فصل: تفسير الآية رقم (109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (97):

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}
كما أن نجوم السماء يُهتدى بها في الفلوات فكذلك نجوم القلوب يهتدى بها في معرفة ربِّ الأرضين والسموات.

.تفسير الآية رقم (98):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}
ذكَّرهم وصفهم حين خَلَقَهم من آدم عليه السلام. وكما أن للنفوس والأبشار مستقراً ومستودعاً فللأسرار والضمائر مستقر ومستودع، فَمِنْ عَبْدٍ مُسْتَقَرٌّ قلبِه أوطانُ الشهواتِ والمنى، ومن عبدٍ مستقره موقع الزهد والتُّقى، ومن عبدٍ مستقره- حيث لا مسكن ولا مأوى- وراء الورى.

.تفسير الآية رقم (99):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}
تجانست أجزاءُ الأرض وتوافقت أقطارُ الكون، وتباين النبات في اللون والطَّعم واختلفت الأشياء، ودلَّ كلُّ مخلوقٍ بلسان فصيح، وبيان صريح أنه بنفسه غير مُستَقِل.

.تفسير الآية رقم (100):

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}
سُدَّت بصائرهم فاكتفوا بكل منقوصٍ أن يعبدوه، وتلك عقوبةٌ لأرباب الغفلة عن الله تعالى عُجِّلَتْ.

.تفسير الآية رقم (101):

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}
البديع الذي لا مثل له، أو هو المنشئ لا على مثال، وكلاهما في وصفه مستحق.
والواحد يستحيل له الوَلَدُ لاقتضائه البعضية، والتوحيد ينافيه.

.تفسير الآية رقم (102):

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}
تعرَّف إليهم بآياته، ثم تعرَّف إليهم بصفاته، ثم كاشفهم بحقائق ذاته.
فقوله: {لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ} تعريف للسادات والأكابر، وقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَئٍ} تعريف للعوام والأصاغر.

.تفسير الآية رقم (103):

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}
قدَّسَ الصمديةَ عن كل لحوقٍ ودَرَك، فأنَّى بالإدراك ولا حدَّ له ولا طرف؟!
{وَهُوَ اللَّطِيفُ} الذي لا يخفى عليه شيء، {الخَبِيرُ} الذي أحاط علمُه بكل معلوم.

.تفسير الآية رقم (104):

{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
أوضحَ البيانَ وأَلاَحَ الدليلَ، وأزاحَ العِلَل وأنارَ السبيلَ، ولكن قيل:
وما انتفاعُ أخي الدنيا بمقلته ** إذا استوت عنده الأنوارُ والظُّلَمُ

.تفسير الآية رقم (105):

{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}
أوقع الفتنةَ في قلوبهم فَخَنِسَتْ عليهم الأحوال: فَمِنْ شُبْهةٍ دَاخَلْتُهم ومن حَيْرةٍ مَلَكَتْهُم. ومن تحقيق أدركه قوم، وتعريفٍ توقف على آخرين.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}
العَجَبُ ممن أقرَّ بقصور حاله عن استحقاق المدح ببقائه عن مراده، وكيف يصف معبوده بجواز ألا يرتفع في ملكه مراده؟!

.تفسير الآية رقم (108):

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلّمِ}.
يعني خَاطِبْهم بلسان الحجة والتزام الدلائل ونفي الشبهة، ولا تُكلِّمْهم على موجب نوازع النَّفْس والعادة، فَيَحْمِلَهم ذلك على ترك الإجلال لذكر الله.
ويقال لا تطابِقْهُم على قبيح ما يفعلون فيزدادوا جرأة في غيِّهم، فسيكون فِْلُكَ سبباً وَعِلَّةً لزيادةِ كفرهم وفِسْقهم.
قوله جلّ ذكره: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
لبَّسْنا عليهم حقائق الأشياء حتى ظنوا القبيحَ جميلاً، ولم يَرَوْا لسوءِ حالتهم تبديلاً، فركنوا إلى الهوى، ولم يميزوا بين العوافي والبَلا.

.تفسير الآية رقم (109):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
وعدوا من أنفسهم الإيمان لو شاهدوا البرهان، ولم يعلموا أنهم تحت قهر الحكم، وما يُغْنِي وضوحُ الأدلة لمن لا تساعده سوابقُ الرحمة، ولواحق الحفظ بموجبات القسمة.

.تفسير الآية رقم (110):

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
العَجَبُ ممن تبْقَى على قلبه شبهةٌ في مسألة القَدَر، والحقُّ- سبحانه- يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَم يُؤْمِنُوا بِهِ}، لا بل من حقائق التقليب بقاء إشكال هذا الأمر- مع وضوحه- على قلوب مَنْ هو مِنْ جملة العقلاء، فسبحان مَنْ يُخْفِي هذا الأمر مع وضوحه! هذا هو قهر القادر وحكم الواحد.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
لأن الآيات وإنْ توالت، وشموس البرهان وإنْ تعالَتْ فَمَنْ قَصَمَتْه العِزَّةُ وكَبَسْته القِسمة لم يَزِدْه ذلك إلا حيرة وضلالاً، ولم يستنجز إلا للشقوة حالاً.

.تفسير الآية رقم (112):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}
كلمَّا كان المحلُّ أعلى كانت البلايا أوفى، والمطالبات أقوى، فلمَّا كانت رتبُ الأنبياء- عليهم- السلام- أشرفَ كانت العداوة معهم أشد وأصعب.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}
وكلت أسماع الكفار باللغو وقلوبهم بالسوء فَرَضُوا لأنفسهم أخَسَّ الأنصباءَ.

.تفسير الآية رقم (114):

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}
قلْ لهم أترون أني- بعد ظهور البيان ووضوح البرهان- أَذَرُ اليقين، وأوثر التخمين وأفارق الحقَّ، وأقارن الحظ؟ إن هذا محال من الظن.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}
تقدَّسَتْ عن التغيير ذاتُه، وتنزهت عن التبديل صفاتُه. والتمام ينفي النقصان. وكلُّ نقصانٍ فمن الحَدَثِ أصلُه، وأَنَّى بالنقص- والقِدَمُ وصفُه؟

.تفسير الآية رقم (116):

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}
أهلُ الله قليلون عدداً وإن كانوا كثيرين وزناً وخَطَراً، وأمَّا الأعداء ففيهم كثرة. فإنْ لاحظْتَهُم- يا محمد- فَتَنُوكَ، وإنْ صاحبتهم منعوك عن الحق وقلبوكَ.

.تفسير الآية رقم (117):

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}
تقاصرت علومُ الخَلْق عن إدراك غيبه إلا بقدر ما عَرَّفهم من أمره، والذي لا يخفى عليه شيءٌ فهو الواحدُ- سبحانه.

.تفسير الآية رقم (118):

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}
هذا في حكم التفسير مختص بالذبيحة، وفي معنى الإشارة منع الأكل على الغفلة، فإِن من أكل على الغفلة فما دامت تلك القوةُ باقيةً فيه فخواطره إما هواجس النَّفْس أو وساوس الشيطان.

.تفسير الآية رقم (119):

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
يعني أي شيء عليكم لو تركتم الغفلة؟ وما الذي يضركم لو استدمتم الذكر؟
وقد تبيَّن لكم الفَرْقُ بين أُنْس الذكر ووحشة الغفلة في الحال والوقت، أَلاَ تعرفوا حكم الثواب والعقاب في المآل.

.تفسير الآية رقم (120):

{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}
ظاهر الإثم ما للأغيار عليه اطلاع، وباطن الإثم هو سرٌ بينك وبين الله، لا وقوفَ لمخلوقٍ عليه.
ويقال باطن الإثم خَفِيُّ العقائد و(....) الألحاظ.
ويقال باطن الإثم ما تمليه عليك نفسك بنوع تأويل.
ويقال باطن الإثم- على لسان أهل المعرفة- الإغماض عَمَّا لَك فيه حظ، ويقال باطن الإثم- على لسان أهل المحبة- دوام التغاضي عن مطالبات الحق؛ وإنَّ بِناءَ مطالبات الحب على التجني والقهر، قال قائلهم:
إذا قلتُ: ما أذنبتُ قالت مجيبةً: ** حياتُك ذنبٌ لا يقاس به ذنبُ

ويقال أسبغتُ عليكم النِّعم ظاهراً وباطناً، فذروا الإثم ظاهراً وباطناً، فإنَّ من شرط الشكر ترك استعمال النعمة فيما يكون إثماً ومخالفة.

.تفسير الآية رقم (121):

{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
ما كانت (....) من الأحوال عاصياً ولربِّه ناسياً فتوقِّيه شرط عند أصحاب (...).
ثم قال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} فهذا يدل على أنَّ مَنْ توقَّى ذلك اتحدت لله خواطِرُه، وانقطعت عنه خواطر الشيطان. وأصلُ كل قسوةٍ متابعةُ الشهوات، ومَنْ تعوَّد مُتَابَعَتها فليودِّعْ صفوةَ القلب.

.تفسير الآية رقم (122):

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
الإيمان عند هؤلاء القوم حياةُ القلب بالله. وأهل الغفلة إذْ لَهُمْ الذكر فقد صاروا أحياءً بعد ما كانوا أمواتاً، وأربابُ الذكرِ لو اعتراهم نسيانٌ فقد ماتوا بعد الحياة. والذي هو في أنوار القرب وتحت شعاع العرفان وفي روْح الاستبصار لا يدانيه مَنْ هو في (أسْرِ) الظلمات، ولا يساويه مَنْ هو رهين الآفات.

.تفسير الآية رقم (123):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}
لبَّسنا عليهم حقائق التوحيد، وسوَّلت لهم ظنونهم أن بهم شظية من المحو والإثبات؛ فانهمكوا ظانين أنهم يَمْكرون، وهم في التحقيق مخادعون، وسيعلمون حين لا ينفعهم علم.

.تفسير الآية رقم (124):

{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
بعد إزاحة العلة، وبيان الحجة، وزوال الشبهة (فالتعلُّل) باستزادة البصيرة إعلام عن سوء الأدب، وذلك منهم من التعدي؛ لمساواة مَنْ جاء بالاستحقاق بمَنْ جاء بنوع من تسويلات النَّفْس يوجب مقاساة الهوان. وملازمةُ الحدود. وتركُ التعدي على الحقِّ قضيةُ التوفيق.