فصل: مسألة يكون لرجل على رجلين على واحد منهما نصف وعلى الآخر ثلث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يشتري السلعة بدراهم زيوف قد ظهر في بعضها النحاس:

وسئل: عن الرجل يشتري السلعة بدراهم زيوف قد ظهر في بعضها النحاس، هل ترى به بأسا إذا كانت معرفة البائع فيها كمعرفة المشتري ورضي بذلك؟ قال ابن وهب: إن كانت زيوفا فليخبر الذي يريد أن يشتري بها أنها زيوف حتى يتقدم البائع منهما على علم لأخذه إياها، وقد بلغنا ذلك عن عمر بن الخطاب، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا كان ممن يغر بها الناس مثل الصيارفة وغيرهم، فلا أرى ذلك، وإن كان ممن يريد كسرها، فلا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هذا خلاف قول مالك هنا وفي كتاب الصرف والصلح من المدونة. وتحصيل القول في هذه المسألة: أن الدراهم أو الدنانير المغشوشة بالنحاس، لا يحل لأحد أن يغش بها فيعطيها على أنها طيبة، ولا أن يبيعها ممن يعلم أنه يغش بها، ويكره له أن يبيعها ممن لا يأمن أن يغش بها، مثل الصيارفة وغيرهم من أشباههم. ويختلف هل يجوز له أن يبيعها ممن لا يدري ما يصنع بها، فأجاز ذلك ابن وهب هنا، وروي إجازة ذلك عن جماعة من السلف، وعمر بن الخطاب جاء عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: الفضة بالفضة وزنا بوزن، والذهب بالذهب وزنا بوزن، أيما رجل زافت عليه ورقه، فلا يخرج يخالف الناس على أنها طيوب، ولكن ليقل من يبيعني بهذه الزيوف سحق ثوب رثيثا. وكرهه ابن القاسم ورواه عن مالك هنا وفي المدونة، وإنما الذي أجاز ابن وهب أن يباع ممن لا يدري ما يصنع بها ما كان فيه منفعة ويمكن الغش به لمن أراد، قاله في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب السلطان، ويجوز أن تباع باتفاق ممن يكسرها أو ممن يعلم أنه لا يغش بها، إلا على قياس قول سحنون في نوازله من كتاب السلم، فإن باعها ممن يخشى أن يغش بها لم يكن عليه إلا الاستغفار، وإن باعها ممن يعلم أنه يغش بها، فواجب عليه أن يستصرفها منه إن قدر على ذلك، وقد اختلف إذا لم يقدر على استصرافها فيما يجب عليه من التوبة فيما بينه وبين خالقه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يجب عليه أن يتصدق بجميع الثمن. والثاني: أنه لا يجب عليه أن يتصدق إلا بالزائد على قيمتها لو باعها ممن لا يغش بها- إن كان يزيد فيها شيئا. والثالث: أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء منه إلا على وجه الاستحباب مراعاة للاختلاف، وقد مضى توجيه هذا الاختلاف في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب.

.مسألة ابتاع سلعة بثلثي درهم ثم ذهب فأتاه بدرهم ورد عليه بائع السلعة ثلث درهم فضة:

ومن كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك:
وقال في رجل ابتاع سلعة بثلثي درهم ثم ذهب فأتاه بدرهم ورد عليه بائع السلعة ثلث درهم فضة، قال: لا بأس به.
قلت: فلو كان أسلفه ثلثي درهم فأتى بدرهم فرد عليه المسلف ثلث درهم فضة، قال: لا خير فيه.
قلت له: لم؟ قال: لأنه لو ابتدأ الشراء فاشترى بثلثي درهم وأخذ بثلثه فضة، لم يكن له بأس؛ ولأنه لو أخذ منه قطعة فضة بثلثين وثلث درهم بغير كيل افترقا أو كانا في مجلس واحد، لم يكن فيه خير، وهذا وجه ما سمعت.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة لو ابتدأ الشراء فاشترى بثلثي درهم وأخذ بثلثه فضة، معناه: فاشترى بثلثي درهم فدفع درهما، وأخذ بثلثه فضة، وتكلم في هذه المسألة على درهم قائم، فليست بخلاف لما في أول رسم سماع أشهب في الرجل يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيأتيه بها فيجدها تزيد خروبة، أنه لا يجوز أن يأخذها ويعطيه بالخروبة ذهبا، وكان القياس والنظر في هذه المسألة ألا يجوز في البيع ولا في السلف، من أجل أنه درهم قائم، فلا يجوز فيه ما يجوز في المجموع من أن يأخذه ويعطي بالزائد فضة، إلا أنه استخف ذلك في البيع من أجل أنه درهم واحد قائم، وقد جوزوا له أن يأخذ به للضرورة بنصفه طعاما، وبنصفه فضة، وقد مضى القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب، وأشرنا هناك إلى ما ذكرناه هاهنا من معنى هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى من رجل سلعة بثلثي دينار ثم أتاه بعد ذلك فاستسلفه دراهم فأسلفه:

ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته:
وقال في رجل اشترى من رجل سلعة بثلثي دينار ثم أتاه بعد ذلك فاستسلفه دراهم فأسلفه، ثم جاءه بدينار، فقال له: هل لك أن تأخذه في الثلثين ومالك علي من الدراهم؛ قال: لا بأس به؛ لأنه كان يجوز له أن يعطيه دينارا ويرد عليه دراهم فلا بأس به. قال: ولو كان استسلفه دينارا فيه ثلثا دينار دراهم، ثم أتاه بدينار فيه وبالثلثي الدينار والدراهم، لم يكن فيه خير؛ لأنه صار ذهبا وورقا بذهب.
قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان صحيحتان، أما المسألة الأولى فوجه جوازها أنه قضاه وصرف؛ لأنه قضاه ثلثي الدينار وصارفه في ثلثه، لما كان له عليه من الدراهم مصارفة ناجزة؛ لأن ما في الذمة على مذهب مالك كالعين الحاضرة، بمنزلة ما لو دفع إليه الدينار قبل أن يستسلف منه الدراهم، فأخذ منه صرف ثلثه كما قال. وأما المسألة الثانية فإنه أخذ بثلثي الدينار والدراهم دينارا قائما، فدخله ذهب وورق بذهب كما قال؛ لأن للدينار القائم فضلا في عينه على الناقص، ولو استسلف منه ثلثي دينار من ذهب مقطعة مجموعة لا يجوز إلا بالوزن، ثم استسلف منه دراهم فقضاه دينارا مقطعا مجموعا فيما كان أسلفه من الذهب والدراهم لجاز، لسقوط التهمة في السلف بخلاف البيع، والله أعلم.

.مسألة يقول أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار:

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى بن يحيى: وسئل ابن القاسم: عن الذي يقول أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، وهذا الثوب الآخر بنصف دينار من صرف عشرة دراهم بدينار، أيجوز هذا؟ وما يلزم المشتري من الثمن في الثوبين؟ قال: أما الذي قال بعشرة دراهم من صرف الدينار بعشرين، فله نصف دينار تحول الصرف كيفما حال. وأما الذي قال بنصف دينار من صرف عشرة دراهم بدينار، فله خمسة دراهم تحول الصرف كيف حال، وذلك أن الذي باع بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، إنما أوجب له ثوبه بنصف دينار، إذ جعل العشرة التي باع بها من صرف عشرين بدينار. وأما الذي باع بنصف دينار من صرف عشرة بدينار، فإنما أوجب ثوبه بنصف العشرة التي جعلها صرف نصف دينار، وإنما يؤخذ في مثل هذا بالذي يقع به إيجاب البيع وإن سمح الكلام.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة في المعنى وقد تقدمت والقول فيها في رسم البيوع الأول من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته.

.مسألة صرف الفلوس بالتأخير:

ومن كتاب الأقضية:
قال: وسئل ابن نافع: عن صرف الفلوس بالتأخير يعجل الدينار والدراهم ويقبض الفلوس إلى أجل. فقال: كان مالك يكره ذلك إذا صارت سكة تجري ثمنا للأشياء، ولست آخذ به ولا أراه، وأنا أرى الفلوس عرضا من العروض، كالنحاس الذي لم يضرب فلوسا، ولا أرى بأسا بما تأخذ منها ولا عده صرفا.
قال محمد بن رشد: قول ابن نافع هذا مثل رواية عبد الرحيم عن مالك في كتاب القراض من المدونة، وإنما كره مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في المشهور عنه التأخير في صرف الفلوس؛ لأن العلة عندهم في الربا في العين من الذهب والورق، هو أنه ثمن للأشياء وقيم للمتلفات، فرأى على هذا القول هذه العلة علة متعدية إلى الفلوس، لما كانت موجودة فيها إذا صارت سكة تجري بين الناس يتبايعون بها ويقومون كثيرا من المتلفات بها، ورآها على رواية عبد الرحيم عنه علة واقعة لا تتعدى إلى ما سوى الذهب والورق، ولكلا القولين وجه من النظر، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون له على الرجل الدينار فيعطيه دينارا رديئا:

ومن سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكون له على الرجل الدينار، فيعطيه دينارا رديئا يغره به فيحتاج القابض إلى قطعه فيقطع منه فيجده رديئا. قال: يرد مثله صحيحا في رداءته ويرجع بديناره، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا وروايته عن ابن القاسم أنه يرد دينارا رديئا مثله صحيحا، لا يلتئم على المشهور في المذهب المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن الدينار المغشوش بالنحاس لا يجوز أن يباع ممن يغش به الناس؛ لأنه قد غر به، فالواجب ألا يرده إليه لئلا يغر به غيره، وأن يكسر أو يباع ممن يكسره؛ فإذا كان الواجب أن يكسر على الدافع أو يباع عليه ممن يكسره، ولا يترك له لئلا يغر به؛ فالواجب أن يرده القابض إليه مقطوعا، ولا يكون عليه في قطعه شيء، ولو استهلكه ثم علم بعد ذلك أنه مغشوش، لكان القياس أن يكون عليه فيه قيمته على أن يباع ممن يقطعه. وقد قال سحنون في نوازله من كتاب السلم والآجال: إنه يرد وزن ما كان فيه من الوزن والصفران علم ذلك؛ لأن من استهلك ما يوزن فعليه فيه المثل، وإن لم يعلم وزن ما فيه من الوزن والصفر، كان عليه في الورق قيمته من الذهب جزء من دينار يكون به شريكا معه فيه وفي الصفر قيمته من الورق؛ لأن القيمة لا تكون إلا بالذهب والورق، وهو بعيد خارج عن القياس، ويأتي على قياس قوله أن الحكم فيه أن يكسر على كل حال، ولا يحل أن يباع على حال ولا ممن يكسره، وذلك خلاف الموجود من قولهم، وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في رسم النسمة من سماع عيسى، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري رجلان من رجل دينارا بينهما جميعا بدراهم:

ومن كتاب البيع والصرف:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: لا بأس أن يشتري رجلان من رجل دينارا بينهما جميعا يعني بدراهم، ويوكل أحدهما الآخر بقبضه، وينقلب ويقبضه أحدهما، والذهب كلها والحلي والورق كذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم طلق من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته.

.مسألة يكون لرجلين على رجل نصفان لكل واحد منهما نصف دينار:

قال: ولا بأس أن يكون لرجلين على رجل نصفان، لكل واحد منهما نصف دينار فيقضيهما دينارا جميعا، ولا بأس أن يكون لرجلين على رجل ثلثا دينار، لكل واحد منهما ثلث، فيأخذ من كل واحد منهما سدسا، سدسا، ويعطيهما دينارا بينهما جميعا؛ لأنه إنما قضاهما ثلثيه وباعهما جميعا الثلث الآخر، ولا خير في أن يكون لرجلين على رجل لأحدهما نصف دينار وللآخر ثلث دينار، فيأخذ من الذي له الثلث سدس دينار ويعطيهما الدينار بينهما؛ لأنه الحول في الصرف؛ لأنه قضى هذا ثلثا وهذا نصفا، وباع السدس الآخر من هذا فأحاله به، فلا خير فيه حتى يكون القضاء فيه كله والبيع فيه كله فيهما جميعا سواء.
قال محمد بن رشد: أجاز أن يكون لرجلين على رجل نصفان نصف لكل واحد منهما فيقضيهما جميعا دينارا؛ لأنه على مراعاة ما ثبت لكل واحد منهما في ذمته قضاء صرف فجاز، وإن قبض أحدهما الدينار لنفسه ولصاحبه بعد أن ذهب، وعلى مراعاة ما يجب لكل واحد منهما عليه أن يقضيه مصارفة صرف؛ لأنهما أخذا منه بما كان يجب لهما عليه من الدراهم دينارا ذهبا، فجاز أيضا إن قبضا الدينار جميعا أو قبضه أحدهما بحضرة صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، وإن وكل أحدهما صاحبه بقبضه فقام فذهب فقبضه بعد ذهابه على ما ذكرناه من الاختلاف في المسألة التي قبل هذه حيث تكلمنا عليها في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وأجاز أيضا أن يكون لرجلين على رجل ثلثا دينار، ثلث لكل واحد منهما، فيأخذ من كل واحد منهما سدسا، سدسا، أي: صرف سدس سدس من الدراهم، ويعطيهما دينارا بينهما جميعا؛ لأنه على مراعاة ما ثبت لكل واحد منهما في ذمته قضاء في الثلثين وصرف في الثلث بينهما، فيجوز إن قبضا الدينار جميعا أو قبضه أحدهما بحضرة صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، وبعد أن فارقه على ما ذكرناه من الاختلاف فوق هذا في مسألة الرجلين يشتريان الدينار بينهما، وعلى مراعاة ما يجب لكل واحد منهما عليه أن يقبضه مصارفة صرفا؛ لأنهما قبضا الدينار بينهما فيما وجب لهما عليه من الدراهم، وفيما دفعا إليه من الدراهم أيضا، فجاز إن قبضا الدينار جميعا، أو قبضه أحدهما بأمر صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، أو بعد أن فارقه على ما ذكرناه من الاختلاف، لم يجز أن يكون لرجلين على رجل نصف لأحدهما وثلث للآخر، فيأخذ من الذي له عليه ثلث سدس دينار دراهم ويعطيهما دينارا بينهما.
قال في الرواية: لأنه الحول في الصرف، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأنه إنما يكون حولا في الصرف، إذا قبض جميع الدينار الذي كان له منهما نصف دينار؛ ولأنه حينئذ يكون قد أحال بسدس دينار الذي وجب له في الدراهم التي دفع على شريكه الذي قبض جميع الدينار؛ وأما إذا قبضا الدينار جميعا، فإنما لم يجز من أجل أنه لم يبين بالسدس الذي وجب له من الدينار في الدراهم التي دفع لبقاء يد شريكه معه عليه؛ ولو قبض جميع الدينار الذي كان له ثلثه وصارف في سدسه، لجاز ذلك على مذهب أشهب، ولم يجز على مذهب ابن القاسم؛ أصل هذا الدينار يكون بين الرجلين فيصرف أحدهما نصفه من أجنبي، فلا يجوز ذلك عند ابن القاسم، وإن قبض جميع الدينار إذا لم يبين بنصيبه منه، من أجل الشركة التي فيه للشريك، ويجوز عند أشهب إن قبض جميع الدينار؛ لأنه قد ناجز من صارفه إذ لم يبق بينه وبينه شرك، ولا يضر عند شركته في الدينار مع الأجنبي إذا قبض جميع الدينار، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون لرجل على رجلين على واحد منهما نصف وعلى الآخر ثلث:

ولا بأس أن يكون لرجل على رجلين على واحد منهما نصف، وعلى الآخر ثلث، فيعطي أحدهما سدسا ويأخذ منه دينارا، يكون ما بقي من الدينار سلفا منه لصاحبه وقضاء عنه.
قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا لأنه قد انفصل بالدينار إذا اشترى سدسه وخلص له، ولا شركة ولا تباعة لأحد عليه فيه، ويرجع الذي دفع الدينار بنصفه على صاحبه؛ لأنه سلف منه له أداه عنه، وبالله التوفيق.

.مسألة راطل ذهبا بذهب فرجحت إحدى الذهبين:

وسألت ابن القاسم: عمن راطل ذهبا بذهب فرجحت إحدى الذهبين، أيجعل مع الناقصة دينارا أو اثنين؟ أو راطل دنانير بدنانير فرجحت، أيجعل في الناقصة تبرا؟ فهل ذلك سواء في الوجهين جميعا؟ وما قليل ما يجوز أن يجعل مع قليله وكثيره؟
قال: إذا كان التبر الذي تراطلا به واحدا، فلا بأس أن يزيد من نقص تبره مع تبره دنانير، يعدلها به قل ما يزيد من الدنانير أو كثر، وإنما يكره هذا أن يكون أحد الذهبين أجود من الآخر، فيجعل الدنانير مع الرديئة من التبر، فيكون حينئذ هذا الذي جعل الدينار قد أخذ فضول دنانيره في فضل تبر صاحبه على تبره؛ وكذلك الدنانير يراطل بها فينقص إحداهما، لا بأس أن يزيد مع الناقصة ما شاء من التبر، قل أو كثر يعدلها به إذا كانت عيون الدنانير واحدة، فإن كانت النقص من الدنانير أفضل من الأخرى، لم يصلح أيضا أن يجعل التبر مع الجيدة من العين فيأخذ صاحبها فضل عيونها بما ألقي معها من التبر، فإن كان تبرا منفردا في إحدى الكفتين ليس معه غيرها، وفي الأخرى دنانير فلا بأس بذلك، كان التبر أفضل من تبر العيون، أو كان مثله إذا كان تبرا واحدا. وقال أصبغ مثله.
وسئل: عن الرجلين يراطلان يخرج أحدهما عشرة عتقاء ويخرج الآخر خمسة عتقاء، وخمسة هاشمية، قال: ليس بهذا بأس.
قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح على ما في المدونة، جائز أن يراطل الرجل ذهبا بذهبين إذا كانت الذهب أدنى من الذهبين جميعا، أو أفضل منهما جميعا، أو مثل إحداهما؛ وذهب سحنون إلى أنه لا يجوز مراطلة ذهب بذهبين كانت أدنى منهما أو أفضل منهما جميعا، أو مثل أحدهما للذريعة، قياسا على ما قال مالك في المدونة من أنه لا يجوز مد قمح ومد شعير بمد قمح ومد شعير وإن استوى ذلك للذريعة.
وأما إذا كانت الذهب التي راطل بها الذهبين أفضل من إحداهما ودون الأخرى، فلا تجوز المراطلة باتفاق؛ لأن صاحب الذهبين لم يرض أن يراطله بذهبه التي هي أطيب من ذهبه لولا ما دخل معها من الذهب التي هي دون ذهبه، وأما إذا راطل ذهبا بذهب فذلك جائز باتفاق، وإن كانت إحدى الذهبين أفضل من الذهب الأخرى من وجه، وأدنى منها من وجه آخر، مثل أن يراطله بتبر ذهب أحمر طيب بحلي ذهب مصوغ، أو دنانير مضروبة تبرها دون تبر الذهب الإبريز؛ وإن كان قد علم أن صاحب التبر الإبريز لم يكن يرضي أن يراطله بتبره الجيدة إلى تبره التي هي دونها في الجودة لولا صياغتها أو سكتها؛ لأن الصياغة والسكة في المراطلة ملغاة. ورد ابن حبيب مسألة المبادلة في الطعامين بالطعام إلى مسألة المراطلة، فأجاز ذلك إذا كان الفضل من جهة واحدة، خلاف ما ذهب إليه سحنون من رده مسألة المراطلة في ذلك إلى مسألة المبادلة، وكان الشيوخ يختلفون في مراطلة الذهب الخالص بالذهب التي ليست بخالصة، كالمراطلة بالعبادية والعبادية بالنصفية ونحو ذلك، فمنهم من كان يجيز ذلك قياسا على قول أشهب في إجازته مبايعة الدراهم الستوق الزيوف بالدراهم الجياد وزنا بوزن، ومنهم من كان لا يجيز ذلك لما فيه من التفاضل بين الذهبين، ويقول: إنما معنى قول أشهب في اليسير من الدراهم قياسا على ما أجازوا من بذل الوازن بالناقص في العدد اليسير من الدنانير على وجه المعروف، وهو الصحيح من الأقوال والله أعلم.
وقد كان شيخنا أبو جعفر بن رزق رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: لا تجوز مراطلة الذهب العبادية بالذهب العبادية، ولا النصفية بالنصفية؛ لأنها ذهب وفضة بذهب وفضة، أو ذهب ونحاس بذهب ونحاس. وذلك إغراق لا أقول به، بل أرى ذلك جائزا؛ لأن الفضة التي مع هذه كالفضة التي مع هذه، والنحاس التي مع هذه، كالنحاس التي مع هذه، فلا يُتْقَى في هذا ما يُتْقَى من ذهب وفضة منفصلين بذهب وفضة منفصلين؛ لأنه لم يكن يراطله الذهب بالذهب، لولا ما أضاف إليها من الفضة.

.مسألة اشترى من رجل ثوبا بثلثي دينار ونصف قيراط:

قال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل: عن الرجل اشترى من رجل ثوبا بثلثي دينار ونصف قيراط، فدفع إليه قطعة فيها ثلثا دينار، وأعطاه بالنصف قيراطا ورقا. قال: لا بأس بذلك فيما دون الدينار، وما دون الدينار فهو مجموع.
قال محمد بن رشد: أجاز هذا هاهنا واستثقله في رسم البيوع الثاني بعد هذا، وقوله وما دون الدينار فهو مجموع، يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما: أن يكون إنما قال فيه بأنه مجموع، إذ العرف في البلدان أن الناس يتبايعون فيما دون الدينار من الذهب بذهب مجموع موزون، والثاني: أن يكون أراد أن له حكم المجموع في جواز أن يأخذ ببعضه ذهبا، وبما نقص ورقا وإن لم يكن مجموعا، فالإجازة هاهنا على التأويل الأول بينة لا معنى للاستثقال فيه؛ لأن من له ذهب مجموعة فجاز له إذا اقتضاها أن يأخذ بما نقص من حقه دراهم أو ورقا، أو ما شاء من العروض.
وقول أصبغ فيما يأتي في رسم البيوع: وما كان دون الدينار فهو مجموع وبمنزلة المجموع، كلام غير محصل، إذ لا يصح أن يكون مجموعا وبمنزلة المجموع، إما أن يكون مجموعا على أحد التأويلين، أو غير مجموع على التأويل الثاني، وقد مضي بيانهما، وتفسير الحكم فيهما، والكراهة في رسم البيوع الثاني بعد هذا على التأويل الثاني؛ لأن الواجب له عليه أعني على التأويل الثاني صرفه من الدراهم، فإذا أخذ في الدراهم الواجبة له عليه ذهبا وورقا في مجلس واحد وجب أن لا يجوز، ولو كان ذلك في مجلسين لجاز، مثل أن يأتيه فيأخذ منه درهما أو درهمين من ورق، ثم ينصرف عنه ويأتيه في مجلس آخر فيأخذ منه بقية دراهمه ذهبا، ولو أخذ منه في مجلس واحد بعض ما له عليه من الدراهم وبقيتها ذهبا لجاز، وإنما استثقل على هذا التأويل أن يأخذ منه فيما دون المثقال ذهبا وبقيراط ورقا، ولم يقل إن ذلك لا يجوز؛ لأنه استخفه ليسارة القيراط، ورأى التهمة في ذلك عنه مرتفعة لقلته.

.مسألة اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا فدفع إليه الدينار وأخذ عنه الثمن:

قيل له: فرجل اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا، فدفع إليه الدينار وأخذ عنه الثمن. قال: لا بأس بذلك، قيل له: فرجل اشترى بدينار إلا درهما أو درهمين، فدفع إليه الدينار وأخذ الدرهم أو الدرهمين، قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان من قول أشهب مخالفتان لقوله في المدونة، ولقول ابن القاسم فيها وروايته عن مالك، وخارجة عن الأصول؛ لأنه ذهب بسلعة ودراهم إلى أجل في المسألتين جميعا، ولا أعلم من يجيز ذلك في المذهب إلا ابن عبد الحكم في أحد قوليه، والفساد في المسألة الأولى أشد؛ لأنه إذا اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا، فإنما وقع شراؤه بسبعة أثمان دينار، يجب عليه صرفها من الدراهم، فصار البائع قد اشترى من المبتاع الدينار الذي أخذ منه بالدراهم التي وجبت عليه، وبدراهم يزيده إياها إلى أجل، فهو صرف خارج عن البيع تأخر فيه بعض النقد، فيجب إذا وقع هذا أن يفسخ الصرف وينفذ البيع، إلا أن يكون باع منه السلعة بدينار إلا ثمنا على أن يدفع إليه دينارا ويؤخر صرف الثمن، فيفسخ البيع والصرف. وأما الذي اشترى السلعة بدينار إلا درهما أو إلا درهمين، فالمعنى في ذلك أنه اشترى السلعة ودرهما أو درهمين بدينار، فيجوز عند ابن القاسم إذا تعجلت السلعة أن يتأخر الدينار والدرهم أو الدرهمان إلى أجل واحد، ولا يجوز عنده أن يتعجل الدينار والدرهم أو الدرهمين وتتأخر السلعة؛ ويجوز ذلك عند أشهب، ولا يجوز عند واحد منهما أن يتأخر الدينار عن الدرهم، ويجوز ذلك عند ابن عبد الحكم في أحد قوليه. ويحتمل أن يكون إنما تكلم على أن البيع وقع بينهما على النقد ثم أخره بالدرهم أو الدرهمين على غير شرط كان في أصل عقد البيع فأجاز ذلك مراعاة للخلاف، كما أجاز في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم البدل في ذلك مراعاة للخلاف، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى ثوبا بنصف دينار فدخل في النصف دينار خمسة عشر درهما:

ومن كتاب الوصايا والأقضيات:
قال أصبغ: سمعت ابن وهب:
وسئل: عن رجل اشترى ثوبا بنصف دينار، فدخل في النصف دينار خمسة عشر درهما، ودفع إليه فيه دراهم وباعه مرابحة وانتقض الصرف. قال: إن كان نقده فيه دراهم فله عدد الدراهم، وإن كان أعطاه دينارا فصرفه فأخذ نصفا ورد على المشتري نصفا، فله نصف دينار بالغا ما بلغ. قيل له: فإنه نقد فيه دراهم خمسة عشر درهما، ثم باع مرابحة وقد انتقض الصرف ولم يبين، قال: لو كان درهما واحدا بدينار إذا فات الثوب، فله ما نقد الخمسة عشر درهما، وإن كان الثوب لم يفت فهم على رأس أمرهم.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه باع على ما عقد عليه من الذهب ولم يبين ما نقد فيه من الدراهم، وقوله وإن كان نقد فيه يريد المشتري الذي اشترى مرابحة دراهم فله عدد الدراهم، وإن كان أعطاه دينارا فصرفه وأخذ نصفا ورد على المشتري نصفا فله نصف دينار بالغا ما بلغ، يريد: إذا كانت السلعة قائمة لم تفت صحيح؛ لأن الواجب فيها إذا كانت قائمة لم تفت، رد البيع إذا لم يرضه المبتاع؛ فإذا رد رجع بما دفع.
وأما قوله إنه إذا باع على ما عقد عليه من الذهب ولم يبين ما نقد فيه من الدراهم وقد حال الصرف بنقصان، أن له إذا فات الثوب ما نقد الخمسة عشر درهما- ولو كان الصرف قد حال إلى درهم واحد- بعيد في النظر، خارج عن الأصول، خلاف لما في المدونة والواضحة وغيرهما من الدواوين، فهو من الغلط الذي لا يعصم منه البشر، وإنما يكون له إذا فات الثوب ما نقد إذا حال الصرف بزيادة، فكان ما نقد خيرا للمشتري، وقد نص في المدونة على ذلك فقال: إن الثوب إذا فات يصرف له الربح على ما نقد إذا كان خيرا للمشتري، إذ لا يصح أن يلزم المشتري إذا فات الثوب ما نقد البائع فيه إذا كان ذلك أكثر مما اشترى عليه ورضي به إلا باختياره، وإنما الحكم في ذلك أن يكون عليه قيمة الثوب، إلا أن يكون أكثر مما نقد البائع فيه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل مما اشترى عليه ورضي به فلا ينقص منه على حكم من باع سلعة بثمن ما مرابحة، ثم جاء بعد أن فات أنه اشتراها بأكثر من ذلك. وقد قال ابن دحون على إتباع ظاهر هذه الرواية أن الحكم فيها حكم من ابتاع سلعة بعشرة وصبغها بعشرة وباعها مرابحة بعشرين: إن المشتري يخير في القيام ويمضي بالثمن في الفوات، وهو غلط بين، إذ لا شبه بينها وبينها، فالحكم في هذه المسألة: إذا اشترى الرجل سلعة بنصف دينار فقد صرفه خمسة عشرة درهما، ثم باعها مرابحة على أن شراءها نصف دينار، ولم يبين ما نقد فيه من الدراهم، أن ينظر إلى صرف النصف الدينار من الدراهم يوم باعها مرابحة، فإن كان أقل من خمسة عشر درهما والسلعة قائمة، خير المشتري بين أن يأخذها على أن شراءها خمسة عشر درهما أو يتركها، إلا أن يشاء البائع أن يسلمها له على ما باعها عليه من أن شراءها نصف مثقال، وإن كانت السلعة قد فاتت ولم يرض المشتري أن يربحه على ما فقد فتكون عليه القيمة، إلا أن تكون أكثر من الخمسة عشر درهما وربحها، فلا يزاد البائع على ذلك، أو يكون أقل من صرف الدينار يوم اشتراها مرابحة، والربح على ذلك فلا ينقص من ذلك؛ لأنه قد رضي به، وإن كان صرف نصف الدينار يوم اشترى المشتري مرابحة أكثر من الخمسة عشر درهما التي نقد البائع فيها والسلعة قائمة، خير البائع بين أن يسلمها له بالخمسة عشر درهما التي نقد فيها أو يأخذ سلعة، إلا أن يرضى المبتاع بأخذها على ما اشتراها عليه من أن شراءها نصف دينار، فيؤدي صرفه بالغا ما بلغ، وما يجب لذلك من الربح؛ وإن كانت السلعة قد فاتت، فهنا قال في المدونة وغيرها: إنه يكون على المبتاع الخمسة عشر درهما التي نقد البائع فيها، وقد كان القياس أن يكون في ذلك القيمة معتبرة أيضا بالأقل والأكثر، إلا أنهم لم يقولوا ذلك. وقوله في الرواية: وباعه مرابحة وانتقض الصرف، معناه: وباعه مرابحة بعد أن انتقض الصرف على أن شراء نصف دينار ولم يبين ما نقد فيه، وعلى هذا أتى جوابه في المسألة، والله أعلم.

.مسألة اشترى ثوبا أو سلعة باثنين وعشرين قيراطا:

ومن كتاب البيوع الثاني:
وسئل: عمن اشترى ثوبا أو سلعة باثنين وعشرين قيراطا، فأعطاه دينارا فيه أحد وعشرون قيراطا وأعطاه القيراط ورقا. قال: إنه لثقيل، قال أصبغ: لا بأس به فيما دون الدينار، وما كان دون الدينار فهو مجموع وبمنزلة المجموع، فلا بأس به في المجموع أن يعطي بعضها ذهبا وما نقص ورقا، وكذلك ما زاد على الدينار؛ قيل لابن القاسم: فلو أعطاه دينارا فيه الاثنان والعشرون قيراطا، قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى قبل هذا في رسم البيع والصرف فلا معنى لإعادته.