فصل: تفسير الآية رقم (38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (38):

{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)}
أدخل هؤلاء أيضاً تحت قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر غلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
ليس في إيمانهم بالله عليهم مشقة، بل لو آمنوا لوصلوا إلى عِزِّ الدنيا والآخرة، ولا يحملهم على الإعراض عنه إلا قلة الوفاء والحرمة.

.تفسير الآية رقم (40):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
لا ينقص من ثوابهم شيئاً بل يبتدئهم- من غير استحقاقهم- بفضله، ويضاعف أجورَهم على أعمالهم؛ فأمَّا الظلم فمحالٌ تقديره في وصفه لأن الخلقَ خلْقُه، والمُلْكَ ملكه. والظالم من يعتدي حداً رُسِمَ له- وهو في وصفه مُحال لِعزِّه في جلال قدره.

.تفسير الآيات (41- 42):

{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}
إذا كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- الشهيد على أمته، وهو الشفيع لهم، فإنما يشهد بما يُبْقي للشفاعة موضِعَها.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية: يحصلون على ندم ثم لا ينفعهم، ويعضون على أناملهم ثم لا يسكن عنهم جزعهم، فيتقنعون بِخِمار الذُّل، وينقلبون إلى أوطان المحن والضر.

.تفسير الآية رقم (43):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
النُّهيُ عن موجب السكر من الشراب لا من الصلاة، أي لا تصادفنكم الصلاة وأنتم بصفة السُّكْر، أي امتنعوا عن شُرْبِ ما يُسْكِر فإنكم إن شربتم سكرتم، ثم إذا صادفكم الصلاة على تلك الحالة لا تُقْبَل منكم صلاتكم.
والسُّكْر ذهاب العقل والاستشعار، ولا تَصحُّ معه المناجاة مع الحق.
المُصَلِّي يناجي ربَّه؛ فكلُّ ما أوجب للقلب الذهول عن الله فهو ملحق بهذا من حيث الإشارة؛ ولأجل هذه الجملة حَصَلَ، والسُكْرُ على أقسام:
فسُكْرٌ من الخمر وسُكْرٌ من الغفلة لاستيلاء حب الدنيا.
وأصعب السكر سكرك من نفسك فهو الذي يلقيك في الفرقة عنه، فإنَّ مَنْ سَكِرَ من الخمر فقصاراه الحرقة- إن لم يُغْفَر له. ومن سكر من نفسه فحاله الفرقة- في الوقت- عن الحقيقة.
فأمَّا السُكْر الذي يشير إليه القوم فصاحبه محفوظٌ عليه وقته حتى يصلي والأمر مخفف عليه: (فإذا خرج عن الصلاة هجم عليه غالبُه فاختطفه عنه ومن لم يكن محفوظاً) عليه أحكام الشرع (فمشوبُ بحظ).
وقوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ} الآية: أذن للمضطر أن يترخَّص في عبور المسجد وهو على وصف الجنابة، فإذا عرج زائداً على قدر الضرورة فمُعَاتَبٌ غيرُ معذور، وكذلك فيما يحصل من محاذير الوقت في القيام بشرائط الوقت فمرفوعةٌ عن صاحبه المطالبة به.
ثم إنه- سبحانه- بفضله جعل التيمم بدلاً من الطهارة بالماء عند عَوَزِ الماء كذلك النزولُ إلى ساحات الفَرْقِ عن ارتقاء ذرة الجمع- بِقَدْر ما يحصل من الضعف- بَدَلٌ لأهل الحقائق.
ثم إن التيمم- الذي هو بَدَلُ الماء- أعمُّ وجوداً من الماء، وأقلُّ استعمالاً من الأصل، فإن كل من كان أقرب كانت المطالبات عليه أصعب.
ثم في الظاهر أمَرْنا باستعمال التراب وفي الباطن باستشعار الخضوع واستدامة الذبول.
وردَّ التيمم إلى التقليل، وراعى فيه صيانةً لرأسِك عن التُّراب ولقَدَمِك؛ فإنَّ العزَّ بالمؤمن- ومولاه باستحقاق الجلال- أوْلى من الذل لِمَا هو مفلس فيه من الحال، ولئن كان إفلاسه عن أعماله يوجب له التذلُّل فعرفانُه بجلال سيِّده يوجب كل تَعَزُّزٍ وتَجَمُّل.

.تفسير الآيات (44- 46):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}
ومكروا مكراً ولم يشعروا وجهة مكرهم أن أُعْطُوا الكتابَ ثم حُرِمُوا بركاتِ الفهم حتى حرَّفوا وأصَرُّوا.
قوله: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا} الآية: تركوا حشمة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ورفضوا حرمته، فعوقبوا بالشك في أمره، ولذلك لم يترك أحد حشمته (محتشم) إلا حيل بينه وبين نيل بركات صحبته وزوائد خدمته. ولو أنهم عاجلوا في نفي ما دَاخَلَهم من الحسد وقابلوا حاله بالتبجيل والإعظام لوجدوا بركات متابعته، فأُسْعِدوا به في الدارين، وكيف لم يكونوا كذلك وقد أقصتهم السوابق فأقعدتهم القسمة عن بساط الخدمة؟ وإنَّ مَنْ قعدت به الأقدار لم ينهض به الاحتيال.

.تفسير الآية رقم (47):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)}
صرف القلوب عن الإرادة إلى أحوال أهل العادة حتى كانت دواعيه يتوفر في رفض الدنيا فعاد لا يصبر عن جمعِها ومنعِها.

.تفسير الآية رقم (48):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
العوام طولبوا بترك الشِرْكِ الجليّ، والخواص طولبوا بترك الشرك الخفيّ، فمن توسَّل إليه بعمله ويظنه منه، أو توهَّم أن أحكامه- سبحانه- معلولة بحركاته وسكناته، أو راعى خَلْقاً أو لاحظ نَفْساً فوطنه الشرك عند أهل الحقائق.
والله لا يغفر أن يُشْرَكَ به وكذلك من توهَّم أن مخالفته حصلت من غير تقديره فهو ملتحق بهم.

.تفسير الآيات (49- 50):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)}
مَن ركن إلى تزكية الناس له، واستحلى قبول الخواص له- فضلاً عن العوام- فهو من زكَّى نَفْسه، ورؤية النَّفْس أعظم حجاب، ومن توهَّم أنه بِتَكَلُّفِه يزكِّي نفسه: بأوراده أو اجتهاده، بحركاته أو سكناته- فهو في غطاء جهله.
قوله: {انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ} الآية. الإشارة إلى من أطلق لسان الدعوى من غير تحقيق، والمُفْتَرِي- في قالته في هذا الأمر- ينطق بشيءٍ إلا أجبَّتْه الآذان وانزجرت له القلوب، فإذا سكت عاد إلى قلب خراب.

.تفسير الآيات (51- 52):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}
طاغوتُ كلِّ أحدٍ نَفسُه وهواه وجِبْتُه وهو (....) مقصوده من الأغيار، فمن لاحظ شخصاً أو طالع سبباً أو عرَّجَ على عِلَّةٍ أو طاع هوىً، فذلك جبته وطاغوته. وأصحاب الجبت والطاغوت يستوجبون اللعن؛ وهو الطرد عن بساط العبودية، والحجاب عن شهود الربوبية.

.تفسير الآيات (53- 55):

{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
مَنْ جُبِلَ على الشُّحِّ لا يزداد بسعة يده إلا تأسفاً على راحةٍ ينالها الخلق، كأنَّ مَنْ شَرِبَ قطرة ماءٍ قد تحسَّى بل رَشَفَ من ماء حياته!.
قوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}: بل ينكرون تخصيص الحق سبحانه لأوليائه بما يشاء حسداً من عند أنفسهم فلا يقابلونهم بالإجلال، وسُنَّةُ الله سبحانه مع أوليائه مضت بالتعزيز والتوقير لهم. ودأبُ الكافرين جرى بالارتياب في القدرة؛ فمنهم من آمن بهم، ومنهم من ردَّ ذلك وجحد، وكفى بعقوبة الله منتقماً عنهم.
قوله: {وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}: المُلْك العظيم معرفة المَلِك، ويقال هو المُلْكُ على النَّفس.
ويقال الإشراف على أسرار المملكة حتى لا يخفى عليه شيء.
ويقال الاطلاع على أسرار الخلق.

.تفسير الآية رقم (56):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)}
الإشارة منه إلى الجاحدين لآيات الأولياء، يُقيمهم بوصف الصغار ويبقيهم في وحشة الإنكار؛ كلَّما لاح لقلوبهم شيء من هذه القصة جرَّهم إنكارُهم إلى ترك الإيمان بها والإزراء بأهلها على وجه الاستبعاد، فهم مؤبدة عقوبتهم.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}
هم اليوم في ظل الرعاية، وغداً في ظل الحماية والكفاية، بل هم في الدنيا والعقبى في ظل العناية.
والناس في هذه الدنيا متفاوتون: فمنهم من هو في ظل رحمته، ومنهم من هو في ظل رعايته، ومنهم من هو في ظل كرامته، ومنهم من هو في ظل عنايته، ومنهم من هو في ظل قربته.

.تفسير الآية رقم (58):

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
ردُّ الأمانات إلى أهلها تسليم أموال الخلق لهم بعد إشرافك عليها بحيث لا تفسد عليهم.
ويقال لله- سبحانه وتعالى- أماناتٌ وَضَعَها عِنْدَك؛ فردُّ الأمانة إلى أهلها تسليمها إلى الله- سبحانه- سالمةً مِنْ خيانتِكَ فيها؛ فالخيانة في أمانة القلب ادعاؤك فيها، والخيانة في أمانة السِّرِّ ملاحظتك إياها.
والحُكْمُ بين الناس بالعدل تسويةُ القريب والبعيد في العطاء والبذل، وألا تحملك مخامرةُ حقدٍ على انتقام لنفسٍ.

.تفسير الآية رقم (59):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}
قَرَنَ طاعته بطاعة الرسول- صلى الله عليه وسلم- تفخيماً لشأنه ورفعاً لِقَدْرِه.
وأمَّا أولو الأمر- فعلى لسان العلم- السلطان، وعلى بيان المعرفة ا لعارفُ ذو الأمر على المستأنف، والشيخُ أولو الأمر على المريد، وإمامُ كل طائفة ذو الأمر عليهم.
ويقال الولي أولى بالمريد (من المريد) للمريد.
قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَئٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ} على لسان العلم- إلى الكتاب والسُّنَّة، وعلى بيان التوحيد فوَّض ذلك وَوَكلَ علمَهُ إلى الله سبحانه، وإذا اختلف الخاطران في قلب المؤمن فإن كان له اجتهاد العلماء تأمل ما يسنح لخاطره بإشارة فهمه، ومن كان صاحب قلب وكَلَ ذلك إلى الحق- سبحانه- وراعى ما خوطب به في سرائره، وأُلْقِيَ- بلا واسطة- في قلبه.

.تفسير الآية رقم (60):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)}
أظهروا الإخلاص، ونافقوا في السِّر، ففضحهم- سبحانه- على لسان جبريل عليه السلام بقوله: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ} أي يرفضوه. فمن حاد عن طريقه ورجع إلى غير أستاذه استوجب الحرمان والذم.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)}
كل شيء سوى كلمة الحق فهو خفيف على المنافقين، فأمّا التوحيد فلا يسمع كلمته إلا مخلص، وأهل الفترة في الله وأصحاب النفرة لا يسمعون ما هو الحق؛ لأن خلافَ الهوى يَشُقُّ على غير الصديقين. وكما أن ناظِرَ الخلق لا يقوى على مقابلة الشمس فكذلك المنافقون لم يطيقوا الثبات له- صلى الله عليه وسلم- فلذلك كان صدودهم.