فصل: كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


كِتَابُ السَّرِقَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ

السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ عَلَى الْخِفْيَةِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ يَعْنِي لَيْلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَهَارًا اُشْتُرِطَ الِابْتِدَاءُ، وَالِانْتِهَاءُ‏.‏

وَأَمَّا شُرِطَ الْأَخْذُ عَلَى الْخِفْيَةِ لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى غَيْرِ الْخِفْيَةِ يَكُونُ نَهْبًا وَخِلْسَةً وَغَصْبًا، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ فَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَاهَرَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْغَوْثُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏إذَا‏)‏ ‏(‏سَرَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ‏)‏ يَعْنِي دَفْعَةً وَاحِدَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ إذَا كَانَتْ فِي حِرْزٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَيُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَأَنْ يَكُون الْمَسْرُوقُ نِصَابًا كَامِلًا وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رُبْعُ دِينَارٍ، وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ‏)‏ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ عَشَرَةٌ مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ فَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْطَعْ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا عِبْرَةَ بِالنُّقْصَانِ بَعْدَ الْأَخْذِ وَإِذَا سَرَقَ الْمَالَ فِي بَلَدٍ وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا فِي الْبَلَدَيْنِ جَمِيعًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ‏)‏ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمَضْرُوبَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ تِبْرًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَمْ يُقْطَعْ‏.‏

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمَضْرُوبَةِ وَغَيْرِهَا كَنِصَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ بِدَلِيلِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ وَإِنْ سَرَقَ دَرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةٍ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُسَاوِيَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادٍ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْوَزْنِ فِيهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ نُقْرَةً وَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادًا قُطِعَ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ وَلَكِنْ يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَسَرَقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ قُطِعَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ‏)‏ الْحِرْزُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ انْتَهَبَ أَوْ اخْتَلَسَ أَوْ سَرَقَ مَالًا ظَاهِرًا كَالثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَوْ الْحَيَوَانِ فِي الْمُرَاعِي لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالْحِرْزُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَبْنِيُّ لِحِفْظِ الْمَالِ، وَالْأَمْتِعَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَارًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ خَيْمَةً أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ صُنْدُوقًا، وَالْحِرْزُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِصَاحِبِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ وَكَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَجَعَلَهُ مُحْرَزًا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا لِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ نَائِمًا حِينَ سُرِقَ رِدَاؤُهُ فَإِنْ دَخَلَ السَّارِقُ الدَّارَ وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ، وَالسَّارِقُ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَلَيْسَ بِخِفْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ قُطِعَ وَإِنْ دَخَلَ اللِّصُّ لَيْلًا وَصَاحِبُ

الدَّارِ فِيهَا إنْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ قُطِعَ وَقَوْلُهُ‏:‏ لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَيْ فِي الْحِرْزِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ تُسْقِطُ الْقَطْعَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ‏)‏ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَتَنَصَّفُ وَكَذَا الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ لِلْآيَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً‏)‏ هَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ‏)‏ وَلَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْطَعْ وَيَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ حُجَّةٌ فِي الْأَمْوَالِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا وَقَدْرِهَا لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَيُعْتَبَرُ فِي إقَامَةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حُضُورُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَمُطَالَبَتُهُ بِإِقَامَتِهِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي ثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ إجْمَاعًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَطْعُ لَهُمْ جَمِيعًا، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا فَسَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا دِرْهَمًا فَأَخْرَجَهُ إلَى سَاحَتِهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَ دِرْهَمًا آخَرَ وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ هَكَذَا حَتَّى سَرَقَ عَشَرَةً فَهَذِهِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا خَرَجَ بِالْعَشَرَةِ مِنْ الدَّارِ قُطِعَ وَإِنْ خَرَجَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَفِي طَرَفِهِ دَرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْخَشَبِ، وَالْحَشِيشِ، وَالْقَصَبِ، وَالسَّمَكِ، وَالصَّيْدِ، وَالطَّيْرِ‏)‏ وَكَذَلِكَ الزِّرْنِيخُ، وَالْمَغْرَةُ، وَالْمَاءُ، وَالتَّافِهُ هُوَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ، وَالْإِوَزُّ، وَالْحَمَامُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ، وَالتُّرَابَ، وَالسِّرْقِينَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ وَلَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَالْكُحْلِ، وَالْمِلْحِ، وَالْقُدُورِ، وَالْفَخَّارِ وَكَذَا اللَّبِنُ، وَالْآجُرُّ، وَالزُّجَاجُ‏.‏

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الزُّجَاجِ الْقَطْعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اقْطَعْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ فِي الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ، وَالْفَيْرُوزَجِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَافِهًا فَصَارَ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَقَوْلُهُ‏:‏ كَالْخَشَبِ يَعْنِي مَا سِوَى السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، وَالْبِطِّيخِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ‏}‏، وَالْكَثَرُ هُوَ الْجُمَّارُ، وَقِيلَ الْوَدِيُّ وَهُوَ النَّخْلُ الصِّغَارُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ سَرَقَ شَاةً مَذْبُوحَةً أَوْ ذَبَحَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا صَارَتْ لَحْمًا وَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَالْفَوَاكِهُ الرَّطْبَةُ مِثْلُ الْعِنَبِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا قَطْعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَجْدُودَةً فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُقْفَلٌ وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ الْيَابِسَةُ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُحْرَزَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي بَقْلٍ وَلَا بَاذِنْجَانَ وَلَا رَيْحَانَ وَيُقْطَعُ فِي الْحِنَّاءِ، وَالْوَسْمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْفَاكِهَةُ عَلَى الشَّجَرِ، وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ‏)‏ يَعْنِي لَا قَطْعَ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَأَمَّا إذَا قُطِعَتْ الْفَاكِهَةُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِهَا وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَجُعِلَ فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُغْلَقٌ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الثِّيَابِ الَّتِي بُسِطَتْ لِلتَّجْفِيفِ وَإِنْ سَرَقَ شَاةً مِنْ الْمَرْعَى أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَعِيرًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رَاعٍ فَإِنْ آوَاهَا بِاللَّيْلِ إلَى حَائِطٍ قَدْ بُنِيَ لَهَا عَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ مَعَهَا حَافِظٌ أَوْ لَيْسَ مَعَهَا حَافِظٌ فَكَسَرَ الْبَابَ وَدَخَلَ وَسَرَقَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً تَسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَهَا وَهُوَ يَقُودُهَا أَوْ يَسُوقُهَا أَوْ رَاكِبٌ عَلَيْهَا قُطِعَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَابٌ مُغْلَقٌ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إغْلَاقُ الْبَابِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ مِنْ طَبْعِهَا النُّفُورُ أَمَّا الْحِنْطَةُ فِي الْحَظِيرَةِ وَسَائِرُ الْأَمْتِعَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِغْلَاقُ وَيُقْطَعُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَالْأَدْهَانِ، وَالطِّيبِ، وَالْعُودِ وَالْمِسْكِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي الْخَلِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالدَّقِيقِ، وَالسَّمْنِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَسَلِ، وَالْمَلْبُوسِ، وَالْمَفْرُوشِ، وَالْأَوَانِي مِنْ الْحَدِيدِ، وَالصُّفْرِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْأُدْمِ، وَالْقَرَاطِيسِ، وَالسَّكَاكِينِ، وَالْمَقَارِيضِ، وَالْمَوَازِينِ وَالْارسان وَلَا يُقْطَعُ فِي الْأُشْنَانِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ‏)‏ أَيْ الْمُسْكِرَةِ، وَالطَّرَبُ النَّشَاطُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْفُقَاعِ، وَالدِّبْسِ، وَالْخَلِّ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخُبْزِ، وَالثَّرِيدِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي‏)‏ ‏(‏الطُّنْبُورِ وَكَذَا الدُّفُّ، وَالْمِزْمَارُ‏)‏ لِأَنَّهُ لِلْمَلَاهِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي‏)‏ ‏(‏سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ‏)‏ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْحِلْيَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَنَاوُلِهِ الْقِرَاءَةُ فِيهِ وَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً، وَالْحِلْيَةُ إنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَة الْآنِيَةِ تَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَوْ سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ لَا يَبْقَى أَوْ لَبَنٌ لَا يُقْطَعُ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا فِي الْإِنَاءِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْإِنَاءِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي صَلِيبِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي كَسْرِهِ وَكَذَا الصَّنَمُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الَّتِي عَلَيْهَا التَّمَاثِيلُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِلْعِبَادَةِ، وَلَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ خَمْرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا نَاقِصٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ‏)‏ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَنَّهَا لِلْمَلَاهِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ‏)‏ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْحِلْيَةُ تَبَعٌ لَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا، وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ أَمَّا إذَا كَانَ يَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ فَلَا قَطْعَ فِيهِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ كَثِيرَةٌ لِأَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَا عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ جِرَابًا فِيهِ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ جَوَالِقَ فِيهَا مَالٌ قُطِعَ لِأَنَّهَا أَوْعِيَةٌ لِلْمَالِ، وَالْمَقْصُودُ بِالسَّرِقَةِ الْمَالُ دُونَ الْوِعَاءِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ‏)‏ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَكَانَ غَصْبًا لَا سَرِقَةً قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ لِأَنَّهُ مَالٌ وَلَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَهِيمَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْبَالِغِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَعْقِلُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ‏)‏ لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ كَانَتْ كُتُبَ النَّحْوِ، وَالْفِقْهِ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِسَرِقَتِهَا مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ الْحِسَابِ وَهُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْوَرِقُ دُونَ مَا فِيهَا، وَالْوَرِقُ مَالٌ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ دَفَاتِرُ قَدْ مَضَى حِسَابُهَا مَا إذَا لَمْ يَمْضِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ غَرَضَهُ مَا فِيهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ التُّجَّارِ فَفِيهَا الْقَطْعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْوَرِقُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ‏)‏ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ فِي مَالِيَّتِهِمَا قُصُورٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَ كَلْبًا، وَفِي عُنُقِهِ طَوْقُ ذَهَبٍ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَرِقَةُ الْكَلْبِ وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ إذْ لَوْ أَرَادَ سَرِقَةَ الطَّوْقِ لَقَطَعَهُ مِنْ عُنُقِ الْكَلْبِ وَأَخَذَهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا مِزْمَارٍ‏)‏ لِأَنَّ هَذِهِ مَعَازِفُ قَدْ نُدِبَ إلَى كَسْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِالطَّبْلِ طَبْلُ اللَّهْوِ أَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ أَيْضًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ‏)‏ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ عَزِيزَةٌ مُحْرَزَةٌ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِي أَوْ أَبْوَابٌ قُطِعَ فِيهَا‏)‏ لِأَنَّهَا بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ وَلَا يُقْطَعُ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ‏.‏

وَلَوْ سَرَقَ فُسْطَاطًا إنْ كَانَ مُرَكَّبًا مَنْصُوبًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْحَصِيرِ وَيُوَارِي الْقَصَبَ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ‏)‏ وَهُمَا اللَّذَانِ يَأْخُذَانِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا نَبَّاشٍ‏)‏ هَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ الدُّخُولَ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ، وَفِيهِ مَيِّتٌ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ‏)‏ الِانْتِهَابُ هُوَ الْأَخْذُ عَلَانِيَةً قَهْرًا، وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَخْطَفَ الشَّيْءَ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ وَأَمَّا الطَّرَّارُ إذَا طَرَّ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ لَا يُقْطَعُ وَبَيَانُهُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَشْدُودَةً مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ وَحَلَّ الْعُقْدَةَ وَأَخَذَ مِنْ الْخَارِجِ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَتْ الْعُقْدَةُ مَشْدُودَةً مِنْ خَارِجٍ فَحَلَّهُ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ سَوَاءٌ طَرَّ مِنْ الْخَارِجِ أَوْ الدَّاخِلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ سَقَطَتْ فِي الْكُمِّ قُطِعَ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ تَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُقْطَعْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَالٌ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ‏)‏ لِأَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِهِ فِي بَعْضِ الْمَالِ شُبْهَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَسَرَقَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يُقْطَعْ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ، وَالْحَالُ، وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَخَذْته رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِحَقِّي دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ الَّذِي يَقُولُهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغَرِيمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يَعْرِفُ الْخِلَافَ وَيُعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ يُورِثُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْقَطْعَ وَإِنْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ وَعَلَيْهِ دَنَانِيرُ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، وَالْمُعَاوَضَةِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ مَوْلَاهُ أَوْ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ حَقَّ قَبْضَ دُيُونِهِ إلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فِي دُيُونِهِمَا فَإِنْ لَمْ

يَكُنْ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَسَرَقَ مِنْ غَرِيمِهِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ عَبْدِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ دَيْنَ عَبْدِهِ مَالُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ‏)‏ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ قُطِعَ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا وَحْشَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إجْمَاعًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ‏)‏ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَرَقَ هُوَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَبَانَتْ بِغَيْرِ عِدَّةٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ أَوْ الْمُخْتَلِعَةِ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُقْطَعْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَلَّقَةً اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَذَا إذَا سَرَقَتْ هِيَ مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُقْطَعْ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ‏.‏

سَيِّدَتِهِ أَوْ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ‏)‏ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ سَرَقَتْ مِنْ مَوْلَاهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعْ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقًّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَا السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ‏)‏ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْحِرْزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ، وَالدُّورِ‏)‏ وَيُسَمَّى هَذَا حِرْزًا بِالْمَكَانِ وَكَذَلِكَ الْفَسَاطِيطُ، وَالْحَوَانِيتُ فَهَذِهِ كُلُّهَا حِرْزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَافِظٌ سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِقِيَامِ يَدِ مَالِكِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحْرِزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ‏)‏ كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحْرَزٌ بِهِ وَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا، وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ، وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ وَقَوْلُهُ بِالْحَافِظِ هَذَا إذَا كَانَ الْحَافِظُ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَيْسَ بِحَافِظٍ قَالَ مَشَايِخُنَا‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَمَا إذَا سَرَقَ الدَّابَّةَ مِنْ الْإِصْطَبْلِ أَوْ الشَّاةَ مِنْ الْحَظِيرَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِذَا سَرَقَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الْحُلِيَّ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْطَعُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِكُلِّ نَوْعٍ حَتَّى جَعَلُوا شَرِيحَةَ الْبَقَّالِ وَقَوَاصِرَ التَّمْرِ حِرْزًا لِلدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَاللُّؤْلُؤِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ الشَّرِيحَةُ الْجِرَارُ أَوْ الوشحة، وَلَوْ سَرَقَ الْإِبِلَ مِنْ الطَّرِيقِ مَعَ حِمْلِهَا لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا عَلَيْهَا أَوْ لَا لِأَنَّ هَذَا مَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْجَوَالِقَ بِعَيْنِهَا أَمَّا

إذَا شَقَّ الْجَوَالِقَ فَأَخْرَجَ مَا فِيهَا إنْ كَانَ صَاحِبُهَا هُنَاكَ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ‏)‏ يَعْنِي مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لِرَجُلٍ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَتَى مَنْزِلًا آخَرَ فَسَرَقَ مِنْهُ دِرْهَمًا آخَرَ لَمْ يُقْطَعْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ‏)‏ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ، وَالْخَانَاتُ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ‏)‏ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْحَافِظِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ‏)‏ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي دُخُولِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ عَلَى خَادِمِ الْقَوْمِ إذَا سَرَقَ مَتَاعَهُمْ وَلَا أَجِيرً سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ عَلَى رَجُلٍ فَسَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ مِنْ الدَّارِ عَلَى حِدَةٍ قُطِعَ السَّارِقُ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ صَارَ أَخَصَّ بِالْحِرْزِ مِنْ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِهِ وَعِنْدَهُمَا إذَا سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ مُفْرَدٍ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْحِرْزِ وَلَا فِي الْمَالِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْأَصْهَارِ أَوْ الْأُخْتَانِ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلْخَتَنِ أَمَّا إذَا كَانَ لِلْبِنْتِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصِّهْرِ إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلزَّوْجَةِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا، وَلَوْ سَرَقَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ مِنْ بَيْتِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْعِدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ بَيْتِ الْعَدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ وَدَخَلَ فَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ وَكَذَا الْخَارِجُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ الدَّاخِلُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَاوَلَهُ قَامَتْ يَدُ الثَّانِي مَقَامَ يَدِهِ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ، وَالشَّيْءُ فِي يَدِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ قُطِعَا جَمِيعًا، وَلَوْ أَنَّ الدَّاخِلَ رَمَى بِهِ إلَى صَاحِبٍ لَهُ خَارِجَ الْحِرْزِ مِنْ غَيْرِ مُنَاوَلَةٍ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ سَرَقَ سَرِقَةً وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ‏)‏ وَهَذَا إذَا رَمَى بِهِ فِي الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ وَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَطْعٌ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي الْحِرْزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَإِذَا خَرَجَ وَأَخَذَهُ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ مَعَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ التَّضْيِيعَ لَا السَّرِقَةَ فَكَانَ مُضَيِّعًا لَا سَارِقًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ وَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ‏)‏ يَعْنِي أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ مَا عَلَى الْبَهِيمَةِ يَدُهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَسَاقَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَسُقْهُ حَتَّى خَرَجَ الْحِمَارُ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ جَعَلَ لُؤْلُؤًا عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ وَطَيَّرَهُ قُطِعَ وَإِنْ طَارَ بِنَفْسِهِ لَا قَطْعَ

عَلَيْهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ إحْرَاقٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ لُؤْلُؤًا فَابْتَلَعَهُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَلَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَضَعَهَا مَعَ الْغَائِطِ، وَلَوْ نَقَبَ الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا ثُمَّ جَاءَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَدَخَلَ وَأَخَذَ شَيْئًا إنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَيْتِ قَدْ عَلِمَ بِالنَّقْبِ وَلَمْ يَسُدَّهُ أَوْ كَانَ النَّقْبُ ظَاهِرًا يَرَاهُ الْمَارُّونَ وَبَقِيَ كَذَلِكَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا قُطِعَ وَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْ الْحِرْزِ فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى وَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى نِصَابًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرْزِ نَهْرٌ جَارٍ فَوَضَعَ الْمَتَاعَ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ الْمَاءُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكٍ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حِرْزٍ فَدَخَلَ آخَرُ وَحَمَلَ السَّارِقَ، وَالْمَالُ مَعَ السَّارِقِ قُطِعَ الْمَحْمُولُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْحَامِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا لِطَبَقٍ لَمْ يَحْنَثْ‏.‏

وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ الْحِرْزِ دَفْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ سَدَّ النَّقْبَ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي يَكُونُ سَرِقَةً أُخْرَى فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فِي كُلِّ دُفْعَةٍ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قُطِعَ، وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ عَرْضًا قُطِعَ إذَا كَانَ بَعْدَ الشَّقِّ يُسَاوِي نِصَابًا وَإِنْ شَقَّهُ طُولًا فَكَذَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الشَّقَّ بِالطُّولِ اسْتِهْلَاكٌ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَلَمَّا كَانَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ

بِالضَّمَانِ فَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ قُطِعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الثَّوْبَ لَهُ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا سَقَطَ الْقَطْعُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ إجْمَاعًا لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزُ جَمَاعَةً فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا‏)‏ يَعْنِي إذَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةً، وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ يُقْطَعُ الْآخِذُ وَحْدَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ‏)‏ هَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ، وَالْكَمَالُ فِي الدُّخُولِ، وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ فَإِنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ أَوْ فِي كُمِّ غَيْرِهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ هَتْكُ الصُّنْدُوقِ، وَالْكُمِّ إلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تُتَمَّمْ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ‏)‏ وَهُوَ الْمِعْصَمُ وَكَانَ الْقِيَاسُ‏.‏

يَتَنَاوَلُ الْيَدَ كُلَّهَا إلَى الْمَنْكِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَفِعْلُهُ بَيَانٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتُحْسَمُ‏)‏ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُحْسَمْ أَدَّى إلَى التَّلَفِ وَصُورَةُ الْحَسْمِ أَنْ تُجْعَلَ يَدُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي دُهْنٍ قَدْ أُغْلِيَ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّ مِنْهُ سَبَبَ ذَلِكَ وَهُوَ السَّرِقَةُ قَالُوا‏:‏ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتَوَسَّطَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى‏)‏ لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السَّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ‏)‏ أَوْ يَمُوتَ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لِلسَّارِقِ كَفَّانِ فِي مِعْصَمٍ وَاحِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقْطَعَانِ جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِهَا لَمْ تُقْطَعْ الزَّائِدَةُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قُطِعَا جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَإِنْ كَانَ يَبْطِشُ بِأَحَدِهِمَا قُطِعَتْ الْبَاطِشَةُ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَا تُقْطَعُ هَذِهِ الزَّائِدَةُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ‏)‏ وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ وَيَضْمَنُ الْمَالَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْإِبْهَامِ أَوْ أُصْبُعَيْنِ سِوَى الْإِبْهَامِ فَإِنَّهَا تُقْطَعُ مِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً قُطِعَتْ فَكَذَا إذَا كَانَتْ شَلَّاءَ وَإِنْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ الْمِفْصَلِ فَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ‏:‏ اقْطَعْ يَمِين هَذَا فِي سَرِقَةٍ فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِبَدَلٍ وَهِيَ الْيُمْنَى فَأَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ فِي الْعَمْدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً، وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ أَيْ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قُلْنَا‏:‏ إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٌ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَطْعُ لِلسَّرِقَةِ أَمْ لَا‏؟‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ‏.‏

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ‏:‏ لَا يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْحَدَّادُ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ بِأَنْ اجْتَهَدَ، وَقَالَ

الْقَطْعُ مُطْلَقٌ فِي النَّصِّ أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ وَلَا يُجْعَلُ عَفْوًا‏.‏

وَفِي الْمُصَفَّى إذَا قَطَعَهَا خَطَأً لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشِّمَالِ قَالَ‏:‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ وَإِنْ قَطَعَ أَحَدَ يَدِ السَّارِقِ الْيُسْرَى بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَفِي الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَة، وَفِي الْعَمْدِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ فِي الْيُمْنَى وَيَضْمَنُ السَّارِقُ الْمَالَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبَ بِالسَّرِقَةِ‏)‏ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لِأَنَّ عِنْدَنَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةٍ لِلْمُسْتَوْدِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْمُضَارِبِ الْمُسْتَبْضِعِ وَكُلِّ مَنْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَكَذَا بِخُصُومَةٍ مِمَّنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْغَاصِبِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ سَارِقٌ آخَرَ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ أَوْ قَبْلُ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِ مَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ وَإِنَّمَا هِيَ يَدٌ ضَائِعَةٌ لَا حَافِظَةٌ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا لِأَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ دُرِئَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ سَارِقٌ قُطِعَ لِأَنَّ الْقَطْعَ إذَا دُرِئَ عَنْهُ تَعَلَّقَ بِأَخْذِهِ الضَّمَانَ وَيَدُ الضَّامِنِ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَإِزَالَتُهَا تُوجِبُ الْقَطْعَ وَيَصِيرُ السَّارِقُ الْأَوَّلُ كَالْغَاصِبِ وَقَدْ قَالُوا هَلْ لِلسَّارِقِ أَنْ يُطَالِبَ بِرَدِّ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ إلَى يَدِهِ فَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ‏.‏

الْمَالِكُ الضَّمَانَ وَيَتْرُكَ الْقَطْعَ فَيَتَخَلَّصَ السَّارِقُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ أَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ

الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا حَقَّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْ السَّارِقِ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ‏)‏ وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِمِيرَاثٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، وَالْمَعْنَى فِي الْهِبَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ إذَا وَهَبَهَا لَهُ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ التَّرَافُعِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ، وَلَوْ رَدَّ السَّارِقُ السَّرِقَةَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَ، وَلَوْ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَعَفَا عَنْهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ‏:‏ شَهِدَتْ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ لَمْ يَسْرِقْ مِنِّي أَوْ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ، وَالْمُطَالَبَةُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنْ دَفَعَهُ إلَى أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُمْ يَدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ قُطِعَ وَقِيلَ‏:‏ إنْ دَفَعَهُ إلَى وَالِدَيْهِ أَوْ جَدَّيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ‏:‏ وَكَذَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِهِ أَمْ لَا وَإِنْ دَفَعَهَا لِي مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ أَبِيهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا وَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يُقْطَعُ وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدنَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ عَادَ فَزَنَى بِهَا حُدَّ أَيْضًا ثَانِيًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي السَّرِقَةِ إذَا سَقَطَ الْقَطْعُ وَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْهُ، وَفِي الزِّنَا إذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَمْ يَضْمَنْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ إنْ كَانَتْ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ‏)‏ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا إذَا غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا انْقَطَعَ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْغَزْلِ، وَلَوْ سَرَقَ نُقْرَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ إلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالتَّضْمِينُ مُتَعَذِّرٌ لِأَجْلِ قَطْعِ يَدِهِ إذْ الْقَطْعُ، وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلسَّارِقِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يُؤْخَذُ الثَّوْبُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أَخَذَ مِنْهُ نَاقِصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَإِنْ سَرَقَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَجَعَلَهَا آنِيَةً أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ، وَقَالَا يُقْطَعُ

لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَهُمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا‏)‏ وَكَذَا إذَا كَانَ السَّارِقُ قَدْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفُ السَّارِقِ فِيهَا بَاطِلٌ وَكَذَا إذَا فَعَلَ هَذَا بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْغَيْرِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا‏)‏ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ، وَالْقَطْعُ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ غَيْرُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ السَّارِقُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُودَعُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ لِأَحَدِهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حُصِرَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ حُصِرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِحَضْرَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا إجْمَاعًا فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً‏)‏ مَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الْمَالَ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَالْقَطْعَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ إقْرَارًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَنْكَرَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ سَرَقْتُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَبَقِيَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُقْطَعْ وَضَمِنَ الْمَالَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا قَتَلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً‏)‏ وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرًا، وَلَوْ اشْتَرَكَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النِّسَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الرِّجَالِ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَطْعَ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ هَذَا الْقَطْعَ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا، وَالنِّسَاءُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ فِي الْحَرْبِ لَا يَقْتُلْنَ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَقْطَعْ أَيْدِيَهُنَّ وَلَا أَرْجُلَهُنَّ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ الرِّجَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ‏)‏ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى أَخْذِ الْمَالِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَتَغَلَّظَ حُكْمُهُ بِزِيَادَةِ قَطْعِ رِجْلِهِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّ الْقَطْعَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى، وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَمِنْ شَرْطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ أَمَّا إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ فِيهِ الْغَوْثُ لَمْ يَكُنْ قَطْعًا إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْخِيَانَةَ وَإِنْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا‏)‏ أَيْ سِيَاسَةً لَا قِصَاصًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَتْلُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا إلَى الْقَتْلِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَانْحَتَمَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏حَتَّى لَوْ عَفَا عَنْهُمْ الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَتَلُوا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِخَشَبٍ أَوْ بِسَيْفٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ صَلْبًا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ‏)‏ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلْبِ وَحْدَهُ وَلَا يَقْطَعُ الْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلَ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ‏.‏

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا أُعْفِيهِ مِنْ الصَّلْبِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ‏:‏ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمَنْظُومَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ‏)‏ يَعْنِي بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُصْلَبُونَ أَحْيَاءً ثُمَّ تُبْعَجُ بُطُونُهُمْ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتُوا‏)‏ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلْبِ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطُ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيُرْبَطُ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى وَيُرْبَطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتَ‏.‏

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ فَرُوِيَ أَنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الصَّلْبَ حَيًّا مُثْلَةٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْذِيبِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ صَلْبَهُ حَيًّا أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ، وَالزَّجْرِ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ

الْمَوْتِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُصْلَبُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏)‏ لِأَنَّهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ فَإِذَا صُلِبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خُلِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَمَزَّقَ جِلْدُهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ إنْ بَاشَرَ الْأَخْذَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ بَاشَرَهُ الْعُقَلَاءُ الْبَالِغُونَ حُدُّوا وَلَمْ يُحَدَّ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ إذَا بَاشَرُوا فَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ، وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَتْبُوعِ فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِي بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ لِذِي الرَّحِمِ شُبْهَةٌ فِي مَالِ ذِي الرَّحِمِ بِدَلَالَةِ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ فِي السَّرِقَةِ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ إنْ وَلِيَتْ الْقَتْلَ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الرِّجَالُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَأَفْعَلُ بِهِمْ مَا أَفْعَلُ بِالْمُحَارِبِينَ وَلَا أَقْتُلُ الْمَرْأَةَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ أَقْتُلُهَا إنْ قَتَلَتْ وَأُضَمِّنُهَا الْمَالَ إنْ أَخَذَتْهُ وَلَا أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَلَكِنْ أُوجِعُهُمْ ضَرْبًا وَأَحْبِسُهُمْ‏.‏

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ أَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ‏:‏ مَنْ بَاشَرَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَالتِّسْعَةَ مِنْهُمْ قِيَامٌ، وَالْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَقْتُلُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ فَإِنَّهُمْ

يُقْتَلُونَ فَإِنْ تَابُوا ثُمَّ أُخِذُوا يُقْتَلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا غَيْرُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَصَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا‏)‏ يَعْنِي إنْ شَاءُوا قَتَلُوا مَنْ قَتَلَ وَهُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَقَدْ قَتَلَ بِحَدِيدٍ أَمَّا إذَا قَتَلَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَلِيَ الْقَتْلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَا أَخَذَا الْمَالَ ضَمِنَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ بَاشَرَ الْفِعْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ‏)‏ يَعْنِي مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَكَانَ رِدْءًا لَهُمْ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ وَمَا لَزِمَ الْمُبَاشِرَ فَهُوَ لَازِمٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مُعِينًا لَهُمْ وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَطَلَبَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ إنْ كَانَ قَتَلَ وَاقْتُصَّ مِنْهُ إنْ كَانَ جَرَحَ وَرَدَّ الْمَالَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَضَمِنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَدْ كَانَ قَتَلَ اُعْتُبِرَتْ الْآلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَالسَّرِقَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

الْأَشْرِبَةُ جَمْعُ شَرَابٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ‏:‏ الْخَمْرُ وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ‏)‏ يَعْنِي النِّيءَ مِنْهُ ‏(‏إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ‏)‏ مِنْ دُونِ أَنْ يُطْبَخَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ‏)‏ وَيُسَمَّى الطِّلَاءُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَنَقِيعُ التَّمْرِ إذْ اشْتَدَّ وَغَلَى‏)‏ وَيُسَمَّى السَّكَرُ ‏(‏وَ‏)‏ نَقِيعُ ‏(‏الزَّبِيبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ‏)‏، وَالْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهَا وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا، وَالثَّانِي فِي حَدِّ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ اشْتَرَطَ الْقَذْفَ بِالزَّبَدِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ، وَالثَّالِثُ إنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً كَالْبَوْلِ، وَالْخَامِسُ أَنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا، وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ لِأَنَّهُ ثَمَنُ بَيْعٍ بَاطِلٍ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْهُ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ جَائِزٌ، وَالسَّابِعُ‏:‏ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجِسِ حَرَامٌ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ، وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ اقْتِرَابٌ قَالَ اللَّه تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاجْتَنِبُوهُ‏}‏، وَالثَّامِنُ‏:‏ أَنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏

مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ‏}‏‏.‏

وَالتَّاسِعُ‏:‏ أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا بَعْدَ الْقَذْفِ بِالزَّبَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهَا مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَدَّ بِالْقَلِيلِ فِي النِّيءِ خَاصَّةً وَهَذَا قَدْ طُبِخَ، وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَخْلِيلِهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ‏.‏

وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ فَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَيُسَمَّى الْبَاذَقُ، وَالْمُنَصَّفُ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا أَيْضًا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ، وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ يُسَمَّى السَّكَرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ فَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ‏:‏ الْأَشْرِبَةُ ثَمَانِيَةٌ الْخَمْرُ، وَالسَّكَرُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ، وَالْفَضِيخُ، وَالْبَاذِقُ، وَالطِّلَاءُ، وَالْجُمْهُورِيُّ فَالْخَمْرُ‏:‏ هُوَ النِّيءُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالسَّكَرُ‏:‏ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إذَا غَلَى مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَائِهِ وَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عَلَى الْخِلَافِ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ، وَالْفَضِيخُ‏:‏ وَهُوَ الْبُسْرُ يُدَقُّ وَيُكْسَرُ وَيُنْقَعُ فِي الْمَاءِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَغْلِيَ وَيَشْتَدَّ وَيُقْذَفَ بِالزَّبَدِ، وَالْبَاذِقُ وَهُوَ الْعَصِيرُ إذْ طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ، وَالطِّلَاءُ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ شُمِّسَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَالْجُمْهُورِيُّ‏:‏ هُوَ الطِّلَاءُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنْ صُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بَعْدَ ذَلِكَ أَدْنَى طَبْخٍ وَصَارَ مُسْكِرًا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَاذَقِ ثُمَّ الْخَمْرُ حَرَامٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَمَنْ شَرِبَ مِنْهَا قَلِيلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَمَنْ شَرِبَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُصَلِّ إلَى الْجَوْفِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏

وَلَوْ خَلَطَ الْخَمْرَ بِالْمَاءِ وَشَرِبَهَا إنْ كَانَ الْخَمْرُ غَالِبًا أَوْ مِثْلَهُ حُدَّ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ إذَا وَصَلَ جَوْفَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يُسْكِرَ وَشُرْبُ ذَلِكَ حَرَامٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَالنَّجَاسَةُ إذَا خَالَطَتْ الْمَاءَ لَمْ يَجُزْ شُرْبُهُ، وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فِيهِ فَلَا يُزِيلُهَا الطَّبْخُ فَإِنْ شَرِبَهُ إنْسَانٌ حُدَّ لِأَنَّ الطَّبْخَ حَصَلَ فِي عَيْنٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَتِهَا كَطَبْخِ الْخِنْزِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ الطَّبْخَ حَصَلَ فِي عَيْنٍ مُبَاحَةٍ فَتَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَةِ الْعَصِيرِ فَحَدَثَتْ الشِّدَّةُ فِيهِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَصِيرٍ فَلِذَلِكَ حَلَّ، وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ عُصِرَ، فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالطَّبْخِ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْعِنَبَ إذَا طُبِخَ فَالْعَصِيرُ قَائِمٌ فِيهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَطَبْخُهُ قَبْلَ الْعَصِيرِ كَطَبْخِهِ بَعْدَ الْعَصِيرِ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ، وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ كَانَ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخِهِ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَاهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَنَبِيذُ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخٍ‏)‏ أَيْ حَتَّى يَنْضَجَ ‏(‏فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شَرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرَبٍ‏)‏ هَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ هُوَ حَرَامٌ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرِبَهُ لِلتَّقَوِّي فِي الطَّاعَةِ أَوْ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ أَوْ لِلتَّدَاوِي وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ‏)‏ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَ التَّمْرِ وَمَاء الزَّبِيبِ وَيُطْبَخَانِ أَدْنَى طَبْخٍ وَقِيلَ هُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ التَّمْرِ، وَالْعِنَبِ أَوْ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ وَيُعْتَبَرُ فِي طَبْخِهِمَا ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ، وَلَوْ سَقَى الشَّاةَ خَمْرًا ثُمَّ ذَبَحَهَا إنْ ذَبَحَهَا مِنْ سَاعَتِهَا تَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبَعْدَ يَوْمٍ فَصَاعِدًا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَوْ بَلَّ الْحِنْطَةَ بِالْخَمْرِ فَإِنَّهَا تُغْسَلُ فَإِذَا جَفَّتْ وَطُحِنَتْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا طَعْمُ الْخَمْرِ وَلَا رَائِحَتُهَا حَلَّ أَكْلُهَا وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَنَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ‏)‏ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرَبٍ وَكَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ الدَّخَنِ، وَالْإِجَّاصِ، وَالْمُشَمَّسِ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ، وَالنَّخْلَةِ‏}‏ ثُمَّ قِيلَ‏:‏ يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ لِإِبَاحَتِهِ وَقِيلَ‏:‏ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي شُرْبِ الْمُتَّخَذٍ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ‏:‏ لَا يُحَدُّ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ فَوْقَ ثُمَّ إذَا سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَذَاهِبِ الْعَقْلِ بِالْبَنْجِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرِبَهُ لِلتَّدَاوِي أَمَّا إذَا شَرِبَهُ لِلَّهْوِ، وَالطَّرَبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ‏)‏ هَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ حَرَامٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّلَهِّي لَا يَحِلُّ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ‏:‏ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ هَذَا إذَا طُبِخَ كَمَا هُوَ عَصِيرٌ أَمَّا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ ثُمَّ طُبِخَ لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ شَرِبَهُ إنْسَانٌ حُدَّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُقَيَّرِ‏)‏ الدُّبَّاءُ‏:‏ الْقَرْعُ، وَالْحَنْتَمُ‏:‏ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالتَّاءِ وَكَسْرِهِمَا لُغَتَانِ هُوَ جِرَارٌ خُضْرٌ‏.‏

وَالْمُزَفَّتُ‏:‏ الْإِنَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقِيرُ وَقِيلَ‏:‏ بِالشَّمْعِ وَقِيلَ‏:‏ بِالضَّفَاعِ، وَالنَّقِيرُ عُودٌ مَنْقُورٌ، وَالْمُقَيَّرُ الْمَطْلِيُّ بِالْقِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لِأَنَّ الظُّرُوفَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ حَلَّتْ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِشَيْءٍ طُرِحَ فِيهَا‏)‏ مِثْلُ أَنْ يَطْرَحَ فِيهَا الْمِلْحَ أَوْ يُصَبَّ فِيهَا الْمَاءُ الْحَارُّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ فَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ‏:‏ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ كَذَا فِي الْمُصَفَّى ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَقَالَاتِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يُكْرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْبَنْجِ، وَالْحَشِيشَةِ، وَالْأَفْيُونِ وَذَلِكَ كُلُّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْلَ حَتَّى يَصِيرَ الرَّجُلُ فِيهِ خَلَاعَةٌ وَفَسَادٌ وَيَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ لَكِنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ دُونَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ كَمَا إذَا شَرِبَ الْبَوْلَ وَأَكَلَ الْغَائِطَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ يُعَزَّرُ بِمَا دُونَ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ

الصَّيْدُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُصَادُ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ وَإِذَا رَكِبْتَ فَصَيْدُك الْأَبْطَالُ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ لَهُ أَحْكَامٌ وَشَرَائِطُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ، وَالذَّبَائِحُ‏:‏ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْفَهْدِ الْمُعَلَّمِ، وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ‏)‏ مِثْلُ الْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالدُّبِّ، وَالْفَهْدِ وَلَا يَجُوزُ بِالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا‏:‏ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالذِّئْبِ، وَالْأَسَدِ لِأَنَّ الْأَسَدَ لَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكِبْرِ، وَالذِّئْبَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّعَلُّمُ لِخِيَانَتِهِ وَلِهَذَا يُقَالُ مِنْ التَّعْذِيبِ تَهْذِيبُ الذِّئْبِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعْلِيمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ‏}‏ أَيْ مُسَلِّطِينَ، وَالتَّكْلِيبُ إغْرَاءُ السَّبُعِ عَلَى الصَّيْدِ ثُمَّ لِلِاصْطِيَادِ سَبُعِ شَرَائِطَ أَرْبَعٌ فِي الْمُرْسَلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَأَنْ يَكُونَ ذَا جَارِحَةٍ غَيْرَ نَجِسَ الْعَيْنِ وَأَنْ يَجْرَحَهُ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي وَأَنْ يُمْسِكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَثَلَاثٌ فِي الْمُرْسِلِ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا يَعْقِلُ الْإِرْسَالَ، وَالثَّانِي التَّسْمِيَةُ فِي حَالِ الْإِرْسَالِ عِنْدَ الذِّكْرِ، وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ، وَالتَّوَارِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏)‏ هَذَا عِنْدَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّهُ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ عَلَى ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ بَلْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الصَّائِدِ ثُمَّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا الرَّابِعُ وَعِنْدَهُ يُؤْكَلُ الثَّالِثُ وَإِنَّمَا قَدَّرَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَقَدْ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْخَضِرِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ ‏{‏إنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي‏}‏ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ مَنْ اتَّجَرَ فِي شَيْءٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرْبَحْ فَلْيَنْتَقِلْ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا صَادَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فِي الظَّاهِرِ فَصَادَ بِهِ صَاحِبُهُ صُيُودًا ثُمَّ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا صَادَهُ بَطَلَ تَعْلِيمُهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ بَعْدَ هَذَا حَتَّى يُعَلَّمَ تَعْلِيمًا فَيَصِيرُ مُعَلَّمًا وَمَا كَانَ قَدْ صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّيُودِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يَحِلُّ أَكْلُهَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ إذَا دَعَوْته‏)‏ وَتَرْكُ الْأَكْلِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ‏.‏

وَفِي الْبَازِي لُغَتَانِ‏:‏ تَشْدِيدُ الْيَاءِ وَتَخْفِيفُهَا وَجَمْعُهُ بُزَاةٌ، وَالْبَازُ أَيْضًا لُغَةٌ فِيهِ وَجَمْعُهُ أَبْوَازٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازَهُ أَوْ صَقْرَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ‏)‏ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَقْتَ الرَّمْيِ، وَالْإِرْسَالِ فَإِنْ رَمَى وَلَمْ يُسَمِّ عَامِدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَلَمْ يُسَمِّ عَامِدًا فَالصَّيْدُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسِيًا حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ رَمَى ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتُ الْإِرْسَالِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ وَجَرَحَهُ الْجَرْحُ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُكْتَفَى بِهِ فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ بَدَنِ الصَّيْدِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَقْدِ التَّعْلِيمِ فَإِنْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ عِلْمه حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَإِنْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ قَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا جَازَ أَكْلُ الْبَاقِي وَكَذَا إذَا وَثَبَ الْكَلْبُ عَلَى الصَّيْدِ وَقَدْ صَارَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ لُقْمَةً فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ صَاحِبُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَاقِي وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَهُ الْكَلْبُ وَأَخَذَ صَيْدًا غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ فَأَخْطَأَ وَأَخَذَ غَيْرَهُ أُكِلَ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى ظَبْيٍ فَأَخَذَ طَيْرًا أَوْ عَلَى طَيْرٍ فَأَخَذَ ظَبْيًا أُكِلَ، وَالطَّيْرُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِمَنْزِلَةِ

الْكَلْبِ وَإِنْ انْفَلَتَ كَلْبٌ عَلَى صَيْدٍ وَلَا مُرْسِلَ لَهُ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ وَسَمَّى فَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَمَا أَخَذَ فِي ذَلِكَ الْفَوْرِ مِنْ الصُّيُودِ فَقَتَلَهُ أُكِلَ كُلُّهُ وَإِنْ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَا الْبَازِي عَلَى هَذَا إذَا أَخَذَ فِي فَوْرِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْكَلْبُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ إرْسَالِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَمَنَ الْكَلْبُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ الصَّيْدُ فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ أُكِلَ لِأَنَّ كُمُونَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ فَلَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْإِرْسَالِ وَكَذَا الْبَازِي إذَا أُرْسِلَ فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ طَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ أُكِلَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ عَلَى الشَّيْءِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ طَوِيلًا وَكَذَا الرَّامِي إذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَمَا أَصَابَ فِي سَنَنِهِ ذَلِكَ أُكِلَ حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ أُكِلُوا جَمِيعًا فَإِنْ أَمَالَتْ الرِّيحُ السَّهْمَ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَعْلِيمِهِ تَرْكُ الْأَكْلِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏‏.‏

لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَلَمْ يُذْبَحْ فَصَارَ كَالْمَيْتَةِ وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ، وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لِفَقْدِ سِكِّينٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَكَذَا أَيْضًا لَا يُؤْكَلُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ وَمَا عَقَرَهُ السَّبُعُ أَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا لَا يَعِيشُ مِنْهُ إلَّا قَدْرَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَذَكَّاهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَوْ بَقِيَ فَهُوَ كَالْمَوْقُوذَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ إنْ كَانَ يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ بَقَاءِ الْمَذْبُوحِ فَذُبِحَ أُكِلَ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لَوْ ذُبِحَ الْمَجْرُوحُ حَلَّ إنْ عَلِمْ حَيَاتَهُ يَوْمًا لَوْ الذَّبْحُ عُدِمْ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ كَذَا الثَّانِي وَفِي قَوْلِ الْأَخِيرِ فَوْقَ مَا يَحْيَى الذَّكِيُّ وَفَسَّرَ حَافِظُ الدِّينِ الْجُرْحَ فِي هَذَا بِأَنْ بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهُ، وَلَوْ قَطَعَ شَاةً بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ ذَبَحَهَا آخَرُ، وَالرَّأْسُ يَتَحَرَّكُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهَا وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ ذَبَحَهَا آخَرُ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَتَلَهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ وَكَذَا لَوْ صَدَمَهُ بِصَدْرِهِ أَوْ بِجَبْهَتِهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِنَابٍ وَلَا بِمِخْلَبٍ لِأَنَّ الْجُرْحَ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْهَرُ الدَّمَ فَصَارَ كَالْخَنْقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ فَأَدْمَاهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ‏)‏ يَعْنِي عَمْدًا ‏(‏لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ‏{‏إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك‏}‏‏.‏

وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى ظَبْيٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ فَهُوَ كَالشَّاةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى فِيلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازِيَهُ أَوْ رَمَى إلَيْهِ سَهْمًا فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حِسَّ شَاةٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ حَلَّ مَا اصْطَادَهُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ إنْ كَانَ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ رَمْيَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إبَاحَةُ الْأَكْلِ فَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا لَوْ كَانَ حِسَّ آدَمِيٍّ‏.‏

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مُتَغَلِّظُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ حِسَّ سَبُعٍ أُكِلَ الصَّيْدُ لِأَنَّ السِّبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْحِسَّ حِسَّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ مَا أَصَابَ لِأَنَّ الْحَظْرَ، وَالْإِبَاحَةَ تَسَاوَيَا فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ أَرْسَلَ إلَى ذِئْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَصَابَ طَيِّبًا أُكِلَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الرَّمْيِ أُكِلَ مَا صَابَهُ إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ فَمَاتَ وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ وَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ، وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ‏)‏ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ بِحِمَارِ وَحْشٍ عَقِيرٍ فَبَادَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ نَهْرٍ فَقَالَ‏:‏ هَذِهِ رَمْيَتِي وَأَنَا فِي طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتهَا لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ أَكْلٌ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ بِهِ جِرَاحَةً أُخْرَى سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ أَمَّا إذَا وَجَدَ بِهِ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ فَلَعَلَّهُ مَاتَ مِنْهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ فَأَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ لِمَا رُوِيَ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَيْدًا فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ رَمَيْته بِالْأَمْسِ فَكُنْت فِي طَلَبِهِ حَتَّى هَجَمَ عَلَيَّ اللَّيْلُ فَقَطَعَنِي عَنْهُ ثُمَّ وَجَدْته الْيَوْمَ وَمَرْمَاتِي فِيهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّهُ غَابَ عَنْك وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ أَعَانَتْك عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ‏}‏‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، الْإِصْمَاءُ‏:‏ مَا عَايَنْته، وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك‏.‏

وَفِي الْمُصَفَّى الْإِصْمَاءُ‏:‏ أَنْ يَرْمِيَهُ فَيَمُوتَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيعًا، وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ بَعْدَ وُقُوعِ السَّهْمِ فِيهِ ثُمَّ يَمُوتُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْغَرَقِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَوْتُ مِنْ السُّقُوطِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَهَذَا خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ جَرَحَهُ أُكِلَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الذَّكَاةِ، وَالْمِعْرَاضُ عَصًا مُحَدَّدَةُ الرَّأْسِ وَقِيلَ هُوَ السَّهْمُ الْمَنْحُوتُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَتْ الْبُنْدُقَةُ إذَا مَاتَ مِنْهَا‏)‏ لِأَنَّهَا تَدُقُّ وَتَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، وَلَوْ جَرَحَهُ إذَا كَانَ ثَقِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَّةٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ ثُمَّ الْبُنْدُقَةُ إذَا كَانَ لَهَا حِدَّةٌ تَجْرَحُ بِهِ أُكِلَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ‏:‏ وَلَوْ رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ أَوْ عُودٍ فَكَسَرَ جَنَاحَهُ وَلَمْ يَخْرِقْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ خَرَقَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَ رَأْسَهُ فَقَطَعَهُ وَأَبَانَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ أَبَانَهُ بِالثِّقَلِ، وَالْقُوَّةِ وَإِنْ أَبَانَهُ بِمُحَدَّدٍ أُكِلَ وَإِنْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَأَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَجَرَحَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ بِقَفَا السِّكِّينِ أَوْ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ بِالْجُرْحِ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا أُكِلَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُحْبَسُ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَاءِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ‏}‏، وَالْعُضْوُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا، وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أُكِلَ الْجَمِيعُ‏)‏ لِأَنَّ الْأَوْدَاجَ مُتَّصِلَةٌ بِالْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ فَإِذَا قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ صَارَ قَاطِعًا لِلْعُرُوقِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَفَ الْعَجُزَ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يُصَادِفْ الْعُرُوقَ فَصَارَ مُبَانًا مِنْ الْحَيِّ فَلَا يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ وَإِنْ قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ أُكِلَ الْجَمِيعُ، وَلَوْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَيُكْرَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ، وَالْوَثَنِيِّ، وَالْمُحْرِمِ‏)‏ وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الذَّبْحَ، وَالتَّسْمِيَةَ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَذَبْحِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبْحُهُ، وَالْمَجْنُونُ كَذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَلَمْ يُثْخِنْهُ وَلَمْ يَخْرُجْهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَيُؤْكَلُ‏)‏ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي صَادَهُ وَأَخَذَهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُؤْكَلْ‏)‏ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالثَّانِي وَهُوَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرَّمْيَةُ الْأُولَى بِحَيْثُ يَنْجُو مِنْهَا الصَّيْدُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى رَمْيِ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَيْثُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ بِالرَّمْيِ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالرَّمْيِ الْمُثْخِنِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِجِرَاحَتِهِ وَقِيمَةُ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ‏:‏ إنْ مَاتَ مِنْ رَمْيَةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّانِي أُكِلَ وَعَلَى الثَّانِي ضَمَانُ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ صَادَفَتْهُ مَجْرُوحًا وَإِنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ الثَّانِيَ رَمَى إلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَصَارَ كَمَنْ رَمَى إلَى شَاةٍ وَيَضْمَنُ الثَّانِي أَيْضًا مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ لِأَنَّهُ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا وَإِنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ الْحَظْرُ، وَالْإِبَاحَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ، وَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَعَلَى الثَّانِي لِلْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمَا فَسَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ الضَّمَانِ وَثَبَتَ نِصْفُهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ‏:‏ يَضْمَنُ مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ أَمَّا الضَّمَانُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا كَالْغَيْرِ وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ أَوَّلًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَوْتَ أَيْضًا حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفَ نِصْفِهِ وَهُوَ مَمْلُوكُ غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ بِصَنِيعِهِ، وَالثَّانِيَةَ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي فَهَذَا الرَّمْيُ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ‏)‏ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهِ أَوْ بِشَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ قَرْنِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ، وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ‏)‏ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى‏:‏ هَذَا إذَا كَانَ الْكِتَابِيُّ لَا يَعْتَقِدُ الْمَسِيحَ إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ إلَهًا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ لَنَا ذَبِيحَتُهُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ وَهَذَا الشَّرْطُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ لَا فِي حَقِّ الْأَنْعَامِ وَإِطْلَاقُ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْكِتَابِيِّ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الذَّابِحُ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ وَلَا يَضْبِطُ التَّسْمِيَةَ فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَيَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ، وَالْوَثَنِيِّ‏)‏ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا مِلَّةَ لَهُ، وَالْوَثَنِيَّ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَجُوسِ ‏{‏سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ‏}‏ وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الصَّابِئِينَ وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤْكَلُ إذَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ تُؤْكَلْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْمُحَرَّمُ‏)‏ يَعْنِي مِنْ الصَّيْدِ خَاصَّةً وَإِطْلَاقُ الْمُحَرَّمُ يَنْتَظِمُ حُرْمَةَ ذَبْحِهِ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ سَوَاءٌ ذَبَحَهُ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ وَيَجُوزُ ذَبِيحَةُ مَنْ يَعْقِلُ الذَّبْحَ، وَالتَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا وَمَعْنَى ضَبْطِ الذَّبْحِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ، وَالْأَقْلَفُ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْخَصِيُّ، وَالْخُنْثَى، وَالْمُخَنَّثُ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَتْ‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ لَا تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْكَلْبِ، وَالْبَازِي، وَالرَّمْيِ ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهِيَ عَلَى الْمَذْبُوحِ، وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ وَكَذَا فِي الْإِرْسَالِ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى وَكَلَّمَهُ إنْسَانٌ أَوْ اسْتَسْقَى مَاءً فَشَرِبَ أَوْ شَحَذَ السِّكِّينَ قَلِيلًا ثُمَّ ذَبَحَ عَلَى تِلْكَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى أَجْزَأَهُ وَأَمَّا إذَا طَالَ الْحَدِيثُ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَاشْتَغَلَ بِهِ ثُمَّ ذَبَحَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى لَمْ تُؤْكَلْ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالذَّبِيحَةِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ وَصُورَةُ التَّسْمِيَةِ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ‏.‏

وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ الْوَاوِ وَإِنْ قَالَ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ الْمُجَرَّدُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ مَكَانَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُرِيدُ التَّسْمِيَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يُجْزِيهِ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ الشُّكْرَ دُونَ التَّسْمِيَةِ لَا

تُؤْكَلُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا غَيْرَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا لَهُ لَا مَعْطُوفًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ مَا ذَكَرْنَا فَهَذَا يُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ، وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَهُ مَعْطُوفًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الذَّبِيحَةَ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَوْضِعَانِ لَا ذِكْرَ فِيهِمَا عِنْدَ الذَّبِيحَةِ وَعِنْدَ الْعُطَاسِ‏}‏ وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ تُؤْكَلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُولَ ذَلِكَ، وَفِي الْمُشْكِلِ الذَّبْحُ عِنْدَ مَرْأَى الضَّيْفِ تَعْظِيمًا لَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَكَذَا عِنْدَ قُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ تَعْظِيمًا لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ عِنْدَ غَيْبَةِ الضَّيْفِ لِأَجْلٍ الضِّيَافَةِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ سَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الرُّومِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَجْزَأَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ، وَاللَّبَّةِ‏)‏ اللَّبَّةُ عَلَى الصَّدْرِ وَهِيَ نُقْرَةُ النَّحْرِ‏.‏

وَفِي الْكَرْخِيِّ‏:‏ الذَّكَاةُ فِي اللَّبَّةِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى اللَّحْيَيْنِ‏.‏

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ‏:‏ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطَهُ وَأَعْلَاهُ وَمَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ بَيِّنٌ بِمَعْنَى فِي أَيِّ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ، وَاللَّبَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏، وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ‏)‏ الْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَهُمَا الْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ الذَّكَاةِ وَوُجِدَ شَرْطُهَا فِي مَحِلِّهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ‏)‏ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ‏:‏ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ وَمَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ وَاحِدًا جَازَ أَيُّ الثَّلَاثَةِ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْمَرِيءَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَعَ الْوَدَجَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِاللِّيطَةِ، وَالْمَرْوَةِ وَبِكُلِّ شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا السِّنَّ الْقَائِمَةَ، وَالظَّفْرَ الْقَائِمَ‏)‏ اللِّيطَةُ قِشْرَةُ الْقَصَبِ، وَالْمَرْوَةُ وَاحِدَةُ الْمَرْوِ وَهِيَ حِجَارَةٌ بِيضٌ بَرَّاقَةٌ تُقْدَحُ مِنْهَا النَّارُ وَقَيَّدَ بِالظُّفْرِ الْقَائِمِ، وَالسِّنِّ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَنْزُوعَةً جَازَ الذَّبْحُ بِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْمَذْبُوحُ بِهِمَا مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا وَأَمَّا الذَّبْحُ بِالسِّنِّ الْقَائِمَةِ، وَالظُّفْرِ الْقَائِمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ ذَبَحَ بِهِمَا كَانَ مَيْتَةً لِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يَسِلْ مِنْهَا دَمٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ‏:‏ لَا تُؤْكَلُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوَانِي تُؤْكَلُ لِأَنَّ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ قَدْ حَصَلَ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الشَّاةِ إذَا عُلِفَتْ الْعُنَّابَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُدَّ الذَّابِحُ شَفْرَتَهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ‏}‏ وَلِأَنَّ تَحْدِيدَهَا أَسْرَعُ لِلذَّبْحِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْكَلِيلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَ الشَّاةَ ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ بَعْدَمَا أَضْجَعَهَا وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏رَأَى رَجُلًا قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مِيتَتَيْنِ أَلَا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا‏}‏‏.‏

وَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَجَعَلَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ وَجْهِهَا وَهُوَ‏:‏ يَحُدُّ الشَّفْرَةَ فَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ فَهَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ، فَقَالَ عُمَرُ هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ رِجْلَك مَوْضِعَ وَضَعْتهَا وَلِأَنَّ الْبَهَائِمَ تُحِسُّ بِمَا يُجْزَعُ مِنْهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَادَ فِي أَلَمِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَجُرَّ بِرِجْلِهَا إذَا أَرَادَ ذَبْحَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسُوقَهَا بِرِفْقٍ وَيُضْجِعَهَا بِرِفْقٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَلَغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ قَطَعَ الرَّأْسَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ‏)‏ النُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَكْسِرَ الْعُنُقَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْ يَخْلَعَ جِلْدَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ جَازَ وَيُكْرَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَسْنُونِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ‏)‏ لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ وُجُودِ الذَّكَاةِ فِي مَحِلِّهَا كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا‏.‏

رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً فَلَمْ يَتَحَرَّك مِنْهَا إلَّا فُوهَا إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ ضَمَّتْهُ أُكِلَتْ وَإِنْ فَتَحَتْ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ غَمَّضَتْهَا أُكِلَتْ وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَيْهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَبَضَتْهُمَا أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَامَ أُكِلَتْ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَيَّةٌ وَقْتَ الذَّبْحِ أَمَّا إذَا عُلِمَتْ يَقِينًا أُكِلَتْ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ الشَّاةُ إذَا مَرِضَتْ أَوْ شَقَّ الذِّئْبُ بَطْنَهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِنْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَتَحَرَّكَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّك وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنْ تَحَرَّكَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ تَتَحَرَّك وَخُرُوجُهُ مِثْلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ أُكِلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ‏)‏ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ كَالشَّاةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ‏)‏، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الذَّكَاةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَمَتَى قَدَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ لَا تَحِلُّ لَهُ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيَّةُ وَمَتَى عَجَزَ عَنْهَا حَلَّتْ لَهُ الِاضْطِرَارِيَّةُ فَالِاخْتِيَارِيَّة مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ، وَاللَّحْيَيْنِ، وَالِاضْطِرَارِيَّة الطَّعْنُ، وَالْجَرْحُ وَإِنْهَارُ الدَّمُ فِي الصَّيْدِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الصَّيْدِ مِنْ الْأَهْلِيِّ كَالْإِبِلِ إذَا نَدَّتْ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَحْرِهِ فَإِنَّهُ يَطْعَنُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَدَرَ عَلَيْهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا تَرَدَّتْ بَقَرَةٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهَا فَإِنَّ ذَكَاتَهَا الْعَقْرُ، وَالْجَرْحُ مَا لَمْ يُصَادِفْ الْعُرُوقَ عَلَى هَذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ مُتَعَذِّرٌ وَأَمَّا الشَّاةُ فَإِنَّهَا إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْبَعِيرِ، وَالْبَقَرَةِ فَإِنَّهُمَا إذَا نَدَّا فِي الْمِصْرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَذَكَاتُهُمَا الْعَقْرُ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِقُوَّتِهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ‏)‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏، وَقَالَ فِي الْغَنَمِ ‏{‏وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏}‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ نَحَرَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ‏)‏ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت‏}‏ وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ رَوَى جَابِرٌ قَالَ ‏{‏نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ ذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قِيلَ‏:‏ الْعَرَبُ قَدْ تُضْمِرُ الْفِعْلَ إذْ كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا أَيْ وَسَقَيْتهَا مَاءً بَارِدًا فَأَضْمَرَ الْفِعْلَ كَذَا هَذَا مَعْنَاهُ وَذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ‏}‏ يَعْنِي الْبُدْنَ وَلِأَنَّ اللَّبَّةَ مِنْ الْبَدَنَةِ لَيْسَ فِيهَا لَحْمٌ فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ فِيهَا النَّحْرُ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ الْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ فَإِنَّ حَلْقَهُمَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ ذَبَحَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ‏)‏، وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ لَا يَجُوزُ فَإِنْ ذَبَحَهَا لَمْ تُؤْكَلْ وَكَذَا عِنْدَهُ إذَا نَحَرَ الشَّاةَ، وَالْبَقَرَةَ لَا يُؤْكَلُ لَنَا قَوْلُهُ‏:‏ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت‏}‏، وَالسُّنَّةُ فِي الْبَعِيرِ أَنْ يُنْحَرَ قَائِمًا مَعْقُولَ الْيَدِ الْيُسْرَى فَإِنْ أَضْجَعَهُ جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ فِي الشَّاةِ، وَالْبَقَرَةِ أَنْ تُذْبَحَ مُضْجَعَةً لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِقَطْعِ الْعُرُوقِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمِيعِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ‏:‏ رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْأَوْدَاجَ إلَّا أَنَّ الْحَيَاةَ فِيهَا بَاقِيَةٌ فَقَطَعَ إنْسَانٌ مِنْهَا قِطْعَةً يَحِلُّ أَكْلُ الْمَقْطُوعِ لِأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِعَدَمِ الْحِلِّ مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ

وَهَذَا لَا يُسَمَّى حَيًّا مُطْلَقًا قَالَ فِي التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى ‏{‏فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا‏}‏ يَعْنِي الْإِبِلَ إذَا سَقَطَتْ بَعْدَ النَّحْرِ فَوَقَعَتْ جَنُوبُهَا عَلَى الْأَرْضِ وَخَرَجَتْ رُوحُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْبُدْنِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ‏)‏ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا إنْ تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ‏}‏ وَلِأَنَّهُ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا فَصَارَ كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ‏}‏ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِ أُمِّهِ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ وَيَبْقَى الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا حَيًّا وَيَمُوتُ وَهِيَ حَيَّةٌ فَحَيَاتُهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِحَيَاتِهَا فَلَا تَكُونُ ذَكَاتُهَا ذَكَاةً لَهُ فَصَارَا كَالشَّاتَيْنِ لَا تَكُونُ ذَكَاةُ إحْدَاهُمَا ذَكَاةً لِلْأُخْرَى وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ، وَالدَّمُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَهُ دَمٌ عَلَى حِدَةٍ غَيْرُ دَمِهَا، وَالذَّبْحُ شَرَعَ لِتَنْهِيرِ الدَّمِ النَّجِسِ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ وَذَبْحُهَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهُ وَمَا رَوَيَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ قَدْ رُوِيَ ذَكَاةُ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا وَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْمُلْ فَهُوَ كَالْمُضْغَةِ، وَالدَّمِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ أَيْ تَمَّ خَلْقُهُ أَوْ لَمْ يَتِمَّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ‏)‏ الْمُرَادُ مِنْ ذِي النَّابِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَابٌ يَصْطَادُ بِهِ وَكَذَا مِنْ ذِي الْمِخْلَبِ وَإِلَّا فَالْحَمَامَةُ لَهَا مِخْلَبٌ، وَالْبَعِيرُ لَهُ نَابٌ وَذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فَذُو النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ الْأَسَدُ، وَالنَّمِرُ، وَالْفَهْدُ، وَالذِّئْبُ، وَالضَّبُعُ، وَالثَّعْلَبُ، وَالْكَلْبُ، وَالسِّنَّوْرُ الْبَرِّيُّ، وَالْأَهْلِيُّ، وَالْفِيلُ، وَالْقِرْدُ وَكَذَا الْيَرْبُوعُ وَابْنُ عُرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ وَذُو الْمِخْلَبِ مِنْ الطَّيْرِ الصَّقْرُ، وَالْبَازِي، وَالنَّسْرُ، وَالْعُقَابُ، وَالرَّخَمُ، وَالْغُرَابُ الْأَسْوَدُ، وَالْحَدَأَةُ، وَالشَّاهِينُ وَكُلُّ مَا يَصْطَادُ بِمِخْلَبِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لَعَنَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَشَرَةً وَحَرَّمَ خَمْسَةً لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ وَمُمْلِيَهُ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمَوْشُومَةَ، وَالْوَاصِلَةَ، وَالْمَوْصُولَةَ وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ وَحَرَّمَ الْخَاطِفَةَ، وَالْمُنْتَهِبَةَ، وَالْمُجَثِّمَةَ، وَالْحِمَارَ الْأَهْلِيَّ وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَقَالَ‏:‏ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ‏}‏ فَالْخَاطِفَةُ هِيَ مَا تَخْطَفُ مِنْ الْهَوَى مِثْلُ الْبَازِي، وَالْحَدَأَةِ، وَالْمُنْتَهِبَةُ هِيَ مَا تَنْتَهِبُ مِنْ الْأَرْضِ مِثْلُ الذِّئْبِ وَنَحْوُهُ، وَالْمُجَثَّمَةُ يَرْوِي بِفَتْحِ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا فَهِيَ بِالْفَتْحِ كُلُّ صَيْدٍ جَثَمَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ حَتَّى مَاتَ غَمًّا وَبِالْكَسْرِ هُوَ كُلّ شَيْءٍ عَادَتُهُ أَنْ يَنْجَثِمَ عَلَى الصَّيْدِ مِثْلُ الْكَلْبِ، وَالذِّئْبِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِغُرَابِ الزَّرْعِ‏)‏ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَقْعَقِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالْحَمَامِ، وَالْعَصَافِيرِ لِأَنَّ عَامَّةَ أَكْلِهَا الْحَبُّ، وَالثِّمَارُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ‏)‏ وَكَذَا كُلُّ غُرَابٍ يَخْلِطُ الْجِيَفَ، وَالْحَبَّ لَا يُؤْكَلُ وَأَمَّا الدَّجَاجُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ‏.‏

وَكَذَا الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ فِي حُكْمِ الدَّجَاجِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُكْرَهُ أَكْلُ الضَّبُعِ، وَالضَّبِّ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا‏)‏، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ، وَالضَّبِّ وَقَوْلُهُ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي الْمَائِيَّ، وَالْبَرِّيَّ كَالضُّفْدَعِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا السُّلَحْفَاةُ لِأَنَّهَا مِنْ الْحَشَرَاتِ وَكَذَا الْفِئْرَانُ، وَالْأَوْزَاغُ، وَالْعَضَّابَة، وَالْقَنَافِذُ، وَالْحَيَّاتُ وَجَمِيعُ الدَّبِيبِ، وَالزَّنَابِيرِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالذُّبَابِ، وَالْجُعْلَانِ، وَالْبُرْمَانِ لِأَنَّ هَذِهِ لِأَشْيَاءَ مُسْتَخْبَثَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ‏}‏ وَأَمَّا الْوَبَرُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ هُوَ مِثْلُ الْأَرْنَبِ لِأَنَّهُ يَعْتَلِفُ الْبُقُولَ، وَالنَّبْتَ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَجُوزُ أَكْلُ الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَالْإِبِلِ وَهُوَ الْوَعْلُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْبِغَالِ‏)‏ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَمَرَ طَلْحَةَ أَنْ يُنَادِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ‏}‏ فَأَرَاقُوا الْقُدُورَ وَهِيَ تَغْلِي وَأَمَّا الْبَغْلُ فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ فَكَانَ مِثْلَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ يَعْنِي كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَأَذِنَ فِي الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ‏}‏ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى ‏{‏، وَالْخَيْلَ، وَالْبِغَالَ، وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا‏}‏ خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ فَلَوْ جَازَ أَكْلُهَا لَذَكَرَهُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِالْأَكْلِ أَكْثَرُ مِنْ النِّعْمَةِ بِالرُّكُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبِلَ لَمَّا كَانَتْ تُؤْكَلُ وَتُرْكَبُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ‏}‏ وَلِأَنَّ الْخَيْلَ آلَةُ إرْهَابِ الْعَدُوِّ فَيُكْرَهُ أَكْلُهَا احْتِرَامًا لَهَا وَلِهَذَا يُضْرَبُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ فِي الْغَنِيمَةِ وَلِأَنَّ فِي إبَاحَتِهَا تَقْلِيلَ الْجِهَادِ وَأَمَّا لَبَنُهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ الْجِهَادِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرَانِبِ‏)‏ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكَلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَتْ الظِّبَاءَ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ الْكَلْبُ إذَا نَزَا عَلَى مَعْزَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْكَلْبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ الْأَعْضَاءِ يُشْبِهُ الْمَعْزَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ إلَيْهِ اللَّحْمُ، وَالْعَلَفُ فَإِنْ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ دُونَ الْعَلَفِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ كَلْبٌ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ فَإِنْ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا يُضْرَبُ فَإِنْ نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ نَعَرَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ نَبَحَ وَنَعَرَ يُقَرَّبُ إلَيْهِ الْمَاءُ فَإِنْ وَلَغَ فَهُوَ كَلْبٌ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ شَرِبَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَقِيلَ‏:‏ إنْ خَرَجَ مِنْهُ الْكَرِشُ يُؤْكَلُ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ الْأَمْعَاءُ لَا يُؤْكَلُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ إلَّا الْآدَمِيُّ، وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا شَيْئًا‏)‏ الْآدَمِيُّ لِحُرْمَتِهِ، وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ‏}‏ فَكَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَذَلِكَ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ ذَبْحَهُ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ قِيلَ‏:‏ لَا يَجُوزُ كَالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ، وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِطَهَارَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هُوَ مُجَرَّدُ الذَّبْحِ أَوْ الذَّبْحُ مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَيُكْرَهُ أَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا وَكَذَا الْبَقَرَةُ، وَالشَّاةُ، وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، وَالنَّجَاسَاتِ لَا غَيْرُ أَمَّا إذَا خَلَطَتْ فَلَيْسَتْ بِجَلَّالَةٍ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي الْأَغْلَبُ مِنْ أَكْلِهَا النَّجَاسَةُ وَلِذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَجَّ عَلَيْهَا أَوْ يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا فِي الْعَمَلِ إلَّا أَنْ تُحْبَسَ أَيَّامًا وَتُعْلَفَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا تُنْتِنُ فِي نَفْسِهَا فَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى لَا تَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤَقِّتُ فِي حَبْسِهَا وَقْتًا وَإِنَّمَا قَالَ‏:‏ يَحْبِسُهَا حَتَّى يَطِيبَ لَحْمُهَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ‏:‏ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى زَوَالِ النَّتِنِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَيَّامِ وَتَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ وَلَمْ

يُؤَقِّتْ فِيهَا وَقْتًا أَحَدُهَا هَذِهِ مَتَى يَطِيبُ لَحْمُهَا، وَالثَّانِيَةُ الْكَلْبُ مَتَى‏.‏

يَصِيرُ مُعَلَّمًا، وَالثَّالِثَةُ مَتَى وَقْتُ الْخِتَانِ، وَالرَّابِعَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، وَالْخَامِسَةُ سُؤْرُ الْحِمَارِ، وَالسَّادِسَةُ الدَّهْرُ مُنَكَّرًا، وَالسَّابِعَةُ هَلْ الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ أَمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَالثَّامِنَةُ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ هَلْ يَدْخُلُونَ النَّارَ تَوَقَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِغَايَةِ وَرَعِهِ وَأَمَّا الدَّجَاجُ فَإِنَّهَا لَمْ تُكْرَهْ وَإِنْ تَنَاوَلَتْ النَّجَاسَةَ لِأَنَّهُ لَا يُنْتِنُ كَمَا تُنْتِنُ الْإِبِلُ فَإِذَا أُرِيدَ ذَبْحُ الْجَلَّالَةِ حُبِسَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا وَتُعْلَفُ وَهَلْ تُحْبَسُ الدَّجَاجَةُ إذَا أُرِيدَ ذَبْحُهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ لَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْكُلُهُ قُلْنَا هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ حَتَّى كَبُرَ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ وَيُكْرَهُ‏)‏ ‏(‏أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ‏)‏ أَيْ مِنْ السَّمَكِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ الْمَاءُ عَلَى الشَّطِّ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَلَوْ أَنَّ سَمَكَةً ابْتَلَعَتْ سَمَكَةً أُكِلَتَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَبْلُوعَةَ مَاتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِ السَّمَكِ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَذِرَةً‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ‏)‏ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ السَّمَكِ فَالْجِرِّيثُ الْبَكَّاسُ وَالْمَارْمَاهِيِّ الْعَرَبِيُّ وَقِيلَ الْقَدُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ أَكْلُ الْجَرَادِ وَلَا ذَكَاةَ لَهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ، وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ، وَالطِّحَالُ‏}‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد قَالَ‏:‏ ‏{‏غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ‏}‏ وَسُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ، وَفِيهِ الْمَيِّتُ فَقَالَ‏:‏ كُلْهُ كُلَّهُ وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ وَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الذَّبِيحَةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَالْقُبُلُ، وَالْغُدَدُ، وَالْمَرَارَةُ، وَالْمَثَانَةُ، وَالدَّمُ وَزَادَ فِي الْيَنَابِيعِ الدُّبُرُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ أَمَّا الدَّمَ فَحَرَامٌ بِالنَّصِّ وَأَمَّا السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ فَمَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ النَّفْسَ تَسْتَخْبِثُهَا وَتَكْرَهُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ

الْأُضْحِيَّةُ إرَاقَةُ الدَّمِ مِنْ النَّعَمِ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الْإِرَاقَةُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِعَيْنِ الْحَيَوَانِ لَمْ يَجُزْ، وَالصَّدَقَةُ بِلَحْمِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ جَازَ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خَيْرٌ مِنْ التَّصَدُّقِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ لَا تَحْصُلُ بِالصَّدَقَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ‏)‏ أَيْ التَّضْحِيَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً وَمَجَازًا وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ وَاجِبَةً عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهَا‏.‏

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى‏)‏ شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَشَرَطَ الْإِسْلَامَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَشَرَطَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ لَتَشَاغَلَ بِهَا عَنْ سَفَرِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ وَبَعْضِ الْفَرْضِ حَتَّى لَا يَتَشَاغَلَ عَنْ سَفَرِهِ وَتَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى، وَالْبَرَارِي وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْيَسَارُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَنْ النَّفَقَةِ وَاشْتَرَطَ يَوْمَ الْأَضْحَى لِأَنَّ الْيَوْمَ مُضَافٌ إلَيْهَا وَأَيَّامُ الْأَضْحَى ثَلَاثَةٌ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ ذَبْحُهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِاسْتِيفَاءِ الْعُرُوقِ وَإِنْ ذَبَحَهَا بِاللَّيْلِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى‏.‏

الْحَاجِّ الْمُسَافِرِ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّهَا تَجِبُ

عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَّا الْعَتِيرَةُ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ تُقَامُ فِي رَجَبٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ‏)‏ اعْتِبَارًا بِالْفِطْرَةِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجِبُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ عَبْدِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ‏:‏ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ‏.‏

وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ أَنْ يَأْكُلَهُ كُلَّهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحَّى عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ الصَّغِيرُ مَا أَمْكَنَهُ وَيُدَّخَرُ لَهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَيُبْتَاعُ لَهُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَالِغُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ فِي شَاهَانْ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مَا يُؤْكَلُ كَالْحِنْطَةِ، وَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ مُوسِرًا ضَحَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا ابْنُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

أَنَّهُ يُضَحِّي عَنْهُ إذَا كَانَ أَبُوهُ مَيِّتًا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَإِنْ وُلِدَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ مَا لَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَإِنْ مَاتَ ابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ تَجِبُ عِنْدَنَا بِآخِرِ وَقْتِهَا فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ أَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ فَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ مَعَهُ لَمْ يُضَحِّ عَنْهُمْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَأَوْلَادُهُ مُسَافِرِينَ ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَمَنْ مَاتَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً‏)‏ شَرْطُ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ الْإِرَاقَةُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ يَذْبَحُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةٍ‏)‏، وَالْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ تُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُ الْقُرَبِ بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ الْهَدْيَ، وَالْآخَرُ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالْآخَرُ هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَالْآخَرُ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْآخَرُ التَّطَوُّعَ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ الْقُرَبُ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكُلِّ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ أَيْضًا لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ وَكَذَا يَجُوزُ عَنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ

وَلَا يَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ثُمَّ إذَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ فَالْقِسْمَةُ لِلَّحْمِ بِالْوَزْنِ فَإِنْ اقْتَسَمُوا أَجْزَاءً لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ، وَالْجِلْدِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ وَإِنْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَرَضِيَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الذَّبْحُ وَفِعْلُ الْوَارِثِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ فَصَارَ نَصِيبُهُ اللَّحْمَ فَلَمْ يَجُزْ وَلَنَا أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ أَنْ يَتَقَرَّبَ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُ فَصَارَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِلْقُرْبَةِ فَيَجُوزُ عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ ذِمِّيًّا أَرَادَ الْقُرْبَةَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ‏)‏ أَمَّا الْفَقِيرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ‏)‏ فَلَوْ جَاءَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ فَسُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ هَلَكَتْ أَوْ نَقَصَ عَدَدُهَا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَتَيْنِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَوْلُهُ ‏(‏إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّي الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ‏}‏، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ حَتَّى يَنْتَصِفَ النَّهَارُ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَ، وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّي أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَهُمْ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ وَقِيلَ فِي عَكْسِهِ يُجْزِيهِ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الذَّبْحِ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ لَا مَكَانُ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْمِصْرِ، وَالشَّاةُ فِي السَّوَادِ فَذَبَحُوا عَنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَمْرِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ، وَالشَّاةُ فِي الْمِصْرِ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّي بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ‏:‏ وَهَذَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ

حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْقُرْبِ مَكَانُ الْفِعْلِ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ مَسْكَنُهُ فِيهِ دَخَلَ الْمِصْرَ لِصَلَاةِ الْأَضْحَى وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ جَازَ أَنْ يَذْبَحُوا عَنْهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْفِعْلِ دُونَ مَكَانِ الْمَفْعُولِ عَنْهُ وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ وَلَمْ يَخْطُبْ أَجْزَأَهُ مَنْ ذَبَحَ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَأَمَّا‏)‏ ‏(‏أَهْلُ السَّوَادِ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ‏)‏ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ‏)‏، وَلَوْ عَقَلَ أُضْحِيَّةً حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ أَوْ ضَاعَتْ فَأَصَابَهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَتْرُكُ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةٍ فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْكُلَّ وَإِنْ ذَبَحَ الْأُولَى لَا غَيْرُ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ ذَبَحَ الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ إنْ كَانَتْ مِثْلَ الْأُولَى أَوْ أَفْضَلَ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْبَحَهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏:‏ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى شَاةً سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا تُجْزِيهِ هَذِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ فَعَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَدًا ذَبَحَهُ مَعَهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا فَيَسْرِي إلَى وَلَدِهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا بِالشِّرَاءِ وَأَمَّا الشَّاةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُوسِرُ لِيُضَحِّيَ بِهَا إذَا وَلَدَتْ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَهُوَ كَجِلْدِهَا وَخِطَامِهَا وَإِنْ

بَاعَهُ أَوْ أَكَلَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ فِي الْأَكْلِ وَبِثَمَنِهِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ أَمْسَكَ الْوَلَدَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ تَصَدَّقَ بِهِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ‏:‏ إذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَذَبَحَ الْوَلَدَ يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الْأُمِّ أَجْزَأَهُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ وَإِنْ ذَبَحَهُ قَبْلَ ذَبْحِهَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُضَحَّى بِالْعَمْيَاءِ وَلَا الْعَوْرَاءِ وَلَا الْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ‏)‏ وَهُوَ الْمَذْبَحُ ‏(‏وَلَا بِالْعَجْفَاءِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعٌ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي‏}‏ أَيْ لَا نِقْيَ لَهَا وَهُوَ الْمُخُّ لِشِدَّةِ الْهُزَالِ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ‏)‏ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏اسْتَشْفُوا الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ‏}‏ أَيْ اُطْلُبُوا سَلَامَتَهُمَا وَأَمَّا الذَّنَبُ فَهُوَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ كَالْأُذُنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ ذَنَبُهَا فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ جَازَ‏)‏ وَكَذَا حُكْمُ الْأَلْيَةِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ أَجْزَاهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يُجْزِهِ فَجَعَلَ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ جَازَ فَجُعِلَ الثُّلُثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ‏}‏ وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ الرُّبْعَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الرُّبْعَ فِي حُكْمِ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدَّرُوا بِهِ مَسْحَ الرَّأْسِ وَوُجُوبَ الدَّمِ فِي الْحَلْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ النِّصْفَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ فَغَلَبَ الْحَظْرُ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَجُوزُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِالْجَمَّاءِ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا خِلْقَةً وَتُسَمَّى الْجَلْحَاءُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْقَضْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا قَوْلُهُ ‏(‏وَالْخَصِيِّ‏)‏ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا مِنْ غَيْرِ الْخَصِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ مَا زَادَ فِي لَحْمِهِ أَنْفَعُ مِمَّا ذَهَبَ مِنْ خُصْيَتِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالثَّوْلَاءِ‏)‏ وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ لِأَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الْبَهَائِمِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ تَعْتَلِفُ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعْتَلِفُ لَا يُجْزِيهِ وَأَمَّا الصَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِهَا لِأَنَّهُ فَاتَ بِالْأُذُنِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهَا أُذُنٌ صَغِيرَةٌ خِلْقَةً جَازَ لِأَنَّ الْعُضْوَ مَوْجُودٌ وَصِغَرُهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَأَمَّا الْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَازَ لِأَنَّ الْجَرَبَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إحْدَاهُمَا اعْتَبَرَهَا بِالْأُذُنِ فَقَالَ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا أَجْزَأَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا بَقِيَ لَهَا مَا تَعْتَلِفُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْأَكْلُ بِهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ‏)‏ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْوَحْشِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْأَهْلِيِّ، وَالْوَحْشِيِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْأُمُّ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْبَقَرَةُ أَهْلِيَّةً نَزَا عَلَيْهَا ثَوْرٌ وَحْشِيٌّ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْءُ فَصَاعِدًا إلَّا الضَّأْنُ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ عَظِيمًا بِحَيْثُ إذَا خُلِطَ بِالثَّنَايَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ، وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعْزِ مَا لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَمِنْ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَوَامِيسُ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِهَا، وَالذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى إذَا اسْتَوَيَا، وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ‏)‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ‏}‏ الْبَائِسُ الَّذِي أَصَابَهُ ضَرَرُ الْجُوعِ وَتَبَيَّنَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ بِأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْك وَقِيلَ هُوَ الزَّمِنُ الْمُحْتَاجُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَدَّخِرُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا‏}‏ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِالثُّلُثِ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لِلْأَقَارِبِ، وَالثُّلُثَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنْقِصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا ‏{‏وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ، وَالْمُعْتَرَّ‏}‏ فَالْقَانِعُ‏:‏ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ‏:‏ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَيُرِيَك نَفْسَهُ وَلَا يَسْأَلُك، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏كُلُوا مِنْهَا أَوْ ادَّخِرُوا‏}‏ فَصَارَتْ الْجِهَاتُ ثَلَاثًا الْأَكْلُ، وَالِاطِّعَامُ، وَالِادِّخَارُ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا إرَاقَةُ الدَّمِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ‏)‏ كَالنِّطَعِ، وَالْجِرَابِ، وَالْغِرْبَالِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَهُ فَرْوًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اتَّخَذَتْ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهَا سِقَاءً وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِلَحْمِهَا فَكَذَا بِجِلْدِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ مِثْلُ الْمُنْخُلِ، وَالْجِرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَشْتَرِي مَا يُسْتَهْلَكُ عَيْنُهُ كَالْخَلِّ، وَالْمِلْحِ، وَالْأَبْزَارِ، وَالْحِنْطَةِ، وَاللَّبَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أُجْرَةَ جَزَّارِهَا، وَاللَّحْمُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ بَاعَ الْجِلْدَ، وَاللَّحْمَ بِالْفُلُوسِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْحِنْطَةِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ

إلَى بَدَلِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ‏)‏ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَإِذَا وَلِيَهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ وَأَعْطَى الْحَرْبَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِي وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الذَّبْحَ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ ‏{‏يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضِعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ‏)‏ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ ذَبَحَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ الْآخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا‏)‏ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَعَيَّنَتَا لِلذَّبْحِ فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلذَّبْحِ إذْنًا لَهُ دَلَالَةٌ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ دَلَالَةً فَإِنْ كَانَا قَدْ أَكَلَا مِنْهَا فَلْيُحَالِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا وَإِنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَتْ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُودِعَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا الْمُودَعُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏