فصل: مسألة كتب العدو إلى المسلمين إن تهبونا ما أخذنا نجيبكم إلى الإسلام أو الجزية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الأسير أيقسم له:

قال: وسألته عن الأسير أيقسم له؟ قال: نعم، إذا كان الإيسار بعد القتال.
قلت: ولفرسه إن أصيب معه، أو عقر تحته، أو خلفه عند أصحابه؟
فقال: في ذلك كله: يقسم له ولفرسه إذا شهد القتال.
قال محمد بن أحمد: قد مضى تحصل القول في هذه المسألة في أول رسم، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة الكلب يصيبه الرجل في أرض العدو أيجوز للإمام بيعه:

قال: وسألته عن الكلب يصيبه الرجل في أرض العدو، أيجوز للإمام بيعه إذا كان له ثمن؟
قال: نعم، ولا يجوز لأحد يصيبه أن يحبسه دون الإمام، ولا أرى بأسا أن يباع في المغانم، وروى معن بن عيسى عن مالك أنه قال في كلاب العدو الصائلة وغيرها: إنها لمن أخذها، وليس عليه أن يأتي بها إلى صاحب المقاسم.
قال محمد بن أحمد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها، في رسم سلف دينارا في ثوب إلى أجل، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة للفرس سهمين وللرجل سهما:

ومن كتاب الأقضية:
مسألة قال يحيى: وسألت ابن نافع عما جاء من سهمان الفرس، إذ جعل له سهمان، وللرجل سهم، أيرفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟ فقال: حدثني عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض للفرس سهمين، وللرجل سهما»، قال: وحدثني أيضا عن عبد الله بن عمر بن حفص، عن رجل أخبره قال: غزا أبي على عهد عمر بن الخطاب غزاة بهارلد، فأصابوا غنائم كثيرة، قال: فأخبرني أنه قسم له ولفرسه ثلاثة وثلاثين ألفا، وقسم للراجل من الغزاة يومئذ أحد عشر ألفا.
قال ابن نافع: بذلك مضت السنة.
محمد بن أحمد: هذا أمر متفق عليه في المذهب، وقال ابن سحنون: ما علمت من علماء الأمة من قال: إن للفرس سهما وللفارس سهما غير أبي حنيفة، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وما أرى أن يدخل هذا في الاختلاف.

.مسألة ذميون استألفوا عبيدا للمسلمين وجمعوا أموالهم وذراريهم فأسروا:

ومن كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر:
مسألة قال:
وسألته عن ناس من أهل الذمة استألفوا عبيدا للمسلمين، وجمعوا أموالهم وذراريهم، أو الأموال بغير ذراري، أو خرجوا بأبدانهم مع العبيد الذين استألفوهم، أو بغير عبيد، فركبوا البحر، فبينما هم يسحلون برية الإسلام ليمكنهم طيب الريح، أو لعلهم أرادوا إلى مينا ليقلعوا منها ذاهبين، إذ شعر بهم المسلمون فأسروهم، أيحل دماؤهم وأموالهم بركوبهم البحر، وخروجهم من دار الإسلام بغير علم الإمام أو علم أحد من المسلمين؟
قال: لا أرى لأحد أن يستحلهم ولا أموالهم؛ لأن لهم في ركوب البحر عذرا بأن يقولوا: أردنا أن ننتجع ناحية للمير أو لرفق يذكرون نزوعهم إليه، قلت: فإن لججوا في البحر حتى ينقطع عنهم ما اعتذروا به من مسايرة الساحل؟
قال: ولا أرى أن يحلوا بذلك.
قلت له: فيما تراهم يستحلون به؟ قال: إذا لحقوا بدار الحرب، وصاروا في منعتهم.
قلت: أرأيت إن امتنعوا في الساحل حين أراد المسلمون إنزالهم، وأنكروا عليهم ركوبهم، فدفعوا وامتنعوا حتى أسروا وصنعوا مثل ذلك في لجج البحر.
قال محمد بن أحمد: ما لم يجاوب عليه في هذه المسألة قد تقدم جوابه فيه في رسم الجواب، من سماع عيسى، ومضت المسألة هناك، وفي رسم الكبش من هذا السماع، باختلاف ألفاظ وزيادات في بعضها تبين غيرها، ومضى القول على ذلك كله، فلا معنى لإعادته.

.مسألة غزوا بعض جزائر الروم وكان لهم رسول أيشركهم فيما أصابوا:

وسألته: عن أهل مركب غزوا في البحر بعض جزائر الروم، فلما نزلوا ببعض مياههم أرسلوا رجلا منهم إلى ناحية من الجزيرة ليخبر لهم ما فيها من مراكب المسلمين، فأبطأ الرسول عنهم فأقلعوا إلى موضع فأصابوا فيه غنائم، أيشركهم الرسول فيما أصابوا مما غاب عنه، وقد كان الرسول حين أتى الموضع الذي أرسل إليه وجد مراكب المسلمين فدخلها؟
قال: إن كان الرسول ذهب إلى ما أمر به، وجاء فوجد أصحابه قد ذهبوا عنه فسهمانه فيما أصابوا واجب، وإن كان قعد عنهم تاركا لهم مستقلا عنهم إلى الذي أقام عندهم، فلا حق له فيما غنم أصحابه الذين تركهم.
محمد بن أحمد: هذا بين على ما قال؛ لأن الرسول إنما أرسلوه فيما يخصهم من أمر عدوهم، فإذا لم ينتقل عنهم إلى غيرهم وذهب لما أمر به، فقدم عليهم بعد أن غنموا، فسهمانه في ذلك واجب؛ لأنه كان معينا لهم في مغيبه عنهم، وكذلك لو أرسلوه قبل خروجهم فيما يخصهم من أمر عدوهم على أن يلحقهم فلم يدركهم إلا بعد أن غنموا، لوجب أن يكون له سهمه معهم في ذلك، وإنما اختلف أهل العلم من هذا المعنى في المدد يقدم على العسكر بأرض الحرب بعد الغنيمة، فذهب مالك والشافعي إلى أنه لا حق لهم في الغنيمة، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنهم يشركونهم في الغنيمة؛ لأنهم ما كانوا ببلد الحرب لا يأمنون أن يطرأ عليهم من العدو من ينتزع الغنيمة منهم، والحجة لمالك ما روي عن أبي هريرة قال: «بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سفيان على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر بعدما افتتحت، وسألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقسم لهم، فلم يقسم لهم شيئا».
واعتل من احتج لأبي حنيفة بأن قال: يحتمل أن يكون النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، لم يقسم لهم؛ لأنهم لم يقدموا عليه إلا وخيبر قد صارت دارا للمسلمين فاستغنى عن معونتهم.
قال: ويحتمل أيضا أن يكون لم يقسم لهم؛ لأن خيبر كان لأهل الحديبية بوعد الله إياهم إياها في سورة الفتح: روي عن أبي هريرة أنه قال: «ما شهدت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغنما إلا قسم لي إلا خيبر؛ فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة».
قال: وفي ترك إنكار رسول الله عليهم سؤالهم دليل على أنهم لم يسألوا محالا، والله أعلم.

.مسألة رجل من المسلمين تخلف عنهم ثم أغار عليهم وأخافهم وسبى وقتل:

وسألته عمن تخلف من أهل برشلونة من المسلمين، عن الارتحال عنهم بعد السنة التي أجلت لهم يوم فتحت في ارتحالهم، فأغار على المسلمين وأخافهم، وسبى وقتل ولم يقتل، غير أنه قد أصاب الأموال، أيحل دمه وماله أو استرقاقه إن أسر، وإنما إقامته على الإسلام تعوذا مما يخاف من القتل إن ظفر به؟ فقال: ما أراه إلا بمنزلة المحارب الذي يتلصص في دار الإسلام من المسلمين، وذلك أنه مقيم على دين الإسلام، فإن أصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بمثل ما يحكم به في أهل الفساد والحرابة، وأما ماله فلا أراه يحل لأحد أصابه، قال: وإن كان ما يصنع مما يكره عليه ويؤمر به، فلا يستطيع عصيان من يأمره خوفا على دمه، فلا أراه حاربا، ولا أرى عليه إن أخذ قتلا ولا عقوبة إذ تبين أنه يخاف ويؤمر به.
قال محمد بن أحمد: قوله: إنهم في غاراتهم على المسلمين بمنزلة المحاربين، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن المسلم إذا حارب، فسواء كانت حرابته في بلد الإسلام أو في بلد الكفر الحكم فيه سواء، وأما قوله في ماله: إنه لا يحل لأحد أصابه، فهو خلاف ظاهر قول مالك في المدونة في الذي يسلم في بلد الحرب ثم يغزو المسلمين تلك الدار، فيصيبون أهله وماله وولده، أن ذلك كله فيء إذ لم يفرق فيها بين أن يكون غنم الجيش ماله وولد قبل خروجه أو بعد خروجه، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن معنى قوله: إذا كانت غنيمة ماله وولده بعد خروجه، فحمل قول مالك على الوجه الذي تكلم عليه ابن القاسم إذا كانت الغنيمة بعد خروجه، وقد مضى في أول رسم المكاتب ما يدل على أنه لا يمتنع أن يدخل الخلاف في ذلك، ويحكم للمال والولد بحكم الدار في السبي والدين وإن كان مقيما به، ولم يخرج بعد منه، وأما قوله: لا أرى عليه إن أخذ قتلا، ولا عقوبة إذا تبين أنه مخالف ويؤمر به، فمعناه لا يقتل بالحرابة؛ لأن الإكراه يسقط عنه حكمها لا أنه يسقط القتل عنه قودا بمن قتل، ولو ادعوا الإكراه ولم يثبت وأشبه دعواهم، ولم يتبين كذبهم؛ لوجب أيضا أن يسقط عنهم حكم الحرابة بالشبهة، ويؤخذون بحقوق الناس من الدم والمال، ويطال سجنهم أدبا لهم على قياس ما قال في رسم الكبش في أهل الذمة.

.مسألة رجل أسره العدو ثم غنمه المسلمون فيشتريه رجل ثم يتبين أنه حر:

ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع مسألة:
وسألته عن الرجل من سفلة الناس يأسره العدو أو الذمي، ثم يغنمهم المسلمون فيشتريهما رجل في المقاسم أو يأخذهما في سهمانه، ثم يتبين له أنهما حران؟ فقال له: لا أرى له عليهما سبيلا؛ لأنهما حران ساعة أصابهما المسلمون، قلت: أفلا يتبعهما بالذي اشتراهما به؟ أرأيت لو كان اشتراهما في أرض العدو وهما أسيران، أما كان يتبعهما بما اشتراهما به؟ فقال: بلى، وليس اشتراؤه إياهما في الأسر بمنزلة اشترائهما في المغانم؛ لأنهما في أرض العدو في رق استنقذهما منه، وهما حين صارا بأيدي المسلمين فقد خرجا من ذلك الرق، وصارا إلى الحرية التي كانا عليها، قلت: فما ترى في حق المشتري إن كان أحدهما في سهمانه أو اشتراهما في المقاسم؟
فقال: أراهما مصيبة دخلت عليه، إلا أن يدرك قبل المقاسم، فيسقط ذلك الثمن عنه.
قلت: فإن فات ذلك أينبغي للإمام أن يخلف له من الخمس أو من بيت المال؟ فقال: نعم، ذلك حسن.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول عليها مستوفى قرب آخر سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة الحصن يرمى بالنار والمنجنيقات ومعهم الصبيان:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن الحصن يرمى بالنار والمنجنيقات ومعهم الصبيان، قال المنجنيقات فذلك وجه الشأن فيه، وإن كان معهم الصبيان، وأما النار فلا أحب ذلك، وليس هو مثل المراكب؛ لأن المراكب ذلك هم بدءونا به، وقاتلونا بالنار، فمن ثم جاز لنا أن نقاتلهم بالنار.
قال محمد بن أحمد: هذه المسألة قد مضى القول عليها محصلا مستوفى في رسم الصلاة، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وكان مالك رَحِمَهُ اللَّهُ يكره أن يقاتل العدو بالنبل المسموم والسلاح المسموم، قال: لم يبلغني أن رسول الله قاتل أحدا بشيء من السم.

.مسألة رمي على مركب المسلمين نار فخافوا النار فهل يلقوا بأنفسهم في الماء:

قلت: فإن رمي على مركب المسلمين نار، فخافوا النار، أترى لهم سعة في أن يلقوا بأنفسهم في الماء فيموتوا؟ قال: نعم، كذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة لمالك أجاز الفرار من موت إلى موت أيسر منه، ولم ير ذلك عونا على قتل نفسه، واختلف فيه قول ربيعة، فمرة قال: لا يحل ذلك، ومرة أجازه، والصواب إن شاء الله أن ترك ذلك أفضل، وفعله جائز لا إثم على فاعله فيه؛ لأنه إذا أيقن بالهلاك ولم يشك فيه، فلم يعن على قتل نفسه، وإنما سعى في التخفيف عنها، والله تعالى أسأل في العافية.

.مسألة عقر غنم وبقر أعداء المسلمين:

قال: وقال مالك: تعقر غنمهم وبقرهم إن لم يحتاجوا إلى ذلك، وكل ما قدروا على أن يهلكوهم به.
قال محمد بن أحمد: يريد أنها تعقر بالإجهاز عليها، وتحرق بعد ذلك إن خشي أن ينتفع العدو بها بعد عقرها، وذلك أفضل من تركها لهم يبغون بها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]، وإنما نهى أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يزيد بن أبي سفيان بقوله: ولا تعقرن شاة أو بعيرا إلا لمأكلة، لما علمه من ضعف العدو ورجائه من سرعة تصيير ذلك للمسلمين.

.مسألة رسل من الروم أسلم بعضهم فقام عليهم أصحابهم وأرادوا ردهم معهم:

قال: وقال ابن القاسم: أرسل ملك الروم للخليفة رسلا من الروم، فأسلم بعضهم، فقام عليهم أصحابهم، وأرادوا ردهم معهم، فقال مالك: ذلك لهم أن يردوا معهم إلى بلادهم. قال ابن القاسم: وكذلك فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبي جندل.
قال محمد بن أحمد: ذهب ابن حبيب إلى أن الرسول إذا أسلم يقبل إسلامه إلا أن يشترطوا ذلك، فهي ثلاثة أقوال، والحجة لمالك في أنه يرد إليهم بعد إسلامه إن لم يشترطوا ذلك؛ ما روي «عن أبي رافع قال: أقبلت بكتاب من قريش إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رأيته ألقي في قلبي حب الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم، فقال رسول الله: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك بعد أن ترجع إليهم الذي في قلبك الآن فارجع. قال: فرجعت إليهم، ثم أقبلت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وأما ما احتج به ابن القاسم من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبي جندل، فلا حجة فيه؛ لأنه إنما رده إليهم بالشرط الذي كان بينه وبينهم أن يرد إليهم من جاءه مسلما من عندهم، وقد قيل: إن ذلك منسوخ؛ بقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الآية، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، والله أعلم، في ترك إعمال الشرط، وقال في حديث أبي رافع: إنما رده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه لم يكن أسلم بعد، وإنما حبب إليه الإسلام، فأحب المقام عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فهذا تأويل الحديث، وإنما فيه أن الرسول إذا رفض ما أرسل فيه وأحب المقام بلا إسلام؛ لم يجز للإمام أن يمكنه من ذلك.

.مسألة كتب العدو إلى المسلمين إن تهبونا ما أخذنا نجيبكم إلى الإسلام أو الجزية:

وسئل ابن القاسم عن قوم من العدو غلبوا على مدينة من مدائن المسلمين، وعلى رجالهم ونسائهم ثم يكتبون إلى المسلمين، أو خرج إليهم المسلمون، فأرسلوا إليهم إن تهبونا ما أخذنا من أموالكم ورجالكم ونجيبكم إلى الإسلام، أو نعطيكم الجزية، خرجوا إليهم، أو كتبوا هم إلى المسلمين، قال: أما الذي أرى الآن، فإني أرى أن ينظر المسلمين، فإن كانوا يقووا عليهم لم أر أن يجيبوهم في شيء من الأحرار والمماليك، وأما الأموال فإني أرجو أن يكون ذلك سهلا إذا لم يطمعوا أن ينالوهم إلا بقتل من المسلمين، وإن علم أنهم لا يقووا عليهم رأيت ذلك للمسلمين، وكانوا بمنزلة الروم أن لو أرسلوا إلينا يطلبون الإسلام، وفي أيديهم أسارى من المسلمين أجبناهم، وكانوا لهم مماليك، فهؤلاء مثلهم إذا لم يطمع بهم، وأما إذا أجابوا إلى الإسلام، وهؤلاء في أيديهم عتقوا عليهم، وإن لم يسلموا فصالحوا على الجزية لم تؤخذ منهم الأموال، ورأيت أن يباع العبيد المسلمون عليهم بمنزلة من أسلم من مماليكهم، وأما الأحرار الذين في أيديهم، فإني أرى أن يدفع إليهم قيمتهم، ويخرجوا أحرارا من بيت مال المسلمين.
قال محمد بن أحمد: لا اختلاف في أن أهل الحرب إذا أسلموا وفي أيديهم أسارى من المسلمين الأحرار يطلقونهم؛ إذ لا يحل لهم أن يتملكوهم، فقوله في هذه الرواية: إنه ينظر للمسلمين، فإن كانوا يقوون عليهم لم أر أن يجيبوهم للإسلام في شيء من الأحرار والمماليك على أن يعطوا قيمة الأحرار، ويكون لهم المماليك، وإن علم أنهم لا يقوون عليهم رأيت للمسلمين أن يجيبوهم إلى ذلك، وقوله بمنزلة أن لو أرسلوا إلينا يطلبون الإسلام، وفي أيديهم أسارى من المسلمين، يريد أسارى من العبيد المسلمين، يقول: فكما يكون لهم إذا أسلموا ما كان في أيديهم من العبيد المسلمين أسارى، فكذلك يكون لهم إذا أجبناهم إلى الإسلام قيمة ما في أيديهم من أسارى المسلمين الأحرار، ويجوز لنا أن نجيبهم إلى الإسلام على ذلك إذا لم نقو على غلبتهم عليهم، وقوله: إذا أجابوا إلى الإسلام وهؤلاء في أيديهم عتقوا عليهم يريد إذا أطلقوا من أيديهم ولم يمكنوا من استرقاقهم؛ لأنهم يعتقون عليهم، فيكون لهم ولاؤهم، وقوله: وإن لم يسلموا وصالحوا على الجزية لم يؤخذ منهم الأموال، ورأيت أن يباع العبيد المسلمون عليهم إلى آخر قوله؛ صحيح لا اختلاف فيه أيضا، يقضي على ما مضى في سماع يحيى، مما وقع فيه على غير تحصيل على ما ذكرناه، ولا اختلاف أيضا في أنهم إذا صالحوا على هدنة لا يؤخذ ما في أيديهم من أسارى المسلمين ولا رقيقهم ولا أموالهم، وإنما اختلف إذا استأمنوا فدخلوا بأمان فيما أسلم من رقيقهم، وفيما الفيء في أيديهم من أسارى المسلمين ورقيقهم المسلمين، فحكم لهم ابن حبيب في ذلك كله بحكم أهل الذمة، وحكى أنه إجماع من مالك وأصحابه إلا ابن القاسم، وذهب ابن القاسم إلى أنه لا ينتزع منهم شيء من ذلك، ولا يحال بينهم وبين وطء ولا رجوع بهم إلى بلادهم، إلى أن يفادى منهم أو يبتاع برضاهم وطيبة أنفسهم كالمصالحين على الهدنة، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد يسبيه العدو ثم يقع في سهمان رجل ثم يبيعه ثم يأتي سيده:

قال: وسألت ابن القاسم عن العبد يسبيه العدو، ثم يقع في سهمان رجل، ثم يبيعه ثم يتداوله رجال ثم يأتي سيده، قال: إن أحب أن يأخذ العبد بما وقع به في المقاسم أخذه، وليس له أن يأخذه بأي ثمن شاء، وإنما له أن يأخذه بما أخذ به في المقاسم، وليس هو مثل الشقص يباع من الدار فيتداوله رجال، ثم يأتي الشفيع فيأخذ بأي الأثمان شاء، من قبل أن الشفيع لو باع شريكه من رجل فأجاز، ثم باع الذي أجاز له، رجع بشفعته فأخذوا الذي سبي عنده، ثم وقع في سهمان رجل لو جاء به الذي وقع في سهمانه ثم باعه ذلك الرجل؛ لم يرجع على العبد أبدا، فمن ثم يقال له: إن أحببت أن تأخذ العبد فخذه بما وقع في المقاسم، وليس لك غير ذلك، وكان للشفيع أن يأخذ بأي الأثمان شاء.
قال محمد بن أحمد: قوله: إنه يأخذ العبد إذا تداولته الأملاك بالثمن الذي وقع به في المقاسم خلاف قوله في المدونة في الذي يشتري العبد في بلاد الحرب، ثم يقدم به فيبيعه، أنه ليس لصاحبه إلا ما بين الثمنين؛ إذ لا فرق بين المسألتين، وخلاف ما يأتي على قول غيره فيها أيضا من أنه يأخذه من المشتري الثاني، بالذي اشتراه به، وقد روي عن ابن القاسم أنه يأخذه بأي ثمن شاء، وهو قول ابن الماجشون وأحد قولي سحنون، فهي أربعة أقوال، وجه قول ابن القاسم في المدونة أن له ما بين الثمنين، وليس له أن يأخذ العبد هو أن البيع فوت لشبهة ملك العدو إياه؛ إذ قد قيل لصاحبه إليه، وإن أدركه قبل القسم فله ما استفضل فيه المبتاع، إذا كان له أن يأخذه بالثمن، ووجه قول غيره في المدونة أنه يأخذه من المشتري الثاني بالثمن الذي اشتراه به هو أنه لا حجة للمبتاع الثاني إذا أعطاه جميع الثمن الذي وزن فيه كما لم يكن للذي اشتراه من المقاسم في ذلك حجة، ووجه قوله في هذه الرواية أنه يأخذه بالثمن الأول، هو أن ذلك حق وجب له لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ للذي وجد بعيره في المغنم، وقد كان أصابه العدو: «وإن وجدته قد قسم فأنت أحق به بالثمن إن أردته»، فلا يسقط حقه في ذلك بيع المشتري إياه، ولا تداول الأملاك فيه، ووجه القول الرابع أنه يأخذه بأي ثمن شاء، قياس ذلك على الشفعة إذا تداولت الأملاك الشقص.

.مسألة عبد تداوله رجال فسباه العدو ثم سبي فوقع في سهمان رجل فأتى ساداته:

قلت: فإن تداوله رجال ثم سباه العدو ثانية، ثم سبي فوقع في سهمان رجل، فأتى ساداته كلهم، قال: ما لهم وله؟ إنما الكلام للذي سبي من يديه أخيرا من اشتراه أو سيده الأول، إلا أن الذي اشتراه أخيرا أحق به أن يأخذه بعد أن يدفع إلى الذي هو في يديه ما وقع به في المقاسم أو يتركه، فإن تركه فسيده الأول بالخيار إن شاء أن يأخذه بما وقع به في القسم الثاني، وليس له أن يأخذ بما وقع به في القسم الأول؛ لأنه مالك ثان أملك به من الأول.
قال محمد بن أحمد: وقع في أكثر الكتب مكان فإن تركه فسيده الأول بالخيار إن شاء، فإن أخذه فسيده الأول بالخيار، وكذلك نقله أبو إسحاق التونسي، ووجهه بأن قال: إن أراد أن ما فداه به ملغى لو جنى عبده جناية، فافتداه بها أو يأخذه ربه بما كان أخرج هذا فيه في القسم الذي قبل هذا، فلهذا وجه، وهذا لا يصح بوجه، ولا يستقيم على ما نص عليه في المسألة، فهذا غلط في الرواية لا شك فيه، والصواب فإن تركه، وعلى هذا فتستقيم المسألة؛ لأنه جعل الحق في أخذه بما وقع به في المقسم الثاني للسيدين جميعا، إلا أنه بدأ الثاني بالأخذ، فإن أخذ بطل حق الأول، ولم يكن له شيء، وإن ترك ولم يأخذ أخذ الأول، وهذا بين ولا إشكال فيه، وقد قيل: إن الأول هو المبدأ بافتكاكه، واختلف على هذا القول بماذا يفتكه؟ فقال: إنه يفتكه بالأكثر، فإن كان الأكثر هو ما أخذ به المقتسم الثاني بطل حق الأول، وإن كان الأقل كان للأول ما فضل، وهذا قول سحنون في نوازله من كتاب الجنايات، وقيل: إنه يفتكه بالثمنين جميعا، وهو قول محمد بن المواز، وكذلك إذا جنى العبد جناية، ثم سبي فوقع في المقاسم، يفتكه سيده على مذهب سحنون بالأكثر، وعلى مذهب ابن المواز بالأمرين جميعا، وقيل: إنه الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في المدونة، فإن ترك السيد الأول افتكاكه بالأكثر من الثمنين أو بهما جميعا على ما ذكرناه من الاختلاف في ذلك، كان للسيد الثاني أن يفتكه بما وقع به في المقسم الثاني.

.مسألة مسلم معه علج من العدو يقول المسلم أسرته أو اشتريته وهو ينكر:

وقال ابن القاسم في الرجل المسلم يخرج من أرض العدو، ومعه علج من أعلاج العدو، فيقول المسلم: أسرته أو اشتريته، ويقول العلج: بل خرجت معه رغبة في دار الإسلام: إن القول قول العلج، وعلى المسلم البينة فيما ادعى، وإلا فهو حر.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر»، إلا أن يكون العلج في وثاقه، فيصرف مع يمينه، قاله سحنون وابن حبيب، ومضى مثل ذلك، والقول فيه في رسم الكبش، من سماع يحيى، ويأتي في سماع أصبغ: أن القول قول الذي أتى به إن كان أسيرا في يد رجل، فأطلقه سيده على أن يأتي به.

.مسألة نصرانيين خرجا من أرض العدو فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه عبده:

قال: وسألت ابن القاسم عن رجلين نصرانيين خرجا من أرض العدو، فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه عبده، فقال: لا شيء لواحد منهما على صاحبه إلا أن يأتي ببينة على ما ادعى، وإلا فهما حران جميعا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، وقد مضى ما يشبهها، والقول فيها مستوفى في آخر سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة رمي الأعداء بالنار:

قال: وسألت ابن القاسم عن المراكب من الروم يغيرون على بعض المسلمين، ثم يدركهم المسلمون فيقاتلونهم الروم بالنار، أفترى للمسلمين أن يرموهم بالنار، أم يكفوا لمكان من معهم من المسلمين؟ فقال ابن القاسم: لا أرى أن يرموهم بالنار؛ لما معهم من المسلمين خوفا أن يقتلوا مسلما، قال أشهب: نعم، أرى أن يرموهم بالنار، وكيف لا يرمون وهم يرموننا بها، قال سحنون: قلت لابن القاسم: فإذا حاصر المسلمون الحصن وفيه المسلمون مع الروم، أيقطع عنهم المير والماء ويرمون بالمنجنيقات؟ قال: نعم، قال أشهب مثله: لا بأس بذلك.
قال محمد بن أحمد: هذه مسألة قد مضى القول فيها موعبا في رسم الصلاة، من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة حربيا استأمن فدخل بلاد المسلمين فوجد كنزا:

قال: وسألت أشهب عن العبد الحربي يدخل بلاد المسلمين فيسلم، أو يدخل بأمان فيقيم على كفره، ثم يقدم سيده على أثره فيسلم أو يثبت على كفره، قال: لا سبيل له إلى العبد، قلت لأشهب: فلو أن حربيا استأمن فدخل بلاد المسلمين، فوجد كنزا، قال: هو له بعد إخراج الخمس منه، وقال سحنون: قال أشهب في الحربي يستأمن ويدخل بلاد المسلمين فيسلم أو يقيم على دينه، ثم يستأمن عبد له، فيدخل بلاد المسلمين، قال: إن أسلم بيع على سيده، ودفع إليه ثمنه، وإن لم يسلم فهو لسيده.
قال محمد بن أحمد: قوله: إذا تقدم خروج العبد قبل سيده، أنه لا سبيل لسيده إليه صحيح؛ لأن العبد بنفس خروجه مسلما كان أو كافرا على مذهب مالك وجميع أصحابه لا ولاء لأحد عليه؛ لأن المعنى فيما جاء من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق يوم الطائف من خرج إليه من عبيد الطائف أنه عتقهم بخروجهم لا باستئناف العتق لهم بعد خروجهم، وفي كتاب محمد أنه خرج ساداتهم قبل إسلام العبيد رجع إليهم ولاؤهم، وإن خرجوا وقد أسلم العبيد لم يرجع إليهم ولاؤهم، قال أبو إسحاق التونسي: وليس هذا بينا؛ لأنهم إنما عتقوا بنفس خروجهم، فإن كان عتقهم لأنهم غنموا أنفسهم، فيجب ألا يرجع ولاؤهم إلى ساداتهم بحال، وإن كان إنما وقع العتق على السادة، فيجب أن يرجع إليهم الولاء، وإن قدموا بعد إسلام العبيد؛ لأنهم عتقوا عليهم، وهم كفار، والعبيد كفار، ووجه ما في كتاب ابن المواز: أن العتق إنما يقع على السادة حين خروجهم، أعني خروج السادة، وذلك مراعاة لمذهب أبي حنيفة في أنه لا يكون حرا لخروجه، إلا إذا خرج مسلما، وأما إذا خرج كافرا فهو غنيمة لجميع المسلمين بإحراز دار الإسلام إياه على قول أبي حنيفة، أو لمن سبق إلى أخذه، وهو قول صاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، قالا مرة بعد إخراج الخمس منه لأهله، وقالا مرة لا خمس فيه، وأما إذا تقدم خروج السيد مستأمنا قبل عبده، فقوله: إنه يكون لسيده ويباع عليه إن أسلم، هو على قول بعض الرواة في كتاب النكاح الثالث من المدونة، خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في الجهاد منه؛ إذ حكما بحكم الدار لمال الحربي، وأسقطا ملكه عنه إذا أسلم، وخرج أو لم يخرج على ما تقدم بيانه في رسم المكاتب من سماع يحيى، والذي يأتي على هذا أنه حر بنفس خروجه، خرج قبل سيده أو بعده، وقوله في المستأمن يجد الكنز في بلاد المسلمين: إنه له بعد إخراج الخمس منه، ظاهره حيث ما وجده من بلاد المسلمين مثل قول ابن نافع، وأما على مذهب ابن القاسم، فلا يكون له بعد إخراج الخمس منه إلا إذا وجده في أرض حرة لم تفتتح بصلح ولا عنوة.