيدا والبائع بالخيار ثلاثة أيام ثم أحرما جميعا:

ومن كتاب النسمة:
وقال في رجل اشترى من رجل صيدا والبائع بالخيار ثلاثة أيام، ثم أحرما جميعا من يومهما، قال ابن القاسم: يوقف الذي له الخيار من ساعته، فإن لم يختر فهو منه ويسرحه، وإن اختار البيع فهو من المشتري ويسرحه. قيل له: فإن سرحه المشتري حين أحرم قبل أن يوقف الآخر على الخيار، قال: يكون عليه قيمته.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه باع منه الصيد فدفعه إليه فأحرما جميعا وهو في يد المشتري. ولذلك قال: إن البائع الذي له الخيار يوقف، فإن لم يختر فهو منه ويسرحه، يريد إن قبضه من المشتري لما استرده وصار في يده وقفصه. وأما إن استرده وبعث به من عند المشتري إلى بيته ولم يصر بيده ولا في قفصه فليس عليه أن يسرحه، وإن اختار البيع فهو من المشتري ويسرحه لكونه في يده. وإن سرحه المشتري ضمن قيمته إذ لم يجب له بعد، ولو باعه منه فلم يدفعه إليه حتى أحرما جميعا وهو بيد البائع لوجب عليه أن يسرحه ولم يجز له أن يمضيه للمشتري. ولو كان في بيت البائع ليس في يده فباعه ثم أحرما جميعا لم يكن على البائع أن يرسله إن رده، ولا على المشتري إن أمضاه له إذا لم يقبضه وبعث به من عند البائع إلى بيته، وبالله التوفيق.

.مسألة سنة رمي الجمار في أيام منى ويوم النحر:

ومن كتاب الرهون:
وسئل: عن سنة رمي الجمار في أيام منى ويوم النحر. قال: أما يوم النحر فمن حين تطلع الشمس إلى زوال الشمس، فإذا زالت فقد فات الوقت إلا لعليل أو لناس، فإن رمى بعد الزوال فلا شيء عليه، ولكن الصواب وموضع الرمي في ذلك اليوم في صدر النهار. وأما أيام منى فمن حين تزول الشمس إلى أن تصفر، فإذا اصفرت فقد فات وقتها إلا لعليل أو لِنَاسٍ.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن سنة رمي جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الشمس إلى زوالها، وكذلك فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه بات بالمزدلفة وصلى الصبح يوم النحر بها بالمشعر الحرام، ثم وقف به إلى قرب طلوع الشمس، ثم دفع إلى منى فرمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس. فمن رماها قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر أو بعد زوال الشمس قبل غروبها فقد أساء ولا شيء عليه، ومن رماها قبل طلوع الفجر لم يجزه الرمي، ومن لم يرمها حتى غابت الشمس فقد فاته الرمي ووجب عليه الهدي. هذا مما لا اختلاف فيه في المذهب، وذهب الشافعي إلى أنه من رماها قبل الفجر بعد نصف الليل أجزأه الرمي، وذهب أبو حنيفة إلى أن من رماها قبل طلوع الشمس لم يجزه الرمي. وقد ذكرنا في رسم حلف بطلاق امرأته الثاني من سماع ابن القاسم ما تعلق به كل واحد منهما، وأن سنة رمي الجمار الثلاث في كل يوم من أيام منى من بعد الزوال إلى اصفرار الشمس، فإن لم يرمها حتى غربت رماها بعد الغروب ما بينه وبين أن تنقضي أيام منى وعليه الدم، وقيل: لا دم عليه، وإن لم يرمها حتى انقضت أيام منى فقد فاته الرمي ووجب عليه الدم.

.مسألة الرجل يوصي بستين دينارا يحج بها عنه فلا يجدون من يحج بها عنه:

ومن كتاب الجواب:
وسئل: عن الرجل يوصي بستين دينارا يحج بها عنه فلا يجدون من يحج بها عنه من الأندلس لقلتها، أيبعث بها إلى إفريقية أو مصر فيكرى بها من يحج بها من ثم، والموصي إنما أوصى من الأندلس وبها مات؟ وهل يختلف عندك إن قال: حجوا بها عني من الأندلس، أو قال: حجوا بها عني ولم يقل من الأندلس إلا أنه من أهلها وبها مات؟ قال ابن القاسم: نعم يختلف. أما قوله: حجوا بها عني، ولم يسم من الأندلس ولا من مكان يحج بها منه- فإنهم إن لم يجدوا من يحج بها عنه من بلده بعثوا بها إلى المواضع التي يجدون بها من يحج بها عنه منها، وإن كان إفريقية أو مصر، فإن لم يجدوا ففيما وراء ذلك المدينة أو أمامها حتى ينفذوها فيما أوصى. وأما قوله: من الأندلس، فإن وجدوا من يحج بها من الأندلس كما أوصى وسمى وإلا ردت إلى الورثة ولم يخرج بها إلى ما وراء ذلك.
قال محمد بن رشد: أما إذا أوصي أن يحج بها عنه ولم يسم من ذلك كراء فلا اختلاف في أنه يحج بها عنه من حيث يوجد إذا لم يوجد من يحج بها عنه من بلده. وأما إذا قال: حجوا بها عني من بلد كذا وبها مات، فلم يوجد من يحج بها عنه من تلك البلد، فقال ابن القاسم في هذه الرواية: إنها ترجع ميراثا ولا يستأجر له بها من بلد آخر. وروى عنه مثله أصبغ، وقال من رواية: إنه يستأجر له بها من حيث يوجد إلا أن يبين ألا يحج بها عنه إلا من الأندلس. وحكى مثل ذلك ابن المواز عن أشهب، واختار هو قول ابن القاسم: إن كان الميت قد حج، وهو قول أشهب: إن كان صرورة لم يحج. وقد تقدم في أول رسم من سماع ابن القاسم الاختلاف فيمن استؤجر للحج عن ميت، فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة، وهي مسألة أخرى تقرب من هذه في المعنى، فتدبرها.

.مسألة رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار:

ومن سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة وسئل: عن رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار ونحو ذلك، أيخرج عنه ما يحج به عنه حجة واحدة، ويكون ما بقي للورثة؟ أو يهدى عنه بما بقي؟ قال: بل ينفذ ذلك كله في الحج عنه يعطاه رجال يحجون به عنه حتى يستوعب الثلث بالغا ما بلغ. قيل له: أرأيت إن لم يكن في الثلث ما يحج به عنه من بلده؟ قال: فليحج عنه بثلثه ذلك وإن قل من حيث يوجد من يحج عنه بذلك الثلث وإن لم يكن ذلك إلا من مكة.
قال محمد بن رشد: لما أوصى أن يحج عنه بثلث ماله وهو مال واسع كبير فيه ما يحج به عنه حجات استدل بذلك على أنه لم يرد بوصيته حجة واحدة وإنما أراد أن ينفذ ثلثه في حجات فينفذ عنه ثلثه في الحج ولا يرجع منه للورثة شيء؛ لأن ما فضل يحج به عنه من حيث ما بلغ ولو من مكة. ولو كان ثلثه قدر ما يشبه به أن يحج به عنه حجة واحدة، لم يحج عنه إلا حجة واحدة، فإن استؤجر عليها بأقل من الثلث رجع ما بقي من الثلث إلى الورثة، كما قال في المدونة: إذا قال: حجوا عني بهذه الأربعين فدفعوها إلى رجل على البلاغ ففضلت منها عشرون- إنها ترد إلى الورثة، فليست هذه المسألة بخلاف لما في المدونة. ولو أوصي أن يحج عنه من ثلث ماله لم يحج عنه إلا حجة واحدة وإن كان ثلثه واسعا كثيرا لأن من للتبعيض، فيعلم بذلك أنه لم يرد أن ينفذ ثلثه كله عنه في حج. ولو أوصي أن يحج عنه فقال: حجوا عني، ولم يزد على ذلك لم يقل بثلثي ولا من ثلثي ولا بكذا وكذا- لجرى ذلك عنه على الاختلاف في الأمر، هل يقتضي التكرار أو لا يقتضيه؟ فينفذ عنه ثلثه كله في الحج على القول بأن الأمر المطلق يقتضي التكرار، ويحج عنه من ثلثه حجة واحدة لا أكثر، على القول بأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار. وأما إذا قال: يحج عني فلان بثلثي أو بكذا وكذا، فلا اختلاف في أنه لا يحج عنه إلا حجة واحدة، وإن كان الثلث أو ما سمى من العدد كثيرا مثله فيه ما يحج به حجات كثيرة، وإنما يختلف هل يكون الثلث أو ما سمى من العدد وصية لفلان يعطاه كله إن أراد أن يحج عنه، فيكون له ما فضل، أو لا يكون ذلك وصية له ويحمل على أنه إنما سمى العدد أو ذكر الثلث مخافة أن يأبى الرجل أن يحج عنه بأقل من ذلك، وهو إنما رغب في أن يكون هو الذي يحج عنه لثقته به وتوسمه فيه، والقولان في المدونة. والأول منهما هو الذي اختار سحنون، ورد ابن لبابة القول الأول إلى الثاني بالتأويل، فلم يجعل ذلك اختلافا وهو بعيد. ولو قال: يحج عني فلان ولم يسم عددا فأبى فلان أن يحج عنه إلا بأكثر من أجرة المثل لكان الحكم أن يزاد على أجرة مثله مثل ثلثها، فإن أبى أن يحج عنه إلا بأكثر من ذلك لم يزد على ذلك، واستؤجر غيره من يحج عنه بعد الاستيناء بذلك، ولم يرجع ذلك إلى الورثة إن كانت الحجة فريضة باتفاق، أو نافلة على قول غير ابن القاسم في المدونة، خلاف قول ابن القاسم فيها، والله الموفق.

.مسألة أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر:

وقال: إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا على عملهم وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده، وينحرون من الغد، ويتأخر عمل الحج كله في الباقي عليهم يوما لا ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من أجل أنه يوم النحر، ولا أرى أن ينقصوا من رمي الجمار الثلاثة الأيام إلا بعد يوم النحر، ويجعلون يوم النحر للغد بعد وقوفهم، ويكون حالهم في شأنهم كله كحال من لم يخط. قال: وإذا أخطئوا فقدموا الوقوف بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه، ولم يجزهم الوقوف الذي وقفوا يوم التروية.
قال محمد بن رشد: ذكر ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر، ووصل بها قال: واختلف فيها قول سحنون فيما أخبرنا أبو بكر بن محمد بن حمديس عنه، ولم يبين حيث اختلف قوله. فمن الناس من حمل اختلاف قوله على الذين أخروا الوقوف فوقفوا يوم النحر، ومنهم من حمله على الذين عجلوا فوقفوا يوم التروية، والأمر في ذلك محتمل؛ لأن الخلاف في الوجهين جميعا موجود. قيل: إن الحج لا يجزيهم قدموا الوقوف أو أخروه قياسا على المنفرد إذا أخطأ وقوف الناس فوقف قبلهم أو بعدهم، وهو قول ابن القاسم فيما حكى عنه اللخمي من أن الحج لا يجزيهم إذا أخطئوا فوقفوا بعد يوم عرفة؛ لأنه إذا كان الحج عنده لا يجزيهم إذا أخروا الوقوف فأحرى ألا يجزيهم عنده إذا قدموا الوقوف، وقيل: إن الحج يجزيهم قدموا الوقوف أو أخروه، وهو أحد قولي الشافعي قياسا على من اجتهد فصلى إلى غير القبلة: إن صلاته جائزة ولا إعادة عليه إذا خرج الوقت. وحكى أنه إجماع فقاس عليه مسألة الأسير تلتبس عليه الشهور فيصوم قبل رمضان أو بعده إن صيامه يجزيه، وليس بإجماع لما يذكره في ذلك من الخلاف بعد إن شاء الله. قال أبو القاسم بن الكاتب: وإنما ذهب الشافعي إلى إجازة حجهم إذا وقفوا قبل يوم عرفة لأن أبا بكر الصديق أقام للناس الحج بأمر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في شهر ذي القعدة. فرأى أن أهل الموسم إذا أخطئوا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة يجزيهم الحج لحج أبي بكر بالناس في شهر ذي القعدة. قال: وإنما كانت تصح له الحجة بذلك لو كانت تلك الحجة لأبي بكر فريضة، ولم تكن له فريضة، وإنما بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميرا على الحج وليعهد إلى الناس بما أمره به أن يعهد به إليهم من أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أتبعه علي بن أبي طالب لما نزلت سورة أول براءة ليتلى على الناس في الموسم. والشافعي كان أعلم وأبصر بموضع الحجة من أن يحتج بهذا، لقوله في هذه المسألة؛ لأن حج أبي بكر في ذي القعدة لم يكن خطأ وإنما كان شرعا ودينا بأمر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، والنسيء قائم قبل أن ينسخ، فأجزأهم حجهم فرضا كان أو نفلا. وكيف لا يجزيهم وقد سماه الله في كتابه الحج الأكبر، ولئن كانت تلك الحجة لأبي بكر وعلي بن أبي طالب وغيره ممن أعلمه النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه سيحج معه من العام المقبل نفلا، فقد كانت لمن سواهم من الناس الذين حجوا في ذلك العام ولم يدركوا الحج مع النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ فرضا؛ لأنها إنما كانت بعد نزول فرض الحج. هذا مما لا اختلاف فيه أعلمه، ثم حج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العام المقبل في ذي الحجة على ما كان الناس عليه من النسيء فنسخ الله النسيء حينئذ. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا إن الزمان قد استدار»... الحديث، فثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة. والذي عليه أكثر أهل العلم أن أهل الموسم إذا أخطئوا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة لم يجزهم حجهم، وإن أخطئوا فوخروه، إلى يوم النحر أجزأهم حجهم، وهو قول مالك والليث والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وعثمان الليثي وجماعة سواهم.
والفرق بين الوجهين أن الذين أخطئوا فوقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم الله به على لسان رسوله من إكمال شهر ذي القعدة ثلاثين يوما إذا أغمي عليهم هلال ذي الحجة، فلما فعلوا ما أمروا به من ذلك كان حجهم في الوقت الذي أمرهم الله على لسان نبيه أن يحجوا فيه ووقوفهم في اليوم الذي تعبدهم الله أن يقفوا فيه، وإن انكشف لهم ذلك بعد أن كان يوم النحر لم يضرهم إذ قد مضى فعلهم صحيحا بموجب النص دون اجتهاد، وكتب لهم حجهم وسلم لهم أجرهم وسقط عنهم فرضهم، فليس ما ظهر لهم بعد ذلك قرب أو بعد بالذي يمحو ما كتب لهم من الحج ويبطل ما ثبت لهم من الأجر، ويوجب ما سقط عنهم من الفرض، وأن الذين أخطئوا فوقفوا يوم التروية أخطئوا باجتهادهم إذ قبلوا شهادة من شهد بالباطل في رؤية الهلال، إما بأن شبه عليهم، وإما بأن تعمدوا الزور والكذب، فوجب ألا يجزيهم الوقوف الذي وقفوا إذا لم يعلموا بذلك إلا بعد أن طلع الفجر من يوم النحر، كما لا يجزيهم الوقوف إذا علموا بخطئهم قبل ذلك، إذ لا اختلاف في أن وقوفهم لا يجزيهم إذا علموا بذلك قبل أن يفوتهم الوقوف بطلوع الفجر من يوم ليلة المزدلفة.
وحكى ابن أبي زيد في النوادر أيضا عن سحنون متصلا بما حكاه عنه من اختلاف قوله في خطأ أهل الموسم في هلال ذي الحجة، في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس سنة العلوي وهروبهم من عرفة ولم يتموا الوقوف، قال: يجزيهم ولا دم عليهم، كأنه ذهب بذلك إلى ترجيح أحد قوليه في المسألة المتقدمة، وهي مسألة أخرى لا تشبهها؛ لأنهم في هذه المسألة في حكم من حصرهم العدو عن الوقوف بعرفة، فلا يجزيهم الحج إلا على مذهب ابن الماجشون في أن المحصر بعدوه يجزئه حجه عن حجة الإسلام، فإنما مال إلى قوله، والله أعلم وبه التوفيق.