فصل: مسألة يأتيهم الساعي فيجد لأربعة نفر أربعين شاة فيأخذ منها شاتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة انتظار مجيء الساعي في الحول:

ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس:
وقال في رجل كانت عنده خمس ذود فضل منها بعير أو شرد، فأتاه الساعي وليس عنده إلا أربع ذود، قال: لا زكاة عليه فيها، فإن وجده، صدقها حين يجده.
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: ويكون حولها من يومئذ، ولا ينتظر مجيء الساعي في الحول الثاني، وقال ابن المواز غير ذلك أحب إلي أن ينظر، فإن كان صاحبه أيس منه، فليجعل السنة من يوم يجده؛ وإن كان منه على رجاء، فليزكه مع الأربعة للحول الأول، كزكاة الفطر عن العبد الآبق، وفي ذلك كله نظر، ولا يصح فيه على وجه القياس والنظر، إلا أن ينظر؛ فإن لم يكن آيسا منه، زكى حين يجده، ولم ينتقل حوله عما كان عليه، وعلى هذا ينبغي أن تحمل الرواية، ولا تفسر بما لابن القاسم في كتاب ابن المواز؛ ولو انتقل الحول إلى حين إخراجه الزكاة، لا نبغي على أصولهم ألا يزكي حتى يأتي الساعي من العام الثالث، وإن كان آيسا منه، كان وجوده كالفائدة يستقبل حولا من حينئذ، ولا يزكي حتى يمر به الساعي من بعد حلول الحول؛ وهذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد بعد هذا، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

.مسألة يزكي غنمه ثم يخلطها مع آخر:

ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار:
وسئل: عن الرجل يزكي غنمه فتلبث ستة أشهر بعد زكاتها، ثم يخلطها مع رجل، فيأتيهم الساعي في شهره ذلك الذي خلط فيه غنمه- وقد وجبت على صاحبه الزكاة في غنمه؛ فقال: يزكي غنم صاحبه- وليس على هذا زكاة حتى يحول على صاحبه الحول من يوم يزكي، إلا أن يخرج غنمه منها قبل ذلك؛ وذلك بمنزلة الرجل يفيد الغنم أو يشتريها، فتلبث في يده ستة أشهر، ثم يأتيه الساعي فليس له أن يزكيها حتى يأتيه من سنة قابل.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: أن الرجلين لا يكونان خليطين ويزكيان زكاة الخلطة، حتى يكون الحول قد حال على ماشية كل واحد منهما؛ ولو زكاهما زكاة الخلطة، وأحدهما لم يحل على ماشيته الحول، لكان ما أخذ زائدا منهما بسبب الخلطة مظلمة على من أخذت من غنمه، ولم يترادا ذلك بينهما؛ إذ لا اختلاف في ذلك، بخلاف إذا زكاهما زكاة الخلطة، وماشية أحدهما أقل من نصاب؛ مثال ذلك أن تكون الماشية التي قد حال عليها الحول مائة، والتي لم يحل عليها الحول خمسين، فيأخذ الساعي منها شاتين، فإنه إن أخذهما من غنم صاحب المائة، لم يكن على صاحب الخمسين شيء؛ لأن الواحدة واجبة عليه، والثانية مظلمة وقعت عليه؛ إلا على القول بأن من أغرم غرماء على مال غيره، فله أن يرجع به على صاحب المال؛ وإن أخذهما من غنم صاحب الخمسين، رجع بالواحدة على صاحب المائة، وكانت الثانية مظلمة وقعت عليه، وإن أخذ واحدة من غنم صاحب المائة، وواحدة من غنم صاحب الخمسين، لم يكن لصاحب الخمسين على صاحب المائة رجوع بالشاة التي أخذت منه؛ لأنها مظلمة وقعت عليه.

.مسألة يفر بماشيته من الساعي:

وسئل: عن الرجل يفر بماشيته من الساعي- وهي أربعون شاة، فيغيب عنه الساعي سنين، ثم يأتيه- وهي أربعون لم تزد على الأربعين في السنين الفارطة، قال: ليس عليه إلا شاة واحدة لجميع السنين، وإنما يؤخذ من الفار كل سنة ما وجب عليه- وجدت عنده غنم، أو لم توجد- هو ضامن لما وجب عليه في ماله، وليس هو كمن لم يفر، إلا أن الساعي لم يأته، فذلك إذا جاءه ولم يجد في يده شيئا من الماشية، أو وجد في يده ما لا زكاة فيه، فليس عليه لما مضى من السنين التي لم يأته فيها الساعي شيء.
قال محمد بن رشد: هذا على ما مضى له في رسم العرية: أن الساعي يبدأ فيأخذ شاة لأول سنة، ثم لا يأخذ منها شيئا؛ لأنها ترجع إلى ما لا يجب فيه الزكاة؛ وعلى قوله الثاني- وهو قول ابن الماجشون، وأحد قولي سحنون- يبدأ بهذه السنة فيأخذ لها شاة، ثم يأخذ منه شاة شاة للأعوام الماضية؛ لأنه كان ضامنا لها، وقد مضى هذا في رسم العرية؛ وأشهب يقول: إذا فر بغنمه سنين، ثم وجده الساعي- وقد زادت غنمه، أنه يأخذ منه لكل عام من الأعوام الماضية على ما يجد بيده، ولا يكون أحسن حالا من الذي يغيب عنه الساعي؛ وإذا وجده الساعي وقد نقصت غنمه، فهو ضامن- كما قال ابن القاسم- والله أعلمه.

.مسألة يذبح الصدقة ويجزئها على المساكين:

ومن كتاب الجواب:
وسألته: عن الرجل تجب عليه البقرة في صدقة بقره، أو الشاة في صدقة غنمه، فيريد أن يذبحها ويجزئها على المساكين، قال ابن القاسم لا يعجبني، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك؛ ولكن يخرجها كما هي حية، فيدفعها بحالها، فإن ذبحها وجزأها وأخرجها مذبوحة، لم تجزه وأبدلها.
قال محمد بن رشد: مثل ما حكى ابن حبيب عن ابن القاسم أيضا: أنها لا تجزئه، وروى البرقي عن أشهب: أنها تجزئه، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن قيمتها مذبوحة- إن كانت أقل من قيمتها- حية، فقد أخرج أقل قيمة مما عليه؛ وإن كانت مثل قيمتها حية، فهو بمنزلة من أخرج عن العين عرضا لا يجزئه عند ابن القاسم، ويجزئه عند غيره؛ وكذلك أيضا لو كانت قيمتها مذبوحة أقل من قيمتها حية، فأخرج تمام القيمة، لا يجزئه ذلك على مذهب ابن القاسم، ويجزئه على مذهب غيره.

.مسألة الساعي يقف على الرجل في زكاة زرعه أو صدقة ماشيته:

وسألته عن الساعي أو العامل يقف على الرجل في زكاة زرعه، أو صدقة ماشيته، فيقاطعه منها بالدراهم طوعا أو كرها؛ هل يجتزئ بذلك، ويعتد بها إن وضع بقية ذلك في وجهها؟ أو هل للرجل أن يشتري صدقته من العامل بعد أن يدفعها إليه؟ قال ابن القاسم: نعم يجتزئ بها، ويعتد بذلك إذا كان العمال والسعاة يضعون ما يأخذون من الصدقة مواضعها، ولا أحب لأحد أن يشتري صدقته، وإن كان بعد أن يقبضها العامل، وإن فعل لم أر بذلك بأسا، ولا أرى عليه شيئا إذا كانوا يضعون الصدقات مواضعها، كما أعلمتك؛ فأما الوالي الجائر الذي لا يضعها مواضعها، فلا يجتزئ عن صاحبها دفعها إليه- طائعا، أو كارها، قاطعه عليها، أو لم يقاطعه، اشتراها منه بعد وصولها إليه، أو لم يشترها، فلا يجزئه على حال، ولا يعتد بها؛ وسألته عن الصدقات والعشور هل يصح الاشتراء منها؟ قال ابن القاسم: إن كانوا يضعون أثمانها مواضعها، فلا بأس بالاشتراء منهم، وإلا فلا يحل؛ قال أصبغ: وقد كان يقول قبل ذلك فيما أعلم إذا أخذت كرها في محلها، أجزأت، ولا أعلمه إلا قاله في المكوس، قال أصبغ: وقد سمعت ابن وهب: يقول: تجزئه إذا أخذها كرها، وهو رأي إذا حلت ووجبت في المكوس والسعاة.
قال محمد بن رشد: قوله في المدونة، وأحد قوليه ههنا، وقول ابن وهب، وأصبغ، أن ما يأخذ الولاة من الناس من الصدقات، تجزئ عنهم- وإن كانوا لا يعدلون فيها، ويضعونها غير مواضعها، أصح من قوله الآخر- ههنا: إنها لا تجزئ عنهم، إلا أن يضعوها مواضعها؛ لأن دفعها إليهم واجب لما في منعها من الخروج عليهم المؤدي إلى الهرج والفساد، فإذا وجب أن يدفع إليهم، وجب أن يجزئ عنهم، وقد روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «أما والله لولا أن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] الآية، ما تركتها عليكم جزية تؤخذون بها من بعدي، ولكن أدوها إليهم، فلكم برها وعليهم إثمها- قالها ثلاث مرات».
وأما دفع القيمة إليهم في ذلك، فمكروه لوجهين؛ أحدهما: لما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة، والثاني: لئلا تكون القيمة أقل مما عليه، فيكون قد بخس المساكين حقوقهم. وأما شراء الرجل صدقته من العامل بعد أن يدفعها إليه، فهو أخف في الكراهية؛ لأن ذلك إنما يكره لوجه واحد، وهو ما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة، وليس بحقيقة الرجوع فيها، إلا إذا اشتراها من المساكين الذين دفعها إليهم؛ مع أن الحديث إنما ورد في صدقة التطوع، فإذا أكرهه الإمام على أخذ القيمة منه، لم يكن عليه في ذلك بأس؛ وأما شراؤه من العامل صدقات غيره، فذلك جائز إن كانوا يضعون ذلك في مواضعه؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة- فذكر فيهم: أو رجل اشتراها بماله».
وأما إذا كانوا لا يضعون ذلك مواضعه، فقد قيل: إن الشراء منهم سائغ؛ لأن البيع لهم جائز، وإنما يقع عداؤهم على الأثمان،- قاله ابن حبيب في الوالي يعزل العمال الظلمة فيرهقهم ويعذبهم في غرم يغرمهم لنفسه، أو ليرده إلى أهله، فيلجئهم ذلك إلى بيع أمتعتهم ورقيقهم، والصحيح ما ههنا، أن ذلك لا يحل ولا يجوز؛ لأنه بيع عداء؛ إذ الواجب أن يقسم على المساكين على ما هي عليه، ولا تباع إلا على وجه نظر، مثل أن يحتاج الإمام أن ينقل الزكوات من بلد إلى بلد لحاجة نزلت بأهل ذلك البلد، فيخاف أن يذهب الكراء ببعضها، فيرى أن تباع ويشتري في ذلك البلد بالثمن مثله فيقسم؛ أو يقسم الثمن فيه فيسد للمساكين مسده، فإذا باع الزكوات ليستأثر بها، أو ليتعدى فيها، فهو كمن تعدى على سلعة رجل فباعها، فلا يحل لأحد شراؤها.

.مسألة يأتيهم الساعي فيجد لأربعة نفر أربعين شاة فيأخذ منها شاتين:

من سماع يحيى بن يحيى من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع قال يحيى: قال ابن القاسم في القوم يأتيهم الساعي فيجد لأربعة نفر أربعين شاة، لكل واحد منهم عشرة، عشرة، فيأخذ منها شاتين، أنهم يكونون كالخلطاء في الشاة الواحدة، وتكون مصيبة الشاة الأخرى على صاحبي الشاتين؛ لأنها مظلمة دخلت عليهما بغير سبب الغنم، ومظلمة الشاة الأخرى دخلت عليهم أجمعين للشبهة التي تأول المصدق؛ إذ وجدها مجتمعة، فرأى أن فيها شاة إذ هي أربعون، وتعدى في الأخرى فغصبها ربها، فلما لم يعرف التي أخذ للصدقة من التي تعدى على ربها فيها، فقبضها إياه، فإن قيمة الشاتين تجمعان، ثم تكون نصف قيمتهما على الأربعة نفر، تقسم على ما لهم من العدد في الغنم، كالخليطين اللذين يترادان، ثم يكون نصف قيمتهما بين صاحبي الشاتين، على كل واحد منهما نصف ذلك، وهو ربع جميع قيمة الشاتين.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم استأذن من سماع عيسى تفسير هذه المسألة، وتبيين موضع الخلاف بين السماعين، فلا معنى لإعادته.

.مسألة ما يكون للعامل على الصدقة:

من سماع سحنون بن سعيد وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: سألت ابن القاسم عن وجه ما يكون للعامل على الصدقة، قال: إن ذلك يختلف، ربما بعد المسعى، وقل ما فيه، فيجتهد له ويعطى، وإنما هو بمنزلة الأجير، فيعطى على قدر عناه وشخوصه، وليس في ذلك حد، فإذا كان مثل ما وصفنا، فربما كان له سهمان وثلاثة، وربما قرب المسعى، وكثر ما فيه، فيعطى أيضا على قدر ذلك، فربما لم يصر له إلا ربع سهم، أو أقل، أو أكثر؛
قلت له: فيولاها عبد لأنه أجير، قال: لا، الإجارة منها، ولا يجوز أن يليها إلا من كان يجوز له أن يأخذ منها، ثم قال أيولاها نصراني؟ قلت له: فما معنى قول مالك: أعطى طاووس نفقة، وأعطى معاذ بن جبل نفقة؛ قال: هو وجه ما كانوا يعملون عليه، وكانوا يعانون به ويعطون، وإنما ذلك أن يولى الرجل وليست له قوة، فيعان من بيت المال ويجهز، وآخر له قوة، فيخرج بمال نفسه؛ قلت له: فهذا الذي أعين؟ قال: يحط من العطية على قدر ما نابه من العطاء، وعلى ما وصفنا؛ قلت له: فإن كان العامل عليها مديان، أيأخذ منها مثل ما يأخذ الغارمون، قال: لا، إلا أن يعطيه السلطان منها على وجه الاجتهاد.
قال محمد بن رشد: قوله: إن العامل على الصدقة يعطى منها على قدر عنائه في عمالته، هو مذهب مالك، وقول عامة العلماء؛ لأن الله تبارك وتعالى لما قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية، دل ذلك من قوله: إن الصدقات التي هي الزكوات مقصورة على الأصناف التي ذكر، لا تخرج عنهم، إلى غيرهم؛ ولم يدل ذلك من قوله على وجوب قسمتها عليهم بالسوية، فيؤثر بذلك أهل الحاجة منهم، وتنتقل بانتقالها؛ ومن أهل العلم من يرى أنها تقسم عليهم بالسواء على ظاهر قَوْله تَعَالَى، فيعطي العامل عليها الثمن، وقيل: السبع؛ لأن سهم المؤلفة قد بطل، وقد قال بعض العلماء: إن تولى الإمام قسمة الزكاة، قسمها على سبعة أصناف، لا يجزئه إلا ذلك، وإن قسم الرجل زكاته، كان عليه أن يضعها في ستة أصناف؛ لأن سهم العاملين يبطل بقسمته هو إياها؛ والصحيح ما ذهب إليه مالك، وعامة العلماء: أنها توضع في الأصناف المذكورين، ويؤثر بذلك أهل الحاجة منهم.
وقوله: إن العبد لا يولى على الصدقة صحيح؛ لأن العمالة عليها في قبضها من أهلها، ووضعها في أهلها، ولاية كالحكم؛ فلا يصح من العبد، لما لسيده عليه من الحجر، مع نقصان مرتبته؛ وقول مالك: لا يجوز أن يليها إلا من كان يجوز له أن يأخذ منها، يستفاد منه أنه لا يجوز أن يولاها أحد من بني هاشم؛ لأن الصدقة لا تحل لهم، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إن الهاشمي يجوز أن يولى على الصدقة؛ لأن الذي يأخذ منها، إنما يأخذه بعمالته، كالغني الذي لا تحل له الصدقة، وهو يأخذ منها بعمالته، وقد خالفه أبو يوسف، وقال بقولنا وهو الصواب؛ لأن الهاشمي لما لم يكن له في الصدقة حق بفقره، كان أحرى ألا يكون له فيها حق بعمالته؛ ومن سواه لما كان له فيها حق بفقره، لم يمتنع أن يكون له فيها حق بعمالته، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة- فذكر فيهم: أو لعامل عليها».
فلما قال: إنها لا تحل لغني إلا بالعمالة، دل أنها تحل له إذا كان فقيرا دون عمالة؛ فخرج من ذلك الهاشمي بالإجماع على أنه لا تحل له إذا كان فقيرا دون عمالة، وقد أجاز أحمد بن نصر أن يستعمل عليها العبد، والنصراني- قياسا على الغني- وهو بعيد، وإنما قال: إن العامل على الزكاة إذا كان مديانا لا يأخذ منها كما يأخذ الغارمون، من أجل أنه هو الذي يقسمها، فلا يحكم لنفسه، وجائز للإمام أن يعطيه من أجل دينه- سوى ما يجب له بعمالته- على مذهبه في أن الزكاة موضوعة في الأصناف بالاجتهاد، لا مقسومة عليهم بالسوية.

.مسألة المحتاج يجد اللقطة:

قلت له: فالرجل المحتاج يجد اللقطة: الدينار، أو النصف دينار، أو نحوه- وهو محتاج؛ أترى أن يأكله، قال: لا أحب ذلك له، فإن أكله، غرمه إن جاء ربه؛ فأما أنا، فلا آمره بذلك.
قال محمد بن رشد: مذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ أن اللقطة لا يجوز لواجدها أكلها بعد التعريف؛ لأن معنى قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: عنده فشأنك بها أي: أنه مخير فيها بين أن يزيد في تعريفها، ويمسكها على صاحبها؛ وبين أن يتصدق بها ويخير صاحبها- إذا جاء في أن ينزل على أجرها، أو يغرمه إياها؛ فلم ير له مالك أن يأكلها وينزل نفسه منزلة المساكين- إن كان مسكينا، إذ له أن يتصدق بها على المساكين؛ لأنه إذا فعل ذلك، كان هو الحاكم لنفسه، فلم ير ذلك له، وأوجب عليه الغرم؛ لأنه لو تصدق بها لغرمها، ولم ينزله في سقوط الغرم عنه منزلة غيره من المساكين- لو تصدق بها عليهم؛ لأنه حكم لنفسه بإسقاط الضمان عنها، فلم يجز ذلك له؛ وقوله في هذه المسألة، نحو قوله في المسألة المتقدمة: إن العامل على الصدقة- إذا كان مديانا، لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة، كما يأخذ الغارمون؛ ونحو ما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع، والوكالات، في الذي يبعث معه بمال ليعطي منه كل منقطع به، فانقطع به هو فأخذ منه، أن عليه أن يبين ذلك لصاحبه، إذ ليس ما يحكم به بين الناس، كما يحكم به بينه وبين الناس، وقد اختلف في واجد اللقطة: هل له أن يأكلها بعد التعريف- على أربعة أقوال؛ أحدها: هذا أنه ليس له أن يأكلها- وإن كان محتاجا إليها، والثاني: أن له أن يأكلها- وإن كان غنيا؛ ويغرمها لصاحبها- وهو مذهب الشافعي.
والثالث:
أنه ليس له أن يأكلها، إلا أن يكون محتاجا إليها- وهو قول أبي حنيفة.
والرابع: أنه ليس له أن يأكلها، إلا أن يكون له وفاء بها.

.مسألة الهرب عن الساعي بالغنم:

قال سحنون: لو أن رجلا له أربعون شاة، أو عشرون دينارا، فأقامت في يده سنين كثيرة- هاربا عن الساعي بالغنم، وشحا عن إعطاء الزكاة في الدنانير، أنه إن كانت له عروض، ضمن الزكاة في الدنانير لجميع السنين، وذلك أن الزكاة صارت عليه دينا؛ فأنت تنظر: فإن كان له مال سوى هذه الدنانير، ضمن الزكاة لجميع السنين، وإن لم يكن له مال سوى هذه الدنانير يضمن فيها الزكاة، لم يكن عليه إلا زكاة واحدة لجميع السنين؛ قال: وأما الغنم فليس عليه إلا شاة واحدة لجميع السنين كلها- كان له مال غيرها، أو لم يكن؛ لأنه بمنزلة ما لو أن رجلا وجبت عليه الزكاة في غنمه- وعليه دين، زكاها ولم يمنعه الدين من الزكاة.
قال محمد بن رشد: أما مسألة الدنانير، فإن لم تكن له عروض تفيء بما عليه من الزكاة للأعوام الماضية، فليس عليه إلا زكاة سنة واحدة، واختلف إن كانت له عروض تفيء بما عليه من الزكاة للأعوام الماضية، فقيل: إنه يزكي للأعوام الماضية، ويجعل دين الزكاة في عروضه، وهو قول سحنون هذا؛ وقول أشهب في المدونة، خلاف ظاهر قول ابن القاسم فيها، ونص قوله في سماع سحنون من كتاب زكاة العين في بعض الروايات، وجه قول ابن القاسم: إن الزكاة لما كانت متعينة في عين المال، وجب أن تؤخذ من عينه لأول سنة، فإذا أخذت فكأنها قد أخذت حين وجبت، فلا يزكي للعام الذي بعده إلا ما بقي-
إن كان ما بقي تجب فيه الزكاة، وإن كانت له عروض، ووجه قول أشهب، وسحنون، أن الزكاة، وإن كانت متعينة في المال، فقد ترتبت في الذمة بتأخيرها عن وقتها، فأشبهت سائر الديون، ووجب أن تجعل في العروض، وتزكى لجميع السنين، وأما مسألة الغنم، فسواء كانت له عروض، أو لم تكن له عروض، إذ لا يسقط الدين زكاة الماشية؛ قيل: إنه يبدأ بالعام الأول فيزكي زكاة واحدة، وهو قول سحنون هذا، وقول ابن القاسم في رسم العرية، ورسم أسلم من سماع عيسى، وقيل: إنه يبدأ بالعام الآخر، ثم يؤخذ منه زكاة ما مضى من الأعوام؛ لأنه كان ضامنا لها، وهو قول ابن الماجشون، وقول أصبغ، وروايته عن ابن القاسم، وقول سحنون في المختصر- وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل تقيم عنده أربعون شاة مدة متى يزكيها:

من سماع أبي زيد من ابن القاسم قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن الرجل تقيم عنده أربعون شاة ستة أشهر، ثم يبيعها بعشرين دينارا، فتقيم العشرون دينارا أشهرا، ثم يبتاع بها أربعين شاة، متى يزكيها؟ قال: يستقبل بها حولا من يوم اشتراها.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، وتحصيل القول فيها في أول رسم من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته.

.مسألة عنده أربعون شاة حال عليها الحول ولم يأته المصدق:

وقال في رجل كانت عنده أربعون شاة، حال عليها الحول- ولم يأته المصدق، ثم باعها بعد الحول؛ هل عليه زكاة فيما باعها به؟ قال: إن كان باعها بعشرين دينارا، كان عليه نصف دينار ساعتئذ؛ وإن باعها بأقل من عشرين دينارا، فلا زكاة عليه فيها.
قال محمد بن رشد: هذا على أحد قولي مالك في المدونة، وغيرها، أنه يزكي الدنانير على حول الماشية المقتناة؛ لأنها لما كانت في عينها الزكاة، كانت بخلاف العروض المقتناة.
والقول الثاني: أنه يستقبل بالثمن حولا من يوم قبضه، ولو كانت الغنم أقل مما تجب فيه الزكاة أو باعها بأقل مما تجب فيه الزكاة، لكان الثمن فائدة من يوم قبضه قولا واحدا.

.مسألة غاب عنه الساعي سنين:

وسئل: عمن غاب عنه الساعي سنين، فلما حضرته الوفاة، أوصى أن تؤدى زكاة ماشيته لتلك السنين، وأوصى بوصايا؛ أتبدأ، أم يحاص بها الوصايا؟ قال: بل يحاص بها الوصايا.
قال محمد بن رشد: وهذا على أصولهم في أن حول الماشية بمجيء الساعي، وأن من غاب عنه الساعي سنين، ثم هلكت ماشيته قبل أن يأتيه، فلا شيء عليه، فلما أوصى بما لم يجب عليه، كان ذلك كسائر وصاياه- وبالله التوفيق.

.مسألة زكاة الخليطين في الإبل:

وسئل: عن الخليطين في الإبل تجب عليهما ابنة مخاض، فتؤخذ من إبل أحدهما، فيريد شريكه أن يعطيه الذي يجب عليه في إبله من الغنم، ويأبى ذلك، قال ذلك له أن يرجع عليه ببقية البكرة، فيتحاصان فيها على عدد إبلهما.
قال محمد بن رشد: قوله: فيتحاصان فيها- يريد في البكرة، فيرجع عليه ببقيتها- أي بما يجب عليه منها، وهذا صحيح؛ لأنه إنما يرجع عليه بما غرم عنه، وهو الذي يصير على غنمه من قيمة البكرة، وقد قيل: إنه يرجع عليه بالمثل، فيأتي ببكرة فيشاركه فيها وهو القياس.

.مسألة على السعاة أن يأتوا أصحاب المواشي على مائهم:

قال ابن القاسم: على السعاة أن يأتوا أصحاب المواشي على مائهم مكانا يسقون ماشيتهم، ولا ينبغي لهم أن يقعدوا في قرية ويرسلوا تجلب عليهم المواشي.
قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا المعنى في رسم حلف من سماع ابن القاسم، فلا فائدة لإعادته.

.مسألة له خمس ذود فضل منها بعير أو شرد فأتاه الساعي:

وقال ابن القاسم في رجل له خمس ذود فضل منها بعير، أو شرد، فأتاه الساعي- وليس عنده إلا أربع ذود؛ قال: لا زكاة عليه فيها، فإن وجده صدقها حين يجده، ولا ينتظر به الحول- وإن وجده بعد السنة بثلاثة أشهر.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم لم يدرك من سماع عيسى.
والذود ثلاثة، وأربعة، وخمسة- إلى سبعة؛ وما فوق السبعة: شنق- إلى أربع وعشرين؛ وما فوق ذلك إبل، ولا ينقص الذود، ولا يكون الذود واحدا، كما لا ينقص من عدد النفر، ولا يكون النفر واحدا، والنفر من ثلاثة إلى سبعة، وفوق السبعة إلى العشرة رهط، وفوق ذلك إلى الأربعين عصبة؛ وفوق ذلك إلى المائة فأكثر، أمة، وقال ابن مزين: أقل الذود واحد، هذا قول ابن حبيب- أعني قوله: إن الذود ثلاثة، وأربعة، وخمسة إلى سبعة، وما فوق السبعة شنق، وهو خلاف قول مالك في رسم الزكاة من سماع أشهب: أن الشنق من الإبل، ما لا يؤدى فيه إلا الغنم؛ فعلى رواية أشهب عن مالك: الخمس شنق- إلى أربعة وعشرين، ولا يقال: شنق لما دون الخمسة، ولا لما فوق الأربعة والعشرين؛ وهو الصحيح في المعنى؛ لأن ذلك إنما سمي شنقا؛ لأن الساعي يكلف رب الإبل أن يأتيه بما ليس عنده ويشد عليه في ذلك، وإن شنق- عليه- مأخوذ من شناق البعير الذي يشنق به ويضغط، ويحمل على غير اختياره، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة الساعي يأتي الرجل فيجد ماشيته عجافا كلها:

من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب الزكاة والصيام قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: سأل عثمان بن الحكم مالكا عن الساعي يأتي الرجل فيجد ماشيته عجافا كلها، قال: يأخذ منها- وإن كانت عجافا؛ قال سحنون: وهو قول المخزومي.
قال محمد بن رشد: زاد في كتاب ابن المواز من قول مالك في هذه الرواية قال: ولو كانت ذوات عوار كلها وتيوسا، فليأت بغيرها؛ قال محمد: وكذلك العجاف فليشتر له ما يعطيه.
وقول محمد خلاف لقول مالك؛ لأن قول مالك: ولو كانت ذوات عوار كلها وتيوسا، فليأت بغيرها، يدل على أن العجاف يأخذ منها، ولا يأتي بغيرها، وقد وقع لمحمد في موضع آخر أنه قال: معنى قول مالك: يأخذ منها- وإن كانت عجافا، أنه يزكيها لا يدعها، ولكن لا يأخذ عجافا، وما يدل عليه قوله أولى- من تأويل غيره- والله أعلم، والقياس أن يأخذ منها- عجافا كانت، أو ذوات عوار، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال، قولان وتفرقة، وكذلك الصغار، القياس أن يأخذ منها- إذا كانت كلها صغارا؛ وقد ذهب بعض من تعلق بظواهر الروايات، أن الخلاف لا يدخل في الصغار، وليس ذلك- عندي بصحيح.

.مسألة لا يؤخر الساعي الصدقة عند أهلها:

وأخبرني ابن وهب عن ابن شهاب، أو مالك، أو جميعا، قال: لا يؤخر الساعي الصدقة عند أهلها- وإن كانت عجافا، ولكن يأخذ في الخصب والجدب ولا يؤخر أخذها ولا يضمنوها.
قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب، فلا وجه لإعادته.

.مسألة له نصاب ماشية فأفاد إليها غنما أخرى:

وقال بعض المصريين: لو أن رجلا كان له نصاب ماشية، والنصاب ما تجب فيه الزكاة من الغنم؛ فأفاد إليها غنما أخرى، فلما حل حول الغنم الأولى، لم يكن في الغنم الأولى ما تجب فيه الزكاة، نقصت عن حالها بموت أو بأكل أو بغير ذلك؛ وفيما بقي منها ما إن ضمه إلى ما أفاد إليها، وجبت فيها الزكاة؛ أنه لا زكاة عليه في شيء من غنمه حتى يحول عليها حول الآخرة، فيزكيها عند ذلك؛ قال: وكذلك لو أن رجلا كانت عنده ثلاثون شاة، فأفاد إليها غنما أخرى، فلما حل حول الغنم الأولى، كانت الزكاة تجب فيها توالدت، فبلغت ما تجب الزكاة في مثلها؛ فإنه يزكيها، ويزكي معها ما أفاد إليها، ويكون حولها من يوم زكاها، وأصل هذا أنك تنظر إلى الغنم الأولى فإذا حال حولها، فإن كانت الزكاة تجب فيها، فهي توجب الزكاة فيما أفاد إليها، وإذا حل حولها والزكاة لا تجب فيها، فهي تسقط الزكاة عن غيرها مما أفاد إليها، وإن كان لرجل نصاب ماشية، فأفاد إليها غنما، فهو يزكي ما أفاد إليها على حول نصاب الذي عنده- إذا حل عليها الحول وهي على حالها، لم تنقص عما تجب الزكاة في مثله؛ فإن نقصت فرجعت إلى ما لا زكاة فيه، ثم توالدت فرجعت إلى ما تجب فيه الزكاة- محل حولها، وهي مما تجب الزكاة فيها، فتزكيها على حولها- كما كنت تزكيها لو لم تنقص، وزك معها ما أفدت إليها، وإن حال حولها- وهي على نقصانها- فلا شيء عليك فيها، ولا فيما أفدت إليها، وزكها كلها على حول الآخرة- إلى أن ترجع الغنم الأولى إلى حالها الأول، أو تبلغ ما تجب في مثلها الزكاة، فتزكيها عند ذلك، وتزكي معها ما أفدت إليها، ويكون حولها من يوم زكيت، إلا أن تكون ممن يأتيك الساعي فتؤخر زكاتك إلى مجيئه؛ لأن حولك مجيء الساعي وحلوله عليك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها بينهم، وإنما وجب أن تزكى الفائدة على حول النصاب في الماشية، بخلاف العين، لعلة افتراق الحول من أجل أن الساعي لا يخرج إلا مرة واحدة، ويزكيها على حول النصاب- وإن كان في بلد لا يخرج فيه السعاة- قاله بعض شيوخ القرويين، ونسبه إلى المستخرجة- وهو قائم من آخر هذه المسألة، فقيل إن العلة في ذلك مخافة أن يخرج السعاة، إذ لا يأمن ذلك، فلا يمكن أن تبقى أحواله على ما رتبها.