فصل: تفسير الآية رقم (248):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (248):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
أخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: أمرني عثمان بن عفان أن أكتب له مصحفاً فقال: إني جاعل معك رجلاً لسناً فصيحاً، فما اجتمعتما عليه فاكتباه وما اختلفتما فيه فارفعا إليّ. قال زيد: فقلت أنا: التابوه. وقال أبان بن سعيد: التابوت. فرفعاه إلى عثمان فقال: التابوت، فكتبت.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن عمرو بن دينار. أن عثمان بن عفان أمر فتيان المهاجرين والأنصار أن يكتبوا المصاحف، قال: فما اخلفتم فيه فاجعلوه بلسان قريش. فقال المهاجرون: التابوت. وقال الأنصار: التابوه. فقال عثمان: اكتبوه بلغة المهاجرين. التابوت.
وأخرج ابن سعد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف وابن حبان والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن أنس بن مالك. أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في قرى أرمينية واذربيجان مع أهل العراق، فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة أن ارسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحف، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وعبد الله بن الزبير: أن انسخوا الصحف في المصاحف، وقال للرهط القرشيين الثلاثة: ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانها. قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه. فقال النفر القرشيون: التابوت. وقال زيد: التابوه. فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوا التابوت، فإنه بلسان قريش نزل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه. أنه سئل عن تابوت موسى ما سعته؟ قال: نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين.
أما قوله تعالى: {فيه سكينة من ربكم}.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة الرحمة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: السكينة الطمأنينة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع، وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم، فيهزم الجيش من الرعب.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف من طريق خالد بن عرعرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السكينة ريح خجوج».
وأخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة عن علي قال: السكينة ريح خجوج ولها رأسان.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر والبيهقي في الدلائل من طريق أبي الأحوص عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإِنسان، ثم هي بعد ريح هفافة.
وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير من طريق سلمة بن كهيل عن علي في قوله: {فيه سكينة من ربكم} قال: ريح هفافة، لها صورة ولها وجه كوجه الإِنسان.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن سعد بن مسعود الصدفي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجلس، فرفع نظره إلى السماء ثم طأطأ نظره، ثم رفعه فسئل عن ذلك؟ فقال: إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله- يعني أهل مجلس أمامه- فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة، فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم».
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: السكينة من الله كهيئة الريح، لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير من طريق أبي مالك عن ابن عباس {فيه سكينة من ربكم} قال: طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب الأنبياء، ألقى موسى فيها الألواح.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه. أنه سئل عن السكينة؟ فقال: روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم، فأخبرهم ببيان ما يريدون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فيه سكينة} قال: فيه شيء تسكن إليه قلوبهم، يعني ما يعرفون من الآيات يسكنون إليه.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة {فيه سكينة} أي وقار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وبقية مما ترك آل موسى} قال: عصاه، ورضاض الألواح.
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان في التابوت عصا موسى، وعصا هرون، وثياب موسى، وثياب هرون، ولوحان من التوراة، والمن، وكلمة الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم، وسبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: البقية رضاض الألواح، وعصا موسى، وعمامة هرون، وقباء هرون الذي كان فيه علامات الأسباط، وكان فيه طست من ذهب فيه صاع من منّ الجنة، وكان يفطر عليه يعقوب. أما السكينة فكانت مثل رأس هرة من زبرجدة خضراء.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {تحمله الملائكة} قال: أقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في بيت طالوت، فأصبح في داره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن في ذلك لآية} قال: علامة.

.تفسير الآية رقم (249):

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: خرجوا مع طالوت وهم ثمانون ألفاً، وكان جالوت من أعظم الناس وأشدهم بأساً، فخرج يسير بين يدي الجند فلا تجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقي، فلما خرجوا قال لهم طالوت {إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} فشربوا منه هيبة من جالوت، فعبر منهم أربعة آلاف ورجع ستة وسبعون ألفاً، فمن شرب منه عطش، ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه} فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضاً و {قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} فرجع عنه ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون، وجلس في ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن الله مبتليكم بنهر} يقول: بالعطش، فلما انتهوا إلى النهر- وهو نهر الأردن- كرع فيه عامة الناس فشربوا، فلم يزد من شرب إلا عطشاً، وأجزأ من اغترف غرفة بيده وانقطع الظمأ عنه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فلما فصل طالوت بالجنود} غازياً إلى جالوت قال طالوت لبني إسرائيل {إن الله مبتليكم بنهر} بين فلسطين والأردن، نهر عذب الماء طيبه، فشرب كل إنسان كقدر الذي في قلبه، فمن اغترف غرفة واطاعه روي بطاعته، ومن شرب فأكثر عصى فلم يرو {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه} قال الذين شربوا {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون} الذين اغترفوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن الله مبتليكم بنهر} قال: نهر فلسطين.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: كان الكفار يشربون فلا يروون، وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: في تلك الغرفة ما شربوا وسقوا دوابهم.
وأخرج سعيد بن منصور عن عثمان بن عفان أنه قرأ {إلا من اغترف غرفة} بضم الغين.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فشربوا منه إلا قليلاً منهم} قال: القليل ثلثمائة وبضعة عشر، عدة أهل بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن البراء قال: كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلثمائة.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر «أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي، وكان الصحابة يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: كان عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلثمائة وبضعة عشر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيدة قال: عدة الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً كعدد الذين جاوزوا مع طالوت النهر، عدتهم ثلثمائة وثلاثة عشر.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: كانوا ثلثمائة ألف وثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فشربوا منه كلهم إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فردهم طالوت ومضى في ثلثمائه وثلاثة عشر، وكان اشمويل دفع إلى طالوت درعاً فقال له: من استوى هذا الدرع عليه فإنه يقتل جالوت بإذن الله تعالى، ونادى منادي طالوت، من قتل جالوت زوجته ابنتي، وله نصف ملكي ومالي. وكان الله سبب هذا الأمر على يدي داود بن ايشا، وهو من ولد خصرون بن فارض بن يهود بن يعقوب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {الذين يظنون أنهم ملاقو الله} قال: الذين يستيقنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {الذين يظنون أنهم ملاقو الله} قال: الذين شروا أنفسهم لله ووطنوها على الموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: تلقى المؤمنين بعضهم أفضل من بعض جداً، وعزماً وهم كلهم مؤمنون.

.تفسير الآيات (250- 252):

{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان طالوت أميراً على الجيش، فبعث أبو داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت: ماذا لي واقتل جالوت؟ فقال: لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سمى إبراهيم وإسحق ويعقوب، ثم أدخل يده فقال: بسم الله إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، فخرج على إبراهيم فجعله في مرجمته فرمى بها جالوت، فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة على رأسه، وقتلت مما وراءه ثلاثين ألفاً.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما برز طالوت لجالوت قال جالوت: ابرزوا لي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم، فأتي بداود إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله، فألبسه طالوت سلاحاً فكره داود أن يقاتله بسلاح، وقال: إن الله إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئاً، فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار، ثم برز له جالوت فقال أنت تقاتلني؟! قال داود: نعم. قال: ويلك ما خرجت إلاَّ كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة! لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع. فقال له داود: بل أنت عدوّ الله شر من الكلب، فأخذ داود حجراً فرماه بالمقلاع، فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه، فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتز رأسه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابناً له وكان داود أصغر بنيه، وأنه أتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئاً إلا صرعته، قال: أبشر فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك، ثم أتاه يوماً آخر فقال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسداً رابضاً فركبت عليه وأخذت بأذنيه فلم يهجني. فقال: أبشر يا بني فإن هذا خير يعطيكه الله، ثم أتاه يوماً آخر فقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح، فما يبقى جبل إلا سبح معي. قال: أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله، وكان داود راعياً، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام فأتى النبي بقرن فيه دهن وبثوب من حديد، فبعث به إلى طالوت فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حين يدهن منه ولا يسيل على وجهه يكون على رأسه كهيئة الاكليل، ويدخل في هذا الثوب فيملأه، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربه فلم يوافقه منهم أحد، فلما فرغوا قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك ولد لم يشهدنا؟ قال: نعم، بقي ابني داود وهو يأتينا بطعامنا، فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار، فكلمنه وقلن له: يا داود خذنا تقتل بنا جالوت، فأخذهن فجعلهن في مخلاته، وقد كان طالوت قال: من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي، فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه، ولبس الثوب فملأه، وكان رجلاً مسقاماً مصفاراً ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه، فلما لبسه داود تضايق عليه الثوب حتى تنقص، ثم مشى إلى جالوت.
وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم، فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه، وقال له: يا فتى، ارجع فإني أرحمك ان أقتلك. فقال داود: لا بل أنا أقتلك.
وأخرج الحجارة فوضعها في القذافة، كلما رفع حجراً سماه فقال: هذا باسم أبي إبراهيم، والثاني باسم أبي إسحق، والثالث باسم أبي إسرائيل، ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجراً واحداً، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فثقبت رأسه فقتله، ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه حتى لم يكن بحيالها أحد، فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت ورجع طالوت فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود وأحبوه.
فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله، فعلم به داود فسجى له زق خمر في مضجعه، فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود، فضرب الزق ضربة فحرقه، فسالت الخمر منه فقال: يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر. ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم، فوضع سهمين عن رأسه وعند رجليه، وعن يمينه وعن شماله سهمين، فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال: يرحم الله داود هو خير مني، ظفرت به فقتلته وظفر بي فكف عني.
ثم إنه ركب يوماً فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس، فقال طالوت: اليوم أقتل داود. وكان داود إذا فزع لا يدرك. فركض على أثره طالوت، ففزع داود فاشتد فدخل غاراً، وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتاً، فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت فقال: لو كان دخل هاهنا لخرق بيت العنكبوت، فتركه وملك داود بعدما قتل طالوت، وجعله الله نبياً وذلك قوله: {وآتاه الله الملك والحكمة} قال: الحكمة هي النبوة، آتاه نبوة شمعون وملك طالوت.
وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق وابن عساكر عن مكحول قالا: زعم أهل الكتاب أن طالوت لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود همَّ بأن يغتال داود، فصرف الله ذلك عنه، وعرف طالوت خطيئته والتمس التنصل منها والتوبة، فأتى إلى عجوز كانت تعلم الإِسم الذي يدعى به، فقال لها: إني قد أخطأت خطيئة لن يخبرني عن كفارتها إلا اليسع، فهل أنت منطلقة معي إلى قبره، فداعية الله ليبعثه حتى أسأله؟ قالت: نعم.
فانطلق بها إلى قبره، فصلت ركعتين ودعت، فخرج اليسع إليه فسأله، فقال: إن كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد، ثم رجع اليسع إلى موضعه، وفعل ذلك طالوت حتى هلك وهلك أهل بيته، فاجتمعت بنو إسرائيل على داود، فأنزل الله عليه وعلمه صنعة الحديد فألانه له، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح، ولم يعط أحداً من خلقه مثل صوته، وكان إذا قرأ الزبور ترنو إليه الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وإنها المصغية تستمع له، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والنوح إلا على أصناف صوته.
أما قوله تعالى: {ولولا دفع الله} الآية.
أخرج ابن جرير وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء»، ثم قرأ ابن عمر {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم».
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} قال: يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي، وبمن يحج عمن لا يحج، وبمن يزكي عمن لا يزكي.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولولا دفع الله الناس...} الآية. يقول: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر، ودفعه ببقية أخلاق الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض...} الآية. قال: يبتلي الله المؤمن بالكافر، ويعافي الكافر بالمؤمن.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {لفسدت الأرض} يقول: لهلك من في الأرض.
وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم. سمعت علياً يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وابن عساكر عن علي «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الابدال بالشام، وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقي بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب» ولفظ ابن عساكر: «ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق».
وأخرج الخلال في كتاب كرامات الأولياء عن علي بن أبي طالب قال: إن الله ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيهم.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن، فيهم تسقون وبهم تنصرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر».
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الابدال في أمتي ثلاثون، بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون».
وأخرج أحمد في الزهد والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج الخلال بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أربعون رجلاً يحفظ الله بهم الأرض، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، فهم في الأرض كلها».
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أربعون رجلاً من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم الابدال، إنهم لن يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة. قالوا: يا رسول الله فيم أدركوها؟! قال: بالسخاء والنصيحة للمسلمين».
وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل في الخلق ثلثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلثمائة، وإذا مات من الثلثمائة أبدل الله مكانه من العامة، فيهم يحيي، ويميت، ويمطر، وينبت، ويدفع البلاء. قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت؟ قال: لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فينبت لهم الأرض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء».
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن عوف بن مالك قال: لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فيهم الابدال، بهم تنصرون وبهم ترزقون».
وأخرج ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الله، بهم تغاثون، وبهم ترزقون، وبهم تمطرون».
وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال: لن تخلو الأرض من أربعين، بهم يُغاثُ الناس، وبهم ينصرون، وبهم يرزقون، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً. قال قتادة: والله إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: لم يزل على وجه الأرض في الدهر سبعة مسلمون فصاعداً، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والخلال في كرامات الأولياء عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال: لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب.
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زاذان قال: ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعداً يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن مجاهد قال: لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعداً، ولولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن زهير بن محمد قال: لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً، ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال: الابدال ثلاثون رجلاً بالشام، بهم تجاورون وبهم ترزقون، إذا مات منهم رجل ابدل الله مكانه.
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن إبراهيم النخعي قال: ما من قرية ولا بلدة لا يكون فيها من يدفع الله به عنهم.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن أبي الزناد قال: لما ذهبت النبوّة وكانوا أوتاد الأرض أخلف الله مكانهم أربعين رجلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الابدال، لا يموت الرجل منهم حتى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه، وهم أوتاد الأرض، قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم، لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ولكن بصدق الورع، وحسن النية، وسلامة القلوب، والنصيحة لجميع المسلمين.
وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس».
وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك».
وأخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون».
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله عز وجل لا يضرها من خالفها».
وأخرج الحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة».
وأخرج مسلم والحاكم وصححه عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه المسلمون حتى تقوم الساعة».
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال».
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة».
وأخرج ابن جرير والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي منبه الخولاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله. وفي لفظ: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته».
وأخرج مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوّهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك».
وأخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة».
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن الزهري قال: فلما كان في رأس المائة منَّ الله على هذه الأمة بعمر بن عبد العزيز.
وأخرج البيهقي في المدخل والخطيب من طريق أبي بكر المروزي قال: قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبراً قلت فيها بقول الشافعي، لأنه ذكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس السنن وينفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي».
وأخرج النحاس عن سفيان بن عيينة قال: بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من العلماء يقوي الله عز وجل به الدين، وأن يحيى بن آدم عندي منهم.
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت شيخاً من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريج: أبشر أيها القاضي، فإن الله منَّ على المؤمنين بعمر بن عبد العزيز على رأس المائة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة، ومن الله على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة، ومن الله على رأس الثلثمائة بك حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة.