فصل: القَوْل فِي معنى التَّكْلِيف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التلخيص في أصول الفقه


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

.المقدمة:

الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على رَسُوله مُحَمَّد وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.. رب يسر بِرَحْمَتك.

.فصل: فِي حَقِيقَة الْفِقْه وأصول الْفِقْه:

فَإِن قَالَ قَائِل: مَا حَقِيقَة الْفِقْه؟
قيل: الْفِقْه فِي حَقِيقَة اللُّغَة هُوَ الْعلم وَلَا تفصل الْعَرَب فِي كَلَامهَا بَين قَول الْقَائِل "فقهت الشَّيْء" وَبَين قَوْله "عَلمته" بيد أَن أَرْبَاب الشَّرَائِع خصصوه بضروب من الْعُلُوم تواضعا مِنْهُم وَاصْطِلَاحا.
فالفقه إِذا فِي مواضعتهم هُوَ الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة وَعبر القَاضِي عَن هَذَا الْمَقْصد بِعِبَارَة أُخْرَى فَقَالَ: هُوَ الْعلم بِأَحْكَام أفعال الْمُكَلّفين الشَّرْعِيَّة دون الْعَقْلِيَّة. وَهَذِه الْعبارَة وَإِن كَانَت تُؤدِّي مَضْمُون الْعبارَة الأولى فَالْأولى أَسد وأوضح.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا أصُول الْفِقْه على قَضِيَّة الِاصْطِلَاح المتداول بَين الْعلمَاء؟
قيل: أصُول الْفِقْه أدلته، فالأدلة الدَّالَّة على أَحْكَام الشَّرَائِع أُصُولهَا وَالْعلم بهَا هُوَ الْعلم بالأصول.
فَإِن قيل: أفيدخل فِي هَذَا الْفَنّ مَا لَا يلْتَمس فِيهِ الْقطع وَالْعلم؟
قيل: مَا ارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ أَن مَا لَا يَبْتَغِي فِيهِ الْعلم لَا يعد من الْأُصُول.
فَإِن قيل: فأخبار الْآحَاد والمقاييس السمعية لَا تُفْضِي إِلَى الْعلم وَهِي من أَدِلَّة أَحْكَام الشَّرَائِع؟
قيل: إِنَّمَا يتَعَلَّق بالأصول تثبيتها أَدِلَّة على وجوب الْأَعْمَال وَذَلِكَ مِمَّا يدْرك بالأدلة القاطعة، فَأَما الْعَمَل المتلقى مِنْهَا فمتصل بالفقه دون أصُول الْفِقْه.

.القَوْل فِي حد الْعلم وَحَقِيقَته:

إِن سَأَلنَا سَائل عَن حد الْحَد جملَة.
قيل لَهُ: حد الشَّيْء وَحَقِيقَته خاصيته الَّتِي بهَا يتَمَيَّز.
وَمَا صَار إِلَيْهِ مُعظم الْمُحَقِّقين من أئمتنا أَن حد الشَّيْء وَحَقِيقَته رَاجع إِلَى صفة الْمَحْدُود دون قَول الواصف الحاد.
وَمَا ارْتَضَاهُ القَاضِي أَن الْحَد يؤول إِلَى قَول الواصف وَهُوَ عِنْده القَوْل الْمُفَسّر لاسم الْمَحْدُود وَصفته على وَجه يَخُصُّهُ ويحصره فَلَا يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ من قبيله وَلَا يخرج مِنْهُ مَا هُوَ من قبيله فَهُوَ رَحمَه الله مُنْفَرد بذلك من بَين أصحابه وَهَذَا مِمَّا يستقصى فِي الديانَات.
فَإِن قيل: فَمَا حد الْعلم؟
قُلْنَا: حَده معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَإِن اقتصرت على معرفَة الْمَعْلُوم اسْتَقل الْحَد.
وَلَو قلت: الْعلم مَا يعلم بِهِ الْمَعْلُوم كَانَ أَسد عندنَا.
وَلَو قلت: الْعلم مَا أوجب لمحله الاتصاف بِكَوْنِهِ عَالما، لَكَانَ صَحِيحا.
وَقد أَوْمَأ إِلَيْهِ شَيخنَا فِي بعض مصنفاته وَالْكَلَام فِي استقصاء ذَلِك، وَالرَّدّ على الْمُخَالفين وَذكر أَقسَام الْعُلُوم يتَعَلَّق بأصول الديانَات.

.القَوْل فِي مائية الْعقل وَحَقِيقَته:

اخْتلف الْعلمَاء فِي مائية الْعقل، فَقَالَ بَعضهم: إِنَّهَا قُوَّة طبيعية يفصل بهَا بَين حقائق المعلومات.
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ جَوْهَر لطيف يفصل بِهِ بَين حقائق المعلومات الضرورية، وَالَّذِي ارْتَضَاهُ القَاضِي أَن الْعقل بعض الْعُلُوم الضرورية، فَإِن قيل: مَا هُوَ فصلوه لنا؟ قيل: هُوَ نَحْو الْعلم باستحالة اجْتِمَاع الضدين وَالْعلم أَن الْمَعْلُوم لَا يخرج عَن أَن يكون مَوْجُودا أَو غير مَوْجُود وَأَن الْمَوْجُود لَا يَخْلُو عَن الاتصاف بالقدم أَو الْحُدُوث، وَالْعلم بمجاري الْعَادَات والمدركات بالضرورات كموجب الْأَخْبَار المتواترة الصادرة عَن المشاهدات إِلَى غير ذَلِك من الْعُلُوم الَّتِي يخْتَص بهَا الْعُقَلَاء وَمَا من ضرب من هَذِه الضروب إِذا ثَبت إِلَّا وَيجب ثُبُوت أغياره والميز بآحادها يَقع بَين الْعُقَلَاء وَغَيرهم.
فَإِن قيل: مَا الدَّلِيل على مَا قلتموه فِي مائية الْعقل؟
قيل: الدَّلِيل على ذَلِك أَن الْعقل لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون من قبيل الْجَوَاهِر وَإِمَّا أَن يكون من قبيل الْأَعْرَاض. وَبَطل أَن يكون من قبيل الْجَوَاهِر إِذْ الدّلَالَة دلّت على تجانسها فَلَو كَانَ جَوْهَر عقلا لَكَانَ كل جَوْهَر عقلا لوُجُوب تشابه المتماثلات فِي كل الصِّفَات. وَهَذَا يُفْضِي إِلَى القَوْل بِأَن الْعَاقِل يَسْتَغْنِي بِوُجُود نَفسه بِثُبُوت هَذَا الْوَصْف لَهُ عَن ثُبُوت الْعقل وَهَذَا بَين الْبطلَان.
وَالَّذِي يُوضح بطلَان هَذَا الْقسم أَنه لَو كَانَ جوهرا لقام بِنَفسِهِ ولصح أَن يعقل الْعقل وَيحيى ويتصف بجملة الْأَوْصَاف الَّتِي تثبت للجواهر الْقَائِمَة بأنفسها، فاتضح بطلَان كَونه جوهرا، وَثَبت أَنه من قبيل الْأَعْرَاض، ومحال أَن يكون عرضا غير سَائِر الْعُلُوم لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لصَحَّ وجود سَائِر الْعُلُوم مَعَ عَدمه حَتَّى يكون الْعَالم بدقائق الْفُنُون غير عَاقل. وَهَذَا بَاطِل وفَاقا، فَدلَّ بذلك أَنه لَيْسَ غير سَائِر الْعُلُوم وَثَبت أَنه من قبيل الْعُلُوم ويستحيل أَن يكون هُوَ كل الْعُلُوم ضروريها وكسبيها لِأَن الْعَاقِل يَتَّصِف بِكَوْنِهِ عَاقِلا مَعَ عدم جَمِيع الْعُلُوم النظرية فَخرجت الْعُلُوم الكسبية من العقل، وباطل أَن يكون هُوَ كل الْعُلُوم الضرورية لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ أَن يكون الفاقد للْعلم بالمدركات لعدم الْإِدْرَاك الْمُتَعَلّق بهَا غير عَاقل وَذَلِكَ محَال. ويستحيل صرف الْعقل إِلَى الْعلم بالألم واللَّذَّة والإحساسات النفسية.
فَإِن هَذَا الضَّرْب يتَحَقَّق للأطفال والبهائم والمجانين. فَتعين صرف الْعقل بعد بطلَان هَذِه الْأَقْسَام إِلَى مَا قدمْنَاهُ. وَلَو أردْت عبارَة أوجز مِمَّا قدمه القَاضِي رَضِي الله عَنهُ لَقلت الْعقل عُلُوم ضَرُورِيَّة باستحالة مستحيلات وَجَوَاز جائزات ثمَّ تفصله على مَا قدمْنَاهُ وَلَا تقدر ذَلِك من قبيل الْحُدُود الفاصلة المميزة نَحْو حد الْعلم وَغَيره مِمَّا يحد فَإِن هَذَا صرف إِلَى بعض الْعُلُوم وَلَا تستتب فِيهِ الْعبارَة إِلَّا بِزِيَادَة كشف وَتَحْصِيل.
فَإِن قيل: فَإِذا صرفتم الْعقل إِلَى الْمصرف الَّذِي ذكرتموه فَهَل تَزْعُمُونَ أَن الْعُقَلَاء يتفاضلون فِي عُقُولهمْ؟
قيل: الْأَصَح أَنهم لَا يتفاضلون فَلَا يتَحَقَّق شخص أَعقل من شخص وَإِن أطلق ذَلِك كَانَ تجوزاً اَوْ صرفا إِلَى كَثْرَة التجارب، فَإنَّا بعد أَن قُلْنَا: إِنَّه بعض الْعُلُوم الضرورية فَلَا يتَحَقَّق التَّفَاوُت فِيهَا .

.القَوْل فِي معنى الدَّلِيل وَالدَّال والمدلول والمدلول لَهُ، والمستدل والمستدل لَهُ والمستدل عَلَيْهِ وَالِاسْتِدْلَال:

أما الْإِتْيَان بِمَعْنى الدَّلِيل فالدليل كل أَمر صَحَّ أَن يتَوَصَّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى علم مَا لَا يعلم بالاضطرار وَكَذَلِكَ الدّلَالَة.
فَإِن قيل: أَلَيْسَ المرشد إِلَى الطَّرِيق يُسمى دَالا، على معنى أَنه يفعل الدّلَالَة، فَهَلا زعمتهم على طريقتكم أَن الدَّلِيل هُوَ الدَّال؟
قيل: إِنَّمَا أطْلقُوا هَذَا الِاسْم على المرشد تجوزا ومنهج ذَلِك فِي الْأَسْمَاء يضاهي قَوْلهم: رجل عدل، يعنون بذلك الْعَادِل، وَإِن كَانَ الْعدْل وصف الْعَادِل بيد أَنهم سموهُ بوصفه. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: رجل جور يعنون بِهِ الجائر، وَهَذَا سَبِيل تَسْمِيَة الدَّلِيل على معنى الدَّال، ثمَّ الدَّلِيل يُسمى دلَالَة، ومستدلا بِهِ وَحجَّة وسلطانا وبرهانا إِلَى غَيرهَا من الْعبارَات المترادفة.
فَإِن قيل: فَمَا معنى الدَّال؟
قيل: هُوَ المرشد لغيره بِنصب الدَّلِيل. وَالله تَعَالَى دَال خلقه بنصبه الْأَدِلَّة السمعية لَهُم، والعقلية. وَهَذَا حَقِيقَة الدَّال.
وَقد يُوصف الْمخبر عَن الدّلَالَة المنصوبة بِأَنَّهُ دَال كالواحد منا يخبر عَن دلَالَة نصبها الله تَعَالَى على مَدْلُول يُسمى دَالا تجوزا.
فَإِن قيل: فَمَا معنى الْمَدْلُول؟
قيل: هُوَ الملتمس بِالدَّلِيلِ.
فَإِن قيل: فَمَا الْمَدْلُول لَهُ؟
قيل: هُوَ عبارَة مُشْتَركَة بَين الْمَطْلُوب بِالدَّلِيلِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي تَفْسِير الْمَدْلُول الْمُطلق وَبَين الَّذِي نصب لَهُ الدَّلِيل لاستدعائه عِنْد سُؤَاله.
فَإِن قيل: فَمن الْمُسْتَدلّ؟
قيل: هَذَا أَيْضا مُتَرَدّد بَين الطَّالِب للْعلم بِحَقِيقَة الْأَمر المنبئ عَن الدّلَالَة وَبَين السَّائِل نصب الدَّلِيل على مَذْهَب الاستفعال الْمَبْنِيّ على اقْتِضَاء الطّلب.
فَإِن قيل: فَمن الْمُسْتَدلّ؟
قيل: هُوَ المطالب بِالدّلَالَةِ.
فَإِن قيل: فَمن الْمُسْتَدلّ لَهُ؟
قيل: هَذَا يتَرَدَّد بَين الحكم الملتمس بِالنّظرِ فِي الدَّلِيل وَبَين المطالب بِالدّلَالَةِ.
فَإِن قيل: فَمَا الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ؟
قيل: هُوَ الحكم الْمَدْلُول بِالدَّلِيلِ لَا غير.
فَإِن قيل: فَمَا الِاسْتِدْلَال؟
قيل: هُوَ يتَرَدَّد بَين الْبَحْث وَالنَّظَر فِي حَقِيقَة المنظور فِيهِ وَبَين مَسْأَلَة السَّائِل عَن الدَّلِيل.
فَهَذِهِ الْعبارَة الدائرة فِي هَذَا الْبَاب مِنْهَا مَا يتحد مَعْنَاهَا وَإِن اسْتعْملت فِي غَيرهَا كَانَت تجوزا. وَمِنْهَا مَا يتَرَدَّد بَين الجائزات.

.فصل:

أطبق أَرْبَاب التَّحْقِيق على أَن الدّلَالَة لَا تتخصص بِوُجُود وَعدم وحدوث وَقدم. يسوغ الِاسْتِدْلَال بالقدم والحدوث والعدم والوجود. وَهَذَا وَإِن كَانَ مُتَّفقا عَلَيْهِ فَرُبمَا يقرع مسامعك من بعض الجهلة الْمصير إِلَى منع الِاسْتِدْلَال بِالْعدمِ.
وَالدَّلِيل على تثبيت ذَلِك أَن نقُول أَلسنا نستدل بِعَدَمِ الْآيَات على كذب المتنبي؟ وَكَذَلِكَ نستدل لعدم الْأَدِلَّة والعلوم الضرورية على انحصار أَوْصَاف الْأَجْنَاس فِيمَا أدركناه، حَتَّى لَو قَالَ الْقَائِل بِمَ تنكرون على من يزْعم أَن للجواهر.. وَنفى موارد الارتياب غير أَن نقُول لَو كَانَت لَهَا أَوْصَاف.. انحصار أوصافها فِيمَا.. وتنافت فَدلَّ بذلك على جَوَاز الِاسْتِدْلَال بِالْعدمِ.

.فصل:

اعْلَم وفقك الله أَن الْأَدِلَّة تَنْقَسِم إِلَى عَقْلِي ووضعي.
فَأَما الْعقلِيّ فَهُوَ مَا دلّ على الْمَطْلُوب بِهِ بِوَصْف هُوَ فِي نَفسه عَلَيْهِ غير مفتقر إِلَى وَاضع واصطلاح، نَحْو دلَالَة الْمُحدث على الْمُحدث والإحكام على الْعَالم والتخصيص على المريد.
فَأَما الوضعي فَمَا لَا يدل بِوَصْف هُوَ فِي نَفسه عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يدل بالمواضعة تَخْصِيصًا وَمن هَذَا الْقَبِيل جملَة الْعبارَات الدَّالَّة على الْمعَانِي فِي اللُّغَات.
وَألْحق الْمُحَقِّقُونَ بِهَذَا الْفَنّ المعجزات الدَّالَّة على صدق الْأَنْبِيَاء وَشرح ذَلِك يستقصي فِي أصُول الديانَات.
ثمَّ اعْلَم ان مَا دلّ عقلا لم يسغْ انقلابه عَن كَونه دَلِيلا. فَلَا يَتَقَرَّر فِي الْمَعْقُول حُدُوث غير دَال على مُحدث.
وَأما الْأَدِلَّة الوضعية فقد تتبدل الْمُوَاضَعَة فِيهَا فَلَا يؤول التبدل فِيهَا إِلَى أَوْصَاف أَنْفسهَا.

.فصل:

الدَّلِيل لَا يَقْتَضِي مَدْلُوله وَلَا يُوجِبهُ إِيجَاب الْعلَّة معلولها بل يتَعَلَّق بالمدلول على مَا هُوَ بِهِ من النَّعْت وَيتبع وَصفه فِي التَّعَلُّق.
وَلَا يَقْتَضِي لَهُ ثُبُوت وصف كَالْعلمِ يتَعَلَّق بالمعلوم على مَا هُوَ بِهِ، وَلَا يَقْتَضِي تثبيت وصف للمعلوم بل يتَعَلَّق بِهِ على مَا هُوَ بِهِ من النَّعْت وإيضاح ذَلِك بالمثال، أَن الْحُدُوث لما دلّ على الْمُحدث اسْتَحَالَ القَوْل بِأَنَّهُ يُوجِبهُ بل يتَعَلَّق بِهِ على مَا هُوَ بِهِ.
ومقصدنا من هَذَا الْفَصْل التَّحَرُّز من عِبَارَات يطلقهَا المتجانف عَن حقائق هَذَا الْفَنّ نَحْو قَول الْقَائِل: الدَّلِيل يُوجب كَذَا. وَالدّلَالَة تَقْتَضِي مدلولها، إِلَى غير ذَلِك فتحاش من أَمْثَالهَا. وَإِن أطلقتها فَاعْلَم أَنه متجوز فِي اطلاقها. وَالْكَلَام فِي الْأَدِلَّة يطول. وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ مقنع إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

.القَوْل فِي حَقِيقَة النّظر:

إِن قيل: مَا حَقِيقَة النّظر؟
قيل: النّظر لفظ يتَرَدَّد بَين معَان، فقد يُطلق وَالْمرَاد بِهِ الرُّؤْيَة، وَقد يرد وَالْمرَاد بِهِ الِانْتِظَار والرقبى وَقد يرد وَالْمرَاد بِهِ التحنن والتعطف وَقد يرد وَالْمرَاد بِهِ الِاعْتِبَار.
فَإِن قيل: فَمَا المُرَاد بِهِ فِي اصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمين؟
قيل: أَكثر النَّاس فِيهِ، فَمنهمْ من قَالَ هُوَ التَّأَمُّل والتفكر فِي الدَّلِيل وَهَذَا مَدْخُول، فَإِن التدبر فِي الشُّبْهَة يُسمى نظرا حَقِيقَة على اصْطِلَاح الْقَوْم.
وَالأَصَح فِي ذَلِك أَن يُقَال هُوَ الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ معرفَة الْحق فِي ابْتِغَاء الْعُلُوم وغلبات الظنون وَهَذَا مَا ارْتَضَاهُ رَضِي الله عَنهُ.
ثمَّ يَنْقَسِم النّظر إِلَى الصَّحِيح وَالْفَاسِد مَعَ اندراج الْقسمَيْنِ فِي حَقِيقَة النّظر.
فَإِن قيل: قد أنْكرت طَائِفَة من الْعُقَلَاء إفضاءه إِلَى الْعلم فحققوا مذهبكم.
قيل: المطالب بذلك لَا يَخْلُو من أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يكون قَاطعا بِبُطْلَان النّظر حاصرا للعلوم فِي مدارك الْحَواس على مَا اشْتهر من مَذْهَب نفاة النّظر وَإِمَّا أَن يكون مستريبا غير قَاطع.
فَإِن كَانَ قَاطعا قيل لَهُ... من جحد النّظر إِلَى جحد الضروريات.
وَأما... النّظر وَبطلَان الْمصير إِلَى حصر الْعُلُوم فِي مدارك الْحَواس. وَكَانَ السَّائِل قَاطعا فَإِن قَالَ لست أقطع بِمذهب وَلَكِن أوضحُوا لي صِحَة افضاء الدَّلِيل على الْمَدْلُول فأهون الطّرق عَلَيْهِ أَن نقُول: اعْتبر الْأَدِلَّة فِي الْمسَائِل واختبرها تجدها سائقة إِلَى الْعلم بالمدلولات. فَهَذَا من أحسن مَا يتَمَسَّك بِهِ على نفاة النّظر.

.فصل:

النّظر على مَذَاهِب أهل الْحق لَا يُولد الْعلم بالمنظور فِيهِ. وَقد صَارَت الْقَدَرِيَّة إِلَى أَن النّظر يُولد الْعلم وَقد صحت الْأَدِلَّة عَلَيْهِم فِي إِفْسَاد التولد فِي جملَة الديانَات.
فَإِن قَالُوا: النّظر إِذا صَحَّ وَارْتَفَعت الْعَوَائِق فيعقبه الْعلم بالمنظور فِيهِ لَا محَالة فَدلَّ أَنه يَقْتَضِيهِ وَلَا معنى لاقْتِضَائه إِيَّاه إِلَّا التولد فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ تعلق الْعلَّة بمعلولها بِدَلِيل أَن الْعلم بالمنظور لَا يساوق النّظر.
قيل لَهُم: قد يجب وجود الشَّيْء مَعَ الشَّيْء أَو بعده من غير إِيجَاب عَنهُ وَثُبُوت تولد. وَالدَّلِيل عَلَيْهِ وجوب وجود الْكَوْن مَعَ وجود الْجَوْهَر.
ثمَّ لَا يدل ذَلِك على أَن أَحدهمَا يُولد الآخر. وَكَذَلِكَ إِرَادَة الشَّيْء لَا تتَحَقَّق دون الْعلم ثمَّ لَا يُوجب ذَلِك تولداً. وَمن أوضح مَا يتَمَسَّك بِهِ عَلَيْهِم أَن نقُول: قد وافقتمونا معاشر الْمُعْتَزلَة على أَن من نظر وَعلم ثمَّ ذهلت نَفسه عَن النّظر وتذكر فيعقب التَّذَكُّر الْعلم كَمَا يعقب ابْتِدَاء النّظر ثمَّ اجْتَمَعْتُمْ على أَن تذكر النّظر لَا يُوجب الْعلم.
فَإِن قيل: فَمَا الَّذِي يصدهم عَن ارْتِكَاب ذَلِك؟
قيل: لَو قَالُوهُ نسبوا إِلَى هدم مُعظم أصولهم. وَذَلِكَ أَنهم وافقونا على أَن التَّذَكُّر للدليل السَّابِق قد يحصل ضَرُورِيًّا من فعل الله عز وَجل فَلَو كَانَ مولودا للْعلم بالمدلول لزم مِنْهُ كَون الْعلم بالمدلول فعلا لله تَعَالَى و... ذَلِك يسوقهم إِلَى تَجْوِيز كَون معرفَة الله تَعَالَى من فعل الله وَهَذَا من أعظم مَا ينكرونه.

.فصل:

فَإِن قيل: إِذا صَحَّ النّظر فِي الدَّلِيل تضمن الْإِفْضَاء إِلَى الْعلم بالمدلول فَهَل تَقولُونَ: إِن النّظر الْفَاسِد والفكر فِي الشُّبْهَة يُؤَدِّي إِلَى الْجَهْل والريب؟
قيل: النّظر فِي الشُّبُهَات لَا يَقْتَضِي جهلا وَلَا شكا وَكَذَلِكَ كل نظر فَاسد لَا يتَضَمَّن شَيْئا من أضداد الْعلم. وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك أَن الدَّلِيل يتَعَلَّق بمدلوله على وَجه يُؤَدِّي النّظر فِيهِ إِلَى الْعلم بالمدلول.
وَأما الشُّبْهَة فَلَا تعلق لَهَا بأضداد الْعُلُوم حَتَّى تقتضيها لتعلقها بهَا اقْتِضَاء الدَّلِيل الْعلم بالمدلول.
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَيْضا أَن النّظر فِي الشُّبْهَة لَو كَانَ يَقْتَضِي جهلا لزم اطراد هَذَا الِاقْتِضَاء. وَنحن نعلم أَن الْعَالم بحقائق الشُّبُهَات إِذا نظر لم تسقه إِلَى الْجَهْل وَالدَّلِيل لما كَانَ مقتضيا للْعلم بالمدلول يَقُود كل من صَحَّ نظره فِيهِ إِلَى الْعلم بالمدلول.

.القَوْل فِي شَرَائِط صِحَة الْوُجُوه الَّتِي مِنْهَا تدل النَّاظر:

اعْلَم أَن النّظر إِنَّمَا يَصح بشرائط... أَن لَا يكون النَّاظر عَالما بالمطلوب لِأَن الْعلم بالشَّيْء يُنَافِي الاستدلال.
فَإِن قيل: الْعَالم منا ينصب طرقا من الْأَدِلَّة على مَا علمه بعد حُصُول إِلَّا...
قيل: الْأَدِلَّة الَّتِي ينصبها لَا تُفْضِي بِهِ إِلَى الْعلم. وَلَيْسَ مقْصده التَّوَصُّل بهَا إِلَى الْعلم فَإِنَّهُ متصف بِهِ، وَإِنَّمَا مرامه أَن يتَوَصَّل إِلَى تمهيد الطّرق وليعلم أَنَّهَا تنزل منزلَة أول دَلِيل اعْتصمَ بِهِ فمطلوبه جعلهَا أَدِلَّة لَا التَّوَصُّل إِلَى مدلولها.
وَمن شَرَائِط النّظر كَمَال عقل النَّاظر.
وَمن شَرَائِطه أَيْضا أَن يعلم الْوُجُوه الَّتِي مِنْهَا تدل الْأَدِلَّة وَلَا يَكْفِيهِ الْعلم بِذَات الدّلَالَة مَعَ الذهول عَن الْوَجْه الَّذِي مِنْهُ تدل الدّلَالَة.
فَإِذا تجمعت هَذِه الشَّرَائِط فأنهى النَّاظر وَلم يعقه عائق وَلم يعقب كَمَال النّظر آفَة تضَاد حُصُول الْعلم بالمنظور فِيهِ فَيحصل الْعلم لَا محَالة وَإِذا اخْتَلَّ شَرط من هَذِه الشَّرَائِط فسد وَلم يفض إِلَى الْعلم.

.القَوْل فِي وجوب النّظر:

فَإِن قيل: هَل يجب النّظر عنْدكُمْ؟
قيل: أجل.
فَإِن قيل: فَمَا الدَّلِيل على وُجُوبه أبموجب الْعقل تدركونه أم بقضية السّمع؟
قيل: لَا تدْرك الْوَاجِبَات على أصُول أهل الْحق بقضية الْعقل. وَلكنهَا تدْرك بموجبات الْأَدِلَّة السمعية.
فَإِن قيل: فَمَا الدَّلِيل على وجوب النّظر سمعا؟
قيل: قد ثَبت وجوب المعارف اتِّفَاقًا. وَقد ثَبت تعلق التَّكْلِيف بهَا ثمَّ تحقق انقسام الْعُلُوم إِلَى الضرورية والكسبية، وَثَبت توقف الكسبية على قَضِيَّة الْأَدِلَّة فَفِي الِاتِّفَاق على وجوب المعارف مَعَ توقفها على صَحِيح النّظر أوضح الدّلَالَة على وُجُوبه فَإِن وجوب الشَّيْء يَقْتَضِي وجوب مَا لَا يتم إِلَّا بِهِ.

.فصل:

فَإِن قيل: فَهَل تطلقون اسْم الدّلَالَة على أَخْبَار الْآحَاد والمقاييس والعبر الْمُقْتَضِيَة وجوب الْعَمَل دون الْعلم؟
قيل: مَا صَار إِلَيْهِ مُعظم الْمُحَقِّقين أَن اسْم الدّلَالَة يتخصص بِمَا يَقْتَضِي الْعلم من الْأَدِلَّة السمعية والعقلية.
فَأَما مَا لَا يَقْتَضِي الْعلم فَسمى أَمارَة وَهَذَا لَو رد إِلَى حَقِيقَة اللُّغَة فِي الْإِطْلَاق لم يبعد. فَإِن الْعَرَب لَا تفصل فِي هَذَا الْمَقْصد بَين الْإِمَارَة وَالدّلَالَة. وَلَو قلب قالب مَا قدمْنَاهُ فِي التَّرْتِيب فَسمى الدّلَالَة المفضية إِلَى الْعلم أَمارَة، وَمَا يَقْتَضِي غَلَبَة الظَّن دلَالَة، لم يكن مُبْعدًا أَن أَرْبَاب الْحَقَائِق اصْطَلحُوا على مَا قدمْنَاهُ. وراموا بذلك تَحْقِيق الجنسين. وَهَذَا اخْتِلَاف هَين الْمدْرك.
وَذهب جُمْهُور الْفُقَهَاء إِلَى تَسْمِيَة الْكل دلَالَة.
ثمَّ أعلم أَن الدّلَالَة تَنْقَسِم إِلَى عَقْلِي وسمعي.
فاما الْعقلِيّ فينقسم إِلَى مَا يَقْتَضِي الْقطع وَإِلَى مَا لَا يَقْتَضِيهِ.
فَأَما مَا يَقْتَضِي الْقطع فنحو الْأَدِلَّة فِي أصُول العقائد.
وَأما مَا لَا يَقْتَضِي الْقطع ويتشبث فِيهِ بشواهد الْعقل فنحو تَقْوِيم المقومات وَحصر مبالغ النَّفَقَات المترتبة على مقادير الْحَاجَات فَهَذَا... وَكَذَلِكَ السمعي يَنْقَسِم إِلَى مَا يَقْتَضِي الْقطع وَهُوَ يتَضَمَّن الْعلم، وَإِلَى مَا لَا يَقْتَضِيهِ كأخبار الْآحَاد والمقاييس السمعية، فَكَمَا لَا يُوصف باقتضاء الْعلم، لَا يُوصف باقتضاء غَلَبَة الظَّن، و هَذَا مِمَّا يزل فِيهِ مُعظم الْفُقَهَاء وَوجه التَّحْقِيق فِي ذَلِك يداني مَا قدمْنَاهُ من عدم إفضاء الشُّبْهَة إِلَى الْجَهْل. وَفِيمَا قدمْنَاهُ مقنع وَلَكِن قد تعم الْعَادة بِحُصُول غلبات الظنون فِي أَثَرهَا من غير أَن تكون متضمنة لَهَا.

.القَوْل فِيمَا يعلم عقلا وسمعا تَخْصِيصًا أَو جمعا:

اعلموا وفقكم الله أَن من الْعُلُوم مَا لَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا إِلَّا بأدلة الْعُقُول.
وَمِنْهَا مَا لَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا إِلَّا بأدلة السّمع، وَمِنْهَا مَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا بِدلَالَة سمعية تَارَة وعقلية أُخْرَى.
فَأَما مَا لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ من الْعُلُوم الكسبية إِلَّا بأدلة الْعُقُول فَهِيَ كل علم لَا تتمّ معرفَة الوحدانية والنبوات إِلَّا بِهِ ثمَّ المعارف تَنْقَسِم فِي ذَلِك على مَا يستقصى فِي الديانَات. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن دلَالَة السّمع لَا تثبت فِي حق من لم يحط علما بِثُبُوت الْمُرْسل والمرسل، فاستحال تلقي هَذِه الْعُلُوم من الدّلَالَة الَّتِي لَا تثبت إِلَّا بتقديمها.
وَأما مَا ينْحَصر دركه فِي الدّلَالَة السمعية فَهُوَ جملَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي مِنْهَا التقبيح والتحسين وَالْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة والحظر إِلَى غَيره من مجاري الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة.
وَأما مَا يَصح أَن يعلم بِالْعقلِ تَارَة وبالسمع أُخْرَى فَهُوَ كل علم لَا يتَعَلَّق بِأَحْكَام التَّكْلِيف وَلَا يتَوَقَّف التَّوْحِيد والنبوة على الْإِحَاطَة بِهِ. وَذَلِكَ نَحْو دَرك جَوَاز الرُّؤْيَة وَالْعلم بِجَوَاز الغفران للمذنبين وَالْعلم بِصِحَّة التَّعَبُّد بِالْعَمَلِ بِخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس إِلَى غير ذَلِك من الشواهد.

.القَوْل فِي معنى التَّكْلِيف:

التَّكْلِيف فِي أصل اللُّغَة صادر من الكلفة وَهِي الْمَشَقَّة.
وَالْمعْنَى بِهِ فِي اصْطِلَاح الْقَوْم إِلْزَام الله عز وَجل العَبْد مَا على العَبْد فِيهِ كلفة ويتضح ذَلِك بتفصيله فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تَأتي تترى.

.فصل:

مَا صَار إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ خُرُوج النَّائِم وَالْمَجْنُون والمغلوب على عقله والسكران الْخَارِج عَن حد التَّمْيِيز عَن قَضِيَّة التَّكْلِيف.
وَالْجُمْلَة فِي ذَلِك أَن كل حَالَة تنَافِي الْعلم بتوجيه الْأَمر تنَافِي تَحْقِيق التَّكْلِيف. وَصَارَ بعض الْفُقَهَاء إِلَى إِطْلَاق القَوْل بتكليف السَّكْرَان والنائم فِي بعض الْأَحْكَام.
وَالدَّلِيل على اسْتِحَالَة تعلق التَّكْلِيف بِمن لَا يعقل مَعَ الْبناء على إِحَالَة تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق أَن نقُول: لَو قدر تعلق التَّكْلِيف بِمن لَا يعقل لم يخل ذَلِك من أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يقدر مَعَ تَقْدِير ارْتِفَاع الْمَوَانِع، وَإِمَّا أَن يقدر مَعَ بَقَائِهَا فَإِن قيد تعلق التَّكْلِيف بهم مَعَ انْتِفَاء الْمَوَانِع من الْعقل فَهَذَا مِمَّا يتَّفق عَلَيْهِ وَهُوَ تَكْلِيف عَاقل على التَّحْقِيق. وَإِن قدر تعلق التَّكْلِيف بهم مَعَ بَقَاء الْمَوَانِع كَانَ مستحيلا. وَذَلِكَ لِأَن الْعلم بالمكلف مُقَدّمَة تقرر التَّكْلِيف فَلَا تقرر للتكليف قبل الْعلم بِهِ... وَالَّذِي يُوضح الْحق فِي ذَلِك أَن الْعلم بالنبوات لما كَانَ متوقفا على الْعلم بالصانع لم يتَقَدَّر ثُبُوته دون تَقْدِيم الْعلم بالصانع. وكل مَا ذَكرْنَاهُ مُسْتَند إِلَى أصل. وَهُوَ إِحَالَة القَوْل بتكليف الْمحَال وَشرط قيام الْمُكَلف بامتثال أَمر الْمُكَلف تصور الْقَصْد مِنْهُ إِلَى مَا كلف.
فَإِذا كلف الْقَصْد فِي حَالَة لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْقَصْد مَعَ تَقْدِير اسْتِبْقَاء الْمَوَانِع كَانَ عين تَكْلِيف الْمحَال. وبهذه الطَّرِيقَة اسْتَحَالَ تَكْلِيف الْبَهَائِم وَالَّذين لَا يميزون من الْأَطْفَال.
فَإِن قَالَ قيل: أَلَيْسَ الرب تَعَالَى خَاطب السكارى بقوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ}.
وَهَذَا من أقوى مَا يعتصمون بِهِ. وَقد أَكثر الْمُحَقِّقُونَ فِي تَأْوِيل الْآيَة والأسد مِنْهَا أَن يُقَال: إِن اسْم السَّكْرَان ينْطَلق على النشوان الَّذِي لَا ينسل عَن ربقة التَّمْيِيز كَمَا ينْطَلق على الطافح المغشي عَلَيْهِ. فَيحمل السكر على مَا لَا يُنَافِي التَّمْيِيز.
فَإِن قيل: هَذَا التَّأْوِيل يُنَافِي سِيَاق الْآيَة. فَإِن الرب تَعَالَى قَالَ: {حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} فَدلَّ ذَلِك على مُنَافَاة الْحَالة السَّابِقَة للْعلم؟
قيل: قد يُطلق نفي الْعلم فِي حق الْعَالم مَعَ تبدي أَسبَاب الِاضْطِرَاب فِيهِ حَتَّى لَا يستبدع فِي التخاطب أَن يُقَال للرجل الَّذِي حاد من سنَن الصَّوَاب: لست تعقل مَا تَقول. وَلَيْسَ الْمَعْنى بِهِ إِخْرَاجه عَن أحزاب الْعُقَلَاء. وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} أَي حَتَّى تنتهوا إِلَى حَالَة تعلمُونَ فِيهَا مُوجبَات الخضوع والخشوع فِيمَا تقيمونه من الصَّلَوَات. وهيهات كَيفَ يتَقَبَّل فِي مَسْأَلَة استندت الدّلَالَة فِيهَا إِلَى تَكْلِيف الْمحَال بِظَاهِر هُوَ عرضة للتأويل.
فَإِن قيل: أَلَيْسَ النَّائِم يضمن مَا يتْلف فِي نَومه وَيَقْضِي الصَّلَوَات الَّتِي تمر عَلَيْهِ مواقيتها إِلَى غير ذَلِك من الْأَحْكَام؟
قيل: هَذَا تخيل مِنْكُم فإننا نقُول: لَا يُخَاطب فِي حَال نَومه بِشَيْء مِمَّا قلتموه بيد أَنه تيقظ توجه إِلَيْهِ الْخطاب بديا.
فَإِن قيل: إِنَّمَا يُخَاطب فِي الْيَقَظَة بِسَبَب مَا تقدم مِنْهُ فِي نَومه.
قُلْنَا: مقصدنا نفي الْخطاب فِي حَال النّوم.
فَأَما ثُبُوت أَسبَاب تستند إِلَى تثبيت الْأَحْكَام فِي الْيَقَظَة فمما لَا ننكره.
وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك اتِّفَاق الكافة على اسْتِحَالَة دُخُول فعل الْحَمِيم الْمَالِك لأمر نَفسه تَحت تَكْلِيف الْقَرِيب ثمَّ قد يصدر مِنْهُ قتل على سَبِيل الْخَطَأ فَيكون الْعقل على قَرِيبه وَيتَوَجَّهُ مُقْتَضى التَّكْلِيف فِي تأدية الْعقل عَلَيْهِ ويستند ذَلِك إِلَى مَا لَا ينْدَرج تَحت تَكْلِيفه وَهُوَ فعل قَرِيبه.
وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك أَن الَّذين لَا يميزون من الصّبيان لَا يكلفون وفَاقا.
وَإِن كَانَ لَو أتلف شَيْئا ثمَّ بلغ طُولِبَ بِقِيمَة الْمُتْلف فاستتبت الْمَسْأَلَة ووضح الْحق فِيهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.

.فصل:

فَإِن قيل: قد دللتم على اسْتِحَالَة تَكْلِيف من لَا يعقل، فَهَل تطردون قَود هَذَا الدَّلِيل فِي الساهي والغافل، قيل: مَا سَهَا عَنهُ الْمَرْء فَلَا يتَحَقَّق تعلق التَّكْلِيف بِهِ مَعَ سَهْوه عَنهُ وَمَا قدمْنَاهُ من الدَّلِيل يطرد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. وَإِن أَحْبَبْت إِعَادَة الدّلَالَة فِي معرض يتخصص بِهَذِهِ الصُّورَة، قلت: التَّكْلِيف يَقْتَضِي إِلْزَام الْمُكَلف الْقَصْد إِلَى امْتِثَال أَمر الْمُكَلف فِيمَا كلف، والسهو عَنهُ يُنَافِي قصد الِامْتِثَال فِيهِ مَعَ تَقْدِير اسْتِمْرَار السَّهْو، وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَنه لَو سَاغَ مَا قَالَه الْخصم أَنه لَو جَازَ تَكْلِيف الساهي مَعَ سَهْوه لجَاز تَقْيِيد الْخطاب بسهوه حَتَّى يرد الْخطاب مُقَيّدا بِهِ، وتمثيله أَن يرد الْأَمر بِالْقَصْدِ إِلَى مَا القاصد ساه عَنهُ. فَهَذَا فِي نِهَايَة التَّنَاقُض. فَإِن من قَالَ لمن هُوَ دونه: اقصد فعلا فِي حَال كونك سَاهِيا عَنهُ كَانَ مُبْعدًا، فَكيف يتَحَقَّق مِنْهُ الْعلم بالسهو عَن الْمَأْمُور بِهِ، وَلَو علم سَهْوه عَنهُ كَانَ عَالما بِهِ غير ساه، فَلَمَّا اسْتَحَالَ تَقْيِيد الْخطاب بذلك تَصْرِيحًا اسْتَحَالَ انطواؤه عَلَيْهِ تضمنا وَهَذَا مَا لَا محيص عَنهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.

.القَوْل فِي صِحَة دُخُول فعل الْمُكْره تَحت التَّكْلِيف:

مقصدنا من هَذَا الْبَاب لَا يتَبَيَّن إِلَّا بعد أَن تحيط علما بِأَن الْإِكْرَاه لَا يتَحَقَّق على مَذَاهِب الْمُحَقِّقين إِلَّا مَعَ تصور اقتدار الْمُكْره، فَالَّذِي بِهِ رعشة ضَرُورِيَّة لَا يُوصف بِكَوْنِهِ مكْرها فِي رعدته ورعشته وَإِنَّمَا الْمُكْره من يخوف ويضطر إِلَى أَن يُحَرك يَده على اقتدار وَاخْتِيَار فَإِذا تمهدت هَذِه الْقَاعِدَة فَلَا اسْتِحَالَة فِي تَكْلِيف مَا يدْخل تَحت اقتداره واختياره مَعَ تحقق قَصده وَعلمه.
وَقد زعمت الْقَدَرِيَّة أَنه لَا يَصح تَكْلِيف الْمُكْره مَعَ موافقتهم إيانا على اقتداره.
ثمَّ زادوا عزما وصاروا إِلَى أَن الْقُدْرَة تتَعَلَّق بالضدين وَالْمكْره المقتدر على مَا أكره عَلَيْهِ مقتدر على فعله وَتَركه.
وَنحن معاشر أهل الْحق نصير إِلَى أَنه إِذا قدر على مَا أكره عَلَيْهِ لم تتَعَلَّق قدرته بِتَرْكِهِ وَالْكَلَام فِي الإلجاء وَالْإِكْرَاه يتَعَلَّق بِأَبْوَاب..............................................
التَّعْدِيل والتجوير. وَإِنَّمَا نبهناك على طرف مِنْهُ حَتَّى لَا تغفل عَن هَذَا الْبَاب. وَإِن أَحْبَبْت أَن تعتصم بنكتة تخَالف أصُول الْكَلَام، وتليق بمحافل الْفُقَهَاء قلت: اجْمَعْ الْعلمَاء قاطبة على توجه النَّهْي على الْمُكْره على الْقَتْل عَن الْقَتْل، وَهَذَا عين التَّكْلِيف فِي حَال تحقق الْإِكْرَاه، وَهَذَا مَا لَا منجا مِنْهُ وقواعد الْبَاب تستقصي فِي الديانَات إِن شَاءَ الله عز وَجل.

.القَوْل فِي تَكْلِيف الصَّبِي:

اعْلَم، وفقك الله: أَن مَا نرتضيه انْقِطَاع التَّكْلِيف عَن الصّبيان. وَمن الْعلمَاء من يزْعم أَن بعض أَحْكَام التَّكْلِيف يتَعَلَّق بهم. وَهُوَ زلل، فَإِن الْمَعْنى بالتكليف توجه الْأَمر وطلبات الشَّرْع، والمكلف هُوَ الله عز وَجل وَنحن نعلم قطعا أَن الطلبات من الله تَعَالَى لَا تتَعَلَّق بالصبية كَمَا لَا يتَعَلَّق بهم التوعد بالعقاب... عِنْد تقدر الْمُخَالفَة.
فَإِن قيل: أَلَيْسَ يضْرب ابْن عشر وَيُؤمر بِالصَّلَاةِ.
قيل: إِنَّمَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف بوليه، ثمَّ... طَوِيل للْعُلَمَاء قيل تجب فِي أَمْوَالهم... عقلا وُرُود الشَّرْع بتكليف الصّبيان مَعَ منع تَكْلِيف... فَلَا يجوز تعلق التَّكْلِيف بِهِ.
وَأما من يعقل مِنْهُم فَيجوز ذَلِك عقلا بيد أَنا لما رَأينَا توعد الشَّرْع وَتوجه الطلبات من الله تَعَالَى مُنْقَطِعَة عَنْهُم تبين لنا انْقِطَاع التَّكْلِيف عَنْهُم سمعا.

.فصل:

فَإِن قيل: أَلَيْسَ التَّكْلِيف يتَعَلَّق بالأفعال، ووجودها وحدوثها يسْتَند إِلَى قدرَة الله تَعَالَى. فَمَا الْوَصْف الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ التَّكْلِيف؟
قيل: لَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف بذوات الْأفعال وَلَا بحدوثها. فَإِن ذَلِك مُسْتَند إِلَى قدرَة الله تَعَالَى. وَإِنَّمَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف باكتساب العَبْد للأفعال وَالْكَلَام فِي الْكسْب وَمَعْنَاهُ، وتبيين مُتَعَلق الْقُدْرَة الْحَادِثَة يستقصي فِي الديانَات إِن شَاءَ الله عز وَجل.
وَلما صَارَت الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْقُدْرَة الْحَادِثَة تَقْتَضِي إِيجَاد الْأفعال باختراعها زَعَمُوا أَن التَّكْلِيف يتَعَلَّق بالإيجاد والأحداث.

.القَوْل فِي بَيَان الصِّفَات الَّتِي يشْتَرط كَون الْمَأْمُور بِهِ عَلَيْهَا ليَصِح الْأَمر بِهِ:

فَأول وصف نشترط فِيهِ أَن يكون مِمَّا يَصح من الْمَأْمُور...
اكتسابه ويندرج تَحت هَذَا الْوَصْف صِحَة حُدُوث الْمَأْمُور بِهِ. فَإِنَّهُ لَا يتَحَقَّق صِحَة الِاكْتِسَاب إِلَّا فِيمَا يتَحَقَّق فِيهِ الْحُدُوث. فاندرج تَحت مَا ذَكرْنَاهُ تَخْصِيص تصور الِاكْتِسَاب بالمأمور فَإِن تصور ذَلِك من غَيره لَا يَقْتَضِي تثبيته مَأْمُورا بِهِ فِي حَقه. وَالْوَصْف الآخر أَن يكون مَعْلُوما متميزا للْمَأْمُور مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ أَو أَن يكون فِي حكم الْمَعْلُوم بِأَن يكون الْمَأْمُور مِمَّن يَصح أَن يُعلمهُ.
فَإِن قيل: فَلَو اجتزيتم بقولكم يشْتَرط أَن يكون مِمَّا يَصح اكتسابه، ألم يكن فِيهِ اكْتِفَاء؟
قيل: هَذَا يسْتَند إِلَى أصل فِي الديانَات، وَهُوَ أَنه هَل يَصح الِاكْتِسَاب وَتعلق الْقُدْرَة الْحَادِثَة بمقدروها مَعَ جهل الْقَادِر بالمقدور. وَهَذَا مِمَّا اخْتلف فِيهِ سلفنا. وَالأَصَح عدم اشْتِرَاط الْعلم. وَلَكِن وَإِن لم يشْتَرط تعلق الْعلم بالمقدور يشْتَرط كَون الْمَقْدُور مِمَّا يَصح الْعلم بِهِ. وَلَا يشْتَرط فِي كَون الْمَأْمُور بِهِ مَأْمُورا بِهِ نفس تعلق الْعلم بِهِ.
وَلَكِن لَو كَانَ بِحَيْثُ يَصح الْعلم بِهِ صَحَّ الْأَمر بِهِ. وَهَذَا الْمَعْنى يتَحَقَّق فِي كل مَا يَصح أَن يكْتَسب. فَخرج لَك من مَضْمُون ذَلِك، إِن اكتفيت بِقَوْلِك شَرط الْمَأْمُور بِهِ أَن يكون مِمَّا يَصح من الْمَأْمُور اكتسابه صَحَّ، بيد أَن الْبسط أقرب إِلَى الإفهام.
فَإِن قيل: فَمَا الدَّلِيل على اشْتِرَاط مَا شرطتموه؟
قُلْنَا: أما الدَّلِيل على صِحَة كَونه مكتسبا للْمَأْمُور فَهُوَ أَنه لَو لم يشْتَرط ذَلِك لزم مِنْهُ تَجْوِيز تَكْلِيف الْمحَال. وتصور تعلق التَّكْلِيف بِمَا لَا يدْخل تَحت قبيل مقدورات العَبْد كالأجسام والألوان ود... منع تَكْلِيف الْمحَال واستقصاؤه يطول.
فَإِن قيل: فَلم شرطتم كَونه مَعْلُوما متميزا للْمَأْمُور؟ قيل: فِي تثبيت كَونه مكتسبا تثبيت لكَونه فِي حكم الْمَعْلُوم فَإِن مَا صَحَّ كَونه مكتسبا للْمَأْمُور صَحَّ كَونه مَعْلُوما.
وَأَيْضًا فَإِن الْمَقْصد من التَّكْلِيف أَن يقدم الْمُكَلف على مَا أَمر بِهِ أَو يجْتَنب مَا نهي عَنهُ. وَلنْ يتَحَقَّق ذَلِك إِلَّا بِأَن يعرفهُ بِعَيْنِه. وَالْأَمر بالشَّيْء بِعَيْنِه مَعَ اسْتِحَالَة الْعلم بِعَيْنِه من قبيل المحالات.

.فصل:

قد يكون الْمَأْمُور بِهِ مِمَّا يَصح كَونه مرَادا للْمَأْمُور بِإِرَادَة مُؤثرَة فِي كَونه قربَة كالعبادات الْوَاجِبَة بعد ثُبُوت أصل المعارف. وَقد يكون بِحَيْثُ لَا يتَقَدَّر قصد الْقرْبَة فِيهِ. وَذَلِكَ نَحْو النّظر الأول قبل تقرر الْعلم بالصانع فَإِنَّهُ مَأْمُور بِهِ وَلَا يتَصَوَّر من الْمَأْمُور قصد التَّقَرُّب فِيهِ، وَلما يعلم بعد الرب الَّذِي يتَقرَّب إِلَيْهِ بامتثال أوامره، فَهَذَا أصل أهل الْحق فِي وصف المأموربه وَشَرطه.
وَذكر الْمُعْتَزلَة أوصافا تستند إِلَى أصولهم فِي الديانَات يطول شرحها بيد أَنا نذكرها بِأَعْيَانِهَا.
فَمِنْهَا: أَن قَالُوا: يجب أَن يَتَّصِف الْمَأْمُور بِهِ بالْحسنِ وَهُوَ وصف زَائِد عِنْدهم رَاجع إِلَى نفس الْمَأْمُور بِهِ. وَكَذَلِكَ يَتَّصِف المنهى عَنهُ بالقبح.
وَمِنْهَا: أَن يكون الْمَأْمُور بِهِ شاقا على الْمُكَلف.
وَمِنْهَا: أَن لَا يكون حَادِثا. وَأَن لَا يكون منقضيا مَاضِيا وَأَن تكون الْقُدْرَة عَلَيْهِ مفعولة.
وَأَن لَا يكون الْمَأْمُور مكْرها وملجأ وَأَن يكون مرَادا للْآمِر بِهِ وَأَن يكون مِمَّا يقْصد بِهِ إثابة الْمَأْمُور وَأَن لَا يكون مَمْنُوعًا من فعله بِوُجُود ضِدّه.
فَهَذِهِ أَوْصَاف شرطوها لأصولهم.
فَأَما الْحسن والقبح فَسَيَأْتِي فيهمَا بَاب إِن شَاءَ الله عز وَجل، وَأما اشتراطهم كَونه شاقا فلأجل قَوْلهم: الْمَقْصد من التَّكْلِيف إثابة الْمُكَلف على مَا يَنَالهُ من الْمَشَقَّة، وَأما قَوْلهم أَن لَا يكون حَادِثا فَلِأَن الْحَادِث مَوْجُود، وَلَا يتَعَلَّق الْقُدْرَة عِنْدهم بموجود.
وَأما اشتراطهم أَن لَا يكون وقته مَاضِيا. فَلِأَنَّهُ إِذا مضى وَقت اسْتَحَالَ وجوده لاختصاصه بِالْوَقْتِ الْمَاضِي إِذا كَانَ مِمَّا لَا يَصح بَقَاؤُهُ، وَهَذَا يتَعَلَّق بِأَصْل فِي تَحْقِيق الْإِبْدَال، يستقصي فِي أَحْكَام الْقدر فِي الديانَات.
وَأما اشتراطهم وجود الْقُدْرَة عَلَيْهِ فلقولهم إِن تَكْلِيف مَا لَا قدرَة عَلَيْهِ للمكلف قَبِيح وَهَذَا بَاطِل على أصولنا. فَإنَّا نجوز تعلق التَّكْلِيف بِالْقيامِ فِي حَال قعُود الْمُكَلف مَعَ مصيرنا إِلَى أَن الْقُدْرَة على الْقيام لَا تسبق الْقيام.
وَأما اشتراطهم كَونه غير مَمْنُوع فلقولهم يَصح أَن يكون الْقَادِر مَمْنُوعًا عَن مقدوره وَنحن نحيل القَوْل بذلك.
وَأما اشتراطهم انْتِفَاء الْإِكْرَاه والإلجاء فقد سبق فِي بَاب مُفْرد.
وَأما اشتراطهم كَونه مرَادا للْآمِر فلأعظم الْأُصُول فِي الديانَات. وَهُوَ إِرَادَة الكائنات.
وَأما اشتراطهم كَونه مِمَّا يَصح الإثابة عَلَيْهِ فلأصلهم فِي الصّلاح والأصلح.
وكل هَذِه الْأُصُول بَاطِلَة على مَذْهَب أهل الْحق.