فصل: الباب التَّاسِعُ فِي الِاسْتِخْلَافِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الثَّامِنُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا:

وَيَنْبَنِي على الْفرق وَيُمكن غَيْرِهِ مِنَ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا قَالَ فِي الْفُتْيَا فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَا قَضَى بِهِ مِنْ نَقْلِ الْأَمْلَاكِ وَفَسْخِ الْعُقُودِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ حُكْمٌ وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَادِثَةِ لَمَا رُفِعَتْ إِلَيْهِ كَامْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَأَقَرَّهُ وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ وَجَاءَ غَيْرُهُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلغيره فَسخه وَقَالَ ابْن الْقَاسِم حكم لِأَنَّهُ امضاه والاقرار عَلَيْهِ كَالْحكمِ باجازة وَلَا يُنْقَضُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَقَالَ لِأَنَّهُ حَكَمَ فِي غير بِاجْتِهَادِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِيهِ بِإِمْضَائِهِ أَوْ فَسْخِهِ أَمَّا لَوْ رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا النَّاكِحُ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَهَذِهِ فَتْوَى وَلَيْسَ بِحكم وَرفع إِلَيْهِ حُكْمٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَقَالَ أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِين وَهُوَ فَتْوَى مَا لَمْ يَقَعْ حُكْمُهُ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خلافًا وان حكم بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لم يقمه التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ لَيْسَ بِنَقْلِ مِلْكٍ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إِلَى الْآخَرِ وَلَا فَصْلِ خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا وَلَا إِثْبَاتِ عَقْدٍ وَلَا فَسْخِهِ مِثْلِ رِضَاعِ كَبِير فَيحكم فَإِن رِضَاعُ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ مِنْ أَجْلِهِ فَالْفَسْخُ حُكْمٌ وَالتَّحْرِيمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَثْبُتُ بِحُكْمِهِ بَلْ هُوَ مَعْرِضُ الِاجْتِهَادِ أَوْ رُفِعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا وَحرم عَلَى زَوْجِهَا فَفَسْخُهُ حُكْمٌ دُونَ تَحْرِيمِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَحُكْمُهُ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَحْرِيم بيع أو نِكَاح وَبيع وَإِجَارَةٍ هُوَ فَتْوًى لَيْسَ حُكْمًا عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاهَدَهُ وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْكُولٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنَ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ.
تَمْهِيدٌ:
الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى كِلَاهُمَا إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ الله تعإلى ويعتقدهما الْمخبر وَكِلَاهُمَا الْمُكَلف مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنَّ الْفَتْوَى إِخْبَارٌ عَنْ حكم الله تعإلى ويعتقد الْمخبر وَكِلَاهُمَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنَّ الْفَتْوَى إِخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِلْزَامٍ أَوْ إِبَاحَةٍ وَالْحُكْمُ إِخْبَارٌ عَنْ إِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلْزَامِ الْحَاكِمِ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَقَوْلنَا فِي الْفَتْوَى أو اباحة يُرِيد بِهِ مَا عَدَا الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ فَتَنْدَرِجُ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَقَوْلُنَا فِي الْحُكْمِ إِلْزَامُ اللَّهِ لَمْ يكن حكما شَرْعِيًّا وَلَا قَضَاء لارضا وَقَوْلُنَا وَإِلْزَامُ الْحَاكِمِ هُوَ الْقَيْدُ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْفَرْقُ مَعَ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْمُفْتِي أَنْ يُجِيزَ وَلَا يُلْزِمَ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يُنْكِرُ الْمُنْكِرُ ذَلِكَ سَعْيٌ أَنْ لِلَّهِ ضِدَّ مَا أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَا إِلْزَامَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ الْمُنْكِرِ أَوِ الْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ مَنْ رَأَيْتَهُ خَالَفَنِي فَامْنَعْهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اسْتَنَبْتُكَ عَنِّي فِي الْإِلْزَامِ الَّذِي ترَتّب عَلَيْهِ الانكار فالاول ساع فِي وُقُوع المامور وَالثَّانِي بِشَيْء لِلْأَمْرِ والالزام الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الانكار لَا حرم مِنْ نَقْضِ حُكْمِ حَاكِمٍ أَنْكَرْنَا عَلَيْهِ وَقِيلَ الْحُكْمُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنْكَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَدَّدْ إِلْزَامُ اللَّهِ الَّذِي اسْتَنَابَ عَبْدَهُ فِيهِ فَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَحَاكِمٍ يَسْتَنِيبُ وَالْمُنْكِرُ وَالْمُفْتِي كَحَاكِمٍ لَهُ تُرْجُمَانٌ أَوْ وَزَعَةٌ يلجؤن النَّاسَ لِدَفْعِ الْحُقُوقِ ثُمَّ هَذَا الْإِلْزَامُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنًى مَحْصُورٍ كَالْخَصْمِ الْحَاضِرِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ لغير مُعَيَّنٍ وَلَا مَحْصُورٍ كَالْحُكْمِ بِوَقْفِ مَسْجِدٍ أَوْ عتق عبد هُوَ الزام لكل مُكَلّف ان لَا يَبِيعَهُمَا وَقَوْلُنَا لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا احْتِرَازٌ مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ فِي تَنْجِيسِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَظَاهِرُهُ الْأَرْوَاثُ وَتَحْرِيمُ السِّبَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ لِدُنْيَاهُ بَلْ لِأُخْرَاهُ بِخِلَافِ الْمُنَازَعَةِ فِي الْعُقُودِ وَنَحْوِهَا إِنَّمَا ذَلِكَ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا فَهَذَا يُظْهِرُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمِيَاهِ وَنَحْوِهَا لَا تَقْبَلُ الْحُكْمَ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا يُفِيدُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَعَهُ فَيَجْتَمِعُ الْحُكْمَانِ وَمِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْفُتْيَا فَيَنْفَرِدُ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَرُّفِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفُتْيَا وَهِيَ التَّبْلِيغُ الْمُعَدَّى عَنِ الْحُكْمِ مِنْ قَبْلِهِ وَبَيْنَ تَصَرُّفِهِ بِالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ هُنَالِكَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ وَيَظْهَرُ أَيْضًا بِهَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا لَا تَقْبَلُ الْحُكْمَ وَهِلَالَ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا حَظُّ الْحَاكِمِ فِيهِ إِثْبَاتُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَكَذَلِكَ إِيجَابُ الزَّكَاةِ وَأَمَّا أَخْذُ مَا سَنَّ يَأْخُذَهُ السَّاعِي فَذَلِكَ حُكْمٌ لِوُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ لِمَصَالِحَ دُنْيَوِيَّةٍ وَهِيَ الْمَالِيَّةُ وَعَلَى هَذَا خَرَجَ سَائِرُ الْأَحْكَامِ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ لَا يُنْقَضُ لِأَنَّ الْحُكْمَ نَصٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الْحَاكِمِ وَنَصُّ اللَّهِ تَعَالى مُقَدَّمٌ كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ الْحَقُّ مَعَ هَذَا وَإِذَا كَانَ هَذَا نَصًّا صَرِيحًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ حُرِّمَ عَلَى الْمُخَالِفِ لَهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ نَقْضُ هَذَا الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِنَاءً على قَاعِدَة مجمع عَلَيْهَا وَهُوَ أَنه اذا تعَارض النَّص وَالْعُمُومُ قُدِّمَ الْخَاصُّ فِي صُورَةِ وُرُودِهِ وَبَقِيَ الْعُمُومُ مَعْمُولًا بِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ فَلَا حرم مُخَالف الْمُجْتَهِدِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي اتَّصَلَ بِهَا الْحُكْمُ وَتَخْرُجُ هَذِهِ مِنْ خِلَافِهِ لِوُرُودِ النَّصِّ الْخَاصِّ فِيهَا كَمَا يَعْمَلُ فِي سَائِرِ مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ إِذَا اجْتَهَدَ فَتَخْرُجُ الْمُصَرَّاةُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ لِلنَّصِّ وَتَخْرُجُ الْمُسَاقَاةُ مِنَ الْإِجَارَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مُسْتَثْنًى بِنَصٍّ يَخُصُّهُ فَهَذَا مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَوَاطِنِ الْخلاف يرفعهُ وَلَا ينْتَقض لأحد ذَلِكَ الْحُكْمَ وَقَدْ يُظْهِرُ بُطْلَانَ مَا فِي الْجَوَاهِر فِي بَاب نقص الْحُكْمِ أَنَّ الْخِلَافَ يَبْقَى مَعَ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ وَلَا يُسْتَشْعَرُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قد جعل لأحد ان ينشىء إِلْزَامًا لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ ذَلِكَ لِلْحُكَّامِ جَعَلَ مُكَلّف ان ينشىء عَلَى نَفْسِهِ الْوُجُوبَ فِي كُلِّ مَنْدُوبٍ بِالنَّذْرِ وَإِنْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ فَأَوْلَى ان ينشىءالحاكم الْإِلْزَامَ بِمُعَيَّنٍ أَيْضًا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِهِ غَيْرَ أَنَّ النَّاذِرَ يُنْشِئُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْحَاكِمَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِأَنْ جَعَلَ أَيْضًا لكل مُكَلّف ان ينشىء سَبَبِيَّةَ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَهُ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ وَيُمَيِّزَهَا لِلَّهِ تَعَالَى فِيمَا فِيهِ حُكْمٌ وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ فَيَجْعَلُهُ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ فَيُقِيمَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لذَلِك.

.الباب التَّاسِعُ فِي الِاسْتِخْلَافِ:

وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ وَمَا عَلِمْتُ فِيهِ خِلَافًا وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا نُهِيَ عَنْهُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِأَنَّ النَّهْيَ عَزْلٌ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ فَعَلَهُ عَلَى مُقْتَضَى الاذن كَسَائِر أَنْوَاع الْولَايَة فَإِن تجدّد عقد الْولَايَة عَن النَّهْي الْإِذْنِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ لَيْسَ لِقَاضِي الْخَلِيفَةِ الِاسْتِخْلَافُ مَكَانَهُ إِذَا كَانَ حَاضِرًا وَأَمَّا إِنْ سَافَرَ أَوْ مَرِضَ فَفِي الْوَاضِحَةِ يُسْتَخْلَفُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُسْتَخْلَفُ وَإِنْ سَافَرَ أَوْ مَرِضَ إِلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ وَعِنْدَ ش يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي نَوَاحِي عَمَلِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَّسِعُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ وَيَشُقُّ عَلَى النَّاسِ الْحُضُورُ إِلَيْهِ فَإِنْ نَهَاهُ عَنِ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ أَمَرَهُ اتَّبَعَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَفِي الشَّامِلِ لِلشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَإِلَّا اسْتَخْلَفَ ووُجُودُ النَّهْيِ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فَإِنْ عزت الْوِلَايَةُ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ امْتَنَعَ الِاسْتِخْلَافُ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يُمكنهُ مبَاشر الْجَمِيعِ اسْتَخْلَفَ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْهُ كَمَا يُوَكِّلُ الْوَكِيلَ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ وَلَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَقَالَ ح لَا يَسْتَخْلِفُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَاسْتَخْلَفَ فَالثَّانِي قَاضٍ لِلْإِمَامِ.
تَمْهِيدٌ:
الْوِلَايَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يَتَضَمَّنُ الِاسْتِخْلَافَ لِتَوَقُّفِ مَقْصُودِهَا عَلَيْهِ كَوِلَايَةِ إِمَامَةِ الْجُمْعَةِ فَإِنَّ مَقْصُودَهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَلَوْ سبقت الْحَدث وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَكَذَلِكَ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ يُبْطِلُ إِمَامَتَهُ أَوْ صَلَاتَهُ وَكَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى مَقْصُودُهَا ضَبْطُ مَصَالِحِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاسْتِخْلَافٍ وَكَالْوَصِيَّةِ مَقْصُودُهَا أَنْ تَقُومَ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إِنْ مَاتَ أَوْ يُوَكِّلَ حَالَ حَيَاتِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَتَضَمَّنُ الِاسْتِخْلَافَ كَالْوَكَالَةِ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ وَحْدَهُ وَعَوَارِضُ عَجْزِهِ نَادِرَةٌ بِخِلَافِ إِمَامَةِ الْجُمُعَةِ عَوَارِضَ الْعَجْزِ عَنْهَا كَثِيرَةٌ وَكَالِاسْتِيدَاعِ مَقْصُودُهُ الْحِفْظُ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْمُودَعِ عِنْدَهُ وَحْدَهُ وَكَالْمُقَارِضِ وَالْمُسَاقِي فَمَتَى وَكَّلَ أَحَدٌ هَؤُلَاءِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَمِنْهَا مَا فِيهِ الشَّبَهَانِ كَالْقَضَاءِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا وَلِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصَالِحِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ وَلَا مُنْضَبِطٍ أَشْبَهَ الْإِمَامَةَ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فَوْقَهُ مَنِ ارْتَضَاهُ وَحْدَهُ وَلَهُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ عِنْدَ عَجْزِهِ أَشْبَهَ الْوَكَالَةَ فَهَذِهِ الْمَدَارِكُ مَنْشَأُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَفْرِيعٌ فِي الْجَوَاهِر حَيْثُ اجزنا يُشْتَرَطُ فِي الْخَلِيفَةِ صِفَاتُ الْقُضَاةِ لِأَنَّهُ قَاضٍ إِلَّا إِذَا لَمْ يُفَوَّضْ إِلَيْهِ سَمَاعُ الشَّهَادَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا مَعْرِفَةُ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى النَّائِبِ الْحُكْمَ بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ وَخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ إِنْ جَوَّزْنَا تَوْلِيَةَ الْمُقَلِّدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ وَلِلْإِمَامِ الْمُعْتَقِدِ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ التَّقْلِيدُ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ مِنَ الْمُعْتَزِّي إِلَى مَذْهَبِهِ فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يُلْزِمْهُ الْمَصِيرَ فِي أَحْكَامِهِ إِلَى أَقْوَالِ مَالِكٍ بَلْ أَيْنَمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ صَارَ إِلَيْهِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمَ بِمَذْهَبِ إِمَامٍ مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِمُنَاقَضَتِهِ لما يجب من الِاجْتِهَاد كَانَ مُوَافقا لمَذْهَب الشَّرْط أَوْ مُخَالِفًا لَهُ قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ كَانَ الْوُلَاةُ عِنْدَنَا بقرطبة يشترطون فِي سجل القَاضِي ان لَا يَخْرُجَ عَنْ سِجِلَّاتِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَهُ قَالَ الْأُسْتَاذُ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ وَفِي النَّوَادِر اذا ولي على كور الْعَادَةُ أَنْ يُوَلَّى فِيهَا قُضَاةٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِأَنَّ الْعَادَةَ كَالْإِذْنِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يَحْكُمُ بَعْدَ مَوته.

.الباب الْعَاشِرُ فِي الْعَزْلِ:

الْعَزْلُ هُوَ فَسْخُ الْوِلَايَةِ وَرَدُّ الْمُتَوَلِّي كَمَا كَانَ قَبْلَهَا كَفَسْخِ الْعُقُودِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَكَمَا انْقَسَمَ ذَلِكَ فِي الْعُقُود إِلَى الْفَسْخ والانفساخ انقسم هَاهُنَا إِلَى الْعَزْلِ وَالْانْعِزَالِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْبَابِ سَبْعَةُ فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ:
فِي الِانْعِزَالِ فِي الْجَوَاهِرِ يَنْعَزِلُ بِمَا لَوْ قَارَنَ التَّوْلِيَةَ مَنَعَ انْعِقَادَهَا كَالْكُفْرِ وَالْجُنُونِ وَمَا تقدم مَعهَا وَكَذَلِكَ طَرَيَانُ الْفِسْقِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَنْعَزِلُ بِطَرَيَانِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ عَزْلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
الْفَرْعُ الثَّانِي:
فِي جَوَازِ الْعَزْلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَصْبَغُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ مِنْ قُضَاتِهِ مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الضعْف والوهل أَوْ بِطَانَةَ السُّوءِ وَإِنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الْجَوْرَ لِأَنَّهُ مِنْ بَذْلِ النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَالرِّضَا فَلَا يَعْزِلُهُ بِالشِّكَايَةِ فَقَطْ وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا نَفْيًا لِمَفَاسِدِ الْعَزْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِذَلِكَ عَزَلَهُ إِذَا وَجَدَ بَدَلًا وَتَظَاهَرَتِ الشِّكَايَةُ عَلَيْهِ فَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا شَكَاهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُقَالُ فِيهِ أَصْلَحُ لِلنَّاسِ مِمَّنْ يُقَالُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَلًا كَشَفَ عَنْهُ فَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا يَجِبُ أَمْضَاهُ وَإِلَّا عَزَلَهُ قَالَ أَصْبَغُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَعْزِلَهُ بِالشِّكَايَةِ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ فَلَا أَفْضَلَ فِي زَمَانِنَا مِنْ سَعْدٍ إِذَا وُجِدَ مَنْ يُسَاوِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تاديب الْقُضَاة وَصَلَاح النَّاس واذا علمت الشِّكَايَةُ وَتَظَاهَرَتْ أَوْقَفَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلنَّاسِ فَيَرْفَعُ مَنْ يَرْفَعُهُ وَيُحَقِّقُ مَنْ يُحَقِّقُ فَقَدْ أَوْقَفَ عُمَرُ سَعْدًا فَلَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَكْرُوهِ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَشْهَبُ إِذَا اشْتُكِيَ فِي أَحْكَامِهِ وَمَيْلِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَشَفَ عَنْهُ قَلَّ شَاكُوهُ أَوْ كَثُرُوا فَيَبْعَثُ إِلَى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ فَيَسْأَلُهُمْ عَنْهُ سِرًّا فَإِنْ صَدَّقُوا قَوْلَ الشُّكَاةِ عَزَلَهُ وَيَنْظُرُ فِي أَقْضِيَتِهِ فَيُمْضِي مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَيرد مَا خَالفه وان قَالَ المسؤولون لَمْ نَعْلَمْ إِلَّا خَيْرًا أَوْ هُوَ عَدْلٌ عِنْدِنَا أَثْبَتَهُ وَنَفَّذَ أَقْضِيَتَهُ فَمَا خَالَفَ السُّنَّةَ رَدَّهُ وَمَا وَافَقَهَا أَمْضَاهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ جَوْرًا وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا عَزَلَ سَعْدًا عَنِ الْكُوفَةِ بِالشَّكِيَّةِ لَا يُسَابِقُ قَوْمٌ عَزْلَ وَالِيهِمْ فَيَشْكُونَهُ إِلَّا عَزَلْتُهُ وَعَزَلَ عُمَرُ شُرَحْبِيلَ فَقَالَ لَهُ أَعَنْ سَخْطٍ عَزَلْتَنِي فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي وَجَدْتُ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ فِي الصَّلَاحِ وَهُوَ اقوى على عَمَلي فَلم اريحل لِي إِلَّا ذَلِكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ عَزْلَكَ عَيْبٌ فَأَخْبِرِ النَّاسَ بِعُذْرِي فَفَعَلَ عمر قَالَ مطرف واشهب وَيَنْبَغِي للامام ان لَا يَغْفَلَ عَنِ الْقُضَاةِ فَإِنَّهُمْ سَنَامُ بِرِّهِ وَرَأْسُ سُلْطَانِهِ فَلْيَنْظُرْ فِي أَقَضِيَتِهِمْ وَيُنَفِّذْهَا وَيَنْظُرْ فِي رَعِيَّتِهِ وَأَحْكَامِهَا وَظُلْمِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَإِنَّ النَّاسَ يَسْتَنُّ بَعْضُهُمْ بِسُنَّةِ بَعْضٍ وَلَيْسَ لِبَعْضٍ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى بَعْضٍ مَا يَسَعُ الْإِمَامَ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْهُمْ وَإِنْ يَكِلْهُمْ إِلَى قُضَاتِهِمْ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَدِّمُ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِمْ رِجَالًا فَإِنْ أَرَادُوا بَدَلَ عَامِلِهِمْ عَزَلَهُ وَأَمَّرَ غَيْرَهُ ثُمَّ حَيْثُ عَزَلَ الْإِمَامُ قَاضِيًا فَإِنْ كَانَ لِرِيبَةٍ أَوْ سُخْطٍ فَحَقٌّ عَلَيْهِ إِشْهَارُهُ أَوْ لِغَيْرِ رِيبَةٍ فليخبر النَّاس ببرءاته إِنْ شَاءَ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ:
فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا مَاتَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ نَظَرَ قُضَاتُهُ وَحُكَّامُهُ حَتَّى يَعْلَمُوا رَأْيَ مَنْ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي يُوَلِّيهِ وَالِي الْمِصْرِ ثُمَّ الْمُوَالِي فَهُوَ قَاضٍ حَتَّى يَعْزِلَهُ الَّذِي بَعْدَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيهِمْ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لَهُمْ وَكَوَلِيِّ الْمَرْأَةِ إِذَا زَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَلِأَنَّهَا سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى النَّاسِ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ وَأَرَادَ التَّسْجِيلَ فَحَضَرَ الْإِمَامُ عرف فَنَهَاهُ ان يبطل لأحد حَتَّى ينْصَرف فيستجل لَهُ بعد نه 4 ي الْإِمَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْضِي وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ أَصْبَغُ إِذَا تَوَجَّهَ الْحُكْمُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَاسْتَغَاثَ بِالْأَمِيرِ الْجَائِرِ فَنَهَاهُ عَنِ النَّظَرِ فِي ذَلِك أو يعزله عَنْهُ فَلْيُنَفِّذْهُ وَلَا يَنْظُرْ إِلَى نَهْيِ الْأَمِيرِ إِلَّا أَنْ يَعْزِلَهُ رَأْسًا وَإِنْ كَانَا فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِمَا قَبْلَ ظُهُورِ الْحَقِّ وَنُهُوضِ الْحُجَجِ تَرَكَهُمَا قَالَ أَشْهَبُ إِذَا اشْتُكِيَ أَنَّهُ أَرَادَ الْحُكْمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَشَفَ فَإِنْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ نَهَاهُ عَنْ إِنْفَاذِهِ وَإِنْ تَيَسَّرَ عَلَى الْإِمَامِ جَمْعُهُمْ عِنْدَهُ فَعَلَ وَإِلَّا أَقْعَدَ مَعَهُ رِجَالًا مِنَ الْعُلَمَاءِ الصُّلَحَاءِ يَنْظُرُونَ فِي ذَلِك ثمَّ ينْفَرد هُوَ برايه فيهم دُونَهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ قَدْ كُنْتُ حكمت قبل هَذَا لِأَنَّهُ مُدع على متشكيه إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَلَا يَحْكُمُ لِلنُّظَّارِ مَعَهُ بِشَيْءٍ بَلِ الْإِمَامُ إِنْ كَانَ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَأُولَئِكَ الْجُلُوسُ يَرْفَعُونَ لِلْإِمَامِ مَا رَأَوْهُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ إِذَا اشْتُكِيَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدْلٌ بَصِيرٌ بِالْقَضَاءِ لَا يَعْرِضُ لَهُ وَلَا يَتَعَقَّبُهُ بِنَظَرِ الْفُقَهَاءِ فَإِن جهل الامير وَجَهِلَ الْفُقَهَاءُ فَجَلَسُوا مَعَهُ أَوْ كَرِهُوا وَرَأَوْا فَسْخَهُ فَفَسَخَهُ الْأَمِيرُ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ صَوَابًا فِيهِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ نُفِّذَ وَبَطَلَ الْفَسْخُ وَإِلَّا مَضَى الْفَسْخُ وَلَا يُقْبَلُ فِي مَشْهُورِ الْعَدَالَة الا اسْتِبْدَادُهُ بِرَأْيِهِ فَيَأْمُرُهُ الْأَمِيرُ بِالْمُشَاوَرَةِ لِأَهْلِ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيءَ لَهُ أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا مَعَهُ وَيَحْكُمُوا بِأَفْضَلِ مَا يَرَاهُ مَعَهُمْ أَوْ مَعَ بَعْضِهِمْ فَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ لَا يحكم بِهِ ذَلِك لِأَنَّهُ الَّذِي شكى مِنْهُ فِيهِ وان لم يبين لَهُ أَنَّ الْحَقَّ إِلَّا فِي رَأْيِهِ كَاتَبَ الْأَمِيرَ فَيَأْمُرُهُ بِمَا يَرَاهُ قَالَهُ كُلَّهُ ابْنُ الْقَاسِم.
الفرع الْخَامِسُ:
قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ وَهُوَ جَائِرٌ لَا يُنَفَّذُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ وَاسْتُوْقِفَ النَّظَرُ فِيهَا لِأَنَّ حُكْمَهُ كَلَا حُكْمٍ وَلَا يُنْظَرُ فِي سِجِلَّاتِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْصِدُ الْجَوْرَ غَيْرَ أَنَّهُ جَاهِل بالستر وَلَا يَسْتَشِيرُ الْعُلَمَاءَ وَيَقْضِي بِاسْتِحْسَانِهِ تُصُفِّحَتْ أَحْكَامُهُ وَيُنَفَّذُ صَوَابُهَا وَيُمْضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَكَذَلِكَ إِنْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُوَافِقُ الْوَزير عزل اولا وَالْقَاضِي الَّذِي لَا يعلم مِنْهُ الا خيرا لَا يكْشف عَنهُ ان ياتي بجور فخطا أَوْ جَهْلٍ وَمَتَى جُهِلَتِ الْبَيِّنَةُ فِي حُكْمِ الْحُلَيْبِسِ لَا يُنَفَّذُ قَالَ أَصْبَغُ تَجُوزُ أَقْضِيَةُ الْقَاضِي غَيْرِ عَدْلٍ فِي حَالِهِ وَسيرَته أو فِيهِ هَذَا وَهَذَا تَجُوزُ مِنْ أَقَضَيْتِهِ غَيْرَ الْجَوْرِ كَأَقْضِيَةِ الْجَاهِلِ لِأَنَّ السَّلَاطِينَ الْيَوْمَ أَكْثَرُهُمْ كَذَلِكَ وَلَا بُدَّ أَنْ تُنَفَّذَ أَحْكَامُهُمْ وَالْقَوْلُ بِهَذَا أَصْبَغُ وَقَوْلُ ابْن وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْخَوَارِجُ كَالْقُضَاةِ السُّوءِ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ أَنَّهُ شَهِدَ لِلْبَيِّنَاتِ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُجِزْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وان قَالَ الْمَعْزُول فِي دِيوَانِي قَدْ شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَقِيَ شَاهِدًا فَهُوَ كَأَحَدِ الشُّهُودِ وَلِلطَّالِبِ تَحْلِيفُ الْمَطْلُوبِ أَنَّ الشَّهَادَةَ الَّتِي فِي دِيوَانِ الْقَاضِي شَهِدَ عَلَيْكَ بِهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَثَبَتَتِ الشَّهَادَةُ ثُمَّ نظر فِيهَا الَّذِي ولي بِمَا كَانَ يَنْظُرُ الْمَعْزُولُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَكُلُّ حُكْمٍ يَدَّعِي الْقَاضِي الْمَعْزُولُ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاكِمُ بِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ مَعَهُ رَجُلٌ لَا يُنَفَّذُ حَتَّى يَشْهَدَ اثْنَانِ غَيْرُهُ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إِنْ أَرَادَ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ عَلَى خُطُوطِهِمْ فَقَدْ جَوَّزَ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الشُّهُودِ وَإِعْمَالَهَا وَلَيْسَ هُوَ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ أَوْ عَلَى إِيقَاعِ الشُّهُودِ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي فَفِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى مثل هَذَا وَالْخِلَافُ فِيهِ مَعْلُومٌ وَقَدْ يَكُونُ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ باشهاد القَاضِي الْمُتَوفَّى اياهم يعتولها وَقَوْلُهُ نَظَرَ الثَّانِي كَمَا كَانَ يَنْظُرُ الْأَوَّلُ يُفِيد بِنَا القَاضِي على مَا تقدم وَلَا يلْزمه الاستيئناف وَأَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرْطُبِيِّينَ ابْنُ عَتَّابٍ وَغَيره وراى غَيرهم الاستيئناف قَالَ وَلَا وَجْهَ لَهُ.
الْفَرْعُ السَّابِعُ:
قَالَ بعض الْعُلَمَاءُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْوِلَايَةِ كَالْقَضَاءِ وَالْوَكَالَةِ وَالْخِلَافَةِ وَمِنْهُ مَا يَصِحُّ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ كَالْخَطَابَةِ وَالْإِمَامَةِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَقْبَلُ الْعَزْلَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَلِّي وَالْمُتَوَلِّي وَالْقِسْمُ الثَّانِي لَا يقبل الْعَزْل الا مِنْ جِهَةِ الْمُتَوَلِّي بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمُوَلِّي لَان صِحَة الْخَطَابَةِ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْمُتَّصِفِ بِهَا حَتَّى تَذْهَبَ أَهْلِيَّتُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ لَا تَكْفِي فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ فَلِعَزْلِهِ لِنَفْسِهِ أَثَرٌ فَكَانَ مُمْكِنًا وَأَمَّا مَا يُطلق للخطيب فَتَركه اياه لَيْسَ عزلا وَلَا على هَذَا لَيْسَ لِلْخَلِيفَةِ فِي نَصْبِ الْخَطِيبِ إِلَّا تسويقه الْمُطْلَقُ لِلْخَطَابَةِ لَا أَنَّهُ يُفِيدُهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَمَنْعَ الْمُزَاحَمَةِ لِلْخَطِيبِ وَالْإِمَامِ بَعْدَ الْوِلَايَةِ فَلَيْسَ ذَلِك وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ صَوْنِ الْأَئِمَّةِ عَنْ أَسْبَابِ الْفِتَنِ وَالْفَسَادِ وَيَظْهَرُ بِهَذَا الْبَحْثِ أَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِي الْخَطَابَةِ سَبَبُ الْوِلَايَةِ وَفِي الْقَاضِي وَنَحْوِهِ الْوِلَايَةُ بِسَبَبِهِ فَبَيْنَ الْبَابَيْنِ فَرْقٌ عَظِيمٌ فَلِذَلِكَ يَقْبَلُ أَحَدُهُمَا الْعَزْلَ مُطْلَقًا دُونَ الْآخَرِ نَظَائِرُ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْجَعَالَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَبَعْدَهُ من جِهَة الْجعل لَهُ وَالْقِرَاضُ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَالْمُغَارَسَةُ وَالتَّحْكِيمُ وَالْوَكَالَةُ وَالْقَضَاءُ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ فَهِيَ سِتَّةٌ.