فصل: تفسير الآية رقم (72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (72):

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}
أخرج عبد بن حميد وابن جريرعن مجاهد في قوله: {وإذ قتلتم نفساً فأدّارأتم فيها} قال: اختلفتم فيها {والله مخرج ما كنتم تكتمون} قال: ما تغيبون.
وأما قوله تعالى: {والله مخرج ما كنتم تكتمون}.
أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن المسيب بن رافع قال: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وتصديق ذلك كتاب الله {والله مخرج ما كنتم تكتمون}.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن رجلاً عمل عملاً في صخرة صماء لا باب فيها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عثمان بن عفان قال: من عمل عملاً كساه الله رداءه، وإن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليه منها رداء يعرف به. قال البيهقي: الموقوف أصح».
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي وضعفه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه «من المؤمن؟قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: المؤمن الذي لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يحب، ولو أن عبداً اتقى الله في جوف بيت إلى سبعين بيتاً على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون. قالوا: وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: لأن التقي لو يستطيع أن يزيد في بره لزاد. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الكافر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: الكافر الذي لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يكره، ولو أن فاجراً فجر في جوف بيت إلى سبعين بيتاً على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون. قالوا: وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: لأن الفاجر لو يستطيع أن يزيد في فجوره لزاد».
وأخرج ابن عدي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله مرد كل امرئ رداء عمله».
وأخرج البيهقي عن ثابت قال: كان يقال لو أن ابن آدم عمل بالخير في سبعين بيتاً لكساه الله تعالى رداء عمله حتى يعرف به.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال: الناس يعملون أعمالهم من تحت كنف الله، فإذا أراد الله بعبد فضيحة أخرجه من تحت كنفه فبدت عورته.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي إدريس الخولاني رفعه قال: لا يهتك الله عبداً وفيه مثقال حبة من خير.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: لو أن عبداً اكتتم بالعبادة كما يكتتم بالفجور لأظهر الله ذلك منه.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}
أخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فقلنا اضربوه ببعضها} قال: ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها، فلما فعلوا أحياه الله حتى أنبأهم بقاتله الذي قتله، وتكلم ثم مات.
وأخرج وكيع وابن جرير عن عكرمة في الآية قال: ضربوه بفخذها فحي، فما زاد على أن قال: قتلني فلان، ثم عاد فمات.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: ضرب بفخذ البقرة فقام حياً فقال: قتلني فلان، ثم عاد في ميتته.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: ضرب بالبضعة التي بين الكتفين.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: أمرهم أن يأخذوا عظماً فيضربوا به القتيل، ففعلوا فرجع الله روحه فسمى قاتله، ثم عاد ميتاً كما كان.
وأما قوله تعالى: {كذلك يحيي الله الموتى} الآية.
أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إن فتى من بني إسرائيل كان براً بوالدته، وكان يقوم ثلث الليل يصلي، ويجلس عند رأس والدته ثلث الليل، فيذكرها بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، ويقول: يا أمه إن كنت ضعفت عن قيام الليل فكبري الله وسبيحه وهلليه، فكان ذلك عملهما الدهر كله، فإذا أصبح أتى الجبل فاحتطب على ظهره فيأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله أن يبيعه، فيتصدق بثلثه ويبقي لعبادته ثلثاً ويعطي الثلث أمه، وكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف، وكان ذلك عملهما الدهر كله.
فلما طال عليها قالت: يا بني اعلم أني قد ورثت من أبيك بقرة وختمت عنقها، وتركتها في البقر على اسم إله إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب، قالت وسأبين لك ما لونها وهيئتها، فإذا أتيت البقر فادعها باسم إله إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب فأنها تفعل كما وعدتني، وقالت: إن علامتها ليست بهرمة ولا فتية، غير أنها بينهما وهي صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وليست بالذلول، ولا صعبة تثير الأرض، ولا تسقي الحرث، مسلمة لا شية فيها ولونها واحد، فإذا رأيتها فخذ بعنقها فإنها تتبعك بإذن إله إسرائيل.
فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته، وسار في البرية يومين أو ثلاثاً، حتى إذا كان صبيحة ذلك اليوم انصرف فصاح بها فقال: بإله إبراهيم وإسمعيل واسحق ويعقوب إلا ما أتيتني، فأقبلت البقرة إليه وتركت الرعي، فقامت بين يدي الفتى، فأخذ بعنقها فتكلمت البقرة وقالت: يا أيها الفتى البر بوالدته اركبني فإنه أهون عليك. قال الفتى: لم تأمرني والدتي أن أركب عليك ولكنها أمرتني أن أسوقك سوقاً فأحب أن أبلغ قولها.
فقالت: بإله إسرائيل لو ركبتني ما كنت لتقدر علي، فانطلق يا أيها الفتى البر بوالدته، لو أنك أمرت هذا الجبل أن ينقلع لك من أصله لانقلع لبرك بوالدتك ولطاعتك إلهك.
فانطلق حتى إذا كان من مسيرة يوم من منزله استقبله عدوّ الله إبليس، فتمثل له على صورة راع من رعاة البقر، فقال: يا أيها الفتى من أين جئت بهذه البقرة، ألا تركبها فإني أراك قد أعييت؟ أظنك لا تملك من الدنيا مالاً غير هذه البقرة، فإني أعطيك الأجر ينفعك ولا يضرها، فإني من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي، فأخذت ثوراً من ثيراني فحملت عليه طعامي وزادي، حتى إذا بلغت شطر الطريق أخذني وجع بطني، فذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وتركني وأنا أطلبه ولست أقدر عليه، فأنا أخشى على نفسي الهلاك وليس معي زاد ولا ماء، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك فتبلغني مراعي وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين.
قال الفتى: إن بني آدم ليس بالذي يقتلهم اليقين وتهلكهم أنفسهم، فلو علم الله منك اليقين لبلغك بغير زاد ولا ماء، ولست براكب أمراً لم أومر به، إنما أنا عبد مأمور ولو علم سيدي أني أعصيه في هذه البقرة لأهلكني وعاقبني عقوبة شديدة، وما أنا بمؤثر هواك على هوى سيدي، فانطلق يا أيها الرجل بسلام فقال له إبليس: أعطيك بكل خطوة تخطوها إلى منزلي درهماً فذلك مال عظيم وتفدي نفسي من الموت في هذه البقرة. قال الفتى: إن سيدي له ذهب الأرض وفضتها، فإن أعطيتني شيئاً منها علم أنه من ماله، ولكن أعطني من ذهب السماء وفضتها، فأقول أنه ليس هذا من مالك فقال إبليس: وهل في السماء ذهب أو فضة، أو هل يقدر أحد على هذا؟ قال الفتى: أو هل يستطيع العبد بما لم يأمر به سيده كما لا تستطيع أنت ذهب السماء وفضتها.
قال له إبليس: أراك أعجز العبيد في أمرك. قال له الفتى: إن العاجز من عصى ربه. قال له إبليس: ما لي لا أرى معك زاداً ولا ماء؟ قال الفتى: زادي التقوى، وطعامي الحشيش، وشرابي من عيون الجبال، قال إبليس: ألا آمرك بأمر يرشدك؟ قال الفتى: مر به نفسك فإني على رشاد إن شاء الله. قال له إبليس: ما أراك تقبل نصيحة! قال له الفتى: الناصح لنفسه من أطاع سيده وأدى الحق الذي عليه، فإن كنت شيطاناً فأعوذ بالله منك، وإن كنت آدمياً فاخرج فلا حاجة لي في صحابتك. فجمد إبليس عند ذلك ثلاث ساعات مكانه، ولو ركبها له إبليس ما كان الفتى يقدر عليها ولكن الله حبسه عنها.
فبينما الفتى يمشي إذ طار طائر من بين يديه فاختلس البقرة، ودعاها الفتى وقال: بإله إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب إلا ما آتيتني، فأتت البقرة إليه وقامت بين يديه، فقالت: يا أيها الفتى ألم تر إلى ذلك الطائر الذي طار من بين يديك؟، فإنه إبليس عدو الله اختلسني، فلما ناديتني بإله إسرائيل جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك، فانطلق فلست ببارحتك حتى تأتي أهلك إن شاء الله.
قال: فدخل الفتى إلى أمه يخبرها الخبر، فقالت: يا بني إني أراك تحتطب على ظهرك الليل والنهار فتشخص، فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها فتقوّ به وودع به نفسك. قال الفتى: بكم أبيعها؟ قالت: بثلاثة دنانير على رضا مني. فانطلق الفتى إلى السوق فبعث الله إليه من الملائكة ليري خلقه قدرته، فقال للفتى: بكم تبيع هذه البقرة أيها الفتى؟ فقال: أبيعها بثلاثة دنانير على رضا من والدتي. قال: لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك. فقال: لو أعطيتني زنتها لم أبعها حتى أستأمرها، فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر، فقالت: بعها بستة دنانير على رضا مني. فانطلق الفتى وأتاه الملك فقال: ما فعلت؟ فقال: أبيعها بستة دنانير على رضا من والدتي. قال: فخذ اثني عشر ديناراً ولا تستأمرها. قال: لا.
فانطلق الفتى إلى أمه فقالت: يا بني إن الذي يأتيك ملك من الملائكة في صورة آدمي، فإذا أتاك فقل له: إن والدتي تقرأ عليك السلام، وتقول: بكم تأمرني أن أبيع هذه البقرة؟ قال له الملك: يا أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل من بني إسرائيل، وله مال كثير ولم يترك أبوه ولداً غيره، وله أخ له بنون كثيرون، فيقولون كيف لنا أن نقتل هذا الغلام ونأخذ ماله، فدعوا الغلام إلى منزلهم فقتلوه فطرحوه إلى جانب دارهم، فأصبح أهل الدار فأخرجوا الغلام إلى باب الدار، وجاء بنو عم الغلام فأخذوا أهل الدار، فانطلقوا بهم إلى موسى، فلم يدر موسى كيف يحكم بينهم من أجل أن أهل الدار برآء من الغلام... ! فشق ذلك على موسى فدعا ربه، فأوحى الله إليه: أن خذ بقرة صفراء فاقعاً لونها فاذبحها، ثم اضرب الغلام ببعضها.
فعمدوا إلى بقرة الفتى فاشتروها على أن يملأوا جلدها دنانير، ثم ذبحوها ثم ضربوا الغلام ببعضها، فقام يخبرهم فقال: إن بني عمي قتلوني وأهل الدار مني برآء، فأخذهم موسى فقالوا: يا موسى أتتخذنا هزواً قد قتل ابن عمنا مظلوماً، وقد علموا أن سيفضحوا، فعمدوا إلى جلد البقرة فملأوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى، فعمد الفتى فتصدق بالثلثين على فقراء بني إسرائيل وتقوّى بالثلث و {كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}.

.تفسير الآية رقم (74):

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} قال: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، ومن بعدما أراهم من أمر القتيل. {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم فقال: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله}.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن من الحجارة...} الآية. أي أن من الحجارة لألين من قلوبكم، لما تدعون إليه من الحق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: كل حجر يتفجر منه الماء، أو يشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل فمن خشية الله. نزل بذلك القرآن.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} قال: إن الحجر ليقع على الأرض، ولو اجتمع عليه كثير من الناس ما استطاعوه، وإنه ليهبط من خشية الله.

.تفسير الآية رقم (75):

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} وليس قوله التوراة كلهم، وقد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم...} الآية. قال: فالذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم، والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {يسمعون كلام الله} قال: هي التوراة حرفوها.