فصل: سورة العصر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.سورة العصر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة {والعصر} بمكة.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي مليكة الدارمي وكانت له صحبة قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة {والعصر إن الإِنسان لفي خسر} إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر.
وأخرج ابن سعد عن ميمون قال: شهدت عمر حين طعن فأمنا عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن بالعصر و {إذا جاء نصر الله} [ النصر: 1] في الفجر.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والحاكم عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ «والعصر ونوائب الدهر إن الإِنسان لفي خسر وانه لفيه إلى آخر الدهر».
وأخرج عبد بن حميد عن إسماعيل بن عبد الملك قال: سمعت سعيد بن جبير يقرأ قراءة ابن مسعود: {والعصر إن الإِنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: قرأنا: {والعصر إن الإِنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. ذكر أنها في قراءة عبد الله بن مسعود.
وأخرج عبد بن حميد عن حوشب قال: أرسل بشر بن مروان إلى عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال: كيف كان ابن مسعود يقرأ {والعصر} فقال: {والعصر إن الإِنسان لفي خسر وهو فيه إلى آخر الدهر} فقال له بشر: هو يكفر به. فقال عبد الله لكني أومن به.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {والعصر} قال: ساعة من ساعات النهار.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {والعصر} قال: هو ما قبل مغيب الشمس من العشي.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والعصر} قال: ساعة من ساعات النهار، وفي قوله: {وتواصوا بالحق} قال: كتاب الله {وتواصوا بالصبر} قال: طاعة الله.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي {والعصر} قال: قسم أقسم به ربنا تبارك وتعالى {إن الإِنسان لفي خسر} قال: الناس كلهم، ثم استثنى فقال: {إلا الذين آمنوا} ثم لم يدعهم وذاك حتى قال: {وعملوا الصالحات} ثم لم يدعهم وذاك حتى قال: {وتواصوا بالحق} ثم لم يدعهم وذاك حتى قال: {وتواصوا بالصبر} يشترط عليهم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {والعصر إن الإِنسان لفي خسر} يعني أبا جهل بن هشام {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ذكر عليّاً وسلمان.

.سورة الهمزة:

.تفسير الآيات (1- 9):

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت {ويل لكل همزة} بمكة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قيل له: نزلت هذه الآية في أصحاب محمد {ويل لكل همزة لمزة} قال: ابن عمر: ما عنينا بها ولا عنينا بعشر القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن عثمان بن عمر قال: ما زلنا نسمع أن {ويل لكل همزة} قال: ليست بحاجبة لأحد نزلت في جميل بن عامر زعم الرقاشي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ويل لكل همزة} في الأخنس بن شريق.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن راشد بن سعد المقدامي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما عرج بي مررت برجال تقطع جلودهم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يتزينون. قال: ثم مررت بجب منتن الريح فسمعت فيه أصواتاً شديدة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: نساءكن يتزين بزينة ويعطين ما لا يحل لهن، ثم مررت على نساء ورجال معلقين بثديهن، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمازون والهمازات، ذلك بأن الله قال: {ويل لكل همزة لمزة}».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {ويل لكل همزة لمزة} قال: هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الأخوان.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قي قوله: {ويل لكل همزة} قال: طعان {لمزة} قال: مغتاب.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في الآية قال: الهمزة الطعان في الناس، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {ويل لكل همزة لمزة} قال: يأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية {ويل لكل همزة لمزة} قال: تهمزه في وجهه وتلمزه من خلفه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {ويل لكل همزة} قال: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينيه، ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن جريج قال: الهمز بالعينين والشدق واليد واللمز باللسان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {جمع مالاً وعدده} قال: أحصاه.
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {يحسب أن ماله أخلده} بكسر السين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة {يحسب أن ماله أخلده} قال: يزيد في عمره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {كلا لينبذن} قال: ليلقين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسين بن واقد قال: الحطمة باب من أبواب جهنم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {التي تطلع على الأفئدة} قال: تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده ابتدئ خلقه.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن المنكدر في قوله: {التي تطلع على الأفئدة} قال: تأكله النار حتى تبلغ فؤاده وهو حيّ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {إنها عليهم مؤصدة} قال: مطبقة {في عمد ممددة} قال: عمد من نار.
وأخرج عبد بن حميد عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ {في عمد}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه قرأ: {بعمد ممددة} قال: وهي الأدهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {في عمد} قال: الأبواب.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {في عمد ممددة} قال: أدخلهم في عمد فمدت عليهم في أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية {في عمد} قال: عمد من حديد في النار.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {في عمد} قال: كنا نحدث أنها عمد يعذبون بها في النار.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح {في عمد ممددة} قال: القيود الطوال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: من قرأها {في عمد} فهو عمد من نار ومن قرأها {في عمد} فهو حبل ممدود.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: في النار رجل في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام يا حنان يا منان، فيقول رب العزة لجبريل: أخرج عبدي من النار فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع، فيقول يا رب {إنها عليهم مؤصدة} فيقول يا جبريل: فكها واخرج عبدي من النار فيفكها ويخرج مثل الفحم فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ثم ماتوا عليها فهم في الباب الأول من جهنم لا تسود وجوههم، ولا تزرق أعينهم، ولا يغلون بالأغلال، ولا يقرنون مع الشياطين، ولا يضربون بالمقامع، ولا يطرحون في الأدراك. منهم من يمكث فيها ساعة، ومنهم من يمكث يوماً ثم يخرج، ومنهم من يمكث شهراً ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج، وأطولهم مكثاً فيها مثل الدنيا منذ يوم خلقت إلى يوم أفنيت، وذلك سبعة آلاف سنة، ثم إن الله عز وجل إذا أراد أن يخرج الموحدين منها قذف في قلوب أهل الأديان، فقالوا لهم: كنا نحن وأنتم جميعاً في الدنيا فآمنتم وكفرنا، وصدقتم وكذبنا وأقررتم وجحدنا فما أغنى ذلك عنكم، نحن وأنتم فيها جميعاً سواء تعذبون كما نعذب وتخلدون كما نخلد، فيغضب الله عند ذلك غضباً لم يغضبه من شيء فيما مضى، ولا يغضب من شيء فيما بقي، فيخرج أهل التوحيد منها إلى عين الجنة والصراط يقال لها نهر الحياة، فيرش عليهم من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ما يلي الظل منها أخضر وما يلي الشمس منها أصفر، ثم يدخلون الجنة فيكتب في جباههم عتقاء الله من النار إلا رجلاً واحداً فإنه يمكث فيها بعدهم ألف سنة، ثم ينادي يا حنان يا منان، فيبعث الله إليه ملكاً ليخرجه فيخوض في النار في طلبه سبعين عاماً لا يقدر عليه، ثم يرجع فيقول: يا رب إنك أمرتني أن أخرج عبدك فلاناً من النار، وإني طلبته في النار منذ سبعين سنة فلم أقدر عليه، فيقول الله عز وجل: انطلق فهو في وادي كذا وكذا تحت صخرة فأخرجه. فيذهب فيخرجه منها فيدخله الجنة، ثم إن الجهنميين يطلبون إلى الله أن يمحى ذلك الإِسم عنهم، فيبعث الله إليهم ملكاً فيمحو عن جباههم، ثم إنه يقال لأهل الجنة ومن دخلها من الجهنميين اطلعوا إلى أهل النار فيطلعون إليهم فيرى الرجل أباه ويرى أخاه ويرى جاره ويرى صديقه ويرى العبد مولاه، ثم إن الله عز وجل يبعث إليهم ملائكة باطباق من نار ومسامير من نار وعمد من نار فيطبق عليهم بتلك الأطباق وتسمر بتلك المسامير وتمد بتلك العمد، ولا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ولا يخرج منه غم، وينساهم الجبار على عرشه، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، ولا يستغيثون بعدها أبداً، وينقطع الكلام فيكون كلامهم زفيراً وشهيقاً، فذلك قوله: {إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة}»
يقول: مطبقة والله أعلم.

.سورة الفيل:

.تفسير الآيات (1- 5):

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزل {ألم تر كيف فعل ربك} بمكة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس قال: كان من حديث أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم الحبشي كان ملك اليمن، وإن ابن ابنته أكسوم بن الصباح الحميريّ خرج حاجاً، فلما انصرف من مكة نزل في كنيسة بنجران فغدا عليها ناس من أهل مكة فأخذوا ما فيها من الحليّ وأخذوا متاع أكسوم، فانصرف إلى جده مغضباً، فبعث رجلاً من أصحابه يقال له شهر بن معقود على عشرين ألفاً من خولان والاشعريين فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم فتنحت خثعم عن طريقهم، فلما دنا من الطائف خرج إليه ناس من بني خثعم ونصر وثقيف فقالوا: ما حاجتك إلى طائفنا، وإنما هي قرية صغيرة، ولكنا ندلك على بيت بمكة يعبد وحرز من لجأ إليه من ملكه تم له ملك العرب، فعليك به ودعنا منك فأتاه حتى إذا بلغ المغمس وجد إبلاً لعبد المطلب مائة ناقة مقلدة فاتهبها بين أصحابه، فلما بلغ ذلك عبد المطلب جاءه، وكان جميلاً، وكان له صديقاً من أهل اليمن يقال له ذو عمرو فسأله أن يرد عليه إبله، فقال: إني لا أطيق ذلك، ولكن إن شئت أدخلتك على الملك فقال عبد المطلب افعل. فأدخله عليه فقال له: إن لي إليك حاجة. قال: قضيت كل حاجة تطلبها. قال: أنا في بلد حرام وفي سبيل بين أرض العرب وأرض العجم، وكانت مائة ناقة لي مقلدة ترعى بهذا الوادي بين مكة وتهامة عليها عير أهلها وتخرج إلى تجارتنا وتتحمل من عدوّنا عدا عليها جيشك فأخذوها، وليس مثلك يظلم من جاوره. فالتفت إلى ذي عمرو ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجباً فقال: لو سألني كل شيء أحوزه أعطيته إياه أما ابلك فقد رددنا إليك ومثلها معها، فما يمنعك أن تكلمني في بنيتكم هذه وبلدكم هذه فقال له عبد المطلب: أما بنيتنا هذه وبلدنا هذه فإن لهما رباً إن شاء أن يمنعهما منعهما، ولكني إنما أكلمك في مالي فأمر عند ذلك بالرحيل وقال: لتهدمن الكعبة ولتنهبن مكة فانصرف عبد المطلب وهو يقول:
لا همّ إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك ** لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدواً محالك

فإذا فعلت فربما تحمى فأمر ما بدا لك ** فإذا فعلت فإنه أمر تتم به فعالك

وغدوا غداً بجموعهم والفيل كي يسبوا عيالك ** فإذا تركتهم وكعبتا فوا حرباً هنالك

فلما توجه شهر وأصحاب الفيل وقد أجمعوا ما أجمعوا طفق كلما وجهوه أناخ وبرك فإذا صرفوه عنها من حيث أتى أسرع السير، فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل وخرجت عليهم طير من البحر لهم خراطيم كأنها البلس شبيهة بالوطواط حمر وسود، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أيديهم فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق تقع على رأس الرجل فتخرج من جوفه، فلما أصبحوا من الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم فلم يروا أحداً غشيهم فبعث ابنه على فرس له سريع ينظر ما لقوا فإذا هم مشدخين جميعاً، فرجع يرفع رأسه كاشفاً عن فخذه، فلما رأى ذلك أبوه قال: إن ابني أفرس العرب وما كشف عن فخذه إلا بشيراً أو نذيراً، فلما دنا من ناديهم قالوا؟ ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعاً.
فخرج عبد المطلب وأصحابه، فأخذوا أموالهم وقال عبد المطلب شعراً في المعنى:
أنت منعت الجيش والأفيالا ** وقد رعوا بمكة الأفيالا

وقد خشينا منهم القتالا ** وكل أمر منهم معضالا

شكراً وحمداً لك ذا الجلالا

فانصرف شهر هارباً وحده، فأول منزل نزله سقطت يده اليمنى، ثم نزل منزلاً آخر فسقطت رجله اليمنى، فأتى منزله وقومه وهو جسد لا أعضاء له، فأخبرهم الخبر ثم فاضت نفسه وهم ينظرون.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معافي الدلائل عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح، فأتاهم عبد المطلب فقال: إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحد. قالوا: لا نرجع حتى نهدمه وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر، فدعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سوداً عليهم الطين، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منه أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه.
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال: أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت؟ فقال: أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن فجئت أخيف أهله فقال: إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع، فأبى أن يرجع إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه وتخلف عبد المطلب، فقام على جبل فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله. ثم قال: اللهم إن لكل إله حلالاً فامنع حلالك، لا يغلبن محالهم أبداً محالك. اللهم فإن فعلت فأمر ما بدا لك. فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طيراً أبابيل التي قال الله ترميهم بحجارة من سجيل فجعل الفيل يعج عجاً فجعلهم كعصف مأكول.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} قال: أقبل أبرهة الأشرم بالحبشة ومن تبعه من غواة أهل اليمن إلى بيت الله ليهدموه من أجل بيعة لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم حتى إذا كانوا بالصفاح فكانوا إذا وجهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه إلى الأرض، فإذا وجهوه قبل بلادهم انطلق وله هرولة، حتى إذا كانوا ببجلة اليمانية بعث الله عليهم طيراً أبابيل بيضاً وهي الكبيرة، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله كعصف مأكول، فنجا أبو يكسوم فجعل كلما نزل أرضاً تساقط بعض لحمه حتى إذا أتى قومه فأخبرهم الخبر ثم هلك.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} قال: أبو يكسوم جبار من الجبابرة جاء بالفيل يسوقه معه الحبش ليهدم- زعم- بيت الله من أجل بيعة كانت هدمت باليمن، فلما دنا الفيل من الحرم ضرب بجرانه، فإذا أرادوا به الرجعة عن الحرم أسرع الهرولة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: أقبل أبو يسكوم صاحب الحبشة ومعه الفيل فلما انتهى إلى الحرم برك الفيل فأبى أن يدخل الحرم، فإذا وجه راجعاً أسرع راجعاً وإذا ارتد على الحرم أبى فأرسل الله عليهم طيراً صغاراً بيضاً في أفواهها حجارة أمثال الحمص لا تقع على أحد إلا هلك.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح، فأتاهم عبد المطلب فقال: إن هذا بيت لم يسلط عليه أحد. قالوا: لا نرجع حتى نهدمه، وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تاخر فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطين، فلما حاذت بهم صفت عليهم ثم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أصابته الحكة. وكانوا لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط جلده.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: لما أرسل الله الحجارة على أصحاب الفيل جعل لا يقع منها حجر إلا سقط وذلك ما كان الجدري، ثم أرسل الله سيلاً فذهب بهم فألقاهم في البحر. قيل: فما الأبابيل؟ قال: الفرق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود {طيراً أبابيل} قال: هي الفرق.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن ابن عباس {طيراً أبابيل} قال: فوجاً بعد فوج، كانت تخرج عليهم من البحر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {طيراً أبابيل} قال: خضر لها خراطيم كخراطيم الإِبل وأنف كأنف الكلاب.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {طيراً أبابيل} قال: لها أكفّ كأكفّ الرجل وأنياب كأنياب السباع.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن عبيد بن عمير الليثي قال: لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث الله عليهم طيراً نشأت من البحر كأنها الخطاطيف بكف كل طير منها ثلاثة أحجار مجزعة في منقاره حجر وحجران في رجليه، ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر، وبعث الله ريحاً شديداً فضربت أرجلها فزادها شدة فأهلكوا جميعاً.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عكرمة {طيراً أبابيل} قال: طير بيض، وفي لفظ: خضر جاءت من قبل البحر كأن وجوهها وجوه السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده، فأثرت في جلودهم مثل الجدري، فإنه أول ما رؤي الجدري.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} لما أقبل أصحاب الفيل يريدون مكة ورأسهم أبو يكسوم الحبشي حتى أتوا المغمس أتتهم طير في منقار كل طير حجر، وفي رجليه حجران فرمتهم بها، فذلك قوله: {وأرسل عليهم طيراً أبابيل} يقول: يتبع بعضها بعضاً {ترميهم بحجارة من سجيل} يقول من طين. قال: وكانت من جزع أظفار مثل بعر الغنم فرمتهم بها {فجعلهم كعصف مأكول} وهو ورق الزرع البالي المأكول: يقول: خرقتهم الحجارة كما يتخرق ورق الزرع البالي المأكول. قال: وكان إقبال هؤلاء إلى مكة قبل أو يولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنة.
وأخرج ابن المنذر عن أبي الكنود {ترميهم بحجارة من سجيل} قال: دون الحمصة وفوق العدسة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عمران {طيراً أبابيل} قال: طير كثيرة جاءت بحجارة كثيرة أكبرها مثل الحمصة وأصغرها مثل العدسة.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {ترميهم بحجارة من سجيل} قال: بحجارة مثل البندق وبها نضح حمرة مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره، حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت تلك الحجارة عليهم فلم تعد عسكرهم.
وأخرج أبو نعيم عن نوفل بن معاوية الديلمي قال: رأيت الحصى التي رمي بها أصحاب الفيل حصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر مختمة كأنها جزع ظفار.
وأخرج أبو نعيم عن حكيم بن حزام قال: كانت في المقدار من الحمصة والعدسة حصى به نضح أحمر مختمة كالجزع فلولا أنه عذب به قوم أخذت منه ما اتخذه لي مسجداً وهي بمكة كثير.
وأخرج أبو نعيم عن أم كرز الخزاعية قالت: رأيت الحجارة التي رمي بها أصحاب الفيل حمراً مختمة كأنها جزع ظفار فمن قال غير ذلك فلم ير منها شيئاً، ولم يصبهم كلهم، وقد أفلت منهم.
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال: جاؤوا بفيلين، فأما محمود فربض، وأما الآخر فشجع فحصب.
وأخرج أبو نعيم عن عطاء بن يسار قال: حدثني من كلم قائد الفيل وسائسه قال لهما: أخبراني خبر الفيل قالا: أقبلنا به وهو فيل الملك النجاشي الأكبر لم يسر به قط إلى جمع إلا هزمهم، فلما دنا من الحرم جعلنا كلما نوجهه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فيهبط وتاره نضربه حتى نمل ثم نتركه، فلما انتهى إلى المغمس ربض فلم يقم فطلع العذاب فقلنا: نجا غيركما؟ قالا: نعم. ليس كلهم أصابه العذاب. وولى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده كلما دخلوا أرضاً وقع منهم عضو حتى انتهوا إلى بلاد خثعم وليس عليه غير رأسه فمات.
وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس أن أبرهة الأشرم قدم من اليمن يريد هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم {طيراً أبابيل} يريد مجتمعة لها خراطيم تحمل حصاة في منقارها وحصاتين في رجليها ترسل واحدة على رأس الرجل فيسيل لحمه ودمه وتبقى عظاماً خاوية لا لحم عليه ولا جلد ولا دم.
وأخرج أبو نعيم عن عثمان بن عفان أنه سأل رجلاً من هذيل قال: أخبرني عن يوم الفيل، فقال: بعثت يوم الفيل طليعة على فرس لي أنثى فرأيت طيراً خرجت من الحرم في كل منقار طير منها حجر، وفي رجل كل طير منها حجر، وهاجت ريح وظلمة حتى قعدت بي فرسي مرتين فمسحتهم مسحة كلفته كرداك وانجلت الظلمة، وسكنت الريح. قال: فنظرت إلى القوم خامدين.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن أبي صالح أنه رأى عند أم هانئ بنت أبي طالب من تلك الحجارة نحواً من قفيز مخططة بحمرة كأنها جزع ظفار مكتوب في الحجر اسمه واسم أبيه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس {فجعلهم كعصف} يقول: كالتبن.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس {فجعلهم كعصف مأكول} قال: ورق الحنطة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: العصف المأكول ورق الحنطة.
وأخرج عبد بن حميد عن طاوس {كعصف مأكول} قال: ورق الحنطة فيها النقب.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {كعصف مأكول} قال: إذا أكل فصار أجوف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس {كعصف مأكول} قال: هو الطيور عصافة الزرع.
وأخرج ابن إسحاق في السيرة والواقدي وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن عائشة قالت: لقد رأيت سائس الفيل وقائده بمكة أعميين مقعدين يستطعمان.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الدلائل عن ابن أبزى قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
وأخرج البيهقي عن محمد بن جبير بن مطعم قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين من الفيل.