فصل: مسألة الذي يقول علي هدي رقبة من ولد إسماعيل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الرجل يكون عليه المشي إلى بيت الله فيمشي في الحج ثم يفسد حجه:

ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع:
وسألته: عن الرجل يكون عليه المشي إلى بيت الله فيمشي في الحج ثم يفسد حجه بإصابة أهله وهو بعرفة، هل يمضي ماشيا حتى يحل بعمرة؟ أو يركب من حيث أفسد حجه؟ ماذا ترى عليه أن يصنع إذا قضى الحج الذي أفسد أيستأنف المشي من حيث حلف أو من حيث ركب؟ أو هل يجزيه مشيه بعد فساد الحج؟ هل يحل بعمرة؟ قال: يحج قابلا ويهدي لما أفسد من حجه ويمشي من ميقاته الذي كان أحرم منه للحجة التي أفسد. قلت: ولم ألزمته إعادة المشي من الميقات الذي أحرم منه ورأيت ما مشى من حيث ما كان حلف يجزي عنه؟ قال: إنما يفسد عليه الحج المشي الذي لم يكن يجوز له أن يطأ فيه، وأما مشيه من بلده الذي حلف فيه إلى الميقات الذي أحرم منه فقد كان يجوز له أن يطأ أهله وهو ماش إلى الميقات، ولا يجوز له أن يطأ أهله بعدما يحرم بها، فما كان من المشي لا يجوز له فيه وطء فهو منتقض بما أفسد من حجه الذي مشى، وما كان منه يجوز له فيه الوطء فلا ينتقض عليه بفساد حجه الذي مشى فيه. قلت له: إن الذي ينقطع مشيه في حجتين له أو عمرتين أو حج وعمرة لعجزه عن المشي يهدي، وهذا قد قطع مشيه بما أفسد من حجه، وما وجب عليه من إعادته من الميقات، وعليه هدي لفساد الحج، أيهدي هديا آخر لتبعيض المشي.
قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة: ثم يمضي ماشيا حتى يحل بعمرة في الذي أفسد حجه، وقوله بعد ذلك فيها: أو هل يجزيه مشيه بعد فساد الحج حتى يحل بعمرة، المعنى في ذلك أن الحج فاته بعد أن أفسده، إذ لا يجوز فسخ الحج الصحيح ولا الفاسد في عمرة؛ لأن ما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من أمره في حجة الوداع من لم يكن معه هدي أن يحل بعمرة أمر منسوخ، إنما كان أمر به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ نقضا لما كان عليه أهل الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، وقد رأيت لبعض الشيوخ في حواشي الكتب على هذه المسألة: وقد روي عن مالك أن المفسد لحجه يصير حجه إلى عمرة، وهو غلط، إذ لا يوجد لمالك ذلك ولا لغيره، وأراه وهم في ذلك للفظ وقع في كتاب الحج الثالث من المدونة على ظاهره، أو لمسألة وقعت في النوادر خطأ في النقل. ومساواته بين أن يكون يركب من حيث أفسد حجه أو يمضي ماشيا إلى تمام حجه- صحيح؛ لأن المشي لا يجزيه بعد الوطء لفساد الحج ووجوب قضائه عليه، فسواء ركب أو مشى. وقوله: إنه يمشي من ميقاته ويجزيه المشي الذي مشى من حيث حلف إلى الميقات خلاف مذهب مالك وابن القاسم في المدونة، وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة: من أن من ركب من غير أن يعجز عن المشي أعاد المشي كله، إذ لا يجوز له أن يفرق مشيه إلا من ضرورة، ويهدي لأنه لما وطئ فقد فرق مشيه باختياره من غير ضرورة. ولما سأله في آخر المسألة: هل يجب عليه هدي لتفريق المشي؟ سكت عنه ولم يجبه على ذلك. والذي يأتي على قياس قوله فيها: أن لا هدي عليه، وعلى ما في المدونة: أن يعيد المشي من حيث حلف، إلا أن يكون وطئ ناسيا فحينئذ يمشي من الميقات، ويجب عليه الدم لتفريق المشي؛ لأنه مغلوب على التفرقة بالوطء ناسيا كما هو مغلوب عليها بالعجز عن المشي، فيجزيه المشي ويهدي في المسألتين جميعا.

.مسألة المحرم يصاد من أجله الصيد فيأكل منه:

وسئل: عن المحرم يصاد من أجله الصيد فيأكل منه، قال: أرى عليه جزاءه إن كان أكل منه وقد علم أنه صيد من أجله. قيل له: فإن أكل منه محرم لم يصد من أجله، قال: لا أحب له أن يفعل، فإن فعل لم يكن عليه شيء، وبئس ما صنع، قيل له: فإن صيد لجماعة من المحرمين فأكلوا منه وهم يعلمون أنه صيد من أجلهم، قال: يكون على كل واحد منهم جزاء ذلك الصيد. قال: فإن أكله منهم من لم يعلم أنه صيد من أجله فلا شيء عليه، قال: وكل شيء صيد من أجل الحاج فأكل منه من قد علم أنه قد صيد من أجل الحاج، فإنه إن كان محرما يوم صيد ذلك الصيد فعليه جزاؤه إن أكل منه وهو يعلم؛ وإن لم يعلم أنه صيد من أجل الحاج أو تبين له أنه صيد للحاج قبل أن يحرم هذا الذي أكل منه فلا شيء عليه، قال: ولا أحب له أن يتعمد الأكل منه؛ قيل له: فإن صيد من أجل رجل محرم صيد يتأخر عنه القدوم فأكل منه بعدما حل عليه شيء؟ قال: لا أحب له أن يأكل منه ولا أرى عليه شيئا إن فعل، قال: وكل شيء صيد من أجل الحاج فلا أحب لحرام لم يصد من أجله خاصة ولا بعدما أحرم بالحج أو بالعمرة ولا لحلال أن يأكل منه، فإن فعل فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: لم يختلف قوله في هذه الرواية أن من صيد من أجله صيد وهو محرم فأكل منه وهو يعلم أنه صيد من أجله فعليه جزاؤه، واختلف قوله فيها إن صيد للمحرمين وهو محرم يوم صيد لهم فأكل منه وهو يعلم أنه صيد للمحرمين وهو محرم فقال أولا: عليه جزاؤه، وقال آخرا: لا شيء عليه، وذلك بين من قوله لم يصد من أجله خاصة، فبين أنه لا جزاء عليه إن أكل منه إلا أن يكون صيد من أجله خاصة بعدما أحرم، وأما إن صيد للمحرمين فلم يأكل منه حتى حل من إحرامه فهو كغيره من المحلين لا جزاء عليه فيه، وقد قيل فيما صيد للمحرم: إنه لا جزاء عليه فيه وإن أكل منه وهو يعلم أنه صيد من أجله إلا أن يعلمه بذلك قبل ذبحه، فيذبحه على ذلك أو يأمره بصيده.
وفي هذه المسألة اختلاف كثير، يتحصل فيها خمسة أقوال:
أحدها: أنه لا يأكله الذي صيد من أجله ولا غيره، فإن أكل منه هو أو غيره من المحرمين وهو يعلم- وجب جزاؤه عليه.
والثاني: أنه لا يأكله هو ولا غيره، فإن أكله هو وهو عالم وجب عليه جزاؤه، وإن أكل منه غيره من المحرمين لم يجب عليه جزاؤه.
والثالث: أنه لا يأكل منه هو ولا غيره، فإن أكل منه هو أو غيره لم يجب عليه جزاؤه.
والرابع: أنه لا يأكل منه هو، ويأكل منه غيره.
والخامس: أنه يأكل منه هو وغيره.
وأما ما صاده الحلال أو الحرام في الحرم فلا اختلاف في أن ذلك لا يوكل، ولا في أن الجزاء واجب فيه، وفي جواز أكل المحرم لحم ما صاده الحلال في الحل أربعة أقوال:
أحدها: أن ذلك جائز جملة من غير تفصيل.
والثاني: أن ذلك لا يجوز جملة أيضا من غير تفصيل.
والثالث: أنه يجوز إلا أن يكون صيده.
والرابع: أن ذلك جائز إلا أن يكون صيد له أو لغيره من المحرمين.

.مسألة صاد محرم صيدا فحبسه حتى حل ثم ذبحه:

قال: وإن صاد محرم صيدا فحبسه حتى حل ثم ذبحه كان عليه جزاؤه؛ لأن إرساله قد كان لزمه حين صاده وهو محرم، قال: وإن أرسله فكان مما لا يخاف عليه الهلاك بإرساله فلا شيء عليه، وإن كان مما يُخاف عليه الهلاك فإن أرسله فأرى عليه جزاءه، قيل: فإن كان صاده وهو حلال، ثم حبسه في إحرامه حتى حل ثم ذبحه كان عليه جزاؤه.
قال محمد بن رشد: قال إنه إذا صاد المحرم الصيد فحبسه حتى حل ثم ذبحه كان عليه جزاؤه، ولم يجب على الذي صاده وهو حلال ثم أحرم وهو في يده فحبسه حتى حل ثم ذبحه، ومذهب ابن القاسم في المدونة وهو قوله في سماع سحنون بعد هذا أن عليه الجزاء، بمنزلة إذا صاده وهو محرم؛ لأن إرساله قد وجب عليه لإحرامه وهو بيده، وقال أشهب في سماع سحنون: إنه لا جزاء عليه فيه، وقد ذكر الاختلاف فيها في المدونة، قال فيها: قد اختلف الناس في هذا أن يرسله أو لا يرسله، فمن أوجب عليه أن يرسله بعد إحلاله أوجب عليه الجزاء إن ذبحه، ومن لم يجب عليه إرساله إذ حل لم يوجب عليه فيه جزاء إن ذبحه، وكذلك إذا صاده وهو حلال ثم أدخله الحرم ثم أخرجه منه فقتله، المسألتان سواء، والخلاف فيهما واحد، وقوله في الذي وجب عليه إرساله: إن الجزاء يجب عليه وإن أرسله إذا كان مما يخاف عليه بإرساله صحيح مفسر لما في المدونة، ويؤيده ما وقع في المدنية. قال ابن كنانة: كان عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نازلا بمكة في دار الندوة فدخل عليه عثمان بن عفان ونافع بن عبد الحارث، فقال لهما عمر: إني نزلت في هذه الدار لأستقرب المسجد، فدخلت فوضعت ثيابي على هذا المواقف وهو شيء ناتئ يجعل عليه الثياب، فوقع عليه حمامة فخفت أن توذي ثيابي فأطرتها فوقعت على هذا الناتئ الآخر، فخرجت حية فأكلتها، فخشيت أن تكون إطارتي إياها سببا لحتفها، فاحكما علي فيها، فقال أحدهما لصاحبه: ما تقول في عنز ثنية عفراء يحكم بها على أمير المؤمنين، فقال له صاحبه: نحكم عليه بها، وقال ابن القاسم مثله، وبالله التوفيق.

.مسألة ينسى الرمي يوما أو يومين ثم يذكر:

ومن كتاب الأقضية:
قال: وسئل ابن وهب عن الذي ينسى الرمي يوما أو يومين ثم يذكر، قال: قال لنا مالك: يرمي لما فاته في اليوم الثالث لليومين الماضيين ويهدي.
قال ابن وهب: وأما أنا فأقول: إن كان أخر ذلك متعمدا كان عليه الهدي مع القضاء، وإن أخر ناسيا قضى ولا هدي عليه إذا ذكر ذلك في أيام الرمي، قال: وإن لم يذكر إلا بعد أيام الرمي كان عليه الهدي، ناسيا كان أو متهاونا.
قال محمد بن رشد: قول مالك في رواية ابن وهب هذه عنه: إنه يرمي في اليوم الثالث لليومين ويهدي مثل أحد قوليه في المدونة، وله فيها قول ثان: إنه لا هدي عليه إذا كان ناسيا مثل قول ابن وهب. وأما إذا ترك متعمدا أو متهاونا فلا ينبغي أن يختلف في إيجاب الهدي عليه، وكذلك إذا ترك الرمي حتى ذهبت أيام منى لم يختلف قول مالك في إيجاب الهدي عليه، فقول ابن وهب مفسر لأحد قولي مالك في المدونة.

.مسألة من نسي جمرة العقبة:

قال ابن وهب: وكان مالك يرى على من نسي جمرة العقبة هدي بدنة، وعلى من نسي جمرة من الجمار غير جمرة العقبة هدي شاة، وإن نسي جمرتين فبقرة، وإن نسي الثلاث كلها فبدنة، كان يستحب هذا ويرى أن أدنى الهدي يجزيه في جميع ذلك كله.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء في الاستحسان. والأصل في أن أدنى الهدي يجزي في ذلك- قوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، وقول ابن عباس: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما.

.مسألة ينسى الرمي يومين كيف يقضي في اليوم الثالث:

قيل لابن وهب: أرأيت الذي ينسى الرمي يومين كيف يقضي في اليوم الثالث؟ أيرمي الجمرة الدنيا لليومين جميعا ثم الأخرى كذلك، ثم الثالثة كذلك؟ فقال: لا، ولكن يرمي الجمار كلهن لليوم الأول كرمي من لم ينس، ثم يرمي لليوم الثاني أيضا الجمار كلهن، الأول فالأول كذلك أيضا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ذلك مقيس على الصلاة، فمن نسي صلاة يومين أو ثلاثة فيقضيها كما تركها صلاة يوم بعد صلاة يوم، ولا يجوز له أن يصلي الصبح ثلاثا ثم الظهر ثلاثا، ثم سائر الصلوات ثلاثا ثلاثا، فكذلك الجمار، وبالله التوفيق.

.مسألة المحرم يصيب بيض النعم:

وسئل ابن نافع: عن المحرم يصيب بيض النعم أيأخذ فيه بقول مالك إن فديته عشر قيمة النعامة؟ قال: لا آخذ في ذلك بقول مالك هذا، بل أتبع فيه ما جاء عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، وذلك أن محمد بن أبي كثير حدثني عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله رجل محرم عن ثلاث بيضات نعامة أصابهن، فقال: «صم لكل بيضة يوما».
قال محمد بن رشد: صح الحديث عند ابن نافع فأخذ به، ولم يصح عند مالك أو لم يبلغه فرجع في ذلك إلى ما يوجبه القياس على ما صح عنه من حديث النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أن «في الجنين غرة عبدا أو وليدة» والغرة تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم، وذلك عشر الدية، فأوجب في بيضة النعامة عشر جزاء النعامة؛ لأن البيض في الطير كالحمل فيما سواها من الحيوان، فإرادته بما حكى عن مالك أن فدية بيضة النعامة عشر قيمة النعامة عشر جزاء النعامة، فسمى الجزاء قيمة، وجزاؤها عند مالك بدنة، وكذلك جاء فيها عن السلف، ففي بيضة النعامة عند مالك عشر ثمن البدنة التي يحكم بها في جزائها.

.مسألة يخير الحكمان من أصاب الصيد إذا استحكما:

قال ابن وهب: ومن السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصيد إذا استحكما، فيقولان له: إن الله تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] فيخيرانه كما خيره الله تبارك وتعالى، فإن اختار الهدي حكما من الهدي بما يريانه نظيرا لما أصاب من الصيد ما بينه وبين أن يكون عدل ذلك الذي يحكمان فيه شاة، فإنها أدنى الهدي وما لم يبلغ قيمته عندهما أن يحكما فيه بشاة حكما فيه بالطعام. وما اختار أن يحكما عليه فيه بالطعام أو لم يبلغ قيمته ما يحكمان فيه بالشاة، فحكما فيه بالطعام فهو مخير بين أن يطعم ذلك الطعام الذي يحكمان به عليه مساكين أو يصوم مكان كل مد يوما. قلت له: أيطعمه بمكة خاصة أم حيث شاء، ويصوم حيث شاء؟ قال: إذا حكما بالهدي فلا يكون إلا بمكة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، وما صار إلى الطعام أو إلى الصيام فإنه يفعل ذلك حيث شاء. قلت: أرأيت إن أحب أن يطعم في بلده والطعام عندهم أرخص، أيجزئه أن يخرج المكيلة التي حكما بها عليه؟ فقال: لا، ولكن ينظر إلى قيمة ذلك الطعام بالثمن من الدنانير والدراهم حيث أصاب الصيد ووجب عليه الحكم، يشتري بذلك الثمن طعاما ببلده، قلت: أرأيت إن وجد الطعام ببلده أغلى منه حيث حكم عليه أيجزيه أن يشتري بذلك الثمن الذي باع وإن قل الطعام أم لا يجزيه إلا أن يطعم تلك المكيلة التي حكما بها عليه؟ قال: يشتري بذلك الثمن الذي باع به الطعام الذي حكم به عليه حيث أحب أن يتصدق بالطعام، غلا الطعام بذلك البلد أو رخص، لا شيء عليه إلا ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: وما صار من ذلك إلى الطعام أو الصيام فإنه يفعله حيث شاء هو نص قول مالك في الموطأ، فما زاد بعد ذلك من قوله إنه إن أراد أن يطعم بغير البلد الذي أصاب فيه الصيد فيشتري بما تشرى المكيلة التي حكم بها عليه في البلد الذي أصاب الصيد فيه طعاما بالبلد الذي يريد أن يطعم به كان ذلك أقل من المكيلة التي حكم بها عليه أو أكثر هو تفسير لقول مالك في الموطأ ولما في المدونة أيضا؛ لأن معنى قوله فيها ليس له أن يطعم في غير ذلك المكان، أي ليس له أن يطعم المكيلة التي حكم عليه بها في غير ذلك المكان ليرتفق برخص الطعام فيه بدليل قوله: يحكم بالطعام بالمدينة ويطعمه بمصر إنكارا لمن يفعل ذلك، فلا يجزي من فعله.
قال ابن حبيب: إنه إن لم يطعم بالموضع الذي حكم به عليه أو فيما قاربه فليخرجه على أرخص السعرين، وهو احتياط واستحسان من نحو قوله فيمن وجبت عليه زكاة دينار فأراد أن يخرج عنها دراهم: أنه يخرج قيمتها من الدراهم إلا أن يكون قيمتها أقل من عشرة دراهم بدينار، فلا ينقص من ذلك شيئا، وسائر ما في الرواية صحيح مثل ما في المدونة وغيرها لا إشكال فيه ولا كلام، والله أعلم.

.مسألة الذي يقول علي هدي عبد أو ثوب:

ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الذي يقول: علي هدي عبد أو ثوب، قال: ينظر إلى أوسط الثياب أو العبيد وعلى قدر ما يرى، فيبعث بثمنه فيشتري بثمنه هديا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما لم يسم في ذلك قيمته وجب أن يرجع فيه إلى الوسط، كمن تزوج بأروس ولم يصفها، أو كاتب عبده على أروس بغير صفة.

.مسألة الذي يقول علي هدي رقبة من ولد إسماعيل:

قال ابن القاسم في الذي يقول: علي هدي رقبة من ولد إسماعيل، قال: ينظر إلى أقرب الناس بولد إسماعيل ممن يسترق، فينظر إلى قيمة وسط من ذلك، فيبعث بثمنه فيشترى به هدي، قال مالك: الذي يقول: علي عتق رقبة من ولد إسماعيل مثل هذا، وهذا مثله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا نذر عتق رقبة أو هدي رقبة، فسمى جنسا كان عليه الوسط من ذلك الجنس، فكذلك إذا سمى نسبا كان عليه الوسط من ذلك النسب؛ لأن بعض الأنساب أشرف من بعض وأعلى ثمنا، كما أن بعض الأجناس أفضل من بعض وأرفع ثمنا، وقد «سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أفضل الرقاب، فقال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها».

.مسألة فيما صيد لمحرم فأكله وهو يعلم أنه صيد:

قال ابن القاسم: قال مالك فيما صيد لمحرم فأكله وهو يعلم أنه صيد له فعليه جزاؤه، قال: وإن أكله غيره من المحرمين فليس عليه شيء، وبئس ما صنع، قلت لابن القاسم: إن علموا أنه صيد لمحرم أو لم يعلموا؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يعلم الذي صيد له فأكل منه فلا شيء عليه؟ قال ابن القاسم: وكل ما صيد للمحرمين يتلقونهم به، فأكله محرم وهو يعلم أنه صيد لهم، قال: أما إن كان محرما يوم صيد لهم فأكله رجل من أولئك وهو يعلم فعليه الفدية، وإن لم يعلم فلا شيء عليه، ومن أكله من المحرمين ممن أحرم بعدما صيد للمحرمين فلا شيء عليه، وبئس ما صنع، وإن علم أنه صيد للمحرمين إذا كان قد صيد قبل أن يحرم هذا، قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أن رجلا بلغه أن رجلا يريد الحج فصاد له أو قوم أرادوا الحج فصيد لهم قبل أن يحرموا ثم أحرموا فلا شيء عليهم في أكله، قيل له: فإن صيد صيد من أجل رجل محرم بعينه وهو محرم فلم يأكل المحرم منه حتى حل من إحرامه، قال: بئس ما صنع، ولا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل الاختلاف فيما فيه اختلاف منها في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى فلا معنى لإعادته.

.مسألة صاد صيدا وهو حلال أو حرام فأدخل الحلال صيده الحرم:

قلت: أرأيت رجلا صاد صيدا وهو حلال أو حرام فأدخل الحلال صيده الحرم، أو أحرم وهو معه ثم أخرجه، أو حل من إحرامه وحل الذي صاده وهو محرم، والصيد معهم لم يرسل فأكلاه؟ قال: أرى عليهما الجزاء؛ لأنه مما قد وجب عليهما إرساله. قيل: وإن كان مما لا يحل فأرى عليهما جزاءه، وقد خالفني فيها أشهب، وقال: لا شيء عليهما.
قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا قد مضى تحصيل القول فيها في الرسم المذكور من سماع يحيى.

.مسألة قال قد كنت نذرت أن أمشي لله حافيا فاسألوا عن يميني:

وقال في رجل قال: قد كنت نذرت أن أمشي لله حافيا فاسألوا عن يميني، فما وجب علي فأنفذوه عني، قال: أرى أن يهدي بكفافه من النفقة إلى مكة، والكراء هدايا ولا يحج عنه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها في المذهب إذ لم يوص أن يمشى عنه، وإنما أوصى أن ينفذ عنه ما وجب عليه في ذلك، ولو أوصى أن يمشى عنه لما نفذت وصيته بذلك عند مالك خلافا لسحنون، وقد مضى القول في ذلك في رسم حلف الأول من سماع ابن القاسم.

.مسألة هل للمحرم أن يسافر اليوم واليومين والثلاثة:

وسألت سحنون: هل للمحرم أن يسافر اليوم واليومين والثلاثة؟ قال: نعم، وليس هو مثل المعتكف.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المحرم له أن يتصرف في حوائجه ويبيع ويشتري في الأسواق، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] الآية، يريد التجارة في مواسم الحج، فحاله خلاف حال المعتكف في السفر أيضا إن أراده، والله الموفق.

.مسألة يدخل مكة متمتعا في أشهر الحج ثم تعرض له الحاجة:

قلت: فالمحرم يدخل مكة متمتعا في أشهر الحج، ثم تعرض له الحاجة بعد إحلاله من عمرته إلى مثل جدة والطائف، فيخرج إليها، أرأيت إذا رجع من سفره ذلك إلى مكة أيدخل بإحرام أم بغير إحرام؟ قال: إن كان حين خرج إلى سفره ذلك نوى الرجوع إلى مكة من عامه، ليحج من عامه ذلك، فليس عليه أن يدخل بإحرام، مثل ما قال مالك في الذين يختلفون إلى مكة بالحطب والفاكهة: إنهم لا إحرام عليهم، وإن كان ممن خرج إلى سفره خرج خروجا لا ينوي فيه العودة، فلما خرج بدا له فأراد العودة فعليه الإحرام، ونزلت بأبي سليمان أيوب بن أبا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن من خرج من مكة إلى موضع قريب علم أن يعود إليها فليس عليه إذا رجع إليها أن يدخل بإحرام هو مثل ما في المدونة في الذي كان عليه هدي من جزاء صيده فلم ينحره حتى ذهبت أيام منى فاشتراه بمكة وأخرجه إلى الحل أنه ليس عليه أن يدخل محرما ويدخل حلالا، وكذلك أيضا عند مالك من خرج على أن لا يعود إذا رجع من قرب لأمر عاقه؛ كما فعل عبد الله بن عمر: إذ خرج من مكة إلى المدينة، فلما بلغ قديدا بلغه خبر الفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام، بخلاف إذا بدا له من سفره لأمر رآه، على ما في هذه الرواية فليست بخلاف لمذهب مالك في المدونة، وأما من خرج إلى موضع بعيد أو إلى موضع قريب فأقام فيه أو كان من سكان المواضع القريبة فعليه إذا دخل مكة أن يدخل محرما وإن كان من أهل مكة إلا مثل الحطابين وغيرهم ممن يكثر تردادهم إلى مكة فليس عليهم أن يدخلوا بإحرام لمشقة ذلك عليهم، وحد القرب ما إذا خرج إليه على أن يعود لم يلزمه أن يطوف للوداع، وهو ما دون المواقيت؛ لأنه قد نص في الحج الثالث من المدونة أن من خرج إلى ميقات من المواقيت ليعتمر منه فعليه إذا خرج أن يطوف للوداع، فلو خرج إليها على هذا لحاجة على أن يرجع لوجب عليه إذا رجع أن يدخل بإحرام، هذا تحصيل مذهب مالك في هذه المسألة.
ومن أهل العلم من جوز دخول مكة بغير إحرام لجميع الناس لدخول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عام الفتح حالا وعلى رأسه المغفر، وروي أنه دخلها وهو معتم بعمامة سوداء، وإلى هذا ذهب ابن شهاب، ولا حجة له في ذلك، إذ قد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنه إنما أحلت له ساعة من النهار ثم عادت كحرمتها من يوم خلق الله السماوات والأرض»، إلا أنه تأول أن الذي أحل له في تلك الساعة خاصة إنما هو القتال، وأما دخولها حلالا فهو حل له ولمن شاء من جميع الناس. ومن أهل العلم من أجاز ذلك لأهل مكة خاصة. ومنهم من أجاز ذلك لمن كان منزله دون الميقات، وتعلق بفعل ابن عمر، إذ قد رجع من قديد فدخل مكة بغير إحرام، وهو تعلق ظاهر؛ إذ لا فرق في القياس والنظر بين أن يرجع لعارض عرض له أو لأمر رآه، إلا أنه قد جاء عن ابن عباس خلاف ذلك، مثل ما ذهب إليه مالك، ومنهم من أجاز ذلك لمن كان منزله الميقات فما دونه، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل أيلزمه أن يبيع ضيعته في الحج:

ومن سماع محمد بن خالد من ابن القاسم وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكون له القرية ليس له غيرها، أيبيعها في حجة الإسلام ويترك ولده لا شيء لهم يعيشون به؟ فقال ابن القاسم: نعم، ذلك عليه ويترك ولده في الصدقة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال من أن الرجل يلزمه أن يبيع ضيعته في الحج؛ لأن الله أوجبه عليه، فوجب عليه أن يبيع فيه من ماله ما يبيعه عليه السلطان في الدين. وأما قوله: ويترك ولده في الصدقة، فمعناه: إذا أمن عليهم الضيعة ولم يخش عليهم الهلاك إن تركهم؛ لأن الله أوجب عليه نفقتهم في ماله كما أوجب عليه الحج فيه، فهما حقان لله عز وجل تعينا عليه في ماله، فإذا ضاق عنهما ولم يحمل إلا أحدهما وجب أن يبدأ بنفقة الولد؛ لئلا يهلكون؛ لأن خشية الهلاك عليهم يسقط عنه فرض الحج، كما لو خشي الهلاك على نفسه، وهذا القول بأنه على الفور، وأما على القول بأنه على التراخي فلا إشكال في تبدئة نفقة الولد، فإن قال قائل: فإن الرجل إذا فلس لغرمائه يؤخذ منه لهم جميع ماله ولا يترك له نفقة أولاده إلا ما يعيشون به الأيام وإن خشيت عليهم الضيعة والهلاك فكذلك الحج، قيل الفرق بينهما أن هذا المال مال الغرماء، والغرماء لا يلزمهم من نفقة أولاده إلا ما يلزم جميع المسلمين من المواساة، وهو يلزمه النفقة على أولاده من ماله فافترقا، وهذا بين، ونفقة الزوجة كنفقة الأولاد، وقد مضى القول في نفقة الزوجة في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم، وأما نفقة الأبوين فحكمها حكم نفقة الابن عند من أوجبها، وبالله التوفيق.

.مسألة الذي يحج عن رجل بأجر فيفسد حجه بإصابة أهله:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال ابن القاسم في الذي يحج عن رجل بأجر فيفسد حجه بإصابة أهله، قال: أرى عليه القضاء بحجة صحيحة من ماله استؤجر عليها مقاطعة أو دفع إليه على البلاغ، فذلك واحد، وإن كان إنما أصابه أمر من الله لم يكن من قبله، مثل أن يمرض أو ينكسر فإنه يقضي ذلك الحج عن الميت هو أحب إلي، وإن كان استؤجر مقاطعة فعليه القضاء أيضا على كل حال، وكذلك الذي يحصر حتى يفوته الحج وما أشبه ذلك، والذي يخفى عليه الهلال حتى يفوته الحج.
قال محمد بن رشد: في قوله في أول المسألة في الذي حج عن غيره بأجرة فأفسد حجه بإصابة أهله: إن عليه القضاء بحجة صحيحة من ماله استؤجر عليها مقاطعة أو دفع إليه على البلاغ، فذلك واحد نظرا لأن الذي دفع إليه المال على البلاغ إذا حج به وأفسد حجه بإصابة أهله ضمن المال وترتب في ذمته فإنما يلزمه غرم المال، ولا يجوز أن يحج ثانية عن الميت بما عليه من المال؛ لأنه فسخ الدين في الدين، فالواجب أن يؤخذ منه المال، فإذا أخذ منه دفع إليه أو إلى غيره، إما على الإجارة أو على البلاغ، فالمسألتان مستويتان في وجوب الضمان، ويفترقان فيما يضمن، فيضمن في الإجارة الحج، وفي أخذ المال على البلاغ المال، فكلامه ليس على ظاهره، ووجهه الذي به يستقيم هو أنه أجاب عن الإجارة التي سأله عنها بقوله: أرى عليه القضاء بحجة صحيحة من ماله، تم جوابه هاهنا.
ثم استأنف كلاما آخر فقال: استؤجر عليها مقاطعة أو دفع إليه على البلاغ، فذلك واحد، يريد أن ذلك واحد في وجوب الضمان، وإن افترق الوجهان فيما يضمن فيهما، وفي قوله بعد ذلك: وإن كان إنما أصابه أمر من الله تعالى لم يكن من قِبَله مثل أن يمرض أو ينكسر، يريد: فيفوته الحج وقد أخذ المال على البلاغ فإنه يقضي ذلك الحج عن الميت هو أحب إليّ، إشكال إذ لم يبين من مال من يكون القضاء ولا تقيد ضبط يقضي في الرواية إن كان يقضي أو يقضى على لفظ ما لم يسم فاعله. فقرأ ابن لبابة: يقضي. وقال في المنتخب: معناه أن الذي أخذ المال على البلاغ يقضي من مال الميت لا من مال نفسه، وحسبه أن يتولى هو القضاء بنفسه، استحب ذلك له ابن القاسم، فصرف قوله هو أحب إلي إلى توليه القضاء بنفسه، وأوجب النفقة في ذلك في مال الميت، وفي هذا بُعدٌ؛ لأن القضاء إذا كان من مال الميت ولم يلزمه هو ضمان فلا وجه لاستحسان ولايته هذا القضاء، هو وغيره في ذلك سواء، ولعل غيره بذلك أحق وأولى، والصواب أن تقرأ الكلمة: يقضى، على لفظ ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى في ذلك: أن الورثة يقضون الحج عن الميت من أموالهم؛ لأنهم ضامنون للمال إن كان الميت أمرهم بالاستئجار، فدفعوه على البلاغ، أو لم يبين لهم كيف يدفعونه فتركوا أن يدفعوه على الإجارة ودفعوه على البلاغ، أو من مال الميت إن كانوا دفعوه على البلاغ وقد أمرهم بذلك، أعني: من ثلث بقية مال الميت إن كان المال لم يقسم باتفاق، وإن كان قد قسم فعلى الاختلاف في الذي يوصي أن يشترى عبد من ثلثه فيعتق فاشترى ولم ينفذ له العتق حتى مات، وقد اقتسم الورثة المال، إذ قد قيل: إنه يشترى عبد آخر من بقية ثلث المال، وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: من بقية الثلث، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الوصايا، وقوله بعد ذلك: وإن كان استؤجر مقاطعة فعليه القضاء على كل حال، يريد بقوله على كل حال سواء أفسده بإصابة أهله، أو فاته بمرض أو كسر، وقوله بعد ذلك: وكذلك الذي يحصر حتى يفوته الحج، قال ابن لبابة: لا يريد به حصر العدو؛ لأن حكم من استؤجر على الحج فحصره العدو أن يحل حيث حصر، ويكون له من إجارته بقدر ما بلغ من الطريق، وكذلك في مختصر أبي زيد بن أبي الغمر، وفي المدونة قال: وإنما يريد به الحصر الذي هو في حكم حصر المرض، مثل أن يتهم في دم فيحبس فيه حتى يفوته الحج أو ما أشبه ذلك، يقول: فهذا كله، والذي يخفى عليه الهلال حتى يفوته الحج، كالذي يمرض أو ينكسر حتى يفوته الحج، وكالذي يفسد الحج بإصابة أهله، يجب عليه في ذلك كله القضاء، والذي أقول به: إنه إنما أراد الذي يحصر بعدو، وأنه لا فرق في هذه المسألة بين أن يفسد حجه بإصابة أهله أو بحصر عدو أو مرض أو كسر أو خطأ عددا أو خفاء هلال حتى يفوته الحج، وأنه يجب عليه في ذلك قضاء الحج؛ لأنه قال فيها: إن الاستئجار كان مقاطعة، ومعناه: أن يستأجره على حجة ولا يسمى في أي سنة، فتكون عليه الحجة على الحلول، فإن أفسدها في أول سنة أو حصر بعدو أو مرض أو خطأ عدد حتى فاتته الحجة كان عليه قضاؤها في السنة التي بعدها، وإنما يفترق حصر العدو من حصر المرض إذا كان الاستئجار لسنة بعينها ولم يكن مقاطعة، فهذا قال فيه في المدونة: إنه إن أحصر بعدو رد المال، ويكون له من إجارته بحساب ذلك الموضع الذي صد فيه، ويأتي على هذا أنه لو أفسد الحج بإصابة أهله أو فاته بخطأ عدد لوجب أن يرد المال ولم يجز أن يقضي الحج في سنة أخرى؛ لأن الاستئجار لما انفسخ بذهاب السنة التي وقع الاستئجار لها ووجب عليه رد المال لم يجز أن يفسخ في حج سنة أخرى؛ لأنه فسخ الدين في الدين، وأما إن أحصر بمرض حتى فاته الحج فلم يقع لذلك جواب في المدونة، ويحتمل أن يفسر مذهب ابن القاسم فيها بما قال ابن حبيب في الواضحة من أنه تكون نفقته على نفسه ما أقام مريضا حتى يأتي البيت فيحل به، ولا يجزي الحجة عن الميت، ولا يكون عليه هو شيء؛ لأنه قد بلغ إلى مكة، وزاد على ما استؤجر عليه بقاؤه محرما مريضا حتى وصل البيت، وبالله التوفيق.