فصل: مسألة يغزو أرض العدو فيشهد القتال فيغنموا وهو حي ثم يموت فيغنموا بعده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يغزو أرض العدو فيشهد القتال فيغنموا وهو حي ثم يموت فيغنموا بعده:

وسئل ابن القاسم عن الرجل يغزو أرض العدو فيشهد القتال فيغنموا وهو حي، ثم يموت فيغنموا بعده مغانم وفتوحا؛ أيقسم له فيما غنم بعد موته مع ما غنم قبل موته؟ قال: إن ذلك الشيء دائما متتابعا في ذلك الفوز فتحوا حصنا، ثم مات ففتحوا آخر بعده، أو قاتلوا قبل أن ينقطع ذلك؛ قسم له في ذلك، فإن كانوا رجعوا قافلين وما أشبه ذلك ثم غنموا بعد ذلك، فلا يقسم له إلا فيما شهد.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال في المذهب، لكل قول منها وجه؛ أحدها قول ابن الماجشون: إن الرجل من الجيش يستحق سهمه من كل ما غنم الجيش إلى حين قفوله إذا مات بالأدراب- وإن لم يكن في حياته لقاء عدو. والثاني: أنه لا يستحق ذلك بالأدراب إلا أن يكون في حياته لقاء عدو فشاهد القتال، وهو قول ابن القاسم في رسم الكبش من سماع يحيى بعد هذا. والثالث: أنه لا يستحق بمشاهدة القتال- إذا مات بعده إلا ما غنم، أو افتتح بقرب ذلك، وهو قول ابن القاسم في رواية عيسى هذه. والرابع: أنه لا يستحق بمشاهدة القتال إذا مات بعده إلا ما غنم وافتتح بذلك القتال خاصة، ومثل أن يكون حصن تحت سور فأخذ ربض ثم مات فتخطى بعده إلى ربض آخر، وأما ما ابتدئ قتاله من الحصون بعد موته، فلا سهم له فيه- وإن كان قريبا.

.مسألة الفرس يوجد في المغنم موسوما في فخذه:

وسئل أصبغ بن الفرج عن الفرس يوجد في المغنم موسوما في فخذه: حبس في سبيل الله، قال: أرى ألا يجعل فيئا، وأن يكون في سبيل الله حبسا؟ قال سحنون مثله وكذلك لو كان في فخذه لله؛ ولم يكن فيه حبس؛ كان حبسا إذا علم أنه من خيل الإسلام ولم يشك فيه، وكان بمنزلة فرس لم يقع في المقاسم حتى أتى صاحبه أو عرف صاحبه، فإنه يرد إليه لأن المسلمين كلهم فيه أشراك.
قال محمد بن رشد: لسحنون في كتاب ابنه أن ذلك لا يمنعه من القسم؛ لأن الرجل قد يرشم في فخذ دابته: حبس في سبيل الله ليمنعه ممن يريده منه، قال: ولو باع رجل فرسه وفي فخذه: حبس في سبيل الله، لكان ذلك له- إن علم أنه لم يرد به التحبيس في السبيل، وهو القياس إذ لا يجب الحكم بالرشم لو وجد في يد رجل فرس مرشوم بالحبس لم يصح إخراجه من يده بذلك؛ كذلك إذا وجد في المغنم؛ لأن أهل الجيش قد استحقوه بالغنيمة، فلا يخرج من أيديهم إلا بما تستحق به الحقوق، والقول الأول استحسان- مراعاة لقول من يقول إن العدو لا يملكون على المسلمين ما حازوه من أموالهم، وأن صاحب المال أحق بماله بغير ثمن، قسم أولم يقسم؛ لأن الواجب على هذا القول ألا يقسم في الغنيمة ما علم أنه من أموال المسلمين، وأن يوقف لهم- إن لم يعلموه، كما يفعل فيما يوجد بأيدي اللصوص، فيأخذه من ادعاه بالشبهة- وإن لم تكن له بينة؛ واختلف قول الأوزاعي أيضا في هذه المسألة، فمرة قال إنه يقسم كالسيف يوجد فيه مكتوب حبس في السبيل، ومرة قال: إنه يحمل عليه في السبيل ولا يقسم، بخلاف السيف ولا فرق في القياس بين السيف والفرس، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يحمل على الفرس في سبيل الله ولا يذكر ثغرا ولا مغزى:

ومن كتاب أوله سلف دينارا في ثوب:
قال ابن القاسم: قال مالك: في الرجل يحمل على الفرس في سبيل الله- ولا يذكر ثغرا ولا مغزى، قال يجعل حيث ما كان أنكى للعدو مثل المصيصة ونحوها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه يعلم أنه إنما قصد التقرب إلى الله تعالى بفعله، والتقرب إليه إنما يكون على قدر الثواب؛ فوجب إذا لم يسم موضعا أن يجعل في أهم الثغور وأخوفها وأكثرها نكاية للعدو؛ لأن الأجر في الجهاد، إنما هو على قدر النكاية في العدو، والإرهاب عليه، والنيل منه، قال عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]- الآية. وقال تعالى: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120].

.مسألة الكلب يوجد في أرض العدو وهو ثمن دنانير كثيرة أيدخل في المغانم:

قلت لابن القاسم: فالكلب يوجد في أرض العدو- وهو ثمن دنانير كثيرة أيدخل في المغانم؟ قال: نعم يدخل في المغانم، وكذلك الظباء، وما أشبهه يصاد في أرض العدو؛ وقال إنه يدخل في غنائم المسلمين.
قال محمد بن رشد: روي «أن رسول الله عَلَيْهِ السَّلَامُ نهى عن ثمن الكلب». فحمله مالك على عمومه في جميع الكلاب- ما أذن في اتخاذه منها وما لم يؤذن، واستحسن ابن القاسم ههنا، وفي رسم المكاتب من سماع يحيى- أن يجعل الكلب المأذون في اتخاذه في المغانم، ويقسم في المقاسم مراعاة لقول من يجيز بيعه، ويخصصه من عموم الحديث؛ وهو مذهب جماعة من العلماء، وسحنون من أصحابنا، وجاء ذلك مفسرا في بعض الأحاديث، فروي «أن الرسول عليه السلام نهى عن ثمن السنور، والكلب، إلا كلب الصيد». ووجه استحسان ابن القاسم لبيع الكلب المأذون في اتخاذه في المغانم، هو أن الله تعالى لما أباح لنا ما غنم من أموال الكفار بقول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]- الآية. وكان الكلب المأذون في اتخاذه من أموالهم، وجب ألا يخرج من الغنيمة بلفظ محتمل، ورواية معن بن عيسى عن مالك في آخر رسم المكاتب من سماع يحيى، أنه لا يدخل في المقاسم، هو القياس على مذهبه.

.مسألة أبق عبده إلى أرض الحرب ثم خرج برقيق استألفهم:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار قال:
وسئل ابن القاسم عن رجل أبق عبده إلى أرض الحرب، ثم خرج برقيق استألفهم؟ لمن تكون تلك الرقيق؟ أو هل فيها خمس؟ قال: الرقيق لسيد العبد ولا خمس فيهم، وكذلك لو استألفهم رجل فخرج بهم، كانوا له ولا خمس فيهم؛ قال عيسى: إنما هذا إذا استألفهم على أن يكونوا عبيدا له، وأما إذا استألفهم على أن يكونوا أحرارا، فذلك عهد ولا يكونون له.
قال محمد بن رشد: قول عيسى تفسير لقول ابن القاسم، وقوله إنه لا خمس فيهم صحيح؛ لأن الخمس لا يكون إلا فيما غنم وأوجف عليه بالخيل والركاب. وأما قوله إن الرقيق لسيد العبد، فمعناه أن له انتزاعهم منه؛ لأن العبد ماله له حتى ينتزعه منه سيده على مذهب مالك في أن العبد يملك.

.مسألة يلحق بأرض الشرك فيتنصر فيصيب دماء المسلمين وأموالهم:

ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار:
وسألته عن رجل من المسلمين يلحق بأرض الشرك فيتنصر فيصيب دماء المسلمين وأموالهم، ثم يؤخذ أسيرا فيشهد بالتوحيد ويجيب إلى الإسلام، فقال إن كان ما أصاب من ذلك أصابه وهو على ارتداده ثم أجاب إلى الإسلام حين أخذ، هدر عنه القتل وما أصاب من ذلك؛ وإن كان على الإسلام يوم أصاب ذلك، أقيد منه، وكذلك روى سحنون عن ابن القاسم في كتابه. وقال يحيى سألت عنها ابن القاسم فقال لي على الإمام أن يقتله ولا يستبقيه، ولا يجعل أمره إلى أولياء الذي قتل من المسلمين؛ لأن أمره كأمر المحارب الخارج على المسلمين بالسلاح، وهو يقتل ولا يستتاب كاستتابة المرتد في دار المسلمين، ولا يجوز لأولياء المقتول الدفع عنه.
قال محمد بن رشد: رواية يحيى عن ابن القاسم هذه، ليست بخلاف لرواية عيسى التي قبلها؛ لأنه إنما تكلم في رواية عيسى على أنه أسلم- إذا أخذ بعد أن حارب في بلد الحرب؛ وتكلم في رواية يحيى على أنه لم يسلم، فهي مسألة أخرى، فوهم العتبي في سياقته إياها عليها، وقوله فيها: وسألته عنها وهي ليست هي، ولا اختلاف في أنه إذا لحق بدار الشرك فتنصر وأصاب الدماء والأموال، ثم أخذ فأسلم، أنه يهدر عنه جميع ما أصاب كالحربي- إذا أسلم سواء؛ وهذا إذا صح ارتداده بكونه على بصيرة منه في الكفر، وأنه لم يفعل ذلك مجونا وفسقا؛ ولو ارتد وأصاب الدماء والأموال في بلد الإسلام، ثم أسلم لهدرت عنه حقوق الله، هي: الربى، والسرقة، وحد الحرابة، وأخذ بحقوق الناس من الأموال والدماء، والجراح- على مذهب ابن القاسم، وحكى ابن حبيب عن أصبغ واختاره، هو أن الردة لا تسقط عنه الطلاق، ولا الحدود من الزنا، والسرقة، وشرب الخمر؛ لأنه يتهم أن يرتد في الظاهر ليسقط ذلك عن نفسه؟ واختلف قول ابن القاسم: هل ينظر إلى حاله في الجراح والقتل يوم الجناية، أو يوم الحكم- على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه ينظر إلى حاله في جميع ذلك يوم الجناية. والثاني أنه ينظر إلى حاله في جميع ذلك يوم الحكم. والثالث أنه ينظر إلى حاله في القود يوم الجناية، وفي الدية يوم الحكم. ولا اختلاف أيضا في أنه إذا لحق بدار الشرك فتنصر وأصاب الدماء والأموال بخروجه عن المسلمين، ثم أخذ على ارتداده؛ أنه يقتل ولا يستتاب كما يستتاب المرتد في دار الإسلام- إذا لم يحارب؛ لأنه إذا حارب في بلد الإسلام، فأخذ على ارتداد، يقتل أيضا لحرابته ولا يستتاب، ولا يجوز لأولياء من قتل العفو عنه، فلا يفترق حكم ما أصاب المرتد في بلد الحرب، أو في بلد الإسلام- إذا لم يسلم، وإنما يفترق ذلك- إذا أسلم على ما قد ذكرناه. وقوله: وإن كان على الإسلام يوم أصاب ذلك، أقيد منه؛- معناه إن كان أصاب ذلك- وهو على الإسلام- قبل أن يرتد؛ لأن الارتداد يسقط عنه حكم الحرابة إذا أسلم، ويقاد منه لمن قتل.

.مسألة يحمله على الفرس في سبيل الله على إن سلم فهو رد عليه فيصاب الفرس:

وسألته عن الرجل يحمل الرجل عن الفرس في سبيل الله على إن سلم فهو رد عليه، فيصاب ذلك الفرس فيجعل أمير الجيش الخلف لمن أصيب له فرس، لمن يكون ذلك الخلف؟ فقال لسيد الفرس، ليس للمحمول عليه منه شيء.
قال محمد بن رشد: وهذا بين كما قال؛ لأن الإمام إنما قصد أن يجبر على من تلف له فرس- فرسه، لا أن يعطي فرسا لمن أصيب تحته فرس لغيره.

.مسألة الأسارى من المسلمين يصيبهم العدو في البحر:

ومن كتاب حبل حبلة:
قال عيسى: قلت لابن القاسم: فالأسارى من المسلمين يصيبهم العدو في البحر، فيوثقونهم ويوجهون بهم إلى بلادهم، فيثب عليهم الأسارى، فيقتلون بعضهم؛ ويأسرون بعضهم، ويصيبون متاعهم ومركبهم؛ هل ترى للإمام فيه خمس؟ فقال: إن كان يسار بهم في البحر إلى أرضهم ولم يصلوا بعد إلى أرضهم؛ فأراهم بعد في حربهم، وأرى فيما أصابوا الخمس؛ وإن كانوا قد وصلوا بهم إلى بلادهم، ثم خلصوا منهم على ما ذكرت؛ فأرى ما أصابوا لهم، وليس للسلطان فيه خمس.
قال محمد بن رشد: الوجه في هذا أنهم إن فعلوا ذلك قبل أن يستحكم أسرهم، فهم بعدُ في حربهم، يكون فيما أصاب منهم الخمس، وإن فعلوا ذلك بعد أن يستحكم أسرهم، فما أصابوا لهم، ولا خمس عليهم فيه، وإنما يستحكم أسرهم- إذا ساروا بهم إلى موضع يأمنون فيه لحوق مراكب المسلمين بهم، فمعنى الرواية: إذا علم أنهم لا يأمنون إلا بالوصول إلى أرضهم؛ لكثرة مراكب المسلمين عليهم. ولو أمنوا قبل الوصول إلى أرضهم، لكان لهم بالوصول إلى موضع الأمن حكم الوصول إلى أرضهم- والله أعلم، يبين هذا الذي قلناه- مسألة آخر سماع سحنون من هذا الكتاب في حد الموضع الذي يجعل فيه تجار الحربيين إذا أخذوا في انصرافهم- وبالله التوفيق.

.مسألة الأسير يكون مخلى بأرض الحرب أيخذ من المتاع شيئا:

قلت: فالأسير يكون مخلى بأرض الحرب، هل يجوز له أن يعدو على بعض متاع الذي هو في يديه أو غيره، فيهرب ولم يخله بعهد؟ قال: الذي كنا نحفظ من قول من يرضى- وأنا أشك أن يكون مالكا- أنه إن كان أرسل على أمان لم يحل له أن يهرب، ولا أن يأخذ من أموالهم شيئا، وإن أرسلوه على غير أمان بمنزلة ما يملكون من الرقيق قوة عليه لا يخافونه، فليقتل وليأخذ ما شاء؛ وما خرج به من ذلك فهو له، وليس للسلطان فيه خمس؛ لأنه لم يوجف عليه، وهذا الذي سمعت- وهو رأيي.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في سماع أصبغ بعد هذا، وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون، وروايتهما عن مالك أن له أن يهرب بنفسه وإن أطلقوه على وجه الائتمان له والطمأنينة إليه، ما لم يأخذوا على ذلك عهده، وفي المبسوطة للمخزومي، وابن الماجشون، أن له أن يهرب، وأن يأخذ من أموالهم ما قدر عليه، ويقتل إن قدر- وإن ائتمنوه ووثقوا به واستحلفوه؛ فهو في فسحة من ذلك كله، ولا حنث عليه في يمينه؛ لأن أصل أمره الإكراه؛ فهي ثلاثة أقوال، أصحها في النظر قول ابن الماجشون، ومطرف، وروايتهما عن مالك في الواضحة: أنهم إن ائتمنوه على أن لا يهرب ولا يقتل، ولا يأخذ من أموالهم شيئا، فله أن يهرب بنفسه، وليس له أن يقتل، ولا يأخذ من أموالهم شيئا؛ لأن المقام عليه ببلد الكفر حرام، فلا ينبغي له أن يفي بما وعدهم به من ذلك؛ بخلاف القتل، وأخذ المال؛ لأن ذلك جائز له وليس بواجب عليه، فوجب عليه الوفاء به؛ وأما قوله: إن ما خرج به من المال فهو له، ولا خمس عليه فيه، فهو مثل ما تقدم في المسألة التي قبل هذه، وهو المشهور في المذهب؛ وقال ابن المواز: إن عليه الخمس فيما خرج به إن كان خرج للإصابة، فأسر ببلد الحرب؛ لأنه لم يصل هو إلا بالإيجاف، بخلاف إذا أسر من بلاد المسلمين. وقوله بعيد على أنه إنما ساقه في كتابه على جهة التفسير للمذهب.

.مسألة يغنمون الرقيق هل يشترى منهم وهم لم يؤدوا خمسها:

ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته:
وسألته عن القوم يغنمون الرقيق، هل يشترى منهم- وهم لم يؤدوا خمسها.
قال: لا يشترى منهم إذا لم يؤدوا خمسها.
قلت: فإن كانوا قوما صالحين يظن بهم أنهم لا يحبسون خمسها.
قال: لا يشترى منهم إلا أن يعلموا أنهم يؤدون خمسها.
قال محمد بن رشد: أما إذا كانوا قوما صالحين لا يظن بهم أن يحبسوا خمسها، فلا وجه للمنع من الشراء منهم، وأما إذا لم يعلم حالهم فترك الشراء منهم، هو وجه التورع؛ وأما إذا علم أنهم يبيعون ولا يؤدون الخمس، فاختلف في جواز الشراء منهم؟ روى يحيى بن عمر عن أبي المصعب أنه يشترى منهم وتوطأ الأمة، وإنما الخمس على الذي يبيع، وعلى هذا يأتي ما قاله ابن حبيب في الوالي يعزل الظلمة العمال، فيرهقهم ويعذبهم في غرم يغرمهم لنفسه، أو ليرده على أهله؟ فيلجئهم ذلك إلى بيع أمتعتهم ورقيقهم، أن الشراء منهم جائز، وقيل: إن الشراء منهم لا يجوز- إذا علم أنهم يبيعون- ولا يؤدون الخمس؛ لأنه بيع عداء، وهو قول سحنون، وعلى قياس هذا يأتي قول ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب زكاة الماشية: إن الصدقات والعشور لا يحل الاشتراء منها- إن كانوا لا يضعون أثمانها في مواضعها، وهذا الاختلاف عندي إنما ينبغي أن يكون إذا كانت الرقيق لا تنقسم أخماسا، فكان الواجب أن تباع ليخرج الخمس من أثمانها؛ وأما إذا كانت تنقسم أخماسا فلم يخرجوا منها الخمس، وباعوها ليستأثروا بها، فهم كمن تعدى على سلعة لغيره فباعها، فلا يجوز لمن علم ذلك شراؤها.

.مسألة يأتي أرض المسلمين بغير أمان فيؤخذ في أرض الإسلام:

ومن كتاب الجواب:
وسألته عن الرجل من العدو يأتي أرض المسلمين بغير أمان، فيؤخذ في أرض الإسلام، أو قبل أن يصل إلى أرض الإسلام، فيقول جنحت إلى الإسلام، هل يقبل ذلك منه- وهم ربما تلصصوا الواحد والاثنان؛ قال ابن القاسم: أما الذي يؤخذ قبل أن يدخل أرض الإسلام، فهو الذي لا يشك فيه أن يقبل منه، أو يرد إلى مأمنه؛ وكذلك قال مالك فيه، وكذلك إن قال: جئت أطلب الفداء على مثل ذلك سواء؛ وأما الذي يؤخذ في أرض الإسلام، فهو على مثل ذلك سواء أيضا عندي- إذا كان أخذه بحدثان سفره وقدومه، وبأثر ذلك وفي فوره ووجهه؛ فأما أن يطول زمانه وإقامته بين أظهر المسلمين لا يعلم به، فإذا ظهر عليه، قال: جنحت إلى الإسلام، أو جئت أطلب الفداء، أو ما أشبه ذلك؛
فلا أرى أن يقبل ذلك منه، وأراه رقيقا يرى الإمام فيه رأيه بالاجتهاد، وليس هو لمن أخذه؛ ولا أرى أن يقتل إلا أن يعلم أنه أتى جاسوسا يتجسس عورات المسلمين ليطلع عليها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها اختلاف كثير، وتحصيله مخلصا مقربا: أن فيها ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يقبل قولهم فيما ادعوا من أنهم جنحوا إلى الإسلام، أو جاؤوا يطلبون الفداء أو التجارة- بعد أن يؤخذوا إذا لم يظهروه قبل أن يؤخذوا، ويكونون فيئا للمسلمين؛ يرى فيهم الإمام رأيه: إن شاء قتل، وإن شاء استرق؛ وسواء أخذوا في بلد الإسلام، أو قبل أن يصلوا إلى بلد الإسلام؛ وسواء كانوا من أهل بلد عودوا الاختلاف إلى بلاد المسلمين المثل ما ادعوا، أو لم يعودوا- وهو قول أشهب في الواضحة وغيرها. والثاني أنه يقبل قولهم أو يردوا إلى مأمنهم، أن يتبين كذبهم فيما ادعوا، مثل أن يقولوا نحن تجار أردنا التجارة- وليس معهم أسباب التجر، ومعهم السلاح؛ قيل إذا أخذوا قبل أن يصلوا إلى بلاد المسلمين؛ وأما إن أخذوا في بلاد المسلمين، فهم فيء للمسلمين، وهو قول يحيى بن سعيد في المدونة، وظاهر قول مالك فيها، وقول سحنون، وقيل إن أخذوا في بلاد المسلمين- إذا كان أخذهم بحدثان قدومهم، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية. وقيل وإن أخذوا بعد أن طال مقامهم في بلاد المسلمين، إلا أن يتبين كذبهم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في أول رسم الصلاة من سماع يحيى. والقول الثالث أنهم إن كانوا من أهل بلد قد عودوا الاختلاف لما ادعوه من الفداء، أو التجارة، أو الاستئمان، قبل قولهم، أو ردوا إلى مأمنهم، وإلا فهم فيء للمسلمين، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة، وعزاه إلى مالك من رواية المدنيين والمصريين، وهو قول ربيعة في المدونة، وسحنون في سماعه بعد هذا، وعيسى في تفسير ابن مزين، وإليه نحا ابن القاسم فيه، وأما إن أظهروا ما ادعوا قبل أن يؤخذوا، وقبل أن يصلوا إلى بلاد المسلمين، فلا اختلاف في أنهم لا يسترقون، ويقبل منهم ما ادعوا، أو يردوا إلى مأمنهم.

.مسألة الطير والحيتان تصاد في أرض العدو وتباع هل يجعل أثمانها في المقاسم:

وسألته عن الطير والحيتان تصاد في أرض العدو، وتباع، هل يجعل أثمانها في المقاسم، أم هي لمن أصابها؟ قال ابن القاسم: بل تدفع في المقاسم لا شك فيه، ولا يحل غيره، وإن أراد أن يخرج بالطير حيا، فإن كانت من الطير التي لها الأثمان للاصطياد، وما أشبه ذلك، لم يخرج بها، وردها في المقاسم، وإن كانت طيرا للأكل وأراد أن يتزود منها أو من الحيتان ما يبلغه، فلا بأس بذلك؛ فإن فضلت معه فضلة منها بعد رجوعه، باعها وتصدق بثمنها؛ إلا أن يكون ذلك الشيء يسيرا تافها لا قدر له، فلا أرى عليه بيعه، ولا بأس عليه في أكله في أهله.
قال محمد بن رشد: حكم ابن القاسم في هذه الرواية لما صاد الرجل في بلاد الحرب من الحيتان والطير- بحكم طعام العدو الذي قد حازوه وملكوه، فكذلك على هذه الرواية ما كان له ثمن من أشيائهم المباحة، حكمه حكم ما حازوه إلى بيوتهم من أموالهم، وقد مضى القول في هذه المسألة- مجودا- في رسم صلى نهارا، ورسم نذر من سماع ابن القاسم، وفي غيره من المواضع أيضا.

.مسألة أهل الذمة إذا نقضوا العهد ومنعوا الجزية وخرجوا من غير عذر:

وسألته عن القوم من أهل الذمة ينزع رجالهم ويحاربون، فيظفر بهم؛ هل يستحل بذلك ذراريهم ونساؤهم ومن يزعم من ضعفاء رجالهم أنه استكره، ومن يرى أنه مغلوب على أمره ولا يملك من أمره شيئا- دخلوا أرض الحرب، أو لم يدخلوا؟ قال ابن القاسم: إن كان الإمام عدلا قوتلوا أو قتلوا، واستحلت نساؤهم وذراريهم وأولادهم المراهقون، والأبكار تبع لهم يستحلون ويسبون، وهم من النساء والذرية؛ وأما من يرى أنه مغلوب على أمره، وأنه لم يعن مثل الضعيف والشيخ الكبير الزمن؛ فلا أرى أن يستحلوا، ولا يقتلوا، ولا يسترقوا على حال. قال وإن نقضوا وقاتلوا وظهر على الذرية قبل أن يظهر عليهم، استحلوا أيضا وسبوا، وكانوا كسبيل ما فسرت لك؛ وذلك إذا كان الإمام عدلا لم ينقموا منه شيئا، وإن نقضوا وخرجوا إلى دار الحرب، وبقيت الذرية بين أظهر المسلمين؛ لم تستحل الذرية، ولم يكن إلى الذرية سبيل بوجه من الوجوه؛ وإن تحملوا الذرية معهم، وظفر بهم قبل أن يصلوا إلى دار الحرب؛ فهم كلهم فيء بحال ما فسرت لك- إذا كانوا قد نقضوا وامتنعوا، وكان الإمام عدلا- كما أخبرتك، وإن كان الإمام غير عدل ونقموا شيئا يعرف ما قاموا به، لم يقاتلوا ولم يقتلوا؛ قال مالك: وإلى من يردونهم إلى من يستحل نساءهم وبناتهم، فإن ظهر عليهم في تلك الحال، لم يسترقوا ولم يستحلوا، ولاشيء من نسائهم ولا ذريتهم، وتركوا على حالهم، وذمتهم؟ وإن تحملوا إلى أرض الحرب بذريتهم ثم ظهر عليهم، لم يستحل منهم شيء من الأشياء- كما فسرت لك- إذا كان الإمام غير عدل؛ إلا أن يعينوا على المسلمين بعد دخولهم إلى العدو، أو يقاتلوا مع العدو فيستحلون بفعلهم ذلك، ويسن بهم وبذراريهم عند ذلك سنة أهل الحرب؛ لأنهم قد صاروا حينئذ حربا وعدوا.
قال محمد بن رشد: اتفق أصحاب مالك على اتباع قول مالك في أن أهل الذمة إذا نقضوا العهد، ومنعوا الجزية، وخرجوا من غير عذر، أنهم يصيرون حربا وعدوا، يسبون ويقتلون، إلا أشهب في المدونة، فإنه قال لا يعود الحر إلى الرق، وما اتفق عليه مالك وأصحابه أصح في النظر من قول أشهب؛ لأن الحرية لمن تثبت لهم بعتاقة من رق متقدم، فلا ينقض، وإنما تركوا على حالهم من الحرية التي كانوا عليها آمنين على أنفسهم ودمائهم بين أظهر المسلمين، بما بذلوه من الجزية عن يد وهم صاغرون مساناة ما بذلوها، لقول الله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29]- الآية. فإذا منعوا الجزية لم يصح لهم العوض، وكان للمسلمين الرجوع فيه. وذلك أيضا كالصلح ينعقد بين أهل الحرب وبين المسلمين على شروط، فإذا لم يفوا بها، انتقض الصلح بقول الله عز وجل: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10]- الآية. وكمن اكترى دارا مشاهرة، فإذا منع الكراء، أخرج من الدار؛ وقد احتج لذلك ابن الماجشون في كتاب ابن المواز بأن قال: وكذلك فعل النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في سبي قريظة وغيرهم، وقاله محمد، ولا حجة في ذلك- عندي؛ لأن الذي كان بين النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ وبين قريظة وغيرهم من اليهود، إنما كانت مهادنة ومعاهدة- وهم في بلادهم؛ ولم يكونوا كأهل الذمة الذين غلبوا، فأقروا تحت ملكة المسلمين على أداء الجزية، ومما يدل على هذا أن ابن القاسم لم يحتج به في المدونة، وإنما قال فيها قد مضت في ذلك السنة من الماضين؛ فذكر قتال عمرو بن العاص- الإسكندرية- ثانية، فلو كانت عنده في ذلك سنة عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، لذكرها- والله أعلم؛ وفرق في الرواية بين النساء والذرية، وبين الشيوخ والزمنى، وساوى بين ذلك ابن الماجشون، وأصبغ، وجعلا نقض كبارهم نقضا عليهم، أن صلحهم صلح عليهم، واختاره ابن حبيب، ولا ينبغي أن يختلف فيهم، إذا علم أنهم مغلوبون مكرهون غير راضين، لقوله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. ويحمل الخلاف على أنه إذا جهل أمرهم وادعوا الإكراه والغلبة على ما يحملون، فلا يستباحون على مذهب ابن القاسم إلا بيقين، ولا يمتنع من سبيهم وقتلهم على ما ذهب إليه ابن حبيب إلا بيقين- والله أعلم.

.مسألة الكبير والكبيرة من المسلمين يصيبهما العدو ثم يصيبهما المسلمون:

وسألته عن الكبير والكبيرة من المسلمين يصيبهما العدو، ثم يصيبهما المسلمون، ولا يدعيان شيئا حتى تجرى عليهما المقاسم، ويتداولهما المشترون؛ ثم يثبت أمرهما ويظهر ويعرف؛ وهل الكبير والصغير في هذا سواء؟ قال ابن القاسم: لا أرى عليهما غرم شيء من أثمانهما، وهما بمنزلة الصغير في ذلك- إذا كان ممن يجهل مثل هذا، ولا يعلمان بأنهما لا يسترقان، ويظنان أن ذلك عليهما، ويعذران في ذلك، فإن كانا ممن لا يعذران في ذلك وسكتا على علم، وتعمدا ذلك؟ رأيت عليهما غرم أثمانهما؛ وإن كانت الجارية قد وطئت في ذلك، لم أر عليها شيئا- إذا عذرت بنحو ما أخبرتك من الجهالة والتأويل والنسيان؛ وقد قال في سماع يحيى بن يحيى من كتاب يشترى الدور والمزارع، ليس اشتراؤه إياهما في الأسر بمنزلة اشترائه إياهما في المغانم؛ لأنهما في أرض العدو في رق استنقذهما منه، وهما حين صارا بأيدي المسلمين فقد خرجا من ذلك الرق، وصارا إلى الحرية التي كانا عليها؛ قال يحيى: قلت لابن القاسم فما ترى في حق المشتري إن كان أخذهما في سهامه، أو اشتراهما في المقاسم؟ قال: أراها مصيبة دخلت عليه، إلا أن يدرك ذلك قبل القسم فيسقط عنه الثمن.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف إذا عذرا بجهل أنه لا شيء عليهما، وإنما اختلف قول ابن القاسم إذا لم يعذرا بجهل وسكتا- وهما يعلمان أن الاسترقاق لا يلزمهما، فأوجب عليهما في رواية عيسى عنه غرم أثمانهما للمشتري إن فات القسم، ولم يكن له على من يرجع، ولم يوجب ذلك له عليهما في رواية يحيى، وهو قول سحنون، واختيار ابن المواز، قال: وذلك بخلاف العروض أو الرقيق، أو الحيوان، أو غيره مما قسم في المغنم، أو بيع فيه، فلا يأخذه صاحبه إلا بالثمن الحر والحرة- إن بيعا في المغنم يخرجان حرين، ولا يتبعان بشيء، وسواء كانا مسلمين أو ذميين؛ قال: ولم يقل أحد من أصحابنا إنه يرجع عليهما- إلا أشهب، وقد قاله ابن القاسم في رواية عيسى هذه، وهو قوله أيضا في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق في الرجل والمرأة يقران بالمملكة، فيباعان فتوطأ المرأة فتلد- وقد مات بائعها أو فلس- أن أثمانها تكون للمشتري دينا عليهما؛ وهذا الاختلاف جار على مجرد الغرور بالقول: هل يلزم به غرم أو لا، وعلى رواية عيسى هذه التزم الموثقون أن يكتبوا في عهد الرقيق- إذا كان العبد أو الأمة: قد بلغا إقرارهما بالرق لبائعهما، ليكون للمشتري اتباعهما بأثمانهما- إن استحقا بحرية، وثبت عليهما العلم بذلك، والبائع ميت أو عديم- وهو ضعيف؛ لأن السكوت عند ابن القاسم في رواية عيسى عنه في هذه المسألة كالإقرار، يجب به للمشتري الرجوع، وعلى رواية يحيى وقول سحنون وما اختاره ابن المواز، وحكي أنه إجماع من أصحاب مالك- إلا أشهب، لا فائدة في كتابه، إذ لا يوجب شيئا؛ وقد قال ابن حبيب إن الغلام إذا استحق حرية والبائع غائب، أنه يرفع مع المشتري إلى موضع البائع، ليأخذ رأس ماله منه، كما لو استحق برق؛ ومعنى ذلك إذا علم بحريته وغر من نفسه، وكذلك قال ابن كنانة، وأما إن كان الرق قد جرى عليه من الصغر- ولم يعلم بحريته، فلا يجب أن يرفع معه؛ وحكى ابن عبدوس عن ابن القاسم في الجارية أنها لا ترفع معه، وإنما يكتب له السلطان بصفتها، معناه وإن غرت من نفسها، فالاختلاف في هذا، إنما هو إذا غرت من نفسها على قياس الاختلاف في وجوب اتباعها بالثمن، إذا كان البائع ميتا، أو عديما، والله أعلم.