فصل: تفسير الآية رقم (245):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (245):

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
أخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال: «لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له} قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح. قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده قال: فإني أقرضت ربي حائطي وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح قالت: لبيك. قال: اخرجي فقد اقرضته ربي عز وجل».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم قال: «لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} الآية. جاء أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا، وإن لي أرضين احداهما بالعالية والأخرى بالسافلة، وإني قد جعلت خيرهما صدقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كم من عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة».
وأخرج الطبراني في الأوسط وزيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب. مثله.
وأخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن الأعرج عن أبي هريرة قال: «لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً...} قال ابن الدحداح: يا رسول الله لي حائطان أحداهما بالسافلة والآخر بالعالية وقد أقرضت ربي أحداهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قبله منك. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اليتامى الذين في حجره، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رب عذق لابن الدحداح مدلى في الجنة».
وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي كثير قال: لما نزلت هذه الآية {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} فالكثيرة عند الله أكثر من ألف ألف وألفي وألف، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر قال: «لما نزلت {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل} [ البقرة: 261] إلى آخرها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» رب زد أمتي «. فنزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} قال: رب زد أمتي. فنزلت {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [ الزمر: 10] فانتهى».
وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال: لما نزلت {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [ الأنعام: 160] قال: رب زد أمتي. فنزلت {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً...} الآية. قال: رب زد أمتي. فنزلت {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل...} [ البقرة: 261] الآية. قال: رب زد أمتي. فنزلت {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [ الزمر: 10] فانتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {قرضاً حسناً} قال: النفقة على الأهل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم من طريق أبي سفيان عن أبي حيان عن أبيه عن شيخ لهم. أنه كان إذا سمع السائل يقول {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر، هذا القرض الحسن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب. أن رجلاً قال له: سمعت رجلاً يقول من قرأ {قل هو الله أحد} [ الاخلاص: 1] واحدة بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من درٍّ وياقوت في الجنة أفأصدق بذلك؟ قال: نعم، أوعجبت من ذلك وعشرين ألف ألف، وثلاثين ألف ألف، وما لا يحصى، ثم قرأ {فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} فالكثير من الله ما لا يحصى.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن ملكاً بباب من أبواب السماء يقول: من يقرض الله اليوم يجز غداً، وملك بباب آخر ينادي: اللهم اعط منفقا خلفاً واعط ممسكاً تلفاً، وملك بباب آخر ينادي: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وملك بباب آخر ينادي: يا بني آدم لِدُوا للموت وابنوا للخراب».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يروي ذلك عن ربه عز وجل أنه يقول: يا ابن آدم أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق، أوفيكه أحوج ما تكون إليه».
أما قوله تعالى: {والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والله يقبض} قال: يقبض الصدقة {ويبسط} قال: يخلف {وإليه ترجعون} قال: من التراب خلقهم وإلى التراب يعودون.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير والبيهقي في سننه عن أنس قال: «غلا السعر فقال الناس: يا رسول الله سعر لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال».
وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة «أن رجلاً قال: يا رسول الله سعر. قال: بل ادعو. ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله سعر. فقال: بل الله يخفض ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة».
وأخرج البزار عن علي قال: «قيل: يا رسول الله قوّم لنا السعر. قال: إن غلاء السعر ورخصه بيد الله، أريد أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إياه».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: علم الله أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد، فندب هؤلاء إلى القرض فقال: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط} قال: يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفساً بالخروج ويخف له، فقوّه مما في يدك يكن لك في ذلك حظ.

.تفسير الآيات (246- 247):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: ذكر لنا- والله أعلم- أن موسى لما حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نون على بني إسرائيل، وأن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب الله التوراة وسنة نبيه موسى، ثم أن يوشع بن نون توفي واستخلف فيهم آخر، فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى، ثم استخلف آخر فسار فيهم بسيرة صاحبيه، ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا، ثم استخلف آخر فأنكروا عامة أمره، ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله، ثم أن بني إسرائيل أتوا نبياً من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم، فقالوا له: سل ربك أن يكتب علينا القتال. فقال لهم ذلك النبي: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا...} الآية. فبعث الله طالوت ملكاً، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوّة وسبط مملكة، ولم يكن طالوت من سبط النبوّة ولا من سبط المملكة، فلما بعث لهم ملكاً أنكروا ذلك وقالوا: {أنى يكون له الملك علينا} فقال: {إن الله اصطفاه عليكم} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى...} الآية. قال: هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإِيمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم، فلما كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التابوت قال: وكان من بني اسرائيل سبطان سبط نبوّة وسبط خلافة، فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة، ولا تكون النبوّة إلا في سبط النبوّة {فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه} وليس من أحد السبطين، لا من سبط النبوّة ولا من سبط الخلافة {قال إن الله اصطفاه عليكم....} الآية فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم} [ البقرة: 248] وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفعه منها، وجمع ما بقي فجعله في التابوت، وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت- والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا- فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت، فلما رأوا ذلك قالوا: نعم، فسلموا له وملكوه، وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموا التابوت بين أيديهم. ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت، وبالركن، وبعصا موسى من الجنة، وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوارة وأمر الله حتى قبضه الله، ثم خلف فيهم كالب بن يوقنا يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله، ثم خلف فيهم حزقيل بن بورى وهو ابن العجوز، ثم أن الله قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله، فبعث إليهم إلياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هرون بن عمران نبياً.
وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة، وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أجان وكان يسمع منه ويصدقه، فكان إلياس يقيم له أمره، وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنماً يعبدونه، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله وجعلوا لا يسمعون منه شيئاً إلا ما كان من ذلك الملك، والملوك متفرقة بالشام كل ملك له ناحية منها يأكلها، فقال ذلك الملك لإِلياس: ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلاً، أرى فلان وفلاناً- يعدد ملوك بني إسرائيل- قد عبدوا الأوثان، وهم يأكلون ويشربون ويتنعمون ما ينقص من دنياهم، فاسترجع إلياس وقام شعره ثم رفضه وخرج عنه، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان.
ثم خلف من بعده فيهم اليسع فكان فيهم ما شاء الله أن يكون، ثم قبضه الله إليه وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وعندهم التابوت يتوارثونه كابراً عن كابر، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون، وكان لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويرجعون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو، فلما عظمت أحداثهم وتركوا عهد الله إليهم، نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه، ثم زحفوا به فقوتلوا حتى استلب من أيديهم، فمرج أمرهم عليهم ووطئهم عدوهم حتى أصاب من أبنائهم ونسائهم، وفيهم نبي لهم يقال له شمويل، وهو الذي ذكره الله في قوله: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم...} الآية. فكلموه وقالوا {ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله}.
وإنما كان قوام بني اسرائيل الاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم، وكان الملك هو يسير بالجموع والنبي يقوم له بأمره ويأتيه بالخبر من ربه، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم، فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل، ففريقاً يكذبون فلا يقبلون منه شيئاً وفريقاً يقتلون، فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له {ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله} فقال لهم: إنه ليس عندكم وفاء، ولا صدق، ولا رغبة في الجهاد. فقالوا: إنا كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه، إنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطأها أحد فلا يظهر علينا عدو، فأما إذا بلغ ذلك فإنه لا بد من الجهاد، فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع أبناءنا ونساءنا وذرارينا.
فلما قالوا له ذلك سأل الله شمويل أن يبعث لهم ملكاً. فقال الله له: انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن- فهو ملك بني إسرائيل- فادهن رأسه منه وملكه عليهم، فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلاً عليه، وكان طالوت رجلاً دبَّاغاً يعمل الأدم، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب، وكان سبط بنيامين سبطاً لم يكن فيهم نبوة ولا ملك، فخرج طالوت في ابتغاء دابة له أضلته ومعه غلام، فمرا ببيت النبي عليه السلام فقال غلام طالوت لطالوت: لو دخلت بنا على هذا النبي فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير. فقال طالوت: ما بما قلت من بأس فدخلا عليه، فبينما هما عنده يذكران له شأن دابتهما ويسألانه أن يدعو لهما فيها إذ نش الدهن الذي في القرن، فقام النبي عليه السلام فأخذه، ثم قال لطالوت: قرب رأسك فقربه، فدهنه منه ثم قال: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم، وكان اسم طالوت بالسريانية شاول بن قيس بن أشال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أنس بن يامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فجلس عنده وقال: الناس ملك طالوت.
فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم فقالوا له: ما شأن طالوت تملك علينا وليس من بيت النبوة ولا المملكة، قد عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا؟! فقال لهم {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن وهب بن منبه قال: قالت بنو إسرائيل لشمويل: ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال: قد كفاكم الله القتال. قالوا: إنا نتخوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه، فأوحى الله إلى شمويل: أن ابعث لهم طالوت ملكاً، وادهنه بدهن القدس. وضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاماً له يطلبانها، فجاؤوا إلى شمويل يسألونه عنها فقال: إن الله قد بعثك ملكاً على بني إسرائيل. قال: أنا؟! قال: نعم. قال: وما علمت أن سبطي ادنى أسباط بني إسرائيل؟ قال: بلى. قال: فبأي آية؟ قال: بآية أن ترجع وقد وجد أبوك حمره، فدهنه بدهن القدس فقال لبني إسرائيل {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {إذ قالوا لنبي لهم} قال: شمؤل.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: هو يوشع بن نون.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مرة عن أبي عبيدة {إذ قالوا لنبي لهم} قال: هو الشمول ابن حنة بن العاقر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة، وكان ملك العمالقة جالوت، وأنهم ظهروا على بني إسرائيل فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم، وكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبياً يقاتلون معه، وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى، فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدله بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها، فجعلت تدعو الله أن يرزقها غلاماً، فولدت غلاماً فسمته شمعون.
فكبر الغلام فاسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه، فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبياً أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ، وكان لا يأتمن عليه أحداً غيره، فدعاه بلحن الشيخ يا شماؤل، فقام الغلام فزعاً إلى الشيخ فقال: يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام، فقال: يا بني ارجع فنم. فرجع فنام، ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضاً فقال: دعوتني؟ فقال: ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني.
فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك، فإن الله قد بعثك فيهم نبياً، فلما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت بالنبوة ولم يأن لك، وقالوا: إن كنت صادقاً فابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله آية نبوتك. فقال لهم شمعون: عسى أن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله...} الآية. فدعا الله فأتي بعصا تكون على مقدار طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكاً. فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها.
وكان طالوت رجلاً سقاء يسقي على حمار له، فضلّ حماره، فانطلق يطلبه في الطريق، فلما رأوه دعوه فقاسوه بها فكان مثلها. فقال لهم نبيهم {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً} قال القوم: ما كنت قط أكذب منك الساعة، ونحن من سبط المملكة وليس هو من سبط المملكة، ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم} قالوا: فإن كنت صادقاً فأتنا بآية ان هذا ملك. قال: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت...} [ البقرة: 248] الآية. فأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت، فآمنوا بنبوة شمعون وسلموا بملك طالوت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: كان طالوت سقاء يبيع الماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {قالوا أنى يكون له الملك علينا} قال: لم يقولوا ذلك، إلا أنه كان في بني إسرائيل سبطان كان في أحدهما النبوة وفي الآخر الملك، فلا يبعث نبي إلا من كان من سبط النبوة، ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك، وأنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين {قال إن الله اصطفاه} يعني اختاره عليكم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك في قوله: {أنى} يعني من أين.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس {وزاده بسطة} يقول: فضيلة {في العلم والجسم} يقول: كان عظيماً جسيماً يفضل بني إسرائيل بعنقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله: {وزاده بسطة في العلم} قال: العلم بالحرب.
وأخرج ابن جرير عن وهب في قوله: {والجسم} قال: كان فوق بني إسرائيل بمنكبيه فصاعداً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {والله يؤتي ملكه من يشاء} قال: سلطانه.
وأخرج ابن المنذر عن وهب أنه سئل أنبي كان طالوت؟ قال: لا، لم يأته وحي.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ومن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الملأ} يعني ألم تخبر يا محمد عن الملأ {من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم} اشمويل {ابعث لنا ملكاً نقاتل} إلى قوله: {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} يعني أخرجتنا العمالقة، وكان رأس العمالقة يومئذ جالوت، فسأل الله نبيهم أن يبعث لهم ملكاً.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى} قال: هم الذين قال الله: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [ النساء: 77].
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {نحن أحق بالملك منه} قال: لأنه لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: بعث الله لهم طالوت ملكاً وكان من سبط لم تكن فيه مملكة ولا نبوة، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة، فكان سبط النبوة سبط لاوي، وكان سبط المملكة سبط يهوذا، فلما بعث طالوت من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه و {قالوا أنى يكون له الملك علينا} قالوا: كيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوة ولا المملكة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة قال: كان في بني إسرائيل رجل له ضرتان، وكانت إحداهما تلد والأخرى لا تلد، فاشتد على التي لا تلد فتطهرت، فخرجت إلى المسجد لتدعو الله فلقيها حكم بني اسرائيل- وحكماؤهم الذين يدبرون أمورهم- فقال: أين تذهبين؟ قالت: حاجة لي إلى ربي.
قال: اللهم اقض لها حاجتها فعلقت بغلام وهو الشمول، فلما ولدت جعلته محرراً، وكانوا يجعلون المحرر إذا بلغ السعي في المسجد يخدم أهله، فلما بلغ الشمول السعي دفع إلى أهل المسجد يخدم، فنودي الشمول ليلة، فأتى الحكم فقال: دعوتني؟ فقال: لا، فلما كانت الليلة الأخرى دعي، فأتى الحكم فقال: دعوتني؟ فقال: لا، وكان الحكم يعلم كيف تكون النبوة فقال: دعيت البارحة الأولى؟ قال: نعم. قال: ودعيت البارحة؟ قال: نعم. قال: فإن دعيت الليلة فقل لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت، أنا عبدك بين يديك مرني بما شئت.
فأوحي إليه، فأتى الحكم فقال: دعيت الليلة؟ قال: نعم، وأوحي إلي. قال: فذكرت لك بشيء؟ قال: لا عليك أن لا تسألني. قال: ما أبيت أن تخبرني إلا وقد ذكر لك شيء من أمري، فألح عليه وأبى أن يدعه حتى أخبره. فقال: قيل لي: إنه قد حضرت هلكتك وارتشى ابنك في حكمك، فكان لا يدبر أمراً إلا انتكث ولا يبعث جيشاً إلا هزم، حتى بعث جيشاً وبعث معهم بالتوراة يستفتح بها فهزموا، وأخذت التوراة فصعد المنبر وهو آسف غضبان، فوقع فانكسرت رجله أو فخذه فمات من ذلك، فعند ذلك قالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكاً وهو الشمول بن حنة العاقر.