فصل: مسألة الذي يمسك بيد امرأته وهو محرم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الطائف بالبيت يمشي مشيه الذي كان يمشي أم يسرع:

وسئل: عن الطائف بالبيت يمشي مشيه الذي كان يمشي أم يسرع؟ قال: إن أحب أن يسرع في مشيه فذلك له، وإن أحب أن يتأيد في مشيه فلا بأس بذلك، وربما أسرع الإنسان لحاجة عرضت له.
قال محمد بن رشد: قوله: أن له أن يسرع، معناه ما لم يبلغ إسراعه أن يكون خببا لئلا يكون قدر رمل الأشواط السبعة، وذلك مخالف للسنة.

.مسألة معتمران يهديان شاتين فيعدو كل واحد منهما على شاة صاحبه:

وسئل: عن المعتمرين يهديان شاتين فيدخلان بعمرة فيعدو كل واحد منهما على شاة صاحبه فيذبحها عن نفسه وهو لا يعرف ذلك، قال: لا أرى ذلك يجزي عنهما، وأرى لكل واحد منهما على صاحبه قيمة شاته، ويشتري كل واحد منهما لنفسه شاة فيخرجها إلى الحل ثم يدخلها الحرم في عمرة، وإن لم يعتمر أجزأ عنه إن شاء الله ثم يذبحها. ولو ذبح أحدهما شاة صاحبه عن نفسه لم أر ذلك يجزئ عنه، ورأيت أن يذبح شاته التي أوجبها ويغرم لصاحبه قيمة شاته فيشتري بها شاة فيخرجها إلى الحل ثم يدخلها الحرم فيذبحها، والشاة المذبوحة التي ذبحها وليست له شاة لحم لا تجزئ عن واحد منها ويشترى شاة فيذبحها.
قال محمد بن رشد: قال في هذه الرواية: إن من ذبح هدي غيره عن نفسه على سبيل الغلط إنه لا يجزئ عن واحد منهما.
وقال في المدونة: إنه يجزئ عن صاحبه لأنه قد وجب بالتقليد والإشعار. وذهب محمد بن المواز وهو أحد قولي أشهب إلى أنه يجزئ عن ذابحه إذا أغرمه صاحبه فيه القيمة ولم يأخذ اللحم. وأما الضحايا إذا أخطأ الرجل فيها فذبح أضحية غيره عن نفسه فلا تجزئ عن صاحبها باتفاق، واختلف هل تجزئ عن ذابحها إذا اغترمه ربها القيمة ولم يأخذ اللحم، فروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب الضحايا أنها لا تجزئ عنه. وقال محمد بن المواز: تجزئ عنه وهو قول أشهب، لم يختلف قوله في ذلك كما اختلف قوله في الهدايا. وفرق ابن حبيب بين أن يأتي صاحبها واللحم قائم بيد الذابح، أو بعد فواته، فقال: إنه إذا جاء واللحم قائم بيده فلا يجزيه وإن أغرمه القيمة؛ لأنه قد كان له أن يأخذ اللحم إن شاء، وهو قول حسن له حظ من النظر يدخل بالمعنى في مسألة الهدايا، فيأتي فيه أربعة أقوال. فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة، وأصح ما في ذلك أنه لا يجزئ في الهدايا عن واحد منهما، لا عن صاحبه لأنه قد نحره غيره عن نفسه فلم يكن له هو نية في نحره، ولا يجزئ عمل بغير نية لقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الأعمال بالنيات»، ولا عن الذي نحره؛ لأنه قد وجب هديا لغيره بالتقليد والإشعار؟ وأن يجزئ في الضحايا عن الذابح إذا أغرمه ربها القيمة ولم يأخذ اللحم، كما لو أعتق رقبة عن ظهار عليه فاستحقت فأجاز ربها البيع وأخذ الثمن. وتفرقة ابن حبيب بين أن يضمنه القيمة واللحم قائم أو غير قائم استحسان، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة جلال البدن أحب إليك أن تشق على الأسنمة أم لا:

ومن كتاب الحج:
وسئل: عن جلال البدن أحب إليك أن تشق على الأسنمة أم لا؟ قال: إن ذلك لمن أمر البدن أن يشق الجلال عن أسنمتها، وذلك يحبسه عن أن يسقط، وما علمت أن أحدا كان يدع ذلك إلا عبد الله بن عمر فإنه لم يكن يشق، ولم يكن يجلل حتى يغدو من منى إلى عرفات فيجللها. قال مالك: وذلك أنه كان يجلل الجلل المرتفعة والأنماط المرتفعة. قيل: وإنما كان يفعل ذلك استبقاء للثياب، قال: نعم إنه كان يدع ذلك استبقاء للثياب عندي، فأحب إلي إذا كانت الجلل مرتفعة أن يدع ذلك ولا يشق منها شيئا، وإن كانت ثيابا دونا، فشقها أحب إلي وذلك من أمر الناس في البدن ومما تعرف به، وأرجو أن يكون ذلك في سعة.
قال محمد بن رشد: ليس التجليل بواجب في الهدايا كالتقليد والإشعار، لكنه مما يستحب العمل به، ومما يستحب، ومن الاستحباب فيه إن كانت الجلال مرتفعة أن لا يشق عن الأسنمة وأن يؤخر تجليلها إلى عند الغدو من منى إلى عرفة كما جاء عن عبد الله بن عمر، وقد روي عنه أنه كان يجلل بدنه من ذي الحليفة بالرباط وكان يشقها عن الأسنمة ويعقد أطرافها على أذنابها عن البول، وينزعها عنها في المناهل لئلا يفسدها بالتمرغ، فإذا غدا من منى إلى عرفة جللها بالجلال والقباطي والأنماط المرتفعة، فإذا انصرف بها إلى منى يوم النحر نزع جلالها قبل أن يصيبها دمها، ثم يبعث بها إلى الكعبة، فلما كسيت الكعبة هذه الكسوة قصر في الجلال واقتصر على الرياط، وكان يتصدق بها. وهذا مستحب في الفعل لأهل السعة والطول.

.مسألة أتخرج المرأة تريد الحج مع ختنها:

وسمعته يسأل: أتخرج المرأة تريد الحج مع ختنها؟ قال: تخرج مع جماعة الناس.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه لم ير أن تخرج مع ختنها دون جماعة الناس؛ لأنه ليس من ذوي محارمها، إذ قد كانت له حلال قبل أن يتزوج ابنتها. ومثل هذا في سماع ابن القاسم من كتاب النكاح كراهية السفر للرجل مع زوجة أبيه أو ابنه. وحمل مالك رَحِمَهُ اللَّهُ قوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها» على السفر المباح والمندوب إليه دون السفر الواجب، بدليل إجماعهم على أن المرأة إذا أسلمت في بلاد الحرب لزمها أن تخرج إلى بلد الإسلام وإن لم يكن معها ذو محرم منها، فأوجب على المرأة الحج وإن لم يكن لها ذو محرم يحج بها خلافا لأهل العراق في قولهم: إن فرض الحج منسقط عنها بعدم ذي المحرم في محله، وقول مالك أصح؛ لأنه يخصص من عموم الحديث الهجرة من بلاد الحرب بالإجماع، ويخصص حج الفريضة بالقياس على الإجماع، وذلك بين على أصولهم في وجه القياس.

.مسألة أيستظل المحرم في محمله:

ومن كتاب الحج:
وسئل: أيستظل المحرم في محمله؟ قال: لا، قيل: أفتستظل المرأة؟ قال: نعم، تستظل هي تلبس الخمار والثياب. قيل له: أيستظل الرجل إذا كان عديلها؟ فقال: لا، قيل له: أفيضحى هو وتستظل هي؟ قال: نعم. قيل له: أفيستظل المحرم تحت المحمل وهو سائر؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: أجمع أهل العلم على أن الرجل المحرم لا يجوز له أن يغطي رأسه في إحرامه، وأجمعوا على أنه يجوز له أن يستظل وهو نازل بالأرض في مثل القبة والفسطاط، على ما جاء في الحديث: من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر في غدوه من منى بقبة تضرب له من عرفة بنمرة». واختلفوا: هل يجوز له أن يستظل في محمله أو هو سائر بشيء يرفعه على رأسه، فمنهم من أجاز ذلك له قياسا على جواز الاستظلال له في الأرض. وذهب مالك إلى أن ذلك لا يجوز له قياسا على تغطية رأسه، ورأى عليه الفدية إن فعل ذلك كتغطية رأسه سواء، ولم يراع الاختلاف في ذلك، فعلى هذا يأتي قوله في هذه الرواية: إنه لا يجوز له أن يستظل في المحمل وإن كان عديلا للمرأة أو المريض بظل يعمل عليه لهما. وقد روي عن مالك: أنه راعى الاختلاف في ذلك، فاستحسن الفدية لمن استظل في محمله من غير ضرورة، ولم يوجبها عليه، وأجاز له الاستظلال فيه ابتداء إذا اضطر إلى ذلك بكونه عديلا للمرأة فيه أو للمريض، وقع ذلك له في كتاب ابن شعبان، وأجاز له أن يستظل تحت المحمل، وهو سائر؛ لأنه يسير، إذ لا يمكنه إدامة المشي تحته أبدا.

.مسألة الرجل يقدم مكة بالجارية يريد بيعها فتناشده الله أن يدعها تحرم:

وسئل: عن الرجل يقدم مكة بالجارية يريد بيعها فتناشده الله أن يدعها تحرم، قال: يفعل، فقيل له: إن ذلك يغيرها وينقص من ثمنها، فهل عليه شيء إن منعها، قال: خير لك ألا تمنعها.
قال محمد بن رشد: هذا مما لا إشكال فيه أنه خير له أن لا يمنعها لأنه يؤجر في ذلك، فإذا استسهل نقصان ثمنها في جانب ما يدخل عليه من الأجر في إحرامها فقد فعل ما هو خير له، وإن لم يفعل فلا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

.مسألة قارن ساق معه الهدي فوقف بعرفة ثم ضل هديه يوم النحر:

وسئل: عن قارن ساق معه الهدي فوقف بعرفة ثم ضل هديه يوم النحر أيحل يوم النحر قبل أن يبدل هديه الذي ضل منه؟ قال: نعم يحل قبل أن يبدله، أرأيت لو مات هديه فإن هذا يقول لعله يجده أليس يحل؟!
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه ساوى بين الذي ضل هديه يوم النحر وبين الذي مات هديه، وهما يفترقان في الاختيار؛ لأن الذي ضل هديه، وهو يرجو أن يجده يؤخر حلاق رأسه ما بينه وبين زوال الشمس ليقدم النحر قبل الحلاق، إذ هي السنة؛ لقوله عز وجل: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، فإذا خشي زوال الشمس حلق مخافة أن يؤخر إلى بعد الزوال فلا يجد الهدي فتفوته الفضيلتان جميعا الحلاق قبل الزوال والذبح قبل الحلاق، فليس الكلام على ظاهره؛ لأن فيه تقديما وتأخيرا. وتقديره: قال: نعم يحل قبل أن يبدله، أرأيت لو مات هديه أليس يحل، ويبقى قوله، فإن هذا يقول لعل هذا يجده دون جواب، والجواب ما قدمناه من أنه يؤخر حلاق رأسه ما لم تزل الشمس. وإنما تستوي المسألتان في أنه يحل يوم النحر ولا يؤخر حلاق رأسه ما لم تزل الشمس فيها جميعا إلى بعد يوم النحر، وإلى الإعلام بذلك قصد، إذ إنما سأله السائل عن الذي ضل هديه يوم النحر، فأخبر أنه يحل يوم النحر كما يحل الذي مات هديه، ولم يسأله في أي وقت من النهار يحل، ولو سأله عن ذلك لأمره أن يؤخر حلاق رأسه ما بينه وبين زوال الشمس، إن كان يرجو أن يجده كما قال في المدونة، فهذا بيان هذه المسألة.

.مسألة المحرم يغتسل أيجفف رأسه بثوب وهو محرم:

وسئل: عن المحرم يغتسل، أيجفف رأسه بثوب وهو محرم؟ قال:
لا، ولكن يحركه بيده.
قال محمد بن رشد: إنما كره له ذلك مخافة أن يجففه بشدة فيقتل في ذلك دواب رأسه، ولو جففه برفق لا يخشى أن يقتل ذلك من دواب رأسه شيئا لم يكره ذلك له، والله أعلم.

.مسألة يدفع من عرفة حتى يأتي المزدلفة أيؤخر المغرب والعشاء:

وسئل: عن الذي يدفع من عرفة حتى يأتي المزدلفة أيؤخر المغرب والعشاء حتى يحط رحله، أو يحط عن رحله بعد؟ قال: الرحل الخفيف فلا أرى به بأسا أن يبدأ به قبل الصلاة، وأما المحامل والزوامل فإن بدأ بها كان الذي يفوته من فضل الوقت المستحب أكثر من فضل إراحة الإبل من أحمالها، فلا أرى ذلك، وأرى أن يبتدئ بالصلاتين ثم يحط عن رحله.
قال محمد بن رشد: وجه هذه التفرقة بين؛ لأن الرحل الخفيف لا يفوته بالاشتغال به وقت الصلاة المستحب، فيبدأ به ليريح البعير من حمله فيؤجر بذلك، وأما المحامل والزوامل فإن بدأ بها كان الذي يفوته من فضل الوقت المستحب أكثر من فضل إراحة الإبل من أحمالها.

.مسألة المحرمة تقيم أياما ثم تريد أن تنظر إلى وجهها:

وسئل: عن المحرمة تقيم أياما ثم تريد أن تنظر إلى وجهها، فقال: لا، فقيل له: أفتكرهه؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك لها مخافة أن ترى شعثا فتصلحه، وقد مضى ذلك في رسم اغتسل.

.مسألة أيستظل المحرم بيده هكذا:

وسئل: أيستظل المحرم بيده هكذا؟ قال: لا بأس بذلك، ووضع يديه فوق حاجبيه يستر بهما وجهه.
قال محمد بن رشد: إنما استخف ذلك ليسارته كما استخف في أول هذا الرسم للرجل المحرم المشي تحت المحمل إذ لا يدوم ذلك، بخلاف الذي يرفع فوق رأسه ثوبا وشيئا يستظل به. وله أن يرفع فوق رأسه شيئا يقيه المطر. واختلف هل له أن يرفع فوقه شيئا يقيه من البرد، فوسع في ذلك مالك في رواية ابن أبي أويس عنه، ولم ير ذلك له ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المدنية أيضا، وفي المدنية لمالك: أن المحرم له أن يستر وجهه بيده، وليس له أن يضعه على رأسه من شدة الحر.

.مسألة يطوف بالبيت فيطلع عليه الفجر فيخشى إقامة الصلاة قبل الفراغ من طوافه:

وسئل: عن الذي يطوف بالبيت فيطلع عليه الفجر فيخاف أن تقام الصلاة قبل أن يفرغ من طوافه فلا يقدر أن يركع ركعتي الفجر، أترى أن ينصرف فيركعهما ثم يرجع فيبني على طوافه؟ قال: ما سمعت أحدا صنع مثل هذا. قيل: ولا ترى أن يركعهما؟ قال: بلى، إن كان الطواف تطوعا فأرى أن يركعهما ثم يرجع فيبني على طوافه، وما أنا له بالنشيط، وما سمعت أحدا قطع الطواف، وماله دخل الطواف؟ فقيل له: إنما دخل قبل الفجر، فقال: لا ولكنه قد علم أن ذلك قد تقارب، قيل له: أفأحب إليك إذا خاف أن يطلع عليه الفجر قبل أن يقضي طوافه أن لا يدخل في الطواف وأن يجلس حتى يصلي؟ قال: نعم. فقيل له: فإنه قد دخل في الطواف، قال: فأرى أن ينصرف فيركع ركعتي الفجر إذا كان في الطواف الذي ليس بواجب.
قال محمد بن رشد: الطواف بالبيت صلاة لا يكون إلا على طهارة إلا أنه أبيح فيه الكلام والشغل اليسير، فلا يصح لأحد أن يترك طوافه الواجب لشيء من الأشياء إلا إلى صلاة الفريضة، واستخف له أن يترك طواف النافلة لصلاة النافلة كما استخف له أن يترك الطواف الواجب لصلاة الفريضة، وإن كان الاختيار له أن لا يفعل شيئا من ذلك، فلا ينبغي للرجل أن يدخل في الطواف إذا خشي أن تقام الصلاة قبل أن يفرغ من طوافه ولا أن يدخل في طواف التطوع إذا خشي أن تفوته ركعتا الفجر إن أكمل طوافه.

.مسألة يفيض يوم النحر يوم جمعة فيفرغ من طوافه ويريد البقاء لصلاة الجمعة:

وسئل: عن الذي يفيض يوم النحر في يوم جمعة فيفرغ من طوافه ثم يريد أن يقيم حتى يصلي الجمعة، قال: ما سمعته، فقال: أحب إليك أن يرجع إلى منى؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: إنما استخف ذلك لأنها السنة من فعل «النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، أفاض يوم النحر صدر النهار ثم رجع فصلى الظهر بمنى». وقد روي أنه إنما أفاض آخر النهار. وقد تقدم هذا في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم.

.مسألة المحرم يرى القملة في ثوبه:

وسئل: عن المحرم يرى القملة في ثوبه أترى أن يأخذها فيضعها منه في موضع آخر؟ قال: أرجو ألا يكون بذلك بأسا، قيل له: فالمحرم يرى القملة في ثوبه أو جلده فيأخذها منه فيضعها في مكان آخر أو في الأرض؟ قال: ليس هكذا قلت؛
ولكن يأخذها فيضعها في موضع آخر من ثوبه أو جلده.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن وضعها في الأرض بمنزلة القتل لها، إذ لا تعيش فيه لأنها ليست من دواب الأرض. وأما إذا وضعها في موضع آخر من ثوبه أو جلده فهو كمن طرد صيدا في الحرم من موضع إلى موضع آخر ولم يخرجه منه فلا شيء عليه في ذلك.

.مسألة المحرم أيضع ثوبه على أنفه من رائحة الجيفة:

وسئل: عن المحرم أيضع ثوبه على أنفه من رائحة الجيفة؟
قال: إني أرجو أن لا يكون به بأس.
قال محمد بن رشد: قوله إني لأرجو أن لا يكون به بأس كأنه يدل على أن الأحسن ألا يفعل ذلك، ولا معنى لاختيار ذلك، إذ ليس المحرم متعبدا باستنشاق الروائح القبيحة ولا له في ذلك قربة، وقد قال ابن القاسم في رسم حلف الأول من سماع ابن القاسم: إنه يفعل ذلك، فعبارته هناك أحسن من هذه.

.مسألة دعا في الطواف باللهم قني شح نفسي:

وقال مالك: زعموا أن عبد الرحمن بن عوف اتبعه رجل في الطواف، أي حول البيت فرآه يكثر من قوله اللهم قني شح نفسي، فلما فرغ قال له الرجل: رأيتك تطوف فتقول: اللهم قني شح نفسي، فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
قال محمد بن رشد: رضي الله عن عبد الرحمن بن عوف، فإن الذي دعا به أحسن ما يدعى به؛ لأن فيه جماع الخير كله من بذل المال في ذات الله تعالى، وإتعاب الأنفس والجوارح في العبادات كلها من الصيام والصلاة والحج والجهاد وسائر أعمال الطاعات؛ لأن في تقصير العبد في شيء من ذلك إبقاء على نفسه وترفيها له عنها، فإذا لم يشح بنفسه وجسمه في ذلك بلغ الغاية في جميع الأعمال والعبادات، كما أنه إذا لم يشح بماله بذله لله في مرضاته.

.مسألة عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب وأن الله رفعه إليه:

قال: وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما»، قال مالك: أراد في رأيي ليجمعنهما.
قال محمد بن رشد: قد أعلم الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن عيسى ابن مريم ما قتل ولا صلب، وأن الله رفعه إليه، أخبر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ إخبارا وقع العلم به أنه سينزل في آخر الزمان حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. وفي بعض الآثار: فيهلك الله في أيامه الملل كلها، فلا يبقى إلا الإسلام، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرتع الأسد مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، والغلمان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضا. فهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضا، ويشهد بصحته ما حكاه مالك عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ.

.مسألة الحاج يدخل المسجد الحرام فيريد أن يبدأ بركعتين قبل الطواف بالبيت:

وسئل: عن الحاج يدخل المسجد الحرام فيريد أن يبدأ بركعتين قبل الطواف بالبيت، قال: بل يبدأ بالطواف بالبيت أحب إلي. قيل له: أيبدأ بالطواف بالبيت أحب إليك؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: إنما استحب ذلك لأن السنة من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جابر أنه «لما أتى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت، استلم الركن فرمل ثلاثا ثم مشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين القبلة وصلى ركعتين ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا، فقال: نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا».

.مسألة يترك استلام الركن فلا يستلمه حتى ينصرف:

وسئل: عن الذي يترك استلام الركن فلا يستلمه حتى ينصرف، أعليه شيء أم لا؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في المدونة. ومن الدليل على أن استلامه ليس من واجبات الحج «قوله عَلَيْهِ السَّلَامُ لعبد الرحمن بن عوف: كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن، فقال: أستلمت وتركت، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت».

.مسألة الذي يفوته الحج فيقيم على إحرامه ذلك إلى حج:

وسئل: عن الذي يفوته الحج فيقيم على إحرامه ذلك إلى حج قابل، أيكون عليه الهدي؟ قال: نعم، في رأيي يحتاط بذلك. قلت له: فأحب ذلك إليك أن يقيم محرما على حجه أم يحل ويهدي قابلا؟ قال: بل أحب إلي أن يحل ويحج قابلا ويهدي. قلت له: ذلك أحب إليك؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: لم ير عليه في المدونة هديا إذا أقام على إحرامه فحج به من قابل، وهو القياس؛ لأن الهدي إنما أوجبه الله على من تمتع بالتحلل بالعمرة إلى الحج حيث يقول: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، وقوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] معناه عند مالك أن يتمتع بالعمرة إلى الحج على ما بين تعالى بعد ذلك بقوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: 196]... الآية، فالهدي الأول هو الثاني عنده، عند غيره من أهل العلم الهدي الأول يحل له به حلق الشعر ولبس الثياب بموضعه إذا وصل الهدي إلى مكة فنحر بميعاد يضربه له، والهدي الثاني يجب عليه إذا تحلل بعمرة فحل من جميع إحرامه قبل العام المقبل، فلا وجه للاحتياط للهدي إذا لم يتحلل بعمرة وبقي على إحرامه إلى قابل فحج به إلا مخافة أن يكون لطول الإحرام لم يخلص مما يوجب عليه الفدية بالصيام أو الصدقة أو النسك، فرأى في ذلك الهدي احتياطا لأن من قلد النسك وجعله هديا لم يضره ذلك، فمن الاحتياط على هذا أن لا يأكل منه، ووجه استحسانه أن يتحلل بعمرة ولا يبقى على إحرامه الأخذ بالرخصة والتخفيف وترك التشديد على نفسه؛ لأن بقاءه على إحرامه إلى عام آخر أمر شاق شديد، فكرهه له كما كره الاعتكاف مخافة ألا يفي بالواجب عليه في ذلك لشدته، وكما نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوصال لشدته.

.مسألة في البيت الحرام أيركع في أي نواحي البيت شاء:

وسئل: عن الركوع في البيت الحرام أيركع في أي نواحي البيت شاء مستقبلا المشرق والمغرب؟ قال: لا بأس بذلك. ثم قيل له أيضا بعد: أيصلي المرء في البيت إلى أي ناحية شاء؟ قال: لا، بل أحب إلي أن يجعل الباب خلف ظهره ثم يصلي في أي نواحيه شاء إذا جعل الباب خلف ظهره واستقبل بوجهه فصلى تلقاء وجهه، وهو الوجه الذي صلى إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الوجه الذي يصلي إليه الأئمة ويؤمه أهل منى. قيل له: ولا يصلي إلى أي نواحيه شاء؟ قال: لا أنهى عنه، وأحب إلي أن يجعل الباب خلفه، وكذلك فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال محمد بن رشد: من صلى في داخل البيت فهو مستقبل لبعض البيت مستدبر لبعضه كيفما صلى، فلذلك رأى مالك أولا أن يصلي فيه إلى أي نواحيه شاء، إذ لا فرق بين ذلك في النظر، ثم استحب بعد ذلك أن يصلي فيه إلى الناحية التي جاء أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى إليها من غير إيجاب.

.مسألة يصل مكة عشية عرفة قبل الغروب أيجمع بين الصلاتين:

وسئل: عن الذي يأتي عشية عرفة قبل الغروب مكة فيخرج يريد عرفة فتغرب عليه الشمس أيصلي مكانه أم يؤخر الصلاة حتى يقف بعرفة وينصرف إلى المزدلفة؟ فقال: ما له يؤخر؟ لا، بل يصلي كل صلاة لوقتها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن السنة في جمع الصلاتين إنما هي لمن دفع من عرفة إلى المزدلفة لا لمن كان سائرا إلى عرفة.

.مسألة من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما:

وسألته: عن قول عبد الله بن عباس من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما، أليس ترى هذا هديا؟ فقال لي: منه ما يكون هديا ومنه ما يكون دما ليس بهدي، فما كان من فدية الأذى فكان دما، وما كان من هذا الآخر فهو هدي. فقلت له: وما يكون منه هدي مما ليس بهدي؟ فقال لي: أما ما كان من وجه الفدية مثل نتف الشعر وما أشبهه، فإن ذلك إذا كان دما ليس بهدي وإنما هو الفدية، وأما ما كان منه نقصا للحج مثل أن ينسى رمي الجمار أو ينسى أو يترك من أمور الحج ففي ذلك الهدي، كل دم أمر به في ذلك فهو هدي.
قال محمد بن رشد: تفسير مالك رَحِمَهُ اللَّهُ لحديث ابن عباس بعيد من ظاهره؛ لأنه إنما قال: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فلا مدخل في ذلك للفدية، وإنما هو الهدي؛ لأن الفدية إنما هي فيما يفعل المحرم مما أمر باجتنابه من لبس الثياب وحلق الشعر وإلقاء التفث، لا لمن ترك شيئا من مناسك الحج التي أمر بها، ألا ترى أن من حلق رأسه افتدى، ومن ترك حلق رأسه أهدى؛ لأنه في حلق رأسه فعل ما أمر باجتنابه، وفي ترك حلق رأسه ترك ما أمر به من نسكه، وهذا بين.
والفرق بين الدم لفدية الأذى وبين الهدي أن الدم لفدية الأذى لا يقلد ولا يشعر، ومن شاء قلده وأشعره، ولا يوكل منه بحال ويذبحه حيثما شاء من البلاد، وهو مخير فيه بين الصيام والإطعام والدم. والهدي يقلد ويشعر ويجمع فيه بين حل وحرم ولا ينحر إلا بمكة أو بمنى، ويوكل منه تطوعا كان أو واجبا إذا بلغ محله، إلا أن يكون نذره للمساكين أو يكون هدي جزاء صيد، ولا يجزئ عنه الإطعام بحال ولا الصيام، إلا أن لا يجد الهدي فيصوم عشرة أيام، الثلاثة منها في الحج في هدي التمتع والقران باتفاق، وفيما سوى ذلك على اختلاف قد مضى تحصيله في رسم حلف الأول من سماع ابن القاسم.

.مسألة الذي يمسك بيد امرأته وهو محرم:

وسئل: عن الذي يمسك بيد امرأته وهو محرم، فقال: رب رجل، فقيل: رب رجل ماذا؟ فقال: إذا أمن على نفسه ولم يخف شيئا فلا أرى بذلك بأسا. قد كان سالم بن عبد الله يسافر هو وامرأته جميعا إلى الحج هي على راحلة وهو على أخرى ويمر به الناس فيسلمون عليه وهي معه.
قال محمد بن رشد: أباح له هاهنا أن يمسك بيد امرأته إذا أمن على نفسه ولم يخف شيئا في ذلك، أي إذا أمن على نفسه أن يلتذ بذلك، إذ لا يباح له الالتذاذ بشيء من امرأته بخلاف الصيام. وقد روى ابن القاسم عن مالك: أنه لا يمسها ولا يقربها إلا أن يلجأ إلى ذلك، إذ ليست تستطيع الركوب، وهذا أظهر؛ لأن المحرم لا يجوز له أن يتلذذ بشيء من امرأته فلا يأمن الالتذاذ في ذلك، وإن أمن ما وراءه، من الإنعاظ والمذي.