فصل: الباب الثَّالِثُ فِي مُسْتَنَدِ الشَّاهِدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.كتاب الشَّهَادَات:

شَهِدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَهُ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ شَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين} {وَالله على كل شَيْء شَهِيد} أَيْ عَلِيمٌ وَبِمَعْنَى أَخْبَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَ وقَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّك لرَسُول الله} و{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} إِنْ فُسِّرَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ وَمِنْهُ شَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَشُهُودُ الْقَضَاءِ تَجْتَمِعُ فِيهِمُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ وَيُخْبِرُونَ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ الْعَادِلَةِ الْجَائِزَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ثَمَانِيَةٌ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ وَضَبْطُ الشَّهَادَةِ حِينَ الْأَدَاءِ وَحِينَ السَّمَاعِ وَانْعِدَامُ التُّهْمَةِ وَفِي الْكِتَابِ تِسْعَةُ أَبْوَابٍ:

.الباب الْأَوَّلُ فِي حُكْمِهَا:

قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الشَّهَادَةُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ يَحْمِلُهَا بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ كَالْجِهَادِ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ فَفَرْضُ عَيْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} مَعْنَاهُ إِذَا دُعُوا لِلْأَدَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ مَعْنَاهُ الْأَدَاءُ وَالتَّحَمُّلُ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} يَطْلُبُهُ فِي حَالِ شُغْلِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَكُلُّ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِجُرْحَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا تَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ شَهِدَ فَيُخْبِرُ الْحَاكِمَ أَنَّهُ عَدُوُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ قَرِيبُ الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا يُخْبِرُ بِالْجُرْحَةِ لِأَنَّ الْمُجَاهَرَةَ بِالذُّنُوبِ حَرَامٌ وَقَالَ أَيْضًا يُخْبِرُهُ لِأَنَّ السُّكُوتَ غِشٌّ لِلْحَاكِمِ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا لَهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي قَوْله تَعَالَى {واشهدوا اذا تبايعنم} النَّدْبُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَته} فَقَدَ جَوَّزَ الِائْتِمَانَ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ فَتَعَيَّنَ تَرْكُ الْوُجُوبِ وَالْحَمْلُ عَلَى النَّدْبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَالْإِشْهَادُ فِي الدَّيْنِ مَنْدُوبٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذا تداينتم بدين} الْآيَةَ وَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ وَاللِّعَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَحْضِرِ النَّاسِ لِانْقِطَاعِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي النِّكَاحِ مَنْدُوبٌ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَفِي الرَّجْعَةِ.

.الباب الثَّانِي فِي التَّحَمُّلِ:

قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ غَيْرُكَ تَعَيَّنَ عَلَيْكَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لله} وَفِي الْبَابِ تِسْعَةُ فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ تَحَمُّلُ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَيُؤَدُّونَ بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْوُثُوقُ بِالشَّاهِدِ عِنْدَ الْأَدَاءِ.
الْفَرْعُ الثَّانِي:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا سبقتاك عَمَّن يَنُوب فِيهِ فَأَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ تَشْهَدُ بِهِ الْبَيِّنَة فَفرق بَينه وَبَين أمراته فنفى أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ شَهَادَتَكَ فَلَمْ تَشْهَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ شَهِدْتَ لَمْ يَنْفَعْهَا لِمُخَالَفَةِ إِقْرَارِهِ لِشَهَادَتِكَ وَمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَكَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الرُّجُوعِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ من حضر عنْدك اذا لم يخف عِنْده من الْقِصَّة شَيْء يفْسد تَركهَا الشَّهَادَةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي التَّحَمُّلِ حُصُولُ سَبَبٍ يُفِيد الْعلم وَلَا لسَمَاع يفِيدهُ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ:
لَوْ قَعَدَ الشَّاهِدَانِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ يَشْهَدَانِ عَلَى رَجُلٍ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ مُخْتَدِعًا أَوْ خَائِفًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إِلَّا بِمَا يَذْكُرُ وَإِلَّا لَزِمَهُ وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ خَالِيًا وَيُنْكِرُ عِنْدَ الْبَيِّنَةِ فَيَحْتَاجُ لِذَلِكَ إِذَا لَمْ يَخْفَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ أَوْ لَعَلَّهُ يَقُولُ فِي السِّرِّ مَا الَّذِي لِي عِنْدَكَ إِذَا جِئْتُكَ بِكَذَا فَيَقُولُ عِنْدِي كَذَا وَفِي التَّنْبِيهَاتِ إِذَا سَمِعَهُ يَقْذِفُ شَهِدَ عَلَيْهِ زَادَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ اذا كَانَ مَعَه غَيره لَيْلًا يحد اذا لم يكمل النّصاب ولابد من اسْتِيفَاء الْبَيِّنَة لَا حتمال أَنْ يَحْكِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي الْكِتَابِ يجوز التَّحَمُّل بِمَا يسمعهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَة ويخبر بِذَلِكَ مَنْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى خِلَافِ دَاعِيَةِ الطَّبْعِ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا مُحَرَّرًا وَالشَّهَادَةُ لَا يُتَسَاهَلُ فِيهَا قبل وَقت الاداء فَامْتنعَ أو زَاد أو نقص عِنْدَ الْأَدَاءِ وَالْعَادَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي التَّنْبِيهَات فِي الْجوَار يَقُلْنَ سَمِعْنَاهُمَا يَشْهَدَانِ غَيْرَهُمَا لَمْ يَشْهَدَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْلَمَا مِنَ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يُؤَدِّيَانِ شَهَادَةً عَنْهُمَا يَشْهَدَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ خِلَافٌ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ:
فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ على المراة المتنقبة بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا لِيَعْرِفَهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ بِالْمَعْرِفَةِ الْمُحَقَّقَةِ.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ:
فِي الْبَيَانِ إِذَا شَهِدَتْ عَلَى مَنْ لَا تَعْرِفُ مَعَ جَمَاعَةٍ جَازَ لِأَمْنِكَ التَّلْبِيسَ بِمَعْرِفَةِ مَنْ مَعَك والا فَيكْرَه لَيْلًا يَتَسَمَّى بِاسْمِ غَيْرِهِ وَيَحْصُلُ لَكَ الْمَوْتُ فَيَشْهَدُ على خَطِّكَ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ بِالْعَيْنِ وَالِاسْمِ فَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يُؤَدِّيهَا إِلَّا فِي حَيَاتِهِ عَلَى عَيْنِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ إِلَّا عَلَى عَيْنِهِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى عَيْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ إِذَا غَابَ عَنْهُ وَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا تَسَامَحَ الْعُلَمَاءُ فِي وَضْعِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ واسْمه سياسة مِنْهُم فِي دفع الْعَامَّة لَيْلًا يَعْتَقِدُوا أَنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تَنْفَعُ فَيَقْدِمُوا عَلَى الْإِنْكَارِ فَفِي جَهْلِهِمْ بِتِلْكَ صَلَاحٌ عَظِيمٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا شَهِدَ عِنْدَكَ عَدْلَانِ ان هَذِه المراة فُلَانَة فَلَا يشْهد عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا بَلْ عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا قَالَ وَالْحق ان كَانَ الْمَشْهُود لَهُ الَّتِي لَك فهما يَشْهَدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةٌ فَلَا تَشْهَدُ إِلَّا عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ سَأَلْتَهُمَا عَنْهُمَا جَازَ لَك عَلَيْهَا اذا وَقع لَك الْعلم بشهادتها.
الْفَرْعُ السَّادِسُ:
قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ ان تشهد عَمَّا فِي كتاب وأن يحفظ مَا فِيهِ إذا قرىء عليك لِأَنَّ حِفْظَهُ مُتَعَذَّرٌ إِذَا كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الفطنة بِمَا فِي الْكتاب اذا قرىء عَلَيْكَ وَهَذَا فِي الِاسْتِرْعَاءِ وَأَمَّا مَا شَهِدَ بِهِ المتعاملان على ابقيتهما فَلَيْسَ عَلَيْك ان تقراه وَلَا تقرا عَلَيْكَ وَيَكْفِيكَ أَنْ تَذْكُرَ أَنَّهُمَا أَشْهَدَاكَ عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَيُسْتَحْسَنُ لِلْعَالِمِ الْقِرَاءَةُ لَيْلًا يَكُونَ فِيهِ فَسَادٌ فَيُزِيلَهُ.
الْفَرْعُ السَّابِعُ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا أَتَاكَ بِذِكْرِ حَقٍّ عَلَيْهِ لِغَائِبٍ يُشْهِدُكَ عَلَى نَفْسِهِ لِلْغَائِبِ بِذَلِكَ لَا يشْهد لِأَنَّهُ قد يزِيد بِذَلِكَ إِثْبَاتَ الْخُلْطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ حَتَّى يدعى عَلَيْهِ وَلَكِن يكْتب الْقِصَّة على وَجههَا فَيَقُول أَنه غَائِب.

.الباب الثَّالِثُ فِي مُسْتَنَدِ الشَّاهِدِ:

الْأَصْلُ فِيهِ الْعِلْمُ الْيَقِينُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} وقَوْله تَعَالَى {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ كُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ شَهِدَ بِهِ وَكَذَلِكَ صَحَّتْ شَهَادَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى أُمَمِهِمْ بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصحت شَهَادَة خُزَيْمَة وَلم يحضر الْفَرَسِ وَمَدَارِكُ الْعِلْمِ أَرْبَعَةٌ مَنْ حَصَلَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا شَهِدَ بِهِ الْعَقْلُ مَعَ أَحَدِ الْحَواس الْخمس وَالْخبْز الْمُتَوَاتِرُ وَالنَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَاءَ خَمْرًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تشهد لِأَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَاءَهَا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا هَذَا التَّعَمُّقُ فَلَا وَرَبِّكَ مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا وَمِنْهُ شَهَادَةُ الطَّبِيبِ بِقِدَمِ الْعَيْبِ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّوَاتُرِ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَعَزْلِهِ وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ وَفِي الْجَوَاهِرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَعْمَى فِي الْأَقْوَالِ وَفِي الْبَابِ خَمْسَةُ فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ:
فِي الْجَوَاهِرِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَقْوَاهَا الشَّهَادَةُ على خط نَفسه فَمن أجاز جَازَ الْأَوَّلَيْنَ وَمَنْ مَنَعَ الْأَوَّلَ مَنَعَ الْأَخِيرَيْنِ وَفِي حِكَايَة الْخلاف طَرِيقَانِ الأولى عَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ فَفِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ مُطْلَقًا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ وَحْدَهُ تُمْنَعُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى خَطِّ نَفسه وَيجوز غَيره الْجَوَاز مُطلقًا الطَّرِيق الثَّانِيَة التَّفْصِيلُ أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَالْمَذْهَبُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَيَحْكُمُ لَهُ بِمَجْرَّدِهَا وَرُوِيَ لَا يَحْكُمُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَعَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلِ الْمَالَ بَلْ مَا يَجْرِي إِلَيْهِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ هَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّ أَمْ لَا قَالَ الشَّيْخُ ابو الْوَلِيد الْمَشْهُور جَوَاز هَذِه الشَّهَادَة وعمومها لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا قَوْلُ أَصْحَابِهِ إِلَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنَعَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ وَلَمْ يُخَصِّصْ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَهَا وَأَمَّا عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ أَوِ الْغَائِبِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْأُمَّهَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إِجَازَتِهَا وَإِعْمَالِهَا وَرُوِيَ عَدَمُ الْجَوَازِ وَجَعَلَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ كَالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ إِذَا سَمِعَهَا مِنْهُ وَلَمْ يَشْهَدْ وَقَدْ يَكْتُبُ خَطَّهُ بِمَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَقَدْ يَكْتُبُ عَلَى مَنْ لَا يعرفهُ الا بِعَيْنِه وَقد لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بِعَيْنِهِ وَقَدْ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَلَا بِاسْمِهِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُخْبِرُ بِمَا لَا يُحَقِّقُهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَكْتُبَ خَطَّهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَيَعْرِفَ مَنِ أَشْهَدَهُ بِالْعَيْنِ وبالاسم مُخَالفَة أَنْ يَغِيبَ أَوْ يَمُوتَ فَيَشْهَدَ عَلَى خَطِّهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَنْ يَسْمَعُ الشَّاهِدَ يُؤَدِّي عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ يُشْهِدُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَيْهَا أَوْ سَمِعَهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ يُشْهِدُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ مَعَ أَنَّ وَضْعَ الشَّاهِدِ شَهَادَتَهُ فِي الْكِتَابِ لَا يَقْوَى قُوَّةَ ذَلِكَ قَالَ وَقد قَالَ ابْن زرب لاتجوز الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ مَعْرِفَةَ الْعَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ لِمَا قَدْ تَسَاهَلَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُونَ قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَارِثٍ فِي وَثَائِقِ ابْنِ مُغِيثٍ.
فَرْعَانِ مُرَتَّبَانِ:
الْأَوَّلُ:
اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَقَالَ أَصْبَغُ نَحْوُ إِفْرِيقْيَّةَ مِنْ مِصْرَ أَوْ مَكَّةَ مِنِ الْعِرَاقِ لِأَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرَ يُمْكِنُ حُضُورُهُ مِنْهَا وَقَالَ سَحْنُونٌ الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ وَلَمْ يُحَدِّهَا.
الثَّانِي:
فَإِذَا جَازَتْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ إِنَّمَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ حَيْثُ تَجُوزُ لِلشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَعَنْ مَالِكٍ إِذَا كَتَبَ لَهَا زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ فَشَهِدَ على خطها قَالَ نَفَعَهَا ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ نَفَعَهَا مَا يُرِيدُ بِهِ لِيَسْتَحْلِفَ أَوْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الصَّوَابُ الطَّلَاقُ إِذَا كَانَ الْخَطُّ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَالَ أَنْ يَكْتُبَ لرجل يعلمهَا أَنه طَلقهَا واما ان بِطَلَاقِهِ إِيَّاهَا ابْتِدَاءً فَلَا يَحْكُمُ بِهِ إِلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ وَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ إِنَّهُ كَتَبَ غَيْرَ مُجْمِعٍ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ كَتْبَهُ خِلَافٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَأَمَّا شَهَادَةٌ عَلَى خَطِّهِ إِذَا لَمْ يُنْكِرِ الشَّهَادَةَ وَفِي الْوَاضِحَةِ إِذَا عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَةَ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ فَلْيَشْهَدْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِيبَةٌ فَلَا قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَ بَعْضَ الشَّهَادَةِ أَوْ مَا يَدُلَّ مِنْهَا عَلَى أَكْثَرِهَا قَالَ مُطَرِّفٌ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ دِينَارٍ وَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِمَا فِي الْكتاب عددا فليشهد وَقَالَهُ أَيْضًا ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ أَحْوَطُ وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ تَفْرِيعٌ أَمَّا عَلَى القَوْل فَيَشْهَدُ وَلَا يَقُولُ لَا أَعْرِفُ إِلَّا الْخَطَّ وَيَشْهَدُ أَنَّ مَا فِيهِ حَقٌّ وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنْ ذَكَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ إِلَّا الْخَطَّ لَا يَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ وَعَلَى الثَّانِي الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ يَرْفَعُهَا لِلسُّلْطَانِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَقُولُ إِنَّ كِتَابًا يُشْبِهُ كِتَابِي وَأَظُنُّهَا إِيَّاهُ وَلَسْتُ أَذْكُرُ شَهَادَتِي وَلَا أَنِّي كَتَبْتُهَا يَحْكِي ذَلِك على وَجه وَلَا يُقْضَى بِهَا قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَعُرِفَ قَالَ قَدْ يَضْرِبُ عَلَى خَطِّهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَةَ فَلَا يَشْهَدُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِذَا شَهِدَ شَهَادَةً كَتَبَهَا وَكَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ وَلَا يَجُوزُ تحمل الشَّهَادَة عَن المراة المتنقبة بل لابد مِنَ الْكَشْفِ عَنْ وَجْهِهَا يُمَيِّزُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ بِالْمَعْرِفَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَلَوْ عَرَفَهَا رَجُلَانِ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا بل على شهادتها أَنَّ فُلَانَةً أَقَرَّتْ وَذَلِكَ عِنْدَ تَقَرُّرِ الْأَدَاءِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ فرعهما وَعَن ملك يَشْهَدُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ وَالَّذِي أَقُولُ بِهِ إِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَتَاهُ بِالشَّاهِدَيْنِ ليشهدا لَهُ عَلَيْهَا وَلَا يَشْهَدُ إِلَّا عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ سَأَلَ هُوَ الشَّاهِدَيْنِ فَأَخْبَرَاهُ أَنَّهَا فُلَانَةٌ شَهِدَ عَلَيْهَا قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَجُلًا وَاحِدًا يَثِق بِهِ أو مراة لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَلَوْ أَتَاهُ الْمَشْهُودُ لَهُ بِجَمَاعَة من لفيف النِّسَاء فَيَشْهَدُونَ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةٌ لَجَازَ أَنْ يَشْهَدَ إِذَا وَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِشَهَادَتِهِنَّ وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عَيْنِ امْرَأَةٍ بَدَيْنٍ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ زَيْدٍ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَجِّلَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ زَيْدٍ حَتَّى يُثْبِتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ ابْن مغيث لاصحاب مَالك فَمن عَرَفَ خَطَّهُ وَلَا يُنْكِرُ الشَّهَادَةَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ يَشْهَدُ إِذَا لَمْ يَسْتَرِبْ لَا يَشْهَدُ يُخْبِرُ بِذَلِكَ الْإِمَامَ فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ إِنْ كَتَبَ الْوَثِيقَةَ كُلَّهَا يَشْهَدُ وَإِلَّا فَلَا إِنْ كَانَتِ الْوَثِيقَةُ كَاغِدًا لَمْ يَشْهَدْ.
تَمْهِيدٌ:
خَالَفَنَا الْأَئِمَّةُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخط وان لَا يعْهَد على الْخط الْبَيِّنَةِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} و{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} فَدلَّ على وجوب الذكروحصول الْعلم وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ يُشِيرُ إِلَى الشَّمْسِ وإلا فدع» والحظ مُحْتَمِلٌ لِلتَّزْوِيرِ وَالتَّغْيِيرِ بِلَا عِلْمٍ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ خطة وَأَنه لَا يكْتب بِمَا يَعْلَمُ فَيَحْصُلُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْعِلْمُ بِمَضْمُونِ الْخَطِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَبُولُ الصَّحَابَةِ وَعُمَّالِهِمْ لِكُتُبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُتُبِ الْخُلَفَاءِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا بِالِاعْتِمَادِ عَلَى الْخُطُوطِ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ تَنْبَنِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِأَمْرٍ طري لَا عُمُوم فِيهِ فقبوله اولى بالخط فَفِي الِاحْتِمَال الْبعيد كَالِاحْتِمَالِ فِي تَشَابُهِ الْأَشْخَاصِ وَالْخِلَافِ عَلَيْهِمْ لَا يضر ذَلِك اتِّفَاقًا فَكَذَلِك هَاهُنَا وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ بِمَوْتِ الشُّهُودِ قَوْلَ الشَّاهِدِ عَنِ الْوَاقِعَةِ بِكَثْرَةِ الشَّهَادَاتِ فَوَجَبَ الْجَوَازُ دفعا للضَّرُورَة تَفْرِيع قَالَ صاخب الْبَيَانِ إِذَا كَتَبَ خَطَّهُ فِي ذِكْرِ حَقٍّ عَلَى أَبِيهِ فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ وَارِثٌ فَقَالَ كَتَبْتُهُ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ وَأَنْكَرَهُ فَشَهِدَ عَلَى خطه قَالَ اصبغ بِهَذَا الْحَقِّ لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهِ صَارَتِ الشَّهَادَةُ الَّتِي كَتَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُؤْخَذُ الْحَقُّ إِلَّا بِإِقْرَارٍ غير الْخط ومحمله محمل الشَّهَادَة لَا تحمل الاقرار.
فرع:
قَالَ وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ فِي كتاب القَاضِي لِأَنَّهُ من احكام والابدان.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِذَا عَرَفَ خَطَّهُ لَا يُؤَدِّي حَتَّى يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ وَلَوْ قَرَّبَهَا وَإِلَّا ادى ذَلِك كَمَا علم وَلَا ينفع الطَّالِبَ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ إِنَّمَا يُؤَدِّي كَمَا عَلِمَ إِذَا كَانَ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ مُسَامَحَةً بَلْ عَلَى صِحَّةٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ يُسَامِحُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ صِحَّةٍ فَلَا يُؤَدِّي شَيْئًا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يُؤَدِّي أَحَدٌ عَلَى خَطِّ غَيْرِهِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَدْلٌ عِنْدَ كِتَابَةِ ذَلِكَ الْخَطِّ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ عَدْلًا حِينَ الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَفِي النكت انما أمره بِالدفع لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ يَرَى إِجَازَةَ ذَلِكَ قَالَ التُّونُسِيُّ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يَرْفَعُهَا وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ لَمْ يَسْتَرِبْ فِي الْكِتَابِ رَفَعَهَا وَحَكَمَ بِهَا.
الْفَرْعُ الثَّانِي:
فِي الْكِتَابِ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالسَّمَاعِ أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَى فُلَانٍ لَا يعلمُونَ لَهُ وَارِثا غَيره وَشَاهد وَاحِدٌ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ اسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ إِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ غَيْرُهُ أَخَذَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَجْرِ الْوَلَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّمَاعِ وَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ وَإِنْ حَلَفَ لِأَنَّ السَّمَاعَ تَنَقُّلُ شَهَادَةٍ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْأَحْبَاسِ جَائِزَةٌ لِطُولِ زَمَانِهَا يَشْهَدُونَ أَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حَبْسٌ تُحَازُ حَوْزَ الْأَحْبَاسِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلُوا عَنْ بَيِّنَةٍ مُعَيَّنِينَ إِلَّا بِقَوْلِهِمْ سَمِعْنَا وَبَلَغَنَا وَلَيْسَ فِي أَحْبَاسِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَّا السَّمَاعُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى السَّمَاعِ فِي حبس ان مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَدْخُلُ فِي نَصِيبِهِ امْرَأَتُهُ وَلَا وَلَدُ الْبِنْتِ وَلَا زَوْجُهَا ان مَاتَت هُوَ حَبْسٌ ثَابِتٌ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَبْسِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ كُلَّهُ وَذَكَرُوا من السَّمَاعِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ السَّمَاعِ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ الْعُدُولِ بل من الْعُدُول وَغَيرهم حَتَّى يَسْتَفِيضُ وَقِيلَ لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَعْرِفُوا أَنَّ الَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُمْ كَانُوا عُدُولًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا يُخْتَلَفُ إِذَا كَانَتْ يُنْتَزَعُ بِهَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إِلَّا عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الْعُدُولِ وَإِنْ كَانَت للتقدير فِي يَدِ الْحَائِزِ فَمُخْتَلَفٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ وَفِي النُّكَتِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إِنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ بِالْعِتْقِ إِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ الْبَلَدِ فَهِيَ كَالْمَالِ دون الْمولى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْتَفِيضَ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِالْبَلَدِ فَيُفِيدُ اسْتِفَاضَةَ ذَلِكَ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيُقْضَى بِالْمَالِ وَالْوَلَاءِ وَقَالَ فِي قَول اشهب اذا شهدُوا أَنه لمَوْلَاهُ وَلَمْ يَقُولُوا أَعْتَقَهُ هَذَا التَّفْصِيلُ مِنْ أَشْهَبَ وَلَيْسَ هُوَ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ اذا شهدُوا ان الْمَيِّت مَوْلَاهُ لابد فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ يَقُولُوا أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أَبَاهُ أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ إِنَّ هَذَا مَوْلَاهُ وَقد غلب على النَّاس يَقُولُونَ لمن هُوَ وَال أو شرِيف نَحْو مَوَالِيكَ وَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ أَسْلَمُوا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ اخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ بِهَا الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ وَلَا وَلَاءٌ وَعَنْهُ يُقْضَى بِهِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ مَاتَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ فَشَهِدَ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ مَوْلَى فُلَانٍ وَلَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْعِتْقِ لَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَيُؤَخَّرُ الْمَالُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحِقُّ أَخَذَهُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ شَهِدَ أَحَدُ أَعْمَامِهِ أَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ مَوْلَى ابْنِهِ أَعْتَقَهُ وَلَمْ يَدَعِ الْمَوْلَى وَلَدًا وَلَا مَوَالِيَ وَإِنَّمَا تَرَكَ مَالًا جَازَتِ الشَّهَادَةُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا وَمَوَالِيَ يُتَّهَمُونَ عَلَى جَرِّ الْوَلَاءِ يَوْمًا مَا لَمْ يَجُزْ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِيمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُ مِنَ الْأَشْرِيَةِ وَالْحِيَازَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَنَحْوِهِ فَتَجُوزُ مَعَ يَمِينِ الْآخَرِ وَإِنْ لم يكن الا شَاهِدين جَازَ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يَشْهَدْ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا رَجُلَانِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي نَحْو خمس عشر سَنَةً لِتَقَاصُرِ أَعْمَارِ النَّاسِ إِذَا سَمِعُوا مِنَ الْعُدُولِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالسَّمَاعِ وَفِي الْقَبِيلِ مِائَةُ رَجُلٍ مِنْ أسنانهما لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِأَمْرٍ يَفْشُو أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْنِ أَمَّا الشَّيْخَانِ الْقَدِيمَانِ فَيَجُوزُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ إِنَّمَا يُقْضَى بِالْبَقَاءِ لِلْحَائِزِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ بَعْدَ يَمِينِهِ لِأَنَّ أَصْلَهَا قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا فَلَا بُدَّ مِنَ الْيَمِينِ مَعَهُ وَالْمَشْهُورُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ الاكتفاب بِعَدْلَيْنِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ يُشَبِّهُهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَرَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً طُولًا تجوز الشَّهَادَة السَّمَاعِ وَفِي ثُبُوتِ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ بِهَا خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ ثُبُوتُ الْجَمِيعِ بِهَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِلْكَ التَّطَاوُلُ مَعَ رُؤْيَةِ تَصَرُّفِهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا يَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَنَّهُ حَائِزُ الدَّارِ حَتَّى يَقُولُوا بِحَقٍّ وَأَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَمَّا مَنْ يَأْتِيهِ يَشْتَرِي فَلَا تَشْهَدُ لَهُ بِالْمُلْكِ فَقَدْ يَشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ قَالَ قَالَ التُّونُسِيُّ وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ أُجِيزَتْ لِلضَّرَرِ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِ حَائِزٍ بَلْ مُثْبِتٌ لِلْحَائِزِ وَفِي الْمُنْتَقَى شَهَادَةُ السَّمَاعِ عِنْد مَالك مُخْتَصَّة بِمَا تقدم زَمَنًا تَبِيدُ فِيهِ الشُّهُودُ وَتُنْسَى الشَّهَادَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ تَخْتَصُّ بِمَا لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهِ كَالْمَوْتِ وَالْوَقْفِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الْمَوْتِ إِلَّا فِيمَا بَعُدَ مِنَ الْبِلَادِ وَمَتَى حَصَلَ الْعِلْمُ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةَ سَمَاعٍ بَلْ يَشْهَدُ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الْعِلْمِ كَمَا لَو رَاه وَجعل أَصْحَابِنَا يَقُولُ إِذَا فَشَا النِّكَاحُ فِي الْجِيرَانِ وَسَمِعَ الرِّفَاقُ أَوْ سُمِعَ النِّيَاحَةُ فِي الْمَوْتِ وَكَثُرَ بِذَلِكَ الْقَوْلُ شُهِدَ بِالنِّكَاحِ وَالْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا وَكَذَلِكَ النَّسَبُ وَتَوْلِيَةُ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكْفِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي تَقَادُمِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِالسَّمَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فَمَا اتَّسَعَ أَحَدٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ اتِّسَاعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ الْحَاضِرُ مِنْهَا عَلَى الْخَاطِب خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَوْضِعًا الْأَحْبَاسُ الْمِلْكُ الْمُتَقَادِمُ الْوَلَاءُ النَّسَبُ الْمَوْتُ الْوِلَايَةُ الْغَرَرُ الْعَدَالَةُ الْجُرْحَةُ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ فِيهَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَذَلِكَ إِذَا لم يدْرك زَمَانَ الْمَجْرُوحِ وَالْمَكَانِ فَإِنْ أَدْرَكَ فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ الْإِسْلَامِ الْكُفْرِ الْحَمْلِ الْوِلَادَةِ التَّرْشِيدِ والسفه الْهِبَةِ الْبَيْعِ فِي حَالَةِ التَّقَادُمِ الرِّضَاعِ النِّكَاحِ الطَّلَاقِ الضَّرَرِ الْوَصِيَّةِ إِبَاقِ الْعَبْدِ الْحِرَابَةِ وَزَادَ بَعضهم الْبُنُوَّة والاخوة زَاد الْعَبْدِيُّ الْحُرِّيَّةَ وَالْقَسَامَةَ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ:
فِي الْجَوَاهِرِ مَا لَا يُحَسُّ بِالْحِسِّ بَلْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالْإِعْسَارِ يُدْرَكَ بِالْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ بِقَرَائِنِ الصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَالضَّرَرِ وَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنَ الْيَقِينِ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ:
فِي الْجَوَاهِرِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الأعمى فِي الأقوال خلافًا ل ش وح لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» فرط الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ بِسَمَاعِ الصَّوْتِ الْمَعْهُودِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الاذان لَا تتوفر الدَّوَاعِي فِيهِ على الْحلَّة بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَالْأَعْمَى تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الْمُحَاكَاةُ وَجَوَابُهُمْ ان المحاكاة الَّتِي يعْتَبر التَّمْيِيزُ فِيهَا إِنَّمَا تَقَعُ فِي نَحْوِ الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ أَمَّا الْقَوْلُ الطَّوِيلُ فَلَا وَكَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ الْأَعْمَى مِنَ الضَّبْطِ وَلِأَنَّ ح جَوَّزَ شَهَادَته فِي النّسَب وَالنِّكَاح وَالْمَوْت وش فِي الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ وَالتَّرْجَمَةِ لِقَوْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَاكِمُ تَفْسِيرَ كَلَامِهِ أَوْ عَلَى مَنْ تَرَكَ أُذُنَهُ عَلَى أُذُنِ الْأَعْمَى وَاعْتَرَفَ وَيَذْهَبَانِ إِلَى الْحَاكِمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَبَقِيَتْ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أُقِيمَ مَقَامَ الشَّهَادَةِ جَوَازُ وَطْءِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِنَاءً عَلَى صَوْتِهَا وَاسْتِبَاحَةُ الْفُرُوجِ أَعْظَمُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا نَقَلَهُ إِلَيْنَا أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي أُصُولِ الدِّينِ جَازَ فِي فُرُوعِهِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} وَالْأَعْمَى لَا يَعْلَمُ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عدل مِنْكُم} وَالْأَعْمَى لَيْسَ مُعْتَدِلًا وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ والوانكم} فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَلْسِنَةَ مُخْتَلِفَةٌ وَوَجَدْنَا الْخَلْقَ تَتَشَابَهُ فَكَذَلِكَ الْأَصْوَاتُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَ مِثْلَ هَذِهِ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ فَذِكْرُ الشَّمْسِ.
تَنْبِيهٌ:
عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَلِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَحَدٍ بِلَمْسِهِ أَوْ بِشَمِّهِ فَكَذَلِكَ سَمَاعُ كَلَامِهِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ وَالْأَعْمَى لَمْ يُشَاهِدْ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَعْمَى إِذَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ صَوْتُ وَلَدِهِ وَامْرَأَتِهِ وَعَبْدِهِ عَرَفَهُ وَقَطَعَ بِهِ عِنْدَ السَّمَاعِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ فَمَا شَهِدَ إِلَّا بِمَا عَلِمَ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاعْتِدَالِ فِي الْأَخْلَاقِ وَالدِّينِ لَا فِي الْخُلُقِ وَلِذَلِكَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَمِيَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي عَدَالَتِهِمْ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْمُرَادَ اللُّغَاتُ فَإِنْ مَنَعْتُمْ بِنَاءً عَلَى اللَّبْسِ فِي الصَّوْتِ فَامْنَعُوا الْبَصِيرَ بِنَاءً عَلَى اللَّبْسِ فِي الْأَلْوَانِ وَالصُّوَرِ وَعَنِ الرَّابِعِ إِنْ تَكَرَّرَ الصَّوْتُ عَلَى الْأَعْمَى فَتَصِيرُ مَعْرِفَةُ صَاحِبِهِ عِنْدَهُ كَالشَّمْسِ فِي الْعِلْمِ وَالْقَطْعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةِ الْبَصَرِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّ اللَّمْسَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْخُشُونَةَ وَالْمُلُوسَةَ وَالْحَرَارَةَ وَالْبُرُودَةَ وَالشَّمَّ يُفِيدُ الرَّوَائِحَ دُونَ الْعِلْمِ بِالْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَيَّ شَخْصٍ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ بِخِلَافِ الْأَصْوَاتِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إِذَا تَكَرَّرَتْ أَفَادَتِ الْعِلْمَ بِالشَّخْصِ الْمَوْصُوفِ بِهَا عِنْدَ سَمَاعِ كَلَامِهِ وَعَنِ السَّادِسِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْخَبَرِ وَالْحُضُورِ وَالْكُلُّ مَوْجُودٌ فِي الْأَعْمَى فَيجوز.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ:
فِي الْكِتَابِ دَارٌ فِي يَدِكَ خَمْسِينَ سَنَةً فَأَثْبَتَ غَائِبٌ أَنَّهَا لَهُ وَانْتِقَالُهَا بِالْمَوَارِيثِ لَهُ وَقُلْتَ اشْتَرَيْتُهَا مِنْ قَوْمٍ انْقَرَضُوا وانقرضت الْبَيِّنَة فتنفعه الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَنَّكَ أَوْ أَحَدَ آبَائِكَ اشْتَرَاهَا مِنَ الْقَادِمِ أَوْ مِنْ أَحَدِ آبَائِهِ أَوْ مِمَّنْ وَرِثَهَا الْقَادِمُ عَنْهُ أَوْ مِمَّنِ ابْتَاعَهَا مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ فَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّكَ أَوْ أَحَدَ آبَائِكَ ابْتَاعَهَا وَلَا يَدْرُونَ مِمَّنْ لَمْ يَنْفَعْكَ لِعُمُومِ ثُبُوتِ مِلْكِ الْبَائِعِ لِمَا بَاعَ بِخِلَافِ وَرَثَتِهِ قَدْ ثَبَتَ مِلْكُهُمْ وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّ أَبَاكَ ابْتَاعَهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا لَمْ تَنْفَعْكَ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ بل بنية الْقَطْعِ عَلَى الشِّرَاءِ مُبَاشَرَةً لِأَجْلِ الْقُرْبِ.