فصل: تفسير الآيات (29- 31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (29- 31):

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)}
أخرج الترمذي وابن أبي الدنيا في ذكر الموت، وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والخطيب، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يصعد منه عمله، وباب ينزل عليه منه رزقه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه، وتلا هذه الآية {فما بكت عليهم السماء والأرض} وذكر أنهم لم يكونوا يعملون على وجه الأرض عملاً صالحاً يبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح، فتفقدهم فتبكي عليهم».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل، عن قوله: {فما بكت عليهم السماء والأرض} هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء، فقده فبكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن قتادة {فما بكت عليهم السماء والأرض} قال: هم كانوا أهون على الله من ذلك. قال: وكنا نحدث أن المؤمن تبكي عليه بقاعه التي كان يصلي فيها من الأرض ومصعد عمله من السماء.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة، عن مجاهد رضي الله عنه {فما بكت عليهم السماء والأرض} قال: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض صياحاً. قال: فقيل له تبكي ما تعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره دويّ كدوي النحل؟!
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد رضي الله عنه قال: إن العالم إذا مات بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً.
وأخرج عبد بن حميد، عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال: إن البقعة التي يصلي عليها المؤمن تبكي عليه إذا مات وبحذائها من السماء، ثم قرأ {فما بكت عليهم السماء والأرض}.
وأخرج عبد بن حميد، عن وهب رضي الله عنه قال: إن الأرض لتحزن على العبد الصالح أربعين صباحاً.
وأخرج عبد بن حميد، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {فما بكت عليهم السماء والأرض} قال: لم تبك عليهم السماء لأنهم لم يكونوا يرفع لهم فيها عمل صالح، ولم تبك عليهم الأرض، لأنهم لم يكونوا يعملون فيها بعمل صالح.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة، عن مجاهد رضي الله عنه قال: كان يقال: الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً.
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يقال الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً.
وأخرج ابن المبارك وأبو الشيخ، عن ثور بن يزيد، عن مولى لهذيل قال: ما من عبد يضع جبهته في بقعة من الأرض ساجداً لله عز وجل إلا شهدت له بها يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير، عن شريح بن عبيد الحضرمي مرسلاً رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن الإِسلام بدا غريباً وسيعود غريباً، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فما بكت عليهم السماء والأرض} ثم قال: إنهما لا يبكيان على كافر».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عباد بن عبدالله رضي الله عنه قال: سأل رجل علياً، هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال: إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض ومصعد عمله في السماء، وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا مصعد في السماء.
وأخرج ابن المبارك وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن المنذر من طريق المسيب بن رافع، عن علي رضي الله عنه قال: إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، ثم تلا {فما بكت عليهم السماء والأرض}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي، عن مجاهد رضي الله عنه قال: ما من ميت يموت إلا تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً.
وأخرج ابن المبارك وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: إن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً. ثم قرأ {فما بكت عليهم السماء والأرض}.
وأخرج ابن المبارك وابن أبي الدنيا، عن عطاء الخرساني رضي الله عنه قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض، إلا شهدت له يوم القيامة، وبكت عليه يوم يموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيد المكتب، عن إبراهيم رضي الله عنه قال: ما بكت السماء منذ كانت الدنيا، إلا على اثنين. قيل لعبيد: أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن؟ قال: ذاك مقامه وحيث يصعد عمله. قال: وتدري ما بكاء السماء؟ قال: لا. قال: تحمر وتصير وردة كالدهان إن يحيى بن زكريا لما قتل، احمرت السماء وقطرت دماً. وإن حسين بن علي يوم قتل احمرت السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن زياد رضي الله عنه قال: لما قتل الحسين، احمرت آفاق السماء أربعة أشهر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن عطاء رضي الله عنه قال: بكاء السماء حمرة أطرافها.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي الله عنه قال: بكاء السماء، حمرتها.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: كان يقال: هذه الحمرة التي تكون في السماء، بكاء السماء على المؤمن.

.تفسير الآيات (32- 36):

{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)}
أخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} قال: فضلناهم على من بين أظهرهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: اخترناهم على خير، علمه الله فيهم على العالمين. قال: العالم الذي كانوا فيه، ولكل زمان عالم {وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين} قال: أنجاهم من عدوهم وأقطعهم البحر وظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى {إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى} قال: قد قال مشركو العرب {وما نحن بمنشرين} قال: بمبعوثين.

.تفسير الآيات (37- 42):

{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)}
أخرج الطبراني وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا تبعاً فإنه قد أسلم».
وأخرج أحمد والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم».
وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلماً.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا تقولوا لتبع إلا خيراً، فإنه قد حج البيت وآمن بما جاء به عيسى بن مريم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن كعب رضي الله عنه قال: إن تبعاً نعت الرجل الصالح، ذم الله قومه ولم يذمه. قال: وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً.
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان تبع رجلاً صالحاً، ألا ترى أن الله ذم قومه ولم يذمه!
وأخرج ابن عساكر عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال: لا تسبوا تبعاً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سبه.
وأخرج ابن المنذر وابن عساكر، عن وهب بن منبه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب أسعد وهو تبع. قيل: وما كان أسعد؟ قال: كان على دين إبراهيم وكان إبراهيم يصلي كل يوم صلاة ولم تكن شريعة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أسعد الحميري وقال: هو أوّل من كسا الكعبة».
وأخرج ابن المنذر وابن عساكر، عن سعيد بن جبير قال: ان تبعاً كسا البيت.
وأخرج ابن عساكر، عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان تبع إذا عرض الخيل قاموا صفاً من دمشق إلى صنعاء اليمن.
وأخرج ابن المنذر وابن عساكر، عن ابن عباس قال: سألت كعباً عن تبع فإني أسمع الله يذكر في القرآن قوم تبع ولا يذكر تبعاً؟ فقال: إن تبعاً كان رجلاً من أهل اليمن ملكاً منصوراً، فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند، رجع فأخذ طريق الشام، فأسر بها أحباراً، فانطلق بهم نحو اليمن- حتى إذا دنا من ملكه طار في الناس أنه هادم الكعبة، فقال له الأحبار: ما هذا الذي تحدث به نفسك، فإن هذا البيت لله وإنك لن تُسَلَّط عليه، فقال: إن هذا لله وأنا أحق من حرمه، فأسلم من مكانه وأحرم فدخلها محرماً، فقضى نسكه ثم انصرف نحو اليمن راجعاً حتى قدم على قومه، فدخل عليه أشرافهم فقالوا: يا تبع، أنت سيدنا وابن سيدنا خرجت من عندنا على دين وجئت على غيره، فاختر منا أحد أمرين؛ إما أن تخلينا وملكنا وتعبد ما شئت، وإما أن تذر دينك الذي أحدثت- وبينهم يومئذ نار تنزل من السماء- فقال الأحبار عند ذلك: اجعل بينك وبينهم النار، فتواعد القوم عند ذلك جميعاً على أن يجعلوا بينهم النار، فجيء بالأحبار وكتبهم، وجيء بالأصنام وعمارها وقدموا جميعاً إلى النار، وقامت الرجال خلفهم بالسيوف، فهدرت النار هدير الرعد ورمت شعاعاً لها، فنكص أصحاب الأصنام، وأقبلت النار فأحرقت الأصنام وعمالها، وسلم الآخرون، فأسلم قوم واستسلم قوم، فلبثوا بعد ذلك عمر تبع، حتى إذا نزل بتبع الموت استخلف أخاه وهلك، فقتلوا أخاه وكفروا صفقة واحدة.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر، عن أبيّ بن كعب قال: لما قدم تبع المدينة ونزل بفناه بعث إلى أحبار يهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب. فقال له شابور اليهودي.- وهو يومئذ اعلمهم- أيها الملك، إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل، مولده بمكة اسمه أحمد وهذه دار هجرته، إن منزلك هذا الذي نزلت به، يكون من القتال والجراح أمر كثير في أصحابه وفي عدوهم. قال تبع: ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعم؟ قال: يسير إليه قومه؛ فيقتتلون ههنا. قال: فأين قبره؟ قال: بهذا البلد. قال: فإذا قوتل لمن تكون الدبرة؟ قال: تكون عليه مرة وله مرة، وبهذا المكان الذي أنت به يكون عليه، ويقتل به أصحابه مقتلة عظيمة لم تقتل في موطن، ثم تكون العاقبة له ويظهر، فلا ينازعه هذا الأمر أحد. قال: وما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة، سيفه على عاقته، ولا يبالي من لاقى حتى يظهر أمره. فقال تبع: ما إلى هذا البلد من سبيل وما كان ليكون خرابها على يدي، فرجع تبع منصرفاً إلى اليمن.
وأخرج ابن عساكر عن عباد بن زياد المري عمن أدرك قال: أقبل تبع يفتتح المدائن ويعمل العرب حتى نزل المدينة، وأهلها يومئذ يهود، فظهر على أهلها، وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج نبيّ بمكة يكون قراره بهذا البلد اسمه أحمد، وأخبروه أنه لا يدركه، فقال تبع للأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد؛ فإن خرج فيكم، فآزروه وصدقوه، وإن لم يخرج، فأوصوا بذلك أولادكم وقال في شعره:
حدثت أن رسول المليك ** يخرج حقّاً بأرض الحرم

ولو مدّ دهري إلى دهره ** لكنت وزيراً له وابن عم

وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عبدالله بن سلام قال: لم يمت تبع حتى صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يهود يثرب يخبرونه.
وأخرج ابن عساكر عن ابن إسحاق قال: أري تبع في منامه أن يكسو البيت فكساه الخصف، ثم أري ان يكسوه أحسن من ذلك فكساه العافر، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الوصائل، وصائل اليمن، فكان تبع فيما ذكر لي أول من كساه، وأوصى بها ولاته من جرهم، وأمر بتطهيره وجعل له باباً ومفتاحاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} قال يوم يفصل بين الناس بأعمالهم يوفي فيه للأولين والآخرين {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً} قال: انقطعت الأسباب يومئذ وذهبت الآصار، وصار الناس إلى أعمالهم فمن أصاب يومئذ خيراً سعد به، ومن أصاب يومئذ شرّاً شقي به.
وأخرج ابن المبارك عن الضحاك في قوله: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً} قال: ولي عن ولي.