فصل: سورة التكاثر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.سورة التكاثر:

.تفسير الآيات (1- 8):

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت بمكة سورة {ألهاكم التكاثر}.
وأخرج الحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟ قالوا: ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية؟ قال: أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر؟».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمون {ألهاكم التكاثر} المغيرة.
وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ {ألهاكم التكاثر} وفي لفظ وقد أنزلت عليه {ألهاكم التكاثر} وهو يقول: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت».
وأخرج الطبراني عن مطرف عن أبيه قال: لما أنزلت {ألهاكم التكاثر} قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، أو أعطيت فأمضيت».
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول العبد مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاثة ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى. وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم مالي، وما له من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأمضى».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قارئ عليكم سورة {ألهاكم التكاثر} فمن بكى فقد دخل الجنة، فقرأها فمنا من بكى ومنا من لم يبك، فقال الذين لم يبكوا: قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نقدر عليه. فقال: إني قارئها عليكم الثانية فمن بكى فله الجنة، ومن لم يقدر أن يبكي فليتباك».
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وهو يقرأ {ألهاكم التكاثر} حتى ختمها.
وأخرج البخاري وابن جرير عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كنا نرى هذا من القرآن لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب، حتى نزلت سورة {ألهاكم التكاثر} إلى آخرها.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {ألهاكم التكاثر} قال: قالوا: نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان فألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ألهاكم التكاثر} قال: نزلت في اليهود.
وأخرج الترمذي وحنيش بن أصرم في الاستقامة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: نزلت {ألهاكم التكاثر} في عذاب القبر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز أنه قرأ {الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} ثم قال: ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ألهاكم التكاثر} قال: في الأموال والأولاد.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ ولكن أخشى عليكم التعمد».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ألهاكم التكاثر} قال: يعني عن الطاعة {حتى زرتم المقابر} قال: يقول: حتى يأتيكم الموت {كلا سوف تعلمون} يعني لو قد دخلتم قبوركم {ثم كلا سوف تعلمون} يقول: لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم {كلا لو تعلمون علم اليقين} قال: لو قد وقفتم على أعمالكم بين يدي ربكم {لترون الجحيم} وذلك أن الصراط يوضع وسط جهنم، فناج مسلم ومخدوش مسلم، ومكدوش في نار جهنم {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} يعني شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم».
وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم «أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون} يقول: لو دخلتم القبور {ثم كلا سوف تعلمون}، وقد خرجتم من قبوركم، {كلا لو تعلمون علم اليقين} في يوم محشركم إلى ربكم {لترون الجحيم} أي في الآخرة حق اليقين كرأي العين {ثم لترونها عين اليقين} يوم القيامة {ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم} بين يدي ربكم عن بارد الشراب وظلال المساكن وشبع البطون واعتدال الخلق ولذاذة النوم حتى خطبة أحدكم المرأة مع خطاب سواه فزوجها ومنعها غيره».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك {كلا سوف تعلمون} الكفار {ثم كلا سوف تعلمون} المؤمنين. وكذلك كانوا يقرؤونها.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {كلا لو تعلمون علم اليقين} قال: كنا نحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لو تعلمون علم اليقين} قال: كنا نحدث أنه الموت وفي قوله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: إن الله سائل كل ذي نعمة فيما أنعم عليه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} [ الاسراء: 36].
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: كل شيء من لذة الدنيا.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: الأمن والصحة».
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود في الآية قال النعيم: الأمن والصحة.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عليّ بن أبي طالب {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: النعيم العافية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب أنه سئل عن قوله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: عن أكل خبز البر وشرب ماء الفرات مبرداً، وكان له منزل يسكنه، فذاك من النعيم الذي يسأل عنه.
وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: ناس من أمتي يعقدون السمن والعسل بالنقى فيأكلونه».
وأخرج عبد بن حميد عن حمران بن أبان عن رجل من أهل الكتاب قال: ما الله معط عبداً فوق ثلاث إلا سائله عنهم يوم القيامة: قدر ما يقيم به صلبه من الخبز، وما يكنه من الظل وما يواري به عورته من الناس.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية {لتسألن يومئذ عن النعيم} قال الصحابة: وفي أي نعيم نحن يا رسول الله؟ وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير فأوحى الله إلى نبيه أن قل لهم: أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وأحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن محمود بن لبيد قال: «لما أنزلت {ألهاكم التكاثر} فقرأ حتى بلغ ثم {لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا يا رسول الله: عن أي نعيم نسأل؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر وسيوفنا على رقابنا والعدوّ حاضر فعن أي نعيم نسأل؟ قال: أما إن ذلك سيكون».
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «لما نزلت هذه الآية {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال الناس: يا رسول الله عن أي النعيم نسأل وإنما هما الأسودان والعدوّ حاضر وسيوفنا على عواتقنا؟ قال: أما إن ذلك سيكون».
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن الزبير بن العوام قال: «لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا يا رسول الله: وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: إن ذلك سيكون».
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن الزبير قال: «لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال الزبير بن العوّام: يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر. قال: أما إن ذلك سيكون».
وأخرج عبد بن حميد عن صفوان بن سليم قال: «لما نزلت {ألهاكم التكاثر} إلى آخرها {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: عن أي نعيم نسأل؟ إنما هما الأسودان الماء والتمر وسيوفنا على عواتقنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه سيكون».
وأخرج أبو يعلى عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية {لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا يا رسول الله: أي نعيم نسأل عنه وسيوفنا على عواتقنا؟ وذكر الحديث.
وأخرج أحمد في زوائد الزهد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد».
وأخرج هناد وعبد بن حميد والبخاري وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ».
وأخرج ابن جرير عن ثابت البناني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النعيم المسؤول عنه يوم القيامة كسرة تقوته وماء يرويه وثوب يواريه».
وأخرج أحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن جابر بن عبد الله قال: «جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فأطعمناهم رطباً وسقيناهم ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا النعيم الذي تسألون عنه».
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال: «كان ليهودي على أبي تمر فقتل أبي يوم أحد وترك حديقتين، وتمر اليهودي يستوعب ما في الحديقتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك أن تأخذ العام بعضه وتؤخر بعضها إلى قابل فأبى اليهودي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حضر الجذاذ فآذاني فآذنته، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فجعلنا نجذ ويكال له من أسفل النخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بالبركة حتى وفيناه جميع حقه من أصغر الحديقتين ثم أتيتهم برطب وماء فأكلوا وشربوا ثم قال: هذا من النعيم الذي تسألون عنه».
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقوموا، فقاما معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: انطلق يستعذب لنا الماء إذ جاء الأنصاري فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فقال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني، فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال: كلوا من هذا، وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا. فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة».
وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً عند الظهيرة فوجد أبا بكر في المسجد جالساً فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله. ثم إن عمر جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن الخطاب ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: أخرجني الذي أخرجكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بكما من قوة فتنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان من طعام وشراب؟ فقلنا: نعم يا رسول الله، فانطلقنا حتى أتينا منزل مالك بن التيهان أبي الهيثم الأنصاري».
وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن ابن عباس قال: «خرج أبو بكر في الهاجرة إلى المسجد فسمع عمر، فخرج فقال لأبي بكر: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: أخرجني ما أجد في نفسي من حاق الجوع. قال عمر: والذي نفسي بيده ما أخرجني إلى الجوع، فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أخرجكما هذه الساعة فقالا: والله ما أخرجنا إلا ما نجد في بطوننا من حاق الجوع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره، فقاموا فانطلقوا إلى منزل أبي أيوب الأنصاري فلما انتهوا إلى داره قالت امرأته: مرحباً بنبي الله وبمن معه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أين أبو أيوب؟ فقالت امرأته: يأتيك يا نبي الله الساعة. فجاء أبو أيوب فقطع عذقاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تقطع لنا هذا ألا اجتنيت الثمرة؟ قال: أحببت يا رسول الله أن تأكلوا من بسره وتمره ورطبه. ثم ذبح جدياً فشوى نصفه وطبخ نصفه، فلما وضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من الجدي فجعله في رغيف وقال: يا أبا أيوب أبلغ بهذا فاطمة فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام، فذهب به أبو أيوب إلى فاطمة. فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه والذي نفسي بيده إن هذا لهو النعيم الذي تسألون عنه. قال الله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} فهذا النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة، فكبر ذلك على أصحابه. فقال: بلى إذا أصبتم هذا فضربتم بأيديكم فقولوا: بسم الله فإذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا وأفضل، فإن هذا كفاف لها».
وأخرج أحمد وابن جرير وابن عدي والبغوي في معجمه وابن منده في المعرفة وابن عساكر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي عسيب مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً فمر بي فدعاني، فخرجت إليه ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط: أطعمنا، فجاء بعذق فوضعه، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب، وقال: لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ثم قال يا رسول الله: إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: نعم إلا من ثلاث كسرة يسد بها الرجل جوعته، أو ثوب يستر به عورته، أو حجر يدخل فيه من الحر والبرد».
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم على جدول فأتي برطب وماء بارد فأكل من الرطب وشرب من الماء، ثم قال: هذا من النعيم الذي تسألون عنه».
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أبي بكر الصديق قال: «انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا عمر إلى رجل يقال له الواقفي، فذبح لنا شاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياك وذات الدر، فأكلنا ثريداً ولحماً وشربنا ماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا من النعيم الذي تسألون عنه».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في ساعة لم يكن يخرج فيها، ثم خرج أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخرجك يا أبا بكر؟ قال: أخرجني الجوع. قال: وأخرجني الذي أخرجك. ثم خرج عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخرجك يا عمر؟ قال: أخرجني والذي بعثك بالحق الجوع. ثم جاء أناس من أصحابه فقال: انطلقوا بنا إلى منزل أبي الهيثم فقالت لهم امرأته: إنه ذهب يستعذب لنا فدوروا إلى الحائط، ففتحت لهم باب البستان فدخلوا فجلسوا، فجاء أبو الهيثم، فقالت له امرأته: أتدري من عندك؟ قال: لا قالت له: عندك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فدخل عليهم فعلق قربته على نخلة ثم أخذ مخرفاً فأتى عذقاً له، فاخترف لهم رطباً فأتاهم به، فصبه بين أيديهم، فأكلوا منه، وبرد لهم ذلك الماء فشربوا منه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا من النعيم الذي تسألون عنه».
وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي الهيثم بن التيهان «أن أبا بكر الصديق خرج فإذا هو بعمر جالساً في المسجد، فعمد نحوه فوقف فسلم، فرد عمر فقال له أبو بكر: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال له عمر: بل أنت ما أخرجك هذه الساعة؟ قال أبو بكر: إني سألتك قبل أن تسألني. فقال عمر: أخرجني الجوع. فقال أبو بكر: وأنا أخرجني الذي أخرجك. فلبثا يتحدثان وطلع النبي صلى الله عليه وسلم فعمد نحوهما حتى وقف عليهما فسلم فردا السلام فقال: ما أخرجكما هذه الساعة؟ فنظر كل واحد منهما إلى صاحبه ليس منهما واحد إلا وهو يريد أن يخبره صاحبه فقال أبو بكر: يا رسول الله خرج قبلي وخرجت بعده، فسألته ما أخرجك هذه الساعة فقال: بل أنت ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: إني سألتك قبل أن تسألني فقال: بل أخرجني الجوع. فقلت له: أخرجني الذي أخرجك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا فأخرجني الذي أخرجكما فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: تعلمان من أحد نضيفه؟ قالا: نعم أبو الهيثم بن التيهان له أعذق وجدي إن جئناه نجد عنده فضل تمر. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه حتى دخلوا الحائط، فسلم النبي صلى الله عليه وسلم فسمعت أم الهيثم تسليمه، ففدت بالأب والأم، وأخرجت حلساً لها من شعر فجلسوا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين أبو الهيثم فقالت: ذاك ذهب ليستعذب لنا من الماء. وطلع أبو الهيثم بالقربة على رقبته، فلما أن رأى وضح النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهراني النخل أسندها إلى جذع وأقبل يفدي بالأب والأم، فلما رآهم عرف الذي بهم فقال لأم الهيثم: هل أطعمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه شيئاً؟ فقالت: إنما جلس النبي صلى الله عليه وسلم الساعة. قال: فما عندك؟ قالت: عندي حبات من شعير. قال: كركريها واعجني واخبزي إذ لم يكونوا يعرفون الخمير. قال: وأخذ الشفرة فرآه النبي صلى الله عليه وسلم مولياً فقال: إياك وذات الدر. فقال: يا رسول الله إنما أريد عنيقاً في الغنم، فذبح ونصب، فلم يلبث إذ جاء بذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه فشبعوا لا عهد لهم بمثلها. فما مكث النبي صلى الله عليه وسلم إلا يسيراً حتى أتي بأسير من اليمن فجاءته فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه العمل وتريه يديها وتسأله إياه. قال: لا، ولكن أعطيه أبا الهيثم فقد رأيته وما لقي هو وامرأته يوم ضفناهم، فأرسل إليه وأعطاه إياه فقال: خذ هذا الغلام يعينك على حائطك واستوص به خيراً: فمكث عند أبي الهيثم ما شاء الله أن يمكث فقال: لقد كنت مستقلاً أنا وصاحبتي بحائطنا اذهب فلا رب لك إلا الله، فخرج ذلك الغلام إلى الشام ورزق فيها».
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود «أن أبا بكر خرج لم يخرجه إلا الجوع، وخرج عمر لم يخرجه إلا الجوع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهما، وأنهما أخبراه أنه لم يخرجهما إلا الجوع، فقال: انطلقوا بنا إلى منزل رجل من الأنصار يقال له أبو الهيثم بن التيهان، فإذا هو ليس في المنزل ذهب يستقي، فرحبت المرأة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصاحبيه، وبسطت لهم شيئاً فجلسوا عليه، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم أين انطلق أبو الهيثم؟ قالت: ذهب يستعذب لنا، فلم يلبث أن جاء بقربة فيها ماء فعلقها وأراد أن يذبح لهم شاة فكان النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فذبح لهم عناقاً، ثم انطلق، فجاء بكبائس من النخل فأكلوا من ذلك اللحم والبسر والرطب، أو شربوا من الماء فقال أحدهما: إما أبو بكر وإما عمر: هذا من النعيم الذي نسأل عنه يوم القيامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن لا يثرب عليه شيء أصابه في الدنيا إنما يثرب على الكافر».
وأخرج ابن مردويه عن الكلبي أنه سئل عن تفسير هذه الآية {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: إنما هي للكفار {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} [ الأحقاف: 20] إنما هي للكفار قال: «وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر كلهم يقولون أخرجني الجوع فانطلق بهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل من الأنصار يقال له أبو الهيثم، فلم يره في منزله، ورحبت المرأة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصاحبيه، وأخرجت بساطاً فجلسوا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين أنطلق أبو الهيثم؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا فلم يلبثوا أن جاء بقربة ماء فعلقها، وكأنه أراد أن يذبح لهم شاة، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فذبح عناقاً، ثم انطلق فجاء بكبائس من نخل، فأكلوا من اللحم ومن البسر والرطب وشربوا من الماء، فقال أحدهما: إما أبو بكر واما عمر: هذا من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يسأل الكفار، وإن المؤمن لا يثرب عليه شيء أصابه في الدنيا، وإنما يثرب على الكافر»قيل له من حدثك؟ قال: الشعبي عن الحارث عن ابن مسعود.
وأخرج أحمد في الزهد عن عامر قال: «أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لحماً وخبزاً وشعيراً ورطباً وماء بارداً فقال: هذا وربكما من النعيم».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: «لما نزلت هذه الآية {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا يا رسول الله: أي نعيم نسأل عنه سيوفنا على عواتقنا والأرض كلها لنا حرب، يصبح أحدنا بغير غداء ويمسي بغير عشاء؟ قال: عني بذلك قوم يكونون من بعدكم أنتم خير منهم يغدي عليهم بجفنة ويراح عليهم بجفنة ويغدو في حلة ويروح في حلة، ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة ويفشى فيهم السمن».
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: «لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قام رجل محتاج فقال يا رسول الله: هل عليّ من النعمة شيء؟ قال: نعم الظل والنعلان والماء البارد».
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: «{لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخصاف والماء والبارد وفلق الكسر» قال العباس: الخصاف خصف النعلين.
وأخرج البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فوق الإِزار وظل الحائط وخبز يحاسب به العبد يوم القيامة ويسأل عنه».
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يحاسب بهن العبد: ظل خص يستظل به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته».
وأخرج أيضاً عن سلمان قال: بلغني أن في التوراة مكتوب: ابن آدم كسيرة تكفيك وخرقة تواريك وحجر يؤويك.
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً سأله إنسان من فقراء المهاجرين فقال: ألك امرأة تأوي إليك وتأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فلست من فقراء المهاجرين.
وأخرج أحمد في الزهد عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل شيء سوى ظل بيت وجلف الخبز وثوب يواري عورته والماء فما فضل عن هذا لابن آدم فيهن حق».
وأخرج أحمد وابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن معاذ بن عبد الله الجهني عن أبيه عن عمه قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر غسل، وهو طيب النفس، فظننا أنه ألم بأهله، فقلنا يا رسول الله: نراك طيب النفس، فقال: أجل والحمد لله، ثم ذكر الغنى فقال: لا بأس بالغنى لمن اتقى الله، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: مر عمر بن الخطاب برجل مبتلي أجذم أعمى أصم أبكم فقال لمن معه: هل ترون في هذا من نعم الله شيئاً؟ قالوا: لا، قال: «بلى ألا ترونه يبول فلا يعتصر ولا يلتوي يخرج بوله سهلاً فهذه نعمة من الله».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: يا لها من نعمة تأكل لذة وتخرج سرحاً، لقد كان ملك من ملوك هذه القرية يرى الغلام من غلمانه يأتي الحش فيكتان ثم يجرجر قائماً فيقول: يا ليتني مثلك ما يشرب حتى يقطع عنقه العطش فإذا شرب كان له في تلك الشربة موتات، يا لها من نعمة تأكل لذة وتخرج سرحاً.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: يعرض الناس يوم القيامة على ثلاثة دواوين: ديوان فيه الحسنات وديوان فيه النعيم وديوان فيه السيئات، فيقابل بديوان الحسنات ديوان النعيم فيستفرغ النعيم الحسنات، وتبقى السيئات مشيئتها إلى الله عز وجل، إن شاء عذب وإن شاء غفر.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد عن بكير بن عتيق قال: سقيت سعيد بن جبير شربة من عسل في قدح فشربها ثم قال: والله لأسألن عن هذا: فقلت له؟ قال: شربته وأنا أستلذه.