فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (8- 13):

{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)}
قوله جلّ ذكره: {ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ثُمَّ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدرَاراً وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً}.
ليعلمَ العالِمون: أَنًَّ الاستغفار قَرْعُ أبوابِ النعمة، فمن وقعت له إلى اللَّهِ حاجةُ فلن يَصِلَ إلى مرادِه إلاّ بتقديم الاستغفار.
ويقال: مَنْ أراد التَّفَضُّل فعليه بالعُذْرِ والتنصُّل.
قوله: {يُرْسِلِ السَّمَآءَ عََلَيْكُمْ}: كان نوح عليه السلام كلمّا ازداد في بيان وجوه الخير والإحسان زادوا هم في الكفر والنسيان.
قوله جلّ ذكره: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً}.
ما لَكْم لا تخافون للَّهِ عَظَمَةً؟ وما لكم لا ترجون ولا تؤمِّلون على توقيركم للأمرِ من اللَّهِ لُطْفاً ونعمة؟.

.تفسير الآيات (15- 16):

{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)}
ثم نَبَّهَهُم إلى خَلْقِ السموات والأرض وما فيهما من الدلالات على أنها مخلوقة، وعلى أنَّ خالقَها يستحقُّ صفاتِ العُلُوِّ والعِزَّة.

.تفسير الآيات (21- 22):

{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)}
ثم شكا نوحٌ إلى الله وقال: {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَونِى وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً} يعني كبراءَهم وأغنياءَهم الذين ضلُّوا في الدنيا وهلكوا في الآخرة.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)}
وذلك بتعريفِ اللَّهِ تعالى إيَّاه أَنَّه لن يؤمِنَ من قومك إلاّ من قد آمن. فاستجاب الله فيهم دعاءَه وأهلكهم.

.سورة الجن:

.تفسير الآية رقم (1):

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)}
قيل: إن الجنَّ كانوا يأتون السماءَ فيستمعون إلى قولِ الملائكة، فيحفظونه، ثم يلقونه إلى الكهنة، فيزيدون فيه وينقصون , وكذلك كانوا في الفترة التي بين نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وبين عيسى عليه السلام. فلمَّا بُعِثَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ورُجِمُوا بالشُّهُبِ عَلِمَ إبليس أنه وقع شيءٌ ففرَّ جنوده، فأتى تسعةٌ منهم إلى بطن نخلة واستمعوا قراءته صلى الله عليه وسلم فآمنوا، ثم آتوا قومهم وقالوا: {إنَّا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به}...... إلى آخر الآيات.
وجاءه سبعون منهم وأسلموا وذلك قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ...} [الأحقاف: 29].

.تفسير الآيات (3- 6):

{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً} الجَدَّ العظمة، والعظمةُ استحقاقُ نعوتِ الجلال..
{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً}.
أراد بالسفيه الجاهل بالله يعني إبليس. والشطط السَّرَف.
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً}.
في كفرهم وكلمتهم بالشِّرك.
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}.
أَي ذِلة وصغاراً؛ فالجنُّ زادوا للإنس ذِلَّةً ورهقاً فكانوا إذا نزلوا يقولون: نعوذ بربِّ هذا الوادي فيتوهم الجنُّ انهم على شيء {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} حيث استعاذوا بهم.

.تفسير الآيات (7- 10):

{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}
قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدَاً}.
أي ظنُّوا كما ظنَّ الكفارُ من الجن أَلاّ بعثَ ولا نشور- كما ظننتم إيها ألإنس.
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيدَاً وَشُهُباُ}.
يعني حين منعوا عن الاستماع.
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمَعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الأَنَ يَجِدْ لَهُ شَهَاباً رَّصَداً}.
فالآن قد مُنِعْنا.
{وَأَنَّا لاَنَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن في الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رُشَداً}.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)}
الاستقامة على الطريقة تقتضي إكمالَ النعمةِ وإكثارَ الراحةِ. والإعراضُ عن الله يُوجِب تَنَغُّصَ العَيْشِ ودوامَ العقوبة.

.تفسير الآيات (18- 19):

{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)}
قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} للمسجد فضيلة، ولهذا خصَّه الله سبحانه وأفرده بالذكر من بين البقاع؛ فهو محلُّ العبادة.. وكيف يُحلُّ العابد عنده إذا حلَّ محلَّ قَدَمِه؟!.
ويقال: أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها، أخبر أنها لله، فلا تعبدوا بما للَّهِ غَيْرَ الله.
قوله جلّ ذكره: {وَأَنَّهُ لَمَََّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً}.
لما قام عبد الله يعني محمداً عليه السلام يدعو الخَلْقَ إلى الله كاد الجنُّ والإنس يكونون مجتمعين عليه، يمنعونه عن التبليغ.

.تفسير الآيات (21- 23):

{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)}
قل يا محمد: {قُلْ إِنِّى لآَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَداً قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مَنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}.
لا أقدر أن أدفع عنكم ضرّاً، أو أسوق لكم خيراً , فكل شيء من الله. ولن أجد من دونه ملتجأ: {إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ}.
فلن يُنَجِّينِي من الله إلا تبليغي رسالاته بأمره.
{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً}.

.تفسير الآية رقم (25):

{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)}
أَي: لا أَدْري ما تُوعَدون من العقوبة، ومن قيام الساعة أَقريب أم بعيد؟ فكونوا على حذرٍ. ويجب أنْ يتوقَّع العبدُ العقوبات أبداً مع مجاري الأنفاس ليَسلم من العقوبة.

.تفسير الآيات (26- 28):

{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
قوله جلّ ذكره: {عَالِمُ الغَيْبَ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ}.
فيطلعه بقَدْرِ ما يريده.
{لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَلاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَئ عَدَدَا}.
أرسل مع الوحي ملائكةً قُدَّامه وخَلْفه.. هم ملائكةٌ حَفَظَه، يحفظون الوحيَ من الكهنة والشياطين، حتى لا يزيدوا أو ينقصوا الرسالاتِ التي يحملها , واللَّه يعلم ذلك، وأحاط عِلْمُه به.

.سورة المزمل:

.تفسير الآيات (1- 4):

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)}
قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
أي: المتزمل المتلفِّف في ثيابِه. وفي الخبر: «أنه كان عند نزول هذه الآية عليه مِرْطُ من شَعْرٍ وَبَرٍ، وقالت عائشة رضي الله عنها: نصفُه عليَّ وأنا نائمة، ونصفه على رسول الله وهو يُصَلِّي، وطولُ المِرْطِ أربعةُ عشر ذراعاً».
{نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّل الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً}.
{قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} نصفَه بَدَلٌ منه؛ أي: قم نصف الليل، وأَنْقِصْ من النصف إلى الثلث أوزِدْ على الثلث، فكان عليه الصلاة والسلام في وجوب قيام الليل مُخَيَّراً ما بين ثلث الليل إلى النصف وما بين النصف إلى الثلث. وكان ذلك قبل قَرْضِ الصلوات الخمس، ثم نُسِخَ بعد وجوبها على الأمة- وإن كانت بقيت واجبة على الرسول صلى الله عليه سلم.
ويقال: يا أيها المتزمل بأعباء النبوَّة.. {قُمِ الَّيْلَ}.
ويقال: يا أيها الذي يُخْفِي ما خصصناه به قُمْ فأنذِرْ.. فإنّا نصرناك.
ويقالك قُمْ بنا.. يا مَنْ جعلنا الليل ليسكن فيه كلُّ الناس.. قُمْ أنت.
فليسكنْ الكلُّ.. ولْتَقُمْ انت.
ويقال: لمَّا فَرَضَ عليه القيام بالليل أخبر عن نَفْسِه لأجل أُمَّته إكراماً لشأنه وقدرة.
وفي الخبر: «أنه ينزل كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا...» ولا يُدْرَى التأويل للخبر، أو أنَّ التأويل معلوم.. وإلى أن ينتهي إلى التأويل فللأحبابِ راحاتٌ كثيرة، ووجوهٌ من الإحسان موفورة.
قوله جلّ ذكره: {عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً}.
ارْتَعْ بِسِرِّك في فَهْمِه، وَتأَنَّ بلسانِك في قراءته.

.تفسير الآيات (5- 7):

{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)}
قوله جلّ ذكره: {إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}.
قيل: هو القرآن. وقيل: كلمة لا إلَهَ إلا الله.
ويقال: الوحي؛ وسمَّاه ثقيلاً أي خفيفاً على اللسان ثقيلاً في الميزان.
ويقال: ثقيل أي: له وزن وخطر. وفي الخبر «كان إذا نزل عليه القرآن- وهو على ناقته- وضعت جِرانها، ولا تكاد تتحرك حتى يُسرَّى عنه».
وروى ابن عباس: أنَّ سورة الأنعامِ نَزَلَتْ مرةَ واحدةٍ فَبَركَت ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقل القرآن وهيبته.
ويقال: {ثَقِيلاً} سماعه على مَنْ جحده.
ويقال: ثقيلاً بِعِبْئِه- إلاَّ على من أُيِّدِ بقوةٍ سماوية، ورُبِّي في حِجْرِ التقريب.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هي أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً}.
أي: ساعات الليل، فكلُّ ساعةٍ تحدث فهي ناشئة، وهي أشد وطئاً أي: مُوَطَّأة أي: هي أشدُّ موافقةً للسانِ والقلبِ، وأشدُّ نشاطاً.
ويحتمل: هي أشدُ وأغلظُ على الإنسان من القيام بالنهار.
{وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي: أَبْيَنُ قولاً.
ويقال: هي أشدُّ موطأةً للقلب وأقوم قيلاً لأنها أبعدُ من الرياء، ويكون فيها حضورُ القلبِ وسكونُ السِّرِّ أبلغَ وأتمِّ.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ لَكَ في النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً}.
أي: سبحاً في أعمالك، والسبح: الذهب والسرعة، ومنه السباحة في الماء.
فالمعنى: مذاهبُك في النهار فيما يَشْغَلُك كثيرةٌ- والليلُ أَخْلَى لك.

.تفسير الآيات (8- 18):

{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)}
قوله جلّ ذكره: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِلاً}.
أي: انقَطِعْ إليه انقطاعاً تاماً.
{رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لآَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}.
الوكيلُ مَنْ تُوكَلُ إليه الأمورُ؛ أي: تَوَكَّلْ عليه وكِلْ أمورَك إليه، وثِقْ به.
ويقال: إنك إذا اتخذْتَ من المخلوقين وكيلاً اختزلوا مالَكَ وطالبوك بالأجرة، وإذا اتخذتني وكيلاً أُوَفِّرُ عليكَ مَالَكَ وأُعطيكَ الأجر.
ويقال: وكيلُك ينفق عليك من مالِك، وأنا أرزقك وأنفق عليك من مالي.
ويقال: وكيلُك مَنْ هو في القَدْرِ دونَك، وأنت تترفَّعُ أن تكلِّمَه كثيراً. وأنا ربُّكَ سَيِّدُك وأحبُّ أنْ تكَلمَني وأُكلِّمَك.
قوله جلّ ذكره: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}.
الهَجْرُ الجميل: أن تعاشرَهم بظاهرك وتُباينَهم بِسِرِّك وقلبك.
ويقال: الهجرُ الجميل ما يكون لحقِّ ربِّك لا بِحَظِّ نَفْسِك.
ويقال: الهجرُ الجميلُ ألا تُكلِّمَهم، وتكلمني لأجْلهم بالدعاء لهم.
وهذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله جلّ ذكره: {وَذَرْنِى وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِى النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً}.
أي: أُولِي التَّنَعُّم وأنْظِرْهم قليلاً، ولا تهتم بشأنهم، فإني أكفيكَ أمرَهم.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً}.
ثم ذكر وصف القيامة فقال: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً}.
ثم قال: {إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عِلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً}.
يعني: أرسلنا إليكم محمداً صلى الله عليه وسلم شاهداً عليكم {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً}، {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} ثقيلاً.
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً} من هَوْلُه يصير الولدانُ شيباً- وهذا على ضَرْبِ المثل.
{السَّمَآءُ مُنفَطِرُ بِهِ} أي بذلك: اليوم لهوله.
ويقال: مُنْفَطِرٌ بالله أي: بأمره.
{كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً}: فما وَعَدَ اللَّهُ سيصدقه.