فصل: (الفصل الأول في النقصان)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الثاني في ‏(‏الطوارئ على المغصوب من نقصان وزيادة وتصريف واستحقاق‏)‏

فهذه أربعة فصول‏:‏

‏(‏الفصل الأول في النقصان‏)‏

وفي المقدمات‏:‏ لا تفيته حوالة الأسواق، ويفيته النقصان والعيوب، وإن لم تكن مفسدة كانت بأمر من السماء أو بجناية من الغاصب، لأن حوالة الأسواق رغبات الناس، وهي أمور خارجة عن المغصوب فلم تنقص المغصوب، ففي السماوي ليس لك إلا أخذه ناقصا أو قيمته يوم الغصب، لأن التوزيع على الغاصب ضرر، والقيمة تقوم مقام العين إن لم يكن لك في خصوصها غرض، قاله ابن القاسم، ويتخرج على مذهب سحنون انك تأخذه مع الأرش يوم الغصب، لأن الجزء الفائت يضمن بالتعدي كجملة العين، والنقص بجناية الغاصب لك في تضمينه القيمة يوم الغصب لعدوانه، أو تسقط عند حكم الغصب، ويلزمه مقتضى الجناية عند ابن القاسم، وخيرك سحنون بين القيمة يوم الغضب، أو تأخذه وما نقصته الجناية يوم الغصب تغليبا للتضمين بسبب الغضب لسبقه،

فاندرج ما بعده فيه، وخيرك أشهب في القيمة يوم الغصب وأخذه ناقصا، وتسقط الجناية كالسماوي، والنقص بجناية غير الغاصب يخير في تضمين الغاصب القيمة يوم الغصب، ويتبع الغاصب الجاني اعتبارا ليد العدوان، أو تسقط الغصب وتتبع الجاني بحكم الجناية، لأنه حقك لك إسقاطه، والجاني جنى على مالك فلك طلبه، وقيل‏:‏ لك تضمين الغاصب في الوجوه التي تفيت المغصوب القيمة أي وقت شئت، فتلزمه أرفع القيم، قاله أشهب وغيره، لأنه في كل وقت متعد فيضمن العين باعتبار ذلك الوقت، وهو مذهب ‏(‏ش‏)‏ وقد تقدم‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا جنى العبد المغصوب فقتل قصاصا، ضمن الغاصب لحصول الفوات تحت يده، وإن تعلق الأرش برقبته، قال ابن القاسم لك قيمته يوم الغصب كدخول النقص فيه تحت اليد العادية، أو تترك له أو تسلمه للمجني عليه بحق الجناية أو يفديه، وإن أخذت القيمة من الغاصب فللغاصب تسليمه للمجني عليه بحق الجناية أو يفديه، وإن أخذت خيرت بين إسلامه للمجني عليه أو فدائه، لأن العبد فيما جنى، وقال أشهب‏:‏ يسلم العبد إلى ربه لأنه أحق بعين ماله فيسلمه أو يفتكه، ثم يرجع على الغاصب بالأقل من جنايته أو قيمته، لحصول ذلك النقص تحت اليد العادية الموجبة للضمان، وفي النوادر‏:‏ لو أسلمه الغاصب قبل أن يستحقه فلك تتميم إسلامه، وتأخذ قيمته يوم الغصب من الغاصب، وإن فديته رجعت على الغاصب بالأقل، لأنه الذي أتلفه عليك، وإن كان الغاصب فداه أخذته بغير خيار إن كانت الجناية خطأ أو عمدا، وكان يفعل ذلك عندك، وإن لم يكن فعالا لذلك - وهي عمد - خيرت بين أخذه بغير شيء أو تركه، وتأخذ قيمته من الغاصب يوم الغصب، وعن أشهب‏:‏ إن كانت الجناية خطأ فإن فداه الغاصب فله رده على سيده بخلاف العمد ولا يرده إن أنت لأنه عيب دخله إلا أن يكون عندك يفعل ذلك، وقول ابن القاسم أحسن، لأن

جنايته إن كانت نقصا فكل نقص ليس لك أخذه مع أرش النقص بل ناقصا، أو القيمة يوم الغصب، ولو قتل رجلا قبل الغصب وأخذ بعده فروى أشهب‏:‏ لك إسلامه إليهما، وترجع على الغاصب بنصف قيمته يوم الغصب إلا أن يكون ذلك أكثر من دية جنايته على الثاني، ولك فداؤه بدية الجنايتين، وأخذت من الغاصب دية الآخر منهما إلا أن تكون أكثر من نصف قيمة رقبته يوم الغصب، قال محمد‏:‏ وليس بجيد، والصواب إذا أسلمته إليهما لا ترجع على الغاصب بشيء، لأنه كان مرتهنا بجرح الأول فعليه وقع تعدي الغاصب فتلف عند الغاصب نصف العبد الذي صار مرتهنا بجناية الثاني، وإنما يرجع بذلك المجروح الأول على الغاصب، والعبد بين أولياء القتيلين، ويرجع ورثة الأول على الغاصب بنصف قيمة العبد، إلا أن تكون دية القتيل الآخر أقل من نصف القيمة فعلى الغاصب، فيصير لأولياء الأول نصف العبد مع نصف قيمة العبد، لأن الغاصب لم يتلف عنده إلا نصف العبد، ولو قتل عندك قتيلا، ولم يقتل عند الغاصب حتى باعه فقتل عند المشتري، ثم قام الأولياء والسيد، فإن ودى السيد لأولياء الأول دية وليهم كان له نصف العبد، ويرجع على الغاصب إن شاء بنصف الثمن، أو بنصف العبد الذي صار مرتهنا بيد أولياء الثاني، وإن شاء سيده تركه لا يفديه، ولا يكون له فيه حق، ويكون لأولياء الأول نصفه، ويأخذ من الغاصب نصف قيمة العبد أو نصف ثمنه، ويرجع المشتري على الغاصب بنصف الثمن الذي استحق أولياء الأول، فإن فداه السيد منهما جميعا فلا شيء على الغاصب ولا على غيره، وإن أسلمه لأولياء القتيلين لم يطلب الغاصب، ولا لأولياء الأول على الغاصب قيمة، فيصير لهم نصف قيمة العبد ونصف رقبته، ولورثه الآخر نصف العبد، ويرجع المشتري على الغاصب بنصف الثمن‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا حفر في الدار بئرا ردم ما حفر توفية بما أخذ، وإن بناها فعليه

نقضها إلا أن يشاء أعطاه قيمة نقضه مقلوعا بعد طرح الأجر للنقض والتنظيف إذا كان لا يباشر ذلك بنفسه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا خصى العبد ضمن ما نقصه، فإن لم ينقصه ذلك أو زادت قيمته لم يضمن شيئا لبقاء المالية، وعوقب لتفويت حق الله تعالى من العضو، ولو هزلت الجارية، ثم سمنت، أو نسي العبد الصنعة ثم تذكر، حصل الجبر لبقاء المالية، ولو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن مثل العصير، لذهاب المالية، ولو صار خلا خيرت بين أخذه لأنه عين ملكك، أو مثله عصيرا لأنه مثلي تغير تحت اليد العادية، وفي الكتاب‏:‏ هرم الشابة فوت لزم يوجب قيمتها لأنه عيب مفسد حدثت عنده، قال ابن يونس عن أشهب‏:‏ لربها أخذها ولا شيء له في هرمها كالذهاب بأمر سماوي في بعض الأجزاء، كان الهرم يسيرا أو كثيرا، وكذلك علو السن كان يسيرا كانكسار الثدي، أوكثيرا، لك تضمين قيمتها بحصول التغيير‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ لو أخذت العبد ولم تعلم بنقصه عنده، وتعيب عندك فمات، أو وهبته أو بعته إن ضمنته قيمته يوم الغصب فلا شيء لك بحصول النقص في ملكه بعد زمن التضمين، وإلا فلك الأقل من تمام القيمة لفواته عنده، أو قيمة العيب بحصوله عنده ولك في الموت والهبة قيمة العيب لحصوله عنده، وإن كان باقيا رددته وقيمة العيب الحادث عندك، لتأخره عن دخوله في ملكه بالضمان فهو فائت عليه فيضمن له كما يضمن لك‏.‏ وتأخذ قيمته يوم الغصب، أو تحبسه وتأخذ قيمة العيب، لأنه عين ملكه، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا اقتصر من العبد في النفس أو الطرف غرم الغاصب أقصى القيم في النفس والنقص في الطرف، وإن جنى ما يتعلق بالمال فتعلق برقبته خلصه الغاصب لأنه ضرر حصل تحت يده، وإن جنى الغاصب عليه في نفسه فأعلى القيم، أو في طرف فقد اجتمع موجبان‏:‏ اليد والجناية فيغرم أكثر الأمرين‏:‏ وإن جنى أجنبي خير المالك بينه وبين الغاصب

لأنهما متعديان، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا قتل العبد المغصوب عمدا فالقصاص، أو خطأ فديته على عاقلته على أصله، قال ويضمن كل ما حدث عنده من عيب السرقة أو الزنا أو عور أو غيره، وإن كان ذلك من غير صنعه، وكذلك لو غصبها مريضة فماتت من ذلك المرض أو حبلى ضمنها، ولو جنى العبد رد إلى السيد، لأنه ماله فقده أو أسلمه في الجناية ورجع على الغاصب بالأقل من قيمته، أو أرش الجناية أو ما أدى عنه من المال لأنه كله ضرر حصل تحت اليد العادية، ويضمن أرش الهرم في العبد والأمة، ولو قتله قاتل خيرت في قيمته يوم الغصب من الغاصب، وقيمته يوم القتل على العاقلة، ويرجع الغاصب على العاقلة بالقيمة يوم القتل، فإن كانت أكثر تصدق بالفضل، لأن الضمان سبب التمليك‏.‏ ويضمن الجارية بنقص ثديها، وما نسيته من الصنائع، وكذلك العبد، وقال ابن حنبل‏:‏ يضمن كل نقص في العين وإن كان من غير صنعة، لأن اليد العادية مضمنة، وإذا جنى على العبد في يد أجنبي تخيرت بينهما، وإن جنى العبد المغصوب ضمن الغاصب جنايته، ولا يضمن نقص الهرم ونحوه‏.‏

‏(‏الفصل الثاني‏)‏ ‏(‏في الزيادة‏)‏

وفي الكتاب‏:‏ إذا كبرت الصغيرة فأنهدت فعلت قيمتها، ثم ماتت، فإنما عليه قيمة يوم الغصب، لأنه يوم تحقق السبب وهو الأخذ، وكما لو نقصت لا تنقص القيمة، قال ابن يونس‏:‏ كما لو جرح عبدا قيمته مائة فيموت وقيمته ألف، يضمن مائة، والأمة تطلق أو يموت زوجها، ثم تعتق، لا تنتقل لعدة الوفاة، والسرقة تعتبر قيمتها يوم السرقة لا يوم القطع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يضمن ما مات عنده من الولد إلا أن يقتله، لأنه أمانة

شرعية، كالثوب تلقيه الريح في داره، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ إذا اشتراها صغيرة فكبرت لم يضمن، لأنه خير مما غصبت، فإن نقصت بكبر ثديها أو شبهه ضمن، قال بعض الفقهاء‏:‏ انظر كيف لم يجبر النقص بالنماء، لأنه لما كان له أخذها بنمائها بغير غرم، فكأنه غصبها كذلك فيضمن نقصها، وعلى هذا كان يجب عليه قيمتها يوم القتل، وهو مذهب ‏(‏ش‏)‏ لأنه يراه غاصبا في كل وقت‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا صبغه خيرت في القيمة يوم الغصب لتغير المغصوب أو إعطاء قيمة الصبغ وأخذ الثوب، لأنه مالك، والصبغ ماله فينتفي الضرر، ولا يشتركان نفيا لضرر الشركة‏.‏ ولو طحن الحنطة ضمن مثلها لتغيرها، وفي التنبيهات عن مالك‏:‏ لا يخير في الصبغ بل قيمة الثوب، ويلزم على قوله بالتخيير أن يخير في الحنطة يطحنها، وفي السويق يلته، وفي الخشبة يعملها مصراعين، وفي الفضة يصوغها، مع أنه إنما أفتى بالمثل فقط، وقاله ابن لبابة، وابن القاسم يقول‏:‏ لو أجزت له أخذ ذلك ودفع ثمن العمل كان من التفاضل في الطعام والفضة، وهو لا يلزم لأن الطعام طعامه والفضة فضته، وقال أشهب‏:‏ يأخذ شيئه ولا غرم عليه في العمل من طحين وصبغ، ويتأكد المشهور بأنه عين ماله، فله أخذه، ولأنه لو لم يأخذه لوصل أرباب الأغراض الفاسدة لأموال الناس بتغيرها، ويعطون القيمة بغير اختيار أربابها، قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لو طحن الحنطة ملكها وضمن مثلها، وكذلك الغزل ينسج، والدقيق يخبز، والقطن يغزل، قال‏:‏ والضابط‏:‏ متى زال الاسم وعامة المنافع بزيادة من جهته ملك العين، ‏(‏لأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أضافه قدم من الأنصار فقدموا إليه شاة مصلية فأخذ منها

لقيمة فمضغها فلم يسغها، فقال‏:‏ أما إن هذه الشاة لتخبرني إنما ذبحت بغير حق، فقال الرجل‏:‏ هذه شاة أخي، ولو كان أعظم منها لم ينفس على وسأرضيه بخير منها، فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم - أن يتصدق بها على الأسرى‏)‏ ولولا زوال الملك عنها لأمر ببيعها وحفظ ثمنها، وهو خبر صحيح، قال‏:‏ ولك أخذ المغسول والمقصور بغير شيء، لأنه لم يبق في المقصور عين للغاصب، ولو بيض الدار أعطيت قيمه الجير أو ما زاد التجصيص إلا أن يرضى بأخذ جصه، قال‏:‏ وإذا صبغه وزاد الصبغ خيرت في قيمة الثوب للتغير وأخذه، لأنه عين مالك، ودفع قيمة مازاد حفظا لمال الغاصب عليه، وبين تركه على حاله، ويكون الصبغ للغاصب، فإذا بيع قسم الثمن، وإن نقصه الصبغ خيرت بين القيمة للنقص وأخذه بغير شيء، لأنه عين مالك، ولا مالية فيه للغاصب، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إن عسر انفكاك الصبغ فأنتما شريكان، لأن الصبغ عين، وهذا إذا كان الثوب يساوي عشرة، وبعد الصبغ يساوي عشرين، فإن لم يساو إلا عشرة سقط الصبغ، وأخذ الثوب بغير شيء، أو أقل من عشرة أخذته مع الأرش، وإن كان ممكن الانفصال فله أخذه، ويجبره المالك على ذلك، وإن نقص الثوب فالأرش، وقال ابن حنبل‏:‏ إن كان يساوي عشرة وبعد الصبغ عشرين فأنتما شريكان، أو ثلاثين لزيادة سعر الثوب، فالزيادة لك، أو لزيادة للصبغ، فالزيادة له، أو لزيادتهما فهي بينهما‏.‏

تمهيد‏:‏ قال التونسي عن أشهب‏:‏ يأخذ مصبوغا ولا شيء عليه كالبياض والتزويق، وما لا قيمة له بعد القلع، وضابط مذهب ابن القاسم‏:‏ أن ما يوجد له أمثال إذا أحدث فيه حدثا فإن غرم مثله أعدل، ولا يظلم أحدهما بمقاربة المثل للعين كما يقضى بالمثل في البيوع الفاسدة، فلذلك جعل في القمح والسويق مثلها، ولا يأخذ القيمي إلا بعد دفع ما أخرجه الغاصب من ماله، لأن الصبغ ونحوه

غرض آخر فلا يظلم، وإن كان ما أخرجه الغاصب من ماله، لأن الصبغ ونحوه غرض آخر فلا يظلم، وإن كان ما أخرجه الغاصب لا عين له كالخياطة ونحوها أخذه بغير غرم كالبياض والتزويق، وإن كان الغاصب قد غير تغييرا بعيدا حتى زال الاسم بمؤنة كثيرة كجعل الخشبة أبوابا، فهو فوت، وتتعين القيمة، ولا شيء لك فيها، ونسج الغزل يجعله كالخشبة تعمل تابوتا، ويشبه أن يكون كخياطة الثوب، لأنه لا قيمة له إذا أزيل، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ لك أخذ الدقيق ولا شيء عليك في الطحن، وعن ابن القاسم‏:‏ لو طحنها سويقا فلته فلك أخذ السويق، ويباع فيشري لك من ثمنه مثل حنطتك، ويجوز لك أخذ السويق ملتوتا في الحنطة إذا رضيتما لجواز بيع الحنطة بالسويق متفاضلا، ولو غصب سويقا فلته امتنع التراضي لدخول التفاضل بين الطعامين، وعن أشهب‏:‏ إذا طحن الحنطة ولتها سويقا ليس لك أخذها لزوال الاسم بسبب البعد، قال اللخمي‏:‏ وأرى التخيير بين تضمين القيمة يوم الصبغ، أو يوم الغصب أن كانت القيمة يوم الصبغ أكثر، وهو أحد قولي ابن القاسم، وعن ابن القاسم‏:‏ ليس للغاصب إلا قيمة ما زاد الصبغ، وفي المدونة‏:‏ قيمة الصبغ نفسه، فإن نقصه الصبغ غرم ما نقص، وقال ابن مسلمة‏:‏ إن نقصه الصبغ غرم النقص، وإن زاد لم يكن له فيه شيء إلا أن يكون إذا غسل خرج منه شيء له قيمة، فيخير صاحبه بين إعطاء الثوب بغسله، أو قيمة ما يخرج منه، وعلى قول عبد الملك‏:‏ لك أخذه بغير شيء، إذا كانت النفقة في الصبغ يسيرة، وإلا أعطاه قيمة ذلك أو ضمنه، أو يكونان شريكين، وقول أشهب وابن مسلمة أصوب، لاتفاقهم في الجص والتزويق أن لا شيء له، وإن زاد في قيمة الدار كثيرا، فكذلك الصبغ وإن صبغه المشتري من الغاصب خيرت بين تغريم الغاصب القيمة يوم الغصب أو يوم البيع، أو يجيز البيع ويأخذ الثمن، لأنه

غاصب، وبائع فضولي، أو يكون مقالك مع المشتري، فإن شئت أخذته ودفعت قيمة الصبغ أو تبقى معه شريكا، وعلى القول الآخر‏:‏ ما زاد الصبغ، قال‏:‏ وهو أحسن، وبه يشارك، فإن نقصه الصبغ فاختلف‏:‏ هل يضمنه قيمة الثوب إذا نقله عن الغرض المراد منه‏؟‏ وقد اختلف في مشتري العبد يقتله خطأ لأنه كالصبغ، والقتل لم يصون ماله بخلاف اللباس والأكل، والتضمين في كلا الوجهين أحسن‏.‏ اختلف في المثلي الربوي كالذهب والقمح، وغير الربوي كالحديد في أربعة مواضع‏:‏ هل تغير الغاصب له بصبغه فوت يمنع أخذه، وإذا قلنا‏:‏ يأخذه، هل يغرم للصنعة شيئا‏؟‏ وإذا غرم فهل قيمة الصنعة أو ما زادت‏؟‏ وإذا لم يرض أن يغرم الصنعة ولا يضمن هل يكونان شريكين‏؟‏ وفي الموازية‏:‏ إذا غصب قمحا فباعه فطحنه المشتري لصاحبه أخذه ولا غرم عليه للطحن، وتركه وأخذ مثله من الغاصب أو ثمنه تنفيدا للبيع، قال محمد‏:‏ الصواب أن لا شيء له إلا الثمن من الغاصب، أو المثل، فإن كان الغاصب عديما ورجع على المشتري، لأن غريم الغريم غريم، خير المشتري بين إعطائك المثل أو يسلمه دقيقا، لأنه طحن بشبهة بخلاف الغاصب، ولا يأخذ الدقيق من المشتري إلا بدفع الأجرة بخلاف الغاصب‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ في الموازية‏:‏ إذا غصب حليا فكسره، ثم أعاده على حاله، لك أخذه بغير غرم، لأنه أسقط عن نفسه الضمان بما أعاد، وإن أعاده على غير صناعته تعينت القيمة يوم الغصب نفيا للربا، وقال محمد‏:‏ وهذا قولهما، ثم قال‏:‏ لا أرى له إلا قيمتة، وإن أعاده بحاله، لأن الغاصب ضمن قيمته بالتصرف، ولو كان متعديا غير غاصب لكان له أخذه إذا صاغه على حاله بلا غرم، ولو

كسره المشتري من الغاصب وأعاده إلى حاله لم يأخذه إلا بدفع أجرة الصياغة، لأنه غير متعد، لمفهوم قوله – عليه السلام – ‏(‏ليس لعرق ظالم حق‏)‏ مفهومه أنه لعرق غير الظالم حق، قال اللخمي‏:‏ قوله‏:‏ لا يعطي للغاصب قيمة الصياغة غير بين، لأن الصياغة مما يقضى فيها بالمثلي على أحد القولين، وقد قال ابن القاسم في الغاصب يكسر السوارين‏:‏ عليه قيمة الصياغة، وقال في الخشبة يعملها مصراعين‏:‏ عليه القيمة ولا يذهب عمله مجانا، فمنع من أخذها ليلا يذهب عمله، فإن رضيت بدفع الأجرة فلك أخذها، وقال عبد الملك‏:‏ إن كان لعمله بال وزاد في ثمنها، خيرت بين إعطائه قيمة عمله وتأخذها أو تسلمها وتأخذ قيمتها يوم الغصب، أو تكونان شريكين، قال‏:‏ وكذلك من غصب ذهبا فضربه دنانير، إذا كان لصنعته بال، وإلا فلك أخذ مالك ولا شيء عليه، وقال‏:‏ وهذا أعدل الأقوال‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا غرس أو بنى أمر بقلعه ذلك إن كان له قيمة الآن نفيا لعرق الظالم إلا إن تريد إعطاءه القيمة مقلوعا فذلك لك، لأن القلع مستحق، فإن أخذت بالقيمة تصونت المالية في التنفيذ عن الضياع، وكل ما لا منفعة له فيه بعد القلع كالجص والنقش لا شيء له فيه، لأن القلع مستحق، ولا مالية بعده، فليس للغاصب غرض صحيح في قلعه، بل فساد محض، فلا يمكن منه، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ لا يجبر الغاصب على أخذ قيمة الغرس، لأنها أعيان ملك له، فلا يجبر على إخراج ملكه بغير اختياره، وجوابه‏:‏ ما تقدم، وقال ابن حنبل‏:‏ لا يجبر على قلع الزرع من الأرض، بل يخير بين تركه حتى يحصد أو يعطيه نفقته ويأخذ الزرع، بخلاف الغرس لما

في أبي داود‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏من زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له في الزرع شيء، وعليه نفقته‏)‏ وفي الكتاب‏:‏ ما حفر من بئر أو مطمورة كالبناء، لأنه مستحق الإزالة، وفي التنبيهات‏:‏ في بعض الأمهات‏:‏ ليس له تراب ردم به حفرة، فيحتمل أن التراب من تراب الأرض فلا حق له فيه، وإن كان لك بالحفرة منفعة فلك إلزامه طرحه، كان التراب لك أوله، ولك إلزامه برده إلى موضعه نفيا لضرر العدوان، قال ابن يونس‏:‏ له القيمة بعد طرح أجرة النقل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ليس لك إلا القيمة‏.‏ لنا‏:‏ أن الأرض ملكك، والأصل بقاء ملكك عليها، وقوله – عليه السلام -‏:‏ ‏(‏على اليد ما أخذت حتى ترده‏)‏ وقوله – عليه السلام -‏:‏ ‏(‏ليس لعرق ظالم حق‏)‏ وبالقياس على ما قبل البناء، وفي الموازية‏:‏ إن هدمها خيرت بين قيمة الدار يوم الغصب أو العرصة والنقض، ولا تتبعه بشيء لتمكنك من أخذ القيمة يوم الغصب، ولو هدمها ثم بناها بنقضها كما كانت بنفسه، فللغاصب قيمة هذا النقض المبني منقوضا اليوم، وعليه قيمة ذلك منقوضا، فيتقاصان، وهو مذهب مالك وأشهب، قال‏:‏ وهو أحب إلي لأنه يضمن النقص لما هدم، والضمان لا يوجب الملك، فعليه قيمته أولا، وله قيمته آخرا لانتقاله لملكه، وقال ان القاسم‏:‏ يحسب على الهادم قيمة ما هدم قائما، وتحسب له قيمة ما بنى منقوضا لأنه أفسد التنضيد على المالك، ولك قلع الزرع في إبان الحرث بل قلعه المتعدي وفي غير الإبان، لك الكراء فقط، لعدم الفائدة في القلع، فلا يمكن منه، كما لا يمكن الغاصب من قلع التزويق، وما لا ينتفع به بعد

القلع، قال ابن القاسم‏:‏ فإن كان الزرع صغيرا لا ينتفع به الغاصب فهو لك بغير شيء كتبييض الدار، ولا بذر عليك، وليس لك إجباره في الإبان على بقاء الزرع الصغير بالكراء لأنه يقضي به لك، فكان بيع زرع لم يبد صلاحه مع كراء الأرض، قاله محمد، وعن ابن القاسم‏:‏ إذا كان في الإبان وهو إذا قلع انتفع به أخذ الكراء منه، ويأمره بقلعه، إلا إن يتراضيا على أمر جائز، فإن رضي بتركه جاز إذا رضيت، وإذا لم يكن في قلعه نفع ترك لرب الأرض إلا أن يأباه فيأمر بقلعه، فإذا فات الإبان ولا تنتفع بأرضك إذا قلع‏.‏

فقيل‏:‏ لك قلعه لقوله – عليه السلام – ‏(‏ليس لعرق ظالم حق‏)‏ فعم، وقيل‏:‏ ليس لك إلا الكراء، لأن القلع ضرر محض، وعن مالك‏:‏ إذا أسبل لا يقلع لأنه من الفساد العام للناس، كما يمنع من ذبح ما فيه قوة الحمل من الإبل وذوات الدر من الغنم، وما فيه الحرث من البقر، وتلقي الركبان، واحتكار الطعام، وإن امتنعت من دفع قيمة بناء البئر أو المطامير، قيل للمبتاع‏:‏ ادفع قيمة الأرض وخذها، واتبع من اشتريت منه بالثمن، فإن أبى كنتما شريكين بقيمة العرصة وقيمة البناء، وقال ابن أبي زيد‏:‏ ما لك‏:‏ إذا كان المبتاع قد طوى البئر بالآجر، وأما مجرد الحفر فلا شيء له فيه، قال ابن يونس‏:‏ وما ذكره إنما يكون في الغاصب، وأما المبتاع فله قيمة الحفر، لأنه غير متعد، قال اللخمي‏:‏ إذا هدم الدار خيرت بين مؤاخذته بالغصب فتغرمه قيمتها قائمة يوم الغصب، أو تؤاخذه بالعدا فتغرمه قيمتها قائمة يوم الهدم، لأن اليد العادية والتعدي سيان، أنت مخير

فيهما، أو تأخذ العرصة وتغرمه ما نقص الهدم، على أن الأنقاض ‏(‏للغاصب، أو تأخذ العرصة الأنقاض وتغرمه ما نقص الهدم‏)‏ لصاحبها يقال‏:‏ ما قيمتها قائمة ومهدومة على هيئتها فيغرم ما بينهما، ثم يختلف متى تكون قيمة النقض‏:‏ فعند ابن القاسم‏:‏ يوم الهدم، لأن الإتلاف أقوى في التضمين من يد العدوان، لأن الإتلاف يتعقبه الضمان‏.‏ واليد لا يضمن حتى يتلف العين أو تتغير، وما يعقبه مسببه أقوى، وقال سحنون‏:‏ يوم الغصب، لأنه السابق يندرج فيه ما بعده كالحيض بعد الجنابة، والسراية للنقص بعد الجناية على الطرف، قال اللخمي‏:‏ وأرى أن عليه الأكثر من قيمة الوقتين، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا هدمها المشتري لا شيء عليه إذا أراد أن يتوسع، وقال محمد‏:‏ لا شيء عليه في الهدم بخلاف الثوب يشتريه ويقطعه، لأن هدم الدار ليس بمتلف للقدر على الرد بخلاف الثوب، وكذلك الحلي يشتريه ويكسره، ولا شيء في الكسر، قال اللخمي‏:‏ وليس هذا الفرق بالبين، لأن الإعادة تتوقف على مال كثير، بل مضرة هدم الدار أعظم من مضرة القطع للثوب بكثير، فإن بناها الغاصب بنقضها خيرت في قيمتها يوم الغصب أو يوم الهدم، أو تأخذها أو تغرمه قيمة ما هدم قائما يوم هدم، على أن النقض يبقى له وتعطيه قيمة اليوم مهدوما أو تغرمه قيمة التلفيق وحده ويبقى النقض لك، ومن غصب نخلة قائمة فقلعها فقيمتها قائمة تقوم بأرضها يوم تقوم الأرض، ويسقط عن الغاصب ما ينوب الأرض، لأن أرضها بقيت لصاحبها، وكذلك الودي إذا أتلفه ولم يغرسه، ولو قيل‏:‏ يغرم قيمته للغراسة لصح، فإن باعه فغرسه المشتري واستحق بفور ذلك فللمستحق أخذه، وعليه قيمة خدمته إن كانت بقعته ونقلته وكبر وكان إن قلع نبت كان لمستحقه أخذه، وعلى قول

ابن مسلمة‏:‏ ذلك فوت، ولك قيمته يوم غرسه، وإن كان إن قلع لم ينبت لم تأخذه، ويختلف متى تكون فيه القيمة يوم غرسه أو اليوم‏؟‏ كما تقدم في النقض إذا بنى بها، ومن حفر أرضا عليه ما نقصها الحفر إلا أن يعيدها لهيئتها، وإن، كانت محفورة فهدمها فعليه إزالة ذلك الردم منها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشتريتها فحفرت بها بئرا فاستحق نصف الأرض، وأراد الأخذ بالشفعة، دفع له نصف قيمة العمارة وأخذ نصف الأرض بالاستحقاق، ولا شفعة له في النصف الآخر حتى يدفع نصف قيمة العمارة، فإن أبى من دفع ذلك فيما استحق واستشفع، دفعت له قيمة نصف الأرض المستحق، ورجعت على البائع بنصف الثمن، فأن أبيتما فشريكان في المستحق بقدر المستحق وقدر العمارة، ويكون للمبتاع النصف ونصف ما أحدث، فإن استحق جملتها دفع قيمة العمارة وأخذها، فإن أبى أعطيته قيمة الأرض فإن أبيت كنتما شريكين في الأرض والعمارة، هذا بقيمة أرضه وهذه بقيمة عمارته، وقال ابن يونس‏:‏ أخذ مالك بقضاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقد أقطع الصديق أرضا لرجل فأحياها فجاء آخرون بقضية من النبي – صلى الله عليه وسلم -فاختصموا لعمر – رضي الله عنه - فقضى للأول بقيمة ما أحيى، فقال‏:‏ لا آخذ، فقال للآخر‏:‏ أعطه قيمة أرضه بيضاء، فلم يجد فقضى بالشركة كما تقدم، وروي عن مالك‏:‏ إذا أبى أن يدفع قيمة العمارة لم يجبر العامر أن يعطي قيمة الأرض بل يشتركان حينئذ هذا بقيمة أرضه براحا، وهذا بقيمة عمارته قائمة بأن تقوم الأرض براحا، ثم تقوم بعمارتها فما زادت العمارة على قيمتها براحا شارك به العامر رب الأرض إن أحيى قسما أو حبسا، قال عبد الملك، فقيل‏:‏ هو وفاق لقول مالك، وظاهر الكتاب خلافه، بل تقوم العمارة على حدة، والأرض براحا، وهذا هو الصواب، فقد لا تزيد

العمارة على حدة، والأرض براحا، وهذا هو الصواب، فقد لا تزيد العمارة في مثل هذه الأرض لكونها براحا، أنفق للبقول ونحوه، قال أبو بكر بن الجهم‏:‏ وإذا دفع رب الأرض قيمة العمارة وأخذ أرضه فله كراء ما مضى من السنين، وفي الموازية‏:‏ إذا امتنع مستحق نصف الأرض من قيمة نصف البناء، وأبى الباني من قيمة نصف الأرض واستواء القيمات شرك بينهما، للمستحق ربع الدار، لأنه باع نصف ما استحق، وهو الربع بربع البناء وله الشفعة في النصف الآخر، وعلى القول أنه إذا باع ما به يستشفع سقطت شفعته، يسقط من شفعته قدر النصف، واستشفع في نصف النصف، وتصير الدار بينهما نصفين‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ المسائل التي تؤخذ قيمة البناء مقلوعا ست‏:‏ في الغصب والعارية والكراء أو بنى في أرض امرأته أو شركاء أو ورثة، ففي هذه كلها يؤخذ البناء بقيمتة مقلوعا، بنى بأمرك أو بغير أمرك عند ابن القاسم، وعند المدنيين‏:‏ إن بنى بأمرك فقيمته قائما وإلا فمقلوعا‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لو غصب طينا فضربه لبنا لك مثل الطين لانتقاله بالصنعة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن ذبح الشاة وشواها فلك قيمتها، وكذلك لو لم يشوها، وقال ابن مسلمة‏:‏ إذا لم يشوها فلك أخذها مذبوحة وما نقصها الذبح، قال التلمساني‏:‏ وقيل يأخذ المذبوحة بغير شيء قاله مالك، لأنه لزمته القيمة فلا يأخذ غيرها ولا يأخذ بعضها وبقيتها سلعة إلا باتفاقهما على أمر جائز، ويمتنع تراضيهما بأخذها

لوجوب القيمة في الذمة، لأنه معاوضة عن القيمة بلحم شاة ودراهم فهي مسألة مدعوجة ودرهم، وهذا موضع اضطربت فيه الآراء واختلفت فيه المذاهب، وصعبت المدارك، وكثر التشنيع حتى قال بعض الشافعية‏:‏ إذا طحن القمح وعملها خبزا فجاء ربها يأخذه وهو ملك الغاصب على زعمكم، فللغاصب مقاتلة رب الحنطة، فإن قتل رب الحنطة قشر قتيل، لأنه صار محاربا عندكم، وإن قتل الغاصب فشهيد، لأنه قتل دون ماله، وهذا عكس للحقائق، وقلب للطرائق، ولذلك قلنا في الحنطة تزرع أو تطحن أو البيض يحضن والمعادن تعمل آنية أو يصاغ حليا أو دراهم، أو الساجة تشق وتعمل أبوابا، أو التراب يعمله طينا‏:‏ يتملكه الغاصب شرط تغير اسمه وإبطال معظم منفعته، ثم لا يتصرف الغاصب في شيء من ذلك حتى يؤدي إلى المالك قيمته، وهذا حكم السرقة، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ وخالفنا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل في ذلك كله، وقالا‏:‏ يرد ذلك وما نقص، وهذا هو المنقول عن أبي حنيفة، غير أني رأيتهم في كتبهم يستثنون من هذا الأصل ذبح الشاة، ويوافقوننا في غيره، ويقولون فيه بأخذ الشاة إذا ذبحت بغير شيء، أو قيمتها يوم الغصب مع الأرش، وفي الجواهر‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ له أخذ الفضة المصاغة والثوب المصبوغ والمخيط، كما قاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أضافه قوم من الأنصار في بيوتهم فقدموا له شاة مصلية فتناول منها لقمة فجعل يمضغها فلا يسيغها فقال - عليه السلام -‏:‏ إن هذه الشاة لتخبرني أنها أخذت بغير حق، فقالوا يا رسول الله‏:‏ هي لجار لنا ونحن نرضيه من ثمنها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أطعموها الأسارى‏)‏‏.‏ ولولا أن الملك حصل لهم لأمر بردها إلى مالكها‏.‏ قال ابن المديني‏:‏ هذا الحديث مرسل ورواية عاصم بن كليب وهو ضعيف فيما ينفرراوي‏.‏ وقد أوردوا عليه أنه يحتمل أنه - عليه السلام - فعل ذلك نظرا

للمالك ليلا تفسد الشاة عليه، فرأى أن يشد بها خلة الأسارى ويعوضه من بيت المال، ولو ملكها الذابح لما انتزعها – عليه السلام - منه للأسارى، والجواب‏:‏ أنا لا نسلم أن مالكها كان غائبا حتى ينظر الإمام في ماله، والأصل‏:‏ عدم الغيبة، بل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بالإطعام دليل ملكهم، وإلا كان – عليه السلام - يطعمها من قبل نفسه، وأمره لهم مع أنهم مالكون‏:‏ إما لأنهم لم يدفعوا الثمن بعد كما قال ‏(‏ح‏)‏ أو كانوا فقراء لا يملكون كما قال المالكية، أو على وجه الكراهة لأنه لا خلاف أن أكلها مكروه، للخلاف في انتقال الملك، ويؤكد قولنا‏:‏ أن الغاصب عندهم يضمن ما نقص، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم - لم يتعرض لتقويمها ليعلم ما نقصت، فدل ذلك على أن الصدقة بها كانت لما ذكرناه، وبالقياس على استيلاد لأب الجارية ابنه، وأحد الشريكين الجارية المشتركة بجامع إذهاب جل المنافع، ولأن الخشبة إذا عملت أبوابا ذهب جل مقصودها، وزالت تلك المالية، وحدثت مالية أخرى، كما أن مالية الفحم تجددت وعدمت مالية الخشبة، وهذه المالية الحادثة منسوبة لفعل الغاصب، فينسب الملك له إحالة للحكم على سببه، كالاصطياد بكلب الغير، والاحتطاب بفأسه، وكالموت بعد الجراحة يحال على الجراحة، واتفقنا أنه لو علف دوابه الطعام فسمنت انتقل الملك في الطعام، وكذلك ها هنا، ثم إن نفرض الكلام في تحضين البيض وصار دجاجا، والحنطة قصيلا، والنواة نخلة، فقد استهلكت الأعيان الأول، وحدثت أعيان وصور أخرى وأحكام، أما الأول فبالحس، وأما الأحكام فلو حلف أن لا يأكل من هذه الأعيان لم يحنث بهذه المتجددات، ولأن مذهبكم يؤدي إلى أنه يغصب جمادا فيؤدي حيوانا وليس عين المغصوب ولا مثله ولا قيمته، لأنه لو استقرض حنطة لم يرد دقيقها، والكل باب ضمان، فلو صح في أحدهما صح في الآخر، وإذا ظهر الدليل في هذه الصور ظهر فيه بقية صور النزاع، لأنه لا قائل بالفرق، ولأنه قبض

وقع في الحنطة فلا يطلب برد الدقيق، كما لو غصبها وأتلفها أو اشتراها فطحنها ثم وجد بها عيبا فلا يفسخ العقد، ويرد الدقيق، احتجوا‏:‏ بقول النبي - صلى الله عليه وسلم – ‏(‏ليس لعرق ظالم حق‏)‏ ولأن ملك المالك معلل بالمالية لا بالحنطة، والطحن لم يذهب المالية، ولأنه فعل لو فعله فيه ملكه لم يزل ملكه عنده به، فإذا فعله الغير لم يزل ملكه، وكما لو فعله بإذن المالك بل أولى، لأن العدوان يناسب عدم انتقال الملك إليه، والإذن مناسب له أكثر، فإذا لم ينتقل بالمناسب لا ينتقل بغير المناسب، لأن الملك نعمة، والمعصية لا تناسب النعمة، ولأن ذبح الغاصب عدوان، فانضاف عدوان إلى عدوان، فتعذرت المناسبة جدا، ولأن الغاصب لو كان يملك بهذه الأفعال لملك البائع بها المشتري، ‏(‏إذا فعلها قبل القبض بل أولى، لأن ملك المشتري‏)‏ غير مستقر قبل القبض بخلاف ملك المغصوب منه، ولأن ذهاب جل المنافع لو كان يزيل الملك بفعل الغاصب لأزاله بغير فعله، كذهاب الروح، فإنه يزيل الملك حصل بفعله أم لا، ولأنه لم يحصل إلا تفريق الأجزاء، فلا ينقل الملك، كما لو غصبها مقلية فطحنها، أو كما لو غصب رغيفا وفتته لبابا، ولأنه لو ملك العين لملك جميع جهات التصرف عملا بالملك السالم عن معارضة الحجر، وقد منعتم التصرف حتى يعطي القيمة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن المراد به إذا بقي اسم المغصوب ومعناه، بدليل مسألة العلف واستيلاد جارية الابن‏.‏

عن الثاني‏:‏ أنه معلل بالحنطة ومالية الحنطة، بدليل أن من أتلف حنطة وجب عليه رد الاسم والمعنى، ولو كان معللا بمطلق المالية كيف كانت، سلمنا أنه معلل بالمالية، فلم قلتم‏:‏ إنه إذا فوتها بالطحن والخبز يجبر مالية الحنطة بمالية

الخبز، ثم ينتقض بمن غصب عسلا وسمنا وأذابه، أو خلط الزيت بأجود منه، أو أردأ‏.‏

عن الثالث‏:‏ النقض باستيلاد الأب جارية ابنه، وبالعلف وخلط الزيت، ولأنه إذا فعل ذلك في ملكه لم يمكن أن يزول الملك، لأنه لو زال لزال الهيه، لأنه مصدر السبب، ولو زال إليه لزم تحصيل الحاصل، لأنه مالك قبل ذلك، وها هنا ينتقل الملك إلى غيرها لك، فلا يلزم تحصيل الحاصل فافترقا‏.‏

عن الرابع‏:‏ وهو قولكم‏:‏ المعصية لا تناسب نعمة الملك فينتقض باستيلاد الأب، وفيه ضم عدوان إلى عدوان، فإن الأب غاصب، ووطئه حرام، ومع ذلك ملك أمة ابنه بذلك‏.‏

عن الخامس‏:‏ أن البائع إذا قصد الغصب منعنا عدم انتقال الملك، ثم ينتقض بالنقوض المتقدمة‏.‏

عن السادس‏:‏ أن فعل الإنسان يناسب أن يتجدد له به ملكه، أما غير فعله فلا يدخل إلا قهرا كالميراث‏.‏

عن السابع‏:‏ منع الحكم، بل ينتقل الملك في الحنطة، وأما فت الخبز لأنه لم يذهب الاسم ومعظم المنافع‏.‏

عن الثامن‏:‏ أنه مثل مسألة الرهن، إن أيسر الراهن بالدين انفك، وإلا فلا، فكما أن الرهن ملك مع المنع فكذلك ها هنا، ولذلك يرد عتق المدين مع ثبوت الملك‏.‏

تمهيد‏:‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ زيادة المغصوب إن كانت من فعل الله تعالى كالصغير يكبر، والهزيل يسمن، أو العيب يذهب، فليس بفوت، لأنه عين ماله،

ولم يتجدد للغاصب فيه سبب يوجب التضمين ولا التمليك، أو أحدثها الغاصب، فإنها تنقسم في مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك قسمين‏:‏ ما أحدث فيه الغاصب من ماله عيبا قائمة كالصبغ والنقض في البنيان، أو مجرد العمل كالخياطة والنسج وطحن الحنطة، والذي له عين قائمة‏:‏ قسمان‏:‏ ما تمكن إعادته على حاله كالبقعة يبنيها، وما لا يمكن كالثوب يصبغه، والجلد يدبغه، والسويق يلته، فيخير في القسم الأول بين إلزامه بإعادة البقعة على حالها، وإزالة ملكه، وبين إعطائه قيمة ماله فيها مقلوعا بعد أجر القلع، إذا كان لا يتولى ذلك بنفسه، ولا يعيده بل يستأجر عليه، قاله محمد وابن شعبان، وقيل‏:‏ لا يحط أجرة القلع على مذهب ابن القاسم في المدونة‏:‏ وقاله ابن دحون، وعلل ذلك بأن الغاصب لو هدمه لم يكن له أخذه بالقيمة بعد الهدم، وأما القسم الثاني‏:‏ فيخير في الصبغ كما تقدم ونحوه، إلا في السويق يلت بالسمن ونحوه من الطعام، فلا يخير لما يدخله من الربا، بل يلزم المثل أو القيمة فيما لا مثل له، وأما القسم الثاني من أصل التقسيم، وهو مجرد العمل، فهو قسمان‏:‏ يسير لا ينتقل به المغصوب عن اسمه، كعمل الخشبة أبوابا أو تابوتا، وطحن القمح ونسج الغزل، وصوغ الفضة حليا أو دراهم، فيأخذ الأول معمولا بغير شيء، لأن اليسير مغتفر، والثاني فوت يوجب المثل أو القيمة في غير المثل يوم الغصب، هذا أصل ابن القاسم وأشهب‏:‏ يجعل البنيان أصلا لهذا كله، ويقول‏:‏ لا أجر للغاصب فيما لا يقدر على أخذه من الصبغ والرفو والدباغ والطحن وعمل التابوت، وعن ابن القاسم‏:‏ الصبغ تفويت وتتعين القيمة، وكذلك شبع الصبغ، وقيل يشتركان بقيمة الصبغ وقيمة الثوب، إذا امتنعا من دفع ما يتوجه عليهما، وأنكر هذا القول في المدونة‏:‏ وقال‏:‏ إن الشبهة إنما تكون فيما كان توجه بشبهه‏.‏

‏(‏الفصل الثالث‏)‏ ‏(‏في تصرفات الغاصب‏)‏

وفي الكتاب‏:‏ إذا باع الأمة ممن لم يعلم بالغصب يوم عدوانه فماتت عند المبتاع فلا شيء عليه لعدم العدوان، وضمن الغاصب القيمة يوم الغصب لأنه يوم عدوانه، وتحقق سبب ضمانه، ولك أخذ الثمن وتنفيذ البيع، لأنه بيع فضولي، والثمن بدل لمالك كالقيمة، ولو قتلت عند المبتاع فأخذ أرشا، ثم استحقت خيرت في قيمتها يوم الغصب من الغاصب بالثمن، لبطلان البيع، ولو قتلها المبتاع فلك أخذ قيمتها يوم القتل منه لأنه يوم عدوانه، والأصل‏:‏ ترتب المسبب على سببه، ويرجع هو على الغاصب بالثمن، قال ابن القاسم‏:‏ وإنما ضمن المبتاع قيمتها لأن مالكا قال فيمن ابتاع طعاما فأكله أو ثيابا فلبسها حتى أبلاها‏:‏ فله على المبتاع الطعام وقيمة الثياب، وكل ما عرف هلاكه بأمر من الله من موت جارية أو الثياب أو الطعام لا يضمنه المبتاع، لأن يده يد شبهة ولم يتعد، ولو قطع المبتاع يدها أو فقأ عينها فله أخذها وتضمينه نقصها لذهابه بعدوانه، ويرجع هو بالثمن على الغاصب لبطلان البيع، ولك إجازة البيع وأخذ الثمن من الغاصب أو القيمة يوم الغصب ولو أبى المبتاع الثوب باللبس وكقطعه يد الأمة، قال التونسي‏:‏ اختلف في جناية المشتري على العبد خطأ هل يضمنه‏؟‏ وقيل‏:‏ لا يضمنه، لأنه أخطأ على مال غيره في الظاهر وأنت قادر على تضمين الغاصب وإجازة البيع وأخذ الثمن، وإذا أبلى المشتري الثوب باللبس فإن عليه قيمته يوم لبسه، وانظر لو ظهر الثوب عنده بعد شهرين من يوم البيع، ثم ادعى ضياعه لما استحق، هل يضمن قيمته يوم الشراء كالصناع والرهان على أحد القولين، أو يوم رؤي بعد شهرين

وهو الأشبه، لأن الرهن والصناع إنما ضمنوا القيمة يوم التهم لإمكان أن يكونوا لما غيبوه بعد هذا فكأنهم قبضوه ليستهلكوه، ولا ينتفعون برؤيته عندهم بعد شهرين، والمشتري إنما قبضه على أنه ملكه، وله إتلافه والانتفاع به، وهو مع ذلك غير ضامن إن ظهر هلاك العين فلا تهمة عليه، فإنما لك قيمته يوم رؤي عنده‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ ولو استحقت الأمة بحرية رجع المشتري على بائعها بالثمن، وكذلك بأنها أم ولد أو معتقة إلى أجل، وقد ماتت عنده، ولا يرجع في المدبرة بشيء، قال محمد‏:‏ والمكاتبة عندي كالأمة، وعن أشهب‏:‏ إذا باعها الغاصب بمائة فقتلها المبتاع، وقمتها خمسون، فأغرمنا المشتري خمسين رجع بها على الغاصب، ورجعت على الغاصب بخمسين بقية الثمن الذي أخذ فيها قال‏:‏ والقياس‏:‏ ما قاله ابن القاسم، لأنك لما أغرمت المبتاع قيمتها فكأنك أخذت عين شيئك، وانتقض البيع بين المشتري والغاصب، فيرجع المشتري بجميع شيئه، ولو كانت قيمتها يوم الغصب مائة وعشرين فباعها بمائة فقتلها المبتاع وقيمتها خمسون فأخذ بقيمتها من المشتري خمسين رجع المشتري على قول أشهب على الغاصب بخمسين، وأنت بتمام القيمة يوم الغصب وذلك سبعون، وعلى قول ابن القاسم يرجع المشتري على البائع بالثمن وهو مائة، وترجع أنت على الغاصب بتمام القيمة يوم الغصب وذلك عشرون، وفي العتبية‏:‏ إذا جنى عليها خطأ فهو كالأمر السماوي، وقال أشهب هو كالعمد، ولك تصمينه القيمة لأنها جنايته، وفي العتبية لو ادعى المبتاع أنها هلكت صدق فيما لا يغاب عليه من رقيق أو حيوان، ويحلف فيما يغاب عليه‏:‏ لقد هلكت، ويغرم القيمة، إلا أن يشهد بأن الهلاك من غير سببه، قال اللخمي‏:‏ فلو جنى عليها أجنبي عند المبتاع تخيرت بين أخذ القيمة من الغاصب يوم الغصب أو الثمن أو

القيمة يوم البيع على أحد قولي ابن القاسم، لأنه تعد ثان غير الغصب، ويمضي البيع، ويرجع المشتري على الجاني، وعلى القول بمخالفة الخطأ للعمد يستويان، إذا كان أجنبيا، ومتى أجزت لزم ذلك المشتري إلا أن ذمتك ردية لكسبك حراما أو غيره، واختلف إذا دفع المشتري الثمن للغاصب، والغاصب فقير، وقد أجزت البيع‏:‏ فقيل لا شيء لك على المشتري، وقيل‏:‏ تأخذ الثمن منه ثانية، وهو يصح على القول بأن إمضاء العقد بيع، فيكون قد أجاز البيع دون القبض، وعلى القول أن البيع التقابض‏:‏ لا شيء على المشتري وإن علم المشتري، وإن علم المشتري أن البائع غاصب وأحب الرد عليه قبل قدومك، فذلك له إن كنت بعيد الغيبة لتضرره بانتظارك، وهو في ضمانه، وإن كنت قريب الغيبة فلا، لأن الغاصب ظالم يجب منعه، فلا يمكن، وإن اشتراه الغاصب منك بعد أن باعه لم يكن له رد بيع نفسه، لأنه أراد تحلل صنيعه، ولو صرح قبل ذلك بأنه يريد ملكه لا تحلل صنيعه لكان له أن يأخذه، ولو باع بعشرة، ثم اشتراه منك بثمانية رجعت عليه بدينارين، لأنك مستحق للثمن، ولو أعلمك لم تتركه، ولو باعه بثوب خيرت بين إجازة البيع بالثمانية، أو يردها وتأخذ الثوب، ولو تغير الثوب بنقص فلك أخذه لأنه غصب ثان، لا يمنع أخذه النقص، ولو بعته من المشتري بثمن يخالف الأول في القدر أو الجنس جاز، ويرجع المشتري على الغاصب بما دفع إليه، فإن كان الثمن الأول عرضا مما لم يتغير سوقه برجوعك، ورجوع المشتري في ذلك العرض مختلف‏.‏ فتفيته حوالة السوق في رجوع الغاصب، لأن المشتري سلط عليه، فإن بعته من ثالث جاز، إذا كان لا يحتاج إلى خصومة، إما لأن الغاصب ذهبت قدرته أو تاب وسلم وكان الذي هو في يده متمكنا منه، وإلا فلا، لأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه، وإن اعترف البائع بعد البيع بالغصب لم يصدق على المشتري، إذا لم يعرف ذلك إلا من قوله، وكان مقالك مع الغاصب، فتأخذه بالقيمة يوم يقول‏:‏

إنه غصبه، أو يجيز البيع ويأخذ الثمن، ويختلف إذا كانت القيمة يوم البيع أكثر من الثمن‏:‏ هل يطالبه بالقيمة يوم البيع لأنه تعد ثان‏؟‏ وإذا اشتراه بخمسة ولم يقل اشتريته لصاحبه قال ابن القاسم‏:‏ الخمسة لك، وقال أشهب‏:‏ لا شيء لك في الفضلة وتبقى للغاصب، وقيل‏:‏ ترد إلى من كان اشتراه بعشرة، وقال محمد‏:‏ إن اشتراه لنفسه أو لمن أمره بشرائه فالفضلة للغاصب، أو ليرده عليك‏:‏ فالفضلة لك، ووجه قول ابن القاسم‏:‏ أن الغاصب لا يربح، وهو أحد القولين، فيأخذ الفضل، وإن لم يشتر لك، ووجه قول أشهب ومحمد‏:‏ أن الغاصب عينا وقد أخذها، ولا مقال له فيما بين ذلك، كالبيع الفاسد يباع في بعض ذلك بيعا صحيحا، ثم يعود لمشتريه الأول‏:‏ أنه يرد لبائعه الأول، ولا مقال له ولا للمشتري فيما بين ذلك من ربح أو خسارة، والقول بأن الخمسة لمن اشتراه بعشرة أحسن، لأنك تأخذه بالاستحقاق بملك متقدم يوجب نقض ما وقع من العقود بعد الغصب، فإن وهبه لم يكن لك إلا أخذه، فإن نقص سوقه عند الغاصب ألزمته أعلى القيم إن كان عبدا للتجارة، وتمضي الهبة، فإن ارتفع سوقه عند الموهوب ثم نقص هل يغرم ذلك الغاصب‏؟‏ خلاف، فقد قال عبد الملك‏:‏ يغرم الغاصب ما اغتله المشتري لأنه غرمك ذلك، ولو غصبك وقيمته مائة فصارت مائة وثلاثين فنزلت بمائة وعشرين، وباعه بمائة وعشرة، ثم مات وقيمته مائة، فعلى قوله في المدونة‏:‏ لك الثمن لا غير، لأنه أكثر من القيمة يوم الغصب، وعلى قوله في الدمياطية‏:‏ مائة وعشرون، قيمته يوم البيع، لأنه تعد ثان كما قاله إذا قتله‏.‏ وعلى قول‏:‏ مائة وثلاثون لأنها أعلى القيم في زمن كونه في يد الغاصب، وعلى قول عبد الملك‏:‏ مالك مائة وأربعون لأنه حرمك إياها، وإن حدث به عيب الموهوب‏:‏ خيرت في إمضاء الهبة والقيمة يوم الغصب وبين أخذه، ثم إن كان العيب حدث عند الغاصب عمدا أو خطأ، أو عند الموهوب له خطأ،

فمقالك في العيب مع الغاصب، أو من الموهوب له عمدا‏.‏ فلك أخذ القيمة مع الموهوب له لتعمد الجناية، وبه تبتدئ، لأن الغاصب لم تسلط على قطع يده عمدا بخلاف اللباس والأكل، فإن وجدته معسرا رجع بذلك على الغاصب، وكذلك إن قتله عمدا خيرت كما في الطرف، فإن جنى عليه أجنبي أخطأ أو عمدا أو قتله، خيرت بين تضمين الغاصب وتمضي الهبة، ويطالب الموهوب الجاني، أو تضمن الجاني لأنه أحد المتعدين، ويكون ذلك رد للهبة والخطأ والعمد في هذا الخطأ والعمد في هذا سواء لعدم شبهة الأجنبي، بخلاف الموهوب والمشتري، وفيه خلاف، فإن تعيب عنده، ثم زال العيب عند الموهوب فلك على الغاصب قيمة نقص العيب، وقيمته معيبا يوم الهبة إذا كانت يوم الهبة أكثر منها يوم الغصب، لأن الهبة تعد ثان، فإن أعتقه الغاصب فوجدته قائم العين فلك نقص العتق وأخذه لا غير، وإن تغير فالقيمة يوم الغصب، ويمضي العتق، أو ترده وتأخذه معيبا وتأخذ بقيمة العيب، وإن اعتقه المشتري ثم أدركه صاحبه ولم يتغير، خير بين إجازة البيع ويمضي العتق أو يرده ويأخذه‏.‏ وإلا لك تضمين الغاصب أو المشتري لأنه قادر على رد العتق، ويأخذ عبده سليما، فإن دخله عيب عند المشتري فله تضمين الغاصب القيمة يوم الغصب، ويمضي البيع والعتق، وله إمضاء البيع وأخذ الثمن، أو يرد العتق ويأخذه معيبا، لأنه عين ملكه ويرجع على الغاصب بقيمة العيب على القول الأفقه، لأنه فوات تحت اليد العادية، فإن حدث العيب عند الغاصب لك أخذه بقيمة العيب يوم الغصب، ثم تخير في إمضاء البيع وأخذ الثمن ونقضه ورد العتق وتضمينه قيمته إذا كان العيب كثيرا، ويمضي البيع والعتق‏.‏ قال التونسي‏:‏ إذا قتلت عند الغاصب فأغرمت الغاصب قيمتها يوم الغصب مائة، وكانت قيمتها يوم الجناية مائة وعشرين، فالزائد للغاصب على الجاني، لأن الجناية طرأت على ما ملكه بتضمينك،

والزائد لك عند أشهب، لأن الغاصب لا يربح عنده، فإن أخذت قيمتها يوم الجناية من الجاني ثمانين، وقيمتها يوم الغصب مائة، رجعت عند ابن القاسم على الغاصب لفواته تحت يده، قال‏:‏ وينبغي على هذا لو كانت على الغاصب غرما لم يكن أحق بما أخذت من الغرماء، لأنك أخذت ذلك عن الغاصب من غريم الغاصب، فأنت أسوة غرماء الغاصب إلا أن تريد رفع الضمان على الغاصب فلا تتبعه ببقية القيمة، وتكون أولى من الغرماء، وإذا باع فأردت أخذ الثمن من المشتري ويرجع به المشتري على الغاصب‏:‏ لم يكن عند ابن القاسم، لأنك إذا أجزت البيع صار الغاصب كالموكل على البيع، وله قبض الثمن، وفيه اختلاف لأنك تغرم المشتري ثانية وهو متجه إذا كان الجاني دفع الجناية للغاصب أو المشتري، لأنه دفعهما لغير مستحقها، ويتبع هو من دفع إليه، فإن رجعت على المشتري بالقيمة خمسين والثمن مائة‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يرجع المشتري بجميع الثمن على الغاصب، لأنك لما أخذت كأنك أخذت عين شيئك يوم استهلكه، فانتقض البيع بينه وبين الغاصب، فيرجع بالثمن‏.‏ وقال أشهب‏:‏ بل بخمسين، والخمسين، الأخرى لك، لأن الغاصب لا يربح، ولو وهب الثوب فأبلاه الواهب، رجعت عند ابن القاسم على الواهب، فإن لم يوجد أو كان عديما‏:‏ فعلى الموهوب له بقيمته يوم لبسه، ولا تراجع بينهما، لأنا متى قدرنا على إجازة هبة الغاصب فعلنا كذلك ابتدأنا، والموهوب عند متعد، ولا علم عنده، فإذا تعذر قامت الحجة لك لوضعه يده على مالك خطأ، وخيرك محمد وأشهب بينهما، كما إذا أبلاه المشتري، والفرق‏:‏ أن المشتري يرجع بالثمن بخلاف الموهوب، وعندهما‏:‏ إذا رجعت على الغاصب بقيمته يوم الغصب وهي أقل من قيمته يوم اللبس فلا تراجع بينهما، ولا لك، لأن الموهوب لم يلبس ليغرم، وعن أشهب‏:‏ لك الرجوع، لأن الفائت مالك، وفي الموازية‏:‏ لو كانت يوم الغصب أكثر، وأغرمت اللابس لم ترجع على الغاصب بتمام القيمة‏.‏

فرع‏:‏

قال في الكتاب‏:‏ إذا باع العبد أو الأمة فوجدتهما بحالهما، أو حالت الأسواق‏:‏ إنما لك أخذه أو ثمنه من الغاصب، كما لو وجدته بيده حائل السوق، فإن أجزت البيع بعد هلاك الثمن عند غرمه‏:‏ قال ابن يونس عن مالك‏:‏ لك تضمنه القيمة إذا حال السوق، وعن عبد الملك‏:‏ يخير في أخذها أو قيمتها إن غاب عليها وشككت في وطئه، وكذلك، إذا باعها بعد غيبته عليها، وقال مالك وأصحابه، وهذا في الجارية الرائعة، لأن الغيبة عليها عيب، فهو كنقص بدنها، قال ابن حبيب‏:‏ وليس ذلك في شيء إلا في الدابة يسافر عليها سفرا بعيدا، وهو خلاف لابن القاسم في الدابة يسافر عليها سفرا بعيدا، ثم يردها بحالها لا يضمنها بخلاف المتعدي من مكتر أو مستعير، قال والقياس تضمينه الجميع، وقد تقدم الفرق‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ غصبها بعينها بياض، وباعها فذهب البياض، فأجزت البيع، ثم علمت بذهابه لزمتك الإجارة كالمعتدي تلزمه القيمة بتعدي المسافة، وضلال الدابة ثم توجد، فهي للمتعدي دونك، لأنك لو شئت لم تتعجل، ولأن رضاك بالقيمة مع إمكان صبرك إلى وجدانها كالرضا منك بالمعاوضة، فلا رجوع، وفي النكت‏:‏ ذهاب البياض قبل البيع وبعده سواء، وقوله‏:‏ لو شئت لم تتعجل يحتمل الوجهين، وفيه خلاف، وقال‏:‏ لك المقال إن ذهب قبل البيع إذا لم تعلم لثبتها أنها على غير الصفة، لأنك تقول‏:‏ ظننت أنه لم يذهب، بخلاف ذهابه بعد البيع، والأول أصوب‏.‏

فرع‏:‏

قال في النكت‏:‏ إذا تعدى على سلعة فباعها، ثم ورثها عنه، انتقض البيع،

وإن اشتريتها لك من ربها لم ينتقض، والفرق عند ابن القاسم، أنك في الميراث لم تتسبب في تعليل فعلك وتصحيحه، بل تنزلت منزلة الموروث في نقض البيع‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ خمس مسائل تترتب على الميراث‏:‏ من باع شيئا ليس له نقض البيع إلا في الميراث، ولا ترجع الهبة إلا بالميراث، ومن حلف بعتق عبده فباعه ترجع اليمين عليه إذا ملكه إلا بالميراث، ويختلف إذا باعه السلطان لفلسه، ويكمل عتق القريب بملك بعضه إلا في الميراث، ومن باع لا يشفع في عين ما باع إلا بالميراث، بأن يكون موروثك الشفيع فتأخذ من المشتري بالشفعة، لأنك رضيت بالبيع له، ولم ترض بشركته‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لك نقض البيع وإن أعتق المبتاع أو زادت القيمة أو نقصت، ولك إجازته، لأنه بيع فضولي فيمضي العتق، قال اللخمي‏:‏ فإن أعتق الغاصب ولم تتغير العين فلك نقض العتق وأخذه، لك أخذه بالقيمة يوم الغصب، ويمضي العتق لتقدم ملكه على العتق بالضمان، وإن تعيب فلك أخذه وأرش العيب، ويبطل العتق، فإن أعتق المشتري ولم يتغير خيرت بين إجازة البيع فيمضي العتق أو أخذه فيبطل العتق، وليس لك تضمين الغاصب ولا المشتري لقدرتك على أخذه سليما، فإن دخله عيب عند المشتري فلك تضمين الغاصب بجناية الغصب القيمة يوم الغصب، ويمضي البيع والعتق، أو تجيز البيع وتأخذ الثمن، أو ترد العتق وتأخذه معيبا، لأنه عين مالك، وعلى الغاصب أرش العيب على المستحسن من القول، فإن تعيب عند الغاصب فلك أخذه بالقيمة يوم الغصب، ثم تخير بين أخذ الثمن أو العبد، وترد العتق أو تضمنه قيمة جميعه إذا كان العيب كثيرا، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ إن أعتق الغاصب ولم يفت لك إلزامه القيمة، لأن بيعه باطل لعدم الملك‏.‏ قال التونسي‏:‏ إذا

أعتق المشتري وأجاز المالك البيع وقد تزوج ووارث جازت أفعاله كلها لعدم تعدي المشتري في عتقه، وقد قال أشهب في عتق العدوان، كالمكاتب يعتق عبده ثم يموت، فيريد السيد إجازته عنده ليرثه‏:‏ له ذلك، وعلى مذهب ابن القاسم‏:‏ لا يرثه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يصدق على المبتاع بعد البيع أنه غصب، ويضمن القيمة لك يوم الغصب مؤاخذة بإقراره‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا باع ولم يعلم المبتاع بالعيب، ثم اشتراها الغاصب من المالك، فليس للغاصب نقض بيعه لتقرر الملك، وكأنه دفع القيمة للمالك، وبيع المالك نقض لبيع الغاصب، وللمبتاع أخذها من الذي اشتراها من الغاصب، وإذا باع الغاصب والمالك غائب ثم علم المبتاع بالغصب فللمبتاع رد البيع ليلا يخير عليه إذا قدم، وليس للغاصب أن يقول‏:‏ أنا استأني رأي صاحبها، ولو حضر فأجاز البيع بطل رده لزوال العيب، وكذلك بيع الفضولي‏.‏

في النكت‏:‏ إذا باع المعتدي، ثم ورثها المالك، له نقض البيع بخلاف شرائها، والفرق على مذهب ابن القاسم‏:‏ أنه في الإرث كمن ورثها عنه، وموروثة له النقض، فله النقض، وفي الشراء قدر صنيعه، قال ابن يونس عن ابن القاسم‏:‏ إذا جاء رب العبد المبيع وهو قائم فالعهدة على المالك دون الغاصب، لأنه الأصل في الملك، فإن فات حتى يخير المالك في القيمة يوم الغصب فالعهدة على الغاصب لوجود سبب انتقال الملك إليه وهو الفوات‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ إذا مات عن أرض وبقر ودواب فاستعملت ذلك كله امرأته، والورثة الصغار أو غيب، وطال ذلك، فعليها كراء حصتهم من الأرض

والدواب‏.‏ وتقاص بالعلف، وتضمن ما مات في عملها لتعديها، وما تعيب أو نقص خيروا في أخذه ناقصا مع الأرش وبين تضمينها القيمة، وفي غير عملها أو بغير سببها لا تضمنه إذا تركته على حالها لعدم العدوان، وترد ما فضل عن العلوفة والكلف من لبن أو غيره من الغلة، لأنه ملك للورثة، فإن زرعت من بزر الميت الأرض التي له فتحلف ما زرعت إلا لنفسها، ولها المزدرع وتصدق مع يمينها في أن البذر لها‏.‏ قاله مطرف وأصبغ‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا بنى أو غرس في أرض امرأته أو دارها، ثم يموت أحدهما فقيمة ذلك البناء عليها أو على ورثتها للزوج، أو لورثته قيمته مقلوعا، وإنما حاله فيما غرس من مال امرأته حال المرتفق به كالعارية يغرس فيها أو يبنى إلا أن يكون للمرأة أو لورثها بينة أن النفقة كانت من مالها فتكون أحق بأرضها بغير شيء‏.‏

‏(‏الفصل الرابع‏)‏ ‏(‏في الاستحقاق‏)‏

وهو مشتق من الحق، والاستفعال لغة‏:‏ طلب الفعل، كالاستسقاء لطلب السقي، والاستفهام لطلب الفهم، فالاستحقاق طلب الحق‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ يكمل النصاب بشهادة أحدهما على الغصب والآخر بإقراره بالغصب، أو على أنها لك، لأنه مشترك بين شهادتيهما أنها ملكك دون الغاصب، فإن نقص المغصوب حلفت مع شاهد الغصب وأخذت القيمة، ولو شهد أحدهما أنها لك، والآخر أنها حيزك فقد اجتمعا على أنها لك‏.‏

فائدة‏:‏ في التنبيهات‏:‏ حيز بتشديد الياء، وروي بتخفيفها، كهين وهين، ومعناها‏:‏ ملكه، ولو أراد الحيازة لم يكمل النصاب‏.‏

تنبيه‏:‏ نقل التهذيب‏:‏ يقتضي اجتماع شاهدي الملك والغصب على الملك، وكذلك ابن يونس واللخمي، وفي المدونة‏:‏ إنها لا تلفق، وجعله نقل المدونة خلاف ما وقع في التهذيب وعلله بأن شاهد الغصب قد يقول‏:‏ لعلها كانت عندك عارية، أو وديعة، أو رهنا، وإنما رأيته أخذها منك، ثم قال عن ابن القاسم‏:‏ رجوعه إلى اتفاقهما على الملك إذا لم يفت، وقال‏:‏ وليس باختلاف، لأنه لم يقل‏:‏ شهادته تامة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ اكتريت سنين فبنيت أو غرست أو زرعت، وكانت تزرع السنة كلها، فاستحقت قبل تمام المدة‏.‏ والذي أكراها مبتاع، فالغلة بالضمان إلى يوم الاستحقاق، وللمستحق إجازة كراء بقية المدة، وأخذ حصة الكراء من يومئذ، والفسخ، لأنه تصرف فضولي يقبل التغير والنقض، وله بعد تمام المدة ‏(‏دفع قيمة البناء والغرس مقلوعا، ويؤمر بالقلع، وإن فسخ قبل تمام المدة‏)‏ لم يقلع، ولا يأخذ بالقيمة مقلوعا بل قائما، لأن الوضع يشهد، وإن أبى أن يعطيه قيمة أرضه وأبى الآخر من قيمة الزرع كانا شريكين، ويبدأ بصاحب الأرض في إعطاء القيمة، وعليه إذا فسخ الكراء الصبر إلى انقضاء البطن الذي أدركه، وله قيمة الكراء من يومئذ بحساب السنة، وأصل ذلك أن الصديق - رضي الله عنه - أقطع رجلا أرضا فأحيى وغرس فيها، ثم جاء آخر فاستحقها فأمر الأول أن يعطيه قيمة ما أحيى لأنه صاحب الأصل، فقال‏:‏ لا، فقال للآخر‏:‏ أعطه قيمة أرضه بيضاء فلم يفعل، فقضى أن تكون الأرض بينهما‏.‏ هذا بقيمة أرضه، وهذا بقيمة

عمارته، فإن كانت أرضا تزرع مرة في السنة فاستحقها مزروعة قبل فوت إبان الزرع فكراء تلك السنة للمستحق، لانتقال الضمان، ولا يقلع الزرع، لأنه زرع بشبهة ولو كان الزارع غاصبا، إن كان في إبان الزراعة لتمحض الظلم، فإن استحقت بعد الإبان وقد زرعها مشتريها أو مكتر منه فلا كراء للمستحق تلك السنة لقوة الشبهة وفوات الإبان، بل كراؤها للذي أكراها إن لم يكن غاصبا، بل مشتر أو وارث‏.‏ وكذلك إن سكن الدار مشتريها أو أكراها مدة فاستحقت بعد المدة، وكراؤها للمبتاع دون المستحق، فإن جهل حال المكري أغاصب هو أم مبتاع‏؟‏ فزرعت، ثم استحقت فهو كالمشتري حتى يعلم الغصب، لأن الأصل عدم العدوان، وإن كان المكري وارثا فطرأ له أخ لم يعلم به أو علم رجع على أخيه بحصته من الكراء، فإن كان قد حابى رجع عليه بالمحاباة إن كان مليا، وإلا رجح على المكتري، لأنه واضع يده على أرضه، وقال غيره‏:‏ بل يرجع بالمحاباة على المكتري في ملائه وعدمه، كان أخوه مليا أو معدما إلا أن يعلم الأخ أن معه وارثا فيرجع عليه أخوه في عدم المكتري، ومنشأ الخلاف‏:‏ النظر إلى أن الأخ كالمتلف بالمحاباة، أو أن المكتري هو الذي استوفى المنفعة، فإن سكن هذا الوارث أو زرع لنفسه، ثم طرأ أخ لم يعلم به، فالأحسن عدم رجوع الأخ، لأن الخراج بالضمان، بخلاف الكراء، لأنه كالغاصب للسكنى دون الرقبة، إلا أن يكون عالما بالأخ فيغرمه نصف الكراء لضعف الشبهة بالعلم، والأصل‏:‏ رد غلة العقار على المذهب، لكن قويت الشبهة ‏(‏مع عدم العلم‏)‏ وعن مالك‏:‏ أن عليه نصف كراء ما سكن كالغاصب، ولو كان إنما ورث الأرض من أخيه فأكراها ممن زرعها، ثم قدم ولد الميت فحجبه، ليس له قلع الزرع وله الكراء، قدم في إبان الحرث أو بعده، لأنها لو عطبت كانت في ضمان القادم، وإنما الذي يدخل مع الورثة فيشاركهم في الكراء والغلة من دخل معهم في الميراث بسبب واحد، فأما

من استحق دارا بوراثة أو بغير وراثة من يد من ابتاعها أو ورثها فإنما له الكراء من يوم استحق دون ما مضى، إلا أن تكون الدار في يد غاصب‏.‏ في التنبيهات‏:‏ قول الغير‏:‏ يرجع الأخ على المكتري دون الأخ‏.‏ قال أبو محمد‏:‏ هو وفاق لابن القاسم‏.‏ وجواب ابن القاسم على أن أخاه علم كما قال الغير، لقوله بعد هذا في المكتري‏:‏ يهدم الدار فيهب له المكتري قيمة الهدم فيستحق، قال ابن القاسم‏:‏ إنما يرجع المستحق على الجاني، ولقوله في العبد يسرق فيموت فيهب المسروق منه قيمته للسارق، ثم يستحق‏:‏ أنه يطلب السارق دون الواهب، لأنه إنما فعل ما يجوز له، وقال غيره‏:‏ هو خلاف، وهو متعد عند ابن القاسم علم أو لم يعلم، لهبته شيئا حصل في يده، وفي مسألة الهادم والسارق‏:‏ لم يهب شيئا في يده، وهبته له كهبة الأجنبي لما ليس في يده، ومذهب ابن القاسم في الغاصب يهب طعاما أو ثوبا‏:‏ أن الرجوع عليه إن كان مليا، وإن كان معدما أو لم يقدر عليه، فعلى الموهوب، ثم لا يرجع على الواهب، لأن الهبة لا عهدة لها، وقال أشهب‏:‏ يتبع أيهما شاء كما قال في المشتري، وجاءت هذه المسألة في الكتاب ولم يفسر أن الواهب غاصب، وهو معنى المسألة، وعليه اختصرها الناس، ولو كان الواهب غير غاصب لم يتبع إلا الموهوب، وقيل‏:‏ هذا خلاف، كقوله في مسألة المحاباة على القول بأنه خلاف، والأشبه وفاق ذلك كله على ما تأوله أبو محمد، وتستقيم المسائل كلها على أصل واحد، وقوله‏:‏ إن جهل حال المكتري فهو كالمشتري حتى يعلم الغصب، معناه‏:‏ أن مكتريها ممن كانت بيده من وجه يجهل، زارع بشبهة لا يقلع زرعه حتى يعلم أن مكتريها غاصب، وأما المكري فمحمول على التعدي، وينزع ما أكرى به حتى تثبت الشبهة من شراء أو غيره، وقد قيل‏:‏ إن مجرد الدعوى بالملك والاختلاف شبهة ملك‏.‏

وفي النكت‏:‏ إذا استحقت من المكتري قبل المدة ودفعت قيمة البناء والغرس قائما إنما يدفع قيمته قائما على أن يقلع إلى وقته، وكذلك إذا اشتركا بسبب امتناعهما تقع الشركة بذلك، وعليه قال بعض شيوخنا‏:‏ تقوم الأرض براحا وتقوم الأنقاض لو كانت هكذا في أرض قائمة كم تساوي، ولا تقوم ما

زادت الأرض لأجل ما فيها على مذهب ابن القاسم، وفيه خلاف، وقيل‏:‏ إنما يعتبر ما زاد في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم، وليست كمسألة الثوب يصبغه المشتري ثم يستحق، لا يعتبر قيمة ما زاد الصبغ، لأن الصبغ ربما زاد في الثوب، وربما نقص، والبناء زيادة معلومة، وإنما يقال‏:‏ كم قيمة الأرض براحا، وكم قيمتها بما فيها من البناء والغرس، فتعرف الزيادة فيشارك بها، قال محمد‏:‏ لو رضيت بترك الأرض مع الغاصب في الإبان، والزرع صغير جدا، بكراء مثلها، امتنع، لأنه بيع زرع لم يحل مع كراء أرض، لأن الزرع يحكم به لك، وقال أبو محمد‏:‏ إن كان الزرع ينتفع به الغاصب لو قلعه جاز ذلك، وقوله‏:‏ إبان الزراعة يريد به ملك إبان الشيء المزروع، فإذا فات لا يكلف الغاصب القلع، وإن أمكن زراعة غيره، وقال‏:‏ واعلم أن دفع القيمة ليس كشرائه قبل بدو الصلاح، لأنه يحكم به لك، وإذا استحقت الدار المكتراة قبل تمام المدة وأجزت كراء باقي المدة وقد نقد المكتري، إنما يدفع كراء ذلك إذا كان مأمونا إن كنت قد عملت أن المكتري قد نقد، أو العادة النقد لدخوله على أن يأخذ حصاص باقي المدة، وإلا لم يكن ما وصفنا، فليس لك تعجيل حصة باقي المدة، وتحمل على أنك إنما أجزت لتأخذ بحساب ما سكن المكتري، كلما مضت مدة أخذت بحسابها، وإنما يكون للمكتري الامتناع من دفع حصة باقي المدة إذا كان المستحق غير مأمون، إذا كانت لو انهدمت لم تسو قيمتها مهدومة فادفع، وإلا فلا مقال له، لأمن عاقبته لعد الضرر، ولا يضر أن المستحق ملدا ظالما أن يخاف المكتري من كثرة دين ولا تفيد قيمتها مهدومة شيئا، فله الامتناع، وحينئذ يقال لك‏:‏ إما أن تجيز على أنك لا تأخذ إلا بحساب ما يسكن، أو افسخ بقية المدة، قال‏:‏ والفرق بين المشتري يهدم الدار لا يطالب بنقض الهدم، ويطالب بنقض لبس الثوب‏:‏ أنه انتفع باللبس دون الهدم‏.‏

قال التونسي‏:‏ إذا قدمنا الغرس أو البناء على أنه باق في الأرض إلى عشر سنين، فقد انتفع المكتري بالأرض بعد الانتفاع لتزيد قيمة غرسه، فكيف يرجع على المشتري بجميع كراء ما بقي مع انتفاعه‏؟‏ قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ إذا قومناه على أنه باق في الأرض إلى الأمد أخذنا من رب الأرض جزاء من أرضه، قيل‏:‏ إذا قومنا إنما نقومه قائما لدخوله بوجه شبهة، فإذا امتنع رب الأرض أعطي قيمة أرضه كاملة لا بناء فيها، فلم يظلم، وإذا جاء في الإبان وهو يدرك أن يزرع فله الكراء عند ابن القاسم، وقال عبد الملك‏:‏ حصته الماضي للمشتري، لأن المبادرة بتقويم الزرع قد يقابلها جزء من الكراء، فأما إذا كانت الأرض تزرع بطونا، فهو مثل السكنى له من يوم يستحق، لأنه لو لم يكن ما فيها الآن لزرعه، وما مضى يكون للمشتري بالشبهة، وما يكون من يوم الاستحقاق للمستحق فله إجازة عقد الكراء وأخذه بالمسمى، وله أخذ كراء المثل، لأن حق الزارع في أن لا يقطع زرعه لأن يتم عند المشتري ويلزم المستحق، قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ إذا عقد منه بعشرة، وكراء المثل خمسة عشر، فقال المكتري‏:‏ إنما دخلت على عشرة، فلا أغرم إلا على حسابها، ويرجع المستحق على الذي أكراني، فيقال له‏:‏ لو كان غاصبا كان له ذلك، لكنه مشتر، والمشتري إذا وهب فاستهلك الموهوب لم يضمن عند ابن القاسم الواهب، وضمن الموهوب له، لأنه المنتفع دون المشتري، قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ فقد قال ابن القاسم في الأخ الطارئ وقد حابى أخوه في الكراء‏:‏ يرجع على أخيه، فإن لم يوجد فعلى الساكن، قال‏:‏ قلت‏:‏ كان ينبغي أن لا يرجع إذا لم يعلم بشيء، لأنه غير منتفع، لا سيما والوارث لم يكن ضامنا والمشتري كان ضامنا، وقد اختلف في المشتري إذا لم ينتفع مثل أن يجني على العبد خطأ فقيل‏:‏ يضمن لقوله ذلك ها هنا في الوارث، وقيل‏:‏ لا يضمن ما انتفع به، أو جنى عليه عمدا فيلزم جريان هذا الاختلاف في هبات المشتري إذا انتفع الموهوب، لأنه

أخطأ على مال فوهبه فيقدم في الغرامة، لأنه المبتدئ بالإتلاف، فإذا تعذر إغرامه غرمنا المنتفع، ويصير على هذا التأويل لا فرق بين هبة الغاصب والمشتري والوارث، وغير ابن القاسم لم يضمن الوارث إذا لم يتعد شيئا، كان الموهوب فقيرا أو غنيا، فإن علم الواهب فتعدى قدم تضمين الموهوب، فإن لم يوجد عنده شيء ضمن الواهب، لأن المنتفع عنده أولى بالغرم من الذي لم ينتفع، فإذا أعدم غرمنا المسلط، وإذا سكن أو زرع ثم جاء من شاركه، لم يجعل ابن القاسم عليه شيئا، لأن في نصيبه ما يكفيه، ولعله أراد إنما زرع القدر الذي لو زرعه في نصيبه لكان نصيبه، أما لو لم يرث إلا أرضا واحدة فزرعها لكان يليق أن يكون عليه الكراء لنصيب صاحبه، قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ يلزم مثل هذا إذا أكرى بعض ما ورث وترك الباقي، ولو أكرى نصيبه من الجميع لأكرى بمثل ما أكرى إلا أن يكون لأخيه عليه شيء، قيل‏:‏ الفرق بين ما يأخذ من غلة لانتفاعه بالغلة، فإن السكنى الزائد على قدر نصيبه لم ينتفع بذلك، وقد وقع في الغلات نحو هذا فيمن حبس على ولده فرأى أن البنات لا يدخلن فيه فأكلها الذكور زمانا ثم فطن لذلك‏.‏ قال‏:‏ لا يرجع على الذكور بما مضى، وقيل‏:‏ يرجع عليهم وهو الأصوب، وأما من استحق الجملة فهذا يرجع عليه بما سكن واغتل، لأنه لم يكن له شريك يحتج به أن نصيبه يكفيه، قال ابن يونس‏:‏ إجازة ما بقي من المدة يمتنع على رأي من يمنع الجمع بين سلعتين لرجلين في البيع حتى يعلم ما ينوب ما بقي ليجيز بثمن معلوم، وإذا دفع المستحق قيمة البناء مقلوعا‏:‏ قال محمد‏:‏ بعد إخراج القلع، إذ على ذلك دخل المكتري‏.‏

قال اللخمي‏:‏ متى وجد قبل الحرث خير بين الإجازة بالمسمى، أو يخرجه، فإن قلبها فكذلك، واختلف في الحرث‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يخير بين إعطائه قيمة حرثه فإن أبي أعطاه الآخر قيمة كرائها، فإن أبى أسلمها ولا شيء له، كقوله في تضمين الصناع‏:‏ إذا لم يدفع القاطع قيمة الثوب أسلمه لخياطته،

وقال سحنون‏:‏ يشارك بالخياطة، فعلى هذا يشاركه في كراء هذه السنة بقيمة ‏(‏الحرث إن أكريت يقتسمها‏)‏ الأجرة على ذلك، وعلى كراء الأرض، فإن لم يجد من يكري منه وأكريت في العام الثاني فعلى ذلك، إلا أن تذهب منفعة الحرث، فإن باعها المستحق سقط الحرث، إلا أن يزيد في الثمن فيكون له الزائد، قيل‏:‏ لا شيء للمستحق في الحرث، واختلف‏:‏ إذا قدم المستحق في الإبان وخاصم فحكم له بعده‏:‏ هل يكون الكراء للأول أو المستحق‏؟‏ وإن كان الغاصب الزارع، فلك أخذ الأرض قبل الحرث وبعده، ولا عوض عليك في الحرث بانفراده، ولا في الزرع إذا لم يبذر، أو بذر ولم يبلغ أن ينتفع به إن قلع، وإن كان فيه منفعة كان للغاصب، واختلف إذا أحب المغصوب منه دفع قيمته مقلوعا ويقره هل له ذلك‏؟‏ والجواز أحسن، لأن النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها على البقاء‏.‏ فيريد البقاء ثمنا ويشك في السلامة، وهذا بيع قيمته مطروحا، فإن خرج الإبان قال مالك‏:‏ الزرع للغاصب، وهو المعروف وعنه‏:‏ لك قلعه لقوله – صلى الله عليه وسلم –‏:‏ ‏(‏ليس لعرق ظالم حق‏)‏ وعنه أيضا‏:‏ الزرع لك ولو حصد، وفي الترمذي قال – صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏من زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته‏)‏ ولم يفرق بين الآثار وغيره، وقوله يبدأ بالأخ وإن لم يعلم، وليس المعروف من المذهب، بل المعروف‏:‏ لا شيء عليه إذا لم يعلم، سواء كان المحابي موسرا أم لا، وأما إذا كان عالما فعند ابن القاسم‏:‏ يبدأ بالواهب وعند غيره بالموهوب، وخير أشهب المستحق بينهما، قال‏:‏ وأرى أن يبدأ بالموهوب إن احتاج لذلك، وإلا فالمسلط، وإن أعدم أغرم

المنتفع، واختلف هل يرجع على المسلط متى أيسر‏؟‏ وإن يرجع أحسن، لأنه أدخله في ذلك، ولو كانت للأخ دار فأعطاها ولو علم لسكنها ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ شيء لأخيه شيء في سكناه الدار الموروثة، فإن أكراها نظرت إلى الكراء ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ لم يغرم شيئا لأنه لو سكن داره أكرى نصيبه بدون ذلك فقد فضل في يده الزائد فيسلمه لأخيه، وإن زرع الأرض ولا يكفيه إلا جميعها غرم لأخيه كراء نصيبه، وإن كان يكفيه نصيبه على الاتساع لم يكن عليه شيء، وإن كان يكفيه إذ زرعه ضعيف، فلما زرع ذلك القدر في جميعها على الاتساع جاءت بأكثر، فعليه كراء ما زاد على ما كانت تخرج لو زرع جميعه في نصيبه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ الكراء بالمعين في المثلي كالحديد المعلوم الموزون، أو القيمي كالعبد يستحق قبل زراعة الأرض، يفسخ كالبيع إذا استحق الثمن من المعين، أو بعد الزرع، أو حدوث عمل بكراء المثل، كالمبيع إذا أكل قبل استحقاق الثمن المعين، فإن مقتضى العقد تعدى أخذه فلم يبق إلا ما يقابل المنفعة، وفي التنبيهات‏:‏ إذا أجاز المستحق الكراء وسلم العبد فهو أحق بالأرض، لأن العقد الواقع في عبده بيع فضولي ما لم يغب، وتحررت، وإذا زرعت فله كراء المثل الذي استوجبه ربها، واختلف إذا حرث ولم يزرع هل هو فوت بين المستحق والمكتري أم لا‏؟‏ ولم يختلف أنه فوت بين المكتري والمكري، قال التونسي‏:‏ إذا جاء المستحق بعد الحرث فعليه قيمة الأرض بعد الحرث فيدفع قيمته، فإن أبى أعطاه صاحب الحرث كراء سنة، فإن أبى أسلمها إليه يحرثها، قال ابن يونس‏:‏ لو غصب عبدا فباعه بجارية فأولدها فلمستحقه إجازة البيع وأخذ الجارية وقيمة ولدها، وعن سحنون‏:‏ لا يأخذ مستحق العبد السلعة إلا إذا لم يفت بحوالة سوق، قال‏:‏ وفيه بعد، لأنه إذا جاز صار كالمستحق، والمستحق لا يفيته شيء، ولا يشبه ما كان مستحق العين، وهو ضامن العين المستحقة عوض المستحق بين

المتبايعين لإخراجه على سبيل المعاوضة، فإذا جاء سوقه لم يرجع فيه، والمستحق أخرج سلعة من يده فله أخذها أو عوضها، قال اللخمي‏:‏ لو اشترى عبدا بثوب فعتق العبد واستحق الثوب رجع بائع العبد بقيمته، لأنه هو الذي وضع يده عليه، فإن أجاز المستحق البيع رد العتق في أحد القومين لتأخره عن استمرار العقد أو عن ضمنه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تعدى بائع الطعام فباعه قبل الكيل أتى بمثله، ولا خيار لك في أخذ الثمن، لأنه أتلف عليك مثليا ملكته، ولو هلك بأمر سماوي انتقض البيع، لأنه فيه حق توفية، ولا ينتقل لضمانك إلا بعدها، وليس عليه ولا له الإتيان بمثله، في التنبيهات‏:‏ السماوي أي النار أو السارق، ومراده‏:‏ لم يوجد السارق، ولو وجد غرم القيمة إن لم يعلم الكيل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اكتريت الدار من غير غاصب فلم تنقده حتى استحقت في نصف المدة، فكراء ما مضى للأول بالضمان، ولك فسخ الباقي والرضا به لأنه عقد فضولي، ويكون ذلك بقيمه كراء المدة لانتقال الضمان إليك، فإن أخذت الكراء فليس للمكتري فسخه فرارا من عهدة، غذا لا ضرر عليه، لأنه سكن، فإن أعطيت أدى بحساب ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ كلها الدفع المستحق حصته باقي المدة إن كان مأمونا ولم ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ أو نحوه، ولا يرد باقي الكراء على المكتري، قال التونسي‏:‏ لا يخير حتى يعلم ما ينوب ما بقي كجمع السلعتين لرجلين في عقد واحد إذا كان المكتري انتقد الكراء فكان هذا أمينا، وأتى بحميل ثقة انتقد الكراء على ذلك، أخذ بقدر ما سكن الساكن، وإلا فسخ، ولا تجعل الدار مأمونة

فينقد الكراء، لأنه إن فلس كان أولى بالسكنى، قال‏:‏ ولعل هذا إذا كانت الدار عونا‏.‏ وإلا فهو أولى بصحيحة البناء مما له حجة في إعسار المستحق لكراء الدار في يديه فهو أحق بها من جميع الغرماء، قال اللخمي‏:‏ للمستحق أجرة الكراء وإن كره المكتري والكراء مؤجل، أو بالنقد والمستحق مأمون، قال ابن القاسم‏:‏ إن كان مخوفا لكثرة الدين فله رد النقد، ويرجع الخيار للمستحق بين التمادي على الإجارة أورد النقد، لأن العقد بشرط النقد، إن خص فلا تلزمه الإجارة ويمنع النقد، قال‏:‏ وأرى أن للمكتري أن يتعجل ذلك النقد فإن كان عليه دين، لأن المكتري أحق بالدين عند قيام الغرماء فكان هو ومن لا دين عليه في هذا الوجه سواء، ولا يقال‏:‏ لعل الدار مخوفة لأن المخوف لا يكري بالنقد، وإن نقد تطوعا بعد العقد فللمستحق قبضه إذا قصد الأول بالتعجيل إبراء ذمته، وإن قصد رفق المكتري فللمكتري ارتجاعه، ولا مقال للمستحق المأمون، وإن قصد براءة ذمته والدار مخوفة والمستحق غير مأمون إلا أنه لا دين عليه، فإن كانت قيمتها مهدومة وفاء الدين له قبض الكراء، وإن كان له غرماء فللمكتري ارتجاعها

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اكتريت فهدمت تعديا فللمستحق أخذ النقض وقيمة الهدم منك لتعديك وإن أسقطها المكتري عنك قبل الاستحقاق مليا كنت أم لا، للزومها لك بالتعدي، ولا يرجع عليك إذا لم ينقد، كما لو اشتريت عبدا فسرقه منك رجل فتركت قيمته ثم استحق، اتبع المستحق السارق وحده، ولو ابتعت النقض فله إغرامك ثمنه أو قيمته، ولو هدمها المكري فللمستحق النقض دون القيمة إن وجده‏.‏ وإن بيع فثمنه، في التنبيهات‏:‏ قوله

‏:‏ يرجع المكتري بقيمة الهدم، قيل‏:‏ بما سميا نفقته وما بينهما من القيمة بذلك البناء فيغرمه، وقيل‏:‏ قيمة ما أفسد من البناء، وقال ابن حبيب‏:‏ ما أنفق في البناء، وقيل‏:‏ يأخذ النقض وما أفسد من الهدم‏.‏ وفي النكت‏:‏ إذا أجاز المستحق كراء ما في المدة وقد علم أن

المكري قد نقد الكراء، أو كانت عادة الناس النقد، فقد دخل على أن يأخذ حصاص باقي المدة، وإلا فليس له أن يتعجل حصة باقي المدة‏.‏ وهذا يحمل عليه أنه إنما أجاز ليأخذ بحساب ما سكن المكتري، فكل ما سكن المكتري فكل ما سكن شيئا ودى بحسابه، وإنما يكون للمكتري الامتناع من دفع حصة باقي الأمد إذا كان مقدار الكراء الذي دفع ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ مأوى فلا مقال، لأن له ذمة، وإذا كان المستحق ملدا ظالما فلا للمكتري حجة للمكتري ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الكراء وأكثر‏.‏ وإنما يصح هذا إذا لم يخف المكتري ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ المساواة، قال عبد الحق‏:‏ إذا كان المستحق غير مأمون فامتنع المكتري من دفع كراء بقية المدة، خير المستحق بين إجازة الكراء على أنه لا يأخذ إلا كراء ما سكن كلما سكن شيئا أخذ حسابه، أو فسخ بقية المدة، والفرق بين المشتري يهدم الدار ولا يطالبه المستحق بما نقص الهدم، وبين المشتري يلبس الثوب فينقصه اللبس يلزمه نقص اللبس‏:‏ أن في اللبس إنما يؤدي قيمة ما انتفع به، والهدم لا يقع له، قال التونسي‏:‏ إذا استحق ثلث الدار بعد أن أكراها المشتري فلم يسكن شيئا فأراد إجازة الكراء فلا اعتراض في ذلك، لأنها إجازة بثمن معلوم، أو بعد أن سكن امتنع على أحد القولين للجهل بما بقي، وأما إذا استحق ثبت وبقي ما فيه ضرر على المكتري لقلته، فله رد القيمة إذا لم يعجل المستحق، ولا ينظر إلى ما تقدم له من السكنى حتى يصير المستحق في جانب الجملة، إذا كان الباقي له يضر به المقام فيه، وقد اختلف في الدارين يستحق من إحداهما شيئا له بال وهو الأول، وما فيها من الدار الأخرى الجل والمستحق من جملتها اليسير فلم يعتبر ذلك ابن القاسم في المدونة‏:‏ واعتبر كل دار في نفسها ولم يضف بقية المستحق منها إلى الدار الأخرى، فإذا استحق من أحدها الجل ردها‏.‏ وإن كانت الأقل، قال ابن يونس‏:‏ الفرق بين ما تركه المكتري من قيمة الهدم للهادم وبين ما حابى به من الكراء‏:‏ أن الحابي دفع حقا للمستحق إلى المكتري، فيبدأ بالرجوع عليه، لأن الخطأ والعمد في أموال الناس

سواء، وتارك القيمة للهادم لم يلف شيئا كان بيده، إنما ظن أنه وجب له شيء قبل هذا المتعدي فترك أخذه منه فيأخذه مستحقه، ولو هدمها المكتري لم تلزمه القيمة، إنما له النقض بعينه إن وجده، وإن بيع فثمنه، قال‏:‏ وكذلك ينبغي في الثوب إذا قطعه، وظاهر المدونة‏:‏ لا يضمن في الثوب، بخلاف كتاب محمد، وفرق محمد أن الثوب لا يرجع لهيئته، والدار والخلخال يرجعان إلى هيئتهما، قال‏:‏ وليس بالبين، بل إذا ضمن المشتري جناية الخطأ في العبد إذا اشتراه في أحد القولين ضمن في القطع والهدم، وإذا استحق بيت من دار عظمى لا يضرها ذلك، لزم البيع في بقيتها ورجع بحصة ما استحق منها، وكذلك النخل الكثيرة تستحق منها النخلات اليسيرة، وأما نصف الدار أو دونه مما يضر بالمشتري وإن كان العبد فيخير في ردها كلها وأخذ الثمن، والتمسك بالباقي بحصته من الثمن، ولو استحق ثلثها معينا يكثر ضرره فليس له حبس الباقي بحصته، لأنه لا يعلم إلا بعد التقويم بخلاف ما استحق على الأجزاء، وعن ابن القاسم‏:‏ التسوية بين الكراء والشراء في التخيير بين التمسك بالباقي والرد، قال غيره‏:‏ وليس الكراء كالشراء، ولا يتمسك المكتري بما بقي إن استحق نصف الدار أو جلها لاختلاف قيمة الشهور، قاله سحنون، وقال غيره‏:‏ إنما يصح قول سحنون إذا سكن بعض السكنى ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وإن اختلفت قيمة الشهور، لأنه، إن استحق الثلث سقط عنه ثلث الكراء أو النصف‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ابتعتها فاستحق منها بيت بعينه هو ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ بقيتها ورجعت بحصة المستحق، وكذلك النخل الكثير استحق منها النخلات اليسيرة ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ لأن الأقل تبع للأكثر، أما نصف الدار أو دونه مما يضر بالمشتري في خير في ردها كلها وأخذ الثمن، لأن التفرقة عيب له به الرد كسائر العيوب، والتمسك بما بقي بحصته، وكذلك إن اكتريتها، وقال غيره‏:‏ لا يتماسك بما

بقي في الكراء إن استحق النصف للجهالة بما ينوب أجره الباقي، لأن الشهور قد يختلف كراؤها، قال التونسي‏:‏ تمتنع إجارته بعد السكنى على أحد القولين للجهل بالماضي والباقي، فإن استحق الثلث وبقي ما فيه ضرر على المكتري لقلته له رد البقية إذا لم يجز المستحق الكراء، ولا ينظر إلى متقدم السكنى حتى يصير المستحق يسيرا، لأن الباقي يضر، فإن استحق من إحدى الدارين شيء له بال، وهي أقل منهما‏:‏ اعتبر ابن القاسم كل دار على حدة، قال ابن يونس‏:‏ يريد في الكتاب‏:‏ أن استحق ثلث بعينه يرد به الصفقة لكثرة أو ضر، وليس له حبس الباقي بحدته، لأنه لا يعلم إلا بعد التقويم بخلاف الشائع ويعني غيره بالمكتري‏:‏ إذا اختلفت قيم الشهور، قاله سحنون، قال أبو محمد‏:‏ إنما يصح ذلك إذا سكن بعض السكنى، وإلا فليس مجهولا وإن اختلفت الشهور، لأنه إن استحق الثلث سقط الكراء أو النصف، قال اللخمي‏:‏ وجه التنفيذ مع الجهالة‏:‏ أن العقد الأول منعقد لا ينفسخ إلا برد المكتري، وإن استحق جزؤها وهي لا تنقسم خير المكتري بالرد بعيب الشركة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ابتعت عبدا أو دارا من غاصب ولم تعلم، فالغلة لك في الماضي دون المستحق، وكذلك إذا وزنت ولم تعلم الشبهة تصور السبب، فإن علمت أن الواهب لمورثك غاصب، فالغلة للمستحق لعدم الشبهة، ويحمل على الحد مع الجهل، لأن الأصل عدم العدوان، ولو وهب لك وأنت عالم بالغصب رجع المستحق بالغلة على أيكما شاء لعدم الشبهة، وإن لم يعلم رجع على الغاصب بالغلة، فإن كان عديما رجع عليك لأنه المباشر للإتلاف، وكذلك لو وهب لك ثوبا أو طعاما فأكلته، أو لبس الثوب حتى أبليته، أو دابة فبعتها وأكلت ثمنها لعدم الشبهة، ويرد الغاصب ووارثه الغلة، قال ابن القاسم‏:‏ لا يكون الموهوب في عدم الواهب أحسن حالا من الوارث، لأن من ابتاع قمحا فأكله، أو ثوبا فلبسه، أو شاة فأكلها، فعليه للمستحق المثل في المثلي، والقيمة في غيره، ولو هلك بيده بغير سببه وانتفاعه ولم يعلم بالغصب وقامت بهلاك ما يغاب

عليه من ذلك بينة لا شيء عليه، ولا يضمن ما هلك من الحيوان والربع، أو أن عدم بغير سببه، وكما كان المشتري حين أكل ولبس له ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الإتباع الضمان كل من وهبه غاصبا غاصب فاستعمل ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الواجب لأخذه هذه الأشياء بغير ثمن‏.‏ في ‏(‏التنبيهات‏)‏ قوله‏:‏ إن علم أن الواهب لوارثه غاصب لهذه الأشياء من المستحق، فالغلة للمستحق، خلافه في كتاب الغصب، لأنه لا غرم على الغاصب لغلة الحيوان، قال التونسي‏:‏ المشتري إذا أكل الغلة ولبس الثوب يضمن للمستحق قيمة ذلك كله، واختلف إذا أخطأ على العبد فقتله، وإذا وهب ما اشترى لم يضمن ورجع على الموهوب إن انتفع، وإن هلك في يده بأمر سماوي لم يلزم واحدا منهما شيء، ورجع المستحق على الغاصب، قال ابن يونس‏:‏ معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏الخراج بالضمان‏)‏‏:‏ أن المشتري الشيء إذا اغتل وهلك كان منه، وذهب الثمن الذي نقد فيه، فالغلة له بضمانه، ولا غلة لموهوب وهبه غاصب في عدم الغاصب، إذ لا يضمن ثمنا نقده، ولا ضمنه من وهبه، وإنما تجب الغلة بالضمان في الشراء دون الغصب، عن أشهب‏:‏ أن المستحق يتبع أيهما شاء‏:‏ الغاصب الواهب أو الموهوب إذا هلك الموهوب بيده، واحتج بالبيع أن لمستحق الطعام طلب الغاصب به أو طلب المشتري الآكل له إذا لم يجز البيع، وقال أيضا‏:‏ أن من وهبه الغاصب الغلة له إذا لم يعلم بالغاصب كالمشتري لظاهر الشبهة، ولم يختلف ابن القاسم وأشهب أن ما استعمل من قليل أو كثير أو سكن أو زرع له، ولا شيء عليه من غلة ولا كراء على الغاصب الذي باع منه، ويرجع المشتري بالثمن على الغاصب ولا يحاسبه بشيء من غلة أو كراء إلا أن يعلم المشتري بغصبه قبل الشراء فيكون كالغاصب قبل الشراء، وعن ابن القاسم‏:‏ إذا ابتاع نخلا فيها ثمرة لم تبدأ ولا شيء فيها، فقام المستحق وفيها ثمرة قد طابت، فيأخذها ما لم تيبس أو تجذ، وعنه ما لم تجذ، قال محمد‏:‏ فإن يبست أو جذت لم

يأخذها بعد ذلك لأنها صارت غلة للمبتاع، ولو كانت مؤبرة عند الشراء واشترطها المبتاع فهي للمسمى يبست أم لا، أو بيعت أو أكلت، ويرد في فوتها مثلها إن عرفت الملكية أو القيمة، إن لم تعرف، أو ثمنها إن باعها، وله في ذلك قيمة ما سقى وعالج، قال في المدونة‏:‏ روى أبو داود أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -

فقال الرجل‏:‏ يا رسول الله قد استعمل غلامي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – ‏(‏الخراج بالضمان‏)‏ والصحيح‏:‏ اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب كما تقرر في علم الأصول، وفي حمل هذا الحديث على عمومه في الغاصب والمشتري ومن ضمن بشبهة أو بغير شبهة، أو يقصر على سببه وهو من ضمن بشبهو قولان لمالك وللعلماء، وهما على القاعدة، وتفرقته بين الحيوان وغيره‏:‏ استحسان، وما استحق مما لا ضمان فيه على المستحق منه، فإن رأى فيما استحق من يده ثمنا كالمشتري فقبل الغلة بالثمن الذي أدى لأنه ضامن للثمن الذي دفع في عدم البائع إن تلف ذلك الشيء‏.‏ قاله ابن القاسم ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ترد الغلة، لأنه إن تلف رجع بالثمن فلم يكن ضامنا لشيء ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الغلة على الضمان، وما لم يؤد فيه ثمنا، ولا ضمان عليه فيه ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ فيرد الغلة اتفاقا لسقوط الضمان عنه فيما اغتل أو سكن، فإن سكن ولم يكن فإنما لك في رده الكراء لمن حجبه، قولان‏:‏ الأصح الرد، وأما الحبس يستغله بعض المحبس عليهم وهم يعتقدون انفرادهم به، فرواية ابن القاسم في الهبات‏:‏ لا يرجع الآتي عليهم بشيء، ورواية ابن زياد في المدونة‏:‏ يرجع، وهو القياس، وعن ابن القاسم‏:‏ يرجع بالغلة دون السكنى ولا فرق في القياس بين الحبس وغيره ولا بين الاستغلال والسكني، قال‏:‏ فإن قيل الموهوب والوارث لهما الغلة ولم يؤديا ثمنا ولا ضمان عليهما، فالجواب‏:‏ أن الوارث والموهوب يحلان محل الواهب والموروث في وجوب الغلة لهما، ألا ترى أن الواهب والمورث لو كانا

غاصبين نحلهما ورد الغلة، وفي الحد الذي يدخل المستحق في ضمان المستحق حتى تكون الغلة له‏:‏ ‌‌ثلاثة أقوال حين القضاء له به، وهو الذي يأتي على قول مالك في المدونة وعلى هذا يجب توقيف الأصل المستحق توقيفا يحال بينه وبينه، ولا توقيف عليه وهو قول ابن القاسم في المدونة‏:‏ أن الرباع لا توقف مثل ما يحول ويزول، وإنما توقف وقفا يمنع من الإحداث فيهما، والثاني، يدخل في الضمان وتكون له الغلة ويجب توقيفه وقفا يحال بينه وبينه إذا ثبت له بشاهدين أو شاهد وامرأتين وهو ظاهر قول مالك في الموطأ فقال فيه‏:‏ إن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة لقوله‏:‏ إن التوقيف يجب إذا أثبت المدعي حقه وكلف المدعي عليه الدفع، والثالث، يدخل في ضمانه وتجب له الغلة والتوقيف بشهادة شاهد واحد، روي عن ابن القاسم ذلك، قال‏:‏ يحلف مع شهادة شاهد وتكون المصيبة منه، والنفقة تجري على هذا الخلاف، وفي التفرقة بينهما قولان، والتسوية‏:‏ القياس، وظاهر المدونة التفرقة، وهو اختلاف قول، واختلف في الحد الذي تكون به الثمرة في الاستحقاق غلة فيكون للمستحق بالطيب أو اليبس أو الجذاذ‏:‏ ثلاثة أقوال‏.‏ وهذا إذا اشترى الثمرة قبل إبان الثمرة، إما بعد الإبان فللمستحق على مذهب ابن القاسم، وإن جذت، وعلى رأي أشهب‏:‏ ما لم تجذ وإذا جذت فللمشتري، وأما إن اشتراها والثمرة مزهية واشترطها ففي الموازية‏:‏ للمستحق مطلقا، وإن جذها أو أكلها، ويغرم المكيلة إن تلفت، وإلا فالقيمة أو الثمن إن باعها إن فاتت، وإن كانت في يد مبتاعها خير في أخذها وإنفاذ بيعها، وإن بلغت عند المبتاع فليس إلا بالثمن على القول بأنها لا تصح ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلا باليبس والجذاذ، وعلى القول أنها غلة له بالطيب فلا حق له فيها ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ أنها صارت غلة بالطيب ويرجع المستحق منه بما ينوب ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ يسقط عنه قسط الثمرة لبقائها بيده، إلا

أن يشتريها من غاصب ومن مشتر اشتراها بعد الإبان على مذهب ابن القاسم‏.‏ فهي ثلاثة أقوال‏:‏ الشراء بعد الإبان بثمرتها، أو قبلها، أو بعد الازهاء والطياب‏.‏

نظائر‏:‏ قال اللخمي‏:‏ الغلة للمشتري في خمسة مواطن‏:‏ الاستحقاق‏.‏ وإذا وجد عيبا، أو وجد الشراء فاسدا إن نقض، أو يرد بفلس، أو أخذ بالشفعة، وكذلك لمن صارت إليه عن المشتري من وارث أو موهوب له أو وارث موهوب له، لأنه يحل محله، ولا غلة لوارث إذا طرأ عليه وارث مثله في المنزلة، أو قرب منه، فإن كان الوارث ولدا طارئ عليه وارث ولد آخر انتزع منه نصيبه، وكذلك طرؤ الوالد على الأخ ينتزع منه الجميع، لأنه كان غير ضامن لما استغل‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ تؤخذ الثمرة في خمسة مسائل‏:‏ يأخذها الشفيع والمستحق مع الأصل إلا أن ييبس، أو يكون قد تولدت بعد الشراء، ويرد في البيع الفاسد في الرد بالعيب ما لم تطب، فإذا طابت فللمبتاع يؤخذ في الفلس ما لم تزايد الأصول، وفي بعضها خلاف، قال اللخمي‏:‏ اختلف في الغاصب في أربعة مواطن‏:‏ هل يغرم ما استغله بنفسه‏؟‏ وهل يغرم ما استغله المشتري منه‏؟‏ وهل يغرم ما لم يغتله مثل أن يغلق الدار ويبذر الأرض‏؟‏ والرابع، إذا اغتل الموهوب‏:‏ منه فعند ابن القاسم كالمشتري من الغاصب، وعلى الغاصب قيمة ما سكن واستغل، فإن أعدم أو غاب غرم الموهوب له، وقال أشهب‏:‏ لا شيء عليه كالمشتري، والأول أحسن لأنهم لم يختلفوا في وارث الغاصب إذا كان غير عالم بالغصب‏:‏ أنه يلزمه، فكذلك الموهوب له‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ادعى الحرية غريب فاستعنته في عمل له بال بغير أجر، أو وهبك مالا فلمستحقه قيمة عمله عليك والمال الموهوب، لأنها منافع ماله، وما لا بال له كسقي الدابة يسقط، لأنه مباح بالعادة‏.‏ في النكت‏:‏ قال بعض الشيوخ‏:‏ لو استأجرته وأتلف الأجرة قبل قدوم السيد فلا غرم عليك إن كان ظاهره الحرية؛ لأنك لم تتعد في الدفع إليه، وقال بعض شيوخ صقلية‏:‏ وإن طالت

أقامته بالبلد واستفاضت حريته فكذلك، وإلا غرمت الأجرة مرة أخرى لضعف العذر، وقيل‏:‏ يغرم ثانية مطلقا، لأن العبد بائع لسلعة مولاه وهي خدمته، وهو غير مأذون له في ذلك، فقد دفعت لغير مستحق فلا يبرأ، قال عبد الحق‏:‏ وهذا أقيس، والأول أشبه بالمدونة قياسا على من أنفذت وصاياه وبيعت تركته ثم استحقت رقبته وقد كان معروفا بالحرية، أو غير معروف، قال ابن يونس في الموازية‏:‏ إنما يأخذ سيده قيمة عمله إذا كان قائما، فإن فات فلا شيء عليه وجعل ما عمل كعين قائمة، إن وجدت أخذ سيده قيمتها؛ لأن منافعه لسيده وهبها، فأشبه هبة الغاصب الذي لا يرجع عليه لعدمه أو لعدم القدرة عليه، فرجع على الموهوب لتعذر رجوعه على ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ نفسه فكان الأشبه الضمان فات أم لا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ثمنه غرمه الهالك بيده بغير سبيه ببينة تسقط العدم ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الغاصب لضمان الغاصب الغلة لمتعديه بخلافه، إلا في عدم الواهب، لأنك المباشر، إلا أن يعلم بالغصب فيكون متعديا كالغاصب‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ المستحق للهبة ثلاثة أقسام، لأن الواهب إن كان مشتريا رجع على الموهوب، أو غاصبا فعلى الواهب أولا عند ابن القاسم، وعلى الموهوب إن عدم الواهب هذا إذا لم يعلم الموهوب بالغصب، فإن علم رجع على أيهما شاء، واختلف في الوارث فقيل‏:‏ كالمشتري، وقيل‏:‏ كالغاصب‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو ابتعت من غاصب لم يعلم به عقارا أو ثوبا أو نخلا فأثمرت عندك‏:‏ فالغلة والثمرة لك إلى يوم الاستحقاق بضمانك، ولو كان وهبك رجع المستحق عليك بالغلة في عدم الغاصب، لأنك لم تضمن في ذلك ثمنا وديته، ولك من الغلة قيمة عملك وعلاجك‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ اشتريت بدراهم فأذيبت دنانير رجعت في الاستحقاق والرد بالعيب بما أذبته من العين بعضه على بعض، لأنه الذي تحقق ثمنا، ولو دفعت في الدنانير عرضا رجعت بالدنانير لفرط التباين، والنقدان جنس واحد في الزكاة، ولو استحق العرض من البائع ورجع عليك بالدنانير لأنه ليس ثمنا للسلعة بل صفقة، كما لو قبض الدنانير فاشترى بها عرضا، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا رجع في الدنانير عرضا ثم استحقت السلعة المشتراه رجع بقيمة العرض يوم أخذه إن فات، إن استحق العرض المأخوذ بدفع الدنانير على المبتاع حاباه أم لا، وقاله مالك وأصحابه، والفرق بين استحقاق هذه السلعة والسلعة الأولى‏:‏ أنا نجعل كأنه باع الأولى بمائة فدفع فيها السلعة الثانية، فإن كانت تسوى مائة رجع بمائة لا ثمنها، ن كانت تساوي خمسين فلما استحقت رجع بثمنها ومما وهبه، لأنها هبة للبيع تنتقض بانتقاضه، وأما إن استحقت السلعة الأولى فباستحقاقها بطل ثمنها، فلو لم يدفعه لم يكن عليه شيء، وإن دفعه أو بعضه رجع بما دفع، فإن كانت التي دفع تساوي مائة رجع بها، وإن كانت تساوي خمسين فردها إليه أو قيمتها إن فاتت‏.‏ لم يطلبه، ولأنهم لم يوفوا لها ثمنا من ثمن الأولى فوجب ردها إليه أو قيمتها، ولو قال مستحق الأولى‏:‏ أنا أجيز البيع وأخذ الثمن من المبتاع كان ذلك له لأنه لم يدفعه فهو باق للمستحق في ذمته، ولو قال‏:‏ أخذ الثانية لأنها ثمن سلعتي منع لأنه إنما يصير له إذا أجاز البيع، ومن تعدى على ثمن فاشترى به شيئا لم يكن لديه ما اشترى به وإنما له مثله، ولو باع عبدا بجارية فأخذ منه في الجارية عشرة دنانير واستحق العبد رجع صاحب الجارية بالعشرة لاستحقاق الجارية التي هي ثمن العبد، فيرجع على بائع العبد بثمن الجارية ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، وإن استحقت الجارية رجع بثمنها عشرة، فإذا قبضها صار كـ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ العبد فيرجع به أو بقيمته إن فات، قال مالك‏:‏ وإذا باع السلعة وأخذ في الدنانير دراهم ثم

استحقت السلعة رجع المبتاع على البائع بالدراهم، وللمستحق إجازة البيع وأخذ الدنانير؛ لأنها لم تقبض، ويرجع المشتري على البائع بالدراهم لأنها صرف ولم ينتقض، وعن سحنون‏:‏ إذا باع بمائة دينار فأخذ فيها ألف درهم فاستحقت الدراهم يرجع بالدنانير التي باع بها السلعة، ورآه صرفا لا يرجع فيه بمثل الدراهم، قال‏:‏ لأن مالكا قال‏:‏ إن استحقت السلعة رجع المشتري بالدراهم على البائع لأن الرجوع بالدنانير صرف مستأخر، وكذلك قال أشهب‏:‏ إذا صرف بالدنانير دراهم وأخذ بالدراهم سلعة فوجد بالسلعة عيبا فردها رجع بدينار، ولو رجع بالدراهم صار صرفا، وقاله مالك‏.‏ وعن سحنون‏:‏ إن باع عبدا بثوب وأخذ في الثوب دراهم واستحق العبد رجع بالدراهم؛ لأن العبد استحق ورجع مشتريه في ثمنه وهو الثوب فاستحق من يد نفسه، فلما استحقه رجع على بائعه أخيرا وهو صاحب العبد بما دفع إليه وهو الدراهم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ابتعتها فوطئتها بكرا أو ثيبا فاستحقت بملك أو حرية، فلا صداق ولا أرش نقص، لأن ذلك بالضمان، ولمستحقها أخذها مع قيمة الولد لأنه كجرها‏.‏ وقد تلحق على الحرية فيمتنع أخذه، فتتعين القيمة يوم الحكم عبدا، قاله مالك وابن القاسم وجماعة الناس، ثم رجع مالك لقيمتها وقيمة الولد لئلا يتضرر، فعلى الأول‏:‏ يرجع على البائع بالثمن دون ما أديت من قيمة الولد، كما لو باعك ودلس بالسرقة فسرق العبد متاعك لم يضمن البائع المسروق، فإن أخذ منك الأمة وأنت معدم اتبعك بقيمة الولد، ولو كان الولد مليا أدي القيمة ولا يرجع بها عليك إن أيسرت لأنها عنه، وإن كنتما مليين فعليك دونه ولا ترجع عليه لأنك المباشر لإتلافه على مستحق الأمة، أو معدمين اتبع أولكما ملاءة لتقدم سبب الغرامة في حقكما، ولا يلزم الابن قيمة أمه كنت مليا أم لا لعدم عود نفع ذلك عليه، قال غيره‏:‏ لا شيء على الابن من قيمته أيسرت أم لا

لأن الغرم يتبع الإتلاف ولم يتلف إلا أنت بالاستيلاد، وليس للمستحق فيمن مات من الولد قيمة لأنه كالأمانة الشريعة في ثوب تلقيه الريح في حوزك، والولد لا حق النسب، له حكم الأحرار في النفس والجراح والغرة قبل الاستحقاق وبعده، لتخلفه على الحرية، ولك دية قتله خطأ لوجوب قيمته عليك، وعليك الأقل من القيمة يوم القتل عبدا لأنه يوم الجناية، أو ما أخذت من الدية لأنها بدله، والأصل قد أخذته من زيادة أحدهما فيجب الأول وإن اقتصيت في العمد فلا قيمة عليك، لعدم يوم الحكم، وتغرم قيمة الحي‏.‏ وإن جاوزت الدية، وإن أخذت دية اليد في الخطأ فعليك قيمته أقطع يوم الحكم، وينظر حكم قيمته صحيحا أو أقطع يوم الجناية، فعليك الأقل بما بين القيمتين، أو ما قبضت من دية اليد لما، ولو أخذت فيه غرة فعليك الأقل منها، أو عشر قيمة أمه يوم الجناية؛ لأن الغرة عشر قيمة الأم أصلها خمسون دينارا دون ما نقصتها الولادة، لأنها لو ماتت لم يلزمك قيمتها‏.‏ في التنبيهات‏:‏ لو قطع يد الولد خطأ وقيمته أكثر من ألف دينار، فأخذ الألف دية ولده، قال‏:‏ يغرم الوالد قيمة الولد أقطع يوم يحكم فيه، فإن كان بين قيمته صحيحا وأقطع يوم يجني عليه قدر ما أخذ الأب من دية الولد أغرمها أو أقل، غرم ذلك، وكان الفضل للأب، أو أكثر لم يكن عليك، واختصار هذا أن عليك قيمته مقطوعا يوم الحكم، والأقل مما أخذت من دية الولد، أو ما نقصه القطع من قيمته يوم الجناية بأن يقوم ثلاث تقويمات يوم الجناية‏:‏ سليما وأقطع وقيمته اليوم، ويضاف ما بين القيمتين إلى قيمته اليوم أقطع، فيأخذها السيد‏.‏ إلا أن يكون ما بين القيمتين أكثر من دية اليد التي أخذت، فلا يزاد عليها، ولو كان القطع يوم الاستحقاق ولم تتلف القيمة من يوم القطع أو يوم الاستحقاق لدفعت الأقل من قيمته سليما الآن، لا قبل قطعه، ومن قيمته مقطوعا مع ما أخذت من ديته‏.‏ ولا يحتاج إلى قيمتين سليما

ومقطوعا، فإن كانت قيمته سليما أقل لم يلزمه سواها، وكان ما فضل للأب أو الابن، وإن كانت القيمة أكثر من ذلك كله لم تلزمك إلا قيمته مقطوعا ودية‏.‏ وقوله‏:‏ الفضل للأب، خالفه سحنون، وقال‏:‏ الفضل للابن، تأول بعضهم ذلك أن معنى أنه للأب أي‏:‏ النظر فيه للأب، لأن الولد تحت نظره، لأنه ملك للأب، لأنه أرش جناية الولد فلا يستحقه الأب، كما قال في أول المسألة‏:‏ إذا قطعت يد الوالد يأخذ الأب نصف دية ولده، وإنما يريد يقبضها له لصغره، وعن سحنون‏:‏ الدية كلها للابن وعلى الأب غرم ديتها من ماله ما لم يجاوز ما أخذ فيه، ثم توقف في المسألة، وهو موضعه لأنه إن قال‏:‏ قيمة جميعه لازمه، فيبقى أرش اليد للولد‏.‏ فلم قال‏:‏ لا يلزمه على ما زاد على ما أخذ في اليد‏.‏ وعن سحنون قول ثالث‏:‏ أن لا يكون عليك من قيمة يد ولده شيء، وإنما الدية للابن، وإنما عليك قيمته أقطع، قال‏:‏ وقوله في الكتاب‏:‏ إنما عليه الأقل من الدية التي أخذ، يرد هذا كله قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ الدية ها هنا للأب بكل حال بموقف الولد، قيل‏:‏ ذلك بالوراثة عن الولد كما لو مات بعد قطع يده لصارت الدية للأب على كل قول، فلا فرق، قال‏:‏ فمسألة أم الولد المستحقة دليل الكتاب، ومفهومه‏:‏ الأقوال الثلاثة المروية عن مالك أخذها وقيمة ولدها وأخذ قيمتهما معا، وهذان معا في الكتاب‏:‏ وقيمتها فقط لأكثر المذهبين، والصواب المراد في الكتاب‏:‏ على السيد الذي ولدت منه والولد لا سيما والإقرار زور، وقد يكون تحتها، وقيل‏:‏ يغلب ضرر سيدها لأنه قد يكون تحتها، وضرورة المالك مقدمة على غيره‏.‏ وقد يكون المستحق منه عديما بالقيمة فيكون ضررا على السيد‏.‏

وفي النكت‏:‏ إذا أخذ قيمته رجع المشتري على البائع بالثمن كله، أقل مما دفع من القيمة أو أكثر‏:‏ لأن أخذ قيمتها كأخذ عينها، وفي أخذ العين يرجع بالثمن لانتقاض البيع، وكذلك القيمة‏.‏ والفرق بين الفادي لامرأته من الأسر لا يرجع عليها، لأنه فدى منافعه، ودافع القيمة ها هنا أيضا‏.‏ فتوصل بها لمنافعه‏:‏ أن هذا

مجبور على القيمة وقد دفع ثمنا على أنها ملك له لا شيء عليه غير ما دفع فانتقض البيع، وذلك مختار‏.‏ فلا يرجع بشيء‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ لو قتل الولد عمدا فصالح فيه على أقل من الدية، فعليه الأقل من ذلك وقيمته يوم القتل، فإن كان ما أخذ أقل من القيمة رجع على القاتل بالأقل من باقي القيمة، أو باقي الدية، قال أبو محمد‏:‏ لو عفا الأب عن قاتل ابنه عن غير شيء ثم أتى المستحق فلا شيء له على الأب، وله على القاتل الأقل من قيمة الولد يوم القتل، أو الدية، واحتج بقول ابن القاسم المتقدم، وقال ابن شباوز ‏(‏كذا‏)‏‏:‏ لا شيء له على القاتل خلاف عفو الأب على مال‏.‏ وقاسمه على عفو البنين عن غير شيء أنه يجوز على البنات في كتاب الديات، أو عفوا على مال اشترك جميعهم فيه، وكذلك ها هنا، لأن القتل للبنين دون البنات كما هو ها هنا للأب خاصة، قال‏:‏ واعلم أن الولد إذا قتل إنما يغرم الأب ما وصف من الدية إذا قبض ذلك، فإن لم يقبض ذلك أخذها المستحق منجمة حتى يستوفي الواجب له، وكذلك أن يقبض الغرة أخذ المستحق عشر القيمة من العشرة‏.‏ كما يأخذ ذلك من الدية إذا قتل، قال ابن يونس‏:‏ إنما لزمك قيمة الولد لأنه ليس بغلة ولا يرق فيأخذه السيد لتخليفه على الحرية بالشبهة في الغرور بالشراء أو النكاح، وجعلت القيمة يوم الحكم لأنهم أحرار في الرحم ولا قيمة لهم يومئذ، فلا يجعل يوم جعلت ضامنا، ولا يضمن إلا المتعدي، وأما ما روي عن عمر - رضي الله عنه - من القضاء بمثل الولد المستحق‏:‏ فمعناه على مقاديرهم، وفي حديث آخر قيمتهم، ولو كان يخرج بالقيمة من رق، كان ولاؤه للمستحق، ولو كان إذا كان جدهم أو أخاهم أن يعتقوا عليه وليس كذلك، بل هو حر بسبب أبيه، وليس للمستحق سبب يصل به إلى رقه، كأم الولد يحى ‏(‏كذا‏)‏ لا يمكن من إسلامها‏.‏ وكان مثل ذلك القيمة فيه يوم الحكم، وهو قول مالك وابن القاسم وغيره إلا المغيرة قال‏:‏ القيمة يوم ولد، قال ابن القاسم‏:‏ وإن كانت حاملا يوم قيامه لانتظر ولادتها فيأخذ القيمة يوم تلده، وقال المغيرة‏:‏ إن استحقت بحرية لها صداق؛ لأنه مقابل وطء الحرة، وابن القاسم يرى أنها وطئت على الملك‏.‏ والمملوكة لا صداق لها، ولذلك

يقول‏:‏ لو اغتلها الغلة له، قال‏:‏ والأشبه أن لا غلة، لأنه غير ضامن، لأنها لو ماتت رجع بثمنه، ووجه قوله‏:‏ يأخذها المستحق، لأنها مملوكة واستيلاد الغير لا يمنع‏.‏ وكأنها ولدت من نكاح، وقد ثبت أنها لو غرت من نفسها فتزوجها رجل على أنها حرة فولدت لا يمنع ذلك أخذها ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ بشبهة الملك وشبهة كل عقد مردودة إلى صحيحه ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وكذلك ولدها، والقيمة تدفع حق المستحق، ووجه قوله‏:‏ ليس له رد قيمتها ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ لوطء، لأنه وطء يرفع الحد فتلزمه القيمة، كما إذا وطئ أمة ولده، أو الأمة المشتركة له ولغيره، ولو ماتت على هذا القول ضمنها المشتري كوطء الأب أمة ولده، أو الأمة بين الشريكين، وقاله ابن حبيب، ورجع مالك للقول الأول حتى ماتت، قال ابن القاسم‏:‏ لو رضي المستحق بأخذ قيمتها وقيمة ولدها جبرت على ذلك في قولي مالك جميعا فتعطى القيمتين يوم الاستحقاق، ومنع أشهب، قال محمد‏:‏ والقياس لا يلزم قيمتها في نقض الولادة، وإنما له أن يلزمه ذلك لو قتلها، ولو قتلها غيره لم يلزمه هو قيمتها لأنه غير غاصب، غير أن ابن القاسم قال ذلك لاختلاف قول مالك في هذا الأصل، قال عبد الملك‏:‏ إن ماتت وبقي ولدها فليس له غير قيمة من وجد منهم في قول مالك الأول، وعلى قول الآخر له اتباعك بقيمتها يوم وطئها؛ لأنك ضمنتها يومئذ، ولا شيء عليك في الأولاد وإن كانوا قياما كواطئ أمة ابنه، وقال محمد‏:‏ لا شيء عليك في قول مالك الذي قال فيه وهي حية ليس له إلا قيمتها فقط؛ لأنك لست بضامن، قال‏:‏ وانظر قوله‏:‏ إذا كان الأب عديما والابن مليا أخذ من الابن قيمة نفسه، وهو إنما يأخذ منه قيمة يوم الحكم، فكان يجب إنما تستحق قيمته يومئذ بماله مما في يديه، وكيف يصح أخذ قيمته منه‏؟‏ قال‏:‏ وأظن ابن القاسم إنما يقول‏:‏ يأخذ قيمته بغير مال، وبه يصح قوله، قال ابن القاسم في كتاب محمد‏:‏ لو كان المستحق عما للولد أخذ القيمة إذ لا يعتق ابن الأخ، والجد لا يأخذ قيمته،

وليس له من ولائهم شيء لأنهم أحرار بسبب أبيهم، وإنما أخذت القيمة فيهم بالسنة، قال كنانة‏:‏ إذا غرمت قيمة الولد وكان له مال اكتسبه، لم تغرم بماله، بل بغير مال كقيمة عبد، ويؤدي ذلك للأب، ولا يؤخذ من مال الولد شيء‏.‏ قال سحنون‏:‏ إذا حكم على الأب في عدمه ثم مات ابنه بعد الحكم، لم يزل عنه ما لزمه من القيمة، كجناية أم الولد والسيد عديم‏.‏ وكمن حكم عليه من العاقلة شيء رآه الحاكم يوم أعدم، قال أشهب‏:‏ ويفي بالقيمة في تركتك لا في مال الولد إذا قام المستحق بعد الموت، فإن لم يترك شيئا اتبع الولد‏.‏ فمن أيسر منهم أخذ منه حصة نفسه فقط يوم كان الحكم، وإن طرأ لك مال أخذ المستحق من كل واحد بما ينوبه فيه قيمته، ولا يأخذ بعضهم عن بعض، وقوله‏:‏ إذا قطعت يد الولد وأخذت ديتها فعليك قيمة الولد أقطع يوم الحكم فيه‏.‏ والأقل بما نقص القطع، أو ما قبضت في الدية

‏.‏ وسببه اختلاف القيم يوم القطع ويوم الحكم، وإن كان يوم القطع هو يوم الحكم لغرمت الأقل من قيمته صحيحا ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ اليد‏.‏ قال محمد‏:‏ ولو قطع خطأ فديته لك منجمة، والمستحق منها قيمته يأخذ فيها‏:‏ أول نجم، فإن لم يتم أخذ تمامه من الثاني مما يليه، حتى يتم، ثم ما يورث عن الابن ما بقي، وقال أشهب‏:‏ لا شيء عليك فيما أخذت في القتل كما لو مات، ولا في القطع وعليك قيمته أقطع فقط، لأن ما أخذته دية حر، وإذا زوجك بها رجل وغرمت قيمة ولدها مع دفعها رجعت على من غرك بالصداق كاملا، ولا يترك له ربع دينار، لأنه باع البضع واستحق، فترجع بثمنه ولا ترجع بقيمة الولد، لأنه لم يبعه، وهذا أصل مالك، ولو كانت العارية لم ترجع عليها، لأن ذلك حق لسيدها إلا أن يكون ما أعطيتها أكثر من صداق المثل فيرجع بالفضل، فإن كان أقل من صداق المثل قال أشهب‏:‏ لا يزاد عليه، لأنه الذي وقع به الرضا وعنه يتم، لأنه حق للسيد، فلا يبطل حقه صنيعها، وتصدق في أنك

تزوجتها حرة‏.‏ وأن لم تقم ببينة، ولو كذبتك حدت، ولم يلحق الولد، وعلى السيد البينة‏:‏ أنك تزوجتها على أنها أمة إن ادعى ذلك‏.‏ وتأخذ الولد، وإلا فهو حر وله قيمته حالة على الأب يوم يقضي له به، فإن أعدمت استحسن أن يكون ذلك في مال الولد، فإن غرمت الأمة عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو معتقا إلى أجل فإن أولادهم رقيق معها لعدم حرية الواطئ، فإن استحق من المشتري بأنها مدبرة أخذها وقيمة ولدها عبدا، قال ابن القاسم‏:‏ على الرجاء والخوف، قال‏:‏ وليس هذا بشيء لأن من باع مدبرا ومات بالعتق كان الثمن كله للبائع، وعلى هذا ثبت مالك وأصحابه، وإن كانت التي ولدتها مكاتبة، قال ابن القاسم‏:‏ تلزمك قيمة الولد رقيقا وتوقف القيمة، قال ابن يونس‏:‏ ولا معنى لذلك، وليكن ذلك محسوبا من آخر الكتابة ويتعجلها السيد، ولو تأخر الحكم حتى حل الأجل وأديت الكتابة فلا شيء عليك من قيمتهم، وأما المعتق إلى أجل فأم الولد بقيمة الولد على الرجاء والخوف، لأن هذا الوصف ملكهم السيد، قال اللخمي‏:‏ إذا استحقت حاملا جرت على الأقوال الثلاثة‏:‏ فعلى القول بأخذها يؤخرها حتى تضع؛ لأنها حاملا محمر ‏(‏كذا‏)‏ فتأخذها وقيمة الولد، فإن أسقطت قبل ذلك أو ماتت فلا شيء عليك، وعلى القول بأخذ القيمة دونها يتعجلها الآن، وعلى القول الآخر‏:‏ ليس له إلا أخذ قيمتها يوم حملت، وإن ماتت قبل المحاكمة لم تسقط عنه القيمة، ويختلف‏:‏ متى تكون على أحكام الولد، فعلى القول بالقيمة يوم الحمل هي أم ولد من يوم الحمل، وعلى قيمة يوم الحمل يختلف فيها‏:‏ فعلى قول أشهب‏:‏ لا تكون أم ولد بعد الفداء لأنه أجاز له أن يسلمها إن أحب، وأما على قول ابن القاسم في أنه مجبور على دفع القيمة، فيمكن أن يقال‏:‏ لا تكون أم ولد له لأن افتداءها الآن، ويمكن أن تكون أم ولد كالولد يدفع قيمته يوم الحكم وهو جنين في بطن أمه، وإذا استحق وقد أنفقت ديته لم يطالب ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ لأنهم غرموا بالحرية، ومقاله معك، وإن قتل عمدا‏:‏ فالمقال لك في القصاص والعفو دون

المستحق، واختلف‏:‏ هل يقوم الولد بما له‏؟‏ قاله المخزومي، أو بغير ماله، قال ابن القاسم‏:‏ والقياس على القول بأن القيمة يوم الحكم‏:‏ أن يكون للمستحق مقال في المال، ولو قيل‏:‏ إن القيمة على الابن ابتداء أعسر الأب أم لا، لكان وجها، قال ابن القاسم‏:‏ ولو مت ولم تدع مالا اتبع الولد بالقيمة، وعلى قول غيره‏:‏ لا يكون على الابن شيء، والقياس‏:‏ لا شيء عليه عليك وإن مت موسرا لأن القيمة إنما تلزمك إذا قيم عليك، وهذا قد تعذر‏.‏

قاعدة‏:‏ المسقطة للحد الموجبة للحوق النسب‏:‏ ثلاثة أقسام‏:‏ شبهة في الواطئ، وهو اعتقاده الحد، كمن وطئ أجنبية يظنها زوجة، وفي الموطؤة كالأمة المشتركة، فإن ما فيها من ملكه مبيح، وما فيها من ملك الغير محرم، فيحصل الاشتباه، وفي الطريق‏:‏ وهو كون الوطيء مختلفا فيه، لأن المجوز مبيح، والمحرم حاظر فيحصل الاشتباه‏.‏

تنبيه‏:‏ ‏(‏الخراج بالضمان‏)‏، معناه‏:‏ يتوقع الضمان، فإنه إنما ضمن على تقدير التلف، وهذا التقدير لم يحصل بعد مع أخذ الغلة الآن، واستحقاقها يكون لتوقع الضمان لا بالضمان نفسه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ له رد ما يبنيه مسجدا كرد العتق، وفي النكت‏:‏ لأنه لو أمر بدفع القيمة رد كونه مسجدا وملكه، وهو قد بني له، وكان هدمه وجعل النقض في غيره، ولأنه لو امتنع من القيمة لم يكن إجبارا لآخر على دفع قيمة الأرض‏.‏ كما تفعل فيما بني للسكن لخروج البناء على يده، وتشبيهه بالعبد من جهة اشتراكهما في القربة وإن افترقا في أن العبد استحقت عينه، والأنقاض لم تستحق، وهي التي عملت مسجدا، قال أبو محمد‏:‏ ويجعل النقض في مسجد آخر تتميما لقصد القربة، فإن لم يكن بموضعه ذلك مسجد فلينقل النقض لأقرب المساجد إليه، ويكري على نقله، منه ويجوز لمن أخذه في كرائه ملكه، قال أبو محمد‏:‏ ويحتمل

أن معنى قول ابن القاسم فيمن اشترى دارا مبنية فهدمها وبنى بنقضها مسجدا فيها ولم يزد فيها على نقضها شيئا فيأخذ البناء والقاعة، ولا شيء له عليك فيما هدمت لأنك هدمتها بشبهة‏.‏ فيساوي العتق حينئذ‏.‏ وعلى هذا إذا أبى المستحق أن يلزمك قيمة النقض منقوضا لأنك لما بنيت به المسجد فقد أفته لأنه بسبب هدمك لا يتحصل بكماله، وإذا أديت قيمته منقوضا وهدمته بعد ذلك جعلت النقض في مسجد آخر، لأنك قد أبنته على نفسك،وجعلته لله، وإن رضي المستحق بذلك النقض فله ملكه، ولا يلزمك شيء، قال التونسي‏:‏ قال سحنون‏:‏ معنى ما في الكتاب‏:‏ إذا كان غاصبا، أما لو كان مشتريا فله قيمة بنائه قائما، يجعل القيمة في حبس آخر‏.‏ وقد يمكن أن ابن القاسم أراد أنه لما حبس الأنقاض لم يقض فيها بقيمة وإن بنى بشبهة، ألا ترى أن سحنونا لم يجعل للمغصوب منه أن يعطى قيمة الأنقاض منقوضا لما كان ذلك إبطالا للحبس، وإذا لم يكن للمغصوب منه إعطاء القيمة منقوضا، كذلك أنت إنما تعطي قيمة بنائه قائما، فإذا وهبت حقك، لأن البناء ليس لك بل لله، وقد قال سحنون في الذي بنى في أرض بشبهة فثبت أنها حبس‏:‏ يقلع البناء، وقال ابن القاسم‏:‏ قيل لسحنون‏:‏ فكيف يقلع وقد بنى بشبهة‏؟‏ قيل‏:‏ فمن قال‏:‏ يعطيه قيمة بنائه، قيل له‏:‏ فيشتركان، فأنكر ذلك، فقال بعض الحاضرين‏:‏ يلزم بيع الحبس وهو يسمع فلم ينكر، قيل‏:‏ أفيعطيه المحبس قيمة بنائه، فأنكر ذلك، فيؤخذ من هذا أن المشتري يقلع بناءه، قال اللخمي‏:‏ القول بهدم البناء، وإن كان بوجه شبهة لم يهدم عليه، وقيل للمستحق‏:‏ أعطه قيمته قائما أو يعطيك قيمة أرضك، فإن كان على وجه التعدي أعطاه قيمته مهدوما وبقي له قائما، وقال سحنون‏:‏ أحسن لأن المستحق يأخذ بحق تقديم على الحبس ويرده من أصله، فله إذا ثبت تعديه أن يأخذه ما لا بد من نقضه وهدمه، لأن بناء المسجد لا يوافق بناء الدور، فما كان من ذلك لا يستغني عن هدم هدم وجعل غيره أخذ بقيمته، وإن كان بوجه شبهة وأبى المستحق من دفع القيمة للبناء وأبيت من دفع قيمة الأرض كنتما شريكين، فإن حمل القسم وكان فيما ينوب الحبس ما يكون مسجدا قسم، وإن لم يحمل القسم ولم يكن فيه

ما يكون مسجدا بيع وجعل في مثله، وأما إذا تقدم أنه بنى أرضا دارا ثم ثبت أنها مسجد، لم يكن للباني قيمته قائما لتقدم حق صحيح، وإن ثبت أن القاعة حبس على معينين، قيل للمحبس عليهم‏:‏ أعطوه قيمته قائما، ويكون لكم الانتفاع به إلى وقت يسقط حقكم من الحبس بالموت، أو بانتفاء الأجل إن كان مؤجلا، فإن رجعت الأرض إلى محبسها كان لورثة المحبس عليهم أخذ قيمة ذلك قائما كما كان لمورثهم، لأنهم يحلون محله، فإن أبى كانوا شركاء معهم بقدر ذلك، وإن أبى المحبس عليهم إعطاء قيمة البناء قائما أعطاه مالك الأرض وبقي شريكا مع المحبس عليهم بقدره، فإن أبى كان الباني شريكا بقدر قيمة البناء قائما فما نابه سكنه أو باعه، وما ناب المحبس عليهم سكنوه، فإذا انقضى حقهم في الحبس عاد ذلك القدر للمحبس على إحدى قولي مالك‏:‏ إن الحبس على المعينين يعود ملكا، وعلى قوله يرجع مرجع الأحباس، فإنما يعطى قيمته قائما على أنه يبقى إلى انقضاء حق من حبس عليهم، ولم يهدم، وعلى قول سحنون‏:‏ والحبس وغيره سواء يجوز للباني إعطاء قيمة الأرض إذا لم يعط قيمة البناء ويجعل القيمة في مثله‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا استحق بعض الثياب الكثيرة المشتراة، أو المصالح عليه، أو وجدت به عيبا قبل القبض، أو بعده وهو أقلها، رجعت بحصته من الثمن‏.‏ أو وجه الصفقة انتقضت كلها، ويرد باقيها لفوات مقصود العقد، ويمتنع التمسك بباقيها بحصته، إذ لا يعرف حتى يقوم، فهو بيع بثمن مجهول، ويلزمك في المكيل والموزون المستحق قليله باقيه، ويرجع بحصته من الثمن، ويخير في الكثير بين حبس الباقي بحصته ورده، وكذلك الجزء الشائع مما لا ينقسم للعلم بحصته من الثمن قبل الرضا به، والسلع في صفقة واحدة حصة كل سلعة ما ينوبه من الثمن يوم العقد، في التنبيهات‏:‏ لو علم ما ينوب الباقي من الثياب فلا بد من رضاهما معا، لأنه بيع مؤتنف، قال ابن يونس‏:‏ أجاز ابن حبيب التمسك بالباقي وإن كره البائع لتقدم الرضا والعقد‏.‏

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ صبرتين قمحا وشعيرا جزافا في صفقة بمائة على أن لكل صبرة خمسين، أو ثيابا أو رقيقا على أن لكل واحد من الثمن كذا، فاستحق أحد ذلك‏:‏ وزع الثمن على الجملة‏.‏ ولا ينظر إلى ما سمينا، لأن الاستحقاق حكمي كالإتلاف يرجع للتوزيع والكيل لعقد اختياري، ولو كان على كل قفيز بدينار امتنع البيع للجهل بمقدار القمح، وإن كثر ربح المشتري أو قل خسره فالثمن مجهول، ولو استحق أحد العبدين بحرية وهو وجه الصفقة لرددت الآخر لذهاب مقصود العقد، وإلا لزم الباقي بحصته من الثمن، ويقوم المستحق أن لو كان عبدا، وكذلك لو كان مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد، في النكت‏:‏ إنما يمتنع بيع صبرة قمح وصبرة شعير كل قفيز بدرهم، لما في ذلك من التخاطر بين المتبايعين، وذلك أن المشتري يطمع أن يكون القمح أكثر فيأخذ بسعر الشعير، والبائع يقول‏:‏ قل الشعير فبعته منه أكثر بثمن القمح، ويجوز في الصبرتين عشرة من هذه وعشرة من هذه‏.‏ كل فقيز بكذا لعدم المخاطرة بالقلة والكثرة، قال ابن يونس‏:‏ وإنما ألغيت القسمة لأنه لم يبع هذا بكذا إلا على أن الآخر بكذا، فبعضها يحمل بعضا، وقيل‏:‏ البيع فاسد إذا أطلقت البيع هكذا لأنه كالمشترط أن لا يقبض الثمن وأن يرجع في الاستحقاق بما سميا، قال محمد‏:‏ فإن كان الثمن لا ينقسم رجع بقيمة الحصة، ولا يرجع في عينه لضرر الشركة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اصطلحتما على الإقرار على عوض باستحقاق رجعت عليه بما أقر به، إلا أن يفوت بتغيير سوق أو بدن، فقيمته، لأن المقر به أحد العوضين، أو على الإنكار فاستحققت ما بيد المدعي عليه فليرجع في العوض وإن لم يفت، قال التونسي‏:‏ قيل‏:‏ لا يرجع في صلح الإنكار فيما دفع، لأنه بدل لتمر

المخاصمة، وقد حصل ذلك، فقيل‏:‏ يرجع به أو بقيمته في القرب دون البعد، لأن في البعد فوت ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ بقيمتها لولا الصلح، وإما إذا استحق ما أخذ المدعي رجع بقيمته، وهذا أصل ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الرجوع إلى الخصومات رجع إلى غرر، فالرجوع بقيمته ما استحق ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ كما لا يرجع إلى الدم في العمد ولا إلى العصمة في الخلع، التي فاتت، وكذلك يجب في الغرر لو صالحه على خدمة جنانه بشيء واستحق رجع بقيمته لأنهما قد خرجا عن الغرر، وقيل‏:‏ يرجعان في الصلح على الإقرار على الخصومة، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن استحق ما بيد المدعي عليه بالبينة والحكم رجع على المدعي بما دفع، وقال الطحاوي‏:‏ لا يرجع بشيء لأنه أقر للمدعي وإنما أخذ منه ظلما، وقال‏:‏ هذا قول أهل المدينة، وقال ابن اللباد‏:‏ المعروف من قول أصحابنا إذا استحق ما بيد المدعي في الصلح على الإنكار، كمدعي دار فيصالح على عبد فيستحق أحدهما، فعند ابن القاسم‏:‏ أيهما استحق انتقض الصلح، فإن استحقت الدار رجع في العبد، والعبد رجع في دعواه الدار، ومنع سحنون الأول لأنه دفعه كدفع الخصومة، وقيل‏:‏ إن طال الأمر مما يهلك فيه البنيان لم يرجع، وعن ابن القاسم‏:‏ إن ادعى سدس دار فصالح بعد الإنكار على شقص استشفع بقيمة المدعي فيه، فهذا يرجع في الاستحقاق في الدعوى كالبياعات، وعلى قول سحنون‏:‏ يستشفع بقيمة السدس، وقال أصبغ‏:‏ لا يشفع بشيء‏.‏ وعلى قول ابن القاسم‏:‏ إذا استحقت الدار رجع في العبد أحسن، لأن المستحق من يده يقول للمدعي‏:‏ إن كنت محقا فهو شراء فعليك رد العوض، أو مبطلا، أو يقول الآن‏:‏ إنها داري حرم عليك ما أخذته، وقال سحنون‏:‏ إذا استحق العبد أحسن، لأن الصلح في الغالب ببعض قيمة المدعي فيه، فلم يجب الرجوع ببعض قيمة الدار، ولا في الدعوى كالصداق الخلع ودم العمد، وإن استحق نصف العبد فللمدعي - على أصل ابن

القاسم - رد الباقي، ويرجع على طلبه أو التمسك والد ‏(‏كذا‏)‏ في المطالبة بنصف الدار، ثم يخير المدعى عليه في إمضاء الصلح بنصف الدار، ويقول للمدعى عليه‏:‏ إن شئت تمسكت بنصف العبد على أن لا شيء لك، أو يرده ويرجع في الخصومة، لأني إنما قصدت بالصلح دفع الخصومة، فإذا كنت تعود إليها تضررت، وعلى قول سحنون‏:‏ له الرجوع بنصف قيمة العبد ويرد الباقي بعيب الشركة ويرجع بجميع قيمته، وهو أقيس‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لك عليه مائتان فصالحته على ترك مائة وأخذ عبده ميمونا، فاستحق، رجعت بالمائتين، لأن من باع سلعة بمائة على أن يأخذ به سلعة نقدا أو مضمونة مؤجلة، فإنما وقع البيع بتلك السلعة، واعتبر الفعل دون القول‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا استحق المصالح به عن دم العمد رجعت بقيمته وتعذر القتل بشبهة المصالحة، وكذلك إذا كان صادقا فاستحق أو ظهر معيبا فقيمته، ويثبت النكاح، لأن العوض فيه بيع لا يضر استحقاقه، وكذلك الخلع، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ سواء استحق بملك أو حرية، وقال المغيرة‏:‏ يرجع في الحرية بصداق المثل كأنه لم يمهرها شيئا بخلاف المملوك، لأن ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ لم يكن لها غيره، وإذا مات في يديها ثم استحق بملك فلا شيء لها، كما لو مات ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ولم يتضرر بالاستحقاق، يرجع المستحق على الزوج، وإن استحق بحرية رجعت عليه بصداق المثل، لأنه لم يعطها شيئا، وفي الكتاب‏:‏ إن تزوجت بشقص أخذه الشفيع بقيمته لا بصداق المثل، لأن القيمة أقرب إلى الثمن الذي هو الأصل، والمكاتب على عرض موصوف أو حيوان أو طعام فيقبضه ويعتق‏.‏ رد مثل ذلك في الاستحقاق، ونفذ العتق، وعنه‏:‏ يرجع بقيمة العبد، قال ابن نافع‏:‏ إن لم يكن له

مال عاد مكاتبا، ليس بقاء الكتابة عليه، وقال أشهب‏:‏ لا يرد عتقه، لأن حرمته قد تمت ويتبع بذلك، قال ابن القاسم‏:‏ إن غر بشيء تقدمت له فيه شبهة، رجع مكاتبا ولو اعتقه على شيء بعينه - وهو مكاتب - لا يريد العتق بالاستحقاق، وكأنه مال انتزعه منه ثم لو اعتقه، ولو بعته بنفسه بجارية ليست له، قال‏:‏ تخير وهو بعينها في ملك غيره فردت بعيب، قال ابن القاسم‏:‏ يردها ويتبعه بقيمتها، وهو حر، قام قال اللخمي‏:‏ إذا ثبتت الحرية في العبد أو الغصب وهو صداق‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ يفسخ النكاح قيل‏:‏ ويثبت بعد ولها صداق المثل، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يفسخ، تعمد الزوج ذلك أم لا‏.‏ ويرجع بقيمته، قال أصبغ‏:‏ وكذلك لو علمت هي بحريته، ولم يعلم هو إلا أن يعلما جميعا فيفسخ قيل‏:‏ ويثبت بعد ولها صداق المثل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا صالحت على عيب العبد بعد رجعا صفقة واحدة، لأن الثاني يدل على جزء الأول، وإذا استحق أحدهما بعض الثمن عليهما، ونظر هل هو وجه الصفقة أم لا على القاعدة‏؟‏ في التنبيهات‏:‏ قال أبو عمر‏:‏ إنما ينظر في قيمتهما يوم الصلح لأنه يوم تمام البيع فيهما، وقيل‏:‏ ينظر في الأول يوم البيع والثاني يوم الصلح، قال اللخمي‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن استحق الثاني رد الأول، إلا أن تراضيا على شيء، وإن استحق الأول يفسخ البيع ويرد الثاني إن كان قائما، أو قيمته إن كان فائتا، ويرجع بجميع الثمن، وكأنه قال‏:‏ أخذ هؤلاء ولا يقام على في الأول، وكذلك إن وجد عيبا بالثاني، والأول غير المصالح عليه، فعلى قول ابن القاسم‏:‏ هما كالصفقة الواحدة، وعلى قول أشهب‏:‏ بأيهما وجد العيب ردهما، فإن وجده بالثاني رده ثم يرد الأول بمنزلة من لم يصالح، أو بالأول رده ورد بالآخر، لأن البيع انتقض، فإن فات الأول فوجد به عيبا فصالح عنه بعد المعرفة بقيمته على عبد ثم استحق الأول، ولم ينتقض الثاني، لتعدد العقد

فيهما، فإن كان ثمن الأول مائة، وقيمة العيب عشرة، وهي التي تستحق بعد الفوت في الأول، وهي دين المشتري، أخذ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ فإن استحق الأول‏.‏ رجع مشتريه بتسعين ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ والثاني، إن استحق الثاني رجع بعشرة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن بعت عبدا لعبد، فاستحق أحدهما، أو ظهر عيب رجع صاحبه في الذي أعطى، فإن فات بتغير سوقه أو بدنه فقيمته يوم البيع، وإن بعته بثوب فاستحق الثوب وقد عتق رجعت بقيمة العبد، وإن بعته بجارية فقيمة الجارية، فحال سوقهما أو ولدت أولادا فاستحق العبد بملك أو حرية، فقيمة الجارية يوم البيع لتعذرها‏.‏ وكذلك إن زوجتها ثم استحق العبد، أو ظهر به عيب فقيمتها يوم البيع، وذلك فوت، أخذت لها مهرا، لأن التزويج عيب، وإن كانت وخشا، ولا يردها مبتاعها حينئذ لا بالأرش‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا باعه بجارية فاستحق، وقد حالت أسواقها رجع بقيمته عند ابن القاسم، وعن سحنون في النقاض البيع فيها وإن تحل أسواقها قولان‏.‏ قال‏:‏ وأرى أن يرد كانت من الوخش أو من العلي وقال المشتري‏:‏ لم أصبها وصدقته ردت ولا تحل لك حتى تستبرئها، وإن لم تصدقه أو قال‏:‏ أصبتها لم ترد، لأنه إذا غاب عليها بعض المواضعة تستأنف استبراء، وعليك مضرة في الصبر حتى تستبرأ كما قيل‏:‏ إذا عقد فيه إجازة أنه فوت لمضرة الصبر، ولو تراضيا بردها لم يجز، لأنه يأخذ عن دين ما فيه مواضعة‏.‏ إلا أن يستحق العبد والجارية في أول دمهما، فلا تكون الغيبة ولا الإصابة فوتا، وإن استحق نصف الجارية بعد عتق العبد خير مشتريها من التمسك بالباقي‏.‏ ويرجع في نصف قيمة العبد، أو يرد الباقي ويرجع في قيمة العبد، ولا يفيت النصف الباقي حوالة، لأنه يرده بعيب الشركة، والعيب لا يفيته حوالة الأسواق، وإن لم يعتق العبد خير مشتريها بين رد الباقي ويرجع في عين العبد، أو يتمسك ثم يختلف‏:‏ هل يرجع في نصف قيمة العبد أو يرجع شريكا‏؟‏