فصل: كِتَابُ الرَّضَاعِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


كِتَابُ الرَّضَاعِ

هُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَصُّ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إرْضَاعٍ مَخْصُوصٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فَقَوْلُنَا مَخْصُوصٍ أَنْ تَكُونَ الْمُرْضِعَةُ آدَمِيَّةً وَالرَّاضِعُ فِي مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ وَسَوَاءٌ وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِ الطِّفْلِ مِنْ ثَدْيٍ أَوْ مُسْعَطٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ حُقِنَ بِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ فِي الْمَشْهُورِ وَإِنْ أَقُطِرَ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ فِي جَائِفَةٍ أَوْ آمَّةٍ لَمْ يُحَرِّمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ‏)‏ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْقَلِيلُ مُفَسَّرٌ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمُدَّةُ الرَّضَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ سَنَتَانِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ ثَلَاثُ سِنِينَ وَفِي الذَّخِيرَةِ مُدَّتُهُ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ أَدْنَى وَوَسَطٌ وَأَقْصَى فَالْأَدْنَى حَوْلٌ وَنِصْفٌ وَالْوَسَطُ حَوْلَانِ وَالْأَقْصَى حَوْلَانِ وَنِصْفٌ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ شَطَطًا وَإِنْ زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا وَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَوَلَدَتْ فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِفِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ الْفِطَامُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقَّ التَّرْبِيَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ هِيَ ذَلِكَ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ‏)‏ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ‏}‏ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ فُصِلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَاسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ فِي الْمُدَّةِ عَلَى قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رَضَاعٍ فِي الثَّلَاثِينَ شَهْرًا قَبْلَ الْفِطَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ رَضَاعٌ يُحَرِّمُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا فُطِمَ فِي السَّنَتَيْنِ حَتَّى اسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ فَارْتَضَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ وَإِنْ هِيَ فَطَمَتْهُ فَأَكَلَ أَكْلًا ضَعِيفًا لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ عَادَ فَارْتَضَعَ فَهُوَ رَضَاعٌ يُحَرِّمُ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَكَانَ لَا يَعْتَدُّ بِالْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أُمَّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَرْأَةِ يُحَرِّمُ أُمَّهَا مِنْ النَّسَبِ فَكَذَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ بِنْتِ امْرَأَته مِنْ الرَّضَاعِ إنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الرَّبِيبَةِ مِنْ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ الْأُمِّ فَكَذَا الرَّبِيبَةُ مِنْ الرَّضَاعِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ النَّسَبِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ أُمَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ قَوْلُهُ ‏(‏وَامْرَأَةَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ‏)‏ وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي النَّصِّ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ إنْ ارْتَضَعَ الْمَرْأَةَ صَبِيَّةٌ فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ الَّذِي نَزَلَ مِنْهُ اللَّبَنُ أَبًا لِلْمِرْضَعَةِ‏)‏ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تَلِدْ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَهُ حَتَّى لَا تَحْرُمَ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى وَلَدِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَقَوْلُهُ فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَقَعَ اتِّفَاقًا وَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً بِلَبَنِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ مِنْهَا خَاصَّةً لَا مِنْ الزَّانِي وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ ثَبَتَ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُرْضِعَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ أَرْضَعَتْ فَلْتَحْفَظْ وَلْتَكْتُبْ احْتِيَاطًا حَتَّى لَا يَنْسَى بِطُولِ الزَّمَانِ وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا عِنْدَ الثَّانِي إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَحْبَلَ مِنْ الثَّانِي فَالرَّضَاعُ يَكُونُ مِنْ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ تَلِدَ فَالرَّضَاعُ مِنْ الْأُولَى إلَى أَنْ تَلِدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا وَلَدَتْ فَالتَّحْرِيمُ مِنْ الثَّانِي

دُونَ الْأَوَّلِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ بِالْغَلَبَةِ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَهُوَ مِنْهُمَا وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا إلَى أَنْ تَلِدَ فَإِذَا وَلَدَتْ فَالتَّحْرِيمُ مِنْ الثَّانِي‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ النَّسَبِ وَذَلِكَ مِثْلَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ‏)‏ الْمُرَادُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الرَّضَاعِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ تَقَدَّمَ رَضَاعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ فَهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ اجْتِمَاعَهُمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ إذَا كَانَ رَضَاعُهُمَا مِنْ ثَدْيٍ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَأَرْضَعَتْهَا أَمَةٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُخْتَهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَتَيْنِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا مَعًا أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى صَارَتَا أُخْتَيْنِ وَحُرِّمَتَا عَلَيْهِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا عَزَمَ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثَ صَبَايَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ بَانَتْ الْأُولَيَانِ وَكَانَتْ الثَّالِثَةُ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضَعَتْ الثَّانِيَةُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ أُخْتَيْنِ فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ثُمَّ لَمَّا أَرْضَعَتْ الثَّالِثَةَ صَارَتْ أُخْتًا لَهُمَا وَهُمَا أَجْنَبِيَّتَانِ وَالتَّحْرِيمُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمْعِ وَإِنْ أَرْضَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ الثِّنْتَيْنِ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إرْضَاعَ الْأُولَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الْأَخِيرَتَيْنِ مَعًا صِرْنَ أَخَوَاتٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَفْسُدُ نِكَاحُهُنَّ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعَ صَبَايَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى بِنَّ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلْأُولَى فَبَانَتَا فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الرَّابِعَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلثَّالِثَةِ فَبَانَتَا جَمِيعًا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْضَعَةَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا وَلَا وَلَدُ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَخِيهَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَتَزَوَّجُ الصَّبِيُّ الْمُرْضَعُ بِأُخْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ‏)‏ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ‏)‏ وَغَلَبَةُ اللَّبَنِ أَنْ يُوجَدَ طَعْمُهُ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي كَمَا فِي الْيَمِينِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ اللَّبَنَ فَشَرِبَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ وَالْمَاءُ غَالِبٌ لَمْ يَحْنَثْ وَقِيلَ الْغَلَبَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إخْرَاجُهُ مِنْ الِاسْمِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ أَمَّا إذَا حَسَاهُ حَسْوًا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَقِيلَ إنْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا بِحَيْثُ أَنْ يَصِيرَ اللَّبَنُ مَشْرُوبًا فِيهِ فَشَرِبَهُ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ‏)‏؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا حَلَبَ اللَّبَنَ مِنْ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ‏)‏؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَلْحَقُهُ بِالْمَوْتِ فَحَالُهُ بَعْدَهُ كَحَالِهِ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَةَ فُقِدَ فِعْلُهَا وَفِعْلُ الْمُرْضِعَةِ لَا يُعْتَبَرُ بِدَلَالَةِ ارْتِضَاعِ الصَّبِيِّ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ وَفَائِدَةُ التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِهَا صَغِيرَةً وَلَهَا زَوْجٌ فَإِنَّ الْمَيِّتَةَ تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَتَصِيرُ مَحْرَمًا لِلْمَيِّتَةِ فَلَهُ أَنْ يُيَمِّمَهَا وَيَدْفِنَهَا وَهَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَطْءِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ شَاةٍ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ غَلَبَ لَبَنُ الشَّاةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ‏)‏ كَمَا فِي الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدُّهْنِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَكْثَرِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا‏)‏ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ‏)‏ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ‏}‏ وَلَوْ أَنَّ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِهِ إذَا حَصَلَ مِنْ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ وَإِذَا نَزَلَ لِلْخُنْثَى لَبَنٌ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِامْرَأَةٍ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِذَا تَجَبَّنَ لَبَنُ امْرَأَةٍ وَأَطْعَمَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا شَرِبَ صِبْيَانٌ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَلَا رَضَاعَ بَيْنَهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمُومَةَ لَا تَثْبُتُ بِهِ وَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهَا وَلِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ صَارَتْ أَمَّا لَهَا فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَذَلِكَ حَرَامٌ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَانِعَةً لِنَفْسِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا فِعْلٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ‏)‏ بِأَنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَقَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ الْفَسَادَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا تَعَمَّدَتْ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَعَمَّدْ مَعَ يَمِينِهَا وَتَفْسِيرُ التَّعَمُّدِ هُوَ أَنْ تُرْضِعَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَانَةً وَأَنْ تَعْلَمَ بِقِيَامِ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ أَمَّا إذَا فَاتَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَمِّدَةً وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جَائِعَةٌ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا شَبْعَانَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ صَغِيرَةٌ وَمَجْنُونَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْمَجْنُونَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْمَجْنُونَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلِلصَّغِيرَةِ النِّصْفُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ، وَكَذَا إذَا جَاءَتْ الصَّغِيرَةُ إلَى الْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَأَخَذَتْ ثَدْيَهَا وَجَعَلَتْهُ فِي فَمِهَا وَارْتَضَعَتْ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِنْ تَعَمَّدَ الرَّجُلُ الْفَسَادَ وَغَرِمَ نِصْفَ الصَّدَاقِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا‏)‏ وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَتُهُ مَعْنَاهُ إذَا قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ عَنْهَا وَخَوْفَ الْهَلَاكِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ فَرْضٌ عَلَيْهَا إذَا خَافَتْ هَلَاكَهَا وَإِنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْفَسَادِ لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانٌ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ‏)‏ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ يَنْظُرُ إلَى الثَّدْيِ وَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ‏)‏ إذَا كَانُوا عُدُولًا فَإِذَا شَهِدُوا بِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى قَالَ الْكَرْخِيُّ رُوِيَ ‏{‏أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ‏:‏ إنِّي أَرْضَعَتْكُمَا قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرَضَ ثُمَّ ذَكَرْتُهُ لَهُ فَأَعْرَضَ حَتَّى قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَدَعْهَا إذًا وَرُوِيَ فَارِقْهَا فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا سَوْدَاءُ فَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ‏؟‏ أَيْ قِيلَ‏:‏ إنَّهَا أُخْتُك وَإِنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ‏}‏ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَلَوْ وَجَبَ التَّفْرِيقُ لَمَا أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ فِي أَوَّلِ سُؤَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّنَزُّهَ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَارِقْهَا دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ‏.‏

كِتَابُ الطَّلَاقِ

هُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْقَيْدِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِطْلَاقِ تَقُولُ الْعَرَبُ أَطْلَقْتُ إبِلِي وَأَسِيرِي، وَطَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهُمَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ فَجَعَلُوهُ فِي الْمَرْأَةِ طَلَاقًا وَفِي غَيْرِهِ إطْلَاقًا كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ حِصَانٍ وَحَصَانٍ فَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ حَصَانٌ وَلِلْفَرَسِ حِصَانٌ، وَهُوَ سَوَاءٌ فِي اللَّفْظِ مُخْتَلِفٌ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لِحِلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَيُقَالُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ وَلِهَذَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَالطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَقِيبَهُ إذَا كَانَ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَائِنًا وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَقَفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ‏)‏ يَعْنِي أَنَّهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَبِدْعِيٌّ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ طَلَاقُ سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ أَمَّا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ سُنَّةٍ وَطَلَاقَ بِدْعَةٍ وَطَلَاقًا خَارِجًا عَنْهُمَا وَهُوَ طَلَاقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَطَلَاقُ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ صَرِيحٍ وَطَلَاقَ كِنَايَةٍ وَطَلَاقًا فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُهُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ ‏(‏فَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا‏)‏ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَحْسَنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ مَا هُوَ حَسَنٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ قِيلَ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ

ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارِ لَا يُجَامِعُهَا فِيهِ حَسَنٌ، وَهُوَ طَلَاقٌ السُّنَّةِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ‏)‏، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ آخَرُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَكَذَا عِنْدَهُمَا يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَيْنِ بِشَهْرٍ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْحَامِلُ لَا تَطْلُقَ لِلسُّنَّةِ إلَّا مَرَّةً‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ وَكَانَ عَاصِيًا‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ فَالدِّينِيَّةُ حِفْظُ النَّفْسِ مِنْ الزِّنَا وَحِفْظُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَنْهُ وَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلْمُوَحِّدِينَ وَتَحْقِيقُ مُبَاهَاةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَقِوَامُ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْمَلُ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَالرَّجُلُ خَارِجَهُ فَيَنْتَظِمُ أَمْرُهُمَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْحَظْرِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ حِبَالَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْأَطْهَارِ وَإِنَّمَا كَانَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ ‏{‏قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ إذًا عَصَيْت رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْك‏}‏ وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ‏{‏طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِنَا امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ‏}‏ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُؤْتَى بِرَجُلٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا أَوْجَعَهُ ضَرْبًا، وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ‏.‏

وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ النَّاجِزِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ إنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ النَّدَمِ وَأَنْ يَبْدُوَ لَهُ فَيَسْتَدْرِكَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُقَالُ‏:‏ إنَّ السُّنَّةَ فِي الْعَدَدِ هُوَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً لَا غَيْرُ وَسَمَّيْت الْوَاحِدَةُ عَدَدًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ فَقَدْ وُجِدَتْ السُّنَّةُ فِي طَلَاقِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتِ أَمْرٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ كَانَ سُنِّيًّا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَانَ بِدْعِيًّا وَقَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا حَتَّى لَوْ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ وَاحِدَةً سَاعَةَ تَكَلَّمَ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ أُخْرَى سَاعَةَ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ سَاعَة تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقَعُ أُخْرَى حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ الْأُولَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ‏)‏ أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ طَوَّلَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ عَلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ الْجِمَاعِ فَيَنْدَمَ عَلَى طَلَاقِهَا وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَدْخُولَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهَا السُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ طَلَاقُهَا وَهِيَ حَائِضٌ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً مَتَى شَاءَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَخَوْفُ الْحَبَلِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ بَعْدَمَا جَاءَ مَعَهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ بِالْعَدَدِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً مَتَى شَاءَ ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أُخْرَى ثُمَّ يَتْرُكُهَا شَهْرًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أُخْرَى قَوْلُهُ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ‏)‏ يَعْنِي الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ أَمَّا إذَا كَانَتْ يُرْجَى مِنْهَا ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ إجْمَاعًا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ الْعِدَّةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَيُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْأَشْهُرُ أَوْ الْحَيْضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِهَا وَهُمَا يَقِيسَانِهَا عَلَى الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا‏)‏ الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ ‏{‏قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا وَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ‏}‏ فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْوُجُوبَ عَلَى عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ وُجُوبُ الْمُرَاجَعَةِ بِقَوْلِ عُمَرَ قُلْنَا فِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْخُلْعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ‏.‏

وَفِي الْمُنْتَقَى لَا بَأْسَ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا‏)‏ وَهَذَا قَوْلُهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إذَا رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ بِالْقَوْلِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ إذَا رَاجَعَهَا بِاللَّمْسِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا هَازِلًا كَانَ أَوْ جَادًّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ كَانَ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ بَعْضُ كَلَامِهِ مِثْلُ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ وَبَعْضُهُ مِثْلُ كَلَامِ الْمَجَانِينِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي حَالِ الْعَتَهِ أَمَّا فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاقِعٌ، وَكَذَا النَّائِمُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِ النَّائِمٍ طَلَاقٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَوْ اسْتَيْقَظَ وَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ ثُمَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَعَ طَلَاقُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ حَقِّ مَوْلَاهُ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي هَذَا النِّكَاحِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ مَلَكَ السَّاقَ‏}‏ وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَكَانَ رَفْعُهُ إلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَالطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ‏)‏ فَالصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ ظُهُورًا بَيِّنًا مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ حُرَّةٌ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَصْرُ صَرْحًا لِارْتِفَاعِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ وَالْكِنَايَةُ مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ ‏(‏فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَقَدْ طَلَّقْتُك فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ مَا نَوَى قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ‏)‏ يَعْنِي الصَّرِيحَ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ وَالتَّخْفِيفِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا صَارَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا تَصِيرُ ثَلَاثًا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ لَهَا كُونِي طَالِقًا أَوْ أَطْلِقِي قَالَ مُحَمَّدٌ أَرَاهُ وَاقِعًا وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ كُونِي حُرَّةً أَوْ أَعْتِقِي قَوْلَهُ ‏(‏وَقَوْلُهُ أَنْتِ الطَّالِقُ وَأَنْتِ طَالِقُ الطَّلَاقِ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَيْضًا وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ‏)‏، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نِيَّةٍ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْكَثْرَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ‏:‏ إنَّ الثِّنْتَيْنِ بَعْضُ الثَّلَاثِ فَلَمَّا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ صَحَّتْ نِيَّةُ بَعْضِهَا وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِيَّةِ أَمَّا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقُ الطَّلَاقِ وَقَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقَ أُخْرَى صُدِّقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَالِحَةٌ لِلْإِيقَاعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَتَحْرُمُ أَوْ يَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْحُرَّةِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ اثْنَتَانِ إذَا نَوَاهُمَا يَعْنِي مَعَ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إنَّمَا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لَا غَيْرُ كَقَوْلِك قُمْت قِيَامًا وَأَكَلْت أَكْلًا وَالتَّأْكِيدُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَهُ الْمُؤَكِّدُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُفِيدُ مَعْنَى الْكَثْرَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ عَنَيْتُ الْأَوَّلَ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَكَذَا إذَا قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا قُلْت قَالَ قَدْ طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَ قُلْت هِيَ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثِنْتَانِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ أَوْ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ‏)‏ أَمَّا قَوْلُهُ اعْتَدِّي فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ وَالِاعْتِدَادَ بِنِعَمِ اللَّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ أَنِّي أُرِيدُ طَلَاقَك وَقَوْلُهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ فِي قَوْمِك وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ نَصَبَ الْوَاحِدَةَ يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ رَفَعَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى وَإِنْ سَكَّنَهَا فَفِيهِ الْكَلَامُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَبَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً‏)‏ الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا بَوَائِنُ إلَّا الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّهَا رَجْعِيٌّ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَتَارَةً تَكُونُ الْبَيْنُونَةُ بِوَاحِدَةٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِالثَّلَاثِ فَيَقَعُ مَا نَوَى مِنْهَا قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً‏)‏ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ اثْنَتَانِ، لَنَا أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَا تَتَضَمَّنُ الْعَدَدَ أَلَا تَرَى أَنَّك لَا تَقُولُ أَنْتِ بَائِنَتَانِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ بِالنِّيَّةِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ الْكَلَامُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَرَادَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ وَلَكِنَّهَا نَوْعُ بَيْنُونَةٍ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي اثْنَتَيْنِ وَقَعَتَا؛ لِأَنَّهَا الْبَيْنُونَةُ الْعُلْيَا فِي حَقِّهَا كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَحَرَامٌ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُ أَنْتِ بَائِنٌ يَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَةَ مِنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ وَبَتَّةٌ الْبَتُّ هُوَ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ مِنْ النِّكَاحِ وَعَنْ الْمُرُوءَةِ وَالْخَيْرِ وَبَتْلَةٌ بِمَنْزِلَةِ بَتَّةٍ وَقَوْلُهُ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالْيَمِينَ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ أَنَّك لَا تُطِيعِينِي وَالْحَقِي بِأَهْلِك يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ لِأَهْلِهَا وَخَلِيَّةٌ يَحْتَمِلُ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ الْخَيْرِ وَمِنْ الشُّغْلِ وَبَرِيَّةٌ يَحْتَمِلُ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك سَوَاءٌ قَبِلُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا يَحْتَمِلُ وَهَبْتُك لَهُمْ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ هِبَةَ الْعَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ وَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لِأَبِيك أَوْ لِأُمِّكِ أَوْ لِلْأَزْوَاجِ فَهُوَ طَلَاقٌ إذَا نَوَى؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ بِالطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَيَمْلِكُهَا الْأَزْوَاجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَإِذَا قَالَ وَهَبْتُكِ لِأَخِيك أَوْ لِعَمِّك أَوْ لِخَالِك أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَرِدُ بِالطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَقَوْلُهُ وَسَرَّحْتُكِ وَفَارَقْتُكِ هُمَا كِنَايَتَانِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ سَرَّحْتُ إبِلِي وَفَارَقْتُ صَدِيقِي فَقَوْلُهُ سَرَّحْتُكِ يَحْتَمِلُ بِالطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ فِي حَوَائِجِي وَفَارَقْتُك يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَيَحْتَمِلُ بِبَدَنِي وَقَوْلُهُ وَأَنْتِ حُرَّةٌ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهَا حُرَّةً‏.‏

وَقَوْلُهُ وَتَقَنَّعِي يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّك مُطَلَّقَةٌ وَيَحْتَمِلُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَمِثْلُهُ وَاسْتَتِرِي وَقَوْلُهُ وَاغْرُبِي يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ أَنَّك لَا تُطِيعِينِي وَمِثْلُهُ اُعْزُبِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ غِيبِي وَابْعُدِي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّك مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ‏}‏ وَالْعُزُوبُ الْبَعْدُ وَالذَّهَابُ وَقَوْلُهُ وَأَبْتَغِي الْأَزْوَاجَ يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ إبْعَادَهَا مِنْهُ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي وَتَزَوَّجِي وَانْطَلِقِي وَانْتَقِلِي وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ نِكَاحِكِ وَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الشَّيْءِ تَرْكٌ لَهُ وَإِعْرَاضٌ عَنْهُ وَالْمُعْرِضُ عَنْ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ مُطَلِّقًا وَالْمُعْرِضُ عَنْ النِّكَاحِ يَكُونُ مُطَلِّقًا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ خُذِي طَلَاقَكِ فَقَالَتْ قَدْ أَخَذْتُهُ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقَك اللَّهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَعْتَقَك اللَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَلَوْ قَالَ جَمِيعُ نِسَاءِ الدُّنْيَا طَوَالِقُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَإِنْ قَالَ عَبِيدُ أَهْلِ الدُّنْيَا أَحْرَارٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَقُ وَلَوْ قَالَ أَوْلَادُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ لَسْتِ لِي امْرَأَةً أَوْ قَالَ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا مَا أَنَا بِزَوْجِكِ أَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا فَإِنَّهُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَلَاقًا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّوْجِيَّةِ كَذِبٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ لَمْ أَتَزَوَّجْك وَقَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي

بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْتِ وَاَللَّهِ لِي بِامْرَأَةٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى النَّفْيِ يَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَكَّدَ النَّفْيَ بِالْيَمِينِ صَارَ ذَلِكَ إخْبَارًا لَا إيقَاعًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُؤَكَّدُ بِهَا إلَّا الْخَبَرُ وَالْخَبَرُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُنْتُ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا أَمْسِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَلَوْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَوْ قَالَ أَفْلِحِي أَوْ فَسَخْتُ النِّكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ‏)‏، وَهُوَ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ تُطَالِبَهُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا قَوْلُهُ ‏(‏فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ‏)‏ أَمَّا إذَا كَانَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفُرْقَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ وَاخْتَارِي وَاعْتَدِّي وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَمَّا خَرَجَتْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَكَانَا فِي غَصْبٍ أَوْ خُصُومَةٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ لَا يَقْصِدُ بِهَا السَّبَّ وَالشَّتِيمَةَ‏)‏ مِثْلَ اعْتَدِّي اخْتَارِي أَمْرَك بِيَدِك؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَصْلُحُ لِلشَّتِيمَةِ بَلْ تَحْتَمِلُ الْفُرْقَةَ وَحَالُ الْغَضَبِ حَالُ الْفُرْقَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الْفُرْقَةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكِنَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كِنَايَاتٌ وَمَدْلُولَاتٌ وَتَفْوِيضَاتٌ فَالْكِنَايَاتُ أَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك فَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي حَالَةِ الرِّضَا إنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي حَالَةِ الْغَصْبِ صُدِّقَ فِي خَمْسَةِ أَلْفَاظٍ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ وَهِيَ أَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصْلُحُ لِلشَّتِيمَةِ يَحْتَمِلُ بَائِنٌ مِنْ الدَّيْنِ وَبَتَّةٌ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَخَلِيَّةٌ مِنْ الْخَيْرِ وَبَرِيَّةٌ مِنْ الْإِسْلَامِ وَحَرَامٌ الِاجْتِمَاعُ مَعَك وَالْحَالُ حَالُ الشَّتِيمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ وَالْمَدْلُولَاتُ اذْهَبِي وَقُومِي وَاسْتَتِرِي وَتَقَنَّعِي وَاخْرُجِي وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بَائِنًا وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا سَوَاءٌ كَانَا فِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَالتَّفْوِيضَاتُ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي فَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يُصَدَّقُ فِي التَّفْوِيضَاتِ وَلَا فِي الْكِنَايَاتِ الرَّجْعِيَّةِ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي التَّفْوِيضَاتِ إذَا قَالَتْ مُجِيبَةٌ لَهُ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي ثُمَّ فِي قَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ طَلْقَةً بَائِنَةً وَفِي قَوْلِهَا طَلَّقَتْ نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ وَبِضَرْبٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالشِّدَّةِ كَانَ بَائِنًا‏)‏؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَإِذَا وَصَفَهُ بِزِيَادَةٍ أَفَادَ مَعْنًى لَيْسَ فِي لَفْظِهِ قَوْلُهُ ‏(‏مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْحَبْلِ أَوْ مِلْءِ الْبَيْتِ‏)‏، وَكَذَا أَخْبَثَ الطَّلَاقِ أَوْ أَسْوَأَ الطَّلَاقِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَنَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَائِنَةٌ وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءِ الْبَيْتِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونَ ثَلَاثًا لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ وَفِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ كَأَلْفٍ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ كَمَا إذَا قَالَ كَعَدَدِ الْأَلْفِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً دَيَّنْته فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أُدَيِّنُهُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةٌ كَأَلْفٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ الْأَلْفِ أَوْ مِثْلَ عَدَدِ الْأَلْفِ أَوْ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ أَوْ مِثْلَ عَدَدِ ثَلَاثٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ أَوْ مِلْءَ الْكَوْنِ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِثْلَ أَلْفٍ كَانَ بَائِنًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصْلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا بِأَيِّ شَيْءٍ شَبَّهَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا سَوَاءٌ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْعِظَمَ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ يُوصَفُ بِالشِّدَّةِ وَالْعِظَمِ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ وَمُحَمَّدٌ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بَيَانُهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ هُوَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ أَوْ مِثْلَ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ فَهُوَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجْعِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ الْجَبَلِ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ كَانَ بَائِنًا إجْمَاعًا فَإِنْ نَوَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ عَدَدِ كَذَا وَأَضَافَ إلَى شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَدَ الْقَمَرِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ كَالنُّجُومِ فَوَاحِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَالنُّجُومِ ضِيَاءً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَدَدَ فَيَكُونَ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ قَالَ عَدَدَ الرَّمَلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ يَقَعُ ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ وَالْكَثِيرُ ثَلَاثٌ فَإِذَا قَالَ أَوَّلًا لَا قَلِيلٌ فَقَصَدَ الثَّلَاثَ ثُمَّ لَا يُعْمِلُ قَوْلَهُ وَلَا كَثِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ لَا كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ يَقَعُ وَاحِدَةً عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدُ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ السَّمَكِ وَلَيْسَ فِيهِ سَمَكٌ يَقَعُ وَاحِدَةً وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ قَوِيَّةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِهَا فَيَلْغُو وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَا هُنَا إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا كَانَ رَجْعِيًّا عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ طَلْقَةً بَائِنَةً وَإِنْ قَالَ طَلْقَةً نَبِيلَةً أَوْ جَمِيلَةً أَوْ عَدْلَةً أَوْ حَسَنَةً فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقَعُ لِلْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَلَا يَكُونُ لِلسُّنَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِلسُّنَّةِ وَيَقَعُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ طَلَاقَ الدِّينِ أَوْ طَلَاقَ الْإِسْلَامِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَخْيَرَهُ أَوْ طَلَاقَ الْحَقِّ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ فَهَذَا كُلُّهُ لِلسُّنَّةِ إنْ صَادَفَ وَقْتَ السُّنَّةِ يَقَعُ وَإِلَّا فَيُنْتَظَرُ إلَى وَقْتِ السُّنَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقَعُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ طَلُقَتْ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ طَلُقَتْ عِنْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك مِنْ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك بَاطِلٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك يَلْغُو وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَمَا سَكَتَ كَمْ فَقَالَ ثَلَاثٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَذَا وَأَشَارَ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فَإِنْ نَوَى الْمَضْمُومَتَيْنِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَذَا وَأَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَشَارَ بِثِنْتَيْنِ فَهُمَا اثْنَتَانِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ يَعْنِي إذَا جَعَلَ ظَاهِرَ الْكَفِّ إلَى الْمَرْأَةِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ فَالْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِشَارَةِ بِعَدَدِ مَا قَبَضَهُ مِنْ أَصَابِعِهِ دُونَ مَا أَرْسَلَهُ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي فَقَالَ قَدْ طَلَّقْتُك فَهِيَ ثَلَاثٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِالثَّلَاثِ وَهَذَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي بِغَيْرِ وَاوٍ فَقَالَ طَلَّقْتُك إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك فَهِيَ ثَلَاثٌ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ رَقَبَتُكِ طَالِقٌ أَوْ عُنُقُكِ أَوْ رُوحُكِ أَوْ جَسَدُكِ أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُكِ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك رَقَبَةَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ أَوْ جَسَدَهَا أَوْ فَرْجَهَا فَكَذَا فِي الطَّلَاقِ، وَكَذَا إذَا قَالَ نَفْسُك طَالِقٌ أَوْ بَدَنُكِ، وَكَذَا الدَّمُ فِي رِوَايَةٍ إذَا قَالَ دَمُك طَالِقٌ فِيهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ يُقَالُ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا وَإِذَا قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ وَجْهِهَا وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهَا وَكَذَا الْعَتَاقُ مِثْلُ الطَّلَاقِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَكَذَا إنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ نِصْفُكِ طَالِقٌ أَوْ ثُلُثُكِ‏)‏ أَوْ رُبُعُك أَوْ سُدُسُك أَوْ عُشْرُك وَإِنْ قَالَ أَنْتِ نِصْفُ طَالِقٍ طَلُقَتْ كَمَا إذَا قَالَ نِصْفُك طَالِقٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ‏)‏، وَكَذَا إذَا قَالَ ثَدْيُك طَالِقٌ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ، وَكَذَا اللِّسَانُ وَالْأَنْفُ وَالْأُذُنُ وَالسَّاقُ وَالْفَخِذُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَإِنْ قِيلَ الْيَدُ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ‏}‏ قِيلَ أَرَادَ بِالْيَدِ صَاحِبَهَا وَعِنْدَنَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ أَرَدْت صَاحِبَتَهَا طَلُقَتْ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ هُنَاكَ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ مَقْرُونًا بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْيَدِ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ مَقْرُونًا بِالطَّلَاقِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مُمْتَنِعٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى رِيقِهَا أَوْ ظُفْرِهَا‏.‏

وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَيْدُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنْبِئُ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَلَا قَيْدَ فِي الْيَدِ يَعْنِي بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهَا إجْمَاعًا وَإِنَّمَا مُلِكَتْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ تَبَعًا لَا أَصَالَةً وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَالَ دُبُرُك طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ وَكَذَا فِي الْمَمْلُوكَةِ لَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ شَعْرُكِ طَالِقٌ أَوْ ظُفْرُكِ أَوْ رِيقُكِ أَوْ دَمْعُكِ أَوْ عَرَقُكِ لَمْ تَطْلُقْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدًا‏)‏؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَرُبُعًا أَوْ طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ طَلْقَةً وَنِصْفَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ النِّصْفَ إلَى الْمُوقَعَةِ وَقَدْ وَقَعَتْ جُمْلَتُهَا فَلَمْ تَقَعْ ثَانِيًا وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ أَثْبَتَ الْوَاوَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً كَامِلَةً، وَكَذَا إذَا أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَلْقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا وَقَعَ عَلَيْهِنَّ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ، وَكَذَا إلَى الثَّمَانِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تِسْعُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ طَلْقَةٌ فَإِذَا قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ كُنَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ قِيلَ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكَامَلَ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ تَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى طَلْقَةٍ نَكِرَةٍ وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى تَطْلِيقَةٍ مُعَرَّفَةٍ بِالْكِنَايَةِ وَالْمُعَرَّفَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ

قَوْلُهُ ‏(‏وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ‏)‏ أَمَّا الْمُكْرَهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقَعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَأَقَرَّ بِهِ لَا يَقَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بَلْ قَصَدَ الْإِقْرَارَ وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ وَالْهَازِلُ بِالطَّلَاقِ يَقَعُ طَلَاقُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ‏:‏ النِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ‏}‏ وَقَوْلُهُ وَالسَّكْرَانِ هَذَا إذَا سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ أَمَّا مِنْ الْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ لَا يَقَعُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَفِي شَاهَانْ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَنْجٌ أَمَّا إذَا عَلِمَ يَقَعُ‏.‏

وَفِي الْمُحِيطِ السُّكْرُ مِنْ الْبَنْجِ حَرَامٌ وَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ وَإِنْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَسَكِرَ فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ يَقَعُ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ لَا يَقَعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَاقُ مِنْ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ سَوَاءٌ شَرِبَ الْخَمْرَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَوْ مُضْطَرًّا ‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ زَوَالُهُ زَجْرًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ وَالْقَوَدُ بِالْقَتْلِ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالشَّرَائِعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى‏}‏ وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ قُلْنَا زَالَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ وَقَدْ قَالُوا‏:‏ إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَكَذَا الْعَتَاقُ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ اسْقِنِي فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِمَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ‏)‏ يَعْنِي الْمُكْرَهَ وَالسَّكْرَانَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالسُّكْرَ لَا يُؤَثِّرَانِ فِي الطَّلَاقِ فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِذَلِكَ فَقَدْ أَكَّدَهُ فَوَقَعَ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّيْخَ تَرَجَّحَ قَوْلُهُمَا عِنْدَهُ فَإِذَا أَفَاقَ السَّكْرَانُ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ صُدِّقَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ مِنْ السَّكْرَانِ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ يُوقِعُ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِنَايَاتِ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ، وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَاتِ هِيَ الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ كِتَابًا مُسْتَبِينًا عَلَى لَوْحٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ وَرِقِ الْأَشْجَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَبِينٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ وَقِيلَ الْمُسْتَبِينُ كَالصَّرِيحِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَبِينُ بِأَنْ كَتَبَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْمَاءِ أَوْ عَلَى الْحَدِيدِ أَوْ عَلَى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَا يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا كَتَبَ عَلَى وَجْهِ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْخِطَابِ مِثْلَ أَنْ يَكْتُبَ يَا فُلَانَةُ إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِوُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهَا وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَقَعُ طَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ‏)‏ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ وَقَعَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بَقَاءَ نِكَاحِهِ وَشَكَكْنَا فِي زَوَالِهِ وَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ ثُمَّ طَلَاقُهُ الْمَفْهُومُ بِالْإِشَارَةِ إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ‏)‏ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عِنْدَنَا ثُمَّ إذَا طَلُقَتْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ ‏"‏ إنْ ‏"‏ لَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ وَأَمَّا كُلٌّ فَإِنَّهَا تُكَرِّرُ الْأَسْمَاءَ وَلَا تُكَرِّرُ الْأَفْعَالَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى طَلُقَتْ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَهِيَ غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ بِالثَّلَاثِ أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ‏)‏ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَارَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ تَطْلُقْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَاصِلُهُ إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ لَوْ ابْتَدَأَهُ لَمْ يَقَعْ قُلْنَا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْوُقُوعَ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ إنَّمَا يَقَعُ طَلَاقُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِنِّينَ إذَا أُجِّلَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَدْ جُنَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ قَالَ الْمَجْنُونُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَمْ تَطْلُقْ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الصَّحِيحُ فَدَخَلَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ طَلُقَتْ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُون الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ‏)‏ فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ فِي نِكَاحٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى نِكَاحٍ قَوْلُهُ ‏(‏وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلٌّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا‏)‏ إنَّمَا قَالَ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا أَسْمَاءٌ وَبَعْضَهَا حُرُوفٌ فَالْأَسْمَاءُ مِثْلَ كُلٌّ وَإِذَا وَلِهَذَا يَدْخُلُهُمَا التَّنْوِينُ فَيُقَالُ كُلٌّ وَإِذًا وَالتَّنْوِينُ عَلَامَةُ الِاسْمِيَّةِ، وَكَذَا مَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَالْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَفْظٌ فَلِهَذَا قَالَ وَأَلْفَاظُ لِيَشْمَلَ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِإِنْ؛ لِأَنَّهَا صَرْفٌ لِلشَّرْطِ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا وَإِذَا تَصْلُحُ لِلْوَقْتِ وَالشَّرْطِ فَيُجَازَى بِهَا تَارَةً وَلَا يُجَازَى بِهَا تَارَةً وَمَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَلَزِمَ فِي بَابِ الْمُجَازَاةِ مِثْلَ إنْ لَكِنْ مَعَ قِيَامِ الْوَقْتِ وَكُلٌّ لِلْإِحَاطَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ وَهِيَ تَعُمُّ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّهَا تَلَازُمُهَا فَإِذَا وُصِلَتْ بِمَا أَوْجَبَتْ عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ شُرُوطًا؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَلِيهَا وَالشَّرْطُ إنَّمَا جُعِلَ شَرْطًا لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا قَالُوا‏:‏ إنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِيهَا الِاسْمُ دُونَ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهَا جُعِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَهَا تَعُودُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا كُلٌّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ مِثْلَ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَكُلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ إذَا وُجِدَتْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ‏)‏ أَيْ انْتَهَتْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ قَوْلُهُ ‏(‏إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا‏}‏ وَ ‏{‏كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا‏}‏ فَكَرَّرَتْ النُّضْجَ وَإِرَادَةَ الْخُرُوجِ وَذَلِكَ أَفْعَالٌ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ‏)‏ أَيْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ لَنَا أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَضَى وَالتَّطْلِيقَاتُ الَّتِي اسْتَأْنَفَهَا فِي الثَّانِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا وَلَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزْوِيجِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْصُورٍ بَيَانُهُ إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا تَكْرَارُ الْفِعْلِ وَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهَا فَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلَهُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ وَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلَانًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ فَإِذَا زَالَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لَمْ يَنْصَرِفْ التَّكْرَارُ إلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا‏)‏ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَانْحَلَّتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَتْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَكَانَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا زَوَالُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ لَا زَوَالُ الْحِلِّ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَدَخَلَتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَهْدِمُ فَتَعُودُ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحٍ أَنْ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّك دَخَلْت الدَّارَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ يَقَعُ فِي الْحَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَاضِيَ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ مَا وَقَعَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهَا طَالِقٌ بِالدُّخُولِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت أَوْ لَمْ تَدْخُلِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أُخْرَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا مُعَلَّقًا بِدُخُولِ الدَّارِ لَوْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ السَّاعَةَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ‏)‏ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ‏(‏وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ‏)‏ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَتَدْخُلُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَهِيَ تَدَّعِي عَلَيْهِ زَوَالَهُ بِالْحِنْثِ فِي شَرْطٍ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ حِضْت طَلُقَتْ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ إذَا أَخْبَرَتْ وَشَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَاقٍ أَمَّا إذَا أَخْبَرَتْ بَعْدَ فَوَاتِهِ لَا يُقْبَلُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت لَا يُقْبَلُ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت يُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا لَمْ تَرَ حَيْضَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وُجُودُ الطُّهْرِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا بَقِيَ الطُّهْرُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت ثُمَّ الْآنَ أَنَا حَائِضٌ أَوْ طَهُرْت مِنْهَا لَا يُقْبَلُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ‏)‏؛ لِأَنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ حَضْرَتِهَا وَهَذَا إذَا كَذَّبَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا خَاصَّةً أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا وَقَعَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْحَيْضِ مِنْهَا أَمَّا إذَا عُلِمَ طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتَ طَالِقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْبُغْضَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ إنْ كُنْت تَبْغُضِينَ الْجَنَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْجَوَابُ فِي هَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِهَا فَوَقَفَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا إنْ قُلْت أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك طَلُقَتْ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ صَاحِبَتُهَا وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ وَلَدْت لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدُ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ‏.‏

وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ دَخَلْت أَوْ كَلَّمْت لَمْ تَطْلُقْ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا

فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَقَالَتَا جَمِيعًا حِضْنَا إنْ صَدَّقَهُمَا طَلُقَتَا جَمِيعًا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ يُطَلَّقَا وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَلَمْ تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِوُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ فِي الْمُكَذَّبَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا عَلِقَتْ بِشَرْطَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَهُنَا قَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا قَالَتَا حِضْنَا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مُخَبِّرَةٌ عَنْ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ عَلَى نَفْسِهَا مُكَذِّبَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا حَاضَتْ وَتَصْدِيقُهُ لِصَاحِبَتِهَا بِحَيْضِهَا فَلِهَذَا طَلُقَتْ وَأَمَّا الْمُصَدَّقَةُ فَوُجِدَ فِيهَا أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْآخَرُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبَتِهَا؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلِهَذَا لَمْ تَطْلُقْ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا قَالَ لَهَا إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ‏)‏؛ لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا قَوْلُهُ ‏(‏فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ‏)‏ وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَحْرَارِ وَلَوْ خَالَعَهَا فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ صَحَّ التَّزْوِيجُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلُ مِنْهَا وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَتِهَا بِالِانْقِطَاعِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٍ لِجَوَازِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فِي الْمُدَّةِ فَتَكُونَ حَائِضًا وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرَةً وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِمُضِيِّهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنِّيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ وَإِنْ خَالَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، وَكَذَا إذَا قَالَ ثُلُثَ حَيْضَةٍ أَوْ سُدُسَ حَيْضَةٍ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا حِضْت نِصْفَهَا الْآخَرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك فَحِينَ مَا رَأَتْ الدَّمَ تَطْلُقُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ فِي حَيْضَتِك أَوْ مَعَ حَيْضَتِك فَمَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ لَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ، وَهُوَ مَرِيضٌ إذَا مَرِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ أَوْ مَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ فَيَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا‏.‏

وَكَذَا الْمَرَضُ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا حَادِثًا مِنْ ذَلِكَ صُدِّقَ، وَكَذَا صَاحِبُ الرُّعَافِ إذَا قَالَ إنْ رَعَفْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْتِ فَهُوَ عَلَى حَبَلٍ مُسْتَقْبَلٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْحَبَلَ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْتُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَوَّلًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ طَلْقَةً وَفِي التَّنَزُّهِ ثِنْتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذًا فِي حَالٍ يَقَعُ وَاحِدَةً وَفِي حَالٍ اثْنَتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَطَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا‏)‏ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَانِ بِالنِّسَاءِ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ وَتَفْسِيرُهُ حُرَّةٌ تَحْتَ عَبْدٍ طَلَاقُهَا ثَلَاثٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثِنْتَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَمَةٌ تَحْتَ حُرٍّ طَلَاقُهَا ثِنْتَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثَلَاثٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَاقُهَا ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّةَ الْمَنْكُوحَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِالرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا يَمْلِكُ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَمْلِكُ اثْنَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ عَلَيْهَا‏)‏؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ وَصِفَةٌ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ إيقَاعٍ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ كَلَامٌ وَاحِدٌ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَمَّا بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا صَادَفَتْهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلِهَذَا لَمْ تَقَعْ وَسَوَاءٌ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِحَرْفِ عَطْفٍ أَوْ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ فَإِنَّهُ تَقَعُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْكَلَامِ شَرْطٌ وَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ فَتَقَعُ الْأُولَى فِي الْحَالِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ‏)‏؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَبَطَلَ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ‏)‏ وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا إنْ كَانَ مُوقَعًا أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَلْفُوظُ بِهِ مُوقَعًا آخَرَ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى وَتُصَادِفُهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَكَذَا وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً وَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْدَهَا أُخْرَى وَقَدْ بَانَتْ بِهَذِهِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ آخَرَ فَوَقَعَتَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ وَأَخْبَرَ أَنَّ قَبْلَهَا وَاحِدَةً قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ‏)‏، وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ فَكَأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَتَا وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى وَإِنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَثَلَاثِينَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا إلَّا هَكَذَا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ أَحَدَ عَشْرَ طَلْقَةً‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً كَذَا هَذَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا وَوَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ يُرِيدُ بِهِ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ يَقَعُ ثِنْتَانِ إجْمَاعًا ثُمَّ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ الثَّلَاثَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ وَيَبْطُلُ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِخِلَافِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَقَعَتْ الْأُولَى لِلْحَالِ وَسَقَطَ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَعَلَّقَتْ الثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا فِي الْعِدَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَّةَ طَلُقَتْ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ‏)‏، وَكَذَا إذَا قَالَ بِمَكَّةَ وَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهَا بِالطَّلَاقِ فِي مَكَّةَ وَمَتَى طَلُقَتْ فِيهَا طَلُقَتْ فِي كُلِّ الْبِلَادِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ‏)‏ يَعْنِي أَنَّهَا تَطْلُقُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فِي الْحَالِ فَإِنْ قِيلَ إذَا عُرِفَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِمَكَّةَ عُرِفَ أَيْضًا عَدَمُهُ بِالدَّارِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الدَّارِ قُلْنَا إنَّمَا ذَكَرَ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَمَاكِنِ فَإِذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّارِ لِيُعْلِمَ أَنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَكَانِ لَا بِاعْتِبَارِ شَرَفِ مَكَّةَ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَهَابِك إلَى مَكَّةَ فَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي عَلَى فِعْلٍ فَصَارَ شَرْطًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ وَهِيَ فِي الظِّلِّ كَانَتْ طَالِقًا مَكَانَهَا؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَيْسَتْ بِفِعْلٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي مَكَانِ الشَّمْسِ وَالْمُطَلَّقَةُ فِي مَكَان الْمُطَلَّقَةُ فِي كُلِّ مَكَان وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَيَّامَ ظَرْفًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ فَصَارَ الظَّرْفُ جُزْءًا مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَ عَقِيبَ كَلَامِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْتِ مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ، وَهُوَ فِعْلٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَمْ تَطْلُقْ دُونَ وُجُودِهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ صَحِيحَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا قَالَ لَا آكُلُ طَعَامًا، وَهُوَ يَنْوِي طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ فَيَقَعُ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَإِذَا قَالَ غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا الشَّرْطَ فِي اللَّفْظَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا طَلُقَتْ الْيَوْمَ طَلْقَةً فِي الْحَالِ وَلَا تَطْلُقُ أُخْرَى فِي غَدٍ؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ هَذِهِ الطَّلْقَةِ الْيَوْمَ تَتَّصِفُ بِهَا الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ الْيَوْمَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي غَدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ غَدًا وَبِالطَّلَاقِ الَّذِي يَقَعُ فِي غَدٍ لَا تَكُونُ مَوْصُوفَةً بِهِ الْيَوْمَ فَلَغَا‏.‏

قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا بِالْوَاوِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ وَقَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَهِيَ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى تَتَّصِفُ بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَإِنْ قَالَ غَدًا وَالْيَوْمَ تَطْلُقُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَكَوْنُهُ ظَرْفًا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا مُطَلَّقَةً فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت فِي شَعْبَانَ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ صَائِمًا فِي جَمِيعِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيعَابُ حَيْثُ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت شَعْبَانَ اقْتَضَى صَوْمَ جَمِيعِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَدًا وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ أَمْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقَهُ الْيَوْمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ كَوْنِهَا طَالِقًا أَمْسِ لَا يَحْرُمُ نِكَاحَهَا الْيَوْمَ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى حَالِ مِلْكِهِ‏.‏

وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ، وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا هِيَ الْمَمْنُوعَةُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجُ وَالزَّوْجُ يَنْطَلِقُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ بِثَلَاثٍ سِوَاهَا وَيَسْتَمْتِعُ بِإِمَائِهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك

بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، وَكَذَا التَّحْرِيمُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَلَا يَدْرِي أَطَلَّقَهَا أَمْ لَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا وَكَانَ عَلَى يَقِينِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ يَقِينًا‏.‏

وَإِذَا ضَمَّ إلَى امْرَأَتِهِ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مِثْلَ الْحَجَرِ وَالْبَهِيمَةِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا مَنْ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا رَجُلًا فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بِحَالٍ كَالْبَهِيمَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُسَمَّى طَلَاقًا، وَهُوَ يُوصَفُ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَيِّتَةٍ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ مَوْتِهَا وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ عَتَقَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي نَفْسَك يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ‏)‏ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تَقُمْ مِنْهُ أَوْ تَأْخُذُ فِي عَمَلٍ آخَرَ، وَكَذَا إذَا قَامَ هُوَ مِنْ الْمَجْلِسِ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْهَاهَا عَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ قَوْلَهُ ‏(‏فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا‏)‏ يَعْنِي إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا قَامَتْ صَارَتْ مُعَرَّضَةً، وَكَذَا إذَا اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ كَمَا إذَا دَعَتْ بِطَعَامٍ لِتَأْكُلَهُ أَوْ نَامَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ خَاطَبَتْ رَجُلًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ خِيَارَهَا وَإِنْ أَكَلَتْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَتْ جَرْعَةً أَوْ جَرْعَتَيْنِ أَوْ نَامَتْ قَاعِدَةً أَوْ لَبِسَتْ ثِيَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ أَوْ فَعَلَتْ فِعْلًا قَلِيلًا وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالِاخْتِيَارِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ اُدْعُوَا لِي شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ عَلَى اخْتِيَارِي أَوْ اُدْعُوَا لِي أَبِي أَسْتَشِيرُهُ أَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالثَّانِيَةُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَقَامَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا‏.‏

وَكَذَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَرَكِبَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا إعْرَاضٌ وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ رَاكِبَةٌ فَإِنْ سَارَتْ الدَّابَّةُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهَا وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ

فَسَارَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا وَإِنْ أَوْقَفَتْهَا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي السَّفِينَةِ فَسَارَتْ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْتِ فَكُلُّ مَا أَبْطَلَ خِيَارُهَا فِي الْبَيْتِ أَبْطَلَهُ فِيهَا وَمَا لَا فَلَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ كَانَا فِي مَحْمِلٍ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ ابْتَدَأَتْ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَمَّتْهَا إنْ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ وِتْرًا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا إنْ سَلَّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ كَالدُّخُولِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى لَمْ يُبْطِلْ خِيَارُهَا بِانْتِقَالِهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي، وَكَذَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَعَلَى هَذَا الشُّفْعَةُ وَإِنْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ شَيْئًا يَسِيرًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا وَإِنْ طَالَ بَطَلَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك كَمَا شِئْتِ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ وَاحِدَةً حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا خِيَارَ لَهَا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَكَذَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت فَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَخْتَارَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى يُفِيدَانِ الْوَقْتَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَيَّ وَقْتٍ شِئْت فَإِنْ اخْتَارَتْ

فِي الْمَجْلِسِ زَوْجَهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي كُلَّمَا وَغَيْرِهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً‏)‏ وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ ثَلَاثًا إذَا نَوَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا‏)‏ حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ فَهَذَا كُلُّهُ دَلَالَةٌ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت زَوْجِي لَا بَلْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت زَوْجِي وَنَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَإِنْ قَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدَ وَعْدٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ‏.‏

وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يَقَعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَكُونُ جَوَابًا وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا أَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛

لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَبَنْتُكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ‏.‏

وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ابْتِدَاءً اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ طَلَاقًا إذَا حَصَّلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا أَبَنْتُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تُغَايِرُ الطَّلَاقَ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي ضَرَّتَك؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَيُقْبَلُ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ ‏(‏مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا‏)‏ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ مُؤَقَّتًا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا سَوَاءٌ أَعْرَضَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ لَمْ تُعْرِضْ فَهُوَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الْيَوْمَ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ لَا غَيْرُ وَإِنْ قَالَ يَوْمًا فَهُوَ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ

إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ وَإِنْ قَالَ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْخِيَارُ إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ‏.‏

مِثَالُهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَهِيَ تَسْمَعُ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي مَجْلِسِهَا فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا وَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ فَبَلَغَهَا الْعِلْمُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ وَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ ثُمَّ عَلِمَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ خَصَّ التَّفْوِيضَ بِزَمَانٍ فَيَبْطُلُ بِمُضِيِّهِ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ أَوْ بِالْأَلِفِ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دُفْعَةً أَوْ بِدُفْعَةٍ أَوْ وَاحِدَةً أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارُهُ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت تَطْلِيقَةً أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا وَاحِدَةً وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَائِنًا كَانَ رَجْعِيًّا قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا‏)‏؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْمَلُ فِيهِ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَلَهَا الْمَشِيئَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَإِذَا شَاءَتْ وُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ فَطَلُقَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَشِيئَةٌ حَتَّى لَوْ اسْتَرْجَعَهَا فَشَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُؤَثِّرْ مَشِيئَتُهَا وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا شِئْت كَانَ ذَلِكَ لَهَا أَبَدًا حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَكُلَّمَا شَاءَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ سَقَطَتْ مَشِيئَتُهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ ‏"‏ إنْ ‏"‏ لَا تَقْتَضِيَ الْوَقْتَ، وَكَذَا إنْ أَحْبَبْتِ أَوْ رَضِيَتْ أَوْ أَرَدْتِ كُلُّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَهُوَ مِثْلُ الْخِيَارِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَاسْتِعَانَةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ طَلِّقِي نَفْسَك سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً‏)‏ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ تَفْوِيضًا فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ النَّهْيَ عَنْهُ وَكُلُّ مَا كَانَ تَوْكِيلًا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَالنَّهْيَ عَنْهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَقَرَنَهُ بِالْمَشِيئَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الْعَزْلَ عَنْهُ وَإِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَصَاحِبَتَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ فِي حَقِّهَا وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا وَإِنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّفَرُّدُ بِالطَّلَاقِ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقَا امْرَأَتِي وَلَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهَا فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَقَعَتْ بَائِنَةً اعْتِبَارًا لِأَمْرِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَ مَشِيئَةً لِلْوَاحِدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك أَوْ أَبْغَضُك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَتْ‏)‏ وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ إذَا عَلِقَتْ بِالْقَلْبِ يُرَادُ بِهَا حَقِيقَةُ الْحُبِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَهُمَا يَقِيسَانِهِ عَلَى الْأَوَّلِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ‏)‏، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَمَعْنَاهُ إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهَا وَلَا رِضًا أَمَّا إذَا سَأَلَتْهُ ذَلِكَ فَطَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَائِنَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْمِيرَاثَ فِي الْعِدَّةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا أَوْ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ وَانْقَلَبَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَرِثَتْ مِنْ الزَّوْجِ، وَهُوَلَا يَرِثُ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ وَقْتَ الطَّلَاقِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقْتَ الطَّلَاقِ مَمْلُوكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْفِرَارَ لَمْ يُوجَدْ وَإِنْ قَالَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ الَّذِي تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَعِيشُ مِنْهُ غَالِبًا وَيَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ لَا يَجِيءُ وَلَا يَذْهَبُ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ مُضْنًى لَا يَقُومُ إلَّا بِشِدَّةٍ، وَهُوَ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَهُوَ يُحَمُّ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَإِنْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا فَطَلَّقَ حِينَئِذٍ وَرِثَتْ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ وَقَعَ فِي فَمِ سَبُعٍ فَطَلَّقَ ثَلَاثًا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَرِثَتْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ‏)‏ سَوَاءٌ سَمِعَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ إذَا كَانَ قَدْ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ‏.‏

وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ بِالْوَاوِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا كَذَا فِي شَرْحِهِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِذِكْرِ الْوَاوِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَثْنِيًا وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِمَا أَحَبَّ اللَّهُ أَوْ بِمَا أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ وَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يَظْهَرُ لَنَا مَشِيئَتُهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ إبْلِيسُ، وَكَذَا إذَا ضَمَّ مَعَ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَشِيئَةَ غَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ وُقِفَ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ شَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَائِبًا وُقِفَ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ وَإِنْ قَامَ بَطَلَ وَصُورَةُ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَقُولَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَى فُلَانٍ وَلَا يَشْتَرِطُ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا ذِكْرَهُ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَاللَّغْوُ حَشْوٌ فَيَفْصِلُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَالسُّكُوتِ وَلَهُمَا أَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لَيْسَ بِلَغْوٍ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً‏)‏ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ وَاحِدَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ كُلَّ الْكَلَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُوصِي إذَا اسْتَثْنَى جَمِيعَ الْمُوصَى بِهِ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ رُجُوعًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَوَّلِ الْكَلَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى آخِرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اسْتِثْنَاءُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَائِزٌ وَبَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ وَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَدْ صَحَّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا ذَكَرَ الثَّالِثَةَ فَقَدْ اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ فَبَطَلَ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَصِحَّ‏.‏

وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ جُمْلَةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ وَقَعَ اثْنَتَانِ وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَاحِدَةً‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَلِيهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ وَمَتَى رَجَعَ إلَى مَا يَلِيهِ كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَهَذَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءَ جَمِيعِ الْجُمْلَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّا إنْ رَدَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ أَبْطَلْنَاهُمَا وَإِنْ رَدَدْنَا بَعْضَهُ إلَى هَذِهِ وَبَعْضَهُ إلَى هَذِهِ أَبْطَلْنَاهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَقْسِمُهُ عَلَى قَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ اسْتِثْنَاءٍ مِمَّا يَلِيهِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ الثَّلَاثِ بَقِيَ ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَاسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ يَسْتَثْنِيهَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ‏.‏

وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ دُونَ الْغَايَةِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالِابْتِدَاءُ يَدْخُلُ وَالْغَايَةُ تَسْقُطُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَحْتَمِلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَعْنِي مِنْهَا إلَيْهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْهَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الِابْتِدَاءَ وَالْغَايَةَ وَإِذَا سَقَطَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ زُفَرَ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ حَدًّا وَمَحْدُودًا وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَلْغُو آخِرُ كَلَامِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ مِنْ ثِنْتَيْنِ إلَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَادْخُلِي فِي عِبَادِي أَيْ مَعَ عِبَادِي وَإِنْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا إلَّا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى ثَلَاثٍ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا‏)‏ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ كُلًّا مِنْهُمْ زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا لَا مِلْكًا تَامًّا ثُمَّ إذَا مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا هَلْ يَمْلِكُ عَلَيْهَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا لَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏