فصل: تفسير الآيات (60- 70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (60- 70):

{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)}
قوله جلّ ذكره: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحُنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمُ وَنُنشِئَكُمْ في مَا لاَ تَعْمَلُونَ}.
يكون الموتُ في الوقت الذي يريده؛ منكم مَنْ يموت طفلاً ومنكم من يموت شابَّاً، ومنكم من يموت كهلاً، وبِعللٍ مختلفة وبأسبابٍ متفاوتةٍ وفي أوقاتٍ مختلفة.
{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} في تقديرنا فيفوتنا شيءٌ ولَسْنا بعاجزين عن أن نَخْلُقِ أمثالَكم، ولا بعاجزين عن تبديلَ صُوَركم التي تعلمون؛ إِن أردنا مَسْخَكُم وتبديلَ صُوَركم فلا يمنعنا عن ذلك أحدٌ.
ويقال: وننشئكم فيما لا تعلمون من حكم السعادة والشقاوة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النًَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ}.
أي: أنتم أقررتم بالنشأة الأولى.. فهلاَّ تذكرَّون لتعلموا جَوَازَ الإعادة؛ إذ هي في معناها.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
أي: إذا ألقيتم الحَبَّ في الأرض.. أأنتم تُنْبِتُونه أم نحن المُنبِتون؟ وكذلك وُجوهُ الحكمةِ في إنبات الزَّرْع، وأنقسام الحَبَّةِ الواحدةِ على الشجرة النابتةِِ منها في قِشْرِها ولحائها وجِذْعِها وأغصاناها وأوراقها وثمارها- كل هذا: {لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}.
لو نشاء لجعناه حطاماً يابساً بعد خُضْرَته، فصِرْهُم تتعجبون وتندمون على تعبكم فيه، وإنفاقكم عليه، ثم تقولون: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}.
أي: لَمُلْزَمون غرامةَ ما أنفقنا في الزَّرع، وقد صار ذلك غُرْماُ علينا- فالمغرم مَنْ ذَهَبَ إنفاقُه بغير عِوَضٍ.
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} بل نحن محرومون بعد أن ضاع مِنَّا الرزق.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الذي تَشْرَبُونَ ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}.
أأنتم أنزلتموه من السحاب.... أم نحن نُنْزِلُهُ متى نساء أَنَّى نشاء كما نشاء على من نشاء وعلى ما نشاء؟ ونحن الذين نجعله مختلفاً في الوقت وفي المقدار وفي الكيفية، في القِلَّة وفي الكثرة.
ولو نشاء لجعناه ملحاً.. أفلا تشكرون عظيمَ نعمةِ اللَّهِ- سبحانه- عليكم في تمكينكم من الانتفاع بهذه الأشياء التي خَلَقها لكم.

.تفسير الآيات (71- 80):

{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)}
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ التي تُورُونَ ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ}.
وَرَى الزَّنْدَ يُرَى فهو وارٍ.. وأَوْراه يُورِيه أي يَقْدَحُه.
يعني: إذا قدحتم الزند.. أرأيتم كيف تظهر النار- فهل أنتم تخلقون ذلك؟
أأنتم أنشأتم شجرتها- يعني المَرْخ والعَفَار- أم نحن المنشئون؟
{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً}: أي يمكن الاستدلالُ بها.
{وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ}: يقال: أقوى الرجلُ إذا نزل بالقواء أي: الأرض الخالية.
فالمعنى: أن هذه النار {تَذْكِرةً} يتذكَّر بها الإنسان ما توعده به في الآخرة من نار جهنم، و{وَمَتَاعاً}: يستمتع بها المسافر في سفره في الانتفاع المختلفة.
قوله جلّ ذكره: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.
أي: اسبحْ بفكرك في بحار عقلك، وغُصْ بقوة التوحيد فيها تَظْفَرْ بجواهر العلم، وإيَّاك أَنْ تُقَصِّرَ في الغوص لسببٍ أولآخَر، وإياك أن تتداخَلَكَ الشُّبَهُ فيتلفَ رأسَ مالِك ويخرجَ من يدك وهو دينُك واعتقادك.. وإلاَّ غرقتَ في بحار الشُّبَه، وضَلَلْتَ.
وهذه الآيات التي عَدَّها الله- سبحانه- تُمَهِّدُ لسلوكِ طريقِ الاستدلالِ، فكما في الخبر «فِكْرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ سَنَةٍ»- وقد نبَّه الله سبحانه بهذا إلى ضرورة التفكير.
قوله جلّ ذكره: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرءَانٌ كَرِيمٌ في كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}.
قيل: هي مواقع نجوم السماء. ويقال: موقع نجوم القرآن على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ}: والكَرَمُ نَفْيُ الدناءة- أي: أنه غير مخلوق ويقال: هو: {لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ}: لأنه يدل على مكارم الأخلاق.
ويقال هو قرآن كريمٌ أنه من عند ربٍّ كريم على رسولٍ كريم، على لسانَ مَلَكٍ كريم. {فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ}: يقال: في اللوح المحفوظ. ويقال: في المصاحفَ. وهو محفوظ عن التبديل. {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} عن الأدناس والعيوب والمعاصي.
ويقال: هو خَبَرٌ فيه معنى الأمر: أي لا ينبغي أَنْ يَمَسَّ المصحفَ إلا مَنْ كان مُتَطهِّراً من الشِّرْكِ وعن الأحداث.
ويقال: لا يجد طَعْمَه وبَرَكَته إلاَّ مَنْ آمَنَ به.
ويقال: لا يقربه إلاَّ الموَحِّدون، فأمَّا الكفَّار فيكرهون سماعَه فلا يقربونه.
وقرئ المُطَهِّرون: أي الذين يُطَهِّرون نفوسَهم عن الذنوب والخُلُقِ الدَّنيّ.
ويقال: لا يَمَسُّ خبره إلاَّ من طُهِّر يومَ القسمة عن الشقاوة.
ويقال: لا يَمَسُّ خبره إلاَّ مَنْ طَهَّر سِرَّه عن الكون.
ويقال: المطهِّرون سرائرَهم عن غيره.
ويقال: إلا المُحْتَرِمون له القائمون بحقِّه.
ويقال: مَنْ طُهِّرَ بماء السعادة ثم بماء الرحمة.
{تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} أي: مُنَزَّل من قِبَلهِ- سبحانه.

.تفسير الآيات (81- 85):

{أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)}
قوله جلّ ذكره: {أَفَبِهَذَا الحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
أبهذا القرآن أنتم تُنافِقون، وبه تُكَذِّبون.
{وَتَجْعَلُون رِزْقَكُمْ}: كانوا إذا أُمْطِروا يقولون أُمْطِرْنا بِنَوْءٍ كذا.
يقول: أتجعلون بَدَلَ إنعامِ اللَّهِ عليكم بالمطر الكفرانَ به، وتتوهمون أن المطرَ- الذي هو نعمةٌ من الله- من الأنواء والكواكب؟!.
ويقال: أتجعلون حظَّكم ونصيبَكم من القرآنِ التكذيبَ؟
قوله جلّ ذكره: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ}.
يخاطِبُ أولياء الميت فيقول: هَّلا إذا بَلَغتْ روحُه الحلقوم، وأنتم تنظرون إلى هذا المريض، رجعتم إلى الله تعالى وتحققتم به؟ فنحن أقرب إليه منكم بالعلم والرؤية والقدرة..... ولكن لا تبصرون!
ويقال: أقرب ما يكون العبدُ من الحقِّ عندما يتم استيلاءُ ذِكْرِه وشهودِه عليه، فينتفِي إِحساسُ العبدِ بغيره، وعلى حسب انتفاءِ العلمِ والإحساسِ بالأغيار- حتى عن نفسه- يكون تحقُّق العبد في سِرِّه حتى لا يرى غير الحَقّ.
فالقرب والبعد معناهما: أنَّ العبد في أوان صحوه وأنه لم يُؤْخَذْ- بَعْدُ- عن نفسه؛ فإذا أُخِذَ عنه فلا يكون إلا الحق لأنه حينئذٍِ لا قُرْب ولا بُعْدِ.

.تفسير الآيات (86- 91):

{فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)}
قوله جلّ ذكره: {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِنَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
ليس لكم من أمر الموت شيءٍ.
{تَرْجعُونَهَآ} أي: تردُّون الروح إلى الجسد.
{إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}: في أنه لا بعث.
قوله جلّ ذكره: {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ}.
المقَرَّبون هم الذين قرَّهم اللَّهُ بفضله، فلهم {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}.
ويقال: الرَّوْح الاستراحة، والريحانُ الرزقُ.
وقيل: الرَّوح في القبر، والريحانُ: في الجنة.
ويقال: لا يخرج مؤمِنٌ في الدنيا حتى يُؤْتَى بريحانٍ من رياحين الجنة فيشمه قبل خروج روحه، فالرُّوْح راحةٌ عند الموت، والريحان في الآخرة.
وقيل: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم الرُّوح بضم الراء أي لهم فيها حياة دائمة.
ويقال: الرَّوْحُ لقلوبهم، والرياح لنفوسهم، والجنَّةُ لأبدانهم.
ويقال: رَوْحٌ في الدنيا، وريحانٌ في الجنة، وجنَّةُ نعيمٍ في الآخرة.
ويقال: رَوْحٌ وريحان مُعَجَّلان، وجنة نعيم مؤجلة.
ويقال: رَوْحٌ للعابدين، وريحان للعافين، وجَنَّةُ نعيم لعوام المؤمنين.
ويقال: رَوْحٌ نسيم القرب، وريحان كما البسط، وجنة نعيمٍ في محل المناجاة.
ويقال: رَوْح رؤية الله، وريحانُ سماع كلامه بلا واسطة، وجنة نعيم أن يدوم هذا ولا ينقطع.
قوله جلّ ذكره: {وََأمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمَِينِ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينَ}.
أن نخبرك بسلامة أحوالِهم.
ويقال: سترى فيهم ما تحب من السلامة.
ويقال: أمانٌ لك في بابهم؛ فلهم السلامة. ولا تُشْغِلْ قلبَكَ بهم.
ويقال: فسلامٌ لك- أيها الإنسان- إنك من أصحاب اليمين، او أيها الإنسانُ الذي من أصحاب اليمين.

.تفسير الآيات (92- 96):

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}
قوله جلّ ذكره: {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيهُ جَحِيمٍ}.
إن كان من المكذبين لله، الضالّين عن دين الله فله إقامةٌ في الجحيم.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.
هذا هو الحق اليقين الذي لا محالةَ حاصلٌ.
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.
أي قَدِّسْ اللَّهَ عَمَّا لا يجوز في وصفه.
ويقال: صلِّ لله. ويقال: اشكرْ اللَّهَ على عصمة أُمَّتِكَ من الضّلال، وعلى توفيقهم في اتِّباعِ سُنّتِكَ.

.سورة الحديد:

.تفسير الآيات (1- 2):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)}
قوله جلّ ذكره: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
التسبيحُ التقديسُ والتنزيه، ويكون بمعنى سباحة الأسرار في بحار الإجلال، فيظفرون بجواهر التوحيد ويَنْظِمونها في عقود الإيمان، ويُرَصِّعونها في أطواق الوصلة:
وقله {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} المردُ به من في السموات والأرض، يسجدون لله طوعاً وكرهاً؛ طوعاً تسبيحَ طاعةٍ وعبادة، وكرهاً تسبيح علامة ودلالة.
وتُحْملُ ما عل ظاهرها فيكون لمعنى: ما من مخلوقٍ من عينٍ أو أَثَرِ إلا ويَدُلُّ على الصانع، وعلى إثبات جلاله، وعلى استحقاقه لنعوت كبريائه.
ويقال: يُسبح لله ما في السموات والأرض، كلٌّ واقفٌ على الباب بشاهدِ الطّلَبِ , ولكنه- سبحانه عزيزٌ.
ويقال: ما تَقَلّب أحدُ من جاحدٍ أو ساجدٍ إلا في قبضة العزيز الواحد، فما يُصَرِّفهم إلا مَنْ خَلَقَهم؛ فمِنْ مُطيعٍ أَلْبَسَه نطاق وفاقه- وذلك فَضْلُه، ومِنْ عاصٍ رَبَطَه بمثقلة الخذلان- وذلك عَدْلُه.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: العزيز: المُعِزُّ لِمَنْ طَلَبَ الوصول، بل العزيز: المتقدِّسُ عن كل وصول.. فما وَصَلَ مَنْ وَصَلَ إلا حظِّه ونصيبه وصفته على ما يليق به.
قوله جلّ ذكره: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ}.
المُلْك مبالغةٌ من المِلْك، وهو القدرةعلى الإبداع، ولا مالكَ إلا الله. وإذا قيل لغيره: مالك فعلى سبيل المجاز؛ فالأحكام المتعلقة في الشريعة على مِلْكَ الناس صحيحةٌ في الشرع، ولكنَّ لفظَ المِلْك فيها توسُّعٌ كما ان لفظَ التيمم في استعمال التراب- عند عدم الماء- في السفر مجازٌ، فالمسائل الشرعية في التيمم صحيحة، ولكن لفظ التيمم في ذلك مجاز.
{يُحْىِ وَيُمِيتُ}: يحيي النفوس ويميتها. يُحْيي القلوبَ بإِقباله عليها، ويميتها بإعراضه عنها. ويقال: يحييها بنظره وتفضُّله، ويميتها بقهره وتعزُّزه.