فصل: تفسير سورة نوح عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (19- 21):

{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)}
وقوله تعالى: {إِنَّ الإنسان} عمومٌ لاسْمِ الجنسِ، لكنَّ الإشارةَ هنا إلى الكفارِ، والهَلَعُ فَزَعٌ واضْطِرَابٌ يعتري الإنسانَ عندَ المخاوفِ وعندَ المطامع.
وقوله تعالى: {إِذَا مَسَّهُ...} الآية، مُفَسِّرٌ لِلْهَلَعِ.

.تفسير الآيات (22- 23):

{إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)}
وقوله تعالى: {إِلاَّ المصلين} أي: إلا المؤمنينَ الذين أمْرُ الآخِرَةِ عليهم أوْكَدُ مِنْ أمْرِ الدنيا، والمعنى أن هذَا المعنى فِيهم يَقِلُّ لأنهم يُجَاهِدُونَه بالتقوى.
وقوله: {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} أي: مواظِبُون، وقد قال عليه السلام «أَحَبُّ العَمَلِ إلَى اللَّه مَا دَامَ عليه صاحبُه» * ت *: وقد تقدم في سورةِ {قَدْ أَفْلَحَ} ما جَاءَ في الخشوعِ، قَالَ الغزاليُّ: فَيَنْبَغِي لك أنْ تفهمَ ما تقرؤه في صلاتِك ولاَ تَغْفُلَ في قراءَتِك عن أمْرِه سبحانَه، ونهيه، وَوَعْدِه، وَوَعِيده، ومواعظِه وأخبارِ أنبيائِه، وذِكْرِ مِنَّتِه وإحْسَانِه، فلكلِّ واحدٍ حَقٌّ؛ فالرجَاءُ حق الوَعْدِ، والخَوْفُ حقُّ الوعيد، والعَزْمُ حق الأمْرِ والنّهي، والإتِّعاظُ حقُّ الموعِظَة، والشكرُ حقُّ ذكر المِنَّةِ، والاعتبارُ حق ذِكْر أخبارِ الأنبياء،، قال الغزالي: وتكونُ هذه المعاني بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الفَهْمِ، ويكونُ الفَهْمُ بِحَسَبِ وُفُورِ العلمِ. وصَفَاءِ القلب، ودَرَجَاتُ ذلكَ لاَ تَنْحَصِرُ، فهذا حقُّ القراءةِ وهُوَ حَقُّ الأَذْكَارِ، والتسبيحاتِ أيضاً، ثم يُرَاعى الهيئةَ في القراءةِ، فيرتِّلُ ولا يَسْرُدُ فإن ذلك أيْسَرُ للتأمُّلِ، ويُفَرِّقُ بَيْن نَغْمَاتِه في آياتِ الرحمةِ وآياتِ العذاب، والوعد والوعيد، والتحميدِ والتعظيمِ، انتهى من الإحياء، ورَوَى ابن المبارك في رقائقه قال: أخبرنا ابن لَهِيعَةَ عن يزيد بن أبي حَبِيبٍ أنَّ أبا الخير حدَّثَهُ قال: سَأَلْنَا عقبةَ بنَ عامرٍ الجهنيَّ عن قوله عز وجل: {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} أهُمُ الذين يصلُّون أبَداً؟ قال: لا، ولكنَّه الذي إذا صلى لم يلتفتْ عن يمينهِ، ولا عن شماله، ولا خَلْفَه، انتهى.

.تفسير الآيات (24- 31):

{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)}
وقوله سبحانه: {والذين في أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ} قال ابن عباس وغيره: هذه الآيةُ في الحقُوقِ التي في المَالِ سِوَى الزكاةِ، وهي ما نَدَبَتْ إليه الشريعةُ من المواساة، وهذا هو الأصَحُّ في هذه الآية؛ لأن السورَة مكيةٌ وفَرْضُ الزكاةِ وبيانُها إنما كَان بالمدينة،، وباقي الآيةِ تَقَدَّم تفسيرُ نظيرهِ.

.تفسير الآيات (32- 35):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)}
وقوله سبحانه: {والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون} جَمَع الأمَانَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّها متنوعةٌ في الأمْوَال والأسْرَارِ، وفيما بينَ العَبْدِ وربِّه، فيما أمره به ونهاه عنه، والعَهْدُ كلُّ ما تَقَلَّدَه الإنْسَانُ من قَوْلٍ أو فعل، أو مَوَدَّةٍ، إذا كانَتْ هذه الأَشْيَاء على منهاج الشريعةِ فَهُو عَهْدٌ ينبغي رعيُه وحفظُه.
وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ بشهاداتهم قَائِمُونَ} معناه في قول جماعة من المفسرين: أنهم يَحْفَظُون ما يَشْهَدُونَ فيه، ويُتْقِنُونَه، ويقومُونَ بمعانيه؛ حتَى لاَ يكونَ لهم فيه تقصيرٌ وهَذَا هو وصفُ مَنْ يَمْتَثِلُ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَى مِثْلِ الشَّمْسِ فاشهد»، وقال آخرونَ: معناه: الذينَ إذا كَانَتْ عندَهم شهادةٌ وَرَأوْا حَقاً يُدْرَسُ أو حُرْمَةً للَّهِ تُنْتَهَكُ؛ قامُوا للَّهِ بشهادَتِهم.

.تفسير الآيات (36- 37):

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)}
وقوله تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} الآيةُ نزلتْ بسببِ أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يصلي عندَ الكعبةِ أحياناً ويقرأ القرآن، فكان كثيرٌ من الكفَّارِ يَقُومُونَ من مجَالِسِهم مسرعينَ إليه يستمعون قراءَتَه، ويقول بعضهم لبعض: شاعِرٌ وكَاهِنٌ، ومفترٍ وغيرُ ذلك، و{قَبْلِكَ} معناه فيما يليكَ، والمُهْطِعُ الذي يمشي مُسْرِعاً إلى شيء قَدْ أَقْبَلَ ببصرِهِ عليه، و{عِزِينَ} جَمْعُ عِزَةٍ، والعِزَةُ: الجَمْعُ اليسيرُ كأَنَّهم كَانُوا ثلاثةً ثَلاَثَةً وأَرْبَعَةً أرْبَعَةً، وفي حديثِ أَبِي هريرة قال: «خَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم حَلَقٌ متفرقونَ، فقالَ: مالي أراكم عزين»

.تفسير الآيات (38- 44):

{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}
وقوله تعالى: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امرئ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} نزلتْ لأَنَّ بعضَ الكفارِ قال: إنْ كَانَتْ ثَمَّ آخرةٌ وجنةٌ فنحنُ أهْلها؛ لأَنَّ اللَّهَ تعالى لم يُنْعِمْ علينا في الدنيا بالمال والبنِين، وغيرِ ذلك؛ إلا لرضَاه عنا.
وقوله تعالى: {كَلاَّ} رَدُّ لقولِهم وَطَمَعِهم، أي: ليس الأمْرُ كذلك،، ثم أخبرَ تَعَالَى عَنْ خَلْقِهِم من نطفةٍ قَذِرَةٍ، وأحالَ في العبارةِ عَلى عِلْمِ الناسِ، أي: فمن خُلِقَ من ذلكَ فَلَيْسَ بنفسِ خَلْقِهِ يُعْطَى الجنةَ، بلْ بالإيمَانِ والأَعْمَالِ الصالحةِ، ورَوَى ابن المباركِ في رقائقه قال: أخبرنا مالك بن مغول؛ قال: سمعت أبا ربيعة يحدِّثُ عن الحسن؛ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُم يُحِبُّ أنْ يُدْخَلَ الجَنَّةُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: فَأَقْصِرُوا مِنَ الأَمَلِ، وثَبِّتُوا آجَالَكُمْ بَيْنَ أَبْصَارِكُمْ، واسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا نَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ، قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ الحَيَاءُ، ولكن الحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ أَلاَّ تَنْسَوُا المَقَابِرَ والبلى، وَلاَ تَنْسَوُا الجَوْفَ وَمَا وعى، وَلاَ تَنْسَوُا الرَّأْسَ وَمَا حوى، وَمَنْ يَشْتَهِي كَرَامَةَ الآخِرَةِ يَدَعُ زِينَةَ الدُّنْيَا، هُنَالِكَ استحيا الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ، هُنَالِكَ أصَابَ وِلاَيَةَ اللَّهِ»، انتهى، وقد روِّينَا أكْثَرَ هَذا الحدِيثِ، من طريقِ أبي عيسى الترمذي، وباقي الآيةِ تَقَدَّم تفسيرُ نظيرِه، والأَجْدَاثُ القبُورَ، والنُّصُبُ: ما نُصِبَ للإنْسَانِ فهو يَقْصِدُه مسرعاً إليه من عَلَمٍ أو بناءٍ، وقال أبو العالية: {إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}: معناه: إلى غَايَاتٍ يَسْتَبِقُونَ، و{يُوفِضُونَ}: معناه: يسرعونَ، و{خاشعة}: أي: ذليلةٌ منكسِرَة.

.تفسير سورة نوح عليه السلام:

وهي مكية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)}
قوله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} هذا العذابُ الذي تَوَعَّدُوا بهِ، الأظْهَرُ أنَّه عذابُ الدنيا، ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ عذابَ الآخرةِ.
وقوله: {مِّن ذُنُوبِكُمْ} قال قوم: من زائدةٌ وهذا نحوٌ كوفيٌّ، وأما الخليلُ وسيبويهِ؛ فلا يجوزُ عندَهم زِيادَةٌ من في المُوجَبِ، وقال قومٌ: هي للتبعيضِ، قال * ع *: وهَذَا القولُ عندي أبْيَنُ الأقوالِ هنا؛ وذلك أنه لَوْ قَالَ: يَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبَكُم؛ لَعَمَّ هذَا اللفظُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الذنوبِ، ومَا تَأَخَّرَ عن إيمانِهم، والإسْلاَم إنَّما يَجُبُّ ما قبله.
وقوله سبحانه: {وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} كأنّ نوحاً عليه السلام قال لهم: وآمنوا يَبِنْ لَنَا أَنَّكُمْ ممن قُضِيَ له بالإيمان والتأخيرِ، وإنْ بَقِيتُم عَلى كُفْرِكُمْ فَسَيَبينُ أنكم ممن قُضِيَ عليه بالكفرِ والمُعَاجَلَةِ، ثم تبيَّنَ هذا المعنى ولاَح بقوله تعالى: {إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ} وجَوابُ لو مقدرٌ يقتضِيه المعنى، كأنَّه قال: فَمَا كَانَ أحْزَمَكُمْ أو أَسْرَعَكُمْ إلَى التَّوْبَةِ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

.تفسير الآيات (5- 10):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)}
وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً} الآية، هذه المقالةُ قَالَها نوحٌ عليه السلام بَعْدَ طولِ عُمْرِهِ ويأسِه من قومه.
{واستغشوا ثِيَابَهُمْ}: معناه: جَعَلُوها أغْشِيَةً على رؤوسهم.

.تفسير الآيات (11- 12):

{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)}
وقوله: {يُرْسِلِ السماء} الآية، رُوِيَ أن قومَ نوحٍ كانوا قَدْ أصَابَتْهُمْ قُحُوطٌ وأزْمَةٌ فلذلك بدأهم في وَعْده بأمْرِ المطرِ، و{مُّدْرَاراً} من الدَّرِّ، ورَوَى ابنُ عباسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: «مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرجاً، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ورَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ»؛ رواه أبو داود واللفظ له، والنسائيُّ وابن ماجه، ولفظ النسائيِّ: «من أكْثَرَ من الاستغفار»، انتهى من السلاح.

.تفسير الآيات (13- 15):

{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15)}
وقوله: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} قال أبو عبيدةَ وغيره: {تَرْجُونَ} معناه تَخَافُونَ، قالُوا: والوَقَارُ بمعنى العَظَمَةِ، فكأَنَّ الكلامَ عَلى هذا التأويلِ وَعِيدٌ وتخويفٌ، وقال بعض العلماء: تَرْجُونَ على بَابِها، وكأنه قال: مَا لَكُمْ لاَ تَجْعَلُونَ رَجَاءَكم لِلَّهِ، و{وَقَاراً} يكونُ على هذا التأويل منهم كأنه يقولُ: تَؤُدَةً مِنْكُمْ وتَمَكُّناً في النظر.
وقوله: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} قال ابن عباس وغيره: هي إشارة إلى التدريجِ الذي للإنْسَانِ في بطنِ أمه، وقال جماعة: هي إشارة إلى العِبْرَةِ في اختلافِ خَلْقِ ألْوَان الناسِ وخُلُقِهم، ومِلَلِهم، والأطْوَارُ: الأحْوَالُ المختلفة.

.تفسير الآيات (16- 24):

{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)}
وقوله سبحانه: {وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً...} الآية، قال عبدُ اللَّه بن عمرو بن العاص وابن عباس: إن الشَّمْسَ والقمر أقْفَاؤهما إلى الأرض، وإقبال نورهما وارتفاعُه في السماء؛ وهذا الذي يقتضيه لفظُ السِّرَاجِ.
و{أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض}: استعارَةٌ مِنْ حَيْثُ خُلِقَ آدم عليه السلام من الأرض.
و{نَبَاتاً} مصدرٌ جَاءَ على غير المصدر، التقديرُ: فَنَبَتُّم نَبَاتاً، والإعَادَةُ فيها بالدَّفْنِ، والإخراجُ هو بالبعثِ، وظاهر الآية: أنَّ الأرْضَ بسيطَةٌ غيرُ كُرِيَةً، واعتقادُ أحَدِ الأمْرَيْنِ غَيْرُ قَادِح في الشرْعِ بنفسِه، اللهمَّ إلاَّ أنْ يترتبَ على القولِ بالكُرِيَّةِ نَظَرٌ فاسِدٌ، وأما اعتقادُ كونِها بسيطةً، فهو ظاهِرُ كتابِ اللَّه تعالى، وهو الذي لاَ يَلْحَقُ عنه فسادٌ أَلْبَتَّةَ، واستدلَّ ابن مجاهد على صحَّة ذلك بماءِ البحر المُحِيطِ بالمَعْمُورِ فَقَال: لَوْ كانت الأرضُ كُرِيَّةً لَمَا اسْتَقَرَّ المَاءُ عَلَيْهَا، والسُّبُلُ الطرقُ، والفجاجُ الواسعةُ، وقولُ نوحٍ: {واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ...} الآية، المعنى: اتَّبعُوا أشْرَافَهم وغُواتَهم، و{خَسَارًا}: معناه: خُسْرَاناً، و{كُبَّاراً}: بناءُ مبالغةٍ نَحْوَ: حُسَّانَ وُقُرِئ شاذًّا: {كِبَاراً} بكسْرِ الكَافِ قال ابن الأنباري: جَمْعُ كبير.
و{وُدّاً} ومَا عُطِفَ عليه أسْمَاءُ أصْنَامٍ، ورَوَى البخاريُّ وغيره عن ابن عباس: أنَّها كانتْ أسْمَاء رجالٍ صالحينَ، من قوم نوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا؛ أوْحَى الشيطانُ إلى قومِهم أن انْصِبُوا إلى مجالسِهم التي كانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَاباً وَسَمُّوهَا بأسمائهم، فَفَعَلُوا، فلم تُعْبَدْ حتى إذا هَلَكَ أولئك وتُنُسِّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ،، قال ابن عباس: ثم صَارَتْ هذه الأوثانُ التي في قَوْمِ نُوحٍ في العَرَبِ بَعْد، انتهى.
وقوله: {وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً} هو إخبارُ نُوحٍ عن الأَشْرَافِ، ثم دَعَا اللَّهَ عليهم ألاَّ يَزِيدَهم إلا ضَلالاً، وقال الحسن: أراد بقوله: {وَقَدْ أَضَلُّواْ} الأَصْنَامَ المذكورة.

.تفسير الآيات (25- 28):

{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}
وقوله تعالى: {مِّمَّا خطيئاتهم أُغْرِقُواْ} ابتداء إخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ تعالى لمحمَّد عليه السلام وما في قوله: {مِّمَّا}: زائدةٌ فكأَنه قال: مِنْ خطِيئَاتِهِم، وهي لابتداءِ الغَايَةِ، * ص *: {مِّمَّا خطيئاتهم} من للسببِ، * ع *: لابتداءِ الغايةِ وما زائِدة للتَوْكيد، انتهى، {فَأُدْخِلُواْ نَاراً} يعني جَهَنَّمَ، وقول نوح: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} قال قتادة وغيره: لم يَدْعُ نوحٌ بهذهِ الدعوةِ إلاَّ مِنْ بَعْدِ أنْ أُوحِيَ إليه {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنََ} [هود: 36] و{دَيَّاراً} أصْله: دَيْوَارٌ من الدَّوَرانِ، أي: من يجيءُ ويذهب.
وقوله: {رَّبِّ اغفر لِى ولوالدى} قال ابن عباس: لم يَكْفُرْ لنوحٍ أبٌ مَا بَيْنَه وبين آدم عليه السلام، وقرأ أُبيُّ بن كعب: {ولأَبَوَيَّ}، وبيتُه المسجدُ؛ فيما قاله ابن عباس، وجمهورُ المفسرين، وقال ابن عباس أيضاً: بيتُه شريعتُه ودِينُه؛ استعار لها بَيْتاً كما يقال قُبَّة الإسْلاَمِ وفُسْطَاطُ الدين، وقيل: أراد سفينتَه.
وقوله: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} تعميمٌ بالدعاء لمؤمِني كلِّ أمَّةٍ، وقال بعض العلماء: إن الذي استجابَ لنوح عليه السلامُ فأغْرَق بدعوتِه أهْلَ الأرضِ الكفارِ، لجديرٌ أن يستجيبَ له فَيَرْحَمَ بدعوتِهِ المؤْمنينَ، والتَّبَارُ: الهَلاَك.

.تفسير سورة الجن:

وهي مكية بإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم.