فصل: الباب الْأَوَّلُ فِيمَا يُبَاحُ لِلْمُخْتَارِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.النَّوْع السَّابِع الصَّوْم:

وَفِي الْجَوَاهِرِ النَّاذِرُ الصَّوْمَ يَلْزَمُهُ يَوْمٌ وَفِي لُزُومِ التَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ الْمُتَعَدِّدِ أَقْوَالٌ: ثَالِثُهَا إِنْ ذَكَرَ أَعْوَامًا أَوْ شُهُورًا جُمْلَةً أَوْ آحَاد لَزِمَهُ أَوْ أَيَّامًا فَلَا وَمَذْهَبُ الْكِتَابِ عَدَمُ اللُّزُومِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي الْكِتَابِ وَنَاذِرُ الشُّهُورِ الْمُتَتَابِعَةِ وَغَيْرِ الْمُتَتَابِعَةِ لَهُ صَوْمُهَا بِالْأَهِلَّةِ وَبِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ فَإِنْ صَامَهَا بِالْأَهِلَّةِ وَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعشْرين أَجزَأَهُ أَو بِغَيْر الْأَهِلَّةِ أَكْمَلَهُ ثَلَاثِينَ وَإِنْ صَامَ بَعْضَ شَهْرٍ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ بِالْأَهِلَّةِ ثُمَّ يُكْمِلُ الْأَوَّلَ وَنَاذِرُ سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ يَصُومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لَيْسَ فِيهَا رَمَضَانُ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا أَيَّامُ الذَّبْحِ وَمَا صَامَ مِنَ الْأَشْهُرِ فَعَلَى الْأَهِلَّةِ وَمَا أَفْطَرَ فِيهِ لِعُذْرٍ أَتَمَّهُ ثَلَاثِينَ وَلَوْ عَيَّنَ يَوْمًا بِصَوْمٍ تَعَيَّنَ وَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ وَالْقَائِلُ أَصُومُ هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَرَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَرُوِيَ أَنَّ نَاذِرَ ذِي الْحِجَّةِ يَقْضِي أَيَّامَ النَّحْرِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَدَمَ الْقَضَاءِ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَفِي الْكتاب يَصُوم فِي السَّنَةَ الْمُعَيَّنَةَ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمَا أَفْطَرَهُ فِيهَا لِعُذْرٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا قَضَاهُ وَإِن أَفْطَرَ شَهْرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ مُتَتَابِعًا أَحَبُّ إِلَيَّ وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا أَدْرِي مَا السَّفَرُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِم وَكَأَنَّهُ أحب أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ الْجَوَاهِرِ وَنَاذِرُ سَنَةٍ لَا يَكْفِيهِ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَلَا يسْقط رَمَضَان وَلَا العيدان وَالْحَيْضُ وَنَاذِرُ صَوْمِ يَوْمِ يَقْدُمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا يَصُومُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَصُومُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْقُدُومِ فِي الْيَوْمِ وَهُوَ النَّهَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} الْبَقَرَة 184 وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّيْلَةَ تَبَعٌ لِلنَّهَارِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ بِسِتَّة مِنْ شَوَّالٍ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ فَإِنْ قَدِمَ نَهَارا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الْكتاب وش وح لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَقَالَ أَشْهَبُ يَصُومُ غَيْرَهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَقْتَضِي مَشْرُوطَهُ بعده والقدوم فِي الْيَوْم مشترط وَلَوْ قَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُحَرَّمِ صَوْمُهَا فَالْمَنْصُوصُ نَفْيُ الْقَضَاءِ لِتَعَذُّرِهِ شَرْعًا وَالْقَضَاءُ فَرْعُ سَبَبِ وجود الْأَدَاءِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَوْ عَلِمَ بِقُدُومِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ فَبَيَّتَ الصِّيَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلْيَصُمِ الْيَوْمَ الَّذِي يَلِيهِ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِهِ أَبَدًا لَزِمَهُ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ يَوْمًا مُحَرَّمًا فَلَا يَقْضِي وَكَذَلِكَ إِن مَرضه وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْضِي فِي الْمَرَضِ أَوَّلَ مَا يَصِحُّ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ سَمَّاهُ فَوَافَقَ يَوْم حيض أَو مرض لَمْ يَقْضِهِ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ شَهْرًا وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِي الْكِتَابِ نَاذِرُ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ يُفْطِرُهُ مُتَعَمِّدًا يَقْضِي عَدَدَ أَيَّامِهِ مُتَتَابِعَاتٍ أَفْضَلُ فَإِنْ نَذَرَهُ مُتَتَابِعًا بِغَيْرِ عِلَّةٍ فَأَفْطَرَ مِنْهُ ابْتَدَأَهُ وَنَاذِرُ صَوْمِ يَوْمٍ بِعَيْنِه يقطره مُتَعَمِّدًا يَقْضِيهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمٍ لِوَقْتِهِ وَنَاذِرُ صَوْمِ الدَّهْرِ يَلْزَمُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لأيام الْعِيدِ وَالْحَيْضِ وَرَمَضَانَ وَلَهُ الْفِطْرُ بِالْمَرَضِ وَالسِّفْرِ وَلَا قَضَاءَ لِتَعَذُّرِهِ وَقَالَهُ ش وَنَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ أَوِ الشَّكِّ مُلْغًى كَنَذْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَقَالَهُ ش وَهُوَ مَذْهَبُ الْكتاب.

.الباب الثَّالِث فِي صِيغ الِالْتِزَام:

وَفِي الْجَوَاهِرِ فَهِيَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ نَحْوُهُ مُطْلِقًا أَوْ مُعَلِّقًا الشَّرْطَ نَحْوَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ النَذْرَ الْوَعْدُ كَيْفَ كَانَ وَمَدْرَكُهُ فَإِنْ قَالَ إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَلَيَّ كَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الشُّرُوطِ الْمَقْصُودَةِ الْإِعْدَامِ لَا الْإِيجَادِ لَزِمَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ تَكْفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ.
تَمْهِيدٌ:
فِي مُسْلِمٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَفَّارَةُ النَذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ حَمَلَهُ ش وَابْنُ حَنْبَل على نذر الْحَاج وَهُوَ مَا قُصِدَ بِهِ حَثٌّ عَلَى الْإِقْدَامِ وَالْإِحْجَامِ نَحْوَ إِنْ عَصَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى فَعَلَيَّ صَوْمٌ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْوَفَاءِ بِالنذرِ فِي الدراقطني قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ جَعَلَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي أَمْرٍ لَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ ضَعِيفُ السَّنَدِ وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى النَّذْرِ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ وَهُوَ أَوْلَى لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَن لفظ الحَدِيث مُطلق فيجمل عَلَى الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ وَثَانِيهَا أَنَّ النُّصُوصَ دَالَّةٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمَاتِ وَهَذَا لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَتُسَلَّمُ النُّصُوصُ على التَّخْصِيص بِخِلَاف مَا قَالَه وثالثهما مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ قَاعِدَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة قِسْمَانِ مَا قَرَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يكله إِلَى اخْتِيَار عبيده كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ لِاخْتِيَارِهِمْ وَحَصَرَ ذَلِكَ فِي بَابٍ وَاحِدٍ وَهُوَ نَقْلُ مَا شَاءُوا مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ إِلَى حَيِّزِ الْوُجُوبِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ نَقْلُ النَذْرِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَرَادُوا إِيجَابَهُ بِذَلِكَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا وَلَمَّا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَحْكَامَ شَرَعَ لِكُلِّ حُكْمٍ سَبَبًا وَجَعَلَ الْأَسْبَابَ قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا قَرَّرَ سَبَبِيَّتَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ لِاخْتِيَارِ عِبَادِهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَسْبَابِ الْعَقُوقَاتِ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ لِاخْتِيَارِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا كَانَ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ شَرْطُ النَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا أَسبَاب يلْزم من وجودهَا الْوُجُود من عَدَمِهَا الْعَدَمُ وَلَمْ يَحْصُرْ ذَلِكَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَمَا عَمِلَ فِي الْأَحْكَامِ بَلْ عَمَّمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُمْكِنَاتِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَمَا لَيْسَ مِنَ الْمُكْتَسَبَاتِ كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ الْأَمْطَارِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا اكْتِسَابٌ اخْتِيَارِيٌّ.
فَرْعٌ:
فِي الْبَيَانِ النَذْرُ إِمَّا مَنْدُوبٌ وَهُوَ الْمُطْلَقُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَضَى أَوْ مَكْرُوهٌ وَهُوَ الْمُفَكَّرُ مَعَ الْأَيَّامِ مَخَافَةَ التَّفْرِيطِ أَوْ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ وَفِي الْجَوَاهِر والمقدمات هَذَا هُوَ الْمَكْرُوهُ عِنْدَ مَالِكٍ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنِ النَذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ قَالَ وَالْكُلُّ لَازِمٌ وَكَيْفَمَا تَصَرَّفَ لَا يَقْضِي بِهِ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَهِي متعذرة مَعَ الْإِكْرَاه.

.كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ:

وَفِيهِ بَابَانِ:

.الباب الْأَوَّلُ فِيمَا يُبَاحُ لِلْمُخْتَارِ:

وَالْمَأْكُولُ إِمَّا جَمَادٌ وَإِمَّا حَيَوَانٌ أَوْ نَبَاتٌ وَالْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ بَحْرِيٌّ وَبَرِّيٌّ فَالْبَحْرِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ يُؤْكَلُ جَمِيعُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَلَا تَسْمِيَةٍ سَوَاءٌ صِيدَ أَوْ وُجِدَ طَافِيًا أَوْ فِي بَطْنِ طَيْرِ الْمَاءِ وَبَطْنِ حُوتٍ صَادَهُ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ كَانَ لَهُ شَبَهٌ فِي الْبَرِّ أَمْ لَا وَقَالَ ش السَّمَكُ حَلَالٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الدَّوَابِّ مِمَّا لَيْسَ لَهُ شيبَة فِي الْبر أَوله شيبَة حَلَالٌ فَهُوَ حَلَالٌ وَفِي افْتِقَارِهِ إِلَى الذَّكَاةِ قَولَانِ نظرا إِلَّا كَوْنِهِ سَمَكًا أَمْ لَا وَمَا لَهُ شَبَهٌ حَرَامٌ كَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَهُوَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ كَالضُّفْدَعِ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مِنَ الْخَبَائِثِ أَوِ السِّبَاعِ كَالتِّمْسَاحِ وَقَالَ ح يَحْرَمُ غَيْرُ السَّمَكِ الَّذِي يمون بِنَفْسِهِ لِانْدِرَاجِهِ فِي الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الضُّفْدَعِ وَالتِّمْسَاحِ وَتَوَقَّفَ مَالِكٌ فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَمْقُتُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَنَقَلَ أَبُو الطَّاهِرِ قَوْلًا بِالتَّحْرِيمِ لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَلحم الْخِنْزِير} وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَا تَطُولُ حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ يَفْتَقِرُ إِلَى الذَّكَاةِ وَاخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ كَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ احْتَجَّ ح بِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ الطَّافِي وَقَالَ مَا جَزَرَ عَنْهُ الْبَحْرُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ وَلِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَا يُؤْكَلُ كَالشَّاةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَعَنِ الثَّانِي الْعُرْفُ بِأَنَّ الْبَرِّيَّ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ إِذَا لَمْ تُسْتَخْرَجْ مِنْهُ الْفَضَلَاتُ الْمُسْتَخْبَثَةُ بِأَيْسَرِ الطُّرُقِ عَلَيْهِ وَهُوَ الذَّكَاةُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَالصَّيْدِ وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْفَضَلَاتِ فِي الْبَحْرِيِّ بِدَلِيلِ الْمَصِيدِ فَيَحِلُّ مُطْلَقًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لكم} وَلَا طَعَام بعد المصيد إِلَّا الطافي واما فِي الصِّحَاحِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَدُوا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ دَابَّةً تُدْعَى الْعَنْبَرَ فَأَكَلُوا مِنْهَا وَادَّهَنُوا وَأَتَوْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَطْعِمُونِي.

فَرْعٌ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قِيلَ إِذَا مَاتَ الطَّيْرُ وَالْحُوتُ فِي بَطْنِهِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي نَجَاسَةٍ وَكَالْجَدْيِ يُرْضِعُ خِنْزِيرَةً وَالطَّيْرِ الَّذِي يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيُؤْكَلُ.
فَرْعٌ:
قَالَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا اشْتَرَى حُوتًا فَوَجَدَ فِيهِ جَوْهَرَةً غَيْرَ مَعْمُولَةٍ فَهِيَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا إِنْ كَانَ صَيَّادًا وَإِنْ عَلِمَ تَدَاوُلَ الْأَمْلَاكِ عَلَيْهَا فَهِيَ لُقَطَةٌ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَشْبَانِيُّ إِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَلُقَطَةٌ وَكَذَلِكَ إِنْ تَدَاوَلَهَا الْأَمْلَاكُ وَأَمَّا الْبَرِّيُّ فَحَلَالٌ إِجْمَاعًا كَالْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ وَالطَّيْرِ السَّالِمِ عَنِ السَّبُعِيَّةِ وَالْمِخْلَبِ وَالِاسْتِخْبَاثِ وَحَرَامٌ إِجْمَاعًا وَهُوَ الْخِنْزِير قَالَ اللَّخْمِيّ لَحْمه وسحمه وَجِلْدُهُ وَلَبَنُهُ وَخَصَّصَتِ الْآيَةُ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ غَالِبًا وَقَدْ يُؤْكَلُ الْحَيَوَانُ مَسْمُوطًا وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ فِي الْكتاب تُؤْكَل الضرايب وَفِي التَّنْبِيهَات جَمِيع ضرب مثل ثَمَر وَهُوَ حَيَوَان لَهُ شوك.

فروع خَمْسَةٌ:
الْأَوَّلُ:
السِّبَاعُ وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي رِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ التَّحْرِيمُ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَمْ يَخْتَلِفِ الْمَدَنِيُّونَ فِي تَحْرِيمِ الْعَادِيِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَادِيِ كَالضَّبِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبْعِ وَالْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ فَمَكْرُوهٌ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ كُلُّ مَا يَفْتَرِسُ وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ فَلَا يُؤْكَلُ وَغَيْرُهُ يُؤْكَلُ لَنَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طَعَام يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فسقا أهل لغير الله} فَخَرَجَتِ السِّبَاعُ عَنِ التَّحْرِيمِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ أَسْئِلَةٌ الأول إِن هَذَا أجَاز عَنِ الْمَاضِي مِنَ الْوَحْيِ فَيَبْقَى الْمُسْتَقْبَلُ فَيَبْطُلُ الْحصْر وَثَانِيهمَا يَنْتَقِضُ بِذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَثَالِثُهَا أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَوُجُودُ الْوَحْيِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ مَعْلُومٌ وَرَابِعُهَا فِي الْمُوَطَّأ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اكا كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ زَادَ فِي مُسْلِمٍ وَذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ لَا لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي فَلَيْسَ صَرْفُهَا لِلْمَاضِي بِأَوْلَى مِنْ صَرْفِ الْمَاضِي الَّذِي هُوَ أَرْجَى إِلَى الْحَالَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْفِعْلِ أَوْلَى مِنَ الْحَرْف لِأَنَّهُ مَحل التصريف وَالتَّصَرُّف عَن الثَّانِي أَنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَى التَّخْصِيصِ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالنَّصِّ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ قَوْله لَا أحد عَامٌّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَخَبَرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقٌّ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ لَكِنَّهُ يَنْتَقِضُ بالثعلب والضبع مَعَ قَول الْخصم بإباحتمهما سلمنَا عدم المنتقض لَكِن أصابة الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ أَوْلَى مِنَ الْمَفْعُولِ فَيَكُونُ ذَوا النَّابِ هُوَ الْآكِلَ فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا مَا افْتَرَسَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ.
تَمْهِيدٌ:
أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَادَته بتغيير الأغذية للأخلاق حت وَصَفَ الْأَطِبَّاءُ قُلُوبَ الْأُسُودِ مِنَ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ لِلشَّجَاعَةِ وَقُوَّةِ الْقَلْبِ فَمَنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا اسْتَحَالَ طَبْعُهُ إِلَيْهِ وَالسِّبَاعُ ظَالِمَةٌ غَاشِمَةٌ قَاسِيَةٌ بَعِيدَةٌ مِنَ الرَّحْمَةِ فَمَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَنِي آدم من أكلهَا لَيْلًا يصير كَذَلِك فتعبد مِنْ رَحْمَتِهِ بِكَثْرَةِ الْفَسَادِ وَالْعِنَادِ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ نَهَضَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ لِلتَّحْرِيمِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ تَنْهَضْ عِنْدَهُ إِلَّا لِلْكَرَاهَةِ.
الثَّانِي:
ذَوَات الْحَافِر المقانسة وَفِي الْجَوَاهِرِ الْخَيْلُ مَكْرُوهَةٌ وَقَالَ ح دُونَ كَرَاهَةِ السِّبَاعِ وَقِيلَ مُبَاحَةٌ وَقَالَهُ ش وَابْنُ حَنْبَل وَقيل مُحرمَة {وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} النَّحْل 8 فَلَوْ كَانَتْ يَجُوزُ أَكْلُهَا لَكَانَ الِامْتِنَانُ بِهِ أَوْلَى وَمَذْكُورًا مَعَ الرُّكُوبِ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْخَيْلُ أَخَفُّ مِنَ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالُ بَيْنَهُمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا دَجَنَ حمَار وَحش وَصَارَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَ مَالِكٍ نَظَرًا لِحَالِهِ الْآنَ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ نَظَرًا لِأَصْلِهِ.
الثَّالِثُ:
مَا اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ مَمْسُوخٌ كالفيل والدب والقنفذ والقرد وَالضَّبِّ وَفِي الْجَوَاهِرِ اخْتُلِفَ فِي إِبَاحَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ثَمَنِ الْقِرْدِ وَلَوْ أُبِيحَ أَكْلُهُ لَمْ يَحْرُمْ ثَمَنُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ القرد إِن كَانَ يرْعَى كل الْحَشِيشِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ.
تَنْبِيهٌ:
فِي مُسْلِمٍ سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ الضِّبَابِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يُعَقِّبُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُخْبَرُ بِالْأَشْيَاءِ مُجْمَلَةً ثُمَّ يُفَصَّلُ لَهُ فَيُقَدَّمُ التَّفْصِيلُ عَلَى الْإِجْمَالِ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ بِالدَّجَّالِ مُجْمَلًا فَقَالَ حِينَئِذٍ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ لَمْ أكن فِيكُم فامرء حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَتَعْلِيلُ هَذِهِ بِالسَّبُعِيَّةِ وَالِاسْتِخْبَاثِ أَوْلَى.
الرَّابِعُ:
الْحَيَوَانَاتُ الْمُسْتَقْذَرَةُ فَفِي الْجَوَاهِرِ يَحْكِي الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَنَّا جَوَازَهَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث} الْأَعْرَاف 157 وَقَالَهُ الْأَئِمَّة وأباح ابْنُ حَنْبَلٍ الضَّبَّ لِأَنَّهُ أُكِلَ عَلَى مائدته علبه السَّلَامُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى إِبَاحَةِ الْجَرَادِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْبُخَارِيِّ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً وَالْغَالِبُ مَوْتُهُ فَلَوْ كَانَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ لَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ صَوْنًا لِلطَّعَامِ عَنِ النَّجَاسَةِ فَيَكُونُ أَصْلًا لَا نَفْسَ لَهُ وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام أحلّت لي مييتان الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالْعَجَبُ مِنْ نَقْلِ الْجَوَاهِرِ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِلْدِ وَالْوَبَرِ وَإِذَا ذُكِّيَتِ الْحَيَّاتُ مَوْضِعَ ذَكَاتِهَا جَازَ أَكْلُهَا لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ خشَاش الأَرْض وَهُوَ مِمَّا إِذَا ذُكِّيَتْ ذَكَاةَ الْجَرَادِ وَتُؤْكَلُ الضَّفَادِعُ وَإِنْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْمَاءِ وَالْحِلَزُونُ كَالْجَرَادِ فَيُؤْكَلُ مِنْهُ مَا سُلِقَ أَوْ شُوِيَ وَمَا مَاتَ فَلَا فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ مِنَ الْخَبَائِثِ بَعْدَ الْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ وَالْحَيَّاتِ فَائِدَةٌ ذَكَاةُ الْحَيَّاتِ لَا يُحْكِمُهَا إِلَّا طَبِيبٌ مَاهِرٌ وَصِفَتُهَا أَنْ يمسك برأسها وذنبها من غير عنق وَهِي على مِسْمَار مَضْرُوب فِي لوح يَضْرِبُ بِآلَةٍ حَادَّةٍ رَزِينَةٍ عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْدُودَةٌ عَلَى الْخَشَبَةِ فِي حَدِّ الرَّقِيقِ مِنْ رَقَبَتِهَا وَذَنَبِهَا مِنَ الْغَلِيظِ الَّذِي هُوَ وَسَطُهَا وَيَقْطَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَتَى بَقِيَتْ جِلْدَةٌ يَسِيرَةٌ فَسَدَتْ وَقَتَلَتْ بِوَاسِطَةِ جَرَيَان السم مِنْ رَأْسِهَا فِي جِسْمِهَا بِسَبَبِ عَصَبِهَا أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنَ السُّمِّ مِنْ ذَنَبِهَا فِي جِسْمِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ مَوْضِعُ ذَكَاتِهَا.
فَرْعٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ لَا أَكْرَهُ الْجَلَّالَةَ مِنَ الْأَنْعَامِ وَلَوْ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَكَرِهْتُ الطَّيْرَ الْآكِلَ لِلنَّجَاسَةِ وَكَرِهَهَا ابْنُ حَبِيبٍ وَحَرَّمَهَا ش إِنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَةُ لَحْمِهَا وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ حَرُمَ لَبَنُهَا وَلَحْمُهَا وَفِي بَيْضِهَا قَوْلَانِ لَهُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ نَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا وَأَمَّا النَّبَاتُ الْمَسْقِيُّ بِالنَّجَاسَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَبَاحَهُ ش وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ نَفْسَ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَقْذَرَةِ يُشَاهَدُ دُخُولُهَا فِي الْحَيَوَان فتعافه النُّفُوس فيصان اإنسان عَنْهُ بِخِلَافِ النَّبَاتِ.
فَائِدَةٌ:
الْجَلَّالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجِلَّةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَشَدَّ اللَّامِ وَهِيَ الْعَذِرَةُ.
تَمْهِيدٌ:
قَدْ يَتَخَيَّلُ الْفَقِيهُ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} عَسِيرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ {وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا} الْأَعْرَاف 58 وَالْمُرَادُ ضَعْفُ الْإِنْبَاتِ وقَوْله تَعَالَى {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} النُّور 26 وَالْمُرَادُ الْعُصَاةُ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} الْبَقَرَة 167 وَالْمُرَادُ بِهِ الدَّنِيَّةُ وقَوْله تَعَالَى {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} إِبْرَاهِيم 26 الْمُرَادُ بِهِ الْمُؤْلِمَةُ وَإِذَا كَانَ الْخَبِيثُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ بَقِيَ مُحْتَمِلًا فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَو يحمل على المستعبد فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ حَمْلُ كَلَامِ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ عَلَى عُرْفِهِ وَالْبُعْدُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَالنِّزَاعُ فِيهِ.
الْخَامِسُ:
الطَّيْرُ فَفِي الْجَوَاهِرِ كُلُّهُ مُبَاحٌ ذُو الْمِخْلَبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ فِي الْكِتَابِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ ذُو الْمِخْلَبِ وَقَالَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَرْوِهَا الزُّهْرِيُّ وَلَا مَالِكٌ وَلَا غَيْرُهُمَا وَالْمُنْفَرِدُ بِهَا قَلِيلُ الرِّوَايَةِ وَالْفَرْقُ الْمَشْهُورُ بِأَنَّ الِاسْتِخْبَاثَ فِي الظُّلم والسبيعة فِي السِّبَاعِ وَالْوَحْشِ أَعْظَمُ وَهُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَالْقُصُورُ فِي الْعِلَّةِ يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحُكْمِ وَفِي الْكِتَابِ كَرَاهَةُ الْخُطَّافِ وَنَحْوِهَا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَلَعَلَّهُ لِقِلَّةِ لَحْمِهَا فَيَكُونُ تَعْذِيبًا مِنْ غَيْرِ.
فَائِدَةٍ:
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ يُؤْكَلُ جَمِيعُ الْحَيَوَانِ مِنَ الْفِيلِ إِلَى النَّمْلِ وَالدُّودِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إِلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ وَهُوَ عَقْدُ الْمَذْهَبِ فِي رِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ إِلَّا أَن مِنْهُ مُبَاح وَمِنْه مَكْرُوه وَأَمَّا النَّبَاتُ وَالْجَمَادُ فَفِي الْجَوَاهِرِ تَحْرِيمُ مَا كَانَ نَجِسًا فَإِنْ خَالَطَ الطَّاهِرَ نَجِسٌ فَالْمَائِعُ يُطْرَحُ جَمِيعُهُ وَالْجَامِدُ تُطْرَحُ النَّجَاسَةُ وَمَا حَوْلَهَا وَيُؤْكَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ دَلِيلُهُ وتفصيله وَلَا يُؤْكَل المغير بِالْأَجْسَامِ وَقَالَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ وَيُكْرَهُ آكِلُ الطِّينِ وَحَرَّمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ لِإِفْسَادِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا كَانَ طَاهِرًا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ أُبِيحَ وَحَرَّمَ ش الْمُخَاطَ وَالْمَنِيَّ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا عِنْدَهُ وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْمُسْتَقْذَرَاتِ.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا جَوَازُ أَكْلِ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ إِذَا جُمِعَ فِي إِنَاءٍ وَقَالَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ وَحَرَّمَهُ ح لِأَنَّهُ جُزْءٌ آدَمِيٌّ فَيَحْرُمُ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْأَلْبَانِ.
فَرْعٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّمَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ مَسْفُوحًا وَسَوَّى مَالِكٌ بَيْنَ جُمْلَةِ الدِّمَاءِ فِي السَّمَكِ وَالْبَرَاغِيثِ وَغَيْرِهِمَا فِي النَّجَاسَةِ وَكُلُّ نَجِسٍ حَرَامٌ وَقَالَ أَيْضًا لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنَ الدَّمِ الْيَسِيرِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمَسْفُوحِ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ إِنَّمَا يَحْرُمُ الْمَسْفُوحُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَوْلَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مسفوحا} لَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ مَا فِي الْعُرُوقِ كَمَا اتَّبَعَهُ الْيَهُودُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَدَمُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَلَيْسَ عَلَى رُتْبَةٍ مِنْ لَحْمِهِ وَدَمُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَبْلَ الذَّكَاةِ كَذَلِكَ وَبَعْدَهَا يَحْرُمُ الْمَسْفُوحُ وَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَمِنْهُ سَفْحُ الْجَبَلِ لِأَنَّهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ السَّيْلُ وَالسِّفَاحُ الَّذِي يُقَابَلُ بِهِ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ إِرَاقَةُ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ فَإِذَا اسْتُعْمِلَتِ الشَّاةُ قَبْلَ تَقْطِيعِهَا وَظُهُورِ دَمِهَا كَالْمَشْوِيَّةِ جَازَ أَكْلُهَا اتِّفَاقًا وَإِنْ قُطِّعَتْ فَظَهَرَ الدَّمُ فَقَالَ مَرَّةً حَرَامٌ وَحَمَلَ الْإِبَاحَةَ عَلَى مَا لَمْ يَظْهَرْ نَفْيًا لِحَرَجِ التَّتَبُّعِ وَمَرَّةً قَالَ حَلَالٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَلَوْ خَرَجَ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا وَدَمُ مَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَكَاتِهِ وَهُوَ الْحُوتُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ إِذَا صُلِيَ بِهِ حَلَالٌ وَالْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهِ وَعَدَمِ حِلِّهِ أَوْلَى وَمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ على القَوْل بذكاته يحرم رُطُوبَتُهُ قَبْلَ الذَّكَاةِ وَيُخْتَلَفُ فِيمَا ظَهَرَ بَعْدَهَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهَا فَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ يُخْتَلَفُ فِيهِ إِذَا فَارَقَ.
فَرْعٌ:
يُوجَدُ فِي وَسَطِ صفار الْبيض أَحْيَانًا نقطة دم يتَوَلَّد مِنْهُ فَمُقْتَضَى مُرَاعَاةِ السَّفْحِ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ لَا تَكُونُ نَجِسَةً وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا الْبَحْثُ مَعَ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ غَيْرُهُ.
فَرْعٌ:
فِي الْبَيَانِ إِذا سلق بيض فَوجدَ فِي بَعْضهَا فرخ ميتَة لَا يُؤْكَلُ الْبَيْضُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ وَيَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّحْمَ إِذَا طُبِخَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَالْبَيْضُ يَخْرُجُ مِنَ الدَّجَاجَةِ الْمَيِّتَةِ لَا يُؤْكَلُ لِشُرْبِهَا رُطُوبَةَ الْمَيِّتَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُؤْكَلُ إِذَا اشْتَدَّ كَمَا لَوْ أُلْقِيَ فِي نَجَاسَةٍ.
فَرْعٌ:
قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ أَوَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّتِي تُطْبَخُ فِيهَا الْمَيْتَاتُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ تُغْسَلُ وَتُسْتَعْمَلُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا وَلِأَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لِكُلِّ شَيْءٍ.
قَاعِدَةٌ:
كُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَكْلَهُ أَوْ حَلَّلَهُ إِمَّا لِوَصْفِهِ أَوْ سَببه فَكُلُّ مَا حُرِّمَ لِوَصْفِهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِسَبَبِهِ وَكُلُّ مَا حَلَّ لِوَصْفِهِ لَا يَحْرُمُ إِلَّا بِسَبَبِهِ فَالسِّبَاعُ وَالْمَيْتَةُ وَالْخَبَائِثُ مَمْنُوعَةٌ لِوَصْفِهَا فَلَا تَحِلُّ إِلَّا بِسَبَبِهَا كَالِاضْطِرَارِ وَالْبَرِّ وَالْأَطْعِمَةُ الْمُحْسِبَةُ وَالْمَلَابِسُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْأَنْعَامُ حَلَالٌ لِوَصْفِهَا فَلَا تَحْرُمُ إِلَّا بِسَبَبِهَا كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَذَكَاةِ الْمَجُوسِ وَالْمُرْتَدِّ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذِهِ الْفُرُوعِ وَطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الذَّبَائِحِ.