فصل: تفسير الآية رقم (161):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (145):

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}
بيَّن أَنَّ الشارعَ اللهُ، والمانعَ عن الخلْق هو الله، وما كان من غير الله فضائعٌ باطلٌ عند الله. بيَّن أنه إذا جاء الاضطرارُ زال حكمُ الاختيار.

.تفسير الآية رقم (146):

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}
بيَّن أن ما حرَّم عليهم ضيَّعوه؛ إذ لمَّا لم يعاقبهم عليه لم يشهدوا مَكْرَه العظيم فيما ابتدعوه من قِبَلِ نفوسهم- فأهملوه ولم يحافظوا عليه، فاستوجبوا عظيم الوِزْر وأليم العجز.

.تفسير الآية رقم (147):

{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}
الإشارة منه بيان تخصيص الأولياء بالرحمة وتخصيص الأعداءِ بالطرد واللعنة. والصورة الإنسانية جامعة ولكن القسمة الأزلية فاصلةٌ بينهم.

.تفسير الآية رقم (148):

{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)}
كذبت إقالتُهم لأنها لم تَصْدُرْ عن تصديق، فَذُمُّوا على جهالتهم وإن كانت (....) في التحقيق.

.تفسير الآية رقم (149):

{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}
صَرَّحَ بان إرادته- سبحانه- لا تتقاصر عن مراد، وليس عليه اعتراض.

.تفسير الآية رقم (150):

{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}
أشار إلى أَنَّ مَنْ تجرَّد عن برهانٍ يُصَرِّحه وبيان (يوضِّحهُ) فغيرُ مقبول من فاعله.

.تفسير الآيات (151- 153):

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}
هذه أشياء عشرة تضمنتها هذه الآية أولها الشِرْك فإنه رأس المحرمات، والذي لا يقبل معه شيءٌ من الطاعات، وينقسم ذلك إلى شِرك جَلِيٍّ وشِرْك خَفِيِّ؛ فالجَليُّ عبادةُ الأصنامِ، والخفيُّ ملاحظةُ الأنامِ، بعين استحقاق الإعظام.
والثاني من هذه الخصال ترك العقوق، وتوقير الوالدين بحفظ ما يجب من أكيدات الحقوق.
وبعد ذلك قتل الأولاد خشية الإملاق، وإراقة دمائهم بغير استحقاق.
ثم ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وما بدا وما استتر، ويدخل في ذلك جميع أقسام الآثام.
ثم قتل النَّفس بغير الحق، وذلك إنما يكون لفقد شفقة الخلق.
ثم مجانبة مال اليتيم والنظر إليه بعين التكريم.
ثم بذل الإنصاف في المعاملات والتوقي من جميع التبعات.
ثم الصدق في القول والعدل في الفعل.
ثم متابعة السبيل بما تشير إليه لوائح الدليل.
فَمَنْ قابل هذه الأوامر بجميل الاعتناق سعد في داريه وحظي بعظائم منزلته.

.تفسير الآية رقم (154):

{ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}
يهوِّن عليهم مشقة مقاساة التكليف بما ذكر من التعريف بأنَّ الذين كانوا قبلنا كانوا في الضعف والعجز مثلها، ثم صَبرُوا فظَفروا، وأخْلَصُوا فخَلُصُوا.

.تفسير الآية رقم (155):

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}
إنزال الكتاب عليهم تحقيق للإيجاب، وإذا بَقِيَ العبدُ عن سماع الخطاب تسلى بقراءة الكتاب، ومن لم يجدْ في قراءة القرآن كمالَ العيشِ والإِنس فَلأنَّه يقرأ ترسماً لا تحققاً.

.تفسير الآيات (156- 157):

{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)}
قوله جلّ ذكره: {أَن تَقُولُوا إِنَّمَآ أُنزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُم بيِّنَةٌ مِّن رَّبِكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ}.
أزاح كلَّ عِلَة، وأبدى كل وصلة، فلم يُبْقِ لك تعللا، ولا في آثار الالتجاء إلى العذر موضعاً.
قوله جلّ ذكره: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزَى الَّذينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ}؟
عقوبةُ كلِّ جُرْمٍ مؤجلة، وعقوبة التكذيب معجلة، وهي ما يوجب بقاءهم في أَسْرِ الشك حتى لا يستقر قلبهم على شيء.

.تفسير الآية رقم (158):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)}
أخبر أنه بعدما (أزاح) لهم العلل اقترحوا ما ليس لهم، واغتروا بطول السلامة لهم، ثم بيَّن أنه إذا أمضى عقوبة عبدٍ حُكْماً فلا معارِضَ لتقديره، ولا مُناقِضَ لتدبيره.

.تفسير الآية رقم (159):

{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)}
اتفقوا بأبدانهم وافترقوا بقلوبهم، فكانوا مجتمعين جهراً بجهر؛ متفرقين- في التحقيق- سِرَّاً بِسِرٍّ.
قوله: {لَّسْتَ مِنْهُمْ في شَئٍ}. لا يجمعك وإياهم، يعني شِقُّكَ شقُّ الحقائق، وشِقُّهم شِقُّ الباطل، ولا اجتماع للضدين.

.تفسير الآية رقم (160):

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)}
قوله جلّ ذكره: {مَن جَآءَ بِألحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.
هذه الحسنات للظاهر: وأمَّا حسنات القلوب فللواحد مائة إلى أضعاف مضاعفة.
ويقال الحسنة من فضله تعالى تَصْدُر، وبلطفه تحصل، فهو يُجْرِي، ثم يَقْبَلُ ويثني، ثم يجازي ويُعطي.
ويقال إحسانه- الذي هو التوفيق- يوجِبُ إحسانك الذي هو الوفاق، وإحسانه- الذي هو خَلق الطاعة- يوجِبُ لك نعت الإحسان الذي هو الطاعة؛ فالعناءُ منك فِعْلُه والجزاءُ لكَ فَضْلُه.
ويقال إحسان النفوس تَوْفِيَة الخدمة، وإحسان القلوب حفظ الحرمة، وإحسان الأرواح مراعاة آداب الحشمة.
ويقال إحسان الظاهر يوجب إحسانه في السرائر فالذي منك مجاهدتُك، والذي إليك مشاهدتك.
ويقال إحسان الزاهدين ترك الدنيا، وإحسان المريدين رفض الهوى، وإحسان العارفين قطع المنى، وإحسان الموحدين التخلِّي عن الدنيا والعقبى، والاكتفاء بوجود المولى.
ويقال إحسان المبتدئين الصدق في الطلب، وإحسان أصحاب النهاية حفظ الأدب، فشرطُ الطلبِ ألا يبقى ميسورٌ إلاَّ بَذَلْتَه، وشرط الأدب ألا تسمو لك هِمَّةٌ إلى شيءٍ إلا قطعته وتركته.
ويقال للزهاد والعبَّاد، وأصحاب الأوراد وأرباب الاجتهاد جزاءٌ محصور معدود ولأهل المواحيد لقاء غير مقطوع ولا ممنوع.
قوله جلّ ذكره: {وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
يعني (يُكالُ) عليه بالكيل الذي يكيل، ويُوقَفُ حيث يرضى لنفسه بأن يكون له موقفاً.

.تفسير الآية رقم (161):

{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)}
أرشده إلى الطريق الصحيح. ولا يكون الإرشاد إليه إلا بانسداد الطرق أجمع إلى سواه. ومَنْ وَجَدَ سبيلاً إلى مخلوق عرج في أوطان الحسبان لأن الأغيار ليس لها من الإبداع شظية، ومن سلك إلى مخلوق سبيلاً وأبرم فيهم تأميلاً أو قدَّم عليهم تعويلاً، فقد استشعر تسويلاً، وجُرِّعَ تضليلاً.
والصراط المستقيم ألاَّ ترى من دونه مثبتاً لذرةٍ ولا سنة.
والدين القيم ما لا تمثيلَ فيه ولا تعطيل، ولا نفي للفَرْقِ الذي يشير إلى العبودية، ولا رد للجمع الذي هو شهود الربوبية.
والحنيف المائل إلى الحق، الزائغ عن الباطل، الحائل عن ضد الحقيقة.

.تفسير الآيات (162- 163):

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}
مَنْ كوشِفَ بحقائق التوحيد شَهدَ أن القائم عليه والمجري عليه والممسك له والمُنَقَّل إياه من وصفٍ إلى وصف، و(...) عليه فنون الحدثان- واحدٌ لا يشاركه قسيم، وماجِدٌ لا يضارعه نديم.
ويقال مَنْ عَلمَ أنه بالله علم أنه لله، فإذا علم لله لم يَبقَ فيه نصيب لغير الله؛ فهو مستسلمٌ لحكم الله، لا مُعْتَرِضٌ على تقدير الله، ولا معارِضٌ لاختيار الله، ولا مُعْرِضٌ عن اعتناق أمر الله.

.تفسير الآية رقم (164):

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)}
كيف أوثِر عليه بَدَلاً وإني لا أجد عن حكمه حِوَلا، وكيف أقول بغيرٍ أو ضدٍ أو شريك؟ أو أقول بدونه معبود أو مقصود؟ وإنْ لاحظتُ يمنةً ما شاهدتُ إلا مُلْكَه، وإنْ طالعتُ يَسْرةً ما عايَنْتُ إلا مُلكَه! بل إني إنْ نظرتُ يمنةً شهدت يُمْنَه، وإنْ نظرتُ يَسْرةً وجدتُ نحوي يُسْرَه!.

.تفسير الآية رقم (165):

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}
صير التوبة إليكم، وقَصَرَ حكم عصركم عليكم، فأنتم المقصودون اليوم دون من هو سواكم. ثم إنه جعلكم أصنافاً، وخلقكم أخْيافاً فمنْ مُسَخَّرٍ له، مُرَفَّهٍ، مُرَوَّحٍ، يتعب لأَجْله كثيرٌ. ومن مُعَنَّيّ، وذي مشقةٍ أُدِير عليه رأسهُ. وجاء البلاءُ ليختبركم فيما آتاكم، ويمتحنكم فيما أعطاكم. إنَّ حسابه لكم لاحِقٌ، وحكمه فيكم سابق. والله أعلم.

.سورة الأعراف:

.تفسير الآية رقم (1):

{المص (1)}
هذه الحروف من المتشابه في القرآن على طريقة قوم من السَلَف، والحق- سبحانه- مستأثر بعلمها دون خلقه. وعلى طريقة قوم فلها معانٍ تُعْرَف، وفيها إشارات إلى أشياء توصَف: فالألِف تشير إلى أُلفة الأرواح العطرة أصابت الشكلية مع بعض الأرواح العطرة، فهي- في التحقيق- في ذلك المعنى كالمتحدة؛ فمنه تقع الألفة بين المتشاكلين، ولأجل اتحاد المقصود يتفق القاصدون.
ويقال أَلِفَ القلبُ حديثَه فلم يحتشم من بَذْل روحه.
ويقال الألف تجرُّد مَنْ قَصَدَه عن كل غَيْرٍ فلم يتصل بشيء، وحين استغنى عن كل شيء اتصل به كل شيء على جهة الاحتياج إليه.
ويقال صورة اللام كصورة الألف ولكن لما اتصلت بالحروف تعاقبتها الحركات كسائر الحروف؛ فمرةً أصبحت مفتوحة، ومرةً مسكونة، ومرة مرفوعة، وأمّا الألف التي هي بعيدة عن الاتصال بالعلاقات فباقية على وصف التجرد عن تعاقب الحركات عليها فهي على سكونها الأصلي.
وأمّا الصاد فتشير إلى صدق أحوال المشتاقين في القصد، وصدق أحوال العارفين في الوجد، وتشير إلى صدق قلوب المريدين وأرباب الطلب، إذ العطش نعت كلِّ قاصد، كما أن الدهشة وصف كل واحد.
ويقال الصاد تبدي محبةً للصدورِ وهو بلاء الأحباب.
ويقال الصاد تطالبك بالصدق في الود، وأمارة الصدق في الود بلوغ النهاية والكمال، حتى لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالمنع.