فصل: تفسير الآيات (62- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (62- 72):

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)}
وقولُهُ تعالى: {أذلك خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} المرادُ بالآية: تقريرُ قريشٍ والكفارِ، قال * ع *: وفي بعض البلادِ الجَدْبَةِ المجاورةِ للصَّحَارَى شجرةٌ مُرَّةٌ مَسْمُومَةٌ لَهَا لَبَنٌ، إنْ مَسَّ جِسْمَ أَحَدٍ؛ تَوَرَّمَ وَمَاتَ مِنْهُ في أغلب الأمْرِ؛ تُسَمَّى شجَرَةَ الزَّقُّومِ، والتَّزَقُّمُ في كَلاَمِ العَرَب: البَلْعُ عَلَى شِدَّةٍ وَجَهْدٍ.
وقوله تعالى: {إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} قال قتادة ومجاهد والسُّدِّيُّ: يريد أبا جهل ونظراءه، وقد تقدم بيانُ ذلك.
وقوله تعالى: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} اخْتَلَفَ في معناه؛ فقالت فرقة: شَبَّهَ طَلْعَها بثَمَرِ شَجَرَةٍ مَعْرُوفَةٍ يقالُ لَها {رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}، وهي بناحِيَةِ اليَمَنِ، يقال لها: الأَسْتَنُ، وقالت فرقة: شَبَّهَ برُؤُوسِ صِنْفٍ منَ الحيَّاتِ يُقَالُ لها الشَّياطِين، وهي ذواتُ أعْرَافٍ، وقالت فرقة: شَبَّه بما اسْتَقَر في النُّفُوسِ مِنْ كَرَاهَةِ رؤوس الشياطين وقُبْحِهَا؛ وإنْ كانَتْ لاَ تُرَى؛ لأن الناسَ إذا وصفوا شَيْئاً بِغَايَةِ القُبْحِ قَالوا: كأنَّه شَيْطَانٌ؛ ونَحوُ هذا قولُ امْرِئ القيس:
أَيَقْتُلُنِي وَالمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي ** وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ

فإنَّما شَبَّه بما استقر في النفوس من هيئتها، والشَّوْبُ: المِزَاجُ والخَلْطُ؛ قاله ابن عباس وقتادة، والحميم: السُّخْنُ جِدًّا مِن الماء؛ ونحوِهِ، فيريدُ به هاهنا شَرَابَهُمْ الذي هو طِينةُ الخَبَالِ صَدِيدُهُمْ وَمَا يَنْماعُ مِنْهُمْ؛ هذا قولُ جماعةٍ من المفسرين.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} كقوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ} وقوله سبحانه: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءَابَاءَهُمْ...} الآيةُ، تمثيلٌ لقريشٍ و{يُهْرَعُونَ} معناه: يُسْرِعُونَ؛ قاله قتادة وغيره، وهذا تَكَسُّبُهُمْ للكفرِ وحِرْصُهم عليه.

.تفسير الآيات (73- 76):

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)}
وقوله تعالى: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} يَقْتَضِي الإخبارَ بأنه عذَّبَهُمْ؛ ولذلك حَسُنَ الاستثناءُ في قوله: {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} ونِداءُ نُوحٍ تَضَمَّنَ أشْياءَ؛ كطَلبِ النصرة والدعاءِ على قومِه وغيرِ ذلك، قال أبو حيان: وقوله: {فَلَنِعْمَ المجيبون} جَوابُ قَسَمٍ كقوله: [من الطويل]
يَمِيناً لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدْتُما

والمخصوصُ بالمَدْحِ محذوفٌ، أي: فَلنِعْمَ المجيبُونَ نَحْنُ، انتهى.

.تفسير الآيات (77- 82):

{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)}
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} قال ابن عبَّاسٍ وقتادة: أهْلُ الأرضِ كلُّهُمْ من ذريةِ نوحٍ، وقالت فرقة: إنَّ اللَّه تعالى أَبْقَى ذريةَ نُوحٍ وَمَدَّ نَسْلَه، وليسَ الأمْرُ بأَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا انْحَصَرُوا إلى نَسْلِهِ، بَلْ في الأُمَمِ مَنْ لاَ يَرْجِعُ إليْه، والأول أشْهَرُ عَنْ عُلَماءِ الأمَّة، وقالوا: نوحٌ هو آدم الأصغر، قال السُّهَيْلِيُّ: ذُكِرَ عَنْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أنه قال في قوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين}: إنَّهم سامٌ وحَامٌ ويافثُ، انتهى.
وقوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الأخرين} معناهُ: ثناءً حسَناً جَميلاً باقياً آخِرَ الدَّهْرِ؛ قاله ابن عباس وغيره، و{سلام} رفعٌ بالابتداء مُسْتَأنف، سَلَّمَ اللَّهُ به عليه لِيَقْتَدِيَ بذلك البَشَرُ. * ت *: قال أبو عُمَرَ في التمهيد: قال سعيد يعني: ابن عبد الرحمن الجُمَحِيَّ: بلَغَني أنه مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي: {سلام على نُوحٍ في العالمين} لَمْ تَلْدَغْهُ عَقْرَبٌ، ذَكَرَ هذا عندَ قولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم للأسْلَمِيِّ الذي لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ: «أمَا لَوْ أَنَّكَ قُلْتَ حِينَ أمْسَيْتَ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ»، قَالَ أبُو عُمَرَ: وَرَوَى ابنُ وَهْبٍ هذَا الحديثَ عَنْ مالكٍ يَعْني: حديثَ: «أعوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ» بإسْنَادِهِ مِثْلَ ما في المُوطَّإ، إلا أنَّه قال في آخره: «لَمْ يَضُرَّكَ شَيْءٌ» انتهى.
وقوله تعالى: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الأخرين} قال جماعة من العلماء: إنَّ الغَرَقَ عَمَّ جميعَ النَّاسِ، وأسْنَدُوا في ذلك أحَادِيثَ، قَالُوا: وَلَمْ يَكُنِ الناسُ حينئذٍ بهذهِ الكَثْرَةِ؛ لأنَّ عَهْدَ آدم كانَ قريباً، وكانتْ دَعْوَةُ نُوحٍ ونُبُوَّتُهُ قَدْ بَلَغَتْ جميعَهم، لِطُولِ المدَّةِ واللَّبْثِ فِيهم، فَتَمادَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مَا دَعَاهُمْ إليه من عبادةِ الرحمن؛ فلذلكَ أغْرَقَ اللَّهُ جميعَهُمْ.

.تفسير الآيات (83- 87):

{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)}
وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} قال ابنُ عبَّاسٍ وغيره: الضميرُ عائِدٌ على نوحٍ، والمعنى: في الدينِ والتَّوْحيدِ، وقَال الطبريُّ وغيره عن الفَرَّاءِ: الضميرُ عائِدٌ عَلى محمدٍ، والإشَارَةُ إليه.
وقوله: {أَئِفْكاً} استفهامٌ بمعنى التقرير، أي: أَكَذِباً ومُحَالاً، {ءَالِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ}.
وقوله: {فَمَا ظَنُّكُم} تَوْبِيخٌ وتحذيرٌ وتَوَعُّدٌ.

.تفسير الآيات (88- 90):

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)}
وقوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم} رُوِيَ أنَّ قَوْمَهُ كانَ لهم عِيدٌ يَخْرُجُونَ إليه فَدَعَوْا إبراهيمَ عليه السلام إلى الخروجِ مَعَهُمْ، فَنَظَرَ حينَئِذٍ، واعتَذَرَ بِالسُّقْمِ، وأرادَ البَقَاءَ لِيُخَالِفَهُمْ إلى الأصْنَامِ، ورُوِيَ أنَّ عِلْمَ النُّجُومِ كانَ عندَهم مَنْظُوراً فِيه مُسْتَعْمَلاً؛ فأوْهَمَهُم هو من تلكَ الجهة، قالت فرقة: وقوله: {إِنِّى سَقِيمٌ} مِنَ المعَارِيضِ الجَائِزَةِ.

.تفسير الآيات (91- 102):

{فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)}
وقوله تعالى: {فَرَاغَ إلى ءَالِهَتِهِمْ} راغ معناه: مَالَ.
وقوله: {أَلاَ تَأْكُلُونَ} هو على جِهَةِ الاسْتِهْزَاءِ بِعَبَدَةِ تلكَ الأصْنَامِ، ثم مَالَ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى ضَرْبِ تلك الأصْنامِ بِفَأْسٍ حَتَّى جَعَلَها جُذَاذاً، واخْتُلِفَ في معنى قوله: {باليمين} فقال ابن عَبَّاس: أراد يمنى يَدَيْهِ، وَقِيلَ: أرادَ بِقُوَّتِه؛ لأنَّه كانَ يَجْمَعُ يَدَيْهِ مَعاً بِالفَأْسِ، وقيل: أراد باليمينِ، القَسَمَ في قوله: {وتالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم} [الأنبياء: 57] والضميرُ في أقبلوا لكُفَّارِ قَوْمِهِ و{يَزِفُّونَ} معناه: يُسْرَعُونَ، واختلف المتأَوِّلُونَ في قوله: {وَمَا تَعْمَلُونَ} فَمَذْهَبُ جماعةٍ من المفسرين: أن ما مصدرية، والمعنى: أنَّ اللَّهَ خَلَقَكُمْ وأَعْمَالَكُمْ، وهذه الآيةُ عندهُمْ قَاعِدَةٌ في خَلْقِ اللَّهِ تعالى أفْعَالَ العِبَادِ؛ وهو مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وقالت فرقة: ما بمعنى: الّذِي، والبنيان قيل: كانَ في مَوْضِع إيقَادِ النَّارِ، وقيل: بَلْ كَان لِلْمَنْجَنِيقِ الذي رُمِي عَنْه، واللَّه أعلم.
وقوله: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبِّى...} الآية، قالتْ فرقة: كان قولُهُ هذا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ النَّارِ، وأنَّه أَشَارَ بِذَهَابِهِ إلى هِجْرَتِهِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ؛ حَيْثُ كَانَتْ مملكةُ نُمْرُودَ، فَخَرَجَ إلى الشَّامِ، وقالت فِرْقَةٌ: قال هذه المقالةَ قَبْلَ أنْ يُطْرَحَ فِي النَّارِ؛ وإنما أراد لِقَاءَ اللَّهِ؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّ النَّارَ سَيَمُوتُ فِيها، وقال: {سَيَهْدِينِ} أي: إلى الجَنَّةِ؛ نَحَا إلى هذَا المعنى قتادةُ، قال * ع *: وللعارفينَ بهذَا الذَّهَابِ تَمَسُّكٌ واحْتِجَاجٌ في الصَّفَاءِ، وهُو مَحْمَلٌ حَسَنٌ في {إِنِّى ذَاهِبٌ} وحْدَهُ، والتأويلُ الأولُ أظْهِرَ في نَمَطِ الآيةِ، بما يأتي بَعْدُ؛ لأنَّ الهدايةَ مَعَهُ تَتَرَتَّبُ، والدُّعَاءُ في الوَلَدِ كذلك، ولاَ يَصِحُّ مَعَ ذَهَابِ المَوْتِ، وباقي الآيةِ تَقَدَّمَ قَصَصُهَا، وأَنَّ الراجحَ أنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إسْمَاعِيلُ، وذَكَرَ الطبريُّ أنَّ ابن عباس قال: الذبيحُ، إِسماعيل، وتَزْعُمُ اليهودُ أنَّهُ إسْحَاقُ، وكَذَبَتِ اليهُودُ، وذُكِرَ أيضاً أنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العزيزِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَجُلاً يهوديًّا كانَ أسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُه، فَقَال: الذَّبِيحُ هُوَ إسْمَاعِيلُ، وإن اليهودَ لَتَعْلَمُ ذلكَ، ولكنهمْ يَحْسُدُونَكُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ: أنْ تَكُونَ هذه الآيَاتُ وَالْفَضْلُ وَاللَّهِ في أَبِيكُمْ، والسَّعْيُ في هذه الآيةِ: العَمَلُ والعبادةُ والمَعُونَةُ، قاله ابن عَبَّاسٍ وغيرُهُ، وقال قتادةُ: السَعْيُ على القَدَمِ يريدُ سَعْيَاً مُتَمَكِّنِاً، وهذا في المعنى نَحْوُ الأوَّلِ.
وقوله: {إِنِّى أرى في المنام...} الآية، يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ رأى ذلِكَ بِعَيْنِهِ؛ ورُؤيا الأنبياءِ وَحْيٌ، وعُيِّنَ لَهُ وقتُ الامْتِثَالِ، ويُحْتَمَلُ أنَّه أُمِرَ في نومِه بِذَبْحِهِ، فَعبَّر عَنْ ذلكَ بقوله: {إِنِّى أرى} أي: أرى ما يوجبُ أنْ أذْبَحَكَ، قال ابن العَرَبِيِّ في أحكامه: واعلم أن رُؤيا الأنبياءِ وَحْيٌ فَمَا أُلْقِيَ إليهم، ونَفَثَ بهِ المَلَكُ في رُوعِهِمْ، وضَرَبَ المثَلَ لَه عَلَيْهِم فَهُو حَقٌّ؛ ولذلكَ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أنَّهُ يُنْزلُ فِيَّ قُرْآنٌ يتلى، ولكني رَجَوْتُ أنْ يرى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا حقيقةَ الرُّؤيا، وأن البَارِيَ تعالى يَضْرِبُهَا مثَلاً للناسِ، فمنها أسماءٌ وكُنًى، ومنها رُؤْيَا تَخْرُج بِصِفَتِهَا، ومنها رُؤيا تَخْرُجُ بتأويلٍ، وهُوَ كُنْيَتُهَا. ولما اسْتَسْلَمَ إبراهيمُ وولدُه إسماعيلُ عليهما السلام لقضاءِ اللَّهِ، أُعْطِيَ إبراهيمُ ذَبِيحاً فِدَاءً، وقيل له: هذا فداءُ وَلَدِكَ، فامْتَثِلْ فِيه مَا رَأَيْتَ؛ فإنَّه حقيقةُ مَا خاطبناك فيه، وهُو كِنَايَةٌ لاَ اسم، وجَعَلَهُ مُصَدِّقاً للرؤيا بمبادَرةِ الامْتِثَال، انتهى.

.تفسير الآيات (103- 124):

{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)}
وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي: أسلما أنفسهمَا، واسْتَسْلَمَا للَّه عز وجل، وقَرَأ ابن عبَّاس وجماعة: {سَلَّمَا}، والمعنى فَوَّضَا إليه في قضائه وقَدَرِهِ سبحانه، فأسْلَم إبراهيمُ ابْنَهُ، وأسْلَمَ الابْنُ نَفْسَهُ، قال بعْضُ البَصْرِيين: جوابُ لما محذوفٌ تقديره: فلما أسْلَمَا وَتَلَّهُ للجبينِ، أُجْزِلَ أجْرُهُما، ونحوُ هذا مِمَّا يَقْتَضِيهِ المعنى، {وَتَلَّهُ} معناه: وَضَعَه بقوَّةٍ ومنْه الحديثُ في القِدْحِ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في يده، أي: وضعه بقوَّة، و{لِلْجَبِينِ} معناه: لتلك الجهةِ وعليها، كما يقولون في المثلِ: [الطويل]
............. ** وخَرَّ صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ

وكما تقول: سَقَطَ لِشِقِّهِ الأيْسَرِ، والجَبِينانِ: ما اكْتَنَفَ الجَبْهَةَ مِنْ ههنا، ومن ههنا، وأَنْ من قوله: {أَن ياإبراهيم} مُفَسِّرَةٌ لاَ مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإعْرَابِ، و{صَدَّقْتَ الرؤيا} يحتملُ أنْ يريدَ بقَلْبِكَ أو بِعَمَلِكَ، و{الرؤيا} اسمٌ لِمَا يرى مِن قِبَلِ اللَّهِ تعالى، والمَنَامُ والحُلْمُ: اسمٌ لما يرى منْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ؛ ومنه الحديث الصحيح: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ»، و{البلاء}: الاخْتِبَارُ، والذَّبْحُ العظيمُ في قول الجمهور: كَبْشٌ أبْيَضُ أعْيَنُ، وَجَدَهُ وَرَاءَهُ مَرْبُوطاً بسَمُرَةٍ، وأَهْلُ السُّنَّةِ على أَنَّ هذه الْقِصَّةَ نُسِخَ فيها العَزْمُ على الْفِعْلِ؛ خلافاً للمعتزلة، قال أحمد بن نَصْرٍ الداوودي: وإنْ نَسَخَ اللَّهُ آيةً قَبْلَ العَمَلِ بِهَا؛ فإنَّما يَنْسَخُها بَعْدَ اعْتِقَادِ قَبُولِها وهُوَ عَمَلٌ انتهى من تفسيره عند قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ} [البقرة: 106] قال * ع *: ولا خلافَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ أَمَرَّ الشَّفْرَةَ على حَلْقِ ابنه فَلَمْ تَقْطَعْ، والجمهورُ أَنَّ أمْرَ الذَّبْحِ كانَ بِمِنًى، وقال الشَّعْبِيُّ: رَأَيْتُ قَرْنَيْ كَبْشِ إبْرَاهِيمَ مُعَلَّقَتَيْنِ في الكَعْبَةِ، وروى عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَا فَاطِمَةُ، قُومِي لاٌّضْحِيَتِكِ، فاشهديها؛ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: إنَّ صَلاَتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ» قال عِمْرَانُ: قلت: يا رسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكَ وَلأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَال: «لاَ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» رواه الحاكم في المستدرك انتهى من السِّلاَح.
وقوله تعالى: {وظالم لِّنَفْسِهِ} توعُّد لمنْ كَفَرَ من اليهودِ بمحمَّد عليه السلام، و{الكتاب المستبين}: هو التوراةُ، قال قتادة وابن مَسْعُود: إلْيَاسُ: هو إدريسُ عليه السلام، وقالت فرقة: هو مِنْ وَلَدِ هَارُونَ، وقرأ نافِعُ وابن عامِر: {على آلِ يَاسِينَ}، وقرأ الباقون: {على إلْيَاسِينَ} بألفٍ مكسورةٍ ولامٍ ساكنةٍ، فَوُجِّهَتِ الأولى؛ على أنها بمعنى: أهْل، و{ياسِينُ}: اسمُ لإلياسَ، وقيل: هو اسم لمحمَّد عليه السلام، ووُجِّهَتِ الثانيةُ على أَنَّها جَمْعُ {إلْيَاسِيٍّ}، وقرأ ابن مسعود والأعمش: «وإنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ، وَسَلاَمٌ على إدْرِيسِينَ»، قال السُّهيليُّ: قال ابن جِنِّيْ: العربُ تتلاعبُ بالأسماءِ الأعجميةِ تلاعباً؛ فياسين، وإلياسُ واليَاسِينُ شيءٌ واحدٌ، انتهى.
* ت *: وحكى الثعلبيُّ هنا حكايةً عَنْ عَبْدِ العزيزِ بْنِ أبي رواد، عن رجلٍ لَقِي إلياسَ في أيَّام مَرْوانَ بن الحَكَمِ، وأخبَرَهُ بعَدَدِ الأبْدَالِ وعَن الخَضِرِ في حكايةٍ طويلةٍ لا ينبغي إنكارُ مثلها؛ فأولياءُ اللَّهِ يُكاشَفُونَ بِعَجَائِبَ، فلا يُحْرَمُ الإنْسَانُ التَّصْدِيقَ بِهَا، جعلنَا اللَّه مِنْ زُمْرَةِ أوليائه، انتهى.

.تفسير الآيات (125- 138):

{أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)}
وقوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} معناه: أتعبُدُون، قَال الحسن والضَّحَّاك وابن زيد: بَعْلٌ: اسمُ صَنَمٍ: كانَ لَهُمْ، ويقال له: بَعْلَبَك، وذكر ابنُ إسحاقٍ عن فرقة: أَنّ بَعْلاً اسْمُ امرأةٍ كَانَتْ أَتَتْهُمْ بضلالةٍ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: {اللَّهَ ربَّكم وربَّ آبائكم} كلُّ ذلك بالنَّصبِ بَدَلاً مِن قوله: {أَحْسَنَ الخالقين} وقرأ الباقونَ كلَّ ذلكَ بالرفعِ على القَطْعِ والاستئناف، والضميرُ في {فَكَذَّبُوهُ} عائِدٌ على قومِ إلياسَ، و{لَمُحْضَرُونَ} معناه: مَجْمُوعُونَ لعذابِ اللَّهِ.
وقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} مخاطبةٌ لقريشٍ، ثم وبَّخَهُمْ بقوله: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.

.تفسير الآيات (139- 142):

{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)}
وقوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ...} الآية هو يونُسُ بن مَتَّى صلى الله عليه وسلم، وهُو مِنْ بنِي إسرائيل.
وقوله تعالى: {إِذْ أَبَقَ} الآية، وذلك أنه لما أخْبَرَ قَوْمَهُ بِوقْتِ مجيءِ العذَابِ، وغَابَ عَنْهُمْ، ثم إنَّ قَوْمَهُ لَما رَأَوْا مَخَايِلَ العَذَابِ أنابُوا إلى اللَّهِ، فَقبلَ تَوْبَتَهُمْ، فلَمّا مَضَى وقتُ العَذَابِ، وَلَمْ يُصِبْهُمْ، قال يونسُ: لا أرْجِعُ إليهمْ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، ورُوِي أنَّه كَانَ في سيرَتِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوا الكَذَّابَ فَأَبقَ إلى الْفُلْكِ، أيْ: أَرَادَ الهُرُوبَ، ودَخَلَ في البَحْرِ، وعبَّر عَنْ هُرُوبِهِ بالإباقِ مِنْ حَيْثُ إنَّه فَرَّ عَنْ غَيْرِ إذْنِ مولاهُ، فَرُوِيَ عَنِ ابنِ مسعودٍ؛ أنه لمَّا حَصَلَ في السفينةِ، وأبْعَدَتْ في البحرِ، رَكَدَتْ وَلَمْ تَجْرِ؛ وغيرُها من السُّفُن يجري يميناً وشِمالاً، فقال أهلها إنَّ فينا لصَاحبَ ذَنْبٍ وَبِهِ يَحْبِسُنَا اللَّهُ تعالى، فقالُوا: لِنَقْتَرِعْ، فأَخَذُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْماً، واقترعوا، فَوَقَعَتِ القُرْعَةُ عَلى يونُسَ، ثَلاَثَ مراتٍ، فَطَرَحَ حينَئِذٍ نَفْسَهُ، والْتَقَمَهُ الحُوتُ، ورُوي أَنَّ اللَّهَ تعالى أَوْحَى إلى الحوتِ أَني لَمْ أَجْعَلْ يُونُسَ لَكَ رِزْقاً، وإنما جَعَلْتُ بَطْنَكَ لَه حِرْزاً وسِجْناً، فهذا معنى {فساهم}.
والمُدْحَضُ: المغلوبُ في مُحَاجَّةٍ أوْ مَسَاهَمَةٍ، وعبادةُ ابنِ العَرَبِيِّ في الأحكام: «وأوْحَى اللَّه تعالى إلى الحُوتِ: إنا لَمْ نَجْعَلْ يونُسَ لَكَ رِزْقاً، وإنما جعلنا بَطْنَكَ له مَسْجِداً» الحديثَ، انتهى، ولَفْظَةُ مَسْجِدٍ: أَحْسَنُ من السِّجْنِ، فَرَحِمَ اللَّهُ عَبداً لَزِمَ الأَدَبَ لاسيما مَعَ أنْبِيَائِهِ وأَصْفِيائِه، وال {مُلِيمُ}: الّذِي أتَى مَا يُلاَمُ عَلَيه؛ وبذلك فَسَّر مجاهدٌ وابنُ زيد.