فصل: (كتاب الوديعة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


‏(‏الفصل الثالث‏)‏ ‏(‏في أحكام اللقطة‏)‏

وهي خمسة‏:‏

الحكم الأول‏:‏ الضمان، وفي الجواهر‏:‏ أمانة في يد من قصد أخذها لمالك

ما دام ذلك القصد، وقاله الأئمة، ومضمونة على من أخذها ببينة الاختزال، وقاله الأئمة‏.‏ لأنه مأمور بالأول ومنهي عن الثاني، فهو متعد فيه وفي الأول، وكيل لربها من قبل الشرع‏.‏ وأن من أخذها ليعرفها سنة ثم يتصدقها أو يتملكها فهي أمانة في السنة، لأنها ممسوكة لحق ربها كالوديعة، ومضمونة بعدها إن تصدق بها لتصرفه في ملك الغير بغير إذنه إلا أن يختار ربها إمضاء الصدقة عن نفسه، وإن أبقاها بعد السنة على التعريف فأمانة، وحيث كانت أمانة فضاعت منك لم تضمنها‏.‏

قاعدة‏:‏ القابض لمال غيره ثلاثة أقسام‏:‏ لحق المالك المحض كالوديعة فأمانة إجماعا ولا ضمان، ولحق القابض للصرف كالقرض فليس بأمانة إجماعا، ولحقهما كالرهن، فلولاه لم يعامل صاحبه، ولولاه ما توثق المرتهن عنده، فاجتمع الحقان، فيختلف العلماء فيه بالضمان وعدمه، واللقطة من باب الوديعة فلا تضمن، وفي هذا الحكم أربعة فروع‏:‏

الفرع الأول

في الكتاب‏:‏ إذا قال‏:‏ أخذتها لتذهب بها وقلت لأعرفها صدقت، لأنه يدعي عليك وجود سبب الضمان، والأصل عدمه، وظاهر المسلم المشي على حدود الإسلام فيجتمع معك الأصل والظاهر، فتصدق مع يمينك إن اتهمت وإلا فلا يمين، قاله في المقدمات، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الملتقط ضامن إذا لم يشهد لقوله – صلى الله عليه وسلم – ‏(‏من التقط فليشهد ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغير، فإن جاء ربها فهو أحق بها، وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء‏)‏ وجوابه‏:‏ أنه محمول على الندب‏.‏ ولا معنى لقولهم ذلك، لأنه قد يشهد بخلاف ما كان أضمر احتياطا لنفسه، وفي المقدمات‏:‏ الإشهاد مستحب عند مالك، وعند ‏(‏ش‏)‏ يجب عليه عند أخذ

اللقطة قبل التعريف ستة أشياء‏:‏ أن يعرف عفاصها، ووكاءها، وجنسها، دراهم أو دنانير ووزنها أو مكيلتها وعددها، والرابع‏:‏ نوعها دراهم مصرية أو مغربية، والخامس‏:‏ كتابة ذلك‏.‏ والسادس‏:‏ الإشهاد، ولا يضمن عنده بترك الإشهاد، ومستنده في هذه حتى يتمكن من العلم بأن صاحبها عرفها، ووافقنا ابن حنبل على حمل حديث الإشهاد على النذر قياسا على الوديعة بجامع الأيمة ‏(‏كذا‏)‏‏.‏

الفرع الثاني

قال‏:‏ إذا رددتها لموضعها بعد حوزها، أو لغير موضعها ضمنتها، أما لو رددتها من ساعتها كما لو قلت في ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ رجل هذا لك‏؟‏ لشيء رأيته، فيقول‏:‏ لا فتتركه فلا شيء عليك، وفي التنبيهات‏:‏ إذا أخذها بنية التعريف ثم أخذها بالقرب فهل مذهب ابن القاسم الضمان أم لا‏؟‏ تأويلان للشيوخ، وفي المقدمات‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا يضمن ردها بالعبد أو بالقرب، ويحلف‏:‏ لقد ردها في موضعها، فإن ردها في غير موضعها ضمن كالوديعة إذا تسلف منها ثم ردها بصرتها، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل في الضمان إذا ردها، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يضمنها قياسا على رد الوديعة إلى ربها وبجامع العادة للحالة الأولى، وعلى ما إذا اضطر صيد للخروج على الحرم ثم رد إليه، لأن عمر - رضي الله عنه - قال لرجل وجد بعيرا‏:‏ أرسله حيث وجدته‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه إذا أخذها لنفسه ثم ردها ضمنها، ولو أخذ الوديعة لنفسه ثم ردها لربها برئ، فرد الوديعة أقوى في الإبراء فلا يلحق به غيره، ولأن رد اللقطة إلى موضعها رد لمظنة الضياع‏.‏ ورد الوديعة لربها رد لمظنة الحفظ، فأبين أحدهما من الآخر‏.‏

عن الثاني‏:‏ أنه لو أخذ الصيد لنفسه ثم رده برئ فيأتي الجوابان أيضا، لأن الحرم مظنة حفظ الصيد بالزاجر الشرعي‏.‏

عن الثالث‏:‏ أن البعير ضالة منهي عن أخذه، ونحن نتكلم فيما أمرنا بأخذه وحفظه فأبين أحدهما من الآخر‏.‏ بل إذا أخذ اللقطة صارت في يده أمانة كالوديعة، فإذا ردها فقد أضاعها فيضمن، كما لو عرض الوديعة للضياع‏.‏

الفرع الثالث

في الكتاب‏:‏ إذا أبق منك الآبق فلا شيء عليك، وإن أرسلته بعد أخذه ضمنته بناء على ما تقدم، وفي النوادر‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ لو تركه بعد أخذه خوفا من قتله له أو ضربه لم يضمن، أو لشدة النفقة ضمن‏.‏ ومتى أرسلته في حاجة خفيفة قريبة فلا شيء عليك، لأن ذلك ليس بتفريط عادة‏.‏

الفرع الرابع

في الكتاب‏:‏ إذا استهلكها قبل السنة فهي في رقبته، لأنها جناية، وبعد السنة ففي ذمته‏.‏ قال التونسي‏:‏ لعل السنة ليست جناية لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏شأنك بها‏)‏ فسلطه عليها، قال‏:‏ وفيه نظر، لأن العبد بعد السنة غير مأذون له في الصدقة ولا في الاستنفاق‏.‏ فأشبه قبل السنة‏.‏ قال اللخمي‏:‏ ليس لسيده منعه من التعريف لإمكانه منه عند تصرفه لسيده، ولا يمنعه مصلحة سيده، ولسيده انتزاعها منه على يدي عدل ليلا يحلف عليها إن تلفت‏.‏ أو يتصرف فيها العبد لا سيما إن كان العبد قبل غير أمين‏.‏ والأظهر عند الشافعية منع العبد من الالتقاط، لأنها ولاية قبل الحول على التصريف، وبعده على التبرع في التصرف، وهو ليس من أهل الولاية، وآخر أقوالهم مع ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل‏:‏ الجواز، لنا‏:‏ القياس على سائر الأسباب الفعلية، كالاحتطاب والاصطياد، وبنى ‏(‏ش‏)‏ على أنه ليس له ذمة يستوفي منها بناء على أنه لا يملك، وهو أصل نحن نمنعه، وعنه إذا التقط وفرط ففي رقبته كما لو غصب، وكذلك عنده كل من فيه شائبة رق، وقال الأئمة

كلهم‏:‏ يجوز للمحجور عليه الالتقاط قياسا على الاحتطاب، والفرق عليه شائبة المالية على العبد فأشبه البهيمة‏.‏

الحكم الثاني‏:‏ التعريف‏:‏ وفيه خمسة أبحاث‏:‏ وجوبه، وزمانه، ومكانه، وكيفيته، ومن يتولاه‏.‏

البحث الأول‏:‏ وجوبه‏:‏ ففي الجواهر‏:‏ هو واجب عقيب الالتقاط فيما له بال، ووافقنا ابن حنبل، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إن أراد التمليك وجب التعريف حتى يتأتى له الملك، وإن لم يرد التمليك لا يجب، لأن الأصل براءة ذمته من حق صاحبها‏.‏ لنا‏:‏ وجوه، الأول، أمره – صلى الله عليه وسلم - بالتعريف، والأمر للوجوب‏.‏ الثاني‏:‏ أنه سبب إيصالها لمستحقها‏.‏ وصون المال على مستحقه واجب، فوسيلته واجبة‏.‏ الثالث‏:‏ أن ردها لموضعها حرام، لكونه وسيلة لضياعها، وكذلك عدم تعريفها قياسا عليه، فيجب التعريف‏.‏ الرابع‏:‏ لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط، لأن بقاءها في موضعها أقرب لوجدانها، وحفظ المال واجب بحسب الإمكان‏.‏ الخامس‏:‏ التمليك غير واجب إجماعا فلا تجب وسيلته، وصون المال واجب إجماعا فتجب وسيلته‏.‏ والشافعية عكسوا القضية‏.‏

تمهيد‏:‏

الواجب له معنيان‏:‏ ما يأثم بتركه، كالصلوات الخمس ونحوها، وهذا هو المعنى المشهور، والثاني‏:‏ ما يتوقف عليه الشيء وإن لم يأثم بتركه، كقولنا‏:‏ الوضوء واجب في صلاة التطوع ونحوه، مع أن المتطوع لو ترك ذلك التطوع لم يأثم، وإنما معناه‏:‏ أن الصلاة تتوقف صحتها على الطهارة والستارة ونحوهما، ومن هذا المعنى وجوب التعريف عند ‏(‏ش‏)‏ عند إرادة التمليك‏.‏ معناه‏:‏ أن التمليك يتوقف عليه كالوضوء في الصلاة فيرجع مذهبه إلى عدم وجوب التعريف مطلقا‏.‏ لكن تملك الواجد يتوقف عليه، فهذا تحقيق مذهبه، وهو محجوج بما تقدم، ويظهر بطلان الوجه الأخير من أدلتنا بهذا البيان، فإنه لم يقل بالوجوب في بعض الصور ألبتة‏.‏

البحث الثاني‏:‏ في زمانه‏:‏ قال في الجواهر‏:‏ وهو سنة عقيب الالتقاط، وقاله الأئمة، لكن قال ‏(‏ش‏)‏ ابتداؤها من وقت التعريف، لا من وقت الأخذ، وأجابوا عن حديث الثلاثة الأحوال بما قاله أبو داوود قال‏:‏ سئل الراوي بعد ذلك فقال‏:‏ ما أدري ثلاثة أعوام أو ثلاثة أيام، وإذا شك سقطت روايته، وحكمة السنة اشتمالها على الفصول الأربعة، فلا تبقى قافلة إلا وقد تهيأ زمن سائرها بحسب سلعها ومزاج بلادها فيأتي الفصل الذي يناسبهم، ولأنها مشتملات على أغراض الأسفار، قال اللخمي‏:‏ فإن أمسكها ولم يعرفها ثم عرفها في الثانية فهلكت، ضمنها لتعديه بالتأخير، وإن هلكت في السنة الأولى ضمنها إذا تبين أن صاحبها من الموضع الذي وجدت فيه، وإن كان من غيره وغاب بقرب ضياعها ولم يقدم في الوقت الذي ضاعت فيه لم يضمن لعدم تعين فائدة التعريف في تلك المدة، فلم يتعين العدوان الموجب للضمان‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ يعرفها كل يومين أو ثلاثة، وكلما تفرغ‏.‏ ولا يجب عليه ترك التصرف في حوائجه للتعريف والمال القليل الذي لا يفسد، وشهادة العادة بأن صاحبه لا يتبعه لا يعرف أصلا، وقاله الأئمة لحديث الثمرة، وعن عائشة - رضي الله عنها - لا بأس بما دون الدرهم، ورأي عمر - رضي الله عنه - رجلا يعرف زبيبة في الطوارق، فقال‏:‏ إن من الورع ما يمقته الله، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يعرف ما دون الدينار، ولأن الأصل‏:‏ عصمة الأموال وحفظها على أربابها، ووجوب التعريف بظاهر عموم النص، قال‏:‏ وإن كان ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ فهو قليل يتبعه فيعرف

وظاهر الكتاب سنة كذي البال لظاهر الحديث، عن ابن القاسم‏:‏ أياما من غير تحديد بل بحسب ما يظن أن مثله يطلب، وهو كالمخلاة والدلو ونحوهما، ومن سماع أشهب‏:‏ يعرف العصا والسوط‏.‏ وإن لم يعرفهما أرجو أن يكون يسيرا، وأما ما يفسد وإن كان كثيرا كالطعام فقد قال –صلى الله عليه وسلم –‏:‏ ‏(‏من التقط طعاما فليأكله‏)‏ قال التونسي‏:‏ إن كانت الدابة لا غلة لها والنفقة عليها قبل السنة تستغرق نفقتها ثمنها فالأولى أن تباع قبل السنة، لأن ذلك أصلح لربها، وكذلك الآبق‏.‏ وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏ ولو كانت غلتها تفي بنفقتها عرفت سنة لظاهر الحديث، وفي الكتاب‏:‏ أكره التصدق باللقطة قبل السنة إلا في التافه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ مراده أن اليسير يعرف دون السنة وهذا يؤكد على نقل المقدمات في أن ظاهر الكتاب أن اليسير يعرف سنة كالكثير فتأمل ذلك‏.‏

البحث الثالث‏:‏ مكان التعريف‏.‏ وفي التبصرة‏:‏ هو الموضع الذي التقطت فيه، إن كان المالك يراجعه، والمواضع التي تجتمع الناس إليها، ودبر الصلوات، وعلى أبواب المساجد والجامع، إذا كان يجلس إلى الحق ‏(‏كذا‏)‏ يسأل، ولا يرفع صوته‏.‏ لما في مسلم‏:‏ رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال - صلى الله عليه وسلم - له‏:‏ ‏(‏لا وجدت‏)‏ وقال أشهب‏:‏ تعرف في موضع وجدت‏.‏ وعلى أبواب المساجد اليومين والثلاثة ونحوها، ثم بقية السنة عند من حضر وعند من لقي، وإن وجدها في طريق بين مدينتين عرفها فيهما، لعدم تعين أحدهما، وبهذه الجملة واحترام المسجد، قال الأئمة‏:‏ والمقصود‏:‏ بذل الجهد في إيصالها‏.‏

البحث الرابع‏:‏ في كيفية التعريف، قال اللخمي‏:‏ اختلف عن مالك في ذكر جنسها إذا عرفها، قال‏:‏ وعدم تسمية الجنس أحسن‏.‏ وتلف ذكرها مع غيرها‏.‏ وإن أفرد فلا بأس لأنها لا تدفع بمعرفته فقط، وبالأول قال ‏(‏ش‏)‏‏.‏

قال‏:‏ لا يقول جنسها‏.‏ بل، من ضاع له شيء، لأنه أبلغ في عدم التسلط عليها‏.‏

البحث الخامس‏:‏ فيمن يتولى التعريف، قال اللخمي‏:‏ هو مخير بين تولي التعريف بنفسه، أو يدفعها للسلطان إذا كان عدلا، أو يدفعها لمأمون يقوم مقامه فيها، أو يستأجر عليها من يعرفها، قال ابن شعبان‏:‏ وأجرتها منها إذا لم يلتزم تعريفها‏.‏ أو كان مثله لا يلي مثل ذلك، وله التعريف دون إذن الإمام، وعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يخرجها من يده إلا لعذر سفر أو نحوه، وجوز الأئمة الاستنابة في التعريف وقالوا‏:‏ لا أجرة على المالك، لأن الواجد لو عرف بنفسه لم تكن له أجرة، فكذلك نائبه‏.‏ ولأنه يقوم بما وجب عليه‏.‏ والأجرة على الملتقط عندهم‏.‏

الحكم الثالث‏:‏ غلة اللقطة ومنافعها، وفيه ثلاثة فروع‏:‏

الفرع الأول

في الجواهر‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ ذكرت امرأة لعائشة - رضي الله عنها - أنها وجدت شاة، فقالت‏:‏ لها عرفي واعلفي واحلبي واشربي‏.‏ قال سحنون‏:‏ إذا وجد شاة اختلطت بغنمه فهي كاللقطة يتصدق بها‏.‏ وإذا جاء ربها ضمنها له قياسا على اللقطة، وله شرب لبنها، وذلك خفيف، وقال مالك‏:‏ وإذا بصرها بفلاة من الأرض حبسها مع غنمه ولا يأكلها، سنة أو أكثر منها، وله حلابها لا يتبع به، ونسلها مثلها، وإن كان اللبن والزبل بموضع له ثمن بيع وصنع بثمنه ما يصنع بثمنها، وإن كان قيام وعلوفة لكل حسبما تقدم ذلك‏.‏ وموضع ‏(‏كذا‏)‏ لا ثمنا له يأكله، ويكرى البقر في علوفتها كراء مأمون، لأنه ناظر لأخيه المؤمن بالمصلحة‏.‏ وأما الصوف والسمن فيتصدق به أو بثمنه، قال ابن حبيب‏:‏ وله ركوب الدابة من موضع وجدها إلى موضعه، لأن مالكها لو رأى ذلك لم ينكره، وهو مأذون فيه عادة في الالتقاط، بخلاف أن يتصرف عليها في حوائجه فإن فعل ضمن

لتعديه‏.‏ وله كراؤها في علفها كراء مأمونا، وليس لحبسها حد، بل باجتهاده، وقال أشهب‏:‏ إذا أنفقت على الدواب والإبل والبقر خير ربها بين غرم القيمة وأخذها أو إسلامها فيها، لأن النفقة قد تزيد على ماليتها، وهو لم يأذن في ذلك، فإن أسلمها فليس له أخذها لإسقاطه حقه منها، قال التونسي‏:‏ لو أنفق عليها في موضع لو تركت لعاشت بالرعي لا ينبغي أن يكون للمنفق شيء، وإذا أنفق على الدابة لم يأخذها مالكها حتى يعطى النفقة، لأنك قمت بما عليه، قال‏:‏ والأولى إذا أنفقت من غلتها أن يعرفها سنة، وإن كانت لا غلة لها، وإذا أنفقت عليها قبل السنة استغرقت نفقتها ثمنها فالأولى أن تباع قبل السنة، لأن ذلك نفع لربها، وكذلك الآبق‏.‏

الفرع الثاني

في الكتاب‏:‏ لا يتجر باللقطة في السنة ولا بعدها كالوديعة، وما أنفقت على الدابة أو العبد أو الأمة أو الإبل قد كان لربها أسلمها، أو بقر أو غنم أو متاع أكرى عليه من موضع إلى موضع بأمر سلطان أم لا، لا يأخذه ربه حتى يدفع إليه النفقة، إلا أن يسلمه فلا شيء عليه‏.‏

قاعدة‏:‏ كل من ادعى عن غيره مالا، أو قام عنه بعمل شأنه أن يوديه أو يعمله، رجع عليه بذلك المال وأجرة ذلك العمل، سواء كان واجبا على المدفوع عنه كالدين، أو غير واجب كغسل الثوب خلافا للأئمة، فإنهم جعلوه متبرعا، لنا‏:‏ أن لسان الحال قائم مقام لسان المقال، وهو موجود ها هنا فثبت الإذن، وقد تقدم بسط هذه القاعدة في غير هذا الموضع‏.‏ فعليها يخرج الرجوع بالنفقة‏.‏

الفرع الثالث

في الكتاب‏:‏ إذا أجرت الباقي فالأجرة لربه، أو استعملته لزمتك قيمة عمله، لأن ضمانه ونفقته عليه، وإنما تضمنه أنت إذا استعمله في عمل يضيعها في مثله

فتهلك لتعديك، فإن أسلم فلربه الأجرة فيما له بال، لأن منفعة عبده وما ليس له بال من المنافع كالتمرات توجد في الطريق من الأعيان لا ضمان فيها، لتحقيق أعراض الأملاك عنها، وكذلك العبد غير الآبق ومن استأجر آبقا فعطب في عمله‏.‏ ولم يعلم أنه آبق ضمنه، وكذلك لو استأجر عبدا ليبلغ له كتابا إلى بلد ولم يعلم أنه عبد، فعطب في الطريق، كمن اشترى سلعة فأتلفها‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا يضمن‏.‏ إنه مملوك لأن الناس يعذرون بذلك‏.‏

الحكم الرابع‏:‏ التمليك‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ هو جائز بعد انقضاء مدة التعريف، لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ والأحسن له بعد ذلك أن ينفقها أو يتصدق بها، فإن اختار تملكها ثبت ملكه عليها، وقال ‏(‏ش‏)‏ في اظهر قوليه وابن حنبل‏:‏ يدخل في ملكه بغير اختياره بعد الحول كالميراث، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏استفقها‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏إن لم يأت ربها فهي كسائر ماله‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فهي لك‏)‏ وقياسا على الاحتطاب والاصطياد، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يملكها مطلقا كالوديعة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ الفرق بأن الموروث إنما نقل ملكه بسبب تعذر حاجته إليه، والشرع إنما ملك الأملاك لدفع الحاجات فحيث لا حاجة لا ملك، وصاحب اللقطة يحتاج لبقاء حياته، فملكه باق عند عدم اختيار الواجد، لأنه لما كان مالكا افتقر انتقال ملكه إلى رضا المتنقل إليه، ولا يشترط رضاؤه هو لتعذر وجوده، ومن مصلحته الاقتصار على رضا الواجد لتضمنها في ذمته‏.‏

عن الثاني‏:‏ أنه يتعين حمل الرواية على أنه ينفق ويكون له إذا اختار ذلك لوجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه أقرب للأصول، وأشبه بانتقال ملك الأحياء‏.‏

ثانيهما‏:‏ أنه روي في رواية مشهورة‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ ففوضها لاختياره فتحمل الروايات الأخر على ما بعد الاختيار جمعا بينها‏.‏

عن الثالث‏:‏ الفرق، بأن الحطب والصيد لم يتقدم عليه ملك فكان الأمر في انتقاله أيسر، وعن قياس ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الفرق بأن الوديعة صاحبها معلوم فاشترط رضاه كالبيع، وهذا مجهول أشبه المفقود، فضعف ملكه، واتفق الجميع على وجوب ردها إذا جاء ربها فوجدها، أو بدلها إن فقدها، وفي المقدمات‏:‏ لا يخير مالك اللقطة، ومعنى قوله – صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ أنه مخير بين إمساكها لصاحبها ويزيد في تعريفها، وبين التصدق بها ويضمنها، إلا أن يجيز صاحبها الصدقة فيكون له الأجر، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا ينفقها إلا المحتاج إليها، وجوز ‏(‏ش‏)‏ الاستنفاق مطلقا، وقيل‏:‏ لا ينفق إلا أن يكون له وفاء بها‏.‏ قال‏:‏ وهو الصحيح لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‏.‏ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏)‏ وقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه‏)‏ فتحصل في المسألة أربعة أقوال، فجعل صاحب المقدمات مذهب مالك المنع مطلقا، هو خلاف نص المدونة والشراح كما ترى، وحكي أيضا أن لقطة مكة لا تستنفق إجماعا، بل تعرف أبدا، وستقف على الخلاف، وقال ابن القصار‏:‏ يكره له أكلها غنيا كان أو فقيرا، وقال ابن وهب في العتبية‏:‏ له أكلها إن كانت قليلة وهو قليل ‏(‏كذا‏)‏ فيصير في المسألة ستة أقوال‏.‏

فرع مرتب

وإذا قلنا بالتملك فهل سائر اللقطة سواء بمكة وغيرها‏؟‏ ففي الجواهر‏:‏ المذهب التسوية‏.‏ وقاله ابن حنبل و‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا تلتقط إلا للحفظ والتعريف أبدا‏.‏ ووافقه القاضي أبو الوليد والداودي والقاضي أبو بكر منا‏.‏ لنا‏:‏

العمومات من غير تفصيل فوجبت التسوية‏.‏ ولأنها تدخل على وجه الأمانة ابتداء فلا تختلف بالبقاع كالوديعة، وبالقياس على لقطة الحل، احتجوا بقوله – صلى الله عليه وسلم - في حديث حجة الوداع‏:‏ ‏(‏ولا تحل لقطتها إلا لمنشد‏)‏ فجعل حلها في المنشد‏.‏ فخرج المتملك، والجواب‏:‏ أنا إنما أحللناها لمنشد بعد السنة‏.‏ ولم يحلها لغير منشد، وسبب التخصيص‏:‏ كثرة سقوط الأمتعة من الحاج ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الأقطار غالبا، فيغلب على ظن الواجد أنه لا معنى للتعريف بمكة ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ منها، وتطويف أقطار الأرض متعذر، فيتملكها قبل السنة من غير ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ النهي عن ذلك‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن مات بعد التعريف صاحب اللقطة أمر الملتقط بأكلها، كثرت أو قلت درهما فصاعدا، وله التصدق بعد السنة، لأن الواجب الحفظ بحسب الإمكان، إما العين وثوابها، ولظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏، ويخير ربها إذا جاء في ثوابها، أو يغرمها له، لأن الأصل‏:‏ تصرفه في ملكه، وأكثره التصدق قبل السنة إلا في التافه، وفي التنبيهات‏:‏ قيل‏:‏ تسويته بين الدرهم وغيره ليس في التعريف، بل في أصل التعريف، ثم يختلف في اليسير دون السنة، لقوله بعد‏:‏ أكره التصدق قبل السنة إلا التافه اليسير‏.‏

فرع مرتب

قال صاحب القبس‏:‏ وإذا قلنا بالتملك مطلقا في سائر البقاع، فهل يسوى بين الملتقطين‏؟‏ المذهب‏:‏ التسوية، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏ - وهو أحد القولين عندنا -‏:‏ لا يأكلها إلا الفقير‏.‏

لنا‏:‏ عموم الأحاديث، ولأن من يملك بالقرض يملك بالالتقاط كالفقير، ولأن من جاز له الالتقاط جاز له التملك به كالفقير، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أبيا بأكل اللقطة وهو ممن تحرم عليه الصدقة، وفي المقدمات‏:‏ ‏(‏أن عليا - رضي الله عنه - وجد دينارا فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له‏:‏ يا رسول الله وجدت هذا، فقال‏:‏ عرفه، فذهب ما شاء الله ثم قال‏:‏ عرفته فلم أجد أحدا يعرفه فقال‏:‏ فشأنك به، فذهب فرهنه في ثلاثة دراهم وطعام وودك، فبينما هو كذلك إذ جاء صاحبه ينشده، فجاء علي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ هذا صاحب الدينار، فقال‏:‏ أده إليه، فأدى علي ما أكل منه‏)‏ فلو كانت اللقطة إنما تحل على وجه الصدقة لما حلت لعلي - رضي الله عنه - لتحريم الصدقة على أهل البيت، على وجه السلف، وهو جائز للاغتناء، ولأن الغني والفقير قد استويا قبل الحول في عدم التملك فيستويان بعده قياسا لإحدى الحالتين على الأخرى‏.‏

احتجوا بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - في النسائي أنه قال‏:‏ ‏(‏من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل - ولا يكتم ولا يغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء‏)‏ وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه عليكم، لأنها لو اختص ملكها بالفقير لما قال‏:‏ ‏(‏يؤتيه من يشاء‏)‏ بل قال، هو للفقير، سلمنا أنه ليس عليكم، لكنا لا نسلم أن إضافته إلى الله تعالى تمنع تملك الغني، لأن كل أموال الغني مضافة إلى الله تعالى إضافة

الخلق والملك، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وآتوهم من مال الله الذي آتاكم‏)‏ قال صاحب القبس‏:‏ قال علماؤنا المحررون‏:‏ هذه المسألة تنبني على أن اللقطة هل تؤخذ احتسابا لله تعالى فتختص بالفقير، أو اكتسابا فتعم، قال‏:‏ وهذا لا يصح، بل هي أول الأمر احتسابا جزما، وعند ‏(‏ح‏)‏ ما يؤول للاحتساب، وعندنا‏:‏ تؤول لقوله - صلى الله عليه وسلم – ‏(‏فشأنك بها‏)‏ ولم يفصل بين الغني والفقير‏.‏

الحكم الخامس‏:‏ وجوب الرد، والنظر في ظهور المالك‏.‏

وفيه ستة فروع، وقيام اللقطة وفوتها‏.‏

النظر الأول‏:‏ في ظهور المالك، وفيه ستة فروع

الفرع الأول

في الكتاب‏:‏ إذا وصف عفاصما ووكاءها وعدتها، أخذها وجوبا السلطان على ذلك، وافقنا ابن حنبل، وقال‏:‏ يدفع غلب على صدقه بمنه ‏(‏كذا‏)‏ أولا‏؟‏ وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا وصف ولم يغلب على ظنه صدقته حرم الدفع إليه، فإن غلب على ظنه صدقه دفعها على أنه ضامن لما أن جاء مستحق غيره، ولا يلزمه الدفع بذلك بل بالبينة‏.‏ لنا‏:‏ قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏عرف عفاصها ووكاءها، فإذا جاء من يخبرك بعددها ووعائها فردها عليه‏)‏ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بمعرفة العفاص والوكاء، ولو أن دفعها يفتقر إلى منته لم يكن في ذلك فائدة، بل فائدته الدفع به، ولأن إقامة البينة عليها متعذر‏.‏ فأشبه القتل، ولما تعذر إقامة البينة عليه أقيم اللوث مقامها، وإن إقامة البينة عند السقوط متعذرة، فلا تشترط فيه البينة،

بل يصدق بغيرها، كالإنفاق على اليتيم‏.‏ بل هذا أولى، لأن الإنفاق على اليتيم ممكن من حيث الجملة، ولأن القول باشتراطها يؤدي إلى ذهاب أموال الناس، وبطلان حكمة الالتقاط، ولأنه لو كانت البينة شرطا لحرم الالتقاط، لأن بقاءها في موضعها يقرب أخذها لمالكها، والالتقاط يمنعه من أخذ ماله عند عدم البينة، ومنع الإنسان من ماله حرام، ولا يقال‏:‏ لو ادعى السرقة لم يأخذ إلا ببينة، وإن كانت البينة متعذرة عند السرقة، لأنا نقول‏:‏ السرقة يدعي لنفسه بخلاف الملتقط، وقد قال مالك في قطاع الطريق‏:‏ أنه يؤخذ المتاع من أيديهم بالعلامات من عدد وغيره بغير بينة كاللقطة، لأنهم يدعونه لأنفسهم كاللقطة سواء‏.‏ احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر‏)‏ والطالب مدع

فعليه البينة، ولأنها دعوى فلا يستقل بإثباتها الوصف كسائر الدعاوي، ولأن اليد تنازعه فلا يندفع إلا بحجة وهي البينة، ويحمل الحديث على الجودة لا على الإجبار جمعا بينه وبين هذه القواعد‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه عليكم، لأنه جعل اليمين على من أنكر، والبينة تقام عليه، وها هنا لا منكر فلا يمين ولا بينة‏.‏ سلمنا أنه ليس عليكم لكنه عام، وما ذكرتموه خاص، فيكون مقدما عليه على ما تقرر في علم الأصول‏.‏

عن الثاني‏:‏ أن إقامة البينة في غيرها متيسر بخلافها، فإن الإنسان لا يعلم أن متاعه يقع منه فيشهد عليه، بخلاف البيع وغيره مشعور به فطلبت فيه البينة، بل إلحاق هذه المصورة بنفقة اليتيم أشبه‏.‏

عن الثالث‏:‏ أن المنازعة المحوجة للبينة عن اليد التي يدعي صاحبها الملك بنفسه ليقع التعارض بين الرجلين، وهذا لا يعارض أحدا، بل صاحبها يقول‏:‏ أنا

لا شيء لي، فتبقى معرفة الوصف سالما عن المعارض، فلا يحتاج إلى بينة، وحمل الحديث على الجواز خلاف الظاهر من غير ضرورة، لأن الأمر للوجوب‏.‏

تفريع‏:‏

إن جاء أحد فوصف مثل الأول أو أقام بينة كانت له، ولا شيء له عليك، لأنك دفعت بأمر جائز‏.‏ في التنبيهات‏:‏ لم يذكر خلف الواصف، وعليه حمل الشيوخ مذهب ابن القاسم، وقال أشهب‏:‏ عليه اليمين فإن نكل فلا شيء‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ هذا الباب يسمى بالدليل، وأصله قميص يوسف - عليه السلام - وهل هو كالشاهد فيحتاج معه لليمين أو كالشاهدين فلا يحتاج‏؟‏ ومسائله أربعة‏:‏ واصف اللقطة، وتعلق المرأة برجل وهي تدمى، وتنازع الزوجين في متاع البيت، فما عرف أنه لأحدهما فهو له، والحائط بين الدور ويقضى به لمن يليه وجه البناء، فقيل‏:‏ يحتاج في هذه الصور كلها لليمين، وقيل‏:‏ لا يحتاج وقد قضى بعد قميص يوسف - عليه السلام - من غير يمين، أو ينظر إلى ضعف السبب لكونه من جهة الطالب وهو موضع تهمة، والمتهم يحلف، وفي النكث إن عرف العفاص والوكاء دون عدد الدنانير، أو العفاص والدنانير دون الوكاء، أو الوكاء دون غيره، أخذه عند أشهب إذا حلف، قال أشهب‏:‏ وإن وصف العفاص والوكاء وأخطأ في الدنانير لم يعط شيئا‏.‏ قال عبد الحق‏:‏ ولا يعلم فيه خلاف، كمن قال‏:‏ له دنانير وهي دراهم، وإن أصاب تسعة أعشار الصفة وأخطأ العشر لم يعط إلا في معنى واحد أن يصف عددا فيوجد أقل، فإن أشهب يعطيه، وقال‏:‏ أخاف أن يكون اعتد فيها‏.‏ قال التونسي‏:‏ الأشبه أن الصفة دليل كاليد، فلا بد من اليمين‏.‏ قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ اليمين مع المنازعة، ولا منازع ها هنا، قيل‏:‏ اليمين بالاستبراء فيها في الصدقة على الفقير، فإن الأصل المنع، واليمين يمكن أن يأتي بعد فيصف أيضا كما يستبرأ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ والغائب في قضاء ما

يثبت عليه، وإن اقتصر على العفاص أو الوكاء أجازه لأنه قال‏:‏ ينسي الآخر، وفيه خلاف، بخلاف إذا أخطأ في أحدهما فوصفه بخلاف ما هو عليه، فأصوب الأقوال‏:‏ لا شيء له، لأنه ادعى المعرفة فأكده بنفسه، والجاهل والناسي لم يكذب نفسه، وإن وجد العدد أقل لم يضره، لأنه قد يكون أخذ منها أو اكترى، وغير السكة لم يعط شيئا، وإن وصف سكة فوجدت غير مضروبة، قال سحنون‏:‏ لا يعطى حتى يذكر غير ذلك من علامة أو غيرها‏.‏ ولعل سحنون أراد أن سكة البدر ‏(‏كذا‏)‏ كلها شيء واحد، فكاسلم ‏(‏كذا‏)‏ يأتي بصفة، ورأى يحيى بن عمر أن يأخذها بصفة سكته، قال أصبغ‏:‏ فلو وصف واجد العفاص والوكاء وآخر عدة الدنانير فهي لواصف العفاص والوكاء لترجحه بالزيادة، وكذلك لو لم يعرف إلا العدد لكان أحق به بعد الاستيناء، لأن العدد يحصل تحصيله من السماع، والعفاص له خصوصيات، والعدد لا يختلف فيضعف، واستحسن ابن حبيب أن يقسم بينهما، كما لو اجتمعا على معرفة العفاص والوكاء، وإذا أخذها الأول ثم وصفها آخر لم تعط له بل للأول، لأنه قد يكون سمع الصفة من الأول، ولو تحققنا أنه لم يسمع مثل أن يأتي بحضرة دفعنا إياها لأمكن أن يقسم بينهما بعد أيمانهما على مذهب ابن القاسم، لأن اليد إذا علم الوجه الذي أخذت به، ثم جاء الثاني بالمعنى الذي أخذ به الأول سقط حكم اليد، قال ابن القاسم‏:‏ إذا أخذت أخذ مال ميت بالوراثة ثم جاء آخر وادعى مثل ذلك وتكافأت بينتكما يقسم المال بينكما بعد أيمانكما، وخالفه غيره، وكذلك لو أخذت اللقطة بالبينة لا بالصفة ثم تكافأت البينتان فعلى مذهب ابن القاسم يوقف بينكما، وقال أشهب‏:‏ في هذا‏:‏ يكون الأول، ولو أخذت بالصفة فأقام غيرك البينة ثم أقمت البينة لقدمت، لرجحانك بالصفة، ويبقى في يدك، قال عبد الملك‏:‏ إذا وصفها أو أقمت البينة، فقال الملتقط‏:‏ دفعتها لمن وصفها ولا أعرفه، ولم أشهد عليها، ضمنها لتفريطه بالدفع بغير إشهاد، وإذا ثبت الدفع فالخصومة بينك وبين القابض، ولا شيء على الملتقط، لأنه فعل ما عليه، ولو دفعها بالصفة ولم يحلف ضمن أن فلس القابض أو عدم، وإذا وجد في قرية ليس فيها إلا ذمة، قال ابن

القاسم‏:‏ تدفع لأحبارهم، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا أخطأ في صفته لم يعطها، وإن وصفها مرة أخرى فأصابها، قال أشهب‏:‏ وكذلك إن نكل عن اليمين ثم عاد للحلف، قال ابن يونس‏:‏ والقول باليمين أبين استظهارا، وقد ينكل فيكون للفقد أو لمن يأتي فيصف، ولو عرف العفاص وحده وجهل ما سواه استبرأ‏.‏ فإن جاء أحد وإلا أعطيها كما في شرط الخليطين لا يضر عدم بعض الأوصاف وقيل‏:‏ لا بد من معرفة العفاص والوكاء، ولو أخذتها ببينة بأمر السلطان أو بغير أمره، ثم أقام آخر بينة فهي للأول كما ملكا بالتاريخ، وإلا فلصاحب أعدل البينتين، فإن تكافأت فلمن هي بيده، وهو أنت مع يمينك أنها لك، لا تعلم لصاحبك فيها حقا، فإن نكلت حلف وأخذها،فإن نكل فهي لك بغير يمين، قال ابن يونس‏:‏ ويحتمل عند التكافؤ أن يقسم بينكما على أصل ابن القاسم، وإن أخذتها كالوارث يحوز قبل الوارث، قال اللخمي‏:‏ إذا ادعيتماها واتفقت صفتكما اقتسمتماها بعد أيمانكما، وإن نكل أحدكما فهي للحالف، قال أشهب‏:‏ فإن نكلا لم تدفع لكما، قال اللخمي‏:‏ وأرى أن يقتسماها، لأن يمين أحدكما للآخر من باب دعوى التحقيق، فإن نكل فهي لمن حلف، وإن نكلتما اقتسمتماها، لأن يمين أحدكما للآخر يساوي دعواكما، ولم يمنعاها لإمكان أن يدعيها ثالث، وإن زاد أحدكما صفة قضي له بها، مثل أن يصف العفاص والوكاء ويزيد الآخر العدد أو العدد ‏(‏كذا‏)‏ أو السكة، واختلف إذا اختلفت صفاتكما، كما يصف أحدكما الباطن‏:‏ العدد والسكة‏.‏ والآخر الظاهر‏:‏ العفاص والوكاء‏.‏ قيل‏:‏ العفاص والوكاء أولى لأنه ظاهر الحديث، وقيل‏:‏ يقتسمان، قال‏:‏ وهو أبين لأن معرفة الباطن أقوى فيعارض ظاهر الحديث، وقال عبد الملك‏:‏ وإذا لم يشهد عند الدفع ثم جئت فوصفت أو أقمت البينة‏:‏ أنه يضمن، لأنه فرط، يريد إذا لم يعلم دفعها إلا من قوله، ولو علم أنها أخذت بصفة لم يكن عليه شيء، وإن لم يشهد وجهل الآخذ، قال صاحب القبس‏:‏ قيل‏:‏ العفاص والوكاء في الحديث على معنى التنبيه، إذ لا بد له أن يذكر الأمارات من العفاص والوكاء، وزاد ابن القاسم وأشهب‏:‏ العدد، لأنه الغاية في البيان، وزاد ابن شعبان‏:‏ السكة إذا

اختلفت السكك، قال‏:‏ وأرى أن تكفي صفة واحدة لما في أبي داود أن عليا بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجد دينارا‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث - إلى أن يقال فيه‏:‏ فبينما هم يأكلون إذا رجل يقول‏:‏ أشهد الله والإسلام، الدينار فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلامة واحدة، لأنه قد يأخذه ليلا فيربطه في الظلام فلا يعرف إلا العدد، ويقول‏:‏ أنفقت من العدد ولا أدري ما بقي، ويقول‏:‏ عندي سكك لا أدري أن هذه منها، وأما الوكاء فكنت واحل ‏(‏كذا‏)‏ ولم يكن لها وكاء واحد، فدليل واحد يكفيه، ولو رأيته في الطريق يأخذها لم يكن لك الاعتراض عليه، وهي حينئذ وديعة لجميع المسلمين، فكيف وهي الآن وديعتك فقط‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ إذا وصف العفاص أو الوكاء وجهل الآخر أو غلط فيه، فثلاثة أقوال‏:‏ لا شيء له، يستبرأ أمره فإن لم يأت أحد بأثبت مما أنني به دفعت إليه والتفرقة بين الجهل فيعطى بعد الاستبراء، وبين الغلط فلا يعطى، قال‏:‏ وهو أعدل الأقوال‏.‏

الفرع الثاني

في الكتاب‏:‏ إذا عرفت آبقا عند السلطان وأتيت بشاهد حلفت وأخذته، وإن لم تجد بينة وصدقك العبد دفع إليك لعدم المنازع، والاعتراف دليل ظاهر، وكذلك المتاع مع لص يدعيه قوم بغير بينة يتلوم الإمام فيه، وإن لم يأت غيرهم دفعه إليهم، في النكت‏:‏ يختلف أخذه بشاهد ويمين وبتصديق العبد في ثلاثة وجوه‏:‏ إذا أخذه بالشاهد واليمين أخذ بجهة الملك، فإذا أقام غير شاهد نظر أي الشاهدين أعدل، وبدعواه مع التصديق يقدم عليه صاحب الشاهد ولا يدفعه إذا هلك بأمر الله تعالى بالتصديق يضمنه ولا يستأني به، بل يأخذه في الوقت، وبالتصديق فيأتي فيه الأيام بالاجتهاد، قال التونسي‏:‏ لو أعتق الآبق عن طهارة يوقف عن امرأته خوفا أن يكون هالكا أو معيبا وقت العتق، فيؤخذ سالما أجزئه‏.‏ ولا يقدح إمكان العيب وزواله قبل وجوده بعد العتق، لأن الأصل عدم التغيير،

وإذا قال الآبق‏:‏ أنا لفلان لرجل آخر، سئل أن كان حاضرا أو كتب إليه إن كان غائبا، فإن ادعاه أخذه، ولا دفع لمدعية بعد الاستيناء وضمن وحلف، ولو باعه السلطان فجاء ربه فقال‏:‏ كنت أعتقه لم يصدق، وكذلك أم ولد إذا لم يكن لها ولد‏.‏ وأحلف إذا لم يتهم في ذلك، قال في الكتاب‏:‏ لأنه لو باعه هو لم يقبل إقراره على المشتري، قال في الكتاب‏:‏ إذا باعها وولدها فاستلحق الولد، إن كان ممن لا يتهم على مثلها، ردت عليه، ولو قال‏:‏ كنت أعتقتها لم يصدق، وإن قال‏:‏ بعد البيع ولدت مني صدق، وإن لم يكن معها ولد إن لم يتهم، وفي التنبيهات‏:‏ إذا لم يكن معها ولد اختلفت الرواية فيه في الكتاب‏:‏ فروي‏:‏ يرد إن كان لا يتهم، وروي لا يرد، وفرق الشيوخ بين اعترافه بعد بيعه هو لها فلا يقبل إذا لم يكن معها ولد، لأنه مكذب لدعواه، إلا أن يتبعه المتقدم، وبين بيع السلطان يقبل قوله إن لم يتهم، وفي النكت‏:‏ إذا باع الإمام لا يصدق في أنه عتق العبد، ويصدق في الأمة إن لم يتهم، والفرق أن شأن العتق التوثق والإشهاد في العادة، فعدم ذلك تكذيب، قال اللخمي‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا يقبل قوله، ولدت مني وإن لم يتهم، ولا يقبل في العتق، قال‏:‏ وإن آلى يرد البيع بخلاف العتق، لأن شأن العتق الإشهار بخلاف الإيلاء، وإن الحر لا يأبق، فلو أعتقه لم يأبق، وتأبق أم الولد إلا أن يكون العبد لم يؤاخذ بالعتق فيصح أن يأبق إلا أن الشأن إشهار العتق‏.‏

قاعدة‏:‏ الإقرار بسيط ومركب، فالبسيط هو الذي على المقر وحده نحو‏:‏ علي دين لزيد، أو على الغير وحده، نحو‏:‏ على زيد دين في غير معرض من الشهادة، فيقبل الأول اتفاقا، ويرد الثاني اتفاقا، إلا أن تكون شهادة شرطهما، والمركب‏:‏ أن ينظر بنفسه ولغيره‏.‏ نحو‏:‏ غيري وعبد زيد عتقا أمس، وطلقت امرأتي وامرأة زيد أمس، وعندي وعند زيد دينار لعمرو، فيقبل عليه ويسقط ما يتعلق بالغير، لإمكان الانفصال‏.‏ وتارة يتعذر الانفصال نحو‏:‏ عبدي الذي بعته حر، فهو اعتراف على الغير في إبطال لملكه، وبيعه على المقر في وجوب رد الثمن، وأنه يرثه، وغير ذلك،

والانفصال متعذر، لا يمكن إبطاله عن الغير مع تنفيذه في حقه، فعند عدم التهمة يغلب إقراره على نفسه، وكان الإقرار على الغير، وتعذر الانفصال، فهذه قاعدة هذا الباب‏.‏ ثم نلاحظ فروق بعض الفروع وبعض، فتختلف لأجل تلك الفروع عند مالك الأحكام في تلك الفروع، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن جنبل‏:‏ قوله بعد البيع‏:‏ أعتقته، إلا أن يبيعه هو فلا يقبل إلا ببينة، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ إن أرسله بعد أخذه لعذر خاف أن يقتله أو يضربه فلا شيء عليه، أو لعدم النفقة فهو ضامن، قال أشهب‏:‏ إن أرسله في حاجته يوبق في مثلها ضمن، بخلاف القريبة، قال ابن نافع‏:‏ إن قلت‏:‏ أبق مني كشف أمرك إن اتهمت، قال عبد الملك‏:‏ لا تكليف بينه على ذلك‏.‏ ويحلف أنه انفلت من غير تفريط، لأن أصل الأخذ على الأمانة، قال أشهب‏:‏ إذا صدقك الآبق بأخذه بعد حلفك، فإن جاء طالب آخر لم يأخذه إلا ببينة، وإن صدقه العبد مثل ما صدقك لوجود المنازع فتتعين البينة، وقال سحنون‏:‏ لا يكلف ببينة، ويدفع إليه إذ لا حكم لك فيه، إلا أن يأتي بحدثان دفعه لك‏.‏ فيتلوم له قليلا خوفا من طالب ثالث، ثم رجع فقال‏:‏ لا يدفع له إلا ببينة طال مكثه أم لا، وفي الكتاب‏:‏ يجوز عتقك لعبدك الآبق، وتدبيره وهبتك لغير ثواب، بخلافها لأنها بيع ينافيه الغرر، وإذا زنى أو سرق أو قذف أقيم عليه الحد في ذلك كله، قال اللخمي‏:‏ هل يؤخذ الآبق بالصفة من غير بينة‏؟‏ قال ابن القاسم‏:‏ نعم، ويتلوم في ذلك إن لم يأت من يطلبه أخذه وضمنه، ومنع أشهب إلا أن يقر له العبد بالملك، لأنه لو اعترف لغائب كتب إليه، فإن ادعاه أخذه، فإن أنكر العبد مدعيه ولم يقر لغيره وهو مقر بالعبودية، وقال‏:‏ أنا حر، وهو معروف بالرق، هل يأخذه مدعيه‏؟‏ خلاف، قال‏:‏ وأرى أن يأخذه بالصفة التي تختفي لقوة دلالتها‏.‏ وكذلك يختلف في الدواب هل تدفع بالصفة من غير بينة لأنها مما يتصرف بها ويتعرف صفتها بخلاف الثياب‏؟‏ وقال ابن القاسم‏:‏ يرجع المسروق بالصفة‏.‏

الفرع الثالث

في الكتاب‏:‏ إذا أتيت بكتاب من قاض إلى قاض فيه‏:‏ شهد عندي قوم أن فلانا صاحب كتابي هذا إليك قد هرب منه عبد صفته كذا، فحلاه ووصفه في الكتاب، وعند هذا القاضي عبد محبوس على هذه الصفة، فليقبل الكتاب والبينة التي فيه على الصفة، ويدفع إليك العبد، قيل‏:‏ وترى للقاضي الأول أن يقبل منه البينة على الصفة ويكتب بها إلى قاض آخر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، كقول مالك في المتاع الذي سرق بمكة إذا عرفه رجل ووصفه، ولا بينة له، يستأني الإمام فيه، فإن جاء من يطلبه وإلا دفع إليه بالعبد الذي أقام البينة على صفة أخرى، فإن ادعى العبد أو وصفه ولا بينة فهو كالمتاع، تلوم به، فإن جاء أحد يطلبه، وإلا دفعه إليه وضمنه إياه قال اللخمي‏:‏ اختلف في استحقاقه بشهادة البينة على الصفة أنه استحق من يده عبد على صفة كذا، أجازه ابن القاسم في الوجهين، وخالفه ابن كنانة، ومنع أخذ العبد بكتاب القاضي على الصفة، إلا إذا اعترف له العبد، ومنع أيضا أشهب في العبد إلا أن شهدت البينة أنه العبد الذي في الحكم، وأجاز في المستحق بالبينة على الصفة، والفرق‏:‏ أن الشهادة على الصفة إنما تجوز لضرورة، والشاهد على حكم القاضي قادر على شهادة على عين العبد، فإذا كان العبد غائبا قبلت الشهادة للضرورة‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وأرى إذا غفل القاضي أن يشهدهم على عين العبد حتى خرجوا وبعدوا أن يقبل الشهادة على الصفة وتصير ضرورة، واختلف هل يطبع في عتق العبد والطبع أحسن، ووافق ابن القاسم في الاعتماد في كتاب القاضي والتسليم بمجرد الصفة، وهو أحد قولي ‏(‏ش‏)‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يجب التسليم، لأنهم لا يشهدون على عين العبد، بل على الصفات، وقد تتفق الصفات على اختلاف الموصوفات، لنا أن كتاب القاضي للآخر على الأشخاص في الحكومات بصفاتهم، وإنما يؤخذ المحكوم عليه باسمه وصفته ونسبه فكذلك ها هنا‏.‏

الفرع الرابع

في الكتاب‏:‏ إذا استحقت الدابة من يدك، فادعيت شرائها من بعض البلدان، وخفت ضياع حقه، فلك وضع قيمتها بيد عدل، ويمكنك القاضي من الدابة، فيخرج بها لبلد البائع لتشهد البينة على عينها، فإن قصد المستحق السفر وكل في ذلك وخرجت بالدابة، وطبعت في عنقها، ويكتب لك كتاب إلى القاضي بذلك البلد‏:‏ أني قد حكمت بهذه الدابة لفلان، فاستخرج ماله من بائعه إلا أن يكون للبائع حجة، فإن تلفت الدابة أو نقصت أو تعيبت فهي منك‏.‏ لأنك قبضتها من حينئذ لمصلحتك، وكذلك الرقيق إلا في الجارية فلا تدفع لك إلا أن تكون أمينا، وإلا ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ فتستأجر أمينا خوفا من الوطء، وفي النكت‏:‏ إذا ضاعت القيمة فهي من مستحق الدابة لما ملكت، وحيث تلك القيمة له فهي منه‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ونظائره الثمن في المواضعة إن هلك فضمانة ممن هو له وقيل‏:‏ ضمان القيمة من الخارج بالدابة، والفرق‏:‏ أن ثمن المواضعة قد تراضيا كونه ثمنا للجارية، وإنما القيمة ها هنا كالرهن هلاكه من ربه، هذا الفرق باطل، لأن ما أوجبه الشرع على المكلف لا يقصر عما أوجبه المكلف على نفسه، والفرق بين القيمة والرهن‏:‏ أن القيمة اوقفت ليأخذ عينها بخلاف الرهن، والشبه بثمن المواضعة أقوى‏.‏

الفرع الخامس

في الكتاب‏:‏ إذا زكى الشاهد غير معروف وعدل المزكي معروفون، والشاهد غريب، جاز ذلك، لأنه حكم ببينة معدلين، أو من أهل البلد امتنع، لأنه لا يقبل عدالة على عدالة حتى تكون العدالة على الشهود أنفسهم عند القاضي، في النكت‏:‏ قال بعض الشيوخ‏:‏ تقبل عدالة على عدالة إذا كان الشهود نساء فهن كالغرباء لقلة معرفة الرجال بهم‏.‏

الفرع السادس

في الكتاب‏:‏ إذا عرف الآبق ربه ولم تعرفه دفعته للإمام ابن لم تخف قيمته، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن أقر له العبد بالملك دفعته إليك، لأن الاعتراف حجة، وبأمر الإمام أحسن فإن جحد أنه عبده ودفعته ضمنته، وكذلك الحاكم لا يدفعه إلا ببينة أو بإقرار العبد، لأنه لو اعترف لغيره لكان له ولم ينفع هذا ما عرفه به من جنسه وصفته‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في قيام اللقطة وفواتها

وفي الكتاب‏:‏ إذا بيعت بعد السنة لم يفسخ صاحبها البيع، وإن بيعت بغير أمر الإمام لتقدم إذن الشرع في ذلك بقوله – صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏فشأنك بها‏)‏ وله الثمن ممن قبضه لأنه بذل ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ قال التونسي‏:‏ قال أشهب‏:‏ له في الدابة نقض البيع إذا بيعت بغير أمر السلطان، فإن ماتت فالثمن إن بيعت خوف الضياع، فأما أن باع الثياب فله تضمينه القيمة، وله إجازة البيع لعدم الضرر في بقائها إلا أن يكون البيع بأمر الإمام، فليس له إلا الثمن، فلم يجعل أشهب البيع له إلا بإذن الإمام، ثم فرق في الثياب وغيرها، ولم يذكر تضمين المشتري، فإن كان تعديا جاز أن يضمن المشتري قيمتها يوم لبسها، وجعل ابن القاسم شبهة تمنع نقض البيع، ووجوده غير شبيه يمنع التضمين، فإن أكلها المساكين ضمن قيمتها ولم يضمن المساكين شيئا، وقال أشهب‏:‏ إن تصدق بها عن ربها أخذها من المساكين، كقول ابن القاسم، فإن نقصت فله أخذها ناقصة أو قيمتها من المتصدق بها ثم يرجع المتصدق فيأخذها من المساكين فلك تضمنهم مثلها أو قيمتها عن ملتقطها يوم التصدق، لأن تعريفه بعد السنة مشروط بضمان البدل، فجعل أشهب صدقته بها عن نفسه كغاصب وهب، ومن مذهبه رجوع المستحق على أيهما شاء، فمن رجع عليه فلا رجوع له على الآخر‏.‏ فإن تصدق بها فالإشكال هل

يغرم المسكين أم لا‏؟‏ قال ابن القاسم‏:‏ لو وجدها بيد من اتباعها من المساكين أخذها ويرجع المبتاع الذي تصدق بها عليهم، وكذلك لو ماتت، وقال غيره‏:‏ يرجع بالأقل من الثمن الذي دفع للمساكين، أو قيمتها يوم تصدق الملتقط إن كان الثمن أكثر، ثم ترجع بالقيمة على المساكين، فجعل ابن القاسم لك أخذها من المشتري، ولو باعها الملتقط نقض بيعه، ولم يجعل المساكين كالوكلاء على البيع، فيمضي بيعهم ويغرم الملتقط القيمة، قال‏:‏ وفيه نظر، إذا وجب أخذها من يد المشتري كان الرجوع بالقيمة يوم الصدقة على الملتقط أولى من الرجوع على المساكين، وهم أخذوه على باب الملك، وملكهم عليه من له شبهة، وهم لو أكلوا اللقطة ما ضمنوا، وفي الجواهر‏:‏ متى وجدها قائمة أخذها من يد الملتقط نوى تمليكها أم لا، وكذلك بيد المساكين تصدق عن نفسه أو عنك، وكذلك بيد المبتاع من المساكين، وفي يد المبتاع من الملتقط، بخلاف ابن القاسم وأشهب المتقدم، وإن وجدها بيد المساكين ناقصة وقد تصدق بها عنك خيرت في أخذها ولا شيء لك عليه، أو قيمتها منه ويأخذها الملتقط من المساكين، ولا شيء له عليهم في نقصها، لأنه سلطهم، ومتى عينها والملتقط أكلها أو أتلفها فالقيمة يوم الأكل أو التصدق، لأن يد السابقة له أمانة إن أكلها المساكين تصدق بها عنك أو عنه، قال ابن القاسم‏:‏ وقال أشهب‏:‏ إن تصدق بها عنه فأكلها المساكين، فلك تضمينهم المثل والقيمة‏.‏

كتاب اللقيط

وهو من اللقط فقيل‏:‏ بمعنى مفعول، مثل جريح ومجروح، وقتيل بمعنى مقتول‏.‏ لا بمعنى رحيم بمعنى راحم، وعليهم بمعنى عالم، وشأن فعيل أبدا أن يرد بين فاعل ومفعول، وإنما يعين أحدهما خصوص المادة التي فيها السياق‏.‏ واللقيط والملقوط والمنبوذ اسم للطفل الذي يوجد مطروحا، وهو من باب تسمية الشيء بما يؤول فيه مجازا كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وسيدا وحصورا‏)‏ و‏(‏إني أراني أعصر خمرا‏)‏ وهو كثير في القرآن ولسان العرب، وفيه بابان‏:‏

الباب الأول ‏(‏في الالتقاط وحكمه‏)‏

وأصله‏:‏ قوله عز وجل‏:‏ ‏(‏وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشراي هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وتعاونوا على البر والتقوى‏)‏ ويروى أن عنينا - بضم العين بلا نقط وفتح النون والياء والنون - قال‏:‏ أخذت منبوذا على عهد عمر - رضي الله عنه - فذكره عريفي لعمر - رضي الله عنه - فأرسل إلي فدعاني - والعريف عنده - فلما رآني قال‏:‏ عسى الغوير أبؤسا‏.‏ الغوير تصغير غار، وأبؤسا - بضم الهمزة في الواو - والأبؤس جمع البأس، قال عريفي‏:‏ أنه لا يهتم، فقال عمر - رضي الله عنه -‏:‏ ما حملك على ما صنعت‏؟‏ قلت‏:‏ وجدت نفسا بمضيعة فأحببت أن يأجرني الله عز وجل فيه‏.‏ فقال‏:‏ هو حر، وولاؤه لك‏.‏ وعلينا إرضاعه‏.‏

فائدة‏:‏ أصل هذا المثل‏:‏ غار فيه ناس فانهار عليهم، وقيل‏:‏ جاءهم فيه عدو فقتلهم فصار مثلا لكل شيء يخاف أن يأتي منه شين، وقيل‏:‏ الغوير ماء لكلب، وهذا المثل تكلمت به الزباء - بالزاي المعجمة والباء بواحدة من تحتها‏.‏ مقصور - في قصتها مع قصير اللخمي حين أخذ في غير الطريق فأتى على الغوير‏.‏ ومقصود عمر - رضي الله عنه - بهذا المثل أن يقول للرجل‏:‏ لعلك صاحب هذا المنبوذ‏.‏ حتى أثنى عليه عريفه جيدا، ونصب أبؤسا على أصل خبر عسى، فإن أصل خبرها أن يكون مثل خبر كان، فلما جعلوه فعلا بمعني الاسم راجعوا

الأصل في قولهم‏:‏ كذب أبيا، وعسى الغوير أبؤسا، وفي الجواهر‏:‏ التقاط المنبوذ من فروض الكفاية، وقال الأئمة قياسا على إنقاذ الغريق والطعام والمضطر، وهو مندرج في قاعدة حفظ النفوس المجمع عليها في سائر الملل والكتب المنزلة، فمتى خفت عليه الهلاك وجب عليك الأخذ، وإن أخذته بنية تربيته حرم عليك رده، وإن أخذته لترفعه للإمام فلم يقبله منك جاز رده لموضع أخذه، قال أبو الوليد‏:‏ ومعنى ذلك - عندي - أن يؤمن عليه إهلاك بمسارعة الناس لأخذه بعد رده، ومن أخذ لقيطا فليشهد عليه خوف الاسترقاق، وولاء اللقيط لجماعة المسلمين، لا يختص بها اللقيط إلا بتخصيص الإمام، وما في أثر عمر - رضي الله عنه - الناس على خلاف عمومه، بل هو محمول على ولاية الإرضاع والتربية دون الميراث والنكاح، أو يكون من باب التصرف فالإمامة، فعلى هذا متى خصص الإمام ملتقطا بذلك ثبت له، وليس للعبد ولا للمكاتب التقاط بغير إذن سيده لما فيه من الاشتغال عن مصالح السيد، ولأن الحضانة تبرع، فإن فعلا لم يكن لهما ذلك، وينزع اللقيط من الذمي لئلا يُنَصَّرَهُ، قال سحنون‏:‏ فإن ربت نصرانية صبية حتى بلغت على دينها إن ثبتت لقطة ردت للإسلام وهي حرة، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في العبد والكافر، ونص على الفاسق لا يقر اللقيط بيده خشية أن يسترقه، وألحق بالفاسق الغريب المجهول الأمانة، ولهم في الفقير وجهان، لا يلتقط لئلا يضر باللقيط فقره، ويلتقط اعتمادا على لطف الله تعالى، ووافق ابن حنبل في الكافر والفاسق والعبد، وإذا ازدحم اثنان كلاهما أهل قدم السابق، وإلا أقرع بينهما، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ ينظر في ذلك الإمام فيقره في يد أحدهما وفي يد

غيرهما، ويلزم الملتقط الحضانة، ولا يلزمه النفقة إن وجد من ينفق على الصبي، لابن عمر - رضي الله عنه - فإن عجز عن الحضانة سلمه للقاضي، وإن تبرم مع القدرة لم يكن له تركه إن أخذه ليحضنه كما تقدم، ونفقة اللقيط في ماله، وهو ما وقف على اللقط، أو رتب لهم، أو أوصى لهم به، أو وجد تحت يد اللقيط عند التقاطه ملفوفا عليه، أو في النسخة‏:‏ موضوعا عليه، أو تحته، أو فراش أو ثوب أو دابة، أو معه كيس، أو ما هو مدفون في الأرض تحته فليس له إلا أن يؤخذ معه رقعة فإنه له، وما هو قريب منه موضوع، أو دابة مشدودة فهو لقطة، لأنه حر، فما في يده فهو له، وما خرج عن يده فليس ملكه، والفرق بين البالغ القريب منه في يده وملكه وبينه‏:‏ أن البالغ يدعي متاعه بالقرب بخلاف الطفل، ووافقنا الأئمة على هذه الجملة فيما ينسب للطفل، فإن عدمت هذه الجهات ولم يتبرع أحد بالنفقة ففي بيت المال، وقاله الأئمة، لأن أخذ أطفال المسلمين، فإن تعذر بيت المال فروي في الموازية‏:‏ على الملتقط نفقته حتى يبلغ ويستغني، وليس له طرحه، لأنه بالالتقاط لزمه أمره كله، ثم حيث لم يكن له مال فأنفق أحد عليه فلا رجوع له عليه، لأن اشغال ذمته بالدين لا سبيل إليه، إلا أن يثبت أنه ابن زيد فيتبع زيدا لأنه قام عنه بواجب إن كان طرحه متعمدا، إلا أن يكون قد أنفق عليه حسبة فلا رجوع له بحال، وقال أشهب‏:‏ لا رجوع على الأب بحال، لأن المنفق لم يكن عالما بالأب فهو متبرع، وقال سحنون‏:‏ إن أنفق ليتبعه فطرأ له أب تعمد طرحه اتبعه، أو حسبة لم يرجع ولو ضد صبي فأنفقت عليه لم تتبع أباه لأنه من باب الاحتساب، وحيث أشكل الأمر فالقول قول المنفق مع يمينه في أنه أنفق ليرجع، لأن الأصل‏:‏ عدم التبرع وعصمة الأموال عن الضياع، وعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ متى أخذ اللقيط وغلب ظنه أن ثم من يحفظه جاز له، رده، لنا‏:‏

قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تبطلوا أعمالكم‏)‏ وهذا عمل، ولظاهر قول عمر - رضي الله عنه - عليك إرضاعه‏.‏ وصيغة ‏(‏عليك‏)‏ للوجوب واللزوم‏.‏

الباب الثاني ‏(‏في أحكام اللقيط‏)‏

وهي أربعة‏:‏

الحكم الأول‏:‏ إسلامه، وفي الجواهر‏:‏ الإسلام يحصل استقلالا بمباشرة البالغ، وكذلك المميز على ظاهر المذهب ظاهرا وباطنا، ويجبر عليه إن رجع عنه حتى لو بلغ وأقام على رجوعه فهو مرتد، لأن الإيمان قد وجد منه حقيقة فيقبل لردته، وقاله ‏(‏ح‏)‏ وردة الصغير تصح عند ابن القاسم، ولا تؤكل ذبيحته ولا يصلى عليه، لأنه من باب الخطاب بالأسباب كالإتلاف، لا من باب التكليف، ومنع سحنون و‏(‏ش‏)‏ الصحة، وأباح ذبيحته والصلاة عليه، لأنه لا يحرم عليه الكفر فهو كغيره في حقه، ولا يقتل بردته اتفاقا وهو صبي، وقيل‏:‏ لا يصير مسلما إلا بعد البلوغ، لأن الإسلام الواجب لا يتصور منه لعدم أهلية التكليف، والإيمان لا يقع نفلا، فلا يعتبر إيمانه مطلقا، وغير المميز والمجنون لا يتصور إسلامهما إلا تبعا، وللتبعية ثلاث جهات‏:‏

الأولى‏:‏ إسلام الأب فيتبعه دون أمه، لأن الدين بالنصرة، والأب ذكر مظنتها دون الأم، وقال ابن وهب‏:‏ و‏(‏ش‏)‏ من أسلم منهما تغليبا للإسلام، لنا‏:‏ أنه إسلام لغير من دخل في عهده فلم يتبعه كالحال، ولأن الأم مساوية له في الدخول تحت عهدة الأب فلا يتبعها كأخيه، ولأن الأب هو المتبرع في عقد الذمة فيكون هو المتبرع في الإسلام كعقد الذمة، وحيث قلنا بالتبعية فبلغ واعترف عن نفسه بالكفر، فهو مرتد‏.‏

الجهة الثانية‏:‏ تبعية الدار، فكل لقيط وجد في قرى الإسلام ومواضعهم فهو مسلم، أو في قرى الكفر ومواضعهم فهو كافر، ولا يعرض له إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه، وقال أشهب‏:‏ حكمه أيضا في هذه‏:‏ الإسلام، التقطه مسلم أو

ذمي، لاحتمال أن يكون لمن فيها من المسلمين، كما أجعله حرا وإن جهلت حريته‏.‏ لاحتمال الحرية لأن الشرع رجح جانبها، وعند ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ متى كان في البلد مسلمون أو مشركون أقوى ‏(‏كذا‏)‏ بالحرية، وفيه مسلم واحد، فاللقيط مسلم لجريان حكم الإسلام على الدار، وإسلام من فيه، وإن كان جميعهم كافرا، وإن صالحهم الإمام فهو كافر، لأن الظاهر أنه ولدهم، وإن كان في بلد الكفر الأصل كالترك وغيرهم وليس فيهم مسلم فكافر، وإن كان فيهم مسلم فوجهان‏:‏ أصحهما‏:‏ أنه كافر تغليبا لحكم الكفار‏.‏

الحكم الثاني‏:‏ نسب اللقيط‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ إن استلحقه الملتقط وغيره لا يلحق إلا ببينة، أو يكون لدعواه وجه، كمن عرف أنه لا يعيش له ولد فزعم أسر ‏(‏كذا‏)‏ ماه، لأنه سمع أنه إذا طرح عاش، ونحو ذلك مما يدل على صدقه، وقيل‏:‏ لا بد من البينة مطلقا، لأن غيره يحتمل أن يدعيه، وقال أشهب‏:‏ يلحق بمجرد الدعوى لعدم المنازع، وهو أمر باطل يخفى إلا أن يظهر كذبه‏.‏ قال الشيخ أبو إسحاق‏:‏ وهو المختار، وربما طرح الناس أولادهم من الإملاق وغيره، وإذا استلحق الذمي لقيطا ببينة لحقه وكان على دينه إلا أن يسلم، وإن استلحقته امرأة وولدها، قال ابن القاسم‏:‏ لا تقبل‏.‏ منها، وإن جاءت بما يشبه من العدد، وقاله الأئمة‏:‏ لأن إقامتها لبينة على ولادتها ممكن، بخلاف الزوج، لأن الوطء حالة تستر، ولأنها إن ألحقته بزوجها فليس للإنسان أن يلحق النسب بغيره، ولذلك إذا استلحق الزوج لا يلحق بالمرأة، وإن ادعته من وطء شبهة أو زنا كان ذلك ضررا عليه، أما الزوج فيمكن أن يتزوج بامرأة أخرى، والمرأة لا تتزوج برجل آخر، وقال أشهب‏:‏ يقبل قولها، لأنها إحدى الأبوين، وإن قالت‏:‏ من زنا‏.‏ حتى يعلم كذبها، لما في البخاري عن سليمان - عليه السلام - ‏(‏أن الذئب عدا على صبي لامرأة فادعت أن ابن المرأة التي معها ابنها، فتداعياه لسليمان - عليه السلام - فأمر أن يقسم بينهما بالسكين، فقالت أمه‏:‏ لا

تفعل، سلمت لها‏)‏ فقضى به للمانعة من قسمته، لأن الشفقة عليه وجدت منها دون الأخرى، وكان داوود - عليه السلام - قضى به قبله للأخرى، فلو لم يكن للمرأة الاستلحاق لما قضي بالصبي لمدعيته منهما أو للأولى، وأخر الأخرى‏.‏ وقال محمد‏:‏ تصدق في الزنى وتحد، وأما من لها زوج فلا إلا أن تدعيه فيلحق به‏.‏ قال صاحب الأشراف‏:‏ والمسلم والذمي سواء في دعوى نسب اللقيط، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يقدم المسلم على الذمي، والحر على العبد، قياسا على ما لو تنازعا في الحضانة لما على اللقيط في ذلك من الغرر، فكان إلحاقه بالمسلم والحر أولى‏.‏ وجوابه‏:‏ الفرق أن الحضانة ولاية يخشى على اللقيط فيها من تعيين الدين وسوء الحال‏.‏ بخلاف النسب‏.‏ وأما أن كل واحد منهما لو انفرد صحت دعواه، فإذا اجتمعا استويا كالأحرار المسلمين، ولأنه ساوى المسلم في لحوق النسب فيساويه في المنازعة قياسا للفرع الذي هو المنازعة على الأصل الذي هو النسب‏.‏

الحكم الثالث‏:‏ حريته، وفي الجواهر‏:‏ هو على الحرية لا يقبل فيه دعوى الرق من أحد إلا ببينة، ولا يقبل إقراره هو على نفسه بالرق، لأنه ليس له أن يرق نفسه، لم يختلف في ذلك مالك وأصحابه، وقاله الأئمة، لأن الأصل في الناس الحرية، وإنما يطرأ عليهم الرق بجريرة الكفر، وقاله عمر وقاله على - رضي الله عنهما - وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وشروه بثمن بخس دراهم معدودة‏)‏ وجه الحجة‏:‏ أنه لو كان رقيقا لملتقطه - كما قاله بعضهم - لما احتاجوا إلى شرائه، ولأنه أن كان ابن أمة فهو لسيدها، أو ابن أم ولد، أو ابن حرين فهو حر، فلا معنى لقوله‏:‏ هو رقيق لملتقطه بغير سبب ملك، والالتقاط إنما هو للحفظ دون نقل الأملاك‏.‏

الحكم الرابع‏:‏ جنايته، وفي الجواهر‏:‏ أرش خطأه في بيت المال، لأن ميراثه له، وإن جني عليه‏:‏ فالأرش كسائر الأحرار، وبذلك قال الأئمة‏.‏

‏(‏كتاب الوديعة‏)‏

وفيه مقدمة وأربعة أركان‏:‏

المقدمة الأولى‏.‏ في اشتقاقها

وهي مأخوذة من‏:‏ الودع، وهو الترك، ومنه قوله – صلى الله عليه وسلم –‏:‏ ‏(‏وددت أن أخالف إلى بيوت أقوام فأضرم عليهم بيوتهم نارا لودعهم الجماعة‏)‏ أي لتركهم الجماعة، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ما ودعك ربك وما قلا‏)‏ أي ما ترك عادة إحسانه في الوحي إليك، لأن المشركين ادعوا ذلك لما تأخر عنه الوحي، ومن خصائص هذا المصدر أن العرب لم تستعمل فعله الماضي استغناء بـ ‏(‏ترك‏)‏ فتقول‏:‏ ترك، ولا يقولون‏:‏ ودع إلا شاذا، ولما كان المودع يترك ما له عندك عنده سمي‏:‏ وديعة، وقيل‏:‏ هي من الدعة وهي من السكون وخوض العيش، لأن المال ساكن عند المودع، والأول الصحيح لظهور الواو في أولها، والواو في‏:‏ ودع مخففة، وهي فعلية بمعنى مفعولة بنحو قتيلة بمعنى مقتولة، وجريحة بمعنى مجروحة، لا من باب رحيمة بمعنى راحمة‏.‏ ولا بمعنى عليمة بمعنى عالمة، وفعيل أبدا شأنه‏:‏ التردد بين فاعل ومفعول، وإنما يتعلق أحدهما بخصوص المادة التي وقع الكلام فيها‏.‏

الركن الأول في الإيداع

وفي الجواهر‏:‏ استنابة في حفظ المال، وهو عقد أمانة إجماعا، لأن القبض فيه لمصلحة الدافع، عكسه القرض، والمركب منهما‏:‏ الرهن لا جرم لم يختلف في الطرفين، واختلف في الضمان في المركب، وهو عقد جائز من الجهتين، وقاله الأئمة‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ العقود الجائزة خمسة‏:‏ الوكالة، والجعالة، والمغارسة، والتحكيم، والقراض، مذكران والثلاث مؤنثات، ويكون هذا سادسها، وظاهر المذهب أن الإيداع مندوب إليه لمن علم من نفسه الأمانة ولم يكن المال يخاف عليه، ويكون مندوبا على الكفاية كالأذان والإقامة وسنن تجهيز الأموات، وواجب عند الخوف على المال عند ربه من ظالم وغيره، فيكون حينئذ صونه فرضا على الكفاية، وقال الأئمة في فصل النذر والوجوب، لأن صون المال واجب إجماعا كالنفوس، قاله صاحب المقدمات، قال ابن شعبان‏:‏ الإيداع غير واجب، وجدت من يودع لك أم لا، وينتفي لزومه إذا لم يجد على تحمل الشهادة إذا ادعيت وليس في البلد غيرك، ومن يرى وجوبه وجد من شهد أم لا، قال صاحب الإشراف إن أودعت بشرط الضمان لا يضمن، وقاله الأئمة خلافا للعنبري، لأنه خلاف مقتضى العقد فلا يلزم كسائر الشروط، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يفتقر للإيجاب والقبول كالوكالة، وأصلنا يقتضي عدم الاشتراط فيهما كما تقرر في البيع‏.‏

وأصله‏:‏ الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب‏:‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏)‏ والسنة، قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏أد الأمانات

لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك‏)‏ ‏(‏وكانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودائع تركها عند أم أيمن لما هاجر وأمر عليا - رضي الله عنه - أن يؤديها لأربابها‏)‏ واجمعت الأئمة في جميع الأمصار والأعصار على حسن الإيداع‏.‏

قاعدة‏:‏ العقود قسمان‏:‏ منها، ما تترتب مصلحته على مجرد العقد فيكون شأنه اللزوم، كالبيع والإجارة فإن مصلحته انتقال الملك، وقد حصل‏.‏ ومنها ما لا تترتب مصلحته على مجرد العقد كالجعالة، فإن مصلحتها ومقصودها حصول المجعول عليه، وهو غير متحصل عند العقد لعدم انضباطه، وكذلك نظائرها، فكانت على الجواز، ثم ترد نقوض تندفع بالفروق الفقهية المذكورة في مواضعها، وأصل القاعدة وسرها ما تقدم‏.‏

تنبيه‏:‏ الجواز في اصطلاح العلماء له معنيان‏:‏

أحدهما‏:‏ نفي الحرج عن الفعل والترك، وهو الإباحة، وهو الذي يكثر استعماله‏.‏

وثانيهما‏:‏ تمكن كل واحد من المتعاقدين من فسخ العقد شرعا ولا يمكن تفسيره بالإباحة، وإلا امتنع جعل البيع والنكاح وغيرها قسيما للعقود الجائزة الستة المتقدمة، لأنها مباحة، فكان التفسير يعم فيتعين أن يكون لفظ الجواز في الاصطلاح مشتركا‏.‏

الركن الثاني‏:‏ المودع

في الجواهر‏:‏ لا يشترط فيه إلا أهلية التوكيل، فإن البر والفاجر له أن يودع غير أن المحجور عليه لا يتصرف في المال، فلا يودع، وقاله الأئمة، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ إذا أودعك صبي أو معتوه لم تبرأ إلا بعد الدفع للولي، وينبغي أن يكون ذلك متفقا عليه‏.‏

الركن الثالث‏:‏ عاقده

في الجواهر‏:‏ لا يشترط فيه إلا أهلية التوكيل، لأنه وكيل على الحفظ، وقاله الأئمة، وقال اللخمي‏:‏ يشترط فيه أن يكون ذا محرم إذا كانت الوديعة امرأة إلا أن يكون مأمونا أو امرأة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ‏(‏لا يخلون رجل بامرأة ليس بينه وبينها محرم‏)‏ وأجاز مالك لمن ادعى أمة وأقام شاهدا أو لطخا ووضع القيمة أن يسافر بها إذا كان مأمونا، ومنعه أصبغ، وهو أصوب للحديث، ولأن الخوف عليها من المدعي أشد لأنه يقول‏:‏ هي أمتي أستبيحها إذا غاب عليها‏.‏ وفي هذا الركن ثلاثة فروع‏:‏

الفرع الأول

في الكتاب‏:‏ إذا أودعت صغيرا بإذن أهله أم لا لم يضمن، كما لو بعته سلعة فأتلفها، لا يبيعه بثمن ولا قيمة، ولو اشتريت منه ودفعت الثمن إليه فأتلفه ضمنت السلعة‏.‏ ولا يضمن الثمن، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ لا يضمن الصبي الوديعة إلا إن أتلفها بنفسه، وكذلك المعتوه، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏‏.‏

لنا‏:‏ القياس على البهيمة، ولأنك سلطته على الإتلاف، فهو كالإذن فلا يضمن كالبالغ‏.‏

احتجوا بأنك سلطته على الحفظ ولم تسلطه على الإتلاف، فهو كما لو أودعت عند خائن تعلم خيانته فإنه يضمن إجماعا، فكذلك ها هنا‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ إن علم المودع بحال يتنزل منزله الاكر ‏(‏كذا‏)‏ كما أن من قدم حيوانا للسباع يضمنها إياه لأن علمه بحال السبع تسليط‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن الجائز متوقع في حقه الوازع الشرعي بخلاف الصبي‏.‏

الفرع الثاني

في الكتاب‏:‏ إذا أودعت عبدا محجورا عليه فأتلفها فهي في ذمته إن عتق

يوما، لأنه لم يحق ‏(‏كذا‏)‏ لتسليطك عليها، فيكون كالدين في الذمة إلا أن يفسخها عنه السيد في الرق، وذلك له لأنه عيب، وإذا أسقطته سقط في رقه وبعد عتقه‏.‏ وإلا لبقي العبد، وما أتلفه المأذون له من وديعة ففي ذمته لا في رقبته، لأنك متطوع بالإيداع وليس لسيده إسقاط ذلك عنه، لأنه عرضه لذلك بالإذن، وكذلك ما أفسده العبد الصانع المأذون له في الصناعة مما دفع إليه ليعمله أو يبيعه، وكذلك ما أئتمن عليه أو استسلفه فهو في ذمته لا في رقبته، ولا فيما بيده من مال السيد، وليس للسيد فسخ ذلك عنه، لأنه أذن له فيما تتوقع فيه هذه الأمور، وما قبضه العبد والمكاتب وأم الولد والمدبر من وديعة بإذن السيد فأهلكوها ففي ذمتهم لا في رقابهم كالمأذون، وبخلاف قبض الصبي الوديعة بإذن أبيه لا يلزمه شيء، ولا ينبغي ذلك لأبيه‏.‏ قال التونسي‏:‏ لا يضمن الصبي‏.‏ وكذلك السفيه أذن وليه أم لا، لأنك سلطته على ذلك، واختلف إذا كان العبد هو الذي أدخل نفسه في ذلك وصدقته، كقوله‏:‏ سيدي أمرني أن استعير منك فصدقته ودفعت إليه فأنكر سيده، فقال للسيد‏:‏ إسقاطه بعد يمينه أنه ما بعثه، وهو لأشبه، لأن العبد ليس له أن يعيب نفسه بكذبة وعدوانه، وأنت أتلفت متاعك بتصديقه، وقيل‏:‏ هو دين في ذمته ولا يسقطه، وأما ما تعدى عليه العبد والصبي فيتبعون به، وكل ما لزم رقبة العبد لزم ذمة الصبي، واختلف في الأمة المشتركة بين حر وعبد فيطأها العبد، فقيل‏:‏ جناية في رقبته لأنه لم يؤذن له في ذلك، وقيل‏:‏ ليس بجناية، لأنه كالمأذون له في ذلك لشركة الحر إياه، وفرق أشهب في المأذون له بين الوغد، فلا يكون الإذن له في التجارة إذنا له في الإيداع، ولسيده فسخ ذلك من ذمته، وبين ذي الهيئة فلا يقدر السيد على فسخ ذلك من ذمته، والمحجور إذا كان يبيع ويشتري بغير إذن فكالمأذون له في ذلك، وأخذه الودائع، عن ابن القاسم‏:‏ إن أسلفت مأذونا له في التجارة ذهبا على عمل فأفلس لزم ذلك العبد في ذمته وخراجه إن أذن له في المعاملات، وإن لم يؤذن له إلا في عمل الصنعة فقط، والسلف كثير، ففي ذمته لا في خراجه، أو يسيرا

ففي ذمته وخراجه، قال ابن يونس‏:‏ في العتبية‏:‏ إذا أرادت إيداعه فقال له‏:‏ أودع عبدي ففعلت فاستهلكها العبد فهي في ذمته، وإن غره السيد في العبد فلا شيء على العبد بكل حال، قال ابن عبد الحكم‏:‏ ولا يكون في ذمته بإقراره أنه استهلكها حتى تقوم بينة، قال اللخمي‏:‏ لا ينبغي إيداع الصبي ولا السفيه، لأنه تعريض المال للضياع‏.‏ ولا يتبعان بإتلافهما إلا أن ينفقا ذلك فيما لا له غنى لهما عنه، ولهما مال فيتبعان في ذلك المال، ثم أفاد غيره لم يتعاقبه‏.‏ ووافقنا ابن حنبل في القن، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ ما ضيع الصبي والعبد من الودائع لا شيء عليهما، فإن أتلفاها لم يضمنا عند ‏(‏ح‏)‏ ونقض أصله لقوله‏:‏ إذا أودع الصبي عبدا أو أمة فقتلهما ضمنهما، وضمن ‏(‏ش‏)‏ العبد والصبي، ومنشأ الخلاف‏:‏ أن هذا الإيداع تسليط على الإتلاف أم لا‏؟‏ فعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ هذا الإيداع ملغى، فكأنها حتما ‏(‏كذا‏)‏ على المال ابتداء‏.‏ لنا‏:‏ أن التضييع معلوم من الصبي، فصاحب المال هو المهلك لماله فلا يضمن، وأوردوا على هذا أنه لم ينتقض بما إذا أودع عبد معلوم الجناية فإنه يضمن‏.‏ وقياسا على ما إذا لفت من ‏(‏كذا‏)‏ الصبي فأتلف لا يضمن، وكذلك لو اشتريت منه ودفعت له الثمن، وأجابوا بأن عقد المعاوضة تقتضي التسليط على العوض بخلاف الإيداع، ولأنا لو ضمنا لك لرجع عليك، لأنك الذي سلطه، فلا يفيد التضمين شيئا، وقياسا على العرض‏.‏ احتجوا بالقياس على المأذون والمكاتب، وجوابه‏:‏ الفرق بأن العبد ليس مظنة الإتلاف‏.‏

الفرع الثالث

في الكتاب‏:‏ إذا أودعتهما أو أبضعتهما فليكن المال عند أعدلهما كالمال عند الوصيين، فإن لم يكن في الوصيين عدل خلعهما السلطان ووضع عند غيرهما‏.‏ في التنبيهات‏:‏ لو اقتسماها لم يضمناها في ظاهر قول ابن القاسم، والخلع عند عدم

العدالة مختص بالوصيين، لأن الإيداع مشروع عند البر والفاجر، ولا يوصي الفاجر، وقال القاضي إسماعيل‏:‏ هما بخلاف الوصيين، لا يكون عند أحدهما، ولا ينزع منهما ولا يقتسمانه، ويجعلانه حيث يثقان وأياديهما فيه واحدة، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب في البضاعة‏:‏ إن اقتسماها أو كانت عند أدناهما عدالة ما لم يكن بين الفجور فلا ضمان على واحد منهما‏.‏ قال يحيى‏:‏ ولا يضمن الوصيان إذا اقتسما، وقال ابن حبيب‏:‏ يضمن كل وصي ما سلم بالتسليم، وما صار بيده يدفع يد الآخر عنه، ولم يرضها الموصي إلا جميعا‏.‏