فصل: الباب الرَّابِعُ فِي آدَابِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الثَّالِثُ فِي حَقِيقَتِهِ:

وَهِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ دُخُولِ كُلِّ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا مِنَ الْمَنَافِذِ الْمَحْسُوسَةِ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ إِلَى الْمعدة والإخراج كالجماع والاستمتاع وَالِاسْتِسْقَاء عَلَى الْخِلَافِ وَمَا يَجْرِي فِي ذَلِكَ يَكُونُ فِي أَحَدَ عَشَرَ فَرْعًا:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَفِي الصَّحِيحِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَقُولُ: وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرْوَى أَرْبِهِ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَبِكَسْرِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكِلَاهُمَا حَاجَةُ النَّفْسِ قَالَ سَنَد وخصص (ح وش) وَالْقَاضِي الْحُرْمَةَ بِمَنْ تُحَرِّكُ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ كَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَتَنْزِيهٌ عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِنْ أَنْزَلَ فَفِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وَأسْقط الْكَفَّارَة (ش وح) لِقُصُورِهِ عَنِ الْجِمَاعِ عَلَى قَصْدِ الْإِفْسَادِ وَفِي الْكِتَابِ لَوْ بَاشَرَ فَأَمْذَى أَوْ أَنْعَظَ أَوِ الْتَذَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَأَسْقَطَ (ح وش) الْقَضَاءَ فِي الْمَذْيِ لِكَوْنِهِ كَالْبَوْلِ لِإِيجَابِ الْوُضُوءِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ إِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ وَجَوَابُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَنِيِّ بِجَامِعِ اللَّذَّةِ وَأَمَّا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ سُنَّتَهَا قَصْدُ الْإِفْسَادِ وَلَمْ يُوجَدْ قَالَ سَنَدٌ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي عَدَمِ تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ لِلْإِنْسَانِ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَوْ نَظَرَ بلذة فَأَنْزَلَ قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يُدِيمَ النَّظَرَ بِلَذَّةٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْإِنْزَالِ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ كَالْقُبْلَةِ وَأَسْقَطَ (ح وش) الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فَلَوْ نَظَرَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَأَمْذَى قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا الْتَذَّ وَأَوْجَبَهُ إِذَا أَمْذَى وَلَوْ تَذَكَّرَ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا لَمْ يُدِمِ الْفِكْرَ وَالنَّظَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ.
الثَّانِي:
فِي الْكِتَابِ إِنِ احْتَقَنَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ لَا يُفْطِرُ كَمَا أَنَّ اللَّبَنَ إِذَا وُضِعَ فِي الدُّبُرِ لَا يُحَرَّمُ لَنَا أَنَّ الْحُقْنَةَ فِي الْأَمْعَاءِ وَالْكَبِدِ تَجْذِبُ مِنَ الْأَمْعَاءِ كَمَا تَجْذِبُ مِنَ الْمَعِدَةِ فَتُفْطِرُ وَأَمَّا الْإِرْضَاعُ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِوَصْفِهِ نِيَّة لِأَنَّ اللَّبَنَ لَوِ اسْتُهْلِكَ بِطَعَامٍ لَا يُحَرَّمُ مَعَ إِغْذَائِهِ.
الثَّالِثُ:
كَرِهَ فِي الْكِتَابِ السَّعُوطَ وَقَالَ إِذَا وَصَلَ الْكُحْلُ فِي الْعَيْنِ أَوِ الدُّهْنُ فِي الْأُذُنِ إِلَى الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا وَجَدَ طَعْمَ الدُّهْنِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَأْسِهِ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ لَا يُفْطِرُ بِالْكُحْلِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ سَنَدٌ يُكْرَهُ كُلُّ مَا لَا يُؤْمَنُ وُصُولُهُ إِلَى الْجَوْفِ وَلَا يُفْطِرُ مَا وَصَلَ إِلَى الدِّمَاغِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا وَجَوَابُهُ حُذِرَ الْوُصُولُ إِلَى الْجَوْفِ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ شَهْوَتَيِ الْفَمِ وَالْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَض} بَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ وَإِلَّا فَالْجَسَدُ يَتَغَذَّى مِنْ خَارِجِهِ بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ وَلَا يفْطر إِجْمَاعًا.
الرَّابِعُ:
مَنْ تَبَخَّرَ لِلدَّوَاءِ فَوَجَدَ طَعْمَ الدُّخَانِ فِي حلقه يقْضِي الصَّوْم بِمَنْزِلَة وجد ان الْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ فِي الْحَلْقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ لُبَابَةَ يُكْرَهُ اسْتِنْشَاقُ الْبَخُورِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفْطِرْ وَفِي التَّلْقِينِ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الشُّمُومِ وَلَمْ يُفَصِّلْ قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ حَكَّ الْحَنْظَلَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ قَبَضَ عَلَى الثَّلْجِ فَوَجَدَ بَرَدًا فِي جَوْفِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَأَبَاحَ مُطَرِّفٌ الْكُحْلَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الْإِثْمِدَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَضَاءِ فَسَوَّى أَشْهَبُ بَيْنَ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ التَّطَوُّعِ وَخَصَّصَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِالْوَاجِبِ وَالْمَنْعُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّهَارِ أَمَّا إِذَا جُعِلَتْ بِاللَّيْلِ فَلَا يَضُرُّ هُبُوطُهَا بِالنَّهَارِ اعْتِبَارًا بِمَا يُقْطَرُ مِنَ الرَّأْسِ مِنَ الْبَلْغَمِ.
الْخَامِسُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ لَا أَرَى فِي الإحليل شَيْئا وَلَا وَوَافَقَهُ (ح) وَابْنُ حَنْبَلٍ خِلَافًا لِ (ش) لَنَا أَنَّ الْكَبِدَ لَا يَجْذِبُ مِنَ الذَّكَرِ وَلَا مِنْ بِخِلَافِ الْحُقْنَةِ وَكَذَلِكَ ذُو الْجَائِفَةِ لَا يَصِلُ إِلَى الْكَبِدِ.
السَّادِسُ:
كَرِهَ فِي الْكِتَابِ الْحِجَامَةَ فَإِنْ فَعَلَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَهُ (ح وش) وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر الحاجم والمحجوم وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ يَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ فَسَمَّاهُمَا مُفْطِرَيْنِ بِذَهَابِ الْأَجْرِ أَوْ أَنَّ الْحَاجِمَ وَجَدَ طَعْمَ الدَّمِ وَالْمَحْجُومَ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ أَوْ مَرَّ بِهِمَا آخِرَ النَّهَارِ فَكَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا أَوْ دَعَا عَلَيْهِمَا.
السَّابِعُ:
كَرِهَ فِي الْكِتَابِ ذَوْقَ الْأَطْعِمَةِ وَوَضْعَ الدَّوَاءِ فِي الْفَمِ وَوَضْعَ الْعِلْكَ وَالطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَلَمْ يَتَيَقَّنِ الِازْدِرَادَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إِفْطَارُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَاسُوا الطَّعْمَ عَلَى الرَّائِحَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّائِحَةَ لَا تَسْتَصْحِبُ مِنَ الْجِسْمِ شَيْئًا بِخِلَافِ الطَّعْمِ.
السَّابِع«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» مَعْنَاهُ لَأَوْجَبْتُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ وَانْتِفَاءُ الْإِيجَابِ لِلْمَشَقَّةِ وَهُوَ عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْخُلُوفِ مَا يُخَصِّصُهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ حَدِيثَ الْخُلُوفِ إِنَّمَا كَانَ نَهْيًا عَنْ عَدَمِ مُحَادَثَةِ الصَّائِمِ لِأَجْلِهِ وَعَنِ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّهِيدَ غَيْرُ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ وَلِأَنَّهُ جرحه أَشد من الدَّم فَلَا يوثر زَوَالُهُ بَلْ بَقَاؤُهُ يُوجِبُ مِنْ رَبِّهِ الرَّحْمَةَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ سُؤَالٌ اللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَيَعْلَمُ الْخُلُوفَ مُنْتِنًا فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَهُ أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ جَوَابُهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَلْفَةَ طَيِّبَةٌ بَلْ تَشْبِيهَ الْحَسَنِ الشَّرْعِيِّ بِالْعُرْفِيِّ أَيْ هَذَا الْمُنْتِنُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَ الطَّبْعِ إِمَّا لِصَبْرِ الصَّائِمِ عَلَيْهِ وَالصَّبْرُ عَمَلٌ صَالِحٌ أَوْ لِلسَّبَبِ فِيهِ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ صَالِحٌ وَإِلَّا فَالْخُلُوفُ لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ حَتَّى يُمْدَحَ عَلَيْهِ أَوْ يمدح فِي نَفسه.

.الباب الرَّابِعُ فِي آدَابِهِ:

فِي الْجَوَاهِرِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُسْلِمٍ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ فَلَوْ أَرَادَ الْوِصَالَ حَكَى اللَّخْمِيُّ الْمَنْعَ وَالْجَوَازَ وَاخْتَارَهُ إِلَى السَّحَرِ وَكَرَاهِيَتَهُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُخَارِيِّ: «وَلَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ إِلَى السَّحَرِ قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي» وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ لِمَا رَوَى أنس أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سحورهما قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ قِيلَ لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ فِيهَا؟ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً وَكَفُّ اللِّسَانِ عَنِ الْهَذَيَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَجْهَلُ فَإِنْ أَحَدٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ» الرَّفَثُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ.
سُؤَالٌ:
كَيْفَ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ مَعَ تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ والتمدح بالطاعات؟
جَوَابُهُ:
قِيلَ مَعْنَاهُ يَقُولُ بِلِسَانِ الْحَالِ لَا بِالْمَقَالِ أَيْ يُعْرِضُ عَنْهُ إِعْرَاضَ الصَّائِمِينَ وَلَا يُفْهِمُهُ شَيْئًا وَسُمِّيَ ذَلِكَ قَوْلًا كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ وَاشْتَكَى إِلَيَّ طُولَ السُّرَى قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ الشَّافِعِي يُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ عَلَى رُطَبٍ لِمَا فِي أَبِي دَاوُود أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حسا حسوات من المَاء وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْمَلَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ طَعَامًا وَكَرِهَ إِجَابَتَهُمْ لَهُ لِتَحَمُّلِ الْمِنَنِ وَالتَّوَسُّلِ إِلَى المباهاة.

.الباب الْخَامِسُ فِي مُبِيحَاتِ الْفِطْرِ:

وَهِيَ سِتَّةٌ:

.الْأَوَّلُ: السَّفَرُ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَلَوْ عَزَمَ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَفِي الْجُلَّابِ يَجِبُ الصَّوْمُ وَفِي الْكِتَابِ الصَّوْمُ فِي السّفر أفضل وَقَالَهُ (ح وش) لقَوْله تَعَالَى {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الذِّمَّةَ تَبْقَى مَشْغُولَةً بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ الثَّانِي أَن الترخيص لرفاهية الْعِيد وَهِيَ كَمَا تَحْصُلُ بِالْفِطْرِ تَحْصُلُ بِالصَّوْمِ مَعَ النَّاسِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ التَّخْيِيرُ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَنْبَلٍ الْإِفْطَارَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أبي دَاوُود لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَجَوَابُهُ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُظَلَّلُ عَلَيْهِ وَالزِّحَامُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا إِشَارَةً لِهَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنْ قَالُوا النَّظَرُ إِلَى عُمُومِ اللَّفْظِ لَا إِلَى خُصُوصِ السَّبَبِ قُلْنَا الْعَامُّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ وَنَحْنُ نَحْمِلُ الْحَالَةَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى حَالَةِ الضَّرَر.
تَمْهِيدٌ:
الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ شَهْرِ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرِ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي خُصُوصِيَّتِهِمَا كَمَا أَوْجَبَتْهُ إِحْدَى الْخِصَالِ فِي الْكَفَّارَة وَخير فِي الخصوصيات فَكل مَا مَا يجزيء كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخِصَالِ وَتُوصَفُ بِالْوُجُوبِ إِذَا فُعِلَتْ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِهَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا لِأَنَّ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَأَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَصُّ وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ الْأَخَصَّ فَعَلَ الْأَعَمَّ.
فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ لَا أُحِبُّ لَهُ الْفِطْرَ فان فعل فالقضاء فَقَط وَقَالَهُ (ح وش) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُحْمَلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ خَرَجَ صَائِمًا فَلَمَّا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ أَفْطَرَ وَلِأَنَّهُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ فَيُبِيحُ فِي آخِرِهِ كَالْمَرَضِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُكَفِّرُ لِوُجُوبِ أَوَّلِهِ فِي الْحَضَرِ فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى السَّفَرِ قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَأَسْقَطَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَوْجَبَهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ لَمْ يُسَافِرْ وَأَسْقَطَهَا أَشْهَبُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ انْتِهَاكِ صَوْمٍ مَعْصُومٍ إِجْمَاعًا.
الثَّانِي:
فِي الْكِتَابِ مَنْ صَامَ فِي السَّفَرِ فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ الْعَبْدَ بَيْنَ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ لَزِمَهُ أَحْكَامُهُ وَمِنْ أَحْكَامِ الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْإِفْسَادِ وَفِي الْجَوَاهِرِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ وَصْفَ السَّفَرِ مُبِيحٌ لِلْإِفْطَارِ فَيَكُونُ شُبْهَةً عِنْدَ طُرُوِّ الْمَانِعِ فِي عَدَمِ الْكَفَّارَةِ كَالذِّمِّيِّ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَالْأَمَةُ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ فَإِذا وَطئهَا السَّيِّد بعد زواجها لَاحَدَّ وَأَوْجَبَهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْجِمَاعِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ شُرِعَ لِلتَّقْوِيَةِ عَلَى السَّفَرِ وَالْجِمَاعُ يُضْعِفُ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ مُطَرِّفٌ هُوَ مُخَيَّرٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْإِفْطَارِ عَامَ الْفَتْحِ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى عَدُوِّهِمْ وَصَامَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْتَ قَالَ فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَدِيدِ دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ وَإِذَا قُلْنَا يُكَفِّرُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ مُتَأَوِّلًا وَلَمْ يَرَهُ أَشْهَبُ وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ جَامَعَ أَوَّلًا قَالَ مَالِكٌ يُكَفِّرُ لِأَنَّهُ يَزِيدُهُ ضَعْفًا وَأَوْرَدَهُ عَلَى صَوْمٍ مُحْتَرم وَقَالَ مطرف فَلَا يكفر نظرا للتخير فَلَوْ شَرِبَ لِعُذْرٍ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ التَّمَادِي عَلَى أَنْوَاعِ الْمُفْطِرَاتِ عِنْدَ سَحْنُونٍ كَالْمَرِيضِ وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى الْمَيْتَةِ.
الثَّالِثُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ فَأَتَى أَهْلَهُ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَوْ تَطَوَّعَ فَسَافَرَ فَأَفْطَرَ قَضَى إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} وَفِي الْجُلَّابِ عَنْ مَالِكٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَطُرُوُّ السَّفَرِ كَطُرُوِّ الْمَرَضِ الْمُبِيحُ.