فصل: تفسير الآية رقم (7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (7):

{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)}
استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم في تعليق القلب بها.. مَنَعَهم عن العلم بالآخرة. وقيمةُ كلِّ امرئ عِلمه بالله؛ ففى الأثر عن عليِّ _رضى الله عنه_ أنه قال؛ أهل الدنيا عَلَى غفلةٍ من الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة كذلك بوجودها في غفلة عن الله.

.تفسير الآية رقم (8):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)}
إنَّ مَنْ نَظَرَ حقَّ النظر، ووَضَعَ النظر موضعَه أثمر له العلم واجباً، فإذا استبصر بنور اليقين أحكامَ الغائبات، وعَلِمَ موعوده الصادق في المستأنف- نجا عن كَدِّ التردد والتجويز فسبيلُ مَنْ صحا عقلُه ألا يجنحَ إلى التقصير فيما به كمال سكونه.

.تفسير الآية رقم (9):

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)}
سَيْرُ النفوسِ في أقطار الأرض ومناكبها لأداء العبادات، وسَيْرُ القلوبِ بِجَولاَنِ الفِكْرِ في جميع المخلوقات، وغايته الظَّفَرُ بحقائق العلوم التي توجِبُ ثلج الصدر- ثم تلك العلوم على درجات. وسير الأرواح في ميادين الغيب بنعت حرق سرادقات الملكوت، وقصاراه الوصولُ إلى محلِّ الشهود واستيلاء سلطان الحقيقة. وسير الأشرار بالترقى عن الحِدْثان بأَسْرِها، والتحقق أولاً بالصفات، ثم بالخمود بالكلية عمَّا سِوى الحقِّ.

.تفسير الآية رقم (10):

{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
مَنْ زَرَعَ الشوكَ لم يحصُدْ الوَرْدَ، ومَنْ استنبت الحشيشَ لم يقطف الثمار، ومَنْ سَلَكَ طريق الغىّ لم يَحْلُلْ بساحة الرشد.

.تفسير الآية رقم (11):

{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)}
يبدأ الخلق على ما يشاء، ثم يعيده إذا ما شاء على ما يشاء.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)}
شهودِهم ما جحدوه في الدنيا عياناً، ثم ما ينضاف إلى ذلك من اليأس بعد ما يعرفون قطعاً هو الذي يفتت أكبادهم، وبه تتمُّ محنتُهم.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)}
تغلب العداوةُ مِنْ بعضٍ على بعضٍ.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)}
فريقٌ منهم أهل الوصلة، وفريق هم أهل الفرقة. فريق للجنة والمِنَّة. وفريقٌ للعذاب والمحنة. فريقٌ في السعير. وفريقٌ في السرور. فريقٌ في الثواب. وفريقٌ في العذاب. فريقٌ في الفراقِ. وفريقٌ في التلاقي.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)}
فهم في رياضٍ وغياضٍ.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)}
فهم في بوارٍ وهلاك.

.تفسير الآيات (17- 18):

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)}
مَنْ كان صباحُه لله بُورِكَ له في يومه، ومن كان مساؤه بالله بورك له في ليله:
وإنَّ صَبَاحً نلتقي في مسائه ** صَبَاحٌ على قلبِ الغريبِ حبيبُ

شتّان بين عبدٍ صباحُه مُفْتَتَحٌ بعبادته ومساؤه مُخْتَتَمٌ بطاعته، وبين عبدٍ صباحه مفتتح بمشاهدته ورواحة مفتتح بعزيز قربته!
ويقال الآية تتضمن الأَمر بتسبيحه في هذه الأوقات، والآية تتضمن الصلوات الخمس، وإرادةَ الحقِّ من أوليائه بأَنْ يجددوا العهدَ في اليوم والليلة خمْسَ مراتٍ؛ فتقف على بساط المناجاة، وتستدرك ما فاتك فيما بين الصلاتين من طوارق الزلات.

.تفسير الآية رقم (19):

{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)}
{يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ}: الطيرَ من البيض، والحيوان من النُّطفةِ.
{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ}: البيض من الطير، والنطفة من الحيوان.
والمؤمنَ من الكافِرَ والكافِرَ من المؤمن.
ويُظْهِرُ أوقاتاً من بين أوقات؛ كالقبض من بين أوقات البسط، والبسط من بين أوقات القبض.
{وَيُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتَهَا}: يحييها بالمطر، ويأتى بالربيع بعد وحشة الشتاء؛ كذلك يوم النشور يحيي الخلْقَ بعد الموت.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)}
خَلَقَ آدمَ من التراب، ثم من آدم الذُّرِّيَة. فذَكَّرَهم نِسْبَتَهم لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم.
ويقال الأصل تُرْبة ولكن العِبْرَة بالتربية لا بالتربة، القيمةُ لما مِنْه لا لأعيان المخلوقات. اصطفى واختار الكعبة فهي أفضل من الجنة؛ الجنة جواهر ويواقيت، والبيت حجر! ولكن البيت مختارُه وهذا المختار حجر! واختار الإنسانَ، وهذا المختار مَدَرٌ! والغنىُّ غنىٌّ لِذَاتِه، غنىٌّ عن كلِّ غيرٍ من رَسْم وأثر.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
رَدَّ المِثْلَ إلى المِثْل، ورَبَطَ الشكلَ بالشكلِ، وجعل سكونَ البعضِ إلى البعض، ولكنَّ ذلك للأشباح والصُوَر، أمَّا الأرواح فصُحْبَتُها للأشباح كرهٌ لا طوعٌ. وأمَّا الأسرار فمُعْتَقَةٌ لا تساكن الأطلال ولا تتدنس بالأعلال.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)}
خَلَقَ السماواتِ في علوِّها والأرضَ في دنوِّها؛ هذه بنجومها وكواكبها، وهذه بأقطارها ومناكبها. وهذه بشمسها وقمرها، وهذه بمائها ومَدَرِها.
ومن آياته اختلافُ لغات أهل الأرض، واختلافُ تسبيحات الملائكة الذين هم سكان السماء. وإنَّ اختصاصَ كلِّ شئ منها بُحكم- شاهدُ عَدلٍ، ودليلُ صِدُقٍ على أنها تناجى أفكار المتيقظين، وتنادي على على أنفسها.. أنها جميعها من تقدير العزيز العليم.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)}
غَلَبُه النومِ بغيرِ اختيارِ صاحبه ثم انتباهُه مِنْ غير اكتسابٍ له بِوُسْعِه يدلُّ على موته وبَعْثِهِ بعد ذلك وقتَ نشوره. ثم في حال منامه يرى ما يسرُّه وما يضرُّه، وعلى أوصافٍ كثيرة أمره.. كذلك الميت في قبره. اللَّهُ أعلمُ كيف حاله في أمره، وما يلقاه من خيره وشرّه، ونفعه وضرّه؟

.تفسير الآية رقم (24):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)}
يُلْقِي في القلوب من الرجاءِ والتوقع في الأمور، ثم يختلف بهم الحال؛ فمِنْ عبدٍ يحصلُ مقصودُه. ومِنْ آخر لا يتفق مرادُه.
والأحوال اللطيفة كالبروق، وقالوا: إنها لوائح ثم لوامع ثم طوالع ثم شوارق ثم متوع النهار، فاللوائح في أوائل العلوم، واللوامع من حيث الفهوم، والطوالع من حيث المعارف، والشوارق من حيث التوحيد.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}
يُفْنِي هذه الأدوار، ويُغَيِّر هذه الأطوار، ويبدِّل أحوالاُ غير هذه الأَحوال؛ إماتةٌ ثم إحياءٌ، وإعادةٌ وقبلها إبداءٌ وقبرٌ ثم نَشْر، ومعاتبةٌ في القبر ثم محاسبةٌ بعد النَّشْرِ.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)}
له ذلك مِلْكاً، ومنه تلك الأشياء بَدْءاً، وبه إيجاداً، وإليه رجوعاً.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}
أي في ظنَّكم وتقديركم.
وفي الحقيقة السهولةُ والوعورةُ على الحقِّ لا تجوز.
{وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى}: له الصفةُ العليا في الوجود بحقِّ القِدَم، وفي الجود بنعت الكَرَم، وفي القدرة بوصف الشمول، وفي النصرة بوصف الكمال، وفي العلم بعموم التعلُّق، وفي الحكم بوجوب التحقق، وفي المشيئة بوصف البلوغ، وفي القضية بحكم النفوذ، وفى الجبروت بعين العزِّ والجلال، وفي الملكوت بنعت المجد والجمال.

.تفسير الآية رقم (28):

{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)}
أي إذا كان لكم مماليك لا تَرْضَوْن بالمساواة بينكم وبينهم، وأنتم متشاكلون بكلِّ وجه- إلا أنكم بحكم الشرع مالكوهم- فَمَا تقولون في الذي لم يَزَلْ، ولا يزال كما لم يزل؟
هل يجوز أن يُقَدَّر َ في وصفه أن يُسَاوِيَه عبيدُه؟وهل يجوز أن يكون مملوكُه شريكَه؟ تعالى اللَّهُ عن ذلك علواً كبيراً!

.تفسير الآية رقم (29):

{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)}
أشدُّ الظلمِ متابعةُ الهوى، لأنه قريبٌ من الشِّرْكِ، قال تعالى: {أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]. فَمَنْ اتَّبَعَ هواه خالف رضا مولاه؛ فهو بوضعه الشئ غيرَ موضعه صار ظالماً، كما أَنَّ العاصيَ بوضعه المعصيةَ موضعَ الطاعةِ ظالمٌ.. كذلك هذا بمتابعة هواه بَدَلاً عن موافقة ومتابعة رضا مولاه صار في الظلم متمادياً.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)}
أخْلِصْ قَصْدَك إلى الله، واحفَظْ عهدك مع الله، وأَفرِدْ عملَكَ في سكناتِك وحركاتِك وجميع تصرفاتِك لله.
{حَنِيفاً}: أى مستقيماً في دينه، مائلاً إليه، مُغْرَضاً عن غيره، والزَمْ {فِطْرَتَ اللَّهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} أي أثْبَتَهُم عليها قبل أن يُوجَدَ منهم فِعْلٌ ولا كَسْب، ولا شِرْكٌ ولا كُفْر، وكما ليس منهم إيمان وإحسان فليس منهم كفران ولا عصيان. فاعرف بهذه الجملة، ثم افعل ما أُمِرْتَ به، واحذر ما نُهِيتَ عنه.
فعلى هذا التأويل فإن معنى قوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} أي اعْرَفْ واعْلَمْ أن فطرة الله التي فطر الناس عليها: تَجَرُّدُهم عن أفعالهم، ثم اتصافهم بما يكسبون- وإن كان هذا أيضاً بتقدير الله.
وعلى هذا تكون {فِطْرَتَ} الله منصوبة بإضمار اعْلَمْ- كما قلنا.
سبحانه فَطَرَ كلَّ أحدٍ على ما عَلِمَ أنه يكون في السعادة أو الشقاوة، ولا تبديلَ لحُكْمه، ولا تحويلَ لما عليه فَطَرَه. فمَنْ عَلِمَ أنه يكون سعيداً أراد سعادته وأخبر عن سعادته، وخَلَقَه في حُْكمه سعيداً. ومَنْ عَلِمَ شقاوته أراد أن يكون شقياً وأخبر عن شقاوته وخَلَقَه في حكمه شقياً.. ولا تبديل لحُكمه، هذا هو الدين المستقيم والحقُّ الصحيح.

.تفسير الآية رقم (31):

{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)}
أي راجعين إلى الله بالكلية من غير أن تبقى بقية، متصفين بوفاته، منحرفين بكل وجهٍ عن خلافه، مُتَّقين صغيرَ الإثم وكبيره، قليلَه وكثيره، مُؤثرين يسيرَ وفاقه وعسيره، مقيمين الصلاة بأركَانها وسننها وآدابها جهراً، متحققين بمراعاة فضائلها سِراً.