فصل: التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


*2*60 -  سورة الممتحنة مدنية وآياتها ثلاث عشرة

*3*  مقدمة سورة الممتحنة

بسم الله الرحمن الرحيم

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت سورة الممتحنة بالمدينة‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله‏.‏

*3* التفسير

 الآية 1 - 6

أخرج أحمد والحميدي وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم معا في الدلائل عن علي قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال‏:‏ انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فائتوني به، فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا‏:‏ أخرجي الكتاب‏.‏ قالت‏:‏ ما معي كتاب‏.‏ قلنا‏:‏ لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما هذا يا حاطب‏؟‏ قال‏:‏ لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقا من قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم‏:‏ قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ صدق، فقال عمر‏:‏ دعني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأضرب عنقه، فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ونزلت فيه ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة‏}‏‏.‏

وأخرج أبو يعلى وابن المنذر من طريق الحارث عن علي قال‏:‏ لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أسر إلى ناس من أصحابه أنه يريد الدخول إلى مكة منهم حاطب بن أبي بلتعة، وأفشى في الناس أنه يريد خيبر، فكتب حاطب إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثني أنا ومن معي فقال‏:‏ ائتوا روضة خاخ فذكر له ما تقدم فأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن المنذرر من طريق قتادة وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم السيرورة من الحديبية إلى مشركي قريش كتب إليها حاطب بن أبي بلتعة يحذرهم، فأطلع الله نبيه على ذلك، فوجد الكتاب مع امرأة في قرن من رأسها فقال له‏:‏ ما حملك على الذي صنعت‏؟‏ قال‏:‏ أما والله ما ارتبت في أمر الله، ولا شككت فيه، ولكنه كان لي بها أهل ومال، فأردت مصانعة قريش، وكان حليفا لهم، ولم يكن منهم، فأنزل الله فيه القرآن ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم‏}‏ الآية، قال‏:‏ نزلت في رجل كان مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من قريش كتب إلى أهل وعشيرته بمكة يخبرهم وينذرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سائر إليهم، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحيفته فبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه بها‏.‏

وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال‏:‏ كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين بكتاب فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ يا حاطب ما دعاك إلى ما صنعت‏؟‏ قال‏:‏ يا رسول الله كان أهلي فيهم فخشيت أن يصرموا عليهم، فقلت‏:‏ أكتب كتابا لا يضر الله ورسوله، فقلت‏:‏ أضرب عنقه يا رسول الله فقد كفر، فقال‏:‏ وما يدريك يا ابن الخطاب أن يكون الله أطلع على أهل العصابة من أهل بدر‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه من طريق شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، وحاطب رجل من أهل اليمن كان حليفا للزبير بن العوام من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، وكان بنوه وإخوته بمكة، فكتب حاطب وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلى كفار قريش بكتاب ينتصح لهم فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير، فقال لهما انطلقا حتى تدركا امرأة معها

كتاب، فخذا الكتاب، فائتياني به، فانطلقا حتى أدركا المرأة بحليفة بني أحمد، وهي من المدينة على قريب من اثني عشر ميلا، فقالا لها‏:‏ أعطينا الكتاب الذي معك‏.‏ قالت‏:‏ ليس معي كتاب‏.‏ قالا كذبت قد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معك كتابا، والله لتعطين الكتاب الذي معك أو لا نترك عليك ثوبا إلا التمسنا فيه‏.‏ قالت‏:‏ أولستم بناس مسلمين‏؟‏ قالا‏:‏ بلى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن معك كتابا حتى إذ ظنت أنهما ملتمسان كل ثوب معها حلت عقاصها، فأخرجت لهما الكتاب من بين قرون رأسها كانت قد اعتقصت عليه، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا، قال‏:‏ أنت كتبت هذا الكتاب‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فما حملك على أن تكتب به‏؟‏ قال حاطب‏:‏ أما والله ما ارتبت منذ أسلمت في الله عز وجل، ولكني كنت امرأ غريبا فيكم أيها الحي من قريش وكان لي بنون وإخوة بمكة فكتبت إلى كفار قريش بهذا الكتاب لكي أدفع عنهم، فقال عمر‏:‏ ائذن لي يا رسول الله أضرب عنقه‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏دعه فإنه قد شهد بدرا، وإنك لا تدري لعل الله أطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فإني غافر لكم ما عملتم فأنزل الله في ذلك ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة‏}‏ حتى بلغ ‏{‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر‏}‏‏.‏

أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عروة مرسلا‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الفتح إلا أربعة‏:‏ عبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وأم سارة، فذكر الحديث قال‏:‏ وأما أم سارة فإنها كانت مولاة لقريش فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكت إليه الحاجة، فأعطاها شيئا، ثم أتاها رجل، فبعث معها بكتاب إلى أهل مكة يتقرب بذلك إليها لحفظ عياله، وكان له بها عيال، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فبعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فلقياها في الطريق، ففتشاها، فلم يقدرا على شيء معها، فأقبلا راجعين، ثم قال أحدهما لصاحبه‏:‏ والله ما كذبنا ولا كذبنا ارجع بنا إليها، فرجعا إليها، فسلا سيفهما، فقالا‏:‏ والله لنذيقنك الموت أو لتدفعن إلينا الكتاب، فأنكرت، ثم قالت‏:‏ أدفعه إليكما على أن لا ترداني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلا ذلك منها فحلت عقاص رأسها، فأخرجت الكتاب من قرن من قرونها، فدفعته إليهما، فرجعا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه إليه، فدعا الرجل فقال‏:‏ ما هذا الكتاب‏؟‏ فقال‏:‏ أخبرك يا رسول الله أنه ليس من رجل ممن معك إلا وله بمكة من يحفظ عياله، فكتبت بهذا الكتاب ليكونوا لي في عيالي، فأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال‏:‏ كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين كتابا يذكر فيه مسير النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث به مع امرأة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبها فأخذ الكتاب منها فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا حاطبا فقال‏:‏ أنت كتبت هذا الكتاب‏؟‏ قال‏:‏ نعم يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله، وما كفرت منذ أسلمت ولا شككت منذ استيقنت، ولكني كنت امرأ لا نسب لي في القوم، إنما كنت حليفهم، وفي أيديهم من أهلي ما قد علمت، فكتبت إليهم بشيء قد علمت أن لن يغني عنهم من الله شيئا أراده أن أدرأ به عن أهلي ومالي، فقال عمر بن الخطاب‏:‏ يا رسول الله خل عني وعن عدو الله هذا المنافق فأضرب عنقه، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا عرف عمر أنه قد غضب، ثم قال‏:‏ ‏"‏ويحك يا عمر بن الخطاب وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل موطن من مواطن الخير فقال للملائكة‏:‏ اشهدوا أني قد غفرت لأعبدي ‏(‏لعبادي‏؟‏‏؟‏‏)‏ هؤلاء فليعملوا ما شاؤوا‏؟‏ قال عمر‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر إنهم أهل بدر، فاجتنب أهل بدر إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد وعبد بن حميد عن جابر أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد غزوهم، فدل النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة التي معها الكتاب، فأرسل إليها، فأخذ كتابها من رأسها، فقال‏:‏ يا حاطب أفعلت‏؟‏ قال‏:‏ نعم أما إني لم أفعل غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفاقا قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له غير أني كنت غريبا بين ظهرانيهم، وكانت والدتي فأردت أن أخدمها عندهم، فقال له عمر‏:‏ ألا أضرب رأس هذا‏؟‏ قال‏:‏ أتقتل رجلا من أهل بدر، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر وقال‏:‏ ‏"‏اعملوا ما شئتم‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي عن جابر أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشتكي حاطبا فقال‏:‏ يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كذبت لا يدخلها فإنه قد شهد بدرا والحديبية‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن سعيد بن جبير قال‏:‏ اسم الذي أنزلت فيه ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏}‏ حاطب بن أبي بلتعة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يحذرهم سيرورة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال له نبي الله‏:‏ ما حملك على الذي صنعت‏؟‏ قال‏:‏ أما والله ما شككت في أمري، ولا ارتبت فيه، ولكن كان لي هناك مال وأهل، فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي، وذكر لنا أنه كان حليفا لقريش، ولم يكن من أنفسهم، فأنزل الله القرآن وقال‏:‏ ‏{‏إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك‏}‏ قال‏:‏ يقول فلا تأسوا في ذلك فإنها كانت موعدة وعدها إياه ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا يقول‏:‏ لا تظهرهم علينا ففتنوا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا لأنهم أولى بالحق منا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏}‏ إلى قوله ‏{‏بما تعملون بصير‏}‏ قال‏:‏ في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم‏.‏ وفي قوله ‏{‏إلا قول إبراهيم لأبيه‏}‏ قال‏:‏ نهوا أن يأتسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا للمشركين‏.‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا‏}‏ قال‏:‏ لا تعذبنا بأيديهم ولا تعذب من عبدك فيقولوا‏:‏ لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا‏.‏

وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عباس ‏{‏لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏بصير‏}‏ في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم، وقوله‏:‏ ‏{‏إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك‏}‏ نهو أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه، وقوله‏:‏ ‏{‏ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا‏}‏ لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولون‏:‏ لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ‏{‏لقد كان لكم أسوة حسنة‏}‏ قال‏:‏ في صنع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه لا يستغفر له وهو مشرك‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏لا تجعلنا فتنة للذين كفروا‏}‏ يقول‏:‏ لا تسلطهم علينا فيفتنونا‏.‏

 الآية 7 - 9

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا فقاتله، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين‏.‏ قال ابن شهاب‏:‏ وهو فيمن أنزل الله فيه ‏{‏عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة‏}‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال‏:‏ أول من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب، وفيه نزلت هذه الآية ‏{‏عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة‏}‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة‏}‏ قال‏:‏ كانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين‏.‏

وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس ‏{‏عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة‏}‏ قال‏:‏ نزلت في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة فكانت هذه مودة بينه وبينه‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا ينهاكم الله‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ضباب وأقط وسمن، وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها، أو تدخلها بيتها، حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته، فأنزل الله ‏{‏لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‏}‏ إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديتها، وتدخلها بيتها‏.‏

وأخرج البخاري وابن المنذر والنحاس والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت أبي بكر قالت‏:‏ أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أأصلها‏؟‏ فأنزل الله ‏{‏لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‏}‏ فقال‏:‏ نعم صلي أمك‏.‏

وأخرج أبو داود في تاريخه وابن المنذر عن قتادة ‏{‏لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‏}‏ نسختها ‏(‏فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏)‏ ‏(‏سورة التوبة الآية 5‏)‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‏}‏ قال‏:‏ أن تستغفروا لهم وتبروهم وتقسطوا إليهم هم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين‏}‏ قال‏:‏ كفار أهل مكة‏.‏

 الآية 10 - 11

أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء مؤمنات فأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات‏}‏ حتى بلغ ‏{‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏}‏ فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك

وأخرج البخاري وأبو داود فيه ناسخه والبيهقي في السنن عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة قالا‏:‏ لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو على قضية المدة يوم الحديبية كان مما اشترط سهيل‏:‏ أن لا يأتيك منا أحد، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندل بن سهيل، ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة، وإن كان مسلما، ثم جاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل‏.‏

وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن أبي أحمد رضي الله عنه قال‏:‏ هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهدنة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلماه في أم كلثوم أن يردها إليهما، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين خاصة في النساء ومنعهن أن يرددن إلى المشركين، وأنزل الله آية الإمتحان‏.‏

وأخرج ابن دريد في أماليه‏:‏ حدثنا أبو الفضل الرياشي عن ابن أبي رجاء عن الواقدي قال‏:‏ فخرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بآيات نزلت فيها، قالت‏:‏ فكنت أول من هاجر إلى المدينة، فلما قدمت قدم أخي الوليد علي، فنسخ الله العقد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في شأني، ونزلت ‏{‏فلا ترجعوهن إلى الكفار‏}‏ ثم أنكحني النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فقلت أتزوجني بمولاك‏؟‏ فأنزل الله ‏(‏وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم‏)‏ ‏(‏سورة الأحزاب 36‏)‏ ثم قتل زيد، فأرسل إلى الزبير‏:‏ احبسي على نفسك قلت‏:‏ نعم فنزلت ‏(‏ولا جناح عليكم فيماعرضتم به من خطبة النساء‏)‏ ‏(‏سورة البقرة الآية 235‏)‏‏.‏

وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب رضي الله عنه قال‏:‏ كان المشركون قد شرطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أن من جاء من قبلنا، وإن كان على دينك، رددته إلينا، ومن جاءنا من قبلك لم نردده إليك، فكان يرد إليهم من جاء من قبلهم يدخل في دينه، فلما جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة جاء أخواها يريدان أن يخرجاها ويرداها إليهم، فأنزل الله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات‏}‏ الآية‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وليسألوا ما أنفقوا‏}‏ قال‏:‏ هو الصداق، ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم‏}‏ الآية، قال‏:‏ هي المرأة تسلم فيرد المسلمون صداقها إلى الكفار، وما طلق المسلمون من نساء الكفار عندهم فعليهم أن يردوا صداقهن إلى المسلمين، فإن أمسكوا صداقا من صداق المسلمين مما فارقوا من نساء الكفار أمسك المسلمون صداق المسلمات اللاتي جئن من قبلهم‏.‏

وأخرج ابن إسحق وابن سعد وابن المنذر عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه سئل عن هذه الآية، فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد على قريش من جاء، فلما هاجر النساء أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة فيهن وأمر برد صداقهن إليهم إذا حبسن عنهم، وأنهم يردوا على المسلمين صدقات من حبسوا عنهم من نسائهم، ثم قال‏:‏ ‏{‏ذلكم حكم الله يحكم بينكم‏}‏ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، ورد الرجال، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم رد النساء كما رد الرجال، ولولا الهدنة والعهد أمسك النساء ولم يرد لهن صداقا‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن‏}‏ قال‏:‏ سلوهن ما جاء بهن، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو غيرة أو سخط ولم يؤمن فأرجعوهن إلى أزواجهن، وإن كن مؤمنات بالله فأمسكوهن وآتوهن أجورهن من صدقتهن وانكحوهن إن شئتم وأصدقوهن وفي قوله‏:‏ ‏{‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏}‏ قال‏:‏ أمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق نسائهن كوافر بمكة قعدن مع الكفار ‏{‏واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا‏}‏ قال‏:‏ ما ذهب من أزواج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهم وليمسكوهن، وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كمثل ذلك، هذا في صلح كان بين قريش وبين محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار‏}‏ الذين ليس بينكم وبينهم عهد ‏{‏فعاقبتم‏}‏ أصبتم مغنما من قريش أو غيرهم ‏{‏فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا‏}‏ صدقاتهم عوضا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال‏:‏ خرجت امرأة مهاجرة إلى المدينة فقيل لها‏:‏ ما أخرجك بغضك لزوجك أم أردت الله ورسوله‏؟‏ قالت‏:‏ بل الله ورسوله، فأنزل الله ‏{‏فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار‏}‏ فإن تزوجها رجل من المسلمين فليرد إلى زوجها الأول ما أنفق عليها‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات‏}‏ قال‏:‏ هذا حكم حكمه الله بين أهل الهدى وأهل الضلالة ‏{‏فامتحنوهن‏}‏ قال‏:‏ كانت محنتهن أن يحلفن بالله ما خرجن لنشوز ولا خرجن إلا حبا للإسلام، وحرصا عليه، فإذا فعلن ذلك قبل منهن، وفي قوله‏:‏ ‏{‏واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا‏}‏ قال‏:‏ كن إذا فررن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكفار الذين بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فتزوجن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المسلمين، وإذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فنكحوهن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين، فكان هذا بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين أصحاب العهد من الكفار، وفي قوله‏:‏ ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم‏}‏ يقول‏:‏ إلى كفار قريش ليس بينهم وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عهد يأخذونهم به ‏{‏فعاقبتم‏}‏ وهي الغنيمة إذا غنموا بعد ذلك ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏عليم حكيم‏}‏ قال‏:‏ كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حق منهن لم يرجعوهن إلى الكفار، وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم صداقه الذي أصدقها، وأحلهن للمؤمنين إذا آتوهن أجورهن، ونهى المؤمنين أن يدعو المهاجرات من أجل نسائهم في الكفار، وكانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال‏:‏ قل لهن‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا، وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء، فقالت‏:‏ إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني، وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكت النسوة التي مع هند وأبين أن يتكلمن، فقالت هند، وهي متنكرة‏:‏ كيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال‏؟‏ فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر رضي الله عنه‏:‏ قل لهن‏:‏ ولا يسرقن، قالت هند‏:‏ والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنة ما أدري أيحلهن أم لا‏؟‏ قال أبو سفيان‏:‏ ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فدعاها فأتته، فأخذت بيده فعاذت به، فقال‏:‏ أنت هند‏؟‏ فقالت‏:‏ عفا الله عما سلف، فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي قوله‏:‏ ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم‏}‏ الآية، يعني إن لحقت امرأة من المهاجرين بالكفار، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب رضي الله عنه قال‏:‏ بلغنا أن الممتحنة أنزلت في المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش في المدة، فكان يرد على كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن وبعولتهن كفار، ولو كانوا حربا ليست بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم مدة عهد لم يردوا إليهم شيئا مما أنفقوا، وقد حكم الله للمؤمنين على أهل المدة من الكفار بمثل ذلك الحكم، قال الله‏:‏ ‏{‏ولا تمكسوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم‏}‏ فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته بنت أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وبنت جرول من خزاعة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وجعل ذلك حكما حكم به بين المؤمنين وبين المشركين في مدة العهد التي كانت بينهم، فأقر المؤمنون بحكم الله، فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين، فقال الله‏:‏ ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون‏}‏ فإذا ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى أزواجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه إلى المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهن اللاتي آمن وهاجرن، ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان لهم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه ‏{‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏}‏ قال‏:‏ الرجل تلحق امرأته بدار الحرب فلا يعتد بها من نسائه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه مثله‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عامر الشعبي رضي الله عنه قال‏:‏ كانت زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنه من الذين قالوا له‏:‏ ‏{‏واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم‏}‏ إن امرأة من أهل مكة أتت المسلمين فعوضوا زوجها، وإن امرأة من المسلمين أتت المشركين فعوضوا زوجها، وإن امرأة من المسلمين ذهبت إلى من ليس له عهد من المشركين ‏{‏فعاقبتم فأصبتم غنيمة فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا‏}‏ يقول‏:‏ آتوا زوجها من الغنيمة مثل مهرها‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ خرج سهيل بن عمرو فقال رجل من أصحابه‏:‏ يا رسول الله ألسنا على حق، وهم على باطل‏؟‏ قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فما بال من أسلم منهم رد إليهم، ومن أتبعهم منا نرده إليهم‏؟‏ قال‏:‏ أما من أسلم منهم فعرف الله منه الصدق أنجاه، ومن رجع منا سلم الله منه، قال‏:‏ ونزلت سورة الممتحنة بعد ذلك الصلح، وكانت من أسلم من نسائهم، فسئلت‏:‏ ما أخرجك‏؟‏ فإن كانت خرجت فرارا من زوجها ورغبة عنه، ردت، وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت ورد على زوجها مثل ما أنفق‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه أنه بلغه أنه نزلت ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات‏}‏ الآية، في امرأة أبي حسان بن الدحداحة، وهي أميمة بنت بسر امرأة من بني عمرو بن عوف، وأن سهل بن حنيف تزوجها حين فرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له عبد الله بن سهل‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه قال‏:‏ كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة عهد شرط في أن يرد النساء فجاءت امرأة تمسى سعيدة، وكانت تحت صيفي بن الراهب، وهو مشرك من أهل مكة، وطلبوا ردها فأنزل الله ‏{‏إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه قال‏:‏ نزلت هذه الآية وهم بالحديبية، لما جاء النساء أمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين إن يردوا الصداق إلى زوجها، فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله، وأما المشركون فأبوا أن يقروا، فأنزل الله ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏مثل ما أنفقوا‏}‏ فأمر المؤمنون إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج من المسلمين أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته مما أمروا أن يردوا على المشركين‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏إذا جاءكم المؤمنات‏}‏ الآية، قال‏:‏ كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، وكانت المرأة إذا جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم امتحنوها ثم يردون على زوجها ما أنفق عليها، فإن لحقت امرأة من المسلمين بالمشركين فغنم المسلمون ردوا على صاحبها ما أنفق عليها قال الشعبي‏:‏ ما رضي المشركون بشيء ما رضوا بهذه الآية، وقالوا‏:‏ هذا النصف‏.‏

وأخرج ابن أبي أسامة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن‏}‏ ولفظ ابن المنذر اأنه سئل بم كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتحن النساء‏؟‏ قال‏:‏ كانت المرأة إذا جاءت النبي صلى الله عليه وسلم حلفها عمر رضي الله عنه بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، وبالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏