فصل: تفسير الآيات (1- 6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (20- 22):

{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}
وقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} قال الفَرَّاءُ: التقدير: وَإِذا رأيت ما ثَمَّ رأيت نعيماً، فحُذِفَتْ ما وكُرِّرَتِ الرؤية؛ مبالغةً {وَمُلْكاً كَبِيراً}: وهو أَنَّ أدناهم منزلةً ينظر في ملكه مسيرة ألف عام، يرى أَقصاه كما يرى أدناه، وخرَّجَهُ الترمذيُّ، وفي التِّرْمِذِيِّ أيضاً من رواية أبي سعيد الخُدْرِيِّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أدنى أَهْلِ الجَنَّةِ الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً، وَتُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الجَابِيَةِ إلى صَنْعَاءَ» انتهى، وقال سفيان: الملك الكبير هو استئذانُ الملائكة، وتسليمُهم عليهم، وتعظيمُهم لهم، قال الثعلبيُّ: قَال محمد بن علي الترمذي: يعني ملك التكوين إذا أرادوا شيئاً كان، انتهى.
* ت *: وجميع ما ذكر داخل في الملك الكبير، وقرأ نافع وحمزة: {عَالِيهِمْ} وقرأ الباقون: {عَالِيَهُمْ} بالنصب، والمعنى: فوقهم، قال الثعلبيُّ: وتفسير ابن عباس قال: أما رأيتَ الرجل عليه ثياب يعلوها أفضلُ منها، انتهى، وقرأ حمزة والكسائيُّ: {خُضْرٍ وَإسْتَبْرَقٍ} بالخفض فيهما، وباقي الآية بَيِّنٌ.

.تفسير الآيات (23- 26):

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)}
وقوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القرءان...} الآية تثبيتٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وتقوية لنفسه على أذى قريش، والآثم هنا هو الكفور، واللفظ أيضاً يقتضي نهيَ الإمام عن طاعة آثم من العُصَاةِ أو كفور باللَّه، ثم أمره تعالى بذكر ربه دأباً {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} {وَمِنَ اليل}: بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة، ويحتمل أنْ يريد قول: سبحانَ اللَّهِ، قال ابن زيد وغيره: كان هذا فرضاً ثم نُسِخَ، وقال آخرون: هو مُحْكَمٌ على وجه الندب، وقال ابن العربيِّ في أحكامه: أَمَّا قوله تعالى: {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} فإنَّهُ عبارة عن قيام الليل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله كما تقدم، وقد يحتمل أنْ يكون هذا خطاباً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والمراد الجميعُ، ثم نُسِخَ عَنَّا، وبَقِيَ عليه صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر، انتهى.

.تفسير الآيات (27- 28):

{إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)}
وقوله: {إِنَّ هَؤُلآءِ} يعني كُفَّارَ قريشٍ {يُحِبُّونَ العاجلة} يعني: الدنيا، واعلمْ أَنَّ حُبَّ الدنيا رأسُ كل خطيئة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وازهد فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» رواه ابن ماجه وغيره بأسانيدَ حَسَنَةٍ، قال ابن الفاكهانيِّ: قال القاضي أبو الوليد ابن رشد: وأَمَّا الباعث على الزهد فخمسة أشياء:
أحدها: أنَّها فانية شاغلة للقلوب عن التفكر في أمر اللَّه تعالى.
والثاني: أَنَّها تنقص عند اللَّه درجات من ركن إليها.
والثالث: أَنَّ تركها قربة من اللَّه تعالى وعلُوُّ مرتبة عنده في درجات الآخرة.
والرابع: طول الحبس والوقوف في القيامة للحساب والسؤال عن شكر النعيم.
والخامس: رضوان اللَّه تعالى والأمن من سخطه، وهو أكبرها؛ قال اللَّه عز وجل: {ورضوان مِّنَ الله أَكْبَرُ} [التوبة: 72] قال ابن الفاكهاني: ولو لم يكن في الزهد في الدنيا إلاَّ هذه الخصلة التي هي رضوانُ اللَّه تعالى لكان ذلك كافياً، فنعوذ باللَّه من إيثار الدنيا على ذلك، وقد قيل: من سُمِّيَ باسم الزهد فقد سُمِّيَ بألف اسم ممدوح، هذا مع ما للزاهدين من راحة القلب والبدن في الدنيا والآخرة، فالزُّهَّادُ هم الملوك في الحقيقة، وهم العقلاء؛ لإيثارهم الباقي على الفاني، وقد قال الشافعية: لو أوصى لأعْقَل الناس صُرِفَ إلى الزهاد، انتهى من شرح الأربعين حديثاً، ولفظ أبي الحسن الماوردِيِّ: وقد قيل: العاقل مَنْ عقل من اللَّه أمره ونهيه حتَّى قال أصحاب الشافعيِّ فيمن أوصى بثلث ماله: لأَعْقَلِ الناس أَنَّه يكون مصروفاً للزُّهَّادِ؛ لأنهم انقادوا للعقل، ولم يغتروا بالأمل، انتهى، والأَسْر الخلقة واتساق الأعضاء والمفاصل، وعبارة البخاريِّ: {أَسْرَهُمْ}: شِدَّةُ الخلق، وكل شيء شددته من قتب أو غبيط فهو مأسور، والغبيط شيء يركبه النساء شبه المحفة، انتهى؛ قال * ع *: ومن اللفظة: الإسارُ، وهو القيد الذي يُشَدُّ به الأسير، ثم تَوَعَّدَهُم سبحانه بالتبديل، وفي الوعيد بالتبديل احتجاج على مُنْكِرِي البعث، أي: مَنْ هذه قدرته في الإيجاد والتبديل فكيف تتعذر عليه الإعادة؟!.
وقال الثعلبيُّ: {بَدَّلْنَا أمثالهم تَبْدِيلاً} قال ابن عباس: يقول: أهلكناهم، وجئنا بأطوعَ للَّهِ منهم، انتهى.

.تفسير الآيات (29- 31):

{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)}
وقوله تعالى: {إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ} القول فيها كالتي في سورة المزمل.
وقوله سبحانه: {فَمَن شَاءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً} كلام واضح لا يفتقر إلى تفسير، جعلنا اللَّه ممن اهتدى بأنواره، وعَمَّتْ عليه بركتُه في أفعاله وأقواله؛ قال الباجِيُّ: قال بعض أهل داود الطائيِّ: قلت له يوماً: إنَّك قد عرفت فأوصني، قال: فَدَمِعَتْ عيناه ثم قال: يا أخي، إنَّما الليلُ والنهار مراحلُ يرحلُها الناس مرحلةً مرحلةً، حَتَّى تنتهي بهم إِلى آخر سفرهم، فإنِ استطعت أَنْ تُقَدَّمَ من أَوَّلِ مرحلة زاداً لما بين يديك فافعل؛ فإنَّ انقطاع السفر قريب، والأمر أعجل من ذلك؛ فتزوَّدْ لسفرك، واقْضِ ما أنت قاضٍ من أمرك، فكأَنَّ بالأمر قد بَغَتَكَ، ثم قام وتركني، انتهى من سنن الصالحين.
وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله}: نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في نفوسهم، ولا يَرُدُّ هذا وجود مالهم من الاكتساب، وقرأ عبد اللَّه: {وَمَا تَشَاءُونَ إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ}.
وقوله تعالى: {عَلِيماً حَكِيماً} معناه: يعلم ما ينبغي أَنْ ييسر عبدَه إليه، وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلاَّ هو سبحانه.

.تفسير سورة والمرسلات:

وهي مكية في قول الجمهور.
وقيل: فيها من المدني قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}.
قال ابن مسعود: نزلت هذه السورة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بحراء... الحديث.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 6):

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)}
قوله تعالى: {والمرسلات عُرْفاً} يعني: الرياح يَتْبَعُ بعضُها بعضاً، قاله ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد، وقتادة، وقيل: المرسلات: الملائكة، وقيل: جماعات الأنبياء، و{عُرْفاً} معناه: إفضالاً من اللَّه تعالى، ويحتمل أنْ يريدَ بقوله: {عُرْفاً} أي: متتابعةً، ويحتمل أنْ يريد بالأمر المعروف، ويحتمل أنْ يكونَ {عُرْفاً}، بمعنى، والمرسلات: الرياح التي يعرفها الناس ويعهدونها، ثم عَقَّبَ بذكر الصنف الضَّارِّ منها، وهي العاصفات الشديدة القاصفة للشجر وغيره، واخْتُلِفَ في قوله: {والناشرات} فقال ابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة: هي الرياح تَنْشُرُ رحمة اللَّه ومطره، وقيل: الملائكة، وقيل غير هذا، والفارقات قال ابن عباس وغيره: هي الملائكة تَفْرُقُ بين الحَقِّ والباطل والحلال والحرام، وقيل: هي آيات القرآن، وأَمَّا الملقيات ذكراً فهي في قول الجمهور الملائكة، وقال آخرون: هي الرسل، والذكر: الكتب المُنَزَّلَةُ والشرائع ومضمناتها، والمعنى: أَنَّ الذكر يلقى بإعذار وإِنذار.

.تفسير الآيات (7- 15):

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)}
وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لواقع} هو الجواب الذي وقع عليه القَسَمُ، والإشارة إلى البعث وأحوال القيامة، والطَّمْسُ محو الأثر، فطمس النجوم: ذَهَابُ ضوءها، وفرج السماء: هو بانفطارها وانشقاقها.
{وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ} أي: جُمِعَتْ لميقاتِ يوم معلوم، وقرأ أبو عمرو وحده: {وُقِّتَتْ} والواو هي الأصل؛ لأَنَّها من الوقت، والهمزة بدل؛ قال الفَرَّاءُ: كل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة، جاز أنْ تُبْدَلَ منها همزة، انتهى.
وقوله تعالى: {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} تعجيب وتوقيف على عِظَمِ ذلك اليوم وهوله، ثم فسر ذلك بقوله: {لِيَوْمِ الفصل} يعني: بين الخلق في منازعتهم وحسابهم ومنازلهم من جنة أو نار، ومن هذه الآية انتزع القضاة الآجالَ في الحكومات؛ ليقعَ فصل القضاء عند تمامها، ثم عَظَّمَ تعالى يومَ الفصل بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} على نحو قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحاقة} [الحاقة: 3] وغير ذلك، ثم أثبت الويل لِلْمُكَذِّبِينَ، والويل: هو الحرب والحزن على نوائب تحدث بالمرء، ويُرْوَى أَنَّه وادٍ في جهنم.

.تفسير الآيات (16- 37):

{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)}
وقوله عز وجل: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأخرين...} الآية، قرأ الجمهور: {نُتْبِعُهُمُ} بضم العين على استئناف الخبر، ورُوِيَ عن أبي عمرو: {نُتْبِعْهُمُ} بجزم العين؛ عطفاً على {نهلك} وهي قراءة الأعرج، فَمَنْ قرأ الأولى جعل الأولين الأُمَمَ التي تقدمت قريشاً بأجمعها، ثم أخبر أَنَّهُ يتبع الآخرين من قريش وغيرهم سنن أولئك إذا كفروا وسلكوا سبيلهم، ومَنْ قرأ الثانية جعل الأَوَّلِينَ قومَ نوحٍ وإبراهيمَ ومَنْ كان معهم، والآخرين قوم فرعونَ وكُلَّ مَنْ تأخَّرَ وقَرُبَ من مُدَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} أي: في المستقبل، فيدخل هنا قريش وغيرها، وأَمَّا تكرار قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} في هذه السورة فقيل: ذلك لمعنى التأكيد فقط، وقيل: بل في كل آية منها ما يقتضي التصديقَ، فجاء الوعيد على التكذيب بذلك الذي في الآية، والماء المهين: معناه الضعيف، والقرار المكين: الرَّحِمُ وبَطْنُ المرأة، والقدر المعلوم: هو وقت الولادة ومعناه معلوم عند اللَّه، وقرأ نافع والكسائيُّ: {فَقَدَّرْنَا} بتشديد الدال، والباقون بتخفيفها، وهما بمعنى من القدرة والقدر ومن التقدير والتوقيت.
* ت *: وفي كلام * ع *: تلفيف، وقال غيره: فَقَدَّرْنَا بالتشديد من التقدير وبالتخفيف من القدرة، وهو حسن.
وقوله: {القادرون} يُرَجِّحُ قراءة الجماعة إلاَّ أَنَّ ابن مسعود رَوَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَسَّرَ القادرون بالمقدرين، والكِفَاتُ: الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع؛ تقول: كفت الرجلُ شعره إذا جمعه بخرقة، والأرضُ تكفت الأحياءَ على ظهرها، وتكفِتُ الأموات في بطنها، وخَرَجَ الشَّعْبِيُّ إلى جنازة فنظر إلى الجبَّانة فقال: هذه كفات الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال: وهذه كفات الأحياء.
قال * ع *: ولما كان القبر كفاتاً كالبيت، قُطِعَ من سَرَقَ منه، والرواسي: الجبال، والشوامخ: المرتفعة، والفرات: الصافي العَذْبُ، والضمير في قوله: {انطلقوا} هو للمُكَذِّبِينَ الذين لهم الويل، ثم بَيَّنَ المُنْطَلَقَ إليه؛ قال عطاء: الظل الذي له ثلاث شعب هو دُخَانُ جهنم، وقال ابن عباس: هذه المخاطبة تقال يومئذ لِعَبَدَةِ الصليب إذا اتَّبَعَ كُلُّ أحد ما كان يعبد، فيكون المؤمنون في ظل اللَّه ولا ظل إلاَّ ظله، ويقال لعَبَدَةِ الصليب: انطلقوا إلى ظِلِّ معبودكم، وهو الصليب له ثلاث شعب، ثم نفى تعالى عنه محاسن الظل، والضميرُ في {إِنَّهَا} لجهنم {تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر} أي: مثل القصور من البنيان؛ قاله ابن عباس وجماعة من المفسرين، وقال ابن عباس أيضاً: القصر خشب كُنَّا في الجاهلية نَدَّخِرُه للشتاء، وقرأ ابن عباس: {كالْقَصَر} بفتح الصاد جمع قَصَرَةِ وهي أعناق النخل والإبل، وقال ابن عباس: جذور النخل، واخْتُلِفَ في الجَمَالاَتِ: فقال جمهور من المفسرين: هي جمع جِمَالٍ؛ كرجال ورِجالات، وقال آخرون: أراد بالصُّفْرِ السود، وقال جمهور الناس: بل الصفر: الفاقعة؛ لأَنَّها أشبه بلون الشَّرَرِ، وقال ابن عباس: الجمالات: حبال السفن، وهي الحبال العظام إذا جُمِعَتْ مستديرةً بعضها إلى بعض، وقرأ ابن عباس: {جُمَالَةً} بضم الجيم من الجملة لا من الجمل، ثم خاطب تعالى نبيه عليه السلام بقوله: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ...} الآية، وهذا في موطنٍ خاص إذ يومُ القيامَة هو مواطِنُ.

.تفسير الآيات (38- 45):

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)}
وقوله تعالى: {هذا يَوْمُ الفصل جمعناكم...} مخاطبةٌ للكفار يومئذ، ثم وقَفَهُمْ بقوله: {فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} أي: إنْ كَان لَكم حيلةٌ أو مكيدَةٌ تُنْجيكم فافعلوها، ثم ذَكر سبحانه حالةَ المتقينَ وما أعَدَّ لهم، والظلالُ في الجنة: عبارةٌ عن تَكَاثُفِ الأَشْجَارِ وجَوْدَة المباني وإلاَّ فلاَ شَمْسَ تؤذي هناكَ حتى يكونَ ظلٌ يُجِيرُ مِنْ حَرِّها.

.تفسير الآيات (46- 50):

{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
وقوله تعالى: {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ} استئنافُ خطابٍ لقريشٍ على معنى: قل لهم يا محمد، وهذه صيغةُ أمْر معناها التهديدُ والوَعيدُ، ومن جعل هذه الآيةَ مدنيةً قَالَ هي في المنافقِينَ.
وقوله تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ} قال قتادة والجمهور، هذه حالُ كفارِ قريشٍ في الدنيا؛ يَدْعُوهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فلا يُجِيبُونَ، وذِكْرُ الرُّكُوعِ عبارةٌ عن جميعِ الصلاةِ، وقيلَ: هي حكايةُ حَالِ المنافِقِينَ في الآخرةِ يَوْمَ يُدْعَوْنَ إلى السجودِ فلا يَسْتَطِيعونَ؛ على ما تقدَّم؛ قاله ابنُ عَبَّاس وغيره.
وقوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} يؤيدُ أن الآيةَ كلَّها في قريشٍ، والمرادُ بالحديثِ هنا: القرآن، ورُوِيَ عَنْ يعقوبَ أنه قرأ: {تُؤْمِنُونَ} بالتاء مِنْ فَوْقٍ عَلى المواجهَة، ورُويتْ عَن ابْن عامر.

.تفسير سورة عم يتساءلون:

وهي مكية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم