فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (90):

{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)}
بَيَّنَ أنهم أصرُّوا على جحودهم، وأقاموا على عُتُوِّهم ونُبُوِّهم، وبعد أن أُزيحت العِللُ فلات حين عذر، وليس لتجويز المُسَاهَلَةِ موجِبٌ بَتّاً.

.تفسير الآيات (91- 92):

{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}
قوله جلّ ذكره: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}.
اتخاذ الأولاد لا يصحُّ كاتخاذ الشريك، والأمران جميعاً داخلان في حدِّ الاستحالة، لأن الولد أو الشريك يوجب المساواة في القَدْرِ، والصمدية تتقدَّسُ عن جواز أن يكون له مِثْلٌ أو جنس.
قوله جل ذكره: {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
كُلُّ أمرٍ نِيطَ باثنين فقد انتفى عنه النظامُ وصحةُ الترتيب، وأدلة التمانع مذكورة في مسائل الأصول.
{سُبْحَانَ اللَّهِ} تقديساً له، وتنزيهاً عماوصفوه به {عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} تَنَزَّهَ عن أوهامِ مَنْ أشرك، وظنونِ مَنْ أفِكَ.

.تفسير الآية رقم (93):

{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93)}
يقول إن عجلت لهم ما تتوعدهم به فلا تجعلني في جملتهم، ولا توصل إليَّ سوءاً مثلما توصل إليهم من عقوبتهم. وفي هذا دليلٌ على أنَّ للحقِّ أن يفعلَ ما يريد، ولو عذَّبَ البريء لم يكن ذلك منه ظلماً ولا قبيحاً.

.تفسير الآية رقم (95):

{وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)}
تدل على صحة قدرته على خلاف ما عَلِمَ؛ فإنه أخبر أنه قادر على تعجيل عقوبتهم ثم لم يفعل ذلك، فَصَحَّتْ القدرةُ على خلاف المعلوم.

.تفسير الآية رقم (96):

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)}
الهمزة في {أحسن} يجوز ألا تكون للمبالغة؛ ويكون المعنى ادفع بالحسن السيئة. أو أن تكون للمبالغة؛ فتكون المكافأة جائزةً والعفوُ عنها- في الحُسْنِ- أشدَّ مبالغةً.
ويقال ادفع الجفاءَ بالوفاء، وجُرْمَ أهل العصيانِ بحكم الإحسان.
ويقال ادفع ما هو حظك إذا حصل ما هو حق له.
ويقال اسلك مسلكَ الكَرَم ولا تجنح إلى طريقة المكافأة.
ويقال الأحسنُ ما أشار إليه القَلبُ، والسيئةُ ما تدعو إليه النَّفْسُ.
ويقال الأحسنُ ما كان بإشارة الحقيقة، والسيئةُ ما كان بوساوس الشيطان.
ويقال الأحسنُ نورُ الحقائقِ، والسيئةُ ظلمةُ الخلائق.

.تفسير الآيات (97- 98):

{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)}
الاستعاذة- على الحقيقة- تكون بالله من الله كما قال صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك منك» ولكنه- سبحانه- أراد أن نَعْبُدَه بالاستعاذة به من الشيطان، بل مِنْ كلِّ ما هو مُسَلَّطٌ علينا، والحقُّ عندئذٍ يوصل إلينا مضرتنا بجري العادة. وإلاَّ.... فلو كان بالشيطان من إغواء الخَلْقِ شيءٌ لكان يُمْسِكُ على الهدايةِ نَفْسَه! فَمَنْ عَجَزَ عن أنْ يحفَظَ نَفْسَه كان عن إغواءِ غيرِه أشَدَّ عجزاًَ، وأنشدوا:
جحودي فيه تلبيس ** وعقلي فيك تهويس

فمَنْ آدم إلاَّكَ ** ومن في (...) إبليس.

.تفسير الآيات (99- 100):

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}
إذ أخذ البلاءُ بخناقهم، واستمكن الضُّرُّ من أحوالهم، وعلموا ألا محيصَ ولا محيدَ أخذوا في التضرُّع والاستكانة، ودون ما يرومون خرطُ القتادِ! ويقال لهم هلاّ كان عُشْرُ عشرِ هذا قبلَ هذا؟ ولقد قيل:
قلتُ للنفس إنْ أرَدتِ رجوعاً ** فارجعي قبل أنْ يُسدَّ الطريق.

.تفسير الآية رقم (101):

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)}
يومئذٍ لا تنفع الأنسابُ وتنقطعُ الأسبابُ، ولا ينفع النّدم، وسيلقى كلٌّ غِبَّ ما اجترم؛ فَمَنْ ثَقُلتْ بالخيرات موازينُه لاحَ عليه تزيينُه. ومن ظهرَ ما يشينه فله من البلاء فنونه؛ تلفح وجوههم النار، وتلمح من شواهدهم الآثار، ويتوجه عليهم الحِجاج، فلا جواب لهم يُسْمَع، ولا عُذْر منهم يُقْبل، ولا عذاب عنهم يُرْفَع ولا عقابُ عنهم يُقطَع.

.تفسير الآية رقم (106):

{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)}
نطقوا بالحقِّ ولكن في يومٍ لا ينفع فيه الإقرار، ولا يُقْبَلُ الاعتذار، ثم يقولون.

.تفسير الآية رقم (107):

{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)}
والحقُّ يقول: لو رُدُّوا لعادوا لما نُهوا عنه. عِلمَ أنّ ردَّهم إلى الدنيا لا يكون، ولكنه عِلم أنّه لو كان فكيف كان يكون.

.تفسير الآية رقم (108):

{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}
عند ذلك يتمُّ عليهم البلاء، وشتدُّ عليهم العناء، لأنهم ما داموا يذكرون الله لم يحصل الفراق بالكلية، فإذا حِيلَ بينهم وبين ذكره تتم لهم المحنة، وهو أحدُ ما قيل في قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103].
وفي الخبر: «أنهم ينصرفون بعد ذلك فإذا لهم عواءٌ كعواء الذئب». وبعض الناس تغار من أحوالهم؛ لأن الحق يقول لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا}، فيقولون: يا ليتنا يقول لنا! أليس هو يخاطبنا بذلك؟! وهؤلاء يقولون: قَدْحُ الأحباب ألذُّ من مَدْح الأجانب، وينشدون في هذا المعنى:
أتاني عنكِ سَبُّكِ لي.. فسُبِّي... أليس جرى بِفِيكِ اسمي؟ فَحسْبِي.

.تفسير الآيات (109- 111):

{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)}
الحقُّ- سبحانه- ينتقم من أعدائه بما يطيِّبُ به قلوبَ أوليائه، وتلك خصومةُ الحق، فيقول: قد كان قومٌ من أوليائي يُفْصِحون بمدحي وثناي، ويتصفون بمدحي وإطرائي، فاتخذتموهم سخرياً.... فأنا اليوم أُجازيهم، وأنتقم ممن كان يناويهم.

.تفسير الآيات (112- 114):

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)}
عددُ سنين الأشياء- وإن كانت كثيرة- فقد تقصر أو تقل بالإضافة إلى ما يوفي ويُرْبِي عليها، كذلك مدة مقامهم تحت الأرض؛ إن كانوا في الراحة فقد تقل بالإضافة إلى الراحات التي يلقونها في القيامة، وإن كانت شدائد فتتلاشى في جنب ما يرونه. ذلك اليوم من أليم تلك العقوبات المتوالية.

.تفسير الآية رقم (115):

{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}
العبثُ اللهو، واللَّعِبُ والاشتغالُ بما يُلْهِي عن الحقِّ، والله لم يأمر العبادَ بذلك، ولم يَدْعهُم إلى ذلك، ولم يندبهم إليه.
والعابثُ في فِعْلِهِ مَنْ فِعْلُه على غير حدِّ الاستقامة، ويكون هازلاً مُسْتَجْلِباً بفعله أحكامَ اللهوِ إلى نَفْسه، متمادياً في سهوه، مستلِذَّ التفرقةِ في قصده، وكلُّ هذا من صفات ذوي البشرية، والحقُّ- سبحانه مُنَزّهُ النّعَت عن هذه الجملة، فلا هو يفعل شيءٍ عابث، ولا بشيء منَ العَبَثَ آمِرٌ.

.تفسير الآية رقم (116):

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)}
الحقُّ- بنعوت جلاله- متوحِّدٌ، وفي عِزِّ آزاله وعلوِّ أوصافه متفرِّدٌ، فذاتُه حقٌّ، وصفاته حقٌّ، وقولُه صِدْقٌ، ولا يتوجَّه لمخلوق عليه حقٌ، وما يفعلهم من إحسان بعباده فليس شيء منها بمستحق.
{لآَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الْكَرِيمِ}: ما تَجَمَّلَ بالعرشِ، ولكن تَعَزَّزَ العرشُ بأنَّهُ أضافه إلى نَفْسِه إضافة خصوصية.
والكريمُ الحَسْنُ، والكرمُ نَفْيُ الدناءة.

.تفسير الآية رقم (117):

{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)}
حسبابهُ على الله في آجِلِه. وعذابُه من الله له في عاجله، وهو الجهل الذي أودعَ قلبَه حتى رَضِيَ بأن يَعْبُدَ معه غيرَه. وقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] كلامٌ حاصلٌ من غير دليل عقل، ولا شهادة خبرٍ أو نقل، فما هو إلا إفك وبهتان، وقولٌ ليس يساعده برهان.

.تفسير الآية رقم (118):

{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)}
اغفرْ الذنوبَ، واسترْ العيوبَ، وأجْزِلْ الموهوب. وارحمْ حتى لا تستولي علينا هواجمُ التفرقة ونوازل الخطوب. والرحمةُ بالدعاء من صنوف النعمة، ويسمى الحاصل بالرحمة باسم الرحمة على وجه التوسع وحكم المجاز.

.سورة النور:

.تفسير الآية رقم (1):

{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)}
قوله جلّ ذكره: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}.
سورة هي شَرَفٌ لك- يا محمد- أنزلناها لأن أقلَّ ما ورد به التحدي سورة؛ فكلُّ سورةٍ شَرَفٌ له عليه السلام لأنها له معجزة، بيَّناها وشرعنا فيها من الحلال والحرام، وبيَّنا فيها من الأحكام لكم به اهتداء، وللقلوب من غمرة الاستعجام شفاء.
أنزلنا فيها آياتٍ بيناتٍ ودلائلَ واضحاتٍ، وحُجَجاً لائحات؛ لتتذكروا تلك الآيات، وتعتبروا بما فيها من البراهين والبينات.

.تفسير الآية رقم (2):

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)}
قوله جلّ ذكره: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}.
والعقوبة على الزنا شديدة أكيدة، ولكن جعل إثباتَ أمره وتقريرَ حُكْمِه والقطعَ بكونه على أكثر الناسِ خصلةً عسيرةً بعيدةً؛ إذ لا تُقْبَلُ الشهادةُ عليه حتى يقولُ: رأيتُ ذلك منه في ذلك منها! وذلك أمرٌ ليس بالهيِّن، فسبحان مَنْ أَعْظَمَ لاعقوبةَ على تلك الفَعْلَةِ الفحشاء، ثم جعل الأمر في إثباتها بغاية الكدِّ والعناء! وحين اعترف واحدٌ له بذلك قال له صلى الله عليه السلام: «لعلَّك قَبَّلْتَ.... لعلَّك لامَسْتَ» وقال لبعض أصحابه. «استنكهوه» وكلُّ ذلك رَوْماً لِدَرْءِ لاحدِّ عنه، إلى أن ألحَّ وأصرَّ على الاعتراف.
قوله جل ذكره: {وَلاَ تَأْخُذُكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ في دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الأَخِرِ}.
ما يأمر به الحقُّ فالواجب مقابلته بالسمع والطوع.
والرحمة من موجب الشرع وهو المحمود، فأمّا ما يقتضيه الطَّبعُ والعادة والسوء فمذمومٌ غيرُ محمود. ونهى عن الرحمة على من خَرَقَ الشرعَ، وتَرَكَ الأمرَ، وأساءَ الأدبَ، وانتصبَ في مواطنِ المخالفة.
ويقال نهانا عن الرحمة بهم، وهو يرحمهم بحيث لا يمحو عنهم- بتلك الفَعْلة الفحشاء- رقم الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ولولا رحمته لما استبقى عليه حُلّة إيمانه مع قبيح جُرْمِهِ وعصيانه.
قوله جل ذكره: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابهُما طَآئِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنينَ}.
أي ليَكُونَ عليهم أشَدَّ، وليكون تخويفاً لمتعاطي ذلك الفعل، ثم من حقِّ الذين يشهدون ذلك الموضعَ أن يتذكروا عظيمَ نعمةِ الله عليهم أنهم لم يفعلوا مِثْله، وكيف عَصَمَهم من ذلك. وإن جرى منهم شيءٌ من ذلك يذكروا عظيمَ نعَمةِ الله عليهم؛ كيف سَتَرَ عليهم ولم يفضحهم، ولم يُقِمْهم في الموضع الذي أقام فيه هذا المُبْتَلَى به وسبيلُ من يشهد ذلك الموضعَ ألا يُعَيِّرَ صاحبَه بذلك، وألا ينسى حُكْمَ الله تعالى في إقدامه على جُرْمِه.

.تفسير الآية رقم (3):

{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)}
الناسُ أشكالٌ؛ فكلُّ نظيرٍ مع شكله، وكلُّ يُساكِنُ شكله، وأنشدوا:
عن المرء لا تسأل وَسلْ عن قرينه ** فكلُّ قرينٍ بالمُقَارَنِ يقتدي

أهلُ الفسادِ افسادُ يجمعهم- وإنْ تَبَاعَدَ مزارُهم وأهل السدادِ السدادُ يجمعهم- وإن تناءت ديارهم.