فصل: كِتَابُ الْمَعَاقِلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


بَابُ الْقَسَامَةِ

قَالَ ‏(‏وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَاللَّوْثُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةٌ لِلْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةِ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَقَوْلُهُ مَا قَتَلْنَاهُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى جُمْلَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا يَحْلِفُ مَا قَتَلْنَا لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَجُوزُ أَنَّهُ قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَيَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت قُلْنَا مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَكَانَ قَدْ قَتَلَ مَعَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا قَتَلُوا وَاحِدًا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَحْلِفَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي شَاهَانْ هَذَا فِي الْعَمْدِ‏.‏

أَمَّا فِي الْخَطَإِ إذَا نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، وَلَوْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا حَلَفُوا قُضِيَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالدِّيَةِ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَا تَجِبُ‏)‏ ‏(‏الدِّيَةُ مَعَ الْأَيْمَانِ‏)‏ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُهِدَتْ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئَةً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمَةً وَلَنَا ‏{‏أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ أَخِي قُتِلَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ مِنْهُمْ

خَمْسُونَ رَجُلًا فَقَالَ أَلَيْسَ لِي مِنْ أَخِي غَيْرُ هَذَا قَالَ بَلَى وَلَك مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ‏}‏‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْلَفَ فِي الْقَسَامَةِ خَمْسِينَ رَجُلًا وَغَرَّمَهُمْ الدِّيَةَ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الْأَزْمَعِ غَرٌّ أَنَغْرَمُ أَيْمَانَنَا وَأَمْوَالَنَا قَالَ نَعَمْ فَبِمَ بَطَلَ دَمُ هَذَا فَإِنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا الدِّيَةَ حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَلِيُّ ثُمَّ يَقْضِي لَهُ بِالْجِنَايَةِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَوْ أُعْطَى النَّاسُ بِدَعَاوِيهِمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا‏)‏ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا‏.‏

قَوْله ‏(‏وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا مُكَاتَبٌ‏)‏ أَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَالْيَمِينُ قَوْلٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ الْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُمَا يُسْتَحْلَفَانِ فِي الْحُقُوقِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ، وَالْأَثَرُ أَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ بَدَنِ الْقَتِيلِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ فَمِهِ‏)‏ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ أَنْفِهِ رُعَافٌ وَمِنْ دُبُرِهِ عِلَّةٌ وَمِنْ فَمِهِ قَيْءٌ وَسَوْدَاءُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْقَتْلِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ فَهُوَ قَتِيلٌ‏)‏ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ‏)‏ لِأَنَّ دَابَّتَهُ فِي يَدِهِ كَدَارِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا‏.‏

قَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هَذَا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا سِرًّا مُتَحَشِّمًا أَمَّا إذَا سَاقَهَا نَهَارًا جِهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ‏)‏ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ مِنْهُمْ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ فَتُكَرَّرُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَهُمَا‏)‏، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارُهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ‏)‏ وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ، وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ‏)‏ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ وَزَالَتْ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الدَّارِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ‏)‏ وَقَوْمُهُ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا فَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَعَلَى صَاحِبِ الدَّارِ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي سَفِينَةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ، وَالْمَلَّاحِينَ‏)‏ لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهَا‏)‏ لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِمَسْجِدِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ وُجِدَ فِي السَّجْنِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ، وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السَّجْنِ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ‏)‏ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْبَرِّيَّةُ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ فِيهَا سَائِحٌ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَمَّا إذَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ فَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَيْهَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُسْمَعُ فَهُوَ هَدَرٌ وَإِنْ كَانَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ‏)‏ لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَهُوَ كَالْمَفَازَةِ الْمُنْقَطِعَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا فِي الشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ‏)‏ لِأَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ إلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ‏)‏، وَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْقُطُ فَإِنَّ دَعْوَاهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إبْرَاءٌ لِلْبَاقِينَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ‏)‏ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا‏)‏ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ فَالشَّاهِدُ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي الْمِصْرِ أَوْ نَهَارًا فِي الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَالْعَصَا وَإِنْ كَانَ يَلْبَثُ لَكِنْ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَإِذَا قَتَلَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الْمَعَاقِلِ

هُوَ جَمْعُ مَعْقِلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ، وَالْعَاقِلَةُ هُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْقَاتِلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْخَطَإِ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏)‏ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَمَّا تَجِبُ بِالصُّلْحِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ‏)‏ وَهُوَ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمْ الْعَشِيرَةُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ‏)‏ الْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَيُعْتَبَرُ مُدَّةُ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ، وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَقِيلَ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَاجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ كَانَ فِي سَنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ فَفِي سَنَةٍ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّهِ نِصْفًا ثُمَّ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّصْفِ مِثَالُهُ دِيَةُ الْيَدِ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا يَجِبُ فِي الْأُنْمُلَةِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا‏)‏ مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا بِالسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ

الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ خَرَجَ لِلْعَاقِلَةِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْهَا فِي سَنَةٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ وَتُقَسَّطُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ وَدَانِقَانِ وَيُنْقَصُ مِنْهُمْ‏)‏ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ‏.‏

وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا‏)‏ يَعْنِي نَسَبًا وَيُضَمُّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ الْأُخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَأَمَّا الْآبَاءُ، وَالْبَنُونَ فَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ وَقِيلَ‏:‏ لَا يَدْخُلُونَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَدْخُلُ فِي الْعَاقِلَةِ الْقَاتِلُ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ‏)‏ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ‏)‏ مِنْ أَهْلِ نُصْرَتِهِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ عَقْلِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ‏)‏ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا‏)‏ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ ثُمَّ الْعَاقِلَةُ إذَا حَمَلَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ قَبِيلَةٌ وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ نُصَّارُهُ فَإِنْ كَانَتْ نُصْرَتُهُ بِالْحِرْفَةِ فَعَلَى الْمُحْتَرِفِينَ الَّذِينَ هُمْ أَنْصَارُهُ كَالْقَصَّارِينَ، وَالصَّفَّارِينَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَالْأَسَاكِفَةِ بِإِسْبِيجَابَ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مُلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ تَعْقِلُهُ قَبِيلَةُ أُمِّهِ فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي مَالِ الْجَانِي‏)‏ يَعْنِي مَا نَقَصَ أَرْشُهُ عَنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ كَانَ عَلَى الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ‏)‏ يَعْنِي إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْحُرِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُعْقَلُ الْجِنَايَةُ الَّتِي اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ‏)‏ فَإِنْ قُلْت قَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي الدِّيَاتِ فَلِمَ أَعَادَهُ هُنَا قُلْت ذَكَرَ هُنَاكَ كُلَّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ، وَالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُنَا قَالَ وَلَا تَعْقِلُ مَا لَزِمَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي فَلَا تَكْرَارَ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّصْدِيقَ هُنَا بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأٍ وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سِنِينَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا تَعْقِلُ مُلْزَمًا بِالصُّلْحِ‏)‏ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ‏)‏ يَعْنِي عَاقِلَةَ الْجَانِي وَمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الْحُدُودِ

الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَكَذَا سُمِّيَ حَدُّ الدَّارِ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ حَدًّا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ مَا حُدَّ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فَلَمَّا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْمَنْعُ مِنْ الْفِعْلِ سُمِّيَ ذَلِكَ حَدًّا، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ كُلُّ عُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَسْتَوْفِي حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا وَإِنْ كَانَ عُقُوبَةً لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ، وَالِاعْتِيَاضَ عَنْهُ وَكَذَا التَّعْزِيرُ لَا يُسَمَّى حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارِ‏)‏ الْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصِفَةُ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْعَارِي عَنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِمَا وَيَتَجَاوَزُ الْخِتَانُ الْخِتَانَ هَذَا هُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا شُرِطَ مُجَاوَزَةُ الْخِتَانِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ مُلَامَسَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنْ الْغُسْلِ وَفَسَادِ الْحَجِّ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ‏:‏ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ الْوَطْءُ الْحَرَامُ الْخَالِي عَنْ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَطْءِ الْمَمْلُوكِ بَعْضَهَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَيْسَ بِزِنًا وَكَذَا وَطْءُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضٍ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ وَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ، وَالْجَارِيَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ مَا أُحْرِزَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ خَمْسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ

أُخْتَيْنِ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ فَوَطِئَهَا، وَقَالَ‏:‏ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يُحَدُّ فِي كُلِّ وَطْءٍ حَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ كَوَطْءِ مَحَارِمِهِ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَعَقْدُ النِّكَاحِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ وَشَبَهُ ذَلِكَ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا‏)‏ فَإِنْ قِيلَ الْقَتْلُ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ أَرْبَعَةٌ قُلْنَا لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ‏.‏

إلَّا بِاثْنَيْنِ وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَالْقَتْلُ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا أَحْرَارًا عُدُولًا مُسْلِمِينَ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَإِنْ شَهِدَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ جَمِيعًا حَدَّ الْقَذْفِ إذَا طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ فَقَالَ‏:‏ رَأَيْت أَقْدَامًا بَادِيَةً وَنَفَسًا عَالِيًا، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَرَأَيْت رِجْلَيْهَا عَلَى عَاتِقِهِ كَأُذُنَيْ حِمَارٍ وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَفْضَحْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّ الثَّلَاثَةَ‏.‏

وَكَذَا إذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ فَشَهِدُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ

وَاحِدٍ وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا إلَى الْقَاضِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبِلَ الشَّهَادَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ أَجْلَسَ الْمُغِيرَةَ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ قَالَ ذَهَبَ رُبْعُك يَا مُغِيرَةُ فَلَمَّا شَهِدَ الثَّانِي قَالَ ذَهَبَ نِصْفُك فَلَمَّا شَهِدَ الثَّالِثُ قَالَ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِك وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَفْتِلُ شَارِبَهُ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ فَلَمَّا قَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ قَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ قُمْ يَا سَلْحَ الْعُقَابِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ لَوْنَهُ كَانَ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ فَشَبَّهَهُ بِهِ وَقِيلَ‏:‏ وَصَفَهُ بِالشَّجَاعَةِ لِأَنَّ الْعُقَابَ إذَا سَلَحَ عَلَى طَائِرٍ أَحْرَقَ جَنَاحَهُ وَأَعْجَزَهُ عَنْ الطَّيَرَانِ فَكَذَلِكَ كَانَ زِيَادٌ فِي مُقَابَلَةِ أَقْرَانِهِ وَهَذَا مَدْحٌ، وَالْأَوَّلُ ذَمٌّ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ فِي هَتْكِ سِتْرِ صَاحِبِهِ وَتَحْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ، فَقَالَ زِيَادٌ لَا أَدْرِي مَا قَالُوا لَكِنِّي رَأَيْتُهُمَا يَضْطَرِبَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ كَاضْطِرَابِ الْأَمْوَاجِ وَرَأَيْت نَفَسًا عَالِيًا، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَدَرَأَ عَنْهُ عُمَرُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ وَضَرَبَ الثَّلَاثَةَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، وَقَالُوا‏:‏ لَا نَعْرِفُهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ‏:‏ إذَا شَهِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا أَحَدُهُمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الزَّوْجِ قَذْفٌ قَبْلَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَإِنْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَجَاءَ بِثَلَاثَةٍ سِوَاهُ يَشْهَدُونَ فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ وَإِنْ جَاءَ هُوَ وَثَلَاثَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهَا قَدْ زَنَتْ وَلَمْ يَعْدِلُوا دُرِئَ عَنْهَا وَعَنْهُمْ الْحُدُودُ وَدُرِئَ عَنْ الزَّوْجِ

اللِّعَانُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَذُكِرَ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ الْكَرْخِيِّ فِي الْقَذْفِ فِي بَابِ رُجُوعِ الشُّهُودِ أَنَّ الزَّوْجَ يُلَاعِنُ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ، وَلَوْ جَاءَ بِأَرْبَعَةٍ فَلَمْ يَعْدِلُوا فَهُوَ قَاذِفٌ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا أُسْقِطَتْ تَعَلَّقَ بِقَذْفِ اللِّعَانِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ‏)‏ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَفِيهِ الْحَقِيقَةُ، وَالْمَجَازُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ يَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ، وَالْفَرْجُ يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ‏}‏ وَإِنَّمَا يَسْأَلُهُمْ كَيْفَ زَنَى لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُكْرَهًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَأَيْنَ زَنَى‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي عَسَاكِرِ الْبُغَاةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ يَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَتَى زَنَى‏)‏ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَنَى وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ الَّذِي يُسْقِطُ الْحَدَّ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ فِيهِ وَقْتًا وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَعِنْدَهُمَا إذَا شَهِدُوا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ عَايَنُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حُكْمِ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ‏.‏

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَبِمَنْ زَنَى‏)‏ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَرُبَّمَا إذَا سُئِلُوا قَالُوا لَا نَعْرِفُهَا فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً وَقَدْ تَكُونُ جَارِيَةَ ابْنِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا‏:‏ رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ‏)‏ أَوْ كَالْقَلَمِ فِي الْمِحْبَرَةِ أَوْ كَالرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ صَحَّ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ تَعَمَّدْنَا

النَّظَرَ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ إلَّا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَاهُ تَلَذُّذًا فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَإِنْ عُدِّلُوا فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ‏)‏ وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏:‏ ‏{‏ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ قَالَ فِي الْأَصْلِ‏:‏ يَحْبِسُهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ يَحْسِبُهُ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ ادْرَءُوا الْحُدُودَ وَلَيْسَ فِي حَبْسِهِ ذَلِكَ‏.‏

قِيلَ‏:‏ إنَّمَا حُبِسَ تَعْزِيرًا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا لِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَوُجِدُوا فُسَّاقًا وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَلَا حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فَإِنْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ عُمْيَانًا فَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْعُمْيَانَ لَا يَرَوْنَ مَا شَهِدُوا عَلَيْهِ فَتَحَقَّقْنَا كَذِبَهُمْ فَكَانُوا قَذَفَةً وَأَمَّا الْعَبِيدُ، وَالْمَحْدُودُونَ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانُوا قَذَفَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ التَّزْكِيَةُ نَوْعَانِ فَالْعَلَانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ، وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هُوَ الَّذِي عَدَلْته، وَالسِّرُّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَى الْمُزَكِّي وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ الْمُزَكِّي فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَمْ يَكْتُب تَحْتَ اسْمِهِ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السِّتْرِ أَوْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا كَانَ عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةَ، وَالْعَبْدَ، وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا تَزْكِيَةُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي‏)‏ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُهُ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ حَتَّى يَتَوَارَى مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ لَهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَادَ ثَالِثًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ وَكَذَا فِي السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إلَّا أَنَّ فِي السَّرِقَةِ يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَالِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ‏.‏

وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَهُوَ يُنْكِرُ ثُمَّ أَقَرَّ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ وَيُؤْخَذُ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ مَا لَمْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ فَإِذَا أَقَرَّ أَرْبَعًا بَطَلَتْ إجْمَاعًا وَيُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ،

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَجَحَدَتْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ لِمَا رُوِيَ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهَا فَجَحَدَتْ فَحُدَّ الرَّجُلُ وَهُوَ مَحْمُولٌ‏}‏ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَدَّهُ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَرْأَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ مَحِلِّهِ، وَالزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمَرْأَةِ وَإِنْكَارُهَا حُجَّةٌ لِنَفْيِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَقِّهَا فَاقْتَضَى النَّفْيُ عَنْ الرَّجُلِ ضَرُورَةً فَعَارَضَ النَّفْيَ الْإِقْرَارُ فَسَقَطَ الْحَدُّ وَلِأَنَّا صَدَّقْنَاهَا حِينَ جَحَدَتْ وَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا وَأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ زِنًا فِي حَقِّهَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَقَرَّ بِالزِّنَا بِهَا غَائِبَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدَّ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِي حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِي نِكَاحًا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ، وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ لِأَنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَادَّعَتْ التَّزْوِيجَ وَطَلَبَتْ الْمَهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ زِنًا، وَفِي إيجَابِ الْمَهْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِّ، وَالْمَهْرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ كَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى‏)‏ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ مَتَى زَنَى لِأَنَّ تَقَادُمَ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْإِقْرَارِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ‏)‏ الْمُحْصَنُ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ وَهِيَ سَبْعَةٌ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ، وَالدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ الْإِيلَاجُ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ، وَالدُّخُولَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَنَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا الدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُ إذَا حَصَلَ الْوَطْءُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ أُعْتِقَا صَارَا مُحْصَنَيْنِ بِالْوَطْءِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا وَطِئَ الْكَافِرَةَ صَارَ بِهَا مُحْصَنًا عِنْدَهُ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا كَالزِّنَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا، وَقَوْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ يَعْنِي إذَا بَقِيَ الْمَرْجُومُ كَذَلِكَ أَمَّا إذَا هَرَبَ بَعْدَ مَا أَخَذُوا فِي رَجْمِهِ إنْ كَانَ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ لَا يُتْبَعُ وَكَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا فَيُخْلَى سَبِيلُهُ وَإِنْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ اُتُّبِعَ وَلَا يُخْلَى سَبِيلُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ‏)‏ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِرَجْمِهِ، وَكَيْلَا يُصِيبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُمْ يَصْطَفُّونَ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ إذَا أَرَادُوا رَجْمَهُ وَكُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَنَحَّوْا وَيُقَدَّمُ آخَرُونَ وَرَجَمُوا وَلَا يُحْفَرُ لَهُ وَلَا يُرْبَطُ وَلَكِنَّهُ

يَقُومُ قَائِمًا وَيَنْتَصِبُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ حَفَرَ لَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ لِأَنَّ الْحَفْرَ أَسْتَرُ لَهَا مَخَافَةَ أَنْ تَنْكَشِفَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْفِرْ لَهَا لِأَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الرُّجُوعُ بِالْهَرَبِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ‏)‏ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ بُدِئَ بِهِمْ امْتِحَانًا لَهُمْ فَرُبَّمَا اسْتَعْظَمُوا الْقَتْلَ فَرَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ الْإِمَامُ اسْتِظْهَارًا فِي حَقِّهِ فَرُبَّمَا يَرَى فِي الشَّهَادَةِ مَا يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ‏)‏ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالْقَذْفِ وَكَذَا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ سَقَطَ أَيْضًا وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ غَابَ بَعْضُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قُذِفَ فَضُرِبَ الْحَدَّ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ بِدَايَتَهُمْ شَرْطٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ إذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَكَذَا إذَا عَمُوا أَوْ جُنُّوا أَوْ ارْتَدُّوا فَهَذَا كُلُّهُ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانُوا مَرْضَى أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالرَّمْيِ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْدَءُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذُو الرَّحِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا لَهُ مَقْتَلًا وَكَذَا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَقَدْ قَالُوا‏:‏ ابْنُ الِابْنِ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَجِبُ بِالْمَوْتِ، وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى الزِّنَا وَذَلِكَ غَيْرُ الْمَوْتِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَقُتِلَ لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ‏)‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَمَى الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ، وَقَالَ‏:‏ ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ وَكَانَتْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ وَيُفْطَمَ الْوَلَدُ لِأَنَّ رَجْمَهَا يُتْلِفُ الْوَلَدَ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى وَأَشْكَلَ أَمْرُهَا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا حُبْلَى تُرُبِّصَ بِهَا الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا، وَقَالَتْ أَنَا بِكْرٌ أَوْ رَتْقَاءُ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ لَمْ تُحَدَّ لِأَنَّهُ بَانَ كَذِبُهُمْ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِمْ أَوْجَبْنَاهُ لِقَوْلِ النِّسَاءِ، وَالْحُدُودُ لَا تَجِبُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مَرِيضًا وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ رُجِمَ وَلَا يُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِهِ لِأَنَّ الرَّجْمَ يُهْلِكُهُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ اُنْتُظِرَ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا لَحِقَهُ الضَّرَرُ بِالضَّرْبِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدًا‏.‏

اُنْتُظِرَ زَوَالُ ذَلِكَ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى النُّفَسَاءِ حَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ النِّفَاسَ مَرَضٌ وَرُوِيَ ‏{‏أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَمَّا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ أَتَتْهُ بِالْوَلَدِ فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ‏:‏ هُوَ هَذَا قَدْ وَلَدْته فَقَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْ بِهِ، وَفِي يَدِهِ كِسْرَةٌ مِنْ خُبْزٍ فَقَالَتْ‏:‏ هُوَ هَذَا قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ

النَّاسَ بِرَجْمِهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَافْتَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَشَتَمَهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مُكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ‏.‏

ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ‏}‏‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ ‏{‏صَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى‏}‏‏.‏

وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَجَبَ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ قَضَى بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ دَمُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ، وَقَالَ فِي مَاعِزٍ ‏{‏لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ‏}‏ وَلَا بَأْسَ لِلنَّاسِ فِي حَالَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَتْلُهُ فَمَا كَانَ أَسْرَعُ كَانَ أَوْلَى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ‏)‏ أَيْ لَا شَوْكَ وَلَا عُقَدَ وَلَا شَمَارِيخَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا‏)‏ أَيْ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ يُهْلِكُ وَغَيْرَ الْمُؤْلِمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ‏)‏ يَعْنِي مَا خَلَا الْإِزَارَ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَمْنَعُ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ يُهْلِكُهُ، وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ لَا مُهْلِكٌ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ الْأَلَمُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ كَمَا وَصَلَتْ إلَيْهَا اللَّذَّةُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْجَلَّادِ ‏{‏اتَّقِ الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ، وَالْمَذَاكِيرَ‏}‏ وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ، وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ فَرُبَّمَا يَخْتَلُّ بِالضَّرْبِ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ وَيَجْتَنِبُ الصَّدْرَ، وَالْبَطْنَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْرِبُ الرَّأْسَ سَوْطًا وَاحِدًا لِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا أَوْ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يُشَدُّ يَدَاهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُحَدُّ قَاعِدَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَتُلَفُّ ثِيَابُهَا عَلَيْهَا وَتُرْبَطُ الثِّيَابُ وَيَتَوَلَّى لَفَّ ثِيَابِهَا عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَيُوَالِي بَيْنَ الضَّرْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِيلَامُ، وَلَوْ جَلَدَهُ فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَمِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ الْمَجْلُودِ نَجَاسَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي جُلِدَ عَلَيْهَا الْحُرُّ مِنْ نَزْعِ ثِيَابِهِ وَاتِّقَاءِ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَفَرْجِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ‏)‏ بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَالْقَذْفُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ وَيَقُولُ لَهُ لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت‏)‏ أَوْ لَعَلَّك وَطِئْتهَا بِالشُّبْهَةِ أَوْ يَقُولُ‏:‏ أَبِك خَبَلٌ‏؟‏ أَبِك جُنُونٌ‏؟‏ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلشَّهَادَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ‏)‏ يَعْنِي فِي صِفَةِ الْحَدِّ وَقَبُولِ الرُّجُوعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏غَيْرَ أَنَّ‏)‏ ‏(‏الْمَرْأَةَ لَا يُنْزَعُ عَنْهَا مِنْ ثِيَابِهَا إلَّا الْفَرْوَ، وَالْحَشْوَ‏)‏ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفُ عَوْرَتِهَا وَتُضْرَبُ جَالِسَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ حَفَرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ‏)‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثَدْيِهَا، وَالْحَفْرُ لَهَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَيُحْفَرُ لَهَا إلَى الصَّدْرِ وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏أَرْبَعَةٌ إلَى الْوُلَاةِ الْجُمُعَةُ، وَالْفَيْءُ، وَالْحُدُودُ، وَالصَّدَقَاتُ‏}‏ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَلِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَلِيهِ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى عَبْدِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ قَبْلَ الرَّجْمِ ضُرِبُوا الْحَدَّ وَسَقَطَ الرَّجْمُ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ‏)‏ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ صَحَّتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَتَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ حُدُّوا جَمِيعًا فَكَذَا هَذَا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ فِي حَقِّهِ فَسَقَطَتْ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا حُدُّوا جَمِيعًا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ قُلْنَا كَلَامُهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً لِلِاتِّصَالِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَضَاءُ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ وَأَمَّا إذَا كَانَ جَلْدًا فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ خَاصَّةً إجْمَاعًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاجِعِ فِي أَثَرِ السِّيَاطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ‏.‏

قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْجَلْدُ إنْ يَجْرَحْ فَقَالَ وَاحِدٌ كَذَبْتُ لَا يَضْمَنُ هَذَا الشَّاهِدُ صُورَتُهُ ‏"‏ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِ مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَجَلَدَهُ الْقَاضِي فَجَرَحَهُ الْجَلْدُ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ الرَّاجِعُ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ وَكَذَا إنْ مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الرَّاجِعُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّجْمِ جُلِدَ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَا يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَمَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَنَا أَنَّ

الرَّاجِعَ صَارَ قَاذِفًا عِنْدَ رُجُوعِهِ بِالشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ وَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا فِي الْحَالِ، وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنَّمَا ضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَقْطَعُ جَمِيعَ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ وَهُمْ خَمْسَةٌ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ رُبْعَ الدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا هُمْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَكِّينَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَلَكِنَّهُمْ يُعَزَّرُونَ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَعَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالُوا‏:‏ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَزَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذْ ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ بَلْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إجْمَاعًا، وَلَوْ قَالَ الْمُزَكِّي‏:‏ أَخْطَأْت فِي التَّزْكِيَةِ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ‏:‏ عَلِمْت أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَتَعَمَّدْت ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ حُدُّوا‏)‏ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَشَرْطُ إحْصَانِ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ‏)‏ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِالْأَمَةِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ وَطْءٌ حَتَّى زَنَى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَقَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ احْتِرَازًا عَنْ إحْصَانٍ لِمَقْذُوفٍ فَإِنَّهُ هُنَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ خَمْسِ شَرَائِطَ لَا غَيْرُ وَهُوَ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعِفَّةُ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا وَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ النِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةُ‏)‏ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِحْصَانِ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَتْلُ قُلْنَا الْقَتْلُ يَثْبُتُ بِالزِّنَا وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ فَلَوْ وَجَبَ اعْتِبَارُ الذُّكُورِيَّةِ فِيهِ كَمَا وَجَبَ فِي الزِّنَا لَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ هُوَ النِّكَاحُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالدُّخُولُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالرَّجْمِ وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالنَّفْيِ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً فَيُعَزِّرُ بِهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَرَاهُ‏)‏ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ فَعَلَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّعْزِيرِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْحَدِّ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْحَدِّ لَنَا قَوْله تَعَالَى ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ وَهَذَا بَيَانٌ لِجَمِيعِ الْحَدِّ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ التَّغْرِيبُ مَعَهُ حَدًّا لَكَانَتْ الْغَايَةُ بَعْضَ الْحَدِّ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَعْلُومَةُ الْمَقَادِيرِ وَلَيْسَ لِلنَّفْيِ مِقْدَارٌ فِي مَسَافَةِ الْبُلْدَانِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ رُجِمَ‏)‏ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدُ لَمْ يُجْلَدْ حَتَّى يَبْرَأَ‏)‏ كَيْ لَا يُفْضِي لِلْهَلَاكِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدًا اُنْتُظِرَ بِهِ زَوَالُ ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا زَنَتْ الْحَامِلُ لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا‏)‏ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ فَحَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا‏)‏، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ‏:‏ تَتَعَالَى وَهُوَ سَهْوٌ، وَالصَّوَابُ تَتَعَلَّى بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ تَرْتَفِعَ يُرِيدُ بِهِ تَخْرُجَ مِنْهُ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ وَتُجْلَدُ الْحَائِضُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَيْسَ بِمَرَضٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ فِي النِّفَاسِ‏)‏ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِي وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ ثُمَّ الْحُبْلَى تُحْبَسُ إلَى أَنْ تَلِدَ إذَا كَانَ الزِّنَا ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ كَيْ لَا تَهْرُبَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ مَقْبُولٌ فَلَا يُفِيدُ الْحَبْسُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ وَلَمْ يَقْطَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً‏)‏ يَعْنِي إذَا شَهِدُوا بِسَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَيَضْمَنُ فِي السَّرِقَةِ الْمَالَ وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا كُلُّهُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَبْطُلُ‏.‏

بِالتَّقَادُمِ إلَّا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فِي الْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارِ جَمِيعًا وَإِنْ جَاءُوا بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ تَذْهَبُ الرَّائِحَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَهَلْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَامِلَةُ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَمْنَعُ وَفَائِدَتُهُ إذَا هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عُزِّرَ‏)‏ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ‏)‏ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ نَشَأَتْ عَلَى دَلِيلٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك‏}‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّبْهَةَ نَوْعَانِ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ فَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ ابْنِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ، وَالْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَالْمَمْهُورَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَاهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي جَدًّا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ هَؤُلَاءِ وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ فَفِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَبَائِنًا بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فِي الْعِدَّةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَجَارِيَةُ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا ادَّعَاهُ وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ

لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةً وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ إذْ أَثَرُ الْمِلْكِ قَائِمٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ، وَالْحَبْسِ، وَالنَّفَقَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا، وَالْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامُ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ لَمْ يُحَدَّ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْعَارِيَّةُ، وَالْمُسْتَعَارَةُ لِلْخِدْمَةِ، الْوَدِيعَةِ فَيَجِبُ الْحَدُّ فِيهِنَّ مُطْلَقًا وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ وَإِنْ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ جَارِيَةَ أُمِّهِ مِرَارًا وَقَدْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ مَهْرٍ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَطِئَ الْعَبْدُ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ فَإِنْ قَالَ‏:‏ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمَا فِي الْمَوْطُوءَةِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ أَيْضًا‏)‏ لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرٍ لِأَنَّ لَهُ تَبَسُّطًا فِي مَالِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَكَذَا الْعَبْدُ فِي مَالِ مَوْلَاهُ يَأْكُلُ مِنْهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ فَكَانَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ إلَّا أَنَّهُ زِنًا حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ‏:‏ ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي، وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ الْحِلَّ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ فَأَيُّهُمَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي دُرِئَ عَنْهُمَا الْحَدُّ حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا أَنَّهُمَا قَدْ عَلِمَا أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ زَنَى بِجَارِيَةِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهٍ أَوْ جَدَّتِهِ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ إنَّهُ حَرَامٌ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا إجْمَاعًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ بِأَنْ قَالَتْ الْأَمَةُ‏:‏ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ، وَقَالَ هُوَ عَلِمْت أَنَّهُ حَرَامٌ دُرِئَ الْحَدُّ أَيْضًا عَنْهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَدُرِئَ عَنْهَا وَقَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يُحَدَّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ابْنَهُ مِنْ هَذَا‏.‏

الْوَطْءِ فَإِنْ مَلَكَ الصَّبِيَّ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَكَانَ لَهُ بَيْعُهَا وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ مِنْ الْغَانِمِينَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِ وَكَذَا سَائِرِ الْمَحَارِمِ سِوَى الْأَوْلَادِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ، وَقَالَتْ النِّسَاءُ‏:‏ إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ‏)‏ يَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ وَلَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الزِّفَافِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ جَاهِلٌ بِهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي مَسْأَلَةِ الزِّفَافِ وَلَا يَثْبُتُ فِي وَلَدِ هَذِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ بِالسُّؤَالِ إلَّا إذَا ادَّعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ، وَقَالَتْ‏:‏ أَنَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ وَهِيَ كَالْمَزْفُوفَةِ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏)‏ وَيُعَزَّرُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ فَيَلْغُوَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ الزِّنَا فِي شَرِيعَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ أَبَاحَ نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي شَرِيعَةِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَزَّرُ‏)‏ وَيُودَعُ فِي السَّجْنِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ كَالزِّنَا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ فِعْلُهُ فِي زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَإِنْ فَعَلَهُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ فِي رَجُلٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْغُلَامِ أَمَّا إذَا أَتَى أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا يُحَدُّ إجْمَاعًا، وَلَوْ فَعَلَهُ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ لَا يُحَدُّ بِلَا خِلَافٍ وَيُعَزَّرُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَالِاسْتِمْنَاءُ حَرَامٌ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ، وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَتَى أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رَجْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ جُلِدَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا ثُمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى اللِّوَاطِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَهُمَا كَالزِّنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قُتِلَ الْفَاعِلُ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُحْصَنَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا وَقَوْلُهُ‏:‏ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، وَلَوْ مَكَّنَتْ امْرَأَةٌ قِرْدًا مِنْ نَفْسِهَا فَوَطِئَهَا كَانَ حُكْمُهَا كَإِتْيَانِ الرَّجُلِ الْبَهِيمَةَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُحَدُّ لَنَا أَنَّهُ زَنَى فِي مَوْضِعٍ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ فِيهِ فَلَمْ يُحَدَّ وَلَا يُقَامُ بَعْدَمَا أَتَانَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ، وَالْحَرْبِيَّةَ الْمُسْتَأْمَنَةَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ، وَالْغَائِبَةِ‏.‏

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ، وَالْمَجْنُونَةِ، وَالصَّبِيِّ، وَالصَّبِيَّةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ، وَالذِّمِّيَّةِ بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ، وَالذِّمِّيَّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ الْمُسْلِمُ وَلَا تُحَدُّ الْمُسْتَأْمَنَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهَا كَالْغَائِبَةِ وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ غَابَتْ يُحَدُّ الرَّجُلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَالْمَجْنُونَةِ فَصَارَ كَعَاقِلٍ زَنَى بِمَجْنُونَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَذِمِّيٍّ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ، وَلَوْ زَنَى حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ لَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ وَهُوَ كَغَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُحَدُّ الذِّمِّيَّةُ أَوْ الْمُسْلِمَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَمَجْنُونِ زَنَى بِعَاقِلَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَذِمِّيٍّ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ بِالشُّبْهَةِ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ وَمَتَى سَقَطَ لِقُصُورِ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً وَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهِ سَقَطَ عَنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُكْرَهًا ثُمَّ

حَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُقَامُ عَلَيْهِ وَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَحَدُّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ يُقَامُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَهُوَ فِيمَا سِوَى حَدِّ الشُّرْبِ كَالْمُسْلِمِ إجْمَاعًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَإِذَا زَنَى صَحِيحٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً إجْمَاعًا لَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَهِيَ مَوْطُوءَةً وَمُزْنًى بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلُّقُ الْحَدِّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قُبْحِ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ أَثِمَ بِمُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِذَا زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا حُدَّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِهَا فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ وَقَبَضَهَا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهَا أَوْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْهَا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ غَصَبَ أَمَةً فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَصَبَ حُرَّةً ثَيِّبًا فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ‏:‏ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ دِيَةُ الْحُرَّةِ وَقِيمَةُ الْأَمَةِ أَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا إشْكَالَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِدَفْعِ الدِّيَةِ‏.‏

وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَيِّتُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ وَلَكِنْ ذَهَبَ

بَصَرُهَا غَرِمَ الْقِيمَةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الْأَمَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَيَصِيرُ كَمِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا يُمْلَكُ بُضْعَهَا بِالنِّكَاحِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَيْضًا إذَا زَنَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تُنْكِرُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ‏)‏ مَعَهُ أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ ‏(‏فَشَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ‏)‏ ‏(‏فَعَلَيْهِ الْحَدُّ‏)‏ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ مَعَهُ وَسَوَاءٌ شَرِبَ مِنْ الْخَمْرِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَإِنَّمَا شُرِطَ وُجُودُ رِيحِهَا مَعَهُ وَقْتَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ مُتَقَادِمٍ أَوْ سَرِقَةٍ قَدِيمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رِيحِهَا لَمْ يُحَدَّ‏)‏ هَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يُحَدُّ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَهَابِ رِيحِهَا، وَالسُّكْرِ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يُحَدُّ فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالزَّمَانِ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا وَعِنْدَهُمَا مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا مَعَهُ أَوْ سَكْرَانَ فَذَهَبُوا بِهِ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَتْ الرَّائِحَةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا بِهِ حُدَّ إجْمَاعًا‏.‏

رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِ أَخِيهِ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ‏:‏ إنَّ هَذَا ابْنُ أَخِي وَإِنَّهُ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِي، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَأَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَأَقَرَّ فَقَالَ لِعَمِّهِ‏:‏ بِئْسَ كَافِلُ الْيَتِيمِ أَنْتَ إنَّكَ لَمْ تُحْسِنْ أَدَبَهُ وَلَا سَتَرْت عَلَيْهِ جَرِيمَتَهُ ثُمَّ قَالَ تَرْتِرُوهُ وَمَزْمِزُوهُ فَإِنْ وَجَدْتُمْ رِيحًا فَاجْلِدُوهُ‏.‏

التَّرْتَرَةُ أَنْ يُحَرَّكَ وَيُسْتَنْكَهَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ شَرْطٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ، وَقَوْلُهُ مَزْمِزُوهُ بِالزَّايِ أَيْ حَرِّكُوهُ وَأَقْبِلُوا بِهِ وَأَدْبِرُوا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ‏)‏ إنَّمَا شُرِطَ السُّكْرُ لِأَنَّ شُرْبَهُ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِشُرْبِ قَلِيلِهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ السُّكْرِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى شُرْبِهَا بِاخْتِيَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أُكْرِهَ أَوْ شَرِبَهَا فِي حَالِ الْعَطَشِ مُضْطَرًّا لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الشَّكِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا‏)‏ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ النَّبِيذِ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ أَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ مُكْرَهًا فَلَا يُحَدُّ بِالشَّكِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ‏)‏ لِيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ كَالْمَجْنُونِ، وَالسَّكْرَانِ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ نُطْقًا وَلَا جَوَابًا وَلَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْلِطُ كَلَامَهُ وَإِلَى هَذَا مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَقْرَأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ قِرَاءَتَهَا وَإِلَّا حُدَّ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيَحْتَالُ الدَّرْءَ بِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدُ فَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً لَهُ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشَّكِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَحَدُّ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ سَوْطًا‏)‏ يَجُوزُ فِي السُّكْرِ ضَمُّ السِّينِ وَفَتْحُهَا مَعَ سُكُونِ الْكَافِ وَبِفَتْحِ السِّينِ وَتَحْرِيكِ الْكَافِ فَإِذَا قَالَ بِفَتْحَتَيْنِ يَكُونُ الْعَصِيرُ وَإِذَا قَالَ بِالسُّكُونِ وَضَمِّ السِّين يَكُونُ حَدُّ الْخَمْرِ بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ وَحَدُّ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ حُصُولِ السُّكْرِ وَالشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَالَ إلَى السُّكُونِ، وَالضَّمِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الزِّنَا‏)‏ وَيُجْتَنَبُ الْوَجْهُ، وَالرَّأْسُ وَيُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُورَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُجَرَّدُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ سَوْطًا‏)‏ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُحَدَّ‏)‏ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ فَقُبِلَ فِيهِ الرُّجُوعُ كَحَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالسَّكَرُ هَهُنَا بِفَتْحَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ‏.‏

‏(‏وَيَثْبُتُ‏)‏ حَدُّ الشُّرْبِ ‏(‏بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً‏)‏ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ‏)‏ ‏(‏شَهَادَةُ النِّسَاءٍ مَعَ الرِّجَالِ‏)‏ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَلَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ دُونَ الرَّمْيِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفُسُوقِ، وَالْكُفْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ يَا زَانِي أَوْ أَنْتَ زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانِي أَمَّا إذَا قَالَ‏:‏ أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَإِنَّمَا قَالَ بِصَرِيحِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْكِنَايَةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا، وَقَالَ لَهُ آخَرُ صَدَقْت لَا حَدَّ عَلَى الَّذِي قَالَ صَدَقْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَطَالَبَهُ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ‏)‏ بِشَرْطِ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِعْلُ الزِّنَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ بِتَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ أَوْ بِأَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ سَوَاءٌ أَقَامَهَا قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي خِلَالِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَدِّ‏.‏

قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ أُطْلِقَتْ شَهَادَتُهُ وَأُجِيزَتْ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ثَبَتَ زِنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَالضَّرْبُ الَّذِي لَيْسَ بِحَدٍّ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ عَلَى الْكَمَالِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَإِنْ قِيلَ النَّصُّ وَرَدَ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ فَكَيْفَ أَشْرَكْتُمْ الْمُحْصَنِينَ مَعَهُنَّ قُلْنَا النَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِيهِنَّ فَالْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ

الْوُجُوبَ لِدَفْعِ الْعَارِ وَهُوَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي الْأَعَمِّ لَهُنَّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا‏)‏ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ‏:‏ لَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ، وَحَقَّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ حَتَّى إنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ ثُمَّ عَفَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ فَبَانَ لَنَا أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ مُخْتَلِطٌ بِحَقِّ الْعِبَادِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ فَأَصْحَابُنَا مَالُوا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَضَمَّنُ عَدَدًا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْهُ فَكَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُورَثْ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَالَ فِيهِ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ حَتَّى أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ فَقَالَ الْقَاذِفُ‏:‏ أَنَا عَبْدٌ فَحُدَّنِي حَدَّ الْعَبْدِ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ حَتَّى يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ أَنْتَ عَبْدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ فِي قَذْفِك حَدٌّ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ أَيْضًا، وَلَوْ كَرَّرَ

الْقَذْفَ بَعْدَ الْحَدِّ لَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَرْخِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ اللِّعَانِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَالْمُلَاعِنُ إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ، وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ فِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَخَاصَمُوا ضُرِبَ لَهُمْ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا خَاصَمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَحُدَّ فَالْحَدُّ يَكُونُ لَهُمْ جَمِيعًا وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا عَلَى الْقَاذِفِ حَدٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرَ فَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي قَذْفِهِ بَطَلَ الْحَدُّ فِي حَقِّهِ وَلَمْ يُحَدَّ لَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ وَإِنْ كَرَّرَ الْقَذْفَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدُّ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا حُدَّ الْقَاذِفُ وَفَرَغَ مِنْ حَدِّهِ ثُمَّ قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي حَدٌّ آخَرُ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَضُرِبَ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ ضُرِبَ السَّوْطَ الْبَاقِيَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلثَّانِي، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَقَذَفَ آخَرَ قَبْلَ تَمَامِهِ ضُرِبَ بَقِيَّةَ الْحَدِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَدَّ لِلثَّانِي، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا قَذَفَهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْتَحْلِفُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ دَعْوَى حَدٍّ كَحَدِّ الزِّنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يُسْتَحْلَفُ وَيَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَذْفِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنْ أَقَامَ الْقَاذِفُ عَلَى الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَدَّقَهُ عَلَى قَذْفِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ أَتَى بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ جَازَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يُفَرَّقُ الضَّرْبُ

عَلَى أَعْضَائِهِ‏)‏ لِأَنَّ جَمْعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَلَيْسَ التَّلَفُ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ‏)‏ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ يُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ عَنْهُ الثِّيَابُ وَإِنَّمَا يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ‏)‏ لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُصُولَ الْأَلَمِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى ذَلِكَ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُلْقَى عَنْهُ الرِّدَاءُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ‏)‏ لِأَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ فَإِنْ قُلْت الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ ‏{‏فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ فَمِنْ أَيْنَ جُعِلَ حَدُّ الْعَبْدِ أَرْبَعِينَ قُلْنَا مُرَادُ الْآيَةِ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا‏}‏، وَالْعَبْدُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا‏)‏ هَذِهِ خَمْسُ شَرَائِطَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي إحْصَانِ الْقَذْفِ، وَالْعَفِيفُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِالشُّبْهَةِ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَهُ الِابْنُ بِحَدِّهَا حُدَّ الْقَاذِفُ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً مُحْصَنَةً كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَيْسَ هَذَا أَبَاك فَإِنْ قَالَهُ فِي رِضًا فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَزْحُ وَإِنْ قَالَهُ فِي غَضَبٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَصَدَ نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت لِأُمِّك لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْصُولٌ وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأُمِّك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ تَلِدْك أُمُّك وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ لَسْت لِأَبَوَيْك لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يَعْنِي جَدَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ عَبْدٌ لَزِمَهُ الْحَدُّ لِأُمِّهِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ حُرًّا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ أُمَّهُ لَيْسَتْ مُحْصَنَةً وَيُعَزَّرُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ‏:‏ مَيِّتَةٌ لِأَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ بَطَلَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَتَيْنِ وَكَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُبَالِي إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً أَمْ لَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً، وَالْأُمُّ كَافِرَةً لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَإِنْ قَالَ‏:‏ يَا ابْنَ أَلْفِ زَانِيَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ الْأُمَّ وَمَنْ فَوْقَهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَقَذْفُ الْأُمِّ يَكْفِي فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ لَمْ يُحَدَّ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّ الْقَحْبَةَ قَدْ تَكُونُ الْمُتَعَرِّضَةَ

لِلزِّنَا وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا صَرِيحُ قَذْفٍ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ أَوْ ابْنَ الْفَاسِقَةِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ يَا قَوَّادُ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ قَوَّادُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ‏)‏ وَهُوَ الْوَلَدُ، وَالْوَالِدُ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِ لِمَكَانِ الْحُرِّيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْإِخْوَةُ، وَالْأَعْمَامُ، وَالْأَخْوَالُ وَأَوْلَادُهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْخُصُومَةِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ‏:‏ لَمْ يَلِدْك أَبُوك فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لِأَنَّ حَالَ مَا طَرَحَهُ الْأَبُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ إنَّمَا كَانَ نُطْفَةً وَلَمْ يَكُنْ وَلَدًا وَإِنَّمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ، وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَذْفَ يَتَنَاوَلُهُمَا لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِمَا وَلَنَا أَنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مَيِّتَةً نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاذِفِهَا حَدٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ مُحْصَنَةً‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ مَوْلَاهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لِأُمِّ الْمَمْلُوكِ وَلَدٌ حُرٌّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ كَانَ لَهُمَا الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيٌّ لَمْ يُحَدَّ‏)‏ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمَ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا، وَالنَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ لَسْت بِعَرَبِيٍّ أَوْ يَا ابْن الْخَيَّاطِ أَوْ يَا ابْنَ الْأَعْوَرِ وَلَيْسَ أَبُوهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ لَسْت بِابْنِ آدَمَ أَوْ لَسْت بِإِنْسَانٍ أَوْ لَسْت بِرَجُلٍ أَوْ مَا أَنْتَ بِإِنْسَانٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأَبٍ أَوْ لَسْت وَلَدَ حَلَالٍ فَهُوَ قَذْفٌ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَدُّ لِأَنَّ الْهَاءَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ يُقَالُ رَجُلٌ عَلَّامَةٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَحَالَ كَلَامَهُ فَوَصَفَ الرَّجُلَ بِصِفَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي بِغَيْرِ الْهَاءِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَأَتْ حُدَّ وَإِنْ قَالَ زَنَأَتْ فِي الْجَبَلِ حُدَّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ عَمَل وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ عَمَلُ اسْمُ خَالِهِ أَيْ لَا تَتَجَاوَزْنَا فِي الشَّبَهِ، وَالْهِلَّوْفُ الثَّقِيلُ الْجَافِي الْعَظِيمُ اللِّحْيَةِ، وَالْوَكِلُ الْعَاجِزُ الَّذِي يَكِلُ أَمْرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادُ أَوَّلِهِمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا وَحَالَةُ الْغَضَبِ، وَالْمُشَاتَمَةِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِئُ بِالْهَمْزَةِ أَوْ قَالَ زَنَأَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ زَنَأَتْ عَلَى الْجَبَلِ لَمْ يُحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا،

وَقِيلَ يُحَدُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَيَّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ قَاذِفٌ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ‏:‏ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت بِك حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ حِينَ قَالَتْ‏:‏ زَنَيْت وَقَذَفَتْهُ بِقَوْلِهَا بِك فَسَقَطَ حُكْمُ قَذْفِهِ وَبَقِيَ حُكْمُ قَذْفِهَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ‏:‏ لَا بَلْ أَنْتِ الزَّانِي حُدَّا جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ وَلَمْ يُوجَدُ مِنْ الْمَقْذُوفِ تَصْدِيقٌ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت مَعَك فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهَا زَنَيْت تَصْدِيقٌ وَقَوْلَهَا مَعَك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ أَوْ شَاهِدٌ فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَلَيْسَتْ هِيَ بِقَاذِفَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي بِالزِّنَا، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا رَأَيْت زَانِيًا خَيْرًا مِنْك أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُخَاطَبِينَ خَيْرًا مِنْ الزُّنَاةِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الزِّنَا‏.‏

، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ لِأَنَّ الزِّنَا يَصِحُّ مِنْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ زَنَى فَخْذُك أَوْ ظَهْرُك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَى فَرْجُك فَهُوَ قَاذِفٌ وَإِنْ قَالَ زَنَى بِك فُلَانٌ بِأُصْبُعِهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ نَائِمَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا إذَا قَالَ وُطِئْت وَطْئًا حَرَامًا لِأَنَّ وَطْءَ الْحَرَامِ قَدْ يَكُونُ بِالزِّنَا وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ قَدْ أَعْتَقَتْ أَوْ لِكَافِرَةٍ قَدْ أَسْلَمَتْ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِزِنَاهَا، وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْقَذْفِ حَالَ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ‏.‏

، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اذْهَبْ فَقُلْ لِفُلَانٍ‏:‏ يَا زَانِي أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَلَا حَدَّ عَلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَذْفِ وَلَمْ‏.‏

يَقْذِفْ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ بِقَذْفٍ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالزِّنَا لَيْسَ بِزِنًا وَأَمَّا الرَّسُولُ فَإِنْ قَذَفَ قَذْفًا مُطْلَقًا حُدَّ وَإِنْ قَالَ لَهُ‏:‏ إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ لَك كَذَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِلْقَذْفِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ قَالَ‏:‏ زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا وَإِنْ قَالَ عَنَيْت فُلَانًا مَعَك شَاهِدًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ عَطَفَ فُلَانًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي زَنَيْت فَاقْتَضَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ‏.‏

وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ أَوْ بِفَرَسٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَى مَنْ يَكُونُ مِنْهُ الْوَطْءُ فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَطِئَك حِمَارٌ أَوْ ثَوْرٌ وَإِنْ قَالَ‏:‏ زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِشَاةٍ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَهُوَ قَاذِفٌ لِأَنَّ الْأُنْثَى لَا يَكُونُ مِنْهَا فِعْلُ الزِّنَا لِأُنْثَى فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْعِوَضِ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ‏:‏ زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِنَاقَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ زَانِيًا وَإِنْ قَالَ زَنَيْت بِأَمَةٍ حَدّ وَإِنْ قَالَ‏:‏ زَنَيْت بِثَوْرٍ أَوْ بِبَعِيرٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَدْحَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَالْكَرَمِ، وَالصَّفَاءِ وَلِأَنَّ ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِجَدِّ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ إلَى خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ‏)‏ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَإِلَهَ آبَائِكَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ‏}‏ وَإِسْمَاعِيلَ كَانَ عَمًّا لَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ ‏{‏الْخَالُ أَبٌ‏}‏ وَزَوْجُ الْأُمِّ يُسَمَّى أَبًا لِلتَّرْبِيَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ‏)‏ قُيِّدَ بِغَيْرِ الْمِلْكِ احْتِرَازًا عَنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي الْمِلْكِ وَإِنَّمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الْوَاطِئِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يُشْبِهُ الزِّنَا وَهُوَ كَمَنْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ فَهَذَا وَطْءٌ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَةً وَعَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَوَطِئَهُمَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ أَمَةً قَدْ وَطِئَهَا أَبُوهُ أَوْ وَطِئَ هُوَ أُمَّهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا مِلْكَهُ وَتَحْرِيمُهَا عَارِضٌ فَهِيَ كَالْحَائِضِ، وَالْمَجُوسِيَّةِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ‏:‏ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْ وَطْئِهَا بِدَلَالَةِ وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ امْرَأَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُحَدُّ وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَإِنْ لَمَسَ امْرَأَةً لِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا أَوْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفَةُ عِنْدَهُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏، وَالْمُلَاعَنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا‏)‏ لِأَنَّ وَلَدَهَا غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ بَعْدَ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا وَإِنْ قَذَفَهَا قَاذِفٌ بَعْدَ مَا ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ حُدَّ وَإِنْ كَانَتْ مُلَاعَنَةً بِغَيْرِ وَلَدٍ فَقَذَفَهَا قَاذِفٌ حُدَّ وَإِنْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ كَالذِّمِّيِّ وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَامُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ قَذَفَ أَمَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا‏)‏ عُزِّرَ وَيُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتُهُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ‏:‏ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ عُزِّرَ‏)‏ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي هَذَا بَلْ يَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَيُعَزِّرُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ يَا فَاجِرُ أَوْ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرِ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا قَالَ‏:‏ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَكَذَا إذَا قَالَ يَا آكِلَ الرَّبَّا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عُزِّرَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَالَ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ‏)‏ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ يَا كَلْبُ أَوْ يَا قِرْدُ أَوْ يَا ثَوْرُ أَوْ يَا ابْنَ الْكَلْبِ أَوْ يَا ابْنَ الْحِمَارِ لَمْ يُعَزَّرْ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ‏.‏

وَلِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَتَسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ يُقَالُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَبًّا وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ يَا لَاهِي يَا مَسْخَرَةُ أَوْ يَا ضَحْكَةُ أَوْ يَا مُقَامِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَإِنْ قَالَ يَا بَلِيدُ عُزِّرَ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ قَالَ يَا سَفَلَةُ عُزِّرَ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَلَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْكَافِرُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ الْمُقَامِرُ، وَاللَّاعِبُ بِالطُّنْبُورِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْأَفْعَالَ الدَّنِيئَةَ، وَقَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى هُوَ الَّذِي إذَا دُعِيَ إلَى الطَّعَامِ أَكَلَ وَحَمَلَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏، وَالتَّعْزِيرُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ‏)‏ لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ الِانْزِجَارُ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْأَرْبَعِينَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَنْ أَتَى حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ‏}‏، وَالْأَرْبَعُونَ حَدٌّ فِي الْعَبِيدِ فِي الْقَذْفِ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَيَسْتَوِي فِي التَّعْزِيرِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالرَّجُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الِانْزِجَارُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا‏)‏ اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ وَأَقَلُّ حَدٍّ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ يَنْقُصُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْوَاطٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - كَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عُقْدَةً فَلَمَّا بَلَغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ عَقَدَ وَذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ عُقْدَةً ثُمَّ لَمْ يَعْقِدْ فِي الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعُ جَلَدَاتٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسًا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَيُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ أَدْنَى حَدِّهِ أَرْبَعُونَ فَيَنْقُصُ خَمْسَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ الْعَبْدُ مَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ إلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي ثُمَّ التَّعْزِيرُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ كَالدَّهَاقِنَةِ، وَالْقُوَّادِ وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ، وَالْعَلَوِيَّةِ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ فَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ

كَالسُّوقَةِ الْإِعْلَامُ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي، وَالْحَبْسُ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ الْجَرُّ، وَالضَّرْبُ، وَالْحَبْسُ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ، وَالْقِصَاصِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالدُّيُونِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ‏)‏ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الرَّدْعُ، وَالزَّجْرُ فَإِذَا رَأَى أَنَّ الشَّاتِمَ لَا يَرْتَدِعُ بِالضَّرْبِ حَبَسَهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرْتَدِعُ لَا يَحْبِسُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ‏)‏ لِأَنَّهُ مُخَفَّفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا‏)‏ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَمُؤَكَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ‏)‏ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقِّنٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ‏)‏ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَلِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ‏:‏ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ شِدَّةِ التَّعْزِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُجْمَعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الشِّدَّةُ مِنْ حَيْثُ الضَّرْبُ، وَفِي حُدُودِ الْأَصْلُ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ، وَفِي الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَقْصَاهُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الشُّرْبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ فَإِذَا بَرِئَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى حَدِّ‏.‏

السَّرِقَةِ وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْبِسُهُ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِذَا بَرِئَ أَقَامَ عَلَيْهِ حَدَّ الشُّرْبِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَجْمٌ يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي السَّرِقَةِ ثُمَّ يُرْجَمُ وَيَبْطُلُ مَا عَدَاهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِي النَّفْسِ وَيَلْغُو مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ‏)‏ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي الْقَذْفِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا‏}‏ وَلِأَنَّهُ أَذَى الْمَقْذُوفَ بِلِسَانِهِ فَسَلَبَهُ اللَّهُ ثَمَرَةَ لِسَانِهِ مُجَازَاةً لَهُ وَثَمَرَةُ اللِّسَانِ نَفَاذُ الْأَقْوَالِ فَلَوْ قُبِلَ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ قَذْفَهُ كَانَ صِدْقًا فَيَنْهَتِكُ عِرْضُ الْمُسْلِمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏إلَّا الَّذِينَ تَابُوا‏}‏ قُلْنَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ الْفِسْقِ دُونَ الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ الْفِسْقَ وَسُقُوطَ الشَّهَادَةِ فَبِالتَّوْبَةِ يَزُولُ عَنْهُ اسْمِ الْفِسْقِ وَيَبْقَى الْمَنْعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ اللَّهَ أَكَّدَ سُقُوطَ الشَّهَادَةِ بِالتَّأْبِيدِ فَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ تُقْبَلُ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ التَّأْبِيدِ مَعْنًى فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ حُدَّ فِي الْإِسْلَامِ حَدًّا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ كَافِرًا فَحُدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ‏}‏ وَإِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ لِأَنَّ لَهُ نَوْعُ شَهَادَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ قَذَفَ الْعَبْدُ رَجُلًا فِي حَالِ الرِّقِّ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ‏)‏ اعْلَمْ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ لَهُ عَدَالَةٌ لَمْ تُخْرَجْ وَهِيَ عَدَالَةُ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْحَدَّ حَصَلَ وَلَهُ شَهَادَةٌ فَبَطَلَتْ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حُدَّ وَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ حُدَّ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ فِيمَ يُصَادِفُ الْحَدَّ شَهَادَةً تُبْطِلُهَا، وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ إسْلَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى لَوْ تَابَ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُهُ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلشَّهَادَةِ هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْبَاقِي وَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا ضُرِبَ الْكَافِرُ سَوْطًا وَاحِدًا فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ قَذَفَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حُدَّ كُلَّ الْحَدِّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ضُرِبَ الْمُسْلِمُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي

ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلُّ لَمْ تَسْقُطْ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ شَهَادَةُ الرَّامِي بِسَوْطٍ تُهْدَرُ وَجَاءَ عَنْهُ إذْ يُقَامُ الْأَكْثَرُ وَجَاءَ عَنْهُ الرَّدُّ حِينَ تَمَّمَا وَذَاكَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ فَاعْلَمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏