فصل: مسألة يسأل عن الأمر فيقول علي صدقة أو مشي وهو كاذب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يسأل عن الأمر فيقول علي صدقة أو مشي وهو كاذب:

وسئل عن الرجل يسأل عن الأمر فيقول: علي صدقة أو مشي، وهو كاذب، إنما أراد بذلك أن يمنعه، فقال: لا شيء عليه، إنما يكون ذلك عليه في العتق والطلاق، يعني إذا قامت على ذلك بينة.
قال محمد بن رشد: هذا بين كما قال: إن ما لا يحكم به عليه، فهو موكول إلى أمانته، وحسابه على الله، يوم تبلى السرائر.

.مسألة حلف لامرأته أنت علي حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي:

وسئل عن رجل حلف لامرأته: أنت علي حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي، وقالت الأخرى: مالي في المساكين صدقة إن استأذنت عليك، فكيف ترى؟ قال: هو كما قالا، واليمين عليهما، فإن شاءت أن تقيم تنفق على نفسها فعلت، قيل له: فإن استأذنت قال: أرى أن تخرج ثلث مالها فتتصدق به، فقيل له: أفترى على زوجها بأسا إن هي استأذنت أن ينفق عليها أكثر من قوتها؟ قال: لا بأس بذلك، إلا أن يكون نوى ذلك حين حلف ألا ينفق عليها أكثر من قوتها، وإن لم تكن له نية، فلا أرى ذلك عليه إذا استأذنت عليه وأنفق عليها، إنما أراد ألا ينفق، ولم يرد ألا يفضل، فلا أرى عليه شيئا إلا أن يكون نوى ذلك.
محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما حلف على الإنفاق، ولم يحلف على الإفضال؛ إذ ليس مما يستأذن عليه فيه، فإذا استأذنت عليه في الإنفاق، لم يكن عليه شيء في الإفضال.

.مسألة يكون بينه وبين الرجل الدار فيحلف ألا يبيعه صفقة ثم يريد بيعه:

وسئل عن الرجل يكون بينه وبين الرجل الدار، فيحلف بيمين غليظة ألا يبيعه صفقة، ثم يريد بيعه بعد ذلك، فيقول: إني إذا بعت أخذ صاحبي بالشفعة، فهل ترى عليه حنثا؟ قال: أرى أنه لا يبيعه ممن يظن أنه إنما يشتريه له أو من ناحيته. فقال: لا، ليس هو منه بسبيل إلا رجل يشتري لنفسه أخذ ذلك أو ترك، إلا أنه يقول الحالف: علي في يميني شيء إن أخذ، فقال: لا شيء عليه، وذلك أن تباعة بيعه على الذي يأخذ منه، ولو أراد أن يجعل تباعته على شريكه الأول وكتابة عهدة شرائه عليه، لم يكن ذلك له، فلا أرى عليه شيئا في يمينه.
قال محمد بن رشد: هذا بين أنه إذا لم يكن الذي باع منه وكيل شريكه المحلوف عليه، أو من هو بسببه وناحيته كالصديق، والملاطف وشبهه ممن هو في عياله أنه لا حنث عليه؛ لأنه لم يره في المدونة حانثا، وإن اشترى للمحلوف عليه، فكيف إذا اشترى لنفسه فأخذه ذلك منه المحلوف عليه بالشفعة، فإن كان وكيله أو من سببه، فباع منه ولم يعلم بذلك، فنص في المدونة في الوكيل على أنه إذا لم يعلم أنه له وكيل، فلا حنث عليه، وكذلك قال أشهب فيمن هو بسببه أنه إذا باع ولم يعلم أنه من سببه، فلا حنث عليه، روى ذلك عن مالك.
وقد تأول بعض الناس على ما في المدونة أنه حانث، وإن لم يعلم أنه من سببه، بخلاف الوكيل وهو بعيد؛ إذ لا فرق في ذلك بين الوكيل وبين من هو بسببه، والله أعلم، وعلى تعليله في هذه المسألة بالتباعة أن يحنث إن اشترى للمحلوف عليه لا لنفسه، وإن لم يكن من سببه؛
لأن تباعته تكون عليه، فكيف إذا كان من سببه ولم يعلم بذلك؟ وابن حبيب يقول في الوكيل ومن هو بسببه: إنه حانث، وإن لم يعلم أنه وكيل ولا أنه من سببه، ولا يرى أنه يكون من سببه إلا من يقوم بأمره من وكيل أو قريب، وأما من لا يقوم له بأمر وإن كان صديقا أو جارا، فهو عنده كالأجنبي، وقوله: إن تباعة الشفيع على المشتري، وليس له أن يجعلها على البائع هو المعلوم في المذهب، وقد وقع في كتاب الشفعة من المدونة لفظ يدل على أنه مخير في أن يجعل عهدته على من شاء منهما، والأول هو الصحيح في المذهب، وسواء كان المشتري قبض أو لم يقبض، قال أبو حنيفة: إن قبض الشقص من يد المشتري فعهدته عليه، وإن قبضه من يد البائع فعهدته عليه، وقال ابن أبي ليلى: العهدة على البائع بكل حال، والله الموفق.

.مسألة جعلت لزوجها عند موته أن مالها في سبيل الله وأن عليها عشرة نذور:

وسئل عن امرأة جعلت لزوجها عند موته أن مالها في سبيل الله، وأن عليها عشرة نذور، قال ابن القاسم: ولا أعلم إلا أن في المسألة وعليها عهد الله إن تزوجت ووكلها بولده، وقد كان سألها ذلك في وصيته أن عليها ذلك، وأنه أعطاها خلافته على ولده منها بذلك على أن لا تتزوج حتى يبلغ ولده، وأنها تزوجت الجارية، وبقي الغلام وهو صغير، قال: أرى عليها الوفاء بالعهد الذي جعلت من ذلك، ولا أعلم لها كفارة، فإن الله يقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34]، وإنما جعلت ذلك له بالذي أعطاها، فقيل له فإن هي تزوجت أترى خلافتها من ولدها تنفسخ؟ قال: نعم؛ لأنها تركت الذي أعطاها، وإنما استحلفها للذي أعطته، فقيل له: فإن هي فعلت فما كفارتها؟ فقال: لا أعلم لها كفارة، وأرى إن توفي بالذي عاهدته عليه، وكأنه قال هو عهد.
قال محمد بن رشد: قوله: إنها تنفسخ خلافتها على ولدها إن تزوجت صحيح؛ لأنه إنما استخلفها على ولدها ألا تتزوج، فذلك بمنزلة قوله في وصيته: إن تزوجت فلا وصية لها، ولو استخلفها على ولدها بغير شرط، وقال في وصيته: إن تزوجت فانزعوا الولد منها فتزوجت، قال مالك: إن عزلتهم في مكان عندها مع نفقة وخادم فهي أولى بهم، وإلا نزعوا منها.
قال محمد بن المواز: لأن الميت لم يقل: إن تزوجت فلا وصية لها، وإنما قال: إن تزوجت فانزعوا الولد منها، وقوله: إنه لا كفارة لها في العهد الذي عاهدته عليه صحيح، ومثله في كتاب ابن المواز والواضحة؛ أن العهد إذا لم يخرج مخرج اليمين، وإنما خرج مخرج المعاهدة والمعاقدة، مثل أن يقول الرجل للرجل: لك علي عهد لله أن أنصحك، وألا أخونك، وألا أفعل كذا وكذا، فهو أعظم من أن يكون فيه كفارة، فيلزمها إذا تزوجت أن تتوب إلى الله، وتستغفره وتتقرب إليه بما استطاعت من الخير، وتكفر عشرة أيمان؛ لقوله: وعليها عشرة نذور، وتجعل ثلث مالها في السبيل لما أوجبته على نفسها من أن مالها في سبيل الله، وبالله التوفيق.

.مسألة قال كل مملوك لي حر إن أخبرت به أحدا واستثنى في نفسه إلا فلانا:

ومن كتاب أوله شك في طوافه:
مسألة وسئل عن رجل سأل رجلا أمرا يخبره قال: فاحلف لي أنك لا تخبره أحدا ولتكتمنه، قال: كل مملوك لي حر إن أخبرت به أحدا واستثنى في نفسه إلا فلانا، قال: لا أرى ذلك له، ولا أرى الثنيا إلا ما حرك به لسانه، فأما استثناؤه في نفسه، فلا أرى ذلك له ثنيا، وسئل مالك عن هذا فقال: إذا حرك به لسانه فله ثنياه، فقيل لابن القاسم: وإن لم يعلم المحلوف له، قال: نعم، وليس عليه أن يعلمه، وسئل عنها سحنون فأنكرها، وقال: ليست له ثنيا وإن حرك لسانه؛ لأن اليمين للذي استحلفه.
قال محمد بن رشد: قوله في الاستثناء بإلا لا أرى الثنيا إلا ما حرك به لسانه، هو المشهور في المذهب أنه لابد فيه من تحريك اللسان، وقد روى أشهب عن مالك بعد هذا في رسم الجنائز والنذور: أن النية تجزئ في ذلك، وقاله ابن حبيب في الذي يحلف بالحلال عليه حرام، ويستثني في نفسه إلا امرأته، وقول ابن القاسم: إن استثناءه ينفعه إذا حرك به لسانه، وإن لم يعلم المحلوف له، وليس عليه أن يعلمه نص منه في أن اليمين على نية الحالف لا على نية المحلوف له، وذلك خلاف رواية عيسى عنه في رسم حمل صبيا من سماعه، من كتاب الأيمان بالطلاق، وخلاف قول سحنون هاهنا، ومثل ما لمالك في رسم البز، من سماع ابن القاسم، من كتاب الأيمان بالطلاق، ولابن وهب في سماع زونان وعيسى من الكتاب المذكور، وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرا، فقيل: إن اليمين على نية الحالف، وقيل: إنها على نية المحلوف له، وقيل: إن كان مستحلفا فاليمين على نية المحلوف له، وإن كان متطوعا فاليمين على نية الحالف، وهو قول ابن الماجشون وسحنون، وقيل بعكس هذه التفرقة، وهو دليل ما في سماع عيسى، عن ابن القاسم، في رسم أوصى، من هذا الكتاب، ونص رواية يحيى، عن ابن القاسم في الأيمان بالطلاق، وقيل: إنما يفترق أن يكون مستحلفا أو متطوعا باليمين فيما يقضى به عليه، وأما فيما لا يقضى به عليه فلا يفترق ذلك، وتكون النية نية الحالف، وهو قول ابن القاسم في أول سماع أصبغ بعد هذا، وقيل: إن ذلك لا يفترق أيضا، وتكون النية في الوجهين نية المحلوف له، وهو قول أصبغ في سماعه المذكور، وهذا ما لم يقتطع بيمينه حقا لغيره، فإن اقتطع بها حقا لغيره فلا تنفعه في ذلك نية إن نواها بإجماع، وهو آثم، عاص لله عز وجل، داخل تحت الوعيد، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من اقتطع حق امرئ مسلم، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار» الحديث.

.مسألة حلف بالله لأفعلن كذا وكذا فقيل له إنك ستحنث فقال لا والله لا أحنث:

وسئل مالك عن رجل حلف بالله: لأفعلن كذا وكذا، فقيل له: إنك ستحنث، فقال: لا والله لا أحنث فما ترى عليه؟ فقال: عليه كفارتان.
قال محمد بن رشد: يريد عليه كفارتان إن حنث، كفارة لحنثه في يمينه ليفعلن، وكفارة ثانية لحنثه أيضا في يمينه، والله لا أحنث، وقد قيل: ليس عليه إلا كفارة واحدة، وهو قول ابن القاسم في المبسوطة، قال: لأن الكلام في ذلك في معنى واحد وجه القول الأول أن يمينه الثانية لما كانت على غير لفظ اليمين الأول، لم تحمل أنه أراد بها التأكيد لها، وحملت على أنه أراد يمينا أخرى يوجبها على نفسه كالنذر إن حنث، كأنه قال: علي كفارة أخرى إن حنثت لما قيل له: إنك ستحنث، ويجب عليك الكفارة، ووجه القول الثاني أن اليمين الثانية لما كانت بغير لفظ اليمين الأولى وفي معناها، حملت على أنه أراد بها غيرها، وقد قال في المدونة: إذا نوى باليمين الثانية غير الأولى، فعليه يمين واحدة، حتى يريد إيجاب الكفارتين على نفسه كالنذور، والأصل براءة الذمة، فلا توجب عليه كفارة ثانية إلا بيقين.

.مسألة باع سلعة فحلف ألا يضع من ثمنها شيئا فأوفاه المشتري ثمنها:

ومن كتاب أوله ليرفعن أمرا:
مسألة وسئل مالك عن رجل باع سلعة، فحلف ألا يضع من ثمنها شيئا، فأوفاه المشتري ثمنها، ثم قال له بعد ذلك: هب لي ما شئت، فقال مالك: إن كانت عليه يمينه غليظة، فلا يفعل ولا يهب شيئا، وإن كانت يمينا يكفرها، فليفعل وليكفر.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ما رد إليه في المجلس من الثمن الذي قبضه منه، فكأنه لم يقبضه منه؛ إذ لم ينتفع به، والحالف ألا يضع من حقه شيئا، إنما مقصوده قبض جميع حقه، ليبين به وينتفع به، فوجب أن يحنث على أصولهم في أن الأيمان يراعى فيها قصد الحالف بها، لا مجرد لفظه، وسيأتي له نحو هذا في رسم الجنائز، من سماع أشهب، في الذي يحلف ألا يضع في بيع سلعته من كذا وكذا، فيبيع بما حلف عليه، ثم يضع له من الثمن في المجلس؛ إذ لا فرق بين المسألتين عنده، ولو رد إليه من الثمن شيئا أو وضعه عنه في غير المجلس بنية حدثت له في هبته، وأتى مستفتيا لنوي، ولم يكن عليه حنث على أصولهم، ولو كانت يمينه بعتق أو ما يقضى به عليه لم يصدق إلا بعد اليومين أو الثلاثة مع يمينه، قاله مالك في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب العتق، وهو على أصله في المدونة في مسألة الصرف من كتاب الصرف، ومسألة القراض من كتاب القراض، وغير ما مسألة من الحكم بالذرائع، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر:

وسئل مالك عن رجل حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار، فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر، أترى عليه في ليلة أخرى إن نامها شيئا، أم قد أجزأ عنه الأمر الأول؟ قال: ذلك إلى ما نوى، وهو أعلم بما أراد به من ذلك، وما رأيت أحدا يفعل هذا الوجه ليس الوتر أعني، ولكن ما يوجب على نفسه في غير هذا من هذه الأشياء، إلا أن عليه في كل ما فعل ما حلف عليه، وما يريد أحد في مثل هذه الأشياء مرة واحدة، إلا أن ينويه.
قال محمد بن رشد: هذه الرواية مخالفة لما في المدونة، من ذلك مسألة من حلف ألا يكلم رجلا عشرة أيام، فكلمه فحنث، ثم كلمه مرة أخرى بعد أن كفر أو قبل أن يكفر، أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة، ومخالفة أيضا لجميع روايات العتبية، من ذلك أول مسألة من سماع أشهب، في الذي يحلف إن أبق غلامه ليضربنه، ومن ذلك أول مسألة من رسم من باع غلاما، من سماع ابن القاسم، من كتاب طلاق السنة، وأول مسألة من رسم شك، من سماع ابن القاسم، من كتاب الأيمان بالطلاق، في الذي يحلف إن خرجت امرأته إلى بيت أهلها أن يضربها، فخرجت فضربها؛ أنه ليس عليه أن يضربها مرة أخرى، إلا أن ينوي ذلك، ومسألة في سماع أبي زيد، من هذا الكتاب المذكور، وهذا الاختلاف جار على اختلاف الأصوليين في الأمر المقيد بصفة هل يقضي تكراره بتكرار الصفة أم لا؟ فمسألة الوتر على القول بوجوب تكراره بتكرار الصفة؛ لأنه أوجب عليه صدقة دينار لكل ليلة نام فيها قبل أن يوتر، إلا أن ينوي مرة واحدة، وكذلك ما يوجب على نفسه من هذه الأشياء، ومسايل المدونة والعتبية على القول بأن الأمر لا يجب تكراره بتكرار الصفة؛ لأنه لم يوجب عليه ما حلف به كلما تكرر الفعل الذي جعله شرطا فيما حلف به، إلا أن ينوي ذلك.

.مسألة حلف على جاريته بعتق ما يملك في عود كان في يده ليكسرنه:

ومن كتاب طلق ابن حبيب:
مسألة وسئل عن رجل حلف على جارية له بعتق ما يملك في عود كان في يده ليكسرنه على رأسها، فكسر العود ثم ضربها حتى انفلق، قال: أرى أن قد وقع عليه الحنث، ولا أراه بر.
قال محمد بن أحمد: هذا بين كما قال؛ لأن الذي فعل ليس هو المعنى الذي حلف عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يساكن رجلا فسافر معه:

وسئل عن رجل حلف ألا يساكن رجلا، فسافر معه، قال: أرى أن ينويه ما أراد، وإن جل ما يحلف الناس فيه لما يدخل بين الناس في العيال والولد، وما السفر من السكنى، ولكن أرى أن ينوى ما أراد، قال عيسى: قلت لابن القاسم: فإن لم تكن له نية؟ قال: فلا شيء عليه، إلا أن يكون نوى شيئا.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة، في الذي يحلف ألا يساكن رجلا، فزاره أن الزيارة ليست سكنى، وينظر إلى وجه يمينه، فإن كان لما يدخل بين العيال والصبيان فهذا حق، وإن كان أراد التنحي عنه فهو أشد، فكذلك هذه المسألة، لا حنث عليه إلا أن يكون أراد مجانبته والتنحي عنه، وهو معنى بين.

.مسألة حلف بالمشي إلى الكعبة ليقضين فلانا ثم هلك الذي حلف عليه:

ومن كتاب سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مسألة وسئل عن رجل حلف بالمشي إلى الكعبة ليقضين فلانا، ثم هلك الذي حلف عليه، قال مالك: إن كان إنما حلف على وجه القضاء، فلا أرى عليه شيئا، قال ابن القاسم: ورأيت معنى قول مالك: إن كان أراد أن يوصله إليه وبتله في يديه، وتلك نيته، فهو حانث إذا كان قد أقام بعد اليمين ما لو شاء أن يوصله إليه أوصله إليه، قال ابن القاسم: وذلك رأيي.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن كان إنما حلف على وجه القضاء، فلا حنث بموت المحلوف عليه؛ لأنه يبر بقضاء الورثة، وإن أراد أن يحنث نفسه، ويمشي إلى البيت، كان ذلك له؛ لأن يمينه على حنث، وإن كان أراد أن يوصله إليه وبتله في يديه، فهو حانث كما قال إذا كان قد أقام بعد اليمين، ما لو شاء أن يوصله إليه أوصله، فإن أراد أن يحنث نفسه هاهنا، ويمشي إلى بيت الله كان ذلك على مذهب ابن القاسم، ولم يكن ذلك عند ابن المواز؛ لأن موت المحلوف عليه عنده كالأجل؛ فلا يجزئه المشي إلا بعد موته، فإن لم تكن نية، فلا يحنث بموت المحلوف عليه، ويحمل يمينه على وجه القضاء حتى يريد أن يوصله إليه، وبتله في يديه، هذا مذهب مالك في المدونة وغيرها؛ لأن مقصد الحالف بيمينه أداء ما عليه من الدين لا منفعة صاحب الدين بدفع دينه إليه، فيحمل يمينه على ذلك حتى يريد سواه، وفي رسم من سماع ابن القاسم، من كتاب العتق ما ظاهره أنه محمول على أن يوصله إليه وبتله في يديه، إذا لم تكن له نية، وقد قيل في الحالف: أن يفعل فعلا، ولم ينو تعجيل ما حلف عليه ولا تأخيره أنه على التعجيل، ويحنث إن أخر فعل ذلك الفعل، فلا يفترق على هذا القول إذا حلف ليقضين فلانا الحكم بين أن يحلف على وجه القضاء أو يريد بيمينه أن بتله في يديه، وهذان القولان جاريان على الاختلاف في الأمر، هل يقتضي الفور أم لا؟ وسنزيد هذه المسألة بيانا في رسم سن، من سماع ابن القاسم، من كتاب العتق.

.مسألة حلف ألا يضع من ثمن خادم باعها شيئا وأنه باعها بالثمن الذي حلف عليه:

ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا:
مسألة قال: وسئل عن رجل حلف ألا يضع من ثمن خادم باعها شيئا، وأنه باعها بالثمن الذي حلف عليه، ثم إن المبتاع ندم، فسأل البائع أن يقيله، قال: لا خير في ذلك، رب إقالة هي خير من وضيعة، فلا يعجبني ذلك، قال ابن القاسم: فإن أقاله فكانت قيمتها أقل من الثمن حنث.
قال محمد بن رشد: هذه مثل مسألة المدونة سواء في الذي يحلف ليقضين فلانا حقه، فيشتري به منه سلعة، فقال مالك فيها: إن كانت السلعة تسوى حقه ذلك، فلا حنث عليه، مثل قول ابن القاسم هنا وهناك، ثم كرهه بعد ذلك هناك، مثل قوله هاهنا، وقال: إن كانت السلعة تسوى ذلك، فلم لا يعطيه دنانيره، خلاف قول ابن القاسم، فلا اختلاف في أنه حانث إذا أقاله، وقيمتها أقل من الثمن، قال ابن أبي حازم في المدنية، إلا أن يكون حلف ألا يضع له، وهو ينوي الإقالة، فإن نوى أن يقيل، ولا يضع، فلا شيء عليه.
قال عيسى: قال ابن القاسم: لا تنفعه النية إلا أن يتكلم بها حين حلف، وقول ابن القاسم: إن النية لا تنفعه في ذلك، إلا أن يتكلم بها؛ صحيح على ما قاله ابن المواز، في أن الاستثناء بإن وبإلا لابد فيه من تحريك اللسان باتفاق؛ لأن النية هاهنا ليست بنية، وإنما هي استثناء بإلا أن، كأنه قال: والله لا أضع عنك من ثمنها شيئا، إلا أن أقيلك منها، وقول ابن أبي حازم خلاف لما حكى ابن المواز أنه اتفاق، وقد ذهب الناس ممن لم ينعم النظر إلى أن قول مالك في المدونة في الذي يحلف ألا يفارق غريمه، فيفر منه، أنه حانث إلا أن يكون نوى إلا يفارقه مثل ما يقول الرجل: لا أخلي سبيلك إلا أن تفر، فلا شيء عليه، مخالف لما قاله ابن المواز في أن الاستثناء بإلا أن لابد فيه من تحريك اللسان باتفاق، ولم يقل مالك: إنه إن نوى ألا يفر غريمه، فلا شيء عليه، وإنما قال: إن نوى ألا يفارقه، فهو في المعنى مثل أن يقول بلسانه: لا أخلي سبيلك إلا أن تفر، فلا يكون عليه شيء، وقوله بين؛ لأن المفارقة مفاعلة منهما جميعا، فإذا نوى هو بقوله لا أفارق غريمي لا أفارقه أنا في خاصتي، لم يكن عليه شيء إن فر عنه غريمه؛ لأنه يحصل بما نواه كالقائل: لا أفارق غريمي إلا أن يفر عني، ولو حلف ألا يفارق غريمه، ونوى إلا أن يبدو له، أو إلا أن يرى خيرا من ذلك، وما أشبه ذلك؛ لم ينتفع بذلك على مذهب مالك، وما قاله ابن المواز، واختلف إذا حلفه أن لا يضع عنه فأنظره؛ ففي أول رسم الأقضية الثالث، من سماع أشهب، من كتاب الأيمان بالطلاق، ما يقوم منه أنه لا حنث عليه، وروى ابن وهب، عن مالك أنه حانث وقال: رب نظرة خير من وضيعة، وحكى عنه ابن حبيب مثل ذلك، ولو حلف ألا ينظره فوضع عنه لم يحنث، ولا أعلم في ذلك خلافا.

.مسألة حلف ألا ينقص جارية له من خمسين ثم باعها لرجل بخمسين وأوجبها:

وسئل عن رجل حلف ألا ينقص جارية له من خمسين، وأنه باعها من رجل بخمسين، وأوجبها له، فقال له رجل عند ذلك: إن استقالك بائعك فأقله، فأنا آخذها منك بأحد وخمسين، أفترى أن يقيله؟ قال: لا، رب إقالة خير من وضيعة، كأنه يرى أن إقالتها ثمن، حتى كأنه قد نقص من الخمسين فيما أظن به قاله.
قال محمد بن رشد: ساوى بين هذه المسألة والتي قبلها في الإقالة؛ إذ لا فرق عنده في الوضيعة بين أن يحلف ألا يضع من الثمن شيئا بعد أن باع وبين أن يحلف ألا يضع في بيع سلعة من كذا وكذا، فيبيع بما حلف عليه، ثم يضع من ذلك، وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم حلف ليرفعن أمرا، وفرق ابن حبيب في الإقالة بين المسألتين، فقال: إن من حلف ألا ينقص سلعة من ثمن سماه فباعها بذلك الثمن، ثم أقال المبتاع منها، لا حنث عليه، غير أنه إن كان أقاله بحضرة البيع، فاليمين عليه بحالها، وإن لم يقله بحضرة البيع، فقد خرج من يمينه، وليبعها بعد بما شاء، وقال فيمن حلف ألا يضع من ثمن سلعة باعها، فأقال منها ما قال ابن القاسم: إنه إن كانت السلعة تساوي الثمن، فلا حنث عليه، وحكى ابن عبدوس عن غير ابن القاسم أنه إذا أقاله بحضرة البيع نظر، فإن كان بيعه صحيحا لأمد السنة فيه، فقد خرج من يمينه، وليبعها بعد بما شاء، وسيأتي أيضا بيانه في رسم الجنائز، من سماع أشهب.

.مسألة باع بيعا فحلف البائع ألا يقيل ولا يضع ثم إن المشتري وجد في بيعه جرادا:

ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان:
مسألة وسئل مالك عن رجل باع بيعا، فحلف البائع ألا يقيل ولا يضع، ثم إن المشتري وجد في بيعه جرادا، وذلك فيما أرى تمرا باعه، فقال له المشتري: أنا أخرجك من يمينك، أنا أعطيك دينارا، واقبل مني الطعام، فكره ذلك وقال: لا أقبله إلا بأمر السلطان يخاصمه، فإن رده كان مخرجا ليمينه، وإن ألزمه صبر على ذلك.
قال محمد بن أحمد: هذا كما قال؛ لأنه حلف ألا يقيله، ولا يضع عنه، فإذا أخذ منه طعامه ودينارا، فقد أقاله بزيادة دينار، فوجب أن يحنث إذ لم يستثن إلا بزيادة، ولعل أيضا قيمة الطعام الذي أخذ مع الدينار أقل من الثمن الذي كان له عليه، فيكون قد وضع عنه، فيحنث بالوجهين جميعا، فإن رده السلطان عليه بالعيب لم يحنث؛ إذ ليس الرد بالعيب من معنى ما حلف عليه من الإقالة والوضيعة في شيء؛ إذ لا يجب الحكم عليه بالإقالة ولا بالوضيعة، ولو اطلع المبتاع على عيب، فسأل البائع أن يضع عنه من الثمن شيئا بسبب العيب أو يرده عليه ويعطيه ثمنه، فحلف البائع ألا يفعل شيئا من ذلك، فحكم عليه بأحد الوجهين يحنث على ما في آخر سماع أشهب، من كتاب الأيمان بالطلاق، فيمن حلف ألا يفعل فعلا، فقضى به عليه السلطان، وعلى ما يقوم من كتاب التخيير والتمليك من المدونة، خلاف قول ابن الماجشون في الواضحة.

.مسألة حلف على آخر لينتقلن من داره فانتقل ثم بدا له أن يرده إليها:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء:
مسألة وسئل مالك عمن حلف على آخر: لينتقلن من داره، فانتقل ثم بدا له أن يرده إليها، قال: منذ كم انتقلت؟ قال: منذ خمسة عشر يوما، قال: زد على ذلك، قال ابن القاسم: لا أرى عليه إن رجع بعد خمسة عشر ليلة شيئا، وأحب إلي أن يبلغ الشهر ونحوه، إلا أن يكون أراد ألا يساكنه، فإن كانت تلك نيته، فلا يساكنه أبدا.
قال محمد بن أحمد: استحب ابن القاسم ألا ينتقل حتى يبلغ الشهر، ليكون ذلك أبرأ من الحنث؛ لأن الشهر قد جعل حدا في وجوه كثيرة من العلم، من ذلك الزكاة لا يقدم قبل محلها بشهر، والمعتق إلى أجل ينتزع ماله قبل حلول أجله بشهر، والذي يحلف أن يطيل هجران رجل يبر بشهر، ونحو ذلك كثير، ولم ير عليه حنث إن رجع بعد خمسة عشر يوما، وكذلك لو رجع بعد أن أقام أكثر من يوم وليلة؛ لم يحكم عليه بالحنث، فقد قال ابن المواز في ذلك، في الذي يحلف أن يخرج من المدينة: إن القياس فيه ألا يلزمه أن يخرج إلا إلى مكان لا يلزمه أن يأتي منه إلى الجمعة، فيقيم فيه ما قل أو كثر، وما قيل فيه سوى هذا فهو استحسان، وسنتكلم على هذه المسألة، إذا مررنا بها في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، من كتاب الأيمان بالطلاق، إن شاء الله، وسيأتي في آخر رسم منه إذا حلف الرجل: لينتقلن عن جاره على ما هو محمول القول في ذلك، إن شاء الله، واختلف إذا أبى المحلوف عليه بالانتقال من الانتقال، وكان ممن ليس للحالف أن يجبره على الانتقال على قولين؛ أحدهما: أنه يضرب له من الأجل بقدر ما يرى أن الحالف أراده بيمينه، فإن انتقل إلى ذلك الأجل وإلا حنث الحالف، واختلف إن كانت اليمين بالطلاق، هل للحالف أن يطأ في التلوم؟ فإن كان أجل التلوم من أربعة أشهر دخل على الحالف الإيلاء على القول بأنه لا يطأ. والقول الثاني: أنه كالحالف على فعل نفسه، يؤمر المحلوف عليه بالانتقال، ولا يجبر على ذلك، ولا يضرب له في ذلك أجل، ولا يحنث الحالف إلا بموت المحلوف عليه، فإن كانت يمينه بالطلاق، لم يكن له أن يطأ وضرب له أجل الإيلاء إن طلبت امرأته ذلك.

.مسألة حلف لا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه فتسأله امرأته أن يوليها شيئا:

وسئل عن الرجل يحلف ألا يشتري لامرأته شيئا، فيشتري لنفسه أو لبنته شيئا، ثم تسأله امرأته أن يوليها شيئا مما اشترى لنفسه أو لبنته، قال: لا أحب له أن يفعل، ولكن يوكل غيره يشتري لها.
قال محمد بن أحمد: قال مالك في هذه الرواية: لا أحب له أن يفعل، يريد أنه يحنث إن فعل، وكان بحضرة ذلك، وهو نحو ما لمالك في رسم سلف، من سماع ابن القاسم هناك: إن كان عند مواجبة البيع وبحضرته حنث؛ لأن التباعة على البائع، وفي التفسير ليحيى: إذا صح ذلك منهما فلا حنث عليه، وإن عملا على وجه الدلسة فهو حانث وإن ربح عليها؛ لأن الربح يكون مع الدلسة أجرة للزوج، ويكون إنما اشترى لها، وتحصيل الاختلاف في هذا عندي أنهما إن عملا على ذلك فهو حانث، وإن ولاها بربح بعد افتراقهما، وإن لم يعملا على ذلك، واشترى لنفسه أو لابنته شراء صحيحا، ثم ولاها ذلك بربح، وإن كان ذلك عند مواجبة البيع أو بعد افتراقهما بربح أو بغير ربح، فلا حنث عليه.
واختلف إن اشترى لنفسه شراء صحيحا، ثم ولاها ذلك بالثمن دون ربح عند مواجبة البيع على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه حانث وإن كانت التباعة على الزوج المولى، وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، وفي رسم سلف، من سماع عيسى. والثاني: أنه لا حنث عليه، وإن كانت التباعة على البائع، وهو ظاهر ما في التفسير ليحيى. والثالث: أنه حانث على القول بأن التباعة على البائع، وغير حانث على القول بأن التباعة على الزوج المولي، وهو الذي ذهب إليه ابن القاسم في رسم سلف، من سماع عيسى.
وقد اختلف قول مالك في التباعة، فقال في موطئه: إن التباعة على المولي، وقال في رسم سلف، من سماع عيسى: إن التباعة على البائع، واختلف في ذلك أيضا قول ابن القاسم، فقال في رسم السلم، من سماع عيسى، من كتاب السلم والآجال: إن التباعة على البائع، وقال في رسم أسلم، من سماع عيسى، من كتاب العيوب: إن التباعة على المولي، وهذا إذا أتى الزوج مستفتيا، أو كانت يمينه مما لا يحكم به عليه، وأما إن كان مشهودا عليه ومخاصما، فلا يحكم عليه بالحنث إن كانت التولية بربح أو بعد الافتراق، وإن كانت قبل الافتراق بغير ربح، فعلى الثلاثة الأقوال المذكورة، ولا يمين عليه في مجرد دعوى التباعة، حيث لا يجب عليه الحكم بالحنث، هذا الذي يأتي على أصولهم في هذا، والله أعلم.