فصل: تفسير الآيات (142- 143):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (132):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}
قَطَعَ الأسرار عن التَّعلُّق بالأغيار بأن عرَّفهم انفراده بمُلْكِ ما في السموات والأرض، ثم أطمعهم في حسن تولِّيه، وقيامه بما يحتاجون إليه بجميل اللطف وحسن الكفاية بقوله: {وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً} يصلح يملك حالك ولا يختزل مالك.

.تفسير الآية رقم (133):

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}
من استغنى عنه في آزاله فلا حاجة له إليه في آباده. ويقال لا يحتاج إلى أحدٍ والعبد لا يستغني عنه في نَفَسٍ.
ويقال لا نهاية للمقدورات فإن لم يكن عمرو فَزَيْدٌ، وإن لم يكن عبدٌ فعبيد، والذي لا بَدَلَ عنه ولا خَلَفَ فهو الواحد أحد.

.تفسير الآية رقم (134):

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
لمَّا علَّقوا قلوبهم بالعاجل من الدنيا ذكَّرهم حديث الآخرة، فقال: {فَعِندَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} تعريفاً لهم أنَّ فوق هممهم من هذه الخسيسة ما هو أعلى منها من نعيم الآخرة، فلمَّا سَمَتْ إلى الآخرة قصودُهم قطعهم عن كل مرسوم ومخلوق بقوله: {وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73].

.تفسير الآية رقم (135):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
القسط العدل، والقيام بالله العدل بإيفاء حقوقه من نفسك، واستيفاء حقوقه مِنْ كلِّ مَنْ هو لَكَ عليه أمر، وإلى تحصيل ذلك الحق سبيل إمَّا أمر بمعروف أو زجر عن مكروه أو وعظ بنصح أو إرشاد إلى شرع أو هداية إلى حق.
ومَنْ بقي لله عليه حق لم يباشر خلاصة التحقيق سره لله.
وأصل الدِّين إيثار حق الحق على حق الخلق، فمن آثر على الله- سبحانه أحداً إمَّا والداً أو أُمّاً أو وَلَداً أو قريباً أو نسيباً، أو ادَّخر عنه نصيباً فهو بمعزل عن القيام بالقسط.

.تفسير الآية رقم (136):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)}
يا أيها الذين آمنوا من حيث البرهان آمِنوا من حيث البيان إلى أن تؤمنوا من حيث الكشف والعيان.
ويقال يا أيها الذين آمنوا تصديقاً آمنوا تحقيقاً بأن نجاتكم بفضله لا بإيمانكم.
ويقال يا أيها الذين آمنوا في الحال آمنوا باستدامة الإيمان إلى المآل.
ويقال يا أيها الذين آمنوا وراء كل وصل وفصل ووجد وفقد.
ويقال يا أيها الذين آمنوا باستعمال أدلة العقول آمنوا إذا أنختم بعقوة الوصول، واستمكنت منكم حيرة البديهة وغلبات الذهول ثم أفقتم عن تلك الغيبة فآمنوا أن الذي كان غالباً عليكم كان شاهد الحق لا حقيقة الذات فإن الصمدية منزهة متقدسة عن كل قرب وبعد، ووصل وفصل.

.تفسير الآيات (137- 138):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)}
الذين تبدَّلَتْ بهم الأحوال فقاموا وسقطوا ثم انتعضوا ثم ختم بالسوء أحوالهم، أولئك الذين قصمتهم سطوة العزة حكماً، وأدركتهم شقاوة القسمة خاتمة وحالاً- فالحقُّ سبحانه لا يهديهم لقصد، ولا يدلهم على رشد، فبَشِّرْهم بالفُرْقة الأبدية، وأخبرهم بالعقوبة السرمدية.

.تفسير الآيات (139- 140):

{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}
من اعتصم بمخلوقٍ فقد التجأ إلى غير مُجير، واستند إلى غير كهفٍ، وسقط في مهواة من الغلط بعيد قعرها، شديد مكرها. أيبتغون العِزَّ عند الذي أصابه ذلّ التكوين؟! متى يكون له عزٌّ على التحقيق؟ ومَنْ لا عزَّ له يلزمه فكيف يكون له عز يتعدَّى إلى غيره؟
ويقال لا ندري أي حالتهم أقبح: طلب العز وهم في ذل القهر وأسر القبضة أم حسبان ذلك وتوهمه من غير الله؟
ويقال مَنْ طَلَبَ الشيء من غير وجهه فالإخفاق غاية جهده، ومن رام الغنى في مواطن الفاقة فالإملاق قصارى كدِّه.
ويقال لو هُدُوا بوجدان العِزِّ لما صُرِفَتْ قُصُودُهم إلى من ليس بيده شيء من الأمر.
قوله: {فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا} العزُّ على قسمين: عزٌّ قديمٌ فهو لله وصفاً، وعزٌّ حادثٌ يختص به سبحانه من يشاء فهو له- تعالى- مِلْكاً ومنه لطفاً.
قوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الكِتَابِ} الآية: لا تجاوروا أرباب الوحشة فإن ظلماتِ أنفسِهم تتعدى إلى قلوبكم عند استنشاقكم ما يَرُدُّون من أنفاسهم، فمن كان بوصفٍ ما متحققاً شاركه حاضروه فيه؛ فجليسُ مَنْ هو في أُنْسٍ مستأنِسِ، وجليسُ من هو في ظلمةٍ مستوحِش.
ويقال هجرانُ أعداء الحقِّ فرضٌ، ومخالفة الأضداد ومفارقتهم دين، والركون إلى أصحاب الغفلة قَرْعُ بابِ الفرقة.
قوله: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}: أوضحُ برهانٍ على سريرة (.....) صحبة من يقارنه وعِشْرة مَنْ يخادنه؛ فالشكل مقيد بشكله، والفرعُ منتشِرٌ عن أصله.

.تفسير الآية رقم (141):

{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}
لمّا عَدِمُوا الإخلاص في الحقيقة، وما ذقوا فيما استشعروا من العقيدة، امتازوا عن المسلمين في الحُكْم، وباينوا الكافرين في الاسم، وواجبٌ على أهل الحقِّ التحرُّزُ عنهم والتحفُّظ منهم، ثم ضمن لهم- سبحانه- جميلَ الكفاية بقوله: {وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} وهذا على العموم؛ فإن وبال كيدهم إليهم مصروف، وجزاء مَكْرِهم عليهم موقوف، والحقُّ- من قِبَلِ الحقِّ سبحانه- منصورٌ أهلُه، والباطلُ- بنصر الحقِّ سبحانه- مُجْتثٌ أصلُه.

.تفسير الآيات (142- 143):

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)}
خداع المنافقين: إظهار الوفاق في الطريقة واستشعار الشِرْك في العقيدة.
وخداع الحق إياهم: ما توهموه من الخلاص، وحكموا به لأنفسهم من استحقاق الاختصاص، فإذا كُشِفَ الغطاء أيقنوا أن الذي ظنُّوه شراباً كان سراباً، قال تعالى: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47].
وقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا} الآية: علامة النفاق وجود النشاط عند شهود الخلق، وفتور العزم عند فوات رؤية الخلق.
وقوله: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} الآية: أخَسُّ الخَلْقِ من يَدَعُ صدار العبودية، ولم يجد سبيلاً إلى حقيقة الحرية، فلابد له من العز شظية، ولا في الغفلة عيشة هنية.

.تفسير الآية رقم (144):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)}
كرَّر عليهم الوعظ، وأكَّد بمباينة الأعداء عليهم الأمر، إبلاغاً في الإنذار، وتغليظاً في الزجر، وإلزاماً للحجة (....) موضع العذر.
قوله: {أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا}: تَوَعَّدَهم على موالاتهم للكفار بما لم يتوعَّد على غيره من المخالفات، لما فيه من إيثار الغير على المعبود؛ وإيثارُ الغير على المحبوب من أعظم الكبائر في أحكام الوداد. فإذا شَغَلَ من قلبه محلاً- كان للمؤمنين- بالأغيار استوجب ذلك العقوبة فكيف إذا شغل محلاً من قلبه- هو للحق- بالغير؟!
والعقوبة التي تَوَعَّدَهم بها أنْ يَكِلهَم وما اختاروه من موالاة الكفار، وبئس البدل!
كذلك مَنْ بقي عن الحق تركه مع الخَلْق؛ فيتضاعف عليه البلاءُ للبقاء عن الحق والبقاء مع الخلق، وكلاهما شديدٌ مِنَ العقوبة.

.تفسير الآية رقم (145):

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)}
دلَّت الآية على أنَّ المنافق ليس بمُسْتأمنٍ لأنَّ الإيمان ما يوجب الأمان، فالمؤمن يتخلَّص بإيمانه من النار، فما يكون سبب وقوعه في الدرك الأسفل من النار لا يكون إيماناً، ويقال هذا تحقيق قوله: {وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} [آل عمران: 54، والأنفال: 30] أي مَكْرُه فوق كل مَكْرٍ. لمَّا أظهر المنافق ما هو مكر مع المؤمنين كانت عقوبتهم أشد من عقوبة من جاهر بكفره.
ويقال نقلهم في آجلهم إلى أشد ما هم عليه في عاجلهم، لِمَا في الخبر: «من كان بحالةٍ لقي الله بها» فالمنافق- اليومَ- في الدرك- الأسفل من الحجر- فكذلك ينقلون إلى الدرك الأسفل من النار. والدرك الأسفل من الحجر- اليوم- لهم ما عليهم من اسم الإيمان وليس لهم من الله شظية وهذا هو البلاء الأكبر.
ويقال استوجبوا الدرك الأسفل من النار لأنهم صحبوا اليوم اسم الله الأعظم لا على طريقة الحرمة. ويقال استوجبوا ذلك لأنهم أساءوا الأدب في حال حضورهم بألسنتهم، وسوءُ الأدبِ يوجِبُ الطردَ.

.تفسير الآية رقم (146):

{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)}
لم يشترط كل هذه الشرائط في رجوع أحدٍ عن جُرْمِه ما اشترط في رجوع المنافقين عن نفاقهم لصعوبة حالهم في كفرهم. وبعد تحصيلهم هذه الشروط قال لهم: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ} ولم يقل من المؤمنين، وفي هذا إشارة أيضاً إلى نقصان رتبتهم وإن تداركوا بإخلاصهم ما سبق من آفتهم، وفي معناه أنشدوا:
والعُذر مبسوطٌ ولكنما ** شتان بين العذر والشكر

ويقال إن حرف (مع) للمصاحبة، فإذا كانوا مع المؤمنين استوجبوا ما يستوجب جماعة المؤمنين، فالتوبة هاهنا أي رجعوا عن نفاقهم، وأصلحوا- بصدقهم في إيمانهم، واعتصموا بالله بالتبرؤ من حولهم وقوتهم، وشاهدوا المِنَّة لله عليهم حيث هداهم، وعن نفاقهم نجَّاهم.
قوله: {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ}: ونجاتهم بفضل ربهم لا بإيمانهم في الحال، ورجوعهم عن نفاقهم فيما مضى عليهم من الأحوال.
ويقال أخلصوا دينهم لله وهو دوام الاستعانة بالله في أن يثبتهم على الإيمان، ويعصمهم عن الرجوع إلى ما كانوا عليه من النفاق.
ويُقال: تابوا عن النفاق، وأصلحوا بالإخلاص في الاعتقاد، واعتصموا بالله باستدعاء التوفيق وأخلصوا دينهم لله في أن نجاتهم بفضل الله ولطفه لا بإتيانهم بهذه الأشياء- في التحقيق.

.تفسير الآية رقم (147):

{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}
هذه الآية من الآيات التي توجب حُسْنَ الرجاء وقوة الأمل، لأنه جعل من أمارات الأمان من العقوبات شيئين اثنين: الشكر والإيمان، وهما خصلتان يسيرتان خفيفتان؛ فإن الشكر قالة، والإيمان حالة، ولقد هوَّن السبيل على العبد حين رضي منه بقالته وحالته. والشكر لا يصح إلا من المؤمنين فأمَّا الكافر فلا يصح منه الشكر؛ لأن الشكر طاعته والطاعة لا تصح من غير المؤمن.
وقوله: {وَآمَنتُمْ} يعني في المآل؛ فكأنه بيَّن ان النجاة إنما تكون لمن كانت عاقبته على الإيمان، فمعنى الآية لا يعذبكم الله عذاب التخليد، إن شكرتم في الحال وآمنتم في المآل.
ويقال: إن شكرتم وآمنتم صدقتم بأن نجاتكم بالله لا بشكركم وبإيمانكم.
ويقال الشكر شهود النعمة من الله والإيمان رؤية الله في النعمة، فكأنه قال: إن شاهدتم النعمة من الله فلا يقطعنَّكم شهودها عن شهود المُنْعِم.
وقوله: {وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} أي والله شاكر عليم، ومعنى كونه شاكراً أنه مادِحٌ للعبد ومُشْهِدٌ عليه فيما يفعله لأن حقيقة الشكر وحَدَّه الثناء على المُحْسِن بذكر إحسانه؛ فالعبد يشكر الله أي يثني عليه بذكر إحسانه إليه الذي هو نعمته عليه، والربُّ يشكر للعبد أن يثني عليه بذكر إحسانه الذي هو طاعته له، فإن الله يثني عليه بما يفعله من الطاعة مع علمه بأن له ذنوباً كثيرة.
ويقال يشكره- وإنْ عِلِمَ أنه سيرجع في المستأنف إلى قبيح أعماله.
ويقال يشكره لأنه يعلم ضعفه، ويقال يشكره لأنه يعلم أنه لا يعصي وقَصْدُه مخالفةُ ربِّه ولكنه يُذْنِبُ لاستيلاء أحوال البشرية عليه من شهوات غالبة.
ويقال يشكره لأن العبد يعلم في حالة ذنوبه أنه له ربّاً يغفر له.