فصل: تفسير الآية رقم (164):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (164):

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
أجزل لديهم العارفة، وأحسن إليهم النعم حيث أرسل إليهم مثل المصطفى سيد الورى صلوات الله عليه وعلى آله، وعرَّفهم دينهم، وأوضح لهم براهينهم، وكان لهم بكل وجه فلا نِعَمَهُ شكروا، ولا حَقَّه وقَروا، ولا بما أرشدهم استبصروا، ولا عن ضلالتهم أقصروا.. هذا وصف أعدائه الذين جحدوا واستكبروا. وأمَّا المؤمنون فتقلدوا المِنَّة في الاختيار، وقابلوا الأمر بالسمع والطاعة عن كنه الاقتدار، فسَعِدُوا في الدنيا والعُقْبَى، واستوجبوا من الله الكرامة والزُّلفى.

.تفسير الآية رقم (165):

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}
عادة الخلق نسيان ما منهم من الخطأ والعصيان، والرجوع إلى الله بالتهمة فيما بتصل بهم من المحن والخسران، وفنون المكاره والافتتان، وإنَّ مَنْ تَعاطى (....) الإجرام فحقيق بألا ينسى حلول الانتقام.

.تفسير الآيات (166- 167):

{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}
هوَّن على المؤمنين وأصحاب البصائر ما لقوا من عظيم الفتنة يوم أُحُد، بأن قال إن ذلك أجمع كان بإذن الله، وإنَّ بلاءً يصيب بإذن الله لِمَن العسلِ أحلى، ومِنْ كل نعيم أشهى. ثم أخبر أن الذين لم يكن لهم في الصحبة خلوص كيف تعللوا وكيف تكاسلوا:
وكذا المَلُولُ إذا أراد قطيعةً ** ملَّ الوصال وقال كان وكانا

قوله تعالى: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} فلا جَرَم (سَقَوْا العَسَل ودَسُّوا له فيه الحنظل)، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين.

.تفسير الآية رقم (168):

{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}
الذين ركنوا إلى ما سوَّلت لهم نفوسهم من إيثار الهوى، ثم اعترضوا على من يصرف أحكام القضاء وقالوا لو تَحَرَّزُوا عن البروز للقتال لم يسقطوا عن درحة السلامة.. لمَذْمُومةٌ تلك الظنون، ولَذَاهِبَةٌ عن شهود التحقيق تلك القلوب.
قُلْ لهم- يا محمد- استديموا لأنفسكم الحياة، وادفعوا عنها هجوم الوفاة!
ومتى تقدرون على ذلك؟! هيهات هيهات!.

.تفسير الآيات (169- 170):

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}
الحياة بذكر الحق بعد ما تتلف النفوس في رضاء الحق أتَمُّ من البقاء بنعمة الخلق مع الحجبة عن الحق.
ويقال إن الذي وارثُه الحي الذي لم يزل فليس بميت- وإن قُتِل:
وإن كانت العبدان للموت أُنْشِئَتْ ** فقتل امرئ في الله- لا شكَّ- أفضلُ

قوله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ}: مَنْ علم أن أحباءه ينتظرونه وهم في الرَّفَه والنعمة لا يهنأ بعيش دون التأهب والإلمام بهم والنزول عليهم.

.تفسير الآية رقم (171):

{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}
عِلَّةُ استبشارهم وموجبه فضلٌ من الله ونعمة منه، أي لولا فضله ونعمته بهم وإلا متى استبشروا؟ فليس استبشارهم بالنعمة إنما استبشارهم بأنهم عبادُه وأنه مولاهم، ولولا فضله ونعمته عليهم لما كانت لهم هذه الحالة.

.تفسير الآية رقم (172):

{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}
للاستجابة مزية وفضيلة على الإجابة من حيث الإشارة لا من مقتضى العربية وهو أنه يستجيب طوعاً لا كرهاً، فهم استجابوا لله من غير انطواء على تحمل مشقة بل بإشارة القلب ومحبة الفؤاد واختيار الروح واستحلاء تحمُّل الحُكْم. فالاستجابة للحق بوجوده، والاستجابو للرسول- عليه السلام- بالتخلُّق بما شرع من حدوده.
استجابة الحق بالتحقق بالصفاء في حق الربوبية، واستجابة الرسول عليه السلام بالوفاء في إقامة العبودية.
{مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ}: في ابتداء معاملاتهم قبل ظهور أنوار التجلي على قلوبهم، وابتسام الحقائق في أسرارهم.
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ}: «الإحسان أن تعبد الله كأنَّك تراه...»- وهو المشاهدة والتقوى- «فإن لم تكن تراه فإنه يراك»- وهو المراقبة في حال المجاهدة.
{أَجْرٌ عَظِيمٌ} لأهل البداية مؤجَّلاً، ولأهل النهاية مُعجَّلاً.

.تفسير الآية رقم (173):

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}
لم يلتَبِسْ على ظواهرهم شيءٌ مِنْ أحوال الدنيا إلا انفتحت لهم- في أسرارهم- طوالع من الكشوفات، فازدادوا يقيناً على يقين.
ومن أمارات اليقين استقلالُ القلوب بالله عند انقطاع المُنَى مِن الخَلْق في توهم الإنجاد والإعانة.

.تفسير الآية رقم (174):

{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}
كذا سُنَّة الحق- سبحانه- مع مَنْ صَدَق في التجائه إليه أن يمهد مقيله في ظل كفايته؛ فلا البلاء يمسه، ولا العناء يصيبه، ولا النَّصَبَ يُظِلُّه.

.تفسير الآية رقم (175):

{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
الإشارة في تسليط دواعي الشيطان على قلوب الأولياء صدق فرارهم إلى الله؛ كالصبيِّ الذي يُخوَّف بشيء يفزع الصبيان، فإذا خاف لم يهتدِ إلى غير أمه، فإذا أتى إليها آوَتْه إلى نفسها، وضمَّتهُ إلى نَحْرِها، وألصقَتْ بِخَدِّه خدَّها.
كذلك العبد إذا صدق في ابتهاله إلى الله، ورجوعه إليه عن مخالفته، آواه إلى كنف قربته، وتداركه بحسن لطفه.

.تفسير الآية رقم (176):

{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)}
زاد في قوة قلبه بما جدَّدَ من تأكيد العهد، بأنه لا يشْمِتُ به عدوًّا، ولا يُوَصِّل إليه من قِبَلِهم سوءاً.

.تفسير الآية رقم (177):

{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}
إنْ أضَرُّوا فما أضروا إلا بأنفسهم، وإنْ أصَرُّوا فما أصَرُّوا إلا على خسرانهم:
فما نحن عذِّبْنَا بِبُعْدِ ديارهم ** ولا نحن ساقتنا إليهم نوازعُ

.تفسير الآية رقم (178):

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
ومن تمام المكر بهم، والمبالغة في عقوبتهم أَنَّا نعذِّبهم وهم لا يشعرون؛ {سِنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] نملي لهم فيظنون ذلك إنعاماً، ولا يحسبونه انتقاماً، فإذا برزت لهم كوامنُ التقدير عند مغاراتهاعلموا أنهم لفي خسران، وقد اتَّضح لكلِّ ذي بصيرة أن ما يكون سببَ العصيان وموجبَ النسيان غيرُ معدودٍ من جملة الإنعام.

.تفسير الآية رقم (179):

{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}
جمعهم اليومَ من حيث الأشخاص والمباني، ولكنه فرَّقهم في الحقائق والمعاني؛ فَمِنْ طيِّبةٍ سجيته، وزمن خبيئةٍ طِينَتُه. وهم وإن كانوا مشائب ففي بصيرة الخواص هم ممتازون.
{وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ}: فإنَّ أسرار الغيب لا تظهر للمتلوثين بأدناس البشرية، وإن الحق سبحانه مستأثر بعلم ما جلَّ وقلَّ، فيختص من يشاء من أنبيائه بمعرفة بعض أسراره.

.تفسير الآية رقم (180):

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
مَن آثرَ شيئاً على الله لم يبارِك له فيه؛ فلا يدوم له- في الدنيا- بذلك استمتاع، ولا للعقوبة عليه- في الآخرة- عنه دفاع.
والبخل- على لسان العلماء- منع الواجب، وعلى مقتضى الإشارة إبقاءُ شيءٍ ولو ذرةً من المال أو نَفَساً من الأحوال.

.تفسير الآيات (181- 182):

{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}
هذا الخطاب لو كان بين المخلوقين لكان شكوى. والشكوى إلى الأولياء من الأعداء سُنَّةُ الأحباب.
ويقال علم أن في المؤمنين مَنْ يغتاب الناس، وذلك قبيح من قالتهم، فَأَظْهَرَ قُبْحاً فوق ذلك ليتصاغر قبح قول المؤمنين بالإضافة إلى قبح قول الكفار، فكأنه قال: لئن قبحت قالتهم في الاغتياب فأقبحُ من قولهم قولُ الكفار حيث قالوا في وصفنا ما لا يليق بنعمتنا.
وفيه أيضاً إشارة إلى الدعاء إلى الخَلْق، والتجاوز عن الخَصْم، فإن الله- سبحانه- لم يسلبهم ما أولاهم مع قبيح ما ارتكبوه من التقصير في حقوقه.
قوله: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا}: هذه الكلمة من موجبات الخجلة لأهل التقصير بأدقّ إشارة؛ يعني أنهم وإنْ نَسُوا أحوالهم وأقوالَهم فإنا ننشر لهم ما كتبنا عليهم قال قائلهم:
صحائفُ عِنْدِي للعِتاب طويتها ** سَتُنْشَرُ يوماً والعتابُ يطولُ

سأصبر حتى يجمع الله بيننا ** فإنْ نلتقِ يوماً فسوف أقول

قوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ للعَبِيدِ} هذا لو كان من مخلوقٍ مع مخلوق لأشبه العذر مما عمله به، فكأنه- سبحانه- يقول: «عبدي: هذا الذي تلقاه- اليوم- من العقوبة لأن الذنب لك، ولو لم تفعله لما عذَّبنُك».

.تفسير الآية رقم (183):

{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)}
تقوَّلوا على الله- سبحانه- فيما تعللوا به من تَرْكِ الإيمان، فقالوا: لقد أُمِرْنَا ألا نصدِّق أحداً إلا لو أتانا بقربان يتقرب به إلى السماء، وتنزل نار من السماء، فتأخذ القربان عياناً ببصر، فقال تعالى قلْ لهم إن من تقدَّمني من الأنبياء عليهم السلام أَتَوْكم بما اقترحتم عليّ من القربان، ثم لم تؤمنوا، فلو أجبتكم إليه لن تؤمنوا بي أيضاً؛ فإن مَنْ أقصته السوابق- فلو خاطَبَتْه الشمسُ بلسان فصيح، أو سجدت له الجبالُ رآها بلحظٍ صحيح- لم يَلِجْ العرفان في قلبه، وما ازداد إلا شكاً على شك.

.تفسير الآية رقم (184):

{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)}
أي عادة الكفار تكذيب الرسل: وعلى هذا النحو درج سَلَفُهمْ، وبهديهم اقتدى خَلَفُهم.

.تفسير الآية رقم (185):

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}
أي كأسُ الموت توضع على كفِّ كلِّ حيٍّ فمن تحلاَّها طيِّبَةً نفُسه أوْرَثَتْهُ سُكْرَ الوَجْد، ومن تجرَّعَها على وجه التعبس، وقع في وهْدَةِ الرّدِّ، وَوُسِمَ بِكَيِّ الصَّدّ، ثم يوم القيامة: فمن أُجِير من النار وصل إلى الراحة الكبرى، ومن صُلِّيَ بالسعير وقع في المحنة الكبرى.
{وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلآَّ مَتَاعُ الغُرُورِ}: لأن ما هو آتِ فقريبٌ.

.تفسير الآية رقم (186):

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}
كفاهم أكثر أسباب الضر بما أخبرهم عن حلولها بهم قبل الهجوم، وعرّفهم أن خير الأمْرَيْن لهم إيثار الصبر واختيار السكون تحت مجاري الأقدار.