فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.سورة الليل:

.تفسير الآيات (1- 4):

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}
قوله جل ذكره: {والَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}.
يغشى الأفقَ، وما بين السماء والأرض فيستره بظُلْمتِه.
والليلِ لأصحاب التحيُّر يستغرِق جميعَ أقطار أفكارهم فلا يهتدون الرشد.
{وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}.
أنارَ وَظَهرَ، ووَضح وأسفر.
ونهارٌ أهلِ العرفان بضياء قلوبهم وأسرارهم، حتى لا يَخْفَى عليهم شيءٌ، فسكنوا بطلوعِ الشمس عن تكلُّف إيقاد السراجِ.
{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنثَى}.
أي: {من} خَلَقَ الذكر والأنثى؛ وهو الله سبحانه: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}.
هذا جوالُ القَسَم، والمعنى: إنَّ عملكم لمختلف؛ فمنكم: مَنْ سَعْيُه في طلب دنياه، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ نَفْسِه واتباع هواه، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ، ومنكم مَنْ في طَلَبِ جاهِه ومُناه، وآخر في طلب عقباه، وآخر في تصحيح تقواه، وآخر في تصفية ذكراه، وآخر في القيام بحُسْنِ رضاه، وآخر في طلب مولاه.
ومنكم: من يجمع بين سعي النّفْس بالطاعة، وسَعْي القلب بالإخلاص، وسعي البَدَن بالقُرَب، وسعي اللسان بذكر الله، والقول الحَسَنِ للناس، ودعاء الخَلْقِ إلى الله والنصيحة لهم.
ومنهم مَنْ سعيُه في هلاكِ نَفْسِه وما فيه هلاك دنياه.. ومنهم.. ومنهم.

.تفسير الآيات (5- 18):

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)}
قوله جل ذكره: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}.
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} من مالِه، {وَاتَّقَى} مخالفةَ ربِّه..
ويقال: {أعطى} الإنصافَ من نَفْسِه، {وَاتَّقَى} طَلَبَ الإنصافِ لنفسِه...
ويقال: {اتقى} مساخِطَ الله. {وَصَدَّقَ بالْحُسْنَى}: بالجنة، أو بالكَرَّةِ الآخرة، وبالمغفرةِ لأهل الكبائر، وبالشفاعة من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالخَلَفِ من قِبَل الله فسَنُيَسِّرهُ لليُسْرَى: أي نُسَهِّلُ عليه الطاعاتِ، ونُكَرِّهُ إليه المخالفاتِ، ونُشَهِّي إليه القُرَبَ، ونُحبِّبُ إليه الإيمان، ونُزَيِّن في قلبه الإحسان.
ويقال: الإقامة على طاعته والعود إلى ما عمله من عبادته.
{وََأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
أما من مَنَعَ الواجبَ، واستغنى في اعتقاده، وكَذَّب بالحسنى: أي بما ذَكَرْنا، فسينسره للعسرى؛ فيقع في المعصية ولم يُدَبِّرْها، ونوقف له أسبابَ المخالفة.
ويقال: {أعطى} أعْرَضَ عن الدارين، {واتَّقى} أن يجعل لهما في نفسه مقداراً.
قوله جل ذكره: {وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}.
يعني: إذا مات.. فما الذين يغني عنه ماله بعد موته؟
قوله جل ذكره: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}.
لأوليائنا، الذين أرشدناهم. ويقال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} بنصيب الدلائل.
{وَإِنَّ لَنَا للأَخِرَةَ وَالأُولَى}.
مُلْكاً، نعطيه من نشاء.
{فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى}.
أي: تتلظَّى.
{لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى}.
أي: لا يُعَذَّبُ بها إلاَّ الأشقى، وهو: {الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى}.
يعني: كَفَرَ.
{وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الذي يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى}.
يُعْطى الزكاة المفروضة.
ويقال يَتَطهَّر من الذنوب.
ونزلت الآية في أبي بكر رضي الله عنه، والآية عامة.

.تفسير الآيات (19- 21):

{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}
{وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}.
حتى تكون هذه مكافأة له. ولا يفعل هذا لَيَتَّخِذَ عند أحدٍ يَداً، ولا يطلب منه مكافأةٍ: {إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ ربِّه الأَعْلَى}.
أي: ليتقرَّبَ بها إلى الله.
{وَلَسَوْفَ يَرْضَى}.
يَرْضَى اللَّهُ عنه، ويرضى هو بما يعطيه.

.سورة الضحى:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)}
قوله جل ذكره: {وَالضُّحَى وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى}.
{والضحى}: ساعةٌ من النهار. أو النهارُ كلُّ يُسَمّى ضُحًى. ويقال: أقسم بصلاة الضُّحى.
ويقال: الضحى الساعةٌ التي كَلَّم فيها موسى عليه السلام.
{وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى} أي: ليلة المعراج، و{سجا}: أي سَكَن، ويقال: هو عامٌّ في جِنْسِ الليل.
ويقال: {الضحى} وقت الشهود. {وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى} الذي قال: إنه ليُغَانّ على قلبي..
ويقال: {الليل إذا سجا} حين ينزل اللَّهُ فيه إلى السماء الدنيا- على التأويل الذي يصحُّ في وصفه.
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
ما قَطَعَ عنك الوحيَ وما أبغضك.
وكان ذلك حين تأخَّر جبريلُ- عليه السلام- عنه أياماً، فقال أهل مكة: إن محمداً قد قلاه ربُّه. ثم أنزل هذه السورة.
وقيل: احتبس عنه جبريل أربعين يوماً، وقيل: اثني عشر يوماً، وقيل: خمسة وعشرين يوماً.
ويقال: سبب احتباسه أن يهودياً سأله عن قصة ذي القرنين وأصحاب الكهف، فوَعَدَ الجوابَ ولم يقل: إن شاء الله.

.تفسير الآيات (4- 8):

{وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}
{وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى}.
أي: ما يعطيك في الآخرة خيرٌ لَكَ مما يعطيك في الدنيا.
ويقال: ما أعطاك من الشفاعة والحوض، وما يُلْبِسُك من لباس التوحيدِ- غداً- خيرٌ مما أعطاكَ اليومَ.
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
قيل: أفترضى بالعطاء عن المُعْطِي؟ قال: لا.
قوله جل ذكره: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى}.
قيل: إلى عمِّه أبي طالب.
ويقال: بل آواه إلى كَنَفِ ظِلِّه، وربَّاه بلطف رعايته.
ويقال: فآواكَ إلى بِساطِ القربة بحيث انفردْتَ بمقامِك، فلم يُشَارككْ فيه أحدٌ.
{وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى}.
أي: ضللْتَ في شِعابِ مكة، فَهَدَى إليك عَمَّك أبا طالبٍ في حال صباك.
ويقال: {ضالاً} فينا متحيِّراً.. فهديناك بنا إلينا.
ويقال: {ضالاً} عن تفصيل الشرائع؛ فهديناك إليها بأن عرَّفناك تفصيلها.
ويقال: فيما بين الأقوام ضلالٌ فهداهم بك.
وقيل: {ضالاً} للاستنشاء فهداك لذلك.
وقيل: {ضالاً} في محبتنا، فهديناك بنور القربة إلينا.
ويقال: {ضالاً} عن محبتي لك فعرَّفتك أنِّي أُحِبُّك.
ويقال: جاهلاً بمحلِّ شرفِكَ، فعرَّفْتُك قَدْرَكَ.
ويقال: مستتراً في أهل مكة لا يعرفك أحدٌ فهديناهم إليك حتى عرفوك.
{وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى}.
في التفسر: فأغناكَ بمال خديجة.
ويقال: أغناك عن الإرداة والطلب بأن أرضاك بالفَقْد.
ويقال: أغناك بالنبوَّة والكتاب. ويقال: أغناك بالله.
ويقال: أغناك عن السؤال حينما أعطاك ابتداءً؛ بلا سؤالٍ منك.

.تفسير الآيات (9- 11):

{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}
قوله جل ذكره: {فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَر}.
فلا تُخِفْه، وارفقْ به، وقرِّبْه.
{وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ}.
أي: إمَّا أن تُعْطِيَه.. أو تَرُدَّه برِفْقٍ، أو وعدٍ.
ويقال: السائلُ عنَّا، والسائلُ المتحيِّرُ فينا- لا تنهرهم، فإنَّا نهديهم، ونكشف مواضع سؤالهم عليهم.. فلا طِفْهم أنت في القول.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
فاشكُرْ، وصَرِّحْ بإحسانه إليك، وإنعامه عليك.

.سورة الشرح:

.تفسير الآيات (1- 6):

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}
قوله جلّ ذكره: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.
ألَمْ نُوَسِّعْ قَلْبَكَ للإِسلام؟ ألم نُليِّنه للإِيمان؟
ويقال ألم نوسع صدرك بنور الرسالة؟ ألم نوسِّع صدرك لقَبُولِ ما نورِدُ عليك.
{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}.
أي: إثمْكَ قبل النبوَّة.
ويقال: عصمناكَ عن ارتكابِ الوِزْرِ؛ فَوضْعُه عنه بأنَّه لم يستوجبْه قطّ.
ويقال: خفضنا عنك أعباءَ النبوَّة وجعلناكَ محمولاً لا متحمِّلاً.
ويقال: قويناك على التحمُّل من الخَلْق، وقوَّيناك لمشاهدتنا، وحفظنا عليك ما استحفظت، وحرسناكَ عن ملاحظة الخَلْقَ فيما شرَّفناك به.
{الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}: أثقله، ولولا حَمْلُنا عنك لَكُسِرَ.
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.
بِذِكْرنا؛ فكما لا تَصِحُّ كلمةُ الشهادة إلا بي، فإنها لا تَصِحُّ إلا بك.
ويقال: رفعنا لك ذكرك بقول الناس: محمد رسول الله!
ويقال: أثبتنا لك شرف الرسالة.
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.
وفي الخبر: «لن يغلب عُسْرٌ يُسْريْن» ومعناه: أن العسر بالألف واللام في الموضعين للعهد- فهو واحد، واليُسْر مُنكَّرٌ في الموضعين فهما شيئان. والعُسْر الواحد: ما كان في الدنيا، واليسران: أحدهما في الدنيا في الخصب، وزوال البلاء، والثاني في الآخرة من الجزاء وإذاً فعُسْرُ جميع المؤمنين واحد- هو ما نابهم من شدائد الدنيا، ويُسْرُهم اثنان: اليومَ بالكَشْفِ والصَّرْفِ، وغداً بالجزاء.

.تفسير الآيات (7- 8):

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
قوله جلّ ذكره: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ}.
فإذا فَرَغْتَ من الصلاة المفروضة عليك فانْصَبْ في الدعاء.
ويقال: فإذا فرغت من العبادة فانصب في الشفاعة.
ويقال: فإذا فرغت من عبادة نَفْسِك فانْصَبْ بقلبك.
{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب}.
في جميع الأحوال.
ويقال: فإذا فرغت من تبليغ الرسالة فارغب في الشفاعة.