فصل: تفسير الآيات (116- 117):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (116- 117):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
وقوله تعالى: {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه...} الآية: اختلف على مَنْ يعود ضميرُ {قَالُوا}، فقيل: على النصارى، وهو الأشبه، وقيل: على اليهود؛ لأنهم قالوا: عُزَيْرٌ ابن اللَّهِ، وقيل: على كفرة العربِ؛ لأنهم قالوا: الملائكة بنَاتُ اللَّه.
* ت *: وقال أبو عبد اللَّه اللَّخْمِيُّ: ويحتمل أن يعني بالآية كلُّ من تقدَّم ذكره من الكفرة، وقد تقدَّم ذكر اليهود والنصارى والذين لا يعلمون، وهم المشركون، وكلُّهم قد ادعى للَّه ولداً، تعالى اللَّه عن قولهم. انتهى من مختصر الطبريِّ.
و{سبحانه}: مصدر، معناه: تنزيهاً له وتبرئةً مما قالوا، والقُنُوتُ؛ في اللغة: الطاعةُ، والقنوتُ: طول القيام، فمعنى الآية: إن المخلوقات تقنُتُ للَّه، أي: تخشع، وتطيع، والكفار قنوتُهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم، وقيل: الكافر يسجد ظلُّه، وهو كارهٌ، و{بَدِيعُ}: مصروفٌ من مُبْدعٍ، والمُبْدِعُ: المخترعُ المنشيءُ، وخص السَّموات والأرضَ بالذكْر؛ لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جلَّ وعلاَ.
و{قَضَى}: معناه: قدَّر، وقد يجيء بمعنى: أمضى، ويتجه في هذه الآية المعنَيَانِ، والأمر: واحد الأمور، وليس هو هنا بمصدر أَمَرَ يَأْمُرُ، وتلخيص المعتَقَدِ في هذه الآية؛ أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ لم يزل آمراً للمعدومات بشرط وجودِهَا، قادراً مع تأخُّر المقدورات، عالماً مع تأخُّر وقوع المعلوماتِ، فكلُّ ما في الآية ممَّا يقتضي الاستقبال، فهو بحسب المأموراتِ إِذ المحدَثَاتُ تجيء بعد أنْ لم تكنْ، وكل ما يستند إِلى اللَّه تعالى من قدرةٍ وعلمٍ وأمر، فهو قديمٌ لم يزَلْ، والمعنى الَّذي تقتضيه عبارةُ {كُن} هو قديمٌ قائمٌ بالذاتِ، والوضوح التامُّ في هذه المسألة لا يحتاج أكثر من هذا البَسْط.
* ت *: وقد قدَّمنا ما يزيدُ هذا المعنى وضُوحاً عند قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ} [البقرة: 34] فانظره.

.تفسير الآيات (118- 120):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}
وقوله تعالى: {وَقَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا الله...} الآية: قال الربيعُ والسُّدِّيَّ: هم كفار العرب، وقد طلب عبد اللَّه بن أمية وغيره من النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وقال مجاهدٌ: هم النصارى، وقال ابن عباس: المراد من كان على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم من اليهود؛ لأنَّ رافع بن حُرَيْمِلَةَ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَسْمِعْنَا كَلاَمَ اللَّهِ، وقيل: الإشارة إلى جميع هذه الطوائف؛ لأنهم كلهم قالوا هذه المقالة، و{لَوْلاَ} تحضيضٌ بمعنى هَلاَّ، والآية هنا العلامة الدالَّة، و{الذين مِن قَبْلِهِمْ} هم اليهودُ والنصارى في قول من جعل {الذين لاَ يَعْلَمُونَ} كفَّارَ العرب، وهم اليهودُ في قول مَنْ جعل {الذين لاَ يَعْلَمُونَ} النصارَى، وهم الأمم السالفة في قول من جعل {الذين لاَ يَعْلَمُون} العربَ النصارى واليهُودَ وتشابه القلوب هنا في طَلَب ما لا يَصِحُّ أوفى الكفر.
وقوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الآيات لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم، وقرينةٌ أخرى أنَّ الكلام مدْحٌ لهم.
وقوله تعالى: {إِنَّا أرسلناك بالحق بَشِيرًا}، أي: لمن آمن، ونذيراً لمن كفر، وقرأ نافع وحده ولا تسأل، أي: لا تسأل عن شدَّة عذابهم؛ كما تقول: فلانٌ لا تَسْأَلْ عَنْه، تعني أنه في نهاية تشهره من خيْرٍ أو شرٍّ.
* ت *: وزاد في مختصر الطبرِّي، قال: وتحتمل هذه القراءة معنى آخر، وهو، واللَّه أعلم، أظهر، أي: ولا تسأل عنهم سؤالَ مكْتَرِثٍ بما أصابهم، أو بما هم عليه من الكُفْر الذي يوردهم الجحيمَ؛ نظيرَ قوله عز وجل: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} [فاطر: 8]، وأما ما روي عن محمَّد بن كعب القُرَظِيِّ ومن وافقه؛ من أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ، مَا فَعَلَ أَبَوَايَ؟ فنَزَلَتِ الآيةُ في ذلك، فهو بعيدٌ، ولا يتصل أيضاً بمعنى مَا قبله. انتهى.
وقرأ باقي السبعة: {وَلاَ تُسْأَلُ}؛ بضم التاء واللام.
و{الجَحِيمِ}: إحدى طبقات النار.
وقوله تعالى: {إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى}، أي: ما أنت عليه يا محمَّد من هدى اللَّه هو الهدَى الحقيقيُّ، لا ما يدعيه هؤلاء، ثم قال تعالى لنبيِّه: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الذي جَاءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} فهذا شرط خوطب به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأمته معه داخلةٌ فيه.
* ت *: والأدب أن يقال: خُوطِبَ به صلى الله عليه وسلم والمراد أُمَّتُهُ؛ لوجودِ عصمته صلى الله عليه وسلم وكذلك الجواب في سائر ما أشبه هذا المعنى من الآيِ، وقد نبَّه- رحمه اللَّه- على هذا المعنى في نظيرتها؛ كما سيأتي، وكان الأولى؛ أن ينبِّه على ذلك هنا أيضاً، وقد أجاب عِيَاضٌ عن الآيِ الواردةِ في القرآن ممَّا يوهمُ ظاهره إِشكالاً، فقال- رحمه اللَّه-: اعلم، وفَّقنا اللَّه وإياك، أنه- عليه السلام- لا يصحُّ ولا يجوز علَيْه ألاَّ يبلغ، وأن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك ولا أن يتقوَّل على اللَّه ما لا يجبُ أو يفترى عليه، أو يضل، أو يختم على قلبه، أو يطيع الكافرين، لكن اللَّه أمره بالمكاشفةِ والبيان في البلاغ للمخالِفِينَ، وإن إِبلاغه، إِنْ لم يكُنْ بهذا البيان فكأنه ما بلَّغ، وطيَّب نفسه، وقوَّى قلبه بقوله تعالى:
{والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67] كما قال لموسى وهارون- عليها السلام: {لاَ تَخَافَا} [طه: 46] لتشتد بصائرهم في الإِبلاغ وإِظهار دين اللَّهِ، ويذهب عنهمْ خَوْفُ العدوِّ المضعف لليقين، وأما قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل...} [الحاقة: 44] وقوله {إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة} [الإسراء: 75] فمعناه: أنَّ هذا هو جزاء من فعل هذا، وجزاؤك لو كنت ممن يفعله، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعله، وكذلك قوله تعالَى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض} [الأنعام: 116] فالمراد غيره، كما قال: {إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ...} [آل عمران: 149] وقوله: {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} [الشورى: 24] و{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وما أشبهه، فالمراد غيره، وأن هذا حال مَنْ أشرك، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَجُوزُ عليه هذا، وقوله تعالَى {اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين} [الأحزاب: 1] فليس فيه أنه أطاعهم، واللَّه يَنْهَاهُ عما يشاء، ويأمره بما يشاء؛ كما قال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} [الأنعام: 52] الآية، وما كان طَرَدَهُمْ- عليه السلام- ولا كَانَ من الظالمين. انتهى من الشِّفَا.
* ص *: {وَلَئِنِ}: هذه اللام هي الموطِّئة والموذنةُ، وهي مشعرةٌ بِقَسَمٍ مقدَّر قبلها. انتهى.

.تفسير الآيات (121- 124):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
وقوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يَتْلُونَهُ...} الآية: قال قتادة: المراد ب {الَّذِينَ} في هذا الموضع: مَنْ أَسْلَمَ من أمَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والكتابُ على هذا: التأويل القرآن، وقال ابنُ زَيْد: المراد مَنْ أسلم من بني إِسرائيل، والكِتَابُ؛ على هذا التأويلِ: التوراةُ، و{ءاتيناهم}: معناه: أعطيناهم، و{يَتْلُونَهُ}: معناه: يتبعونه حقَّ اتباعه بامتثال الأمر والنهي، قال أحمد بن نَصْر الدَّاوُودِيُّ: وهذا قول ابن عباس، قال عِكْرِمَةُ: يقال: فلانٌ يتلو فلاناً، أي: يتبعه؛ ومنه: {والقمر إِذَا تلاها} [الشمس: 2] أي: تبعها. انتهى.
وللَّه دَرُّ مَنِ اتبع كلامَ ربِّهِ، واقتفى سُنَّة نبيِّه، وإِن قلَّ عِلْمُهُ، قال القُضَاعِيُّ في اختصاره لِ المدارك: قال في ترجمة سُحْنُون: كان سُحْنُون يقول: مَثَلُ العلْمِ القليلِ في الرجُلِ الصالحِ مَثَلُ العَيْنِ العَذْبَةِ في الأرض العَذْبة، يزرع علَيْها صاحبُها ما ينتفعُ به، ومَثَلُ العلْمِ الكثيرِ في الرجُلِ الطالحِ مَثَلُ العَيْن الخَرَّارة في السَّبِخَةِ تهرُّ الليلَ والنَّهارَ، ولا ينتفعُ بها. انتهى.
وقيل: {يَتْلُونَهُ}: يقرءونه حقَّ قراءته، وهذا أيضاً يتضمَّن الاِتّباع والاِمتثالَ، و{حَقَّ}: مصدرٌ، وهو بمعنَى أفْعل، والضمير في بِهِ عائدٌ على الكتاب، وقيل: يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لأن مُتَّبِعِي التوراةِ يجدُونه فيها، فيؤمنون به، والضميرُ في {يَكْفُرْ بِهِ} يحتمل من العود ما ذكر في الأول.
وقوله تعالى: {يابَنِى إسراءيل...} الآيةَ: تقدَّم بيان نظيرها، ومعنى: {وَلاَ تَنفَعُهَا شفاعة}: أنه ليستْ ثَمَّ، وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحَدَّ، فيردّ، وأما الشفاعةُ التي هي في تعجيلِ الحسَابِ، فليستْ بنافعة لهؤلاءِ الكَفَرة.
* ت *: ولم ينبِّه- رحمه اللَّه- على هذا في التي تقدَّمت أولَ السورة، و{ابتلى} معناه: اختبر، وفي مختَصَرِ الطَّبريِّ: {ابتلى}، أي: اختبر، والاختبارُ من اللَّه عزَّ وجلَّ لعباده على علْمٍ منه سبحانه بباطِنِ أمرهم وظاهره، وإنما يبتليهم ليظهر منهم سابقُ علمه فيهم، وقد روي ذلك عن عليٍّ- رضي اللَّه عنه- في قوله عز وجَلَّ: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين وَنَبْلُوَاْ أخباركم} [محمد: 31] فقال رضي اللَّه عنه: إِن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يزلْ عالماً بأخبارِهِمْ وخُبْرِهِمْ وما هُمْ عليه، وإن قوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ}، أي: حتى نسوقَكُم إِلى سابقِ علْمِي فيكم. انتهى، وهو كلام حسنٌ.
وقد نبه * ع *: على هذا المعنى فيما يأتي، والعقيدةُ أنَّ علمه سبحانه قديمٌ، عَلِمَ كلَّ شيء قبْلَ كونه، فجرى على قَدَرِهِ لا يكون من عباده قولٌ ولا عملٌ إلا وقد قضاه، وسبق علمه به سبحانه لا إله إلا هو.
و{إِبْرَاهِيمَ}: يقال: إِنَّ تفسيره بالعربيَّةِ أَبٌ رَحِيمٌ، واختلف أهل التأويل في الكلمات، فقال ابن عَبَّاس: هي ثلاثُونَ سَهْماً هي الإسلام كلُّه، لم يتمَّه أحدٌ كاملاً إلا إبراهيمُ- عليه السلام- منْها في براءة: {التائبون العابدون...} الآية [التوبة: 112]، وعشرة في الأحزاب: {إِنَّ المسلمين والمسلمات...} [الأحزاب: 35]، وعَشَرة في {سَأَلَ سَائِلٌ} [المعارج: 1].
* ت *: وقيل غير هذا.
وفي البخاريِّ: أنه اختتن، وهو ابن ثمانينَ سنَةً بالقَدُومِ، قال الراوي: فأوحى اللَّه إليه {إِنِّي جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا} والإِمام القُدْوة.
وإِنما سمِّيت هذه الخصالُ كلماتٍ؛ لأنها اقترنتْ بها أوامر هي كلمات، وروي أن إبراهيم، لما أتمَّ هذه الكلماتِ أو أتمَّها اللَّه عليه، كتب اللَّه له البراءة من النَّار، فذلك قوله تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 37]. وقول إبراهيم عليه السلام: {وَمِن ذُرِّيَّتِي} هو على جهةِ الرغباءِ إلى اللَّه، أي: ومن ذريتي، يا ربِّ، فاجعل.
وقوله تعالى: {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين}، أي: قال اللَّه، والعهد فيما قال مجاهد: الإِمامة.

.تفسير الآيات (125- 126):

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
وقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البيت}، أي: الكعبة {مَثَابَةً}، يحتملُ مِنْ ثَابَ إِذا رجع، ويحتمل أن تكون من الثواب، أي: يثابون هناك، {وَأَمْناً} للناسِ والطيرِ والوُحُوشِ؛ إذ جعل اللَّه لها حرمةً في النفوس؛ بحيث يَلْقَى الرجُلُ بها قاتِلَ أبيه، فلا يهيجه، وقَرَأَ جمهور الناس: {واتخذوا}، بكسر الخاء؛ على جهة الأمر لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقرأ نافعٌ، وابنُ عامرٍ، {واتخذوا} بفتح الخاء؛ على جهة الخبر عن مَنِ اتخذه مِنْ متبعي إبراهيم- عليه السلام- ومقام إبراهيم في قول ابن عَبَّاس، وقتادة، وغيرهما، وخرَّجه البُخَارِيُّ هو الحَجَر الذي ارتفع عليه إِبراهيم حينَ ضَعُف عن رفْع الحجارةِ الَّتي كان إِسماعيلُ يناوله إِياها في بنَاء البَيْت، وغَرِقَتْ قدماه فيه، و{مُصَلًّى}: موضع صلاة.
* ص *: {مِن مَّقَامِ}: مِنْ تبعيضيةٌ على الأظهر، أو بمعنى: في أو زائدة؛ على مذهب الأخفش، والمقامُ: مَفْعَلٌ من القيامِ، والمراد به هنا المكانُ، انتهى، يعني: المكانَ الذي فيه الحَجَر المسمى بالمقام.
وقوله تعالى: {وَعَهِدْنَا}: العَهْدُ؛ في اللغة: على أقسام، هذا منها، الوصية بمعنى الأمر، و{طَهِّرَا}: قيل: معناه: ابنياه وأسِّساه على طَهَارَةٍ ونيَّةِ طَهَارَةٍ، وقال مجاهدٌ: هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان، و{لِلطَّائِفِينَ} ظاهره: أهل الطوافِ، وَقَالَهُ عطاء وغيره، وقال ابن جُبَيْر: معناه: للغرباءِ الطارئِينَ على مكَّة، {والعاكفين}: قال ابن جُبَيْر: هم أهل البلد المقيمُونَ، وقال عطاء: هم المجاورُونَ بمكَّة، وقال ابنُ عبَّاس: المصَلُّون، وقال غيره؛ المعتكفُونَ، والعكُوف؛ في اللغة: الملازمة.
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجعل هذا بَلَدًا آمِنًا}، أيْ: من الجبابرة والعدُوِّ المستأصل، وروي أن اللَّه تعالى، لما دعاه إِبراهيم، أمر جبريل، فاقتلع فِلَسْطِينَ، وقيل: بقعة من الأرْدُنِّ، فطاف بها حَوْلَ البيتِ سبْعاً، وأنزلها بِوَج، فسمِّيت الطَّائِفَ؛ بسبب الطواف.
وقوله تعالى: {قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً...} الآية: قال أبيُّ بن كَعْب، وابن إسحاقَ، وغيرهما: هذا القَوْلُ من اللَّه عزَّ وجلَّ لإِبراهيم، وقال ابنُ عَبَّاس، وغيره: هذا القول من إِبراهيم.
قال * ع *: فكأنَّ إِبراهيم دعا للمؤمنين، وعلى الكافرين، وفي مختصر الطبريِّ: وقرأ بعضهم، {فأُمْتِعْهُ}؛ بالجزم، والقَطْع على الدعاء، ورآه دعاءً من إِبراهيم، وروي ذلك عن أبي العالية، كان ابنُ عبَّاس يقول: ذلك قولُ إبراهيم، سأل ربَّه أنَّ من كَفَر به، فأمتعه قليلاً يقول: فارزقه قليلاً، ثم اضطره إِلى عذاب النارِ، أي: أَلْجِئْهُ. انتهى، وعلى هذِهِ القراءةِ يجيءُ قولُ ابن عبَّاس، لا على قراءة الجمهور، و{قَلِيلاً}: معناه: مُدَّة العُمُر؛ لأن متاع الدنيا قليلٌ.

.تفسير الآيات (127- 129):

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}
وقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم القواعد مِنَ البيت...} الآية: القواعدُ: جمع قاعدةٍ، وهي الأساس.
* ص *: القواعدُ، قال الكسائيُّ والفَرَّاء: هي الجُدُر، وقال أبو عُبَيْدة: هي الأساس. انتهى.
واختلفوا في قصص البَيْت، فقيل: إِن آدم أمر بِبِنَائِهِ، ثم دثر، ودرس حتى دلَّ عليه إبراهيم، فرفع قواعده، وقيل: إِن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر اللَّه، وقيل غير هذا.
* ع *: والذي يصحُّ من هذا كلِّه أن اللَّه سبحانه أمر إبراهيمَ برَفْعِ قواعدِ البيتِ، وجَائِزٌ قِدَمُهُ، وجَائز أن يكون ذلك ابتداءً، ولا يرجح شيء من ذلك إِلا بسند يقطع العُذْر.
{وإسماعيل}: عطْفٌ على {إِبْرَاهِيمُ}، والتقديرُ: يقولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم}، أي: السميع لدعائنا، العليمُ بنيَّاتنا، وخصَّا هاتين الصفتين؛ لتناسبهما مع حالهما، وقولهما: {اجْعَلْنَا} بمعنى: صيِّرنا مُسْلِمَيْن، وكذلك كانا، وإنما أرادا التثبيتَ والدوامَ، والإِسلام في هذا الموضعِ. الإِيمانُ والأعمالُ جميعاً، {ومِنْ} في قوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا} للتبعيض؛ لأن اللَّه تعالى قد كان أعلمه أنَّ منهم ظالمين، والأُمَّة: الجماعةُ، {وَأَرِنَا} قالتْ طائفةٌ: من رؤية البصَرِ، وقالت طائفةٌ: من رؤية القلبِ، وهذا لا يصحُّ، قال قتادة: المناسكُ معالم الحجِّ، واختلف في معنى طلبهم التوبةَ، وهم أنبياء معصومُونَ، فقالتْ طائفةٌ: طلبا التثْبيتَ والدوامَ، وقيل: أرادا من بعدهما مِنَ الذُّرِّيَّة، وقيل، وهو الأحسن؛ إِنهما لما عرفا المناسكَ، وبنيا البيتَ، أرادا أن يسنا للناس؛ أنَّ تلك المواطنَ مكانُ التنصُّل من الذنوبِ، وطلبِ التوبة.
وقال الطبريُّ: إِنه ليس أحد من خلق اللَّه إِلا بينه وبين اللَّه معانٍ يحب أنْ تكون أحسن ممَّا هي، وأجمعت الأمة على عصْمة الأنبياء في معنى التبليغ، ومن الكبائر ومن الصغائر الَّتي فيها رذيلةٌ، واختلف في غير ذلك من الصغائر، والذي أقول به أنهم معصومُونَ من الجميع، وأنَّ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأَتُوبُ فِي اليَوْمِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ سَبْعِينَ مَرَّةً»، إِنَّما هُوَ رُجُوعُهُ مِنْ حَالَةٍ إلى أَرْفَعَ مِنْهَا؛ لِتَزَيُّدِ علومه، وإطلاعه على أمر ربه، فهو يتوب من منزلة إلى أعلى، والتوبةُ هنا لُغَوِيَّةٌ، وقوله: {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ..} الآية: هذا هو الذي أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وبشرى عيسى»، ومعنى {مِّنْهُمْ}، أي: يعرفُوهُ، ويتحقَّقوا فضلَه، ويشفق عليهم، ويحرص.
* ت *: وقد تواتَرَتْ أخبار نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وبعثته في الكتب السالفة، وعَلِمَ بذلك الأحْبارُ، وأخبروا به، وبتعيين الزَّمَن الذي يبعث فيه.
وقد روى البيهقيُّ أحمد بن الحُسَيْن وغيره عن طلحة بن عُبَيْد اللَّه- رضي اللَّه عنه- قَالَ: «حَضَرْتُ سُوقَ بصرى، فَإِذَا رَاهِبٌ في صومعة، يقول: سَلُوا أَهْلَ هَذَا المَوْسِمِ، أفيهِمْ مَنْ هو مِنْ هذا الحَرَمِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا، فما تَشَاءُ؟ قَالَ: هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟ قُلْتُ: ومَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: أحمدُ بْنُ عبدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، مَخْرَجُهُ مِنَ الحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إلى نَخْلٍ وَسِبَاخٍ، إِذَا كَانَ، فَلاَ تُسْبَقَنَّ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ، وَأَسْرَعْتُ اللَّحَاق بِمَكَّةَ، فَسَأَلْتَ، هَلْ ظَهَرَ بَعْدِي أَمْرٌ؟ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ الأُمِّيُّ قَدْ تَنَبَّأَ، وَتَبِعَهُ أبو بَكْرِ بْنُ أبِي قُحَافَةَ، فَمَشَيْتُ إلى أَبِي بَكْرٍ، وَأَدْخَلَنِي إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمْتُ»، وقد روى العُذْرِيُّ وغيره عن أبي بكر- رضي اللَّه عنه- أنَّه قَالَ: لقيتُ شيخاً باليمن، فقال لي: أنْتَ حَرَمِيٌّ، فقلت: نعم، فقال: وأحسبكَ قُرَشِيًّا، قلت: نعم، قال: بَقِيَتْ لِي فيكَ واحدةٌ، اكشف لي عن بَطْنك، قُلْتُ: لا أفعل، أو تخبرني لِمَ ذلك، قال: أجدُ في العلْمِ الصحيحِ أن نبيًّا يبعثُ في الحرمين يقارنه على أمره فتًى وكَهْل، أمَّا الفتى، فخوَّاض غمراتٍ، ودفَّاع مُعْضِلاَتٍ، وأما الكَهْل، فأبيضُ نحيفٌ على بطنه شَامَةٌ، وعلى فَخِذِهِ اليسرى علامةٌ، وما عليك أنْ تريني ما سألتُكَ عَنْه، فقد تكامَلَتْ فيك الصِّفَةُ، إِلا ما خَفِيَ علَيَّ؟ قال أبو بكر: فكَشَفْتُ له عَنْ بطني، فرأى شامَةً سوداء فوق سُرَّتي، فقالَ: أَنْتَ هو وربِّ الكعبة، إِني متقدِّم إِليك في أمْرٍ، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قال: إِيَّاكَ، والمَيْلَ عن الهدى، وعليك بالتمسُّك بالطريقةِ الوسطى، وخَفِ اللَّه فيما خَوَّلَكَ، وأعطى، قال أبو بكر: فلمَّا ودعتُهُ، قال: أَتَحْمِلُ عنِّي إِلى ذلك النبيِّ أبياتاً، قلت: نعم، فأنشأ الشيخ يَقُولُ: [الطويل]
أَلَمْ تَرَ أَنِّي قَدْ سَئِمْتُ مُعَاشِرِي ** وَنَفْسِي وَقَدْ أَصْبَحْتُ فِي الحَيِّ عَاهِنَا

حَيِيتُ وَفِي الأَيَّامِ لِلْمَرْءِ عِبْرَةٌ ** ثَلاَثَ مِئينَ بَعْدَ تِسْعِينَ آمِنَا

وَقَدْ خَمَدَتْ مِنِّي شَرَارَةُ قُوَّتِي ** وَأُلْفِيتُ شَيْخاً لاَ أُطِيقُ الشِّوَاحِنَا

وَأَنْتَ وَرَبِّ الَبْيتِ تَأْتِي مُحَمَّداً ** لِعَامِكَ هَذَا قَدْ أَقَامَ البَرَاهِنَا

فَحَيِّ رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي فَإِنَّنِي ** على دِينِهِ أَحْيَا وَإِنْ كُنْتُ قَاطِنَا

قال أبو بكر: فحفظْتُ شعره، وقَدِمْتُ مكَّة، وقد بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فجاءني صناديد قُرَيْشٍ، وقالوا: يا أبا بكْرٍ، يتيمُ أَبِي طالِبٍ، يَزْعُم أنه نبيٌّ، قال: فجئْتُ إلى منزلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقرعْتُ علَيْه، فخرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، فُقِدْتَ مِنْ مَنَازِلِ قَوْمِكَ، وَتَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ، وَإِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، فَآمِنْ بِاللَّهِ»، فَقُلْتُ؛ وَمَا دَلِيلُكَ؟ قَالَ: «الشَّيْخُ الَّراهِبُ الَّذِي لَقِيتَهُ بِاليَمَنِ»، قُلْتُ: وَكَمْ مِنْ شَيْخٍ لَقِيتُ! قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ أُرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ الشَّيْخَ الَّذِي أَفَادَكَ الأَبْيَاتَ»، قُلْتُ: وَمَنْ أَخْبَرَكَ بِهَا؟ قَالَ: «الرُّوحُ الأمِينُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي الأَنْبِيَاءَ قَبْلِي»، قُلْتُ: مُدَّ يَمِينَكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فانصرفت وَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَشَدُّ مِنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَرَحاً بِإِسْلاَمِي.
انتهى من تأليف ابن القَطَّان في الآياتِ والمعجزاتِ.
و{يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتك}، أي: آيات القُرآن، و{الكتاب}: القرآن، قال قتادة: {والحكمة} السنة، وروى ابن وهْب عن مالكٍ؛ أن {الحكمة}: الفقْهُ في الدين، والفهم الذي هو سجيَّة ونور من اللَّه تعالى.
* ت *: ونقل عِيَاضٌ في مداركه عن مالك؛ أن {الحكمة} نورٌ يقذفه اللَّه في قلب العبد، وقال أيضاً: يقع في قلبي؛ أنَّ {الحكمة} الفقْهُ في دين اللَّه، وأمر يدخلُه اللَّه القلُوبَ من رحمته وفَضْله، وقال أيضاً: {الحكمة} التفكُّر في أمر اللَّه، والاتِّباعُ له، والفقْه في الدِّين، والعمل به. انتهى.
وقد أشار * ع *: إلى هذا عند قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَة مَن يَشَآءُ} [البقرة: 269].
* ت *: والظاهر أن المراد ب {الحكمة} هنا: ما قاله قتادة، فتأمَّله.
{وَيُزَكِّيهِمْ}: معناه يطَهِّرهم، وينمِّيهم بالخَيْر، و{العزيز}: الَّذي يغلب، ويتم مراده، و{الحكيم}: المصيبُ مواقعَ الفعْلِ، المُحْكِمُ لها.