فصل: تفسير الآيات (66- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (62):

{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}
تَضَرُّعُ غير المخلص عند هجوم الضُّر لا أصل له، فلا ينبغي أن يكون به اعتبار لأن بقاءه إلى زوال المحنة، والمصيبة العظمى ترك المبالاة (بما يحصل من التقصير).
ويقال من المصيبة أن يمحقك وقتك فيما لا يجدي عليك.

.تفسير الآية رقم (63):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}
أُبْسُطْ لهم لسانَ الوعظِ بمقتضى الشفقة عليهم، ولكن انْقَبِضْ بقلبك عن المبالاة بهم والسكون إليهم، واعلم أن من لا نكون نحن له لا يغني عنه أن تعينه شيئاً.

.تفسير الآية رقم (64):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}
ما أَمَرْنَا الرسلَ إلاَّ بدعوة الخلْقِ إلينا.
وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ}. لو جعلوك ذريعتهم لوصلوا إلينا، ويقال لو لازموا التذلل والافتقار وركبوا مطية الاستغفار لأناخوا بعقوة المبار.

.تفسير الآية رقم (65):

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
سدَّ الطريق- إلى نفسه- على الكافة إلا بعد الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمَنْ لم يمشِ تحت رايتِه فليس له من الله نفس.
ثم جعل من شرط الإيمان زوال المعارضات بالكلية بقلبك.
قوله: {ثُمَّ لاَ يَجِدُوا}: فلابد لك من (...) تلك المهالك بوجه ضاحك، كما قال بعضهم:
وحبيبٍ إنْ لم يكن منصفاً كنتُ منصفا ** أتحسّى له الأمَرَّ وأسقيه ما صفا

إن يقل لي انشقَّ ** اخترتُ رضاً لا تَكَلَّفَا

.تفسير الآيات (66- 68):

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)}
أخبر عن سُقم إخلاصهم وقوة إفلاسهم، ثم أخبر الله بعلمه بتقصيرهم.
خلاهم عن كثير من الامتحانات ثم قال ولو أنهم جنحوا إلى الخدمة، وشدُّوا نطاق الطاعة لكان ذلك خيراً لهم من إصرارهم على كفرهم واستكبارهم. ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم من عندنا ثواباً عظيماً، ولأرشدناهم صراطاً مستقيماً ولأوليناهم عطاء مقيماً.
والأمر- على بيان الإشارة- يرجع إلى مخالفة الهوى وذبح النفوس بمنعها عن المألوفات، والخروج من ديار تَقَبُّل النَّفْس، ومفارقة أوطان إرادة الدنيا.

.تفسير الآيات (69- 70):

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}
جعل طاعة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- مفتاحَ الوصول إلى مقامات النبيين والصيديقين والشهداء على الوجه الذي يصحُّ للأُمة وكفى له عليه السلام بذلك شرفاً.
ثم قال: {ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللَّهِ}: جرَّد عليهم محلّهم عن كل علة واستحقاق وسبب؛ فإن ما لاح لهم وأصابهم صرفُ فضله وابتداء كرمه.

.تفسير الآيات (71- 73):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)}
الفرار إلى الله من صفات القاصدين، والفرار مع الله من صفات الواصلين؛ فلا يجد القرار مع الله إلا من صدق في الفرار إلى الله. والفرارُ من كل غَيْرٍ شأنُ كل مُوَحِّد.
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِئَنَّ} الآية: أي لم تستقر عقائدهم على وصفٍ واحد، فكانوا مرتبطين بالحظوظ؛ فإذا رأوا مكروهاً يظِلُّ المسلمين شكروا وقالوا: الحمد لله الذي حفظنا من متابعتهم فكان يصيبنا ما أصابهم، وإن كانت لكم نعمة وخير سكنوا إليكم، وتمنوا أن لو كانوا معكم، خسروا في الدنيا والآخرة: فَهُمْ لا كافرٌ قبيحٌ ولا مؤمنٌ مخلصٌ.
قوله: {كََأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ}: يعني طرحوا حشمة الحياة فلم يراعوا حرمتكم.

.تفسير الآية رقم (74):

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)}
مَن لم يَقْتُلْ نَفْسَه في نَفْسِه لا يصحُّ جهادُه بنفسِه؛ فأولا (إخراج خطر الروح) من القلب ثم تسليم النفس للقتل.
وقوله: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهَ أَجْرًا عَظِيمًا} يعني بقاؤنا بعده خيرٌ له من حياته بنفسه لنفسه، قال قائلهم:
ألست لي عِوَضاً مني كفى شَرَفاً ** فما وراءك لي قصدٌ ومطلوب

.تفسير الآية رقم (75):

{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)}
أي شيء يمنعكم عن القتال في سبيل الله؟ وما الذي لا يُرَغِّبُكُم في بذل المهجة لله؟ وماذا عليكم لو بذلتم أرواحكم في الله ولله؟ أتخافون أن تخسِرُوا على الله؟ أم لا تعلمون أنكم تُحشَرُونَ إلى الله؟ فلم لا تكتفون ببقائه بعد فنائكم في الله؟

.تفسير الآية رقم (76):

{الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}
المخلصَون لله لا يؤثِرُون شيئاً على الله، ولا يضنون بشيء عن الله، فهم أبداً على نفوسهم لأجل الله، والذين كفروا على العكس من أحوال المؤمنين. ثم قوَّاهم وشجعهم بقوله: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} أي لا تُضْمِرُوا لهم مخافة، فإني متوليكم وكافيكم على أعدائكم.

.تفسير الآية رقم (77):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}
قوله جلّ ذكره: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}.
أخْرِجُوا أيديَكُمْ عن أمورِكم، وكِلُوها إلى معبودكم.
ويقال اقصروها عن أخذ الحرام والتصرف فيه.
ويقال امْتَنِعُوا عن الشهوات.
ويقال: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} إلا عن رَفْعِها إلى الله في السؤال بوصف الابتهال.
فلمَّا كتب عليهم القتال استثقلوا أمره، واستعجلوا لطفه. والعبودية في تَرْكِ الاستثقال، ونفي الاستعجال، والتباعد عن التبرم والاستثقال.
قوله جلّ ذكره: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاُ}.
مَكَّنَكَ من الدنيا ثم قال: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} فلم يَعُدَّها شيئاً لك ثم لو تَصَدَّقْتَ منها بِشقِّ تمرةٍ لتَخَلَّصْتَ من النار، وحظيت بالجنة، وهذا غاية الكرم.
واستقلالُ الكثير من نفسك- لأجل حبيبك- أقوى أمارات صُحْبتك.
ويقال لما زَهَّدَهم في الدنيا قلَّلَها في أعينهم ليهون (عليها) تركها.
ويقال قل متاعُ الدنيا بجملتها قليلٌ، والذي هو نصيبك منها أقلُّ من القليل، فمتى يناقشك لأجلها (بالتخليل)، ولو سَلِم عهدك من التبديل؟
وإذا كانت قيمة الدنيا قليلة فأخَسُّ من الخسيس مَنْ رَضِيَ بالخسيس بدلاً عن النفيس.
وقد اخْتَلَعَ المؤمن من الكون بالتدريج. فقال أولاً: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ} (فاحفظهم) عن الدنيا بالعقبى، ثم سلبهم عن الكونين بقوله: {وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73].

.تفسير الآية رقم (78):

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}
الموت فرح للمؤمن، فالخبرُ عن قرْبه بِشارةٌ له، لأنه سببٌ يوصله إلى الحق، ومن أحبَّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءه.
ويقال إذا كان الموت لابد منه فالاستسلام لحكمه طوعاً خيرٌ من أن يحمل كرهاً.
ثم أخبر أنهم- لضَعْفِ بصائرهم ومرض عقائدهم- إذا أصابتهم حَسَنَةٌ فَرِحُوا بها، وأظهروا الشكر، وإن أصابتهم سيئة لم يهتدوا إلى الله فجرى فيهم العرْقُ المجوسي فأضافوه إلى المخلوق، فَرَدَّ عليهم وقال: قل لهم يا محمد كلُّ من عند الله خلقاً وإبداعاً، وإنشاء واختراعاً، وتقديراً وتيسيراً.

.تفسير الآية رقم (79):

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)}
ما أصابك من حسنة فمن الله فضلاً، وما أصابك من سسيئة فمن نفسك كسباً وكلاهما من الله سبحانه خَلْقاً.

.تفسير الآية رقم (80):

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
هذه الآية تشير إلى الجَمْع لحال الرسول- صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه طاعته طاعتنا، فمن تقرَّبَ منه تقرَّبَ منا، ومقبولُه مقبولُنا، ومردودُه مردودنا.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}
يعني إذا حضروك استسلموا في مشاهدتك، فإذا خرجوا انقطع عنهم نور إقبالك، فعادوا إلى ظلمات، كما قالوا:
إذا ارعوى عاد إلى جهله ** كذي الضنى عاد إلى نكسه

.تفسير الآيات (82- 83):

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}
تدبرُ إشارة المعاني بغوص الأفكار، واستخراجُ جواهر المعاني بدقائق الاستنباط.
قوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ}: لمَّا كانوا غافلين عن الحق لم يكن لهم من ينقل إليه أسرارهم فأظهروا السرَّ بعضُهم لبعض. فأمَّا المؤمنون فعالِمُ أسرارهم مولاهم، وما يسنح لهم خَاطَبُوه فيه فلم يحتاجوا إلى إذاعة السِّر لمخلوق؛ فسامِعُ نجواهم الله، وعالِم خطابهم الله.
قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ} أي لو بَثوا أسرارهم عند من هو (....) ومَنْ هو من أهل القصد لأزالوا عنهم الإشكال، وأمدوهم بنور الهداية والإرشاد.
{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ} مع أوليائه لهاموا في كل وادٍ من التفرقة كأشكالهم في الوقت.

.تفسير الآية رقم (84):

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}
اسْتَقِمْ معنا بتسليم الكُلِّ مِنْكَ إلى أمرنا؛ فإنَّك- كما لا يقارنُكَ أحَدٌ في رتبتك لعلوِّك على الكل- فنحن لا نكلِّف غيرك بمثل ما تكلفت، ولا نُحَمِّل غيرك ما تحملت لانفرادك عن أشكالك في القدوة.

.تفسير الآية رقم (85):

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}
الشفيع يخلِّص للمشفوع له حاله. ويستوجب الشفيعُ- من الله سبحانه على شفاعته- عظيمَ الرتبة، ومَنْ سعى في أمرنا بالفساد تحمَّل الوِزْرَ واحتقب الإثم.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}
تعليم لهم حُسْنَ العِشْرة وآداب الصحبة. وإن من حمَّلَكَ فَضلاً صار ذلك- في ذمتك- له قرضاً، فإمَّا زِدْتَ على فِعله وإلاَّ فلا تنقص عن مثله.