فصل: التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


*2*  سورة الفرقان مكية وآياتها سبع وسبعون

*3*  مقدمة سورة الفرقان

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت سورة الفرقان بمكة‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال‏:‏ نزلت بمكة سورة الفرقان‏.‏

وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن جرير وابن حبان والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال‏:‏ ‏"‏سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت‏:‏ من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال‏:‏ أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ كذبت‏.‏ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ اني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهشام‏:‏ اقرأ‏.‏ فقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كذلك أنزلت، ثم قال‏:‏ اقرأ يا عمر‏.‏ فقرأت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كذلك أنزلت‏.‏ ان هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه‏"‏‏.‏

وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح، فقرأ سورة الفرقان، فاسقط آية، فلما سلم قال‏:‏ هل في القوم أبي‏؟‏ فقال أبي‏:‏ ها أنا يا رسول الله فقال‏:‏ ألم أسقط آية‏؟‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ فلم لم تفتحها علي‏؟‏ قال‏:‏ حسبتها آية نسخت قال‏:‏ لا‏.‏ ولكني أسقطتها‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

*3* التفسير

- بسم الله الرحمن الرحيم

 تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا*الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا*واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولانفعا ولا يملكون موتا ولاحياة ولا نشورا*وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا*وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا*قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما*وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا*أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا*تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا*بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا‏.‏

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ تبارك تفاعل من البركة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏تبارك الذي نزل الفرقان على عبده‏}‏ قال‏:‏ هو القرآن فيه حلال الله وحرامه، وشرائعه ودينه، فرق الله به بين الحق والباطل ‏{‏ليكون للعالمين نذيرا‏}‏ قال‏:‏ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نذير من الله لينذر الناس بأس الله، ووقائعه بمن خلا قبلكم ‏{‏وخلق كل شيء فقدره تقديرا‏}‏ قال‏:‏ بين لكل شيء من خلقه صلاحه، وجعل ذلك بقدر معلوم‏.‏

{‏واتخذوا من دونه آلهة‏}‏ قال‏:‏ هي هذه الاوثان التي تعبد من دون الله ‏{‏لا يخلقون شيئا وهم يخلقون‏}‏ وهو الله الخالق الرازق وهذه الاوثان تخلق ولا تخلق شيئا، ولا تضر ولا تنفع، ولا تملك موتا ولا حياة، ولا نشورا يعني بعثا ‏{‏وقال الذين كفروا ان هذا‏}‏ هذا قول مشركي العرب ‏{‏إلا أفك‏}‏ هو الكذب ‏{‏افتراه وأعانه عليه‏}‏ أي على حديثه هذا وأمره ‏{‏قوم آخرون فقد جاؤا‏}‏ فقد أتوا ‏{‏ظلما وزورا‏}‏ ‏{‏وقالوا أساطير الاولين‏}‏ قال‏:‏ كذب الاولين وأحاديثهم ‏{‏وقالواا ما لهذا الرسول‏!‏‏}‏ قال‏:‏ عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول ‏{‏يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا، أو يلقي إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها‏}‏ قال الله يرد عليهم ‏{‏تبارك الذي ان شاء جعل لك خيرا من ذلك‏}‏ يقول‏:‏ خيرا مما قال الكفار من الكنز والجنة ‏{‏جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا‏}‏ قال‏:‏ وانه والله من دخل الجنة ليصيبن قصورا لا تبلى ولا تهدم‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال‏:‏ كل شيء في القرأن افك، فهو كذب‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏وأعانه عليه قوم آخرون‏}‏ قال‏:‏ يهود ‏{‏فقد جاؤا ظلما وزورا‏}‏ قال‏:‏ كذبا‏.‏

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس‏.‏ ان عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث، وأبا البختري، والاسود بن المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أمية، وأمية بن خلف، والعاصي بن وائل، ونبيه بن الحجاج‏.‏ اجتمعوا فقال بعضهم لبعض‏:‏ ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه، فبعثوا إليه ان أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك قال‏:‏ فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له‏:‏ يا محمد انا بعثنا إليك لنعذر منك‏.‏ فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت تطلب الشرف فنحن نسودك، وإن كنت تريد ملكا ملكناك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ مالي مما تقولن‏:‏ ما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني اليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني ان أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم‏.‏

قالوا‏:‏ يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك ‏[‏‏؟‏‏؟‏‏]‏ قالوا‏:‏

فإذا لم تقبل هذا فسل لنفسك وسل ربك ان يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا، وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي - فانك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش‏.‏ كما نلتمسه - حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك ان كنت رسولا كما تزعم‏.‏ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أنا بفاعل‏.‏ ما أنا بالذي يسأل ربه هذا‏.‏ وما بعثت اليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا، فأنزل الله في قولهم ذلك ‏{‏وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام‏}‏ إلى قوله ‏{‏وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا‏}‏ أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا، ولو شئت ان أجعل الدنيا مع رسولي فلا تخالفوه لفعلت‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ‏{‏وقال الظالمون ان تتبعون‏}‏ قاله الوليد بن المغيرة وأصحابه يوم دار الندوة‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{‏أنظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا‏}‏ قال‏:‏ مخرجا يخرجهم من الامثال التي ضربوا لك وفي قوله ‏{‏تبارك الذي ان شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري‏}‏ قال‏:‏ حوائط ‏{‏ويجعل لك قصورا‏}‏ قال‏:‏ بيوتا مبينة مشيدة‏.‏ كانت قريش ترى البيت من حجارة قصرا كائنا ما كان‏.‏

وأخرج الواحدي وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا ‏{‏مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق‏}‏ حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فنزل جبريل فقال‏:‏ ان ربك يقرئك السلام ويقول ‏{‏وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق‏}‏ ثم أتاه رضوان خازن الجنان ومعه سفط من نور يتلألأ فقال‏:‏ هذه مفاتيح خزائن الدنيا، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له، فضرب جبريل إلى الأرض أن تواضع فقال‏:‏ يا رضوان لا حاجة لي فيها، فنودي‏:‏ أن أرفع بصرك، فرفع فإذا السموات فتحت أبوابها إلى العرش، وبدت جنات عدن، فرأى منازل الانبياء وعرفهم، واذا منازله فوق منازل الانبياء فقال‏:‏ رضيت‏.‏ ويرون ان هذه الآية أنزلها رضوان ‏{‏تبارك الذي ان شاء جعل لك خيرا من ذلك‏}‏‏.‏

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن خيثمة قال‏:‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ان شئت أعطيناك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك، ولا يعطاه أحد بعدك، ولا ينقصك ذلك مما لك عند الله شيئا، وإن شئت جمعتها لك في الآخرة قال‏:‏ اجمعها لي في الآخرة، فأنزل الله ‏{‏تبارك الذي ان شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال ‏"‏هذا ملك تدلى من السماء إلى الأرض‏.‏ ما نزل إلى الأرض قط قبلها، استأذن ربه في زيارتك، فأذن له، فلم يلبث ان جاء فقال‏:‏ السلام عليك يا رسول الله قال‏:‏ وعليك السلام قال‏:‏ ان الله يخبرك ان شئت أن يعطيك من خزائن كل شيء ومفاتيح كل شيء، لم يعط أحد قبلك، ولا يعطيه أحدا بعدك، ولا ينقصك مما دخر لك عنده شيئا فقال‏:‏ لا بل يجمعهما لي في الآخرة جميعا فنزلت ‏{‏تبارك الذي ان شاء جعل لك خيرا من ذلك‏}‏‏.‏

-  قوله تعالى‏:‏ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا ونفيرا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ‏{‏إذا رأتهم من مكان بعيد‏}‏ قال‏:‏ من مسيرة مائة عام‏.‏

وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق مكحول عن أبي أمامة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدا من بين عيني جهنم‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله وهل لجهنم من عين‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ أما سمعتم الله يقول ‏{‏إذا رأتهم من مكان بعيد‏}‏ فهل تراهم إلا بعينين ‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق خالد بن دريك عن رجل من الصحابة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏من يقل علي ما لم أقل أو ادعى إلى غير والديه، أو انتمى إلى غير مواليه، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا‏.‏ قيل‏:‏ يا رسول الله وهل لها من عينين‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ أما سمعتم الله يقول ‏{‏إذا رأتهم من مكان بعيد‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس قال‏:‏ ان العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف، وإن الرجل من أهل النار ما بين شحمة أذنيه وبين منكبيه مسيرة سبعين سنة، وإن فيها لأودية من قيح تكال ثم تصب في فيه‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير في قوله ‏{‏سمعوا لها تغيظا وزفيرا‏}‏ قال‏:‏ ان جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه حتى ان إبراهيم عليه السلام ليجثوا على ركبتيه ويقول‏:‏ يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي‏.‏

وأخرج ابن وهب في الاهوال عن العطاف بن خالد قال‏:‏ ‏"‏يؤتى بجهنم يومئذ يأكل بعضها بعضا يقودها سبعون ألف ملك، فإذا رأت الناس فذلك قوله ‏{‏إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا‏}‏ زفرت زفرة لا يبقى نبي ولا صديق إلا برك لركبتيه ويقول‏:‏ يا رب نفسي نفسي ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمتي‏.‏‏.‏‏.‏ أمتي‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مغيث بن سمي قال‏:‏ ما خلق الله من شيء إلا وهو يسمع زفير جهنم غدوة وعشية، إلا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب‏.‏

وأخرج آدم بن أبي اياس في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏إذا رأتهم من مكان بعيد‏}‏ قال‏:‏ من مسيرة مائة عام وذلك إذا أتي بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام يشد بكل زمام سبعون ألف ملك، لو تركت لأتت على كل بر وفاجر ‏{‏سمعوا لها تغيظا وزفيرا‏}‏ تزفر زفرة لا يبقى قطرة من دمع إلا بدرت، ثم تزفر الثانية فتقطع القلوب من أماكنها، وتبلغ القلوب الحناجر‏.‏

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن كعب قال‏:‏ إذا كان يوم القيامة جمع الله الاولين والآخرين في صعيد واحد، ونزلت الملائكة صفوفا فيقول الله لجبريل‏:‏ ائت بجهنم، فيأتي بها تقاد بسبعين ألف زمام حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام، زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم تزفر زفرة ثانية، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى لركبتيه، ثم تزفر الثالثة، فتبلغ القلوب الحناجر، وتذهل العقول، فيفزع كل أمرئ إلى عمله حتى ان إبراهيم عليه السلام يقول‏:‏ بخلتي لا أسألك إلا نفسي‏.‏ ويقول موسى‏:‏ بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي‏.‏ ويقول عيسى‏:‏ بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي، لا أسألك مريم التي ولدتني‏.‏ ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ أمتي‏.‏‏.‏‏.‏أمتي‏.‏‏.‏‏.‏ لا أسألك اليوم نفسي‏.‏ فيجيبه الجليل جل جلاله ألا ان أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏.‏ فوعزتي لا قرن عينك في أمتك، ثم تقف الملائكة بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون‏.‏

-  قوله تعالى‏:‏ وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا*لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا‏.‏

أخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي أسيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله ‏{‏واذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين‏}‏ قال ‏"‏والذي نفسي بيده أنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طرق عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمر ‏{‏واذا ألقوا منها مكانا ضيقا‏}‏ قال‏:‏ مثل الزج في الرمح‏.‏

وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق قتادة في الآية قال ذكر لنا أن عبد الله كان يقول‏:‏ ان جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج على الرمح‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله ‏{‏مقرنين‏}‏ قال‏:‏ مكتفين‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ‏{‏دعوا هنالك ثبورا‏}‏ قال‏:‏ دعوا بالهلاك فقالوا‏:‏ واهلاكاه‏.‏ واهلكتاه‏.‏ فقيل لهم‏:‏ لا تدعوا اليوم بهلاك واحد، ولكن ادعوا بهلاك كثير‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث بسند صحيح عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ان أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده، وهو ينادي‏:‏ يا ثبوراه ويقولون‏:‏ يا ثبورهم حتى يقف على النار فيقول‏:‏ يا ثبوراه‏.‏ ويقولون‏:‏ واثبورهم فيقال لهم ‏{‏لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ‏{‏دعوا هنالك ثبورا‏}‏ قال‏:‏ ويلا وهلاكا‏.‏

-  قوله تعالى‏:‏ قل أذلك خيرأم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا*لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا‏.‏

أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏كانت لهم جزاء‏}‏ أي من الله ‏{‏ومصيرا‏}‏ أي منزلا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن يسار قال‏:‏ قال كعب الاحبار‏:‏ من مات وهو يشرب الخمر لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة قال عطاء‏:‏ فقلت له‏:‏ فإن الله تعالى يقول ‏{‏لهم فيها ما يشاؤن‏}‏ قال كعب‏:‏ أنه ينساها فلا يذكرها‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏كان على ربك وعدا مسؤلا‏}‏ يقول‏:‏ سلوا الذي وعدتكم تنجزوه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي من طريق سعيد بن هلال عن محمد بن كعب القرظي في قوله ‏{‏كان على ربك وعدا مسؤلا‏}‏ قال‏:‏ ان الملائكة تسأل لهم ذلك في قولهم ‏{‏وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم‏}‏ ‏(‏غافر، الآية 8‏)‏ قال سعيد‏:‏ وسمعت أبا حازم يقول‏:‏ إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون، ربنا عملنا لك بالذين أمرتنا، فانجز لنا ما وعدتنا‏.‏ فذلك قوله ‏{‏وعدا مسؤلا‏}‏‏.‏

-  قوله تعالى‏:‏ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل*قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا*فقد كذبوا بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا‏.‏

أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضللتم عبادي‏}‏ قال‏:‏ عيسى وعزير والملائكة‏.‏

وأخرج الحاكم وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن غنم قال‏:‏ سألت معاذ بن جبل عن قول الله ‏{‏وما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء‏}‏ أو نتخذ فقال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ‏{‏ان نتخذ‏}‏ بنصب النون فسألته عن ‏{‏الم غلبت الروم‏}‏ ‏(‏الروم، الآيتان 1 - 2‏)‏ أو غلبت قال‏:‏ أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏غلبت الروم‏}‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الضحاك قال‏:‏ قرأ رجل عند علقمة ‏{‏ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك‏}‏ برفع النون ونصب الخاء فقال علقمة ‏{‏ان نتخذ‏}‏ بنصب النون وخفض الخاء‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه كان يقرؤها ‏{‏ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك‏}‏ برفع النون ونصب الخاء‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ‏{‏قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء‏}‏ قال‏:‏ هذا قول الالهة ‏{‏ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا‏}‏ قال‏:‏ البور‏:‏ الفاسد‏.‏ وانه ما نسي الذكر قوم قط إلا باروا، وفسدوا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏قوما بورا‏}‏ قال‏:‏ هلكى‏.‏

وأخرج الطستي عن ابن عباس ان نافع بن الازرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل ‏{‏قوما بورا‏}‏ قال‏:‏ هلكى بلغة عمان وهم من اليمن قال‏:‏ وهل تعرف العرب ذلك قال‏:‏ نعم‏.‏ أما سمعت قول الشاعر وهو يقول‏:‏

فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم * وكافوا به فالكفر بور لصانعه

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ البور‏:‏ بكلام عمان‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ‏{‏بورا‏}‏ قال قاسين لا خير فيهم‏.‏

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏قوما بورا‏}‏ قال‏:‏ هالكين ‏{‏فقد كذبوكم بما تقولون‏}‏ يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعزيرا والملائكة حين قالوا سبحانك‏!‏ أنت ولينا من دونهم فقد كذبوكم بما تقولون عيسى، وعزيرا، والملائكة حين يكذبون المشركين، بقولهم ‏{‏فما يستطيعون صرفا ولا نصرا‏}‏ قال‏:‏ المشركون لا يستطيعون صرف العذاب، ولا نصر أنفسهم‏.‏

أما قوله تعالى ‏{‏ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال‏:‏ قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها نزلت من السماء ما سمعت كتابا أكثر تكريرا فيه الظلم معاتبة عليه من القرآن‏.‏ وذلك ان الله علم أن فتنة هذه الأمة تكون في الظلم، وأما الاخر فإن أكثر معاتبته اياهم في الشرك، وعبادة الاوثان‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن في قوله ‏{‏ومن يظلم منكم‏}‏ قال هو الشرك‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله ‏{‏ومن يظلم منكم‏}‏ قال‏:‏ يشرك‏.‏